أحدث المقالات

محاولة فقهية جديدة

ترجمة: الشيخ حيدر حبّ الله

مقدّمة

تحدّث الله تعالى في القرآن الكريم عن نوعين من الكرامة الإنسانية: الكرامة الذاتية؛ والكرامة المكتسبة، أما الكرامة الذاتية فقد جاء الحديث عنها في سورة الإسراء، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء: 70)؛ أما الكرامة المكتسبة فجاء الحديث عنها في سورة الحجرات، حين قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13).

إنّ الله تعالى عالم خبير حقاً في الأبعاد الإنسانية والاجتماعية المختلفة، ليس يشابهه أحد في خبرته، وعليه فالملاك الذي وضعه للكرامة حيث كان ناشئاً من العلم والخبرة فهو مطابق للواقع والحقيقة، على خلاف الامتيازات الأخرى، مثل: التفاخر بالأنساب والأحساب، والغنى، والثروة، واللون، والعرق، والذكورة، والأنوثة، مما هو امتياز باطل ووهم مخالف للحقيقة وعبث؛ لأن منشأ هذه جميعها إنما هو الجهات المادية والدنيوية، قال سبحانه: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (العنكبوت: 64)([1]).

والكرامة المكتسبة نتيجةٌ لسعي الإنسان في حياته. وكيفية إدارته لأعماله وأحواله مرهونة بهذه الكرامة، إلا أن الكرامة الذاتية تثبت للإنسان من حيث كونه مخلوقاً لله تعالى، وكونه خليفة الله سبحانه، ومن سجدت له الملائكة، ويملك قوى إدراكية وقدرةً على تشخيص الخير والشر، كما يتمتع بالقدرة على الاختيار والإرادة…، إن هذه جميعها ترشد إلى ارتباط الإنسان بالخالق، كما أنها توجب ـ من جهة أخرى ـ قدرته ولياقته وكرامته الذاتية بإذن من الله تعالى، ومن هنا يتمتع أفراد البشر جميعاً بهذه الكرامة وبصرف النظر عن عقائدهم وأفكارهم ومواطنيتهم وعرقهم وقوميتهم و…

ومن الطبيعي أن يكون لهذه الكرامة الذاتية لوازم وملزومات; أما ملزوماتها فهي مبادئ الكرامة التي تحدّثنا عنها والخصائص التي سردناها، وأما لوازمها فهي احترام العقل، والسؤال، والحرمة، والمكانة، والحقوق الطبيعية الأولية، ومسائل من هذا النوع، وبعض هذه اللوازم يرجع إلى العلاقة الحياتية ومعاشرة البشر بصرف النظر عن الاعتقادات والأفكار، ومن الطبيعي أن الله تعالى الذي منح الإنسان كرامته لاحظ هذه الكرامة عندما سنّ له التشريعات والقوانين.

ومن جملة الأمور التي لاحظها الشارع الحكيم العليم في الكرامة الإنسانية، حتى كأنه جزء لا ينفك عنها، بل يعدّ من لوازمها وذاتياتها، ويُعتبر عدم مراعاته مخالفةً لهذه الكرامة، بل احتقاراً وهتكاً لحرمة الإنسان…، هو التساوي بين البشر، وانعدام تمام أشكال التمييز والظلم على مختلف الصعد الحقوقية والاجتماعية والإنسانية والجزائية والسياسية والثقافية والاقتصادية و…

إن دراسة علاقات المسلمين بغيرهم في الفقه الإسلامي يفترض بها أن تخضع لقانون الكرامة الإنسانية، لا بمعنى طرح الأدلة الخاصة، وعجزها عن تخصيص هذه القاعدة القرآنية القوية المسلَّمة، التي هي بمثابة النص في المسألة، وإنما أخذ قاعدة الكرامة من الأصول والكليات والقواعد العامة التي لا يجوز للفقيه التغاضي عنها في اجتهاده المتصل بدراسة أحكام علاقات المسلمين بغيرهم.

إن هذا المقال يختصّ بدراسة موضوع الإرث بين المسلم وغير المسلم، وهو يأمل أن يتمكن من التقدم خطوةً في مسيرة الوصول إلى الأحكام الإلهية والوظائف الشرعية، محافظاً على المبادئ العامة الفقهية، وعلى الفقه التقليدي الجواهري وفقه الشيخ الأنصاري، الذي ركز على الاهتمام به الإمام الخميني&.

مدخل

تعدّ مسألة الإرث والتوارث بين المسلم والكافر من موضوعات الفقه الإسلامي، وقد بحثت هذه المسألة في الكتب الفقهية عند المذاهب الإسلامية جميعها بشكل موسّع وبالغ الاهتمام، ولابدّ لنا أن نعرف أن نظريات المذاهب الفقهية هنا غير متحدة، بل بينها اختلاف، فبعض أبعاد هذا الموضوع اتفق عليه تمام فقهاء المسلمين، وقد اختلفوا في بعض الأبعاد الأخرى التي شهدت خلافاً فقهياً.

يذهب فقهاء المذاهب الإسلامية كافة، أعم من الشيعة وأهل السنّة، إلى أن الكافر لا يرث من المسلم، لكنهم لا يتفقون على إرث المسلم من الكافر. فجمهور فقهاء أهل السنّة يعتقدون أن المسلم لا يرث من الكافر؛ أما مشهور فقهاء الشيعة فيذهبون إلى إرثه منه، بل إلى منع المسلم لسائر الورثة الكفار من الإرث من الكافر الميت أيضاً، بمعنى أنه لو توفي كافر، وله وارث مسلم واحد، وعدة ورثة كفار، كان تمام تركته ملكاً بالإرث للمسلم الواحد.

من هنا ـ وقبل تشريح أبعاد هذه المسألة ـ من المناسب الإشارة إلى نظريات فقهاء المذاهب الإسلامية في هذا المجال:

1 ـ آراء فقهاء الإمامية

يقول الشيخ الصدوق في «المقنع»: «واعلم أنه لا يتوارث أهل ملّتين، والمسلم يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم، ولو أن رجلاً ترك ابناً مسلماً وابناً ذمياً لكان الميراث للابن المسلم»([2]).

ويقول الشيخ المفيد في كتاب «المقنعة»: «ويرث أهل الإسلام بالنسب والسبب أهلَ الكفر والإسلام، ولا يرث كافرٌ مسلماً على حال; فإن ترك اليهودي أو النصراني أو المجوسي ابناً مسلماً وابناً على ملّته، فميراثه عند آل محمد‘ لابنه المسلم دون الكافر»([3]).

ويقول السيد المرتضى في كتاب «المسائل الناصريات»: «نحن نرث المشركين ونحجبهم. هذا صحيح، وإليه يذهب أصحابنا، ونحن نقول: إنّ المسلم يرث الكافر، ولا يرثه الكافر، فلا توارث بين الملّتين»([4]).

ويقول أبو الصلاح الحلبي في هذا الخصوص في كتاب «الكافي في الفقه»: «ولا يرث الكافر المسلم، وإن اختلف جهات كفره وقرب نسبه، ويرث المسلم الكافر، وإن بَعُدَ نَسَبُهُ، كابن خال مسلم لموروث مسلم، أو (كذا) كافر له ولد كافر بيهودية أو نصرانية أو جبر أو تشبيه أو جحد نبوة أو إمامة، ميراثه لابن خاله المسلم دون ولده الكافر»([5]).

ويقول ابن حمزة في «الوسيلة»: «المسلم يرث الكافر، ولا يرثه الكافر»([6]).

ويقول المحقّق الحلي في كتاب «شرائع الإسلام»: «والكفر المانع: هو ما يخرج به معتقده عن سمة الإسلام; فلا يرث ذمي ولا حربي ولا مرتد مسلماً، ويرث المسلم الكافر، أصلياً أو مرتداً. ولو مات كافر وله ورثة كفار ووارث مسلم كان ميراثه للمسلم ـ ولو كان مولى نعمة أو ضامن جريرة ـ دون الكافر وإن قرب، ولو لم يخلف الكافر مسلماً ورثه الكافر إذا كان أصلياً»([7]).

ويقول ابن سعيد في «الجامع للشرائع»: «والكفار يتوارثون وإن اختلفت مللهم، والمسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في الآراء، وإن ترك الكافر ولداً كافراً، وابن أخ، وابن أخت مسلمين، فالثلث لابن الأخت، والثلثان لابن الأخ، دون الولد»([8]).

ويقول الشهيد الأول في «الدروس»: «وثانيها: الكفر; فلا يرث الكافر المسلم وإن قرب، حتى أن ضامن الجريرة المسلم والإمام يمنعانه، ويرث المسلم الكافر، ويمنع ورثته الكفار، وإن قربوا وبعد»([9]).

وجاء في «جواهر الكلام» حول إرث المسلم من الكافر وعدم إرث الكافر من المسلم ما يلي: «فالكفر المانع عنه…، فلا يرث ذمي ولا حربي ولا مرتدّ ولا غيرهم من أصناف الكفار مسلماً، بلا خلاف فيه بين المسلمين، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المنقول منه مستفيض أو متواتر كالنصوص، ولا ينعكس عندنا، بل يرث المسلم الكافر أصلياً ومرتداً; فإن الإسلام لم يزده إلاّ علواً، كما في النصوص»([10]).

2 ـ آراء فقهاء أهل السنّة

يقول الشافعي (150 ـ 204هـ) في كتاب «الأم»: «أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد، أنّ رسول الله‘ قال: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم». قال الشافعي: «بهذا نقول; فكل من خالف دين الإسلام من أهل الكتاب ومن أهل الأوثان; فإن ارتدّ أحد من هؤلاء عن الإسلام لم يرثه المسلم; لقول رسول الله‘: وقطع الله الولاية بين المسلمين والمشركين، فوافقنا بعض الناس على كل كافر إلا المرتدّ وحده، فإنه قال: ترثه ورثته من المسلمين»([11]).

وكتب أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي الشافعي (476هـ) في كتاب «المهذَّب» ما نصّه: «ولا يرث المسلم من الكافر، ولا الكافر من المسلم، أصلياً كان أو مرتداً؛ لما روى أسامة بن زيد(رضي الله عنه) أن رسول الله‘ قال: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم»([12]).

وقال أحمد بن محمد بن القدوري الحنفي (332 ـ 428هـ) في كتاب «المختصر»: «والكفر كلّه ملّة واحدة يتوارث به أهله، ولا يرث المسلم من الكافر، ولا الكافر من المسلم، ومال المرتدّ لورثته من المسلمين، وما اكتسبه في حال ردّته فيء»([13]).

ويذكر ابن رشد المالكي (450 ـ 520هـ) في كتاب «بداية المجتهد» ما نصّه: «أجمع المسلمون على أنّ الكافر لا يرث المسلم; لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}; ولما ثبت من قوله‘: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم. واختلفوا في ميراث المسلم الكافر، وفي ميراث المسلم المرتد; فذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار إلى أنه لا يرث المسلم الكافر؛ بهذا الأثر الثابت، وذهب معاذ بن جبل ومعاوية من الصحابة، وسعيد بن المسيب ومسروق من التابعين، وجماعة، إلى أن المسلم يرث الكافر»([14]).

وكتب ابن قدامة الحنبلي (541 ـ 620هـ) في كتاب «المقنع» ما يلي: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، إلا أن يسلم قبل قسم الميراث; فيرثه». كما يكتب في «الكافي» يقول: «ويمنع الميراث ثلاثة أشياء: اختلاف الدين; فلا يرث مسلم كافراً، ولا كافر مسلماً، بحال; لما روى أسامة بن زيد عن النبي‘ أنه قال: لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر»([15]).

والذي يظهر لنا باستعراض الآراء والمواقف في هذا الموضوع أن هناك ثلاث مسائل:

1ـ عدم إرث الكافر من المسلم، وهذا متفق عليه بين المذاهب الإسلامية.

2ـ إرث المسلم من الكافر، وهو ما يذهب إليه فقهاء الإمامية.

3ـ مانعية المسلم عن إرث الورثة الكفار; وهذا ما يذهب إليه أيضاً فقهاء الإمامية.

إن دراستـنا الفقهية في هذا البحث سوف تدلّل على أن عدم إرث الكافر من المسلم له معنى خاص; أي إنه لا يشمل مطلق غير المسلم. وبعبارة أخرى: الكافر عنوان أخص من عنوان غير المسلم ومطلقه. كما أن مانعية المسلم من إرث الورثة الكفار تحتوي هذا المعنى أيضاً. ولكي نحلّل نظريتـنا المختارة هنا، ونمارس النقد والتفكيك للنظريات الأخرى المعروفة في فقه الإمامية، نظّمنا هذه الرسالة في أربعة فصول:

الفصل الأوّل: الأسس والمبادئ النظرية.

الفصل الثاني: عدم إرث غير المسلم من المسلم.

الفصل الثالث: إرث المسلم من غير المسلم، وحجبه للورثة غير المسلمين.

الفصل الرابع: النظرية المختارة.

الفصل الأوّل: الأسس والمبادئ النظرية

ندرس في هذا الفصل بعض الأسس والمبادئ النظرية التي يمكنها أن تشكّل خلفيات مسبقة للأبحاث الفقهية الآتية، ومن بين هذه المبادئ مسألتان هامتان:

إحداهما: الأصل الأولي في مسألة توارث المسلم والكافر؛ وثانيتهما: تحليل معنى الكافر نفسه.

1 ـ الأصل الأولي في توارث المسلم والكافر

تقتضي إطلاقات أدلة الإرث في الكتاب والسنّة أن أيّ وارث يرث مورِّثه، بدون أيّ دخل للدين والعقيدة في هذا الأمر، وأحد هذه الإطلاقات هو الآية الشريفة القائلة: {وَأُوْلُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللهِ} (الأنفال: 75؛ الأحزاب: 6)، ولا يخفى أن هذه الآية، مثل الروايات الواردة تحتها وسائر الروايات المشابهة، تعدّ أساساً تحتياً لقضية التوارث من ناحية الوارثين، وهي من الآيات الرئيسة في قوانين الإرث، ولا يمكن العثور في الفقه الإمامي على أيّ مورد يخالف هذه الآية أو هذا الأصل الأساسي الإلهي والقرآني، بمعنى أن يكون الوارث غير الأقرب مقدّماً ـ بالضرورة ـ على الوارث الأقرب، وهو ما يعبّر عنه في كلمات الفقهاء ـ بوصفه تعبيراً آخر عن مضمون الآية ـ بقاعدة الأقربية.

ومن الأدلّة الأخرى التي يدل إطلاقها على التوارث بين أيّ وارث ومورّث ما جاء في الحديث: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي؛ وعلي بن ابراهيم، عن أبيه، جميعاً، عن القاسم بن محمد الإصبهاني، عن سليمان بن داوود المنقري، عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبدالله×، أن النبي‘ قال: «… ومن ترك مالاً فلورثته…»([16]).

2 ـ معنى الكافر

هل المراد من الكافر في الآيات والروايات غير المسلم أو أنه مخصوص بأولئك الذين ينكرون الدين عن علم ومعرفة واطلاع؟ وبعبارة أخرى: هل الكافر هو مطلق غير المسلم، سواء كان قاصراً أم مقصّراً، أو أن تعبير الكافر يختصّ بغير المسلم عندما يكون مقصّراً؟

الذي نجده في تعبيرات الفقهاء هو المعنى العام لكلمة الكافر، بحيث يشمل القاصر والمقصّر، إلا أن الذي نراه أن الكافر في مصطلح القرآن والسنّة يختصّ بغير المسلم إذا كان مقصِّراً، ولا يشمل الأفراد القاصرين. وبعبارة أخرى: يطلق الكافر فقط على خصوص الأفراد المعاندين والمنكرين، الذين يعرفون الحق وينكرونه، ويعرفون حقية الله والآيات النازلة على رسوله لكنهم ـ مع هذا اليقين ـ ينكرون الله أو آياته النازلة أو أنبياءه المرسلين من عنده; وعليه فالقاصرون البعيدون عن الحقيقة؛ لجهالتهم وعجزهم عن البحث، ليسوا كافرين.

وشاهدُنا على هذا الادعاء ما يلي:

1ـ لقد جاء الوعيد بالعذاب والنار في موارد كثيرة جداً من القرآن والسنّة بحق الكافر، ومن الواضح أن القاصر غير المسلم ليس مشمولاً ـ بحكم العقل والنقل ـ للوعيد بالعذاب والنار; أولاً: لأن تعذيب مثل هؤلاء ظلم وخلاف للعدل، ومشمول لقاعدة قبح العقاب بلا بيان؛ وثانياً: قد صرّح القرآن الكريم بهذا الأمر عندما قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (الإسراء: 15).

وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من الأصوليين استدلّ بهذه الآية على البراءة، وفهموا من تعبير «الرسول» الوارد فيها الإشارة إلى الحجة والدليل، فمع الأخذ بعين الاعتبار هذه الآية مع الآيات التي تتوعد الكافرين بالعذاب نفهم أن العذاب والعقوبة يترتبان على إبلاغ الدليل والحجة، أما من لم تصله الحجة ولا الدليل، ولم يكن لديه علم بالحجة والحق، فلا يطلق عليه وصف الكافر؛ إذ لو أطلق عليه هذا الوصف لصار مشمولاً للعذاب، فيما هذه الآية تصرّح بنفي العذاب دون إبلاغ الحجّة.

2ـ جاء في عدة روايات تعريف الكافر ضمن عدّة قيود لا تشمل سوى المقصّر، ونشير هنا إلى روايتين فقط من باب المثال:

أ ـ يقول الإمام علي× في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة: «… اللّهمّ عذِّب كفرة أهل الكتاب، الذين يصدّون عن سبيلك، ويجحدون آياتك، ويكذِّبون رسلك…»([17]). وفي هذا النص يدعو الإمام× على الكفار من أهل الكتاب، لا على تمام أهل الكتاب، ثم يقوم بتوصيفهم بأنهم سدّوا الطريق إلى الله تعالى، وجحدوا بالآيات، وأنكروا وكذبوا الرسل…. إن هذه التقييدات والتوصيفات في مقام تعريف الكفار من أهل الكتاب تدلّ على أن الكافر عنوانٌ لا يطلق سوى على الجاحد، ولا يشمل الأفراد القاصرين; فالكفر أخصّ من عدم الإسلام، وفي إطلاق وصف الكافر هناك موضوعية للعناد مع العلم; لأن كلمة الجحود في اللغة تعني الإنكار عن علم، واستخدمت في ذلك. يقول الفيومي في ذيل كلمة «جَحَدَهُ»: «حقّه وبحقه (جحداً) و(جحوداً) أنكره، ولا يكون إلا على علم من الجاحد به»([18])؛ وفسّر الراغب «جحد» بما يلي: «الجحود نفي ما في القلب إثباته، وإثبات ما في القلب نفيه»([19])؛ وجاء في المنجد: «جَحَد: جَحْداً وجحوداً: كفر به ـ كذبه ـ حقّه وبحقه أنكر مع علمه به فهو جاحد»([20]).

ب ـ رواية أبي عمرو الزبيدي، عن الإمام الصادق× أنه قال: «قال: قلت له: أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عزّ وجلّ، قال: الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه، فمنها: كفر الجحود، والجحود على وجهين; والكفر بترك ما أمر الله، وكفر البراءة، وكفر النعمة; فأما كفر الجحود فهو الجحود بالربوبية، وهو قول من يقول: لا ربّ ولا جنّة ولا نار، وهو قول صنفين من الزنادقة، يقال لهم: الدهرية، وهم الذين يقولون: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} (الجاثية: 24)، وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان على غير تثبت منهم ولا تحقيق لشيء مما يقولون، قال الله عزّ وجلّ: {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} (الجاثية: 24)، أن ذلك كما يقولون. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تـنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (البقرة: 6)، يعني بتوحيد الله تعالى، فهذا أحد وجوه الكفر.

وأما الوجه الآخر من الجحود على معرفة، وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنه حقّ قد استقرّ عنده، وقد قال الله عزّ وجلّ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} (النمل: 14)، وقال عزّ وجلّ: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (البقرة: 89). فهذا تفسير وجهي الجحود…»([21]).

وحيث استشهد الإمام× في هذه الرواية بآيات من القرآن الكريم فمن المناسب الإشارة هنا إلى الأبحاث التفسيرية لهذه الآيات، الأمر الذي يؤيِّد مدَّعانا هنا; فيذهب صاحب تفسير الميزان في ذيل الآية 23 من سورة الجاثية: {أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْم…} إلى أن معنى الآية ـ حيث قدّم الله تعالى فيها كلمة (إلهه) على كلمة (هواه) ـ أولئك الذين ينكرون الله مع علمهم بوجوده وبلزوم عبادته، لكنهم رغم علمهم يضعون هواهم مكان الله سبحانه فيعبدونه، وهذا مؤداه أن مثل هذا الشخص يغدو كافراً بالله مع علمه به; لهذا استمرّت الآية بالقول: {وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْم…}، أي أنه ضلّ من جانب الله، لكن هذا الإضلال من ذات الباري تعالى إنما جاء لاتباع الكافر هوى نفسه، مع علمه بالله سبحانه ووجوب العبودية له([22]).

ونستـنتج من بيان صاحب الميزان: أن الكفر يعني ـ أوّلاً ـ الإنكار مع علم، وأن إضلال الكافر إنما هو ـ ثانياً ـ لعلمه بالله سبحانه، وهذا الإضلال مترتب ومستقر على علم الكافر، لا أن الله أضلّ الكافر عن علم من الله تعالى.

3ـ الشاهد الثالث على مدعانا هو اللغة; لأن الكفر في اللغة بمعنى الستر; حيث يقول الراغب الإصفهاني في معناه: «الكفر في اللغة: ستر الشيء، ووصف الليل بالكافر لستره الأشخاص، والزارع لستره البذر في الأرض…، كفر النعمة وكفرانها سترها بترك أداء شكرها»([23]). وقد فسّر في «الصحاح» الكفر بهذا المعنى أيضاً، حيث قال: «الكافر: الليل المظلم; لأنه ستر كلّ شيء بظلمته، والكافر: الذي كفر درعه بثوب، أي غطّاه ولبسه فوقه، وكل شيء غطى شيئاً فقد كفره. قال ابن السكيت: ومنه سمّي الكافر; لأنه يستر نعم الله عليه…، والكافر: الزارع؛ لأنه يغطّي البذر بالتراب»([24]).

وكتب الفيروزآبادي في «القاموس» في معنى الكفر قائلاً: «…وكفر نعمة الله، وبها كُفوراً وكُفراناً: جحدها وسترها. وكافَرَه حقّه: جحده. والمكفَّر كمعظَّم: المجحود النعمة مع إحسانه. وكافر: جاحد لأنعم الله تعالى»([25]). وقد نقل ابن منظور هذا الكلام من الفيروزآبادي بطوله([26]).

ومن الواضح أنه لا ستر بلا معرفة وإدراك; فلا يقال: ساتر إلا لمن علم بشيء ثم أنكره، أما الغافل الذي لا اطّلاع له على غير المعتقدات الباطلة فلا يقال له: ساتر. وقد جاء في تعليقة كتاب «القوانين»، في مبحث عدم جواز التقليد في أصول الدين، ما يلي: «… بل نقول: يظهر من لفظ الكافر هو المقصّر، فيكون القاصر خلاف الظاهر، وخلاف المتبادر من هذا اللفظ; فيكون محكوماً بعدم إرادته منه. ووجه هذا الظهور أن الكافر مشتق من الكفر، بمعنى الستر، وهو فعل اختياري صادر عن قصد وشعور، فلابد أن يكون المراد من الكافر من يكون كفره كذلك، ولا يكون ذلك إلا كفر المقصّر لا القاصر; فإن كفر القاصر انكفار لا كفر، نظير الفرق بين الاستتار والستر، والانجعال والجعل، والانكسار والكسر، فتدبّر»([27]). ففي هذه فعل ثلاثي استبطن القصد والشعور، على خلاف الفعل المزيد الذي ليس كذلك.

استنتاج

نستـنتج من معنى الكفر والكافر في الكتاب والسنّة واللغة، الظاهر في الجحود والجاحد، والشامل لمن حصل لديه علم بحقيّة الإسلام، وتمت الحجة عليه، ثم أصرّ على الكفر وعلى البراءة من الإسلام وإنكاره…، نستـنتج من ذلك كلّه أن غير المسلم عنوان يستوعب كل الأفراد غير المسلمين، القاصرين والمقصِّرين، أما عنوان الكفر فهو أخصّ مطلقاً من عنوان عدم الإسلام، ولا يشمل تمام غير المسلمين، بل يختص بالمقصِّرين منهم.

الفصل الثاني: عدم إرث غير المسلم من المسلم

تقدّم أن فقهاء المذاهب الإسلامية كافة يعتقدون بعدم إرث الكافر من المسلم، كما يرون أن الكافر عنوان عام يشمل القاصر والمقصّر، بل إنهم صرّحوا بأن تمام أصناف الكفار مشتركون في هذه المسألة، وقد استعرضنا آراءهم في ما سبق. أما في هذا الفصل فسوف نمارس نقداً وتحليلاً لهذه النظرية.

والظاهر أنه يمكن تقسيم أدلّة المشهور إلى ثلاث مجموعات:

الأولى: الروايات الخاصّة الشاهدة على هذا المضمون.

الثانية: الروايات العامة التي يمكن الاستـناد إليها هنا.

الثالثة: الإجماعات التي ادّعيت في هذه القضية، وتم الاعتماد عليها.

ونحاول الآن دراسة هذه الأدلة على الشكل التالي:

1 ـ الاستناد إلى الروايات الخاصّة

تقسّم الروايات الخاصة التي يمكن أن يستـند إليها هنا إلى سبع مجموعات، هي:

المجموعة الأولى: نصوص منع إرث الكافر من المسلم

وتوجد بهذا المضمون ثلاث روايات، هي:

1ـ وعنه، عن الحسن بن صالح، عن أبي عبدالله× قال: «المسلم يحجب الكافر، ويرثه، والكافر لا يحجب المسلم، ولا يرثه»([28]).

2ـ وبإسناده عن الحسن بن علي الخزاز، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله×: «لا يرث الكافر المسلم…»([29]).

3ـ وبإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن عبدالله بن زرارة، عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس، قال: سمعت أبا عبدالله× يقول: «لا يتوارث أهل ملّتين يرث هذا هذا، ويرث هذا هذا، إلا أن المسلم يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم»([30]).

ولا يعني الكافر في هذه الروايات غير المسلم، الشامل للقاصر والمقصِّر، وإنما هو خاص ـ بقرينة الشواهد التي قدّمناها في الفصل الأوّل ـ بالمقصِّر; لذا لا يمكن توثيق المدّعى العام للفقهاء هنا بهذا الدليل والمدرك.

المجموعة الثانية: نصوص منع إرث المشرك من المسلم

وهنا يستدلّ بروايتين:

1ـ وبإسناده عن زرعة، عن سماعة، عن أبي عبدالله× قال: سألته عن المسلم، هل يرث المشرك؟ قال: «نعم، فأما المشرك فلا يرث المسلم»([31]).

2ـ ورواه الشيخ بإسناده عن يونس، عن زرعة، عن سماعة، عن أبي عبدالله× قال: سألت أبا عبدالله× عن الرجل المسلم هل يرث المشرك؟ قال: «نعم، ولا يرث المشرك المسلم»([32]).

وفي ما يخص هذه الروايات لابد من الانتباه لأمرين:

أ ـ إذا لم ندّعِ في هاتين الروايتين القطع بأنهما رواية واحدة؛ لوحدة السائل والمجيب والمضمون، فلا أقل من أنه هو الظاهر منهما، والاختلاف البسيط في المضمونين لا يلحق ضرراً بذلك.

ب ـ إن هذه الروايات هنا حالها حال روايات المجموعة الأولى، فهي مختصّة بالمشرك المقصِّر الذي أشرك بالله عن علم وعمد وتقصير، ولا تشمل الشرك المنطلق من الغفلة والقصور، فالله تعالى يقول في القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (التوبة: 28)، وحيث كان عنوان «المشركون» جمعاً محلّى بالألف واللام فقد دلّ على وجود النجاسة الروحية والخباثة النفسانية أينما حلّ شرك، ومن الواضح أن هذه الخباثة الروحية والانحطاط الروحي لا يمكن أن ينسبا إلى الأفراد الغافلين والقاصرين تماماً، فحيث تمنع الغفلة عن إنزال العقوبة والجزاء كذا تمنع عن أسبابها الموجبة لها. وعليه فدعوى عموم هذه الروايات لا يمكن إثباتها.

المجموعة الثالثة: نصوص نفي التوارث بين أهل ملّتين ]دينين[

وهناك أربع روايات دالّة على هذا المفهوم، وهي:

1ـ وبإسناده عن موسى بن بكر، عن عبدالرحمن بن أعين، عن أبي عبدالله×، قال: «لا يتوارث أهل ملّتين، نحن نرثهم، ولا يرثونا، إن الله عزّ وجلّ لم يزدنا بالإسلام إلاّ عزّاً»([33]).

2ـ محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل وهشام، عن أبي عبدالله×، أنه قال في ما روى الناس عن النبي‘ أنه قال: «لا يتوارث أهل ملّتين»، قال: «نرثهم، ولا يرثونا; إن الإسلام لم يزده في حقّه إلاّ شدّة»([34]).

3ـ وبإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن عبدالله بن زرارة، عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس، قال: سمعت أبا عبدالله× يقول: «لا يتوارث أهل ملتين، يرث هذا هذا، ويرث هذا هذا، إلا أن المسلم يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم»([35]).

4ـ وبإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن عبدالله بن جبلة، عن (ابن بكير)، عن عبدالرحمن بن أعين، قال: سألت أبا عبدالله× عن قوله‘: «لا يتوارث أهل ملّتين»، قال: فقال أبو عبدالله×: «نرثهم ولا يرثونا، إن الإسلام لم يزده في ميراثه إلا شدّة»([36]).

وفي سياق توضيح مضمون هذه الروايات يجب أن نعلم أن المراد بالملتين هنا: ملّة الكفر؛ وملّة الإسلام، لا ملّة الإسلام وملّة غير الإسلام من سائر الملل; وذلك: أوّلاً: إذا كان المقصود عدم التوارث بين ملّة الإسلام وملّة غير الإسلام كان ينبغي في التعبير أن يقال: «لا يكون التوارث بين الملل».

وثانياً: إن الكفر قدّم في النصوص بأنه ملّة واحدة، كما قال صاحب مفتاح الكرامة; فإن الإمام الصادق× عرّف الكفر بأنه ملّة واحدة، وهذا ما دلّ عليه القرآن الكريم أيضاً حين قال: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} (يونس: 32)، ليس شيء بعد الحق سوى الضلالة([37]).

إذاً، فليس المقصود الإسلام وعدمه، بل الإسلام والكفر، وقد تقدم أن الكافر قاصر؛ ومقصِّرٌ معاندٌ، ولا يشمل الكفر القاصر، هذا بصرف النظر عن أن الرواية الثالثة ـ وهي خبر أبي العباس ـ فسّرت الملتين بالمسلم والكافر، فقالت: «لا يتوارث أهل ملتين، إلا أن المسلم يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم».

المجموعة الرابعة: نصوص منع إرث الذمي من المسلم

وتدل على هذا المضمون روايتان:

1ـ محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد، قال: سمعت أبا عبدالله× يقول: «المسلم يرث امرأته الذمية، وهي لا ترثه»([38]).

2ـ محمد بن يعقوب، عن أحمد بن محمد ـ يعني العاصمي ـ، عن علي بن الحسن التيمي، عن أخيه أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن ابن رباط، رفعه، قال: قال أمير المؤمنين×: «لو أن رجلا ذمياً أسلم، وأبوه حيّ، ولأبيه ولد غيره، ثم مات الأب، ورثه المسلم جميع ماله، ولم يرثه ولده ولا امرأته مع المسلم شيئاً»([39]).

وحول هذه الروايات لابدّ من القول: أوّلاً: إن موردها خاص; لأن مورد الرواية الأولى هو الزوجة، ومورد الرواية الثانية هو الولد والزوجة; ومن ثَمّ لا يمكن استـنتاج قاعدة عامة منها.

ثانياً: إن موردها الذمي والذمية، اللذين لا ابتلاء بهما في عصر الغيبة; إذ إما لا توجد قدرة على إيقاع عقد الذمة، أو أن شرعية هذا العقد مختصّة بزمان الحضور، كما هو رأينا; وعليه فلا يمكن الاستدلال بهاتين الروايتين حتى بالنسبة لموردهما الخاص.

وإذا قيل بأن حكم هاتين الروايتين محقَّق بالنسبة لغير الذمي في عصر الغيبة، كالمستأمن والمعاهد؛ عبر تـنقيح المناط، فيتمّ التعميم; لأن الاستئمان والمعاهدة ـ كالذمة تماماً ـ سببٌ لحصول احترام النفس والعرض والمال وسائر الحقوق الاجتماعية، فإذا كان الذمي ـ رغم احترام حقوقه ـ لا يرث المسلم فإن المستأمن والمعاهد سيكونان كذلك أيضاً. وبعبارة أخرى: إذا لم يصر عقد الذمة، الذي هو مناط احترام الحقوق الاجتماعية لأهل الذمة، سبباً لإرث الذمي من المسلم فإن الأمر على الوزان نفسه في الاستئمان والمعاهدة، بل يمكن استخدام الأولوية هنا; لأن الذمي رغم دفعه الجزية لا يمكنه أن يرث من المسلم، فبطريق أولى لا يمكن ذلك للمعاهد والمستأمن بعد أن لم يكونا ليدفعا الجزية.

لكننا نقول في الجواب عن هذا الكلام:

أوّلاً: إن إلغاء الخصوصية ـ فضلاً عن الأولوية ـ ممنوع; لوجود اختلاف واضح بين أهل الذمة وسائر غير المسلمين، كالمستأمن والمعاهد، في بعض الموارد. ومحل بحثنا من هذا القبيل، ففي هذه الروايات كانت الزوجة من أهل الذمة، وكذلك الولد، ومنعا من الإرث، وظاهر الرواية المرفوعة أن المراد من الولد الصغيرُ، فحيث كانت الزوجة والوُلْد الصغار من أهل الذمة لا يعطون الجزية فمن المحتمل أن تكون الممنوعية من الإرث في مقابل هذا الامتياز، لكن هذا العفو غير موجود في مورد المستأمن والمعاهد; لهذا لا معنى للمنع عن الإرث فيهما.

ثانياً: إن تعميم حكم الذمي لغيره مبنيّ على تمامية مستـند الحكم في أهل الذمة أنفسهم، والحال ليس كذلك; لأن الحديث الثاني ضعيف سنداً؛ لوجود الرفع فيه، ومجهولية ابن رباط أيضاً، أما الحديث الأوّل فرغم تمامية سنده إلا أن هناك تردداً حقيقياً في اعتباره; لأن لازم الأخذ به القبول بعدم إرث الزوجة غير المسلمة، أعمّ من الذمية وغير الذمية، وهذا ما يوجب تقييد وتخصيص الكثير من الروايات الواردة في إرث الزوجة من الزوج، والعقلاء قد لا يقبلون تخصيص أو تقييد الروايات الكثيرة بخبرٍ واحد ولو كان سنده صحيحاً، فيتردّد الأمر.

ثالثاً: على فرض الأخذ بالتعميم فمن المحتمل اختصاص ذلك بزمان الحضور، تماماً كما اختص عقد الذمة به; لأن الذمة مربوطة بما بعد الدعوة الابتدائية وقبل القتال والحرب، والرأي المشهور ـ وهو مختارنا ـ أن الدعوة الابتدائية مختصة بزمان الحضور; وعليه فالتعميم يختص ـ تلقائياً ـ بذلك الزمان أيضاً.

رابعاً: إذا قبلنا التعميم لغير أهل الذمة، ولم نخصّص ذلك بعصر الحضور، فسوف تعارض هذه الصحيحة هاتين الروايتين، وهما:

أ ـ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن غير واحد، عن أبي عبدالله×: في يهودي أو نصراني يموت، وله أولاد مسلمون وأولاد غير مسلمين؟ فقال: «هم على مواريثهم»([40]).

ب ـ وفي «المقنع» قال: قال أبو عبدالله×، في الرجل النصراني (تكون) عنده المرأة النصرانية، فتسلم أو يسلم، ثم يموت أحدهما؟ قال: «ليس بينهما ميراث»([41]).

إن مرسلة ابن أبي نجران مثلها مثل الرواية الصحيحة; من حيث إنها نقلت عن غير واحد من أصحابنا. أما مرسلة الصدوق فحيث أرسلها بصيغة الجزم، وبتعبير: «قال»، واعتضدت برواية ابن أبي نجران، صارت معتبرة، رغم أن مرسلة ابن أبي نجران كافية في المعارضة. ومع الأخذ بنظر الاعتبار هذه المعارضة تترجّح مرسلة ابن أبي نجران; لالتئامها مع القرآن والسنّة.

المجموعة الخامسة: نصوص عدم إرث اليهودي والنصراني من المسلم

ويمكن الاستـناد ـ في إطار هذا المضمون ـ إلى ثلاث روايات:

1ـ وبإسناده عن عاصم بن حميد، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر× قال: سمعته يقول: «لا يرث اليهودي والنصراني المسلمين، ويرث المسلمون اليهود والنصارى»([42]).

2ـ عبدالله بن جعفر في «قرب الإسناد»، عن عبدالله بن الحسن، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر×، قال: سألته عن نصراني يموت ابنه، وهو مسلم، هل يرث؟ فقال: «لا يرث أهل ملّة»([43]).

3ـ محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عبدالملك بن أعين ومالك بن أعين جميعاً، عن أبي جعفر× قال: سألته عن نصراني مات، وله ابن أخ مسلم، وابن أخت مسلم، وله أولاد وزوجة نصارى؟ فقال: «أرى أن يعطى ابن أخيه المسلم ثلثي ما تركه، ويعطى ابن اخته المسلم ثلث ما ترك، إن لم يكن له ولد صغار؛ فإن كان له ولد صغار فإنّ على الوارثين أن ينفقا على الصغار مما ورثا عن أبيهم حتى يدركوا»، قيل له: كيف ينفقان على الصغار؟ فقال: يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة، ويخرج وارث الثلث ثلث النفقة، فإذا أدركوا قطعوا النفقة عنهم، قيل له: فإن أسلم أولاده وهم صغار؟ فقال: «يدفع ما ترك أبوهم إلى الإمام حتى يدركوا، فإن أتموا على الإسلام إذا أدركوا دفع الإمام ميراثه إليهم، وإن لم يتموا على الإسلام إذا أدركوا دفع الإمام ميراثه إلى ابن أخيه وابن أخته المسلمين، يدفع إلى ابن أخيه ثلثي ما ترك، ويدفع إلى ابن أخته ثلث ما ترك»([44]).

وفي إطار الجواب عن هذه الروايات يمكن القول:

أوّلاً: إن صحيحة محمد بن قيس وخبر علي بن جعفر، رغم صراحتهما الدلالية على عدم إرث اليهودي والنصراني من المسلم، يعارضان مرسلة ابن أبي نجران المتقدِّمة، وحيث كانت المرسلة منسجمة مع إطلاق الكتاب والسنّة في إرث الأولاد فإنّها تُرجَّح عليهما، مضافاً إلى أن للمرسلة نقولات متعددة ]عن غير واحد من أصحابنا[، أما الصحيحة فلم تـنقل سوى عن عاصم بن حميد.

ويجيب الشيخ الطوسي في كتاب «تهذيب الأحكام»([45]) عن التعارض بأن المراد من جملة «هم على مواريثهم» الواردة في مرسلة ابن أبي نجران إرث اليهود والمسيحيين فيما بينهم، وإذا قلنا بأن المراد إرثهم من المسلم فلابد من حمل الرواية على صورة التقية.

ويجاب عن كلام شيخ الطائفة& بأن تفسير المرسلة بما تقدّم أعلاه من التوارث فيما بينهم يخالف ظهور الرواية، وهو ما صرّح به الشيخ نفسه، أما الحمل على التقية فلا يكون إلا عندما لا يكون هناك في المرحلة الأسبق ما يوافق القرآن والسنّة من أحد طرفي التعارض، ومرسلة ابن أبي نجران مطابقة لإطلاقات الكتاب والسنّة، فلا تصل النوبة إلى الترجيح بمخالفة أهل السنّة.

قد يقال: يترجح في المعارضة تقديم هاتين الروايتين على المرسلة; لأن الشهرة الفتوائية بين الأصحاب مطابقة لهما.

إلا أن هذا الكلام غير صحيح; ذلك أن موضوع الشهرة في عبارات الفقهاء هو الكفر، أما موضوع الروايتين فهو اليهودي والنصراني، ويضاف إلى ذلك أن وجود نقولات متعددة للمرسلة بين الأصحاب ]عن غير واحد من أصحابنا[ يمنع عن القبول بشهرة الرأي المقابل; لأن نقل الروايات في عصر الحضور شاهد بنفسه على الإفتاء على طبق الرواية، وهذا التعبير يدل على أن هناك مجموعة كبيرة من أصحاب الأئمة في عصر الحضور كانوا يعملون بهذه المرسلة، وعليه فكيف يمكن القول بأن الرأي الآخر ـ على خلاف المرسلة ـ يحظى بشهرة عملية وفتوائية؟!

ثانياً: إن عين ما تقدم يمكن ذكره في ما يخص خبر مالك بن أعين ـ أي الرواية الثالثة ـ، وقد قال المحقق الأردبيلي بعد نقله هذه الرواية: «هي مخالفة للقوانين، فيمكن طرحها؛ لعدم الصحّة; لعدم توثيق مالك، بل يُفهم ذمُّه. قال في الخلاصة([46]): روى الكشي: إن مالك بن أعين ليس من هذا الأمر في شيء، وعن علي بن أحمد العقيقي أنه كان مخالفاً; فالقول بالصحة ـ كما فعله في الشرح([47])والمختلف([48]) ـ مشكل.

لعلّ المراد: إليه صحيح، ولكن حينئذ لا تصلح للحجية في مثل هذه الأحكام المخالفة للقوانين، وهو ظاهر. على أن في متـنه أيضاً قصوراً; حيث حكم أولاً بتوريث ابن الأخ وابن الأخت، ولم يفصّل بين إسلام الأولاد وعدمه، وحكم بعده بأنه إذا أسلموا يعطى الإمام…إلخ. ويفهم وجوب الإنفاق على ابني الأخ والأخت مع عدم العلم بأنهم أسلموا، ولم يفهم وجوب الإنفاق على الإمام مع علمه بالإسلام، بل ظاهر دفع الميراث إليهم إن بقوا على الإسلام، وإليهما بالتثليث إن لم يبقوا، يشعر بعدم الإنفاق، فتأمل، فلا يحتاج إلى التأويل والتـنزيل»([49]).

المجموعة السادسة: نصوص الإسلام قبل تقسيم الإرث

وهناك روايات كثيرة تدور حول هذا المضمون، نذكر منها ثلاثاً:

1ـ محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه؛ وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد؛ وعن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعاً، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي بصير ـ يعني: المرادي ـ قال: سألت أبا عبدالله× عن رجل مسلم مات، وله أم نصرانية، وله زوجة وولد مسلمون؟ فقال: «إن أسلمت أمه قبل أن يقسّم ميراثه أعطيت السدس»، قلت: فإن لم يكن له امرأة، ولا ولد، ولا وارث له سهم في الكتاب، مسلمين، وله قرابة نصارى ممَّن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين، لمن يكون ميراثه؟ قال: «إن أسلمت أمه فإن ميراثه لها، وإن لم تسلم أمّه وأسلم بعض قرابته ممَّن له سهم في الكتاب فإن ميراثه له، فإن لم يسلم أحد من قرابته فإن ميراثه للإمام»([50]).

2ـ وعن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبدالله بن مسكان، عن أبي عبدالله×، قال: «من أسلم على ميراث قبل أن يقسَّم فله ميراثه، وإن أسلم وقد قُسِّم فلا ميراث له»([51]).

3ـ وعنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان الأحمر، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما’، قال: «من أسلم على ميراث (من) قبل أن يقسَّم فهو له، ومن أسلم بعدما قُسِّم فلا ميراث له، ومن أعتق على ميراث قبل أن يقسَّم الميراث فهو له، ومن أعتق بعدما قُسِّم فلا ميراث له». وقال: «في المرأة إذا أسلمت قبل أن يقسَّم الميراث فلها الميراث»([52]).

هذه الروايات كثيرة من حيث العدد، وقد بلغ نقلها حدّ الاستفاضة; إلا أنها تعاني ـ مع ذلك ـ من مشكلة على مستوى الدلالة; وذلك أنها لا تدل على مانعية الكفر أو حجب الإسلام لميراث الكافر، بل هي تبيّن حكم المسألة بعد الفراغ عن هذا الأمر، فهي ليست في مقام البيان من ناحية أن الكفر مانع عن الإرث، أو أن المانع هو عدم الإسلام، من هنا فهي ساكتة، ولهذا لا يمكن الاستـناد إليها.

قد يقال: إن صحيحة أبي بصير ـ وهي الرواية الأولى المتقدمة في هذه المجموعة ـ تفرض الأم المسيحية والأقرباء المسيحيين محرومين من الإرث، ولم يحصل أيّ استفسار عن أن مسيحيتهم كانت عن عناد وإنكار أم عن قصور. وبعبارة أخرى: هذه الرواية تدلّ على أن المانع هو عدم الإسلام، لا الكفر.

ويجاب بأن ظاهر الصحيحة أن كفر الأم المسيحية هنا كان عن عناد وتقصير; وذلك أن فرض إسلام الابن والزوجة والحفيد، مع بقائها ـ أي الأم ـ على الكفر، يعني أن ذلك كان تقصيراً منها، وإلا فكيف لا ترجع عن دينها رغم كل هذه العلامات والشواهد؟! إن الشواهد التاريخية في تاريخ الإسلام تدلّل على أن الأمهات كنّ يُسلمن بعد إسلام أولادهنّ، فقد تحدّث زكريا بن إبراهيم عن تجربته، فقال: «كنت نصرانياً، فأسلمت، وحججت، فدخلت على أبي عبدالله×، فقلتُ: إني كنت على النصرانية وإني أسلمت، فقال: وأي شيء رأيت في الإسلام؟ قلت: قول الله عزّ وجلّ: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الاِْيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ} (الشورى: 52)، فقال: لقد هداك الله. ثم قال: اللّهمّ اهدِه ـ ثلاثاً ـ، سَلْ عما شئت يا بُني، فقلت: إن أبي وأمي على النصرانية، وأهل بيتي، وأمي مكفوفة البصر، فأكون معهم وآكل في آنيتهم؟ فقال: يأكلون لحم الخنزير؟ فقلت: لا، ولا يمسّونه، فقال: لا بأس، فانظر أمك فبرّها، فإذا ماتت فلا تكِلْها إلى غيرك، كن أنت الذي تقوم بشأنها، ولا تخبرنّ أحداً أنك أتيتـني حتى تأتيني بمنى إن شاء الله. قال: فأتيته بمنى، والناس حوله كأنه معلم صبيان، هذا يسأله وهذا يسأله، فلما قدمت الكوفة ألطفت أمي، وكنت أطعمها، وأفلّي ثوبها ورأسها، وأخدمها، فقالت لي: يا بني، ما كنت تصنع بي هذا وأنت على ديني! فما الذي أرى عنك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفية؟! فقلت: رجل من ولد نبينا أمرني بهذا، فقالت: هذا الرجل هو نبي؟ فقلت: لا، ولكنه ابن نبي، فقالت: يا بني، إن هذا نبي، إن هذه وصايا الأنبياء، فقلت: يا أماه، إنه ليس يكون بعد نبينا نبي، ولكنه ابنه، فقالت: يا بني، دينك خير دين، اعرضه عليّ، فعرضته عليها; فدخلت في الإسلام، وعلَّمتُها، فصلّت الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة، ثم عرض لها عارض في الليل، فقالت: يا بني، أعِدْ عليّ ما علّمتـني، فأَعَدْته عليها، فأقرّت به، وماتت; فلما أصبحت كان المسلمون الذين غسَّلوها، وكنت أنا الذي صليت عليها، ونزلت في قبرها»([53]).

إن هذه المسألة تصدق أيضاً على الأقرباء المسيحيين الواردين في ذيل الرواية أيضاً; لأن الأقرباء الذين ورد لهم سهم في القرآن الكريم هم الأقرباء المقرَّبون، كالأب، والأم، والأبناء، والأخوات، والإخوان، وكفر هؤلاء ـ بعد اختيار بعض أفراد الأسرة للإسلام ـ لا يمكن أن يكون إلا عن تقصير و…، ولا أقل من أنه مع وجود هذا الاحتمال لا يمكن الاستـناد إلى هذه الرواية. وبعبارة أخرى: ليس منعهم من الإرث بسبب كونهم مسيحيين؛ بل لعدم كونهم مؤتمنين، ولعل عدم سؤال الإمام عن حالة هؤلاء الأقارب المسيحيين لأن تمام النصارى في ذلك الزمان غير مؤتمنين. ومن هنا لا يكون ترك الاستفصال دالاًّ على العموم.

هذا كلّه مع الغضّ عن أن بعض الفقهاء خدشوا في رواية أبي بصير، ولم يقبلوها، كما ينقل ذلك عنهم صاحب الوسائل([54]).

المجموعة السابعة: نصوص الارتداد

هناك رواية واحدة في هذا المضمون، وهي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عمَّن ذكره، عن أبي عبدالله×، في رجل يموت مرتداً عن الإسلام، وله أولاد؟ فقال: «ماله لولده المسلمين»([55]).

لكن ـ بغض النظر عن ضعفها بالإرسال ـ لا يمكن الاعتماد عليها؛ لعدة وجوه:

أوّلاً: إن الحكم في هذه الرواية خاص بالمرتدّ، وحيث إن له أحكاماً خاصة فمن الصعب إلغاء الخصوصية وتعميم الحكم إلى سائر أصناف الكفار.

ثانياً: بعض روايات إرث المرتدّ تتحدث أنه لأولاده، بلا ذكر قيد الإسلام فيهم وعدمه([56]).

2ـ الاستناد إلى الروايات العامّة

ويستدل هنا ببعض الروايات التي تتحدث بصورة عامة عن بعض مزايا المسلمين مقابل الكافرين، وهذه الروايات هي:

1ـ وبإسناده عن أبي الأسود الدؤلي: أن معاذ بن جبل كان باليمن، فاجتمعوا إليه، وقالوا: يهودي مات، وترك أخاً مسلماً، فقال معاذ: سمعت رسول الله‘ يقول: «الإسلام يزيد ولا ينقص»، فورّث المسلم من أخيه اليهودي([57]).

2ـ قال الصدوق: وقال النبي‘: «الإسلام يزيد ولا ينقص»([58]).

3ـ قال: وقال×: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، فالإسلام يزيد المسلم خيراً، ولا يزيده شراً»([59]).

4ـ قال: وقال×: «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه»([60]).

لكن ركاكة الاستدلال بهذه الروايات واضحة جلية; إذ لا يُرى وجهٌ للاستدلال بها هنا؛ لأن مسألة إرث غير المسلم من المسلم ليست شراً بالنسبة للمسلم، ولا علواً بالنسبة للإسلام، وإنما هي حق اجتماعي، ومن حقوق القرابة والزواج، وليس لها أدنى علاقة بمسألة الشرّ أو العلو.

والجدير بالذكر أن تمام هذه الروايات مرسَلٌ وفاقدٌ للاعتبار السندي.

3 ـ الاستناد إلى الإجماعات

استعرضنا في بداية هذا البحث كلمات الفقهاء ـ الشيعة والسنّة ـ في عدم إرث غير المسلم من المسلم، وأشرنا هناك إلى آرائهم وإجماعاتهم المدَّعاة أيضاً، وقد ظهر إجماع المذاهب الإسلامية كافة على هذه المسألة.

لكنْ يُجاب بأن الإجماع يغدو حجةً عندما لا يكون هناك ـ غيره ـ مدركٌ من كتاب أو سنة، أما مع وجود أدلة قرآنية وروائية في مسألة ما فلا مجال بعد ذلك للاستدلال بالإجماع في تلك المسألة…، وهنا حيث إن تمام الفقهاء تمسّكوا بالأخبار والروايات كثيراً فلابد من الرجوع إلى مستمسكهم نفسه، وإخضاعه للبحث والدراسة، فلا قيمة لاجتماعهم هنا على رأي واحد.

الفصل الثالث: إرث المسلم من غير المسلم، ومنعه إرث الوارث غير المسلم

تؤيِّد نظريةَ إرث المسلم من الكافر القواعدُ العامة في الإرث والعمومات الواردة فيه. وبعبارة أخرى: إن الأصل الأولي الذي أشير له سابقاً يشهد على هذا الأمر، عدا عن تلك الأخبار والروايات الكثيرة الدالة هنا، والتي استعرضناها في الفصل السابق ونشير هنا اختصاراً إلى فهرستها، متجنبين ذكر متونها.

أ ـ الروايات الثلاث في المجموعة الأولى.

ب ـ الروايتان الواردتان في المجموعة الثانية.

ج ـ الروايات الأربع في المجموعة الثالثة.

د ـ الروايتان الواردتان في المجموعة الرابعة.

هـ ـ الحديث الأوّل من المجموعة الخامسة.

ومن هنا فالبحث الهام الذي يستدعي دراسة مركّزة في هذا الفصل هو منع المسلم لإرث الكافر، وقد سبق أن قلنا بأن هذا هو الرأي المشهور لفقهاء الشيعة. وبالنظر في الأدلة نجد أن عمدة ما يعتمدون عليه هنا دليلان: أحدهما: الأخبار والروايات؛ وثانيهما: الإجماع. ونحن نذكر الدليلين، ثم نقيِّمهما وننقدهما إن شاء الله تعالى.

1 ـ الاستدلال بالروايات على الحجب

استـند المحقق النراقي في كتاب «مستـند الشيعة» إلى هذه الروايات في هذه المسألة([61]):

1ـ خبر الحسن بن صالح، عن الإمام الصادق×: «المسلم يحجب الكافر ويرثه، والكافر لا يحجب المؤمن ولا يرثه»([62]).

2ـ خبر مالك بن أعين، عن الإمام الباقر×: سألته عن نصراني مات، وله ابن أخ مسلم، وابن أخت مسلم، وله أولاد وزوجة نصارى؟ فقال: «أرى أن يعطى ابن أخيه المسلم ثلثي ما تركه، ويعطى ابن أخته المسلم ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد صغار…»([63]).

3ـ مرفوعة ابن رباط، قال: قال أمير المؤمنين×: «لو أن رجلاً ذمياً أسلم، وأبوه حيّ، ولأبيه ولد غيره، ثم مات الأب، ورثه المسلم جميع ماله، ولم يرثه ولده ولا امرأته مع المسلم شيئاً»([64]).

4ـ رواية الفقه الرضوي: «ولو أن رجلاً مسلماً أو ذمياً ترك ابناً مسلماً وابناً ذمياً لكان الميراث من الرجل المسلم والذمي للابن المسلم»([65]).

5ـ الروايات الدالّة على أن من أسلم قبل تقسيم الإرث أخذ سهماً منه، وقد استعرضنا بعض هذه الروايات في الفصل السابق، في المجموعة السادسة([66]).

يقول المحقق النراقي ـ بعد إشارته لهذه الروايات ـ: «ثم بعد تحقق الشهرة العظيمة، التي كادت أن تكون إجماعاً، لا يضرّ ضعف المستـند، مع أن في روايات من أسلم إلى الميراث ما ليس بضعيف»([67]).

قراءة ونقد

هذه الروايات لا يمكن الاستدلال بها من وجهة نظرنا; وذلك:

أوّلاً: إن الحديث الأوّل ـ خبر الحسن بن صالح ـ هو المستـند الوحيد من بين الروايات الخمس المذكورة، أما الأحاديث الأربعة فلا دلالة لها; لأن رواية مالك بن أعين ومرفوعة ابن رباط مختصَّتان بمورد خاص، ولا يصح استخراج حكم عام منهما. وكذلك الحال في الروايات المتحدِّثة عن الإسلام قبل قسمة التركة، فهي مختصّة بما إذا كان المورِّث مسلماً لا كافراً، وهذا خارج عن محل النزاع; حيث نتحدث عن حالة كون المورِّث كافراً والوارث مسلماً، وهل يحجب الوارثُ المسلم سائر الورثة الكفار أو لا؟ والدليل على أن المورِّث في هذه الروايات مسلم، وليس بكافر، هو أنه لو كان كافراً فلا معنى للإسلام قبل تقسيم الإرث؛ إذ عندما يكون المورث كافراً وعموم ورثته كفاراً أيضاً فإنهم يرثونه بلا حاجة إلى حصول الإسلام قبل قسمة التركة; وعليه فمورد الروايات كون المورِّث مسلماً.

ثانياً: ذكرنا سابقاً أن مضمون روايتي مالك بن أعين وابن رباط لا ينسجم مع القواعد العامة في الإرث، ولا مع الكتاب والسنّة; فحتى لو تمّ سندهما لا يمكن الاعتماد عليهما.

ثالثاً: لا مجال لإحراز الشهرة الجابرة للضعف، التي ادّعاها الفاضل النراقي; لأن الشيء الوحيد الذي وصلنا من المشهور هو فتواهم بحجب الوارث المسلم، دون أن نعرف مستـندهم في ذلك. نعم، يمكن للشهرة أن تجبر الضعف السندي عندما تكون شهرةً عملية; بمعنى أن المشهور ـ رغم ضعف الروايات سنداً ـ إلا أنهم جعلوها مستـندهم في مقام الإفتاء، وعملوا بها. وهذا الاستـناد لابد أن يحرز ويكون متيَّقناً، وهنا لا نعرف هل أن المشهور عملوا ـ في فتواهم ـ بهذه الروايات الضعيفة، حتى نتحدث عن شهرة عملية جابرة لضعف السند، أو أنهم اعتمدوا في فتواهم هذه على أدلّة أخرى؟ وعليه ففتوى المشهور هنا لا يمكنها ـ ما دمنا لم نحرز كونها شهرة عملية ـ أن تجبر ضعف سند هذه الروايات.

رابعاً: أفضل حديث عن رواية الحسن بن صالح هو ما ذكره الشهيد الثاني في «المسالك»; فلدى شرحه عبارة «شرائع الإسلام» في موت الكافر الذي له ورثة مسلمون وكافرون، وأنه يرثه المسلم…، قال: «هذا الحكم مشهور بين الأصحاب، بل كأنه لا خلاف فيه، وليس عليه من الأخبار دليل صريح، سوى رواية الحسن بن صالح، عن أبي عبدالله× قال: «المسلم يحجب الكافر ويرثه، والكافر لا يحجب المؤمن ولا يرثه»، وإثبات الحكم برواية الحسن غير حسن; إلا أن يجعل المدرك الإجماع»([68]).

وكما صار واضحاً فإن كلام الشهيد الثاني حول هذا الحديث علميٌّ قابلٌ للقبول.

2 ـ الاستناد إلى الإجماع

الدليل الثاني الذي قد يعتمد عليه المشهور هنا هو الإجماع، كما مرّ في كلام الشهيد الثاني، حيث جعل المدرك هو الإجماع بعد مناقشته في رواية الحسن بن صالح. يقول الفاضل النراقي بعد طرحه هذه المسألة: «وادعى عليه الإجماع في المفاتيح، ونفى عنه الخلاف في السرائر والمسالك وغيرهما»([69]).

ويكتب صاحب الجواهر فيقول: «بل المسلم يحجب الوارث الكافر; فلو مات كافر، وله ورثة كفار ووارث مسلم…، كان ميراثه للمسلم، ولو كان مولى نعمة أو ضامن جريرة، دون الكافر وإن قرب، بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المنقول منه، نصاً وظاهراً، في محكي الموصليات والخلاف والسرائر والنكت والتـنقيح وكشف اللثام، مستفيض»([70]).

ومن الواضح أن الإجماع يصبح مدركياً مع وجود أخبار مثل رواية الحسن بن صالح، فلا يمكن ـ بعد ذلك ـ الاستـناد إليه، نعم لو لم يكن هناك دليل من الأخبار والروايات في البين لانفتح باب الاعتماد على الإجماع.

وخلاصة ما توصلنا إليه ورأيناه، مع ملاحظة ما تقدّم حتى الآن، هو:

أوّلاً: لا يوجد دليل معتبر يمكن الاعتماد عليه لحجب المسلم للكافر.

ثانياً: لو قبلنا رواية الحسن بن صالح فإن موردها الكافر، ويشمل ـ لغةً ـ المقصِّر لا غير، لأن القرائن التي أبرزناها في الفصل الأوّل تعطي هذا اللفظ مدلولاً خاصاً، وإلا كانت هذه الرواية غير متلائمة مع القواعد العامة للإرث، وكذلك مع الكتاب والسنّة، كما أسلفنا شرحه، وسنشير إليه في الفصل الرابع بعون الله.

الفصل الرابع: النظرية المختارة

اتضحت نظريتـنا من ثنايا ما قلناه حتى الآن. لكن لو أردنا جمع عناصر نظريتـنا وأضلاعها في مكان واحد وقالب واضح لكانت كما يلي:

1ـ الأصل الأولي هو توارث الأقرباء من بعضهم، وهو ما تدل عليه آيات القرآن الكريم وأخبار أهل البيت^.

2ـ إنّ ما استُثني من هذا الأصل ليس سوى الكفار الذين ينطلق كفرهم من العناد والإنكار، بحيث يصدق عليهم مفهوم الكفر حقيقةً. وقد بيّنّا هذا الأمر معتمدين على شواهد مختلفة في استخدامات كلمة «كافر» ومشتقاتها في النصوص الدينية. وبناءً عليه فالأقرباء الواقعون في طبقة من طبقات الإرث إذا كانوا كافرين، وكان كفرهم عن تقصير، فإنهم يُحرمون من الإرث.

3ـ عمّم مشهور الفقهاء مفهوم الكافر، فاعتبروا كل من ليس بمسلم كافراً، مستـندين إلى أدلّة مختلفة، عامة وخاصة، وكذا إلى الإجماع.

وقد بينّا ـ من وجهة نظرنا ـ أن تعميم المشهور هنا غير صحيح وغير تام، وشرحنا ذلك لدى مناقشتـنا أدلتهم، ونبيِّن هنا مناقشةً عامة لهم في سياق استعراضنا لنظريتـنا المختارة.

أحد الأصول العامة للديانة الإسلامية والشريعة الغراء هو مبدأ العدالة، فالعدالة الإلهية هي عمود خيمة التكوين والتشريع، فكلاهما يقوم على أساس العدل، وقد تحدّث المولى سبحانه مرات عدة في كتابه عن هذا الأمر، فقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} (الأنعام: 115)، وقال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّم لِلْعَبِيدِ} (فصلت: 46). كما أن العقل يحكم بقبح صدور الظلم من الساحة الإلهية، ويراه محالاً.

وعلى صعيد آخر فإن كل الناس عباد الله ومخلوقاته، والله رؤوف بهم، وتشملهم رحمته جميعاً، بل هي تطال كل شيء، ومن هنا إذا لم يعتـنق شخص الإسلام عن غفلة وقصور، ومنعناه ـ نتيجة ذلك ـ من حقه الطبيعي في الإرث، أو كان وجود وارث مسلم معه حاجباً ومانعاً له عن الإرث…، أليس ذلك ظلماً وتمييزاً غير مقبول من جانب العقل والعرف؟؛ لأن العلاقات النسبية والسببية ليست أموراً تعاقدية، وإنما هي ارتباط طبيعي يستدعي حقوقاً طبيعية، ولا يقبل الحيلولة دون هذه الحقوق الطبيعية… وبعبارة أخرى: إن الاعتقاد الباطل عن غفلة وقصور لا يستدعي ملاحقة قانونية.

وإذا لم تقبل التفسيرات المتصلة بالروايات الخاصة التي ذكرناها ضمن الفصول السابقة نقول: إن هذه الروايات مخالفة للقواعد القرآنية والعقلية العامة، فلابد من وضعها جانباً، والأخذ بميزان آخر لا يعارض العقل والعدل ولا يختلف معهما، ومن الواضح أن هذا الكلام لا يأتي في الكافر بالمعنى الحقيقي للكلمة; لأن كفره جاء عن تقصير وعناد وإنكار، فيمكنه أن يمنعه من الإرث؛ ليكون ذلك عقوبةً له، تماماً كما يقول الشيخ الصدوق في كتاب «من لا يحضره الفقيه» لدى بحثه عن مانعية الكفر: «إنّ الله عزّ وجلّ إنما حرّم على الكفار الميراث عقوبةً لهم بكفرهم، كما حرم على القاتل عقوبةً لقتله، فأما المسلم فلأيّ جرم وعقوبة يحرم الميراث؟! وكيف صار الإسلام يزيده شراً؟!»([71]).

الهوامش

(*) أحد مراجع التقليد في إيران اليوم، تلميذ الإمام الخميني والسيد البروجردي، عضو سابق في مجلس خبراء القيادة، له آراء فقهية عديدة مخالفة لمشهور العلماء، ولا سيما في فقه المرأة.

([1]) لمزيد من الاطلاع انظر: الطباطبائي، تفسير الميزان 21: 154.

([2]) المقنع: 502.

([3]) المقنعة: 700.

([4]) الناصريات: 421، المسألة السابعة والتسعون والمائة.

([5]) الكافي في الفقه: 374.

([6]) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 394.

([7]) شرائع الإسلام 4: 5.

([8]) الجامع للشرائع: 502.

([9]) الدروس الشرعية 2: 344.

([10]) جواهر الكلام 39: 15.

([11]) الأم 4: 89.

([12]) المجموع شرح المهذب 18: 207.

([13]) اللباب في شرح الكتاب على المختصر 4: 197.

([14]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2: 287.

([15]) الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل: 562.

([16]) الكافي 1: 406، ح6.

([17]) من لا يحضره الفقيه 1: 277، ح 1262; وقد اعتبر العلامة المجلسي& في روضة المتقين هذه الخطبة من أفضل الخطب، موصياً بالمداومة عليها، قائلاً: «وهذه الخطبة، والخطبة الكبيرة التي رواها الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر×، من أحسن الخطب المروية، فينبغي المداومة عليهما». انظر: روضة المتقين 2: 606.

([18]) المصباح المنير: 91.

([19]) مفردات غريب القرآن: 88.

([20]) المنجد: 79.

([21]) الكافي 2: 389، ح 1.

([22]) الميزان في تفسير القرآن 18: 167 ـ 176.

([23]) مفردات غريب القرآن: 433.

([24]) الصحاح 1: 651.

([25]) القاموس المحيط: 424.

([26]) لسان العرب 12: 118.

([27]) حديقة الأصول، تعليقة على القوانين 2: 170.

([28]) وسائل الشيعة 26: 11، ح 2.

([29]) المصدر نفسه: 12، ح 3.

([30]) المصدر نفسه: 15، ح 15.

([31]) المصدر نفسه: 13، ح 5.

([32]) المصدر نفسه، ذيل ح 5.

([33]) وسائل الشيعة 26: 13، ح 6.

([34]) المصدر نفسه: 15، ح 14.

([35]) المصدر نفسه، ح 15.

([36]) المصدر نفسه، ح 17.

([37]) انظر: مفتاح الكرامة 8: 18.

([38]) وسائل الشيعة 26: 11، ح 1.

([39]) المصدر نفسه: 24، ح 1.

([40]) وسائل الشيعة 26: 24، ح 2.

([41]) المصدر نفسه: 14، ح 12.

([42]) المصدر نفسه: 13، ح 7.

([43]) المصدر نفسه: 18، ح 24.

([44]) المصدر نفسه: 18، ح 1.

([45]) تهذيب الأحكام 9: 371، ذيل ح 1327.

([46]) خلاصة الأقوال: 411.

([47]) غاية المراد 3: 597.

([48]) مختلف الشيعة 9: 74، مسألة: 23.

([49]) مجمع الفائدة والبرهان 11: 484.

([50]) وسائل الشيعة 26: 20، ح 1.

([51]) المصدر نفسه: 21، ح 2.

([52]) المصدر نفسه، ح 3.

([53]) الكافي 2: 160 ـ 161، ح 11.

([54]) وسائل الشيعة 26: 20، ذيل الحديث 1 (الهامش 3).

([55]) المصدر نفسه: 28، ح 6.

([56]) انظر: المصدر نفسه 26: 29، ح 7؛ و27، ح 3.

([57]) المصدر نفسه: 14، ح 8.

([58]) المصدر نفسه، ح 9.

([59]) المصدر نفسه، ح 10.

([60]) المصدر نفسه، ح 11.

([61]) مستـند الشيعة 19: 24 ـ 25.

([62]) ذكرناها سابقاً في المجموعة الأولى من الفصل السابق.

([63]) ذكرناها سابقاً في المجموعة الخامسة من الفصل السابق.

([64]) ذكرناها سابقاً في المجموعة الرابعة من الفصل السابق.

([65]) فقه الرضا: 290.

([66]) راجع الفصل المتقدم.

([67]) مستـند الشيعة 19: 25.

([68]) مسالك الأفهام 13: 22.

([69]) مستـند الشيعة 19: 24.

([70]) جواهر الكلام 39: 16.

([71]) من لا يحضره الفقيه 4: 243.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً