أحدث المقالات

قراءة في تجربة الشيخ الجناتي

ترجمة: عقيل البندر

لاشك أن الزمان والمكان والضروريات الملحة التي تدور في فضائهما من العناصر المهمة في تبلوّر الحكم الشرعي وصدوره، من هنا كان لبعض الفقهاء الماضين والمعاصرين اهتمام متأرجح بهذا الجانب، وبعد انتصار الثورة الإيرانية صار الموضوع الزمكاني الشغل الشاغل لكثير من الفقهاء، لاسيما الإمام الخميني؛ ليدخل هذا الاهتمام مجالات حيوية واسعة ومختلفة سواء على الصعيد الحكومي أم الاجتماعي حتى طال السلوك الشخصي للفرد، عندما شكل عنصر الزمان والمكان الأداة الفاعلة في الإفتاء، الأمر الذي يميّز بجلاء الفرق بين الاجتهاد الزمكاني الحراكي و الاجتهاد المغلق الراكد.

وقد يبدو الحديث عن الاجتهاد الزمكاني سهلاً يسيراً، بيد أن الالتزام به كطريقة خاصة لاستنباط الحكم الشرعي لا يخلو من صعوبة وتعقيد، إذا يلزم الفقيه العمل طبقاً لأصول الاستنباط في الفقه الشيعي، ومن جانب آخر عليه أن يفعّل العنصر الزمكاني الذي له علاقة بالحكم المراد استنباطه، نائياً في الوقت نفسه عن كل صور التحجّر والانغلاق ليكون ما استنبطه جواباً وافياً للضرورة الملحة.

علاوة على ذلك، فإن تسليط الفقيه الضوء على الأبواب الفقهية المختلفة، الفهم العميق، الخبرة، الإحاطة بالجوانب النظرية والمعرفية لضرورات الزمان والمكان،ملاحظة ظروف المكلف، كل ذلك يمكن أن يسهم في إعانته على استخراج الحكم المناسب، وبالتالي يكون حكمه مواكباً لمقتضيات زمانه.

من هنا،جاءت هذه القراءة لكتاب «فقه وزمان» الذي يحتوي على مقالات الشيخ محمد إبراهيم جناتي من أجل الوقوف على أمور:

أولاً: تعريف القرّاء بآراء هذا المؤلف الفقهيه.

ثانياً: مساهمة عرض تفاصيل هذه المباحث في التأسيس لأرضية نقدية في الفقه.

هذا وقد دوّن هذا الكتاب بجهود المؤسسة الثقافية لإحياء الفكر الديني في مدينة «قم»، ومن ثم تم طبعه عام 1385ش/2006م.

تناول كتاب «فقه وزمان» ـ بعد عرض موجز لحياة المؤلف وسيرته العلمية ـ المباحث الآتية: الاجتهاد المطلوب والهدف منه، البحث في الطريقة الأصوليّة الاحتياطية في مقام بيان الحكم. البلوغ أمر طبيعي لا تعبدي، الأسس الاجتهادية لمكانة المرأة، والحجاب على ضوء الأصول الفقهيّة،آراء المذاهب الإسلامية في مسألة الارتداد، رأي الفقه الاجتهادي في ذبائح أهل الكتاب، نظرية الطهارة الذاتية للإنسان، وأخيراً بحث المؤلف موضوع الموسيقى والغناء.

لماذا الاجتهاد وما هو الهدف من ورائه؟

أراد المؤلف من سرد هذا البحث إثبات أنه إذا لم يطرأ تغيّر خارجي أو عضوي داخلي على الموضوعات إثر تحول أزمنتها، فلا يسري التغيّر والتبدل إلى أحكامها، أما لو طال الموضوعات تغيّر جرّاء تغير أزمنتها فإن ذلك ـ لا شك ـ سيؤثر في طبيعة الأحكام وصدور الفتوى، ثم يبدأ المؤلف بنقد وتحليل آراء المدارس المذهبية والاجتهادية وعرض الطريقة الاجتهادية الجديدة مقابل ذلك، ثم يتناول بعض النماذج والشواهد على تحوّل الاجتهاد بسبب تغيّر الزمان والمكان ورؤية العرف والظروف والملابسات الحياتية ويذهب العلاّمة الجناتي إلى أن الاجتهاد ينقسم إلى أربعة أقسام:

1ـ الاجتهاد على ضوء الأدلة المعتبرة.

2ـ الاجتهاد على ضوء الرأي والفكر الشخصي.

3ـ الاجتهاد على ضوء القياس والاستحسان.

4ـ الاجتهاد على ضوء المعايير الفكرية.

ومما يدل على اهتمام المؤلف بمسألة تأثير الاجتهاد وتعاطيه مع معطيات الأزمنة والظروف، تأكيده على آراء علماء السنة والشيعة في هذه المسألة، وإليك مجموعة من الآراء التي أوردها:

قال الشهيد الأول: «يجوز تغيّر الأحكام بتغّير العادات»([1]).

وقال العلاّمة الحلي: «الأحكام منوطة بالمصالح، والمصالح تتغيّر بتغير الأوقات وتختلف باختلاف المكلفين …» ([2]).

ويقول الإمام الخميني: «إن لعنصر الزمان والمكان أثر بالغ في تغيّر الاجتهاد»([3]).

ثم ذكر المؤلف تقسيماً آخر للاجتهاد، وهو التقسيم الذي تراه الإمامية، وهو على خمسة أنواع:

1ـ الاجتهاد النظري: وهو الاجتهاد الذي يسعى لاكتشاف القواعد والأسس المعرفية والاعتقادية.

2ـ الاجتهاد العملي: ومهمته النظر في مدى مطابقة العمل الذي قام به المكلف مع الأمر المتوجه إليه، ففي الواقع ينصب هدف المجتهد في هذا النوع من الاجتهاد على معرفة تطبيق ما أتى به المكلف مع المأمور به، فما صدر عن المكلف هل كان متوافقاً مع ما صدر من الأمر بذلك التكليف أو لا؟

3ـ الاجتهاد الأصولي: ويراد منه معرفة الدليل والحجة؛ ليكون هدف المجتهد الوحيد هو الحصول على الحجة والبرهنة على الأحكام وتفسير الحوادث الواقعة والمعضلات المستحدثة الجديدة.

4ـ الاجتهاد الفقهي: ويراد منه معرفة الحكم الشرعي عن طريق العناصر الأساسية للاستنباط.

5ـ الاجتهاد الفرعي التطبيقي: ويهدف هذا النوع من الاجتهاد إلى معرفة فروع القواعد والأصول والمصاديق الكلية للأحكام، ويسعى إلى إرجاع الفروع على اختلافها وتفاوتها إلى قواعدها وأصولها،وتطبيق القوانين الكلية على مصاديقها الخارجية.

وينبغي الالتفات هنا إلى أمور:

أولاً: مع أن الاجتهاد الأصولي بكل ضوابطه وشروطه الينبوع المتدفق والسبيل المنشود للتعاطي مع قضايا الفقه، إلا أن حركة الاجتهاد الزمكاني ظلت مترهلة طوال العصور المنصرمة، ففي الوقف الذي كان فيه الاجتهاد المهمة الكبيرة التي نهض بها المتقدمون، وظل متكئاً على الأسس الفقهية وأدوات الاستنباط دون العمل على تطبيق القواعد الكلية على مصاديقها الخارجية، وربما لم يكن ينسجم مع الظاهر أيضاً، ثم أنهم لم يلتفتوا إلى تبديل المزايا العضوية والخارجية للموضوعات مع تبدل معطياتها الزمكانية؛ الذي يؤدي إلى تغيّر وتبدل أحكامها، ومر زمن آخر اهتم الفقهاء فيه بالبعد النظري وهجروا البعد العملي والفتوى، وتلاه عصر التعمق في المسائل الفقهية والتنقيب عن مصادرها وجذورها المعرفية من أجل اكتشاف الملاكات الحقيقية للأحكام، ومعرفة خصوصيات الموضوعات عن طريق العقل، وكيف كان انطلاق الجهود المبذولة وراء الإحساس بالحاجة الماسّة التي راحت تسري في الفضاء الفقهي آنذاك، وهو أمر طبيعي إلى حد ما، ولكن تعطيل الأجوبة المهمّة على الضرورات والمشاكل المعقدّة عن طريق الأصول والمصادر الإسلامية ليس صحيحاً في بعض الأحيان؛ لأن المشاكل التي طرأت على العالم الإسلامي لا يمكن فكّ عقدها بواسطة الاجتهاد الأصولي والتقليدي، وبالتالي ستبقى المعطيات الحياتية الجديدة دون حل أو جواب.

ثانياً: إن الاجتهاد الأصولي المتطور والأكثر حركية هو الاجتهاد؛ الذي يقوم على أساس الأصول الشرعية المعتبرة، ويعتمد على تغيّرات الزمان والمكان، ويكون مستوفياً لطموحات الحكومة الإسلامية والركيزة الأساسية لنظريتها، إنه يجيب بوضوح عن حاجات المجتمعات البشرية، وذلك لا يمكن أن يصدر إلاّ من الاجتهاد الفاعل المواكب لعصره، ولا ينطلق إلاّ من الفقيه المخالف لهواه والمجتهد المطلع على رهانات الزمان والمكان.

ثالثاً: يلزم الفقيه اليوم أكثر من أي وقت مضى؛ أن يلاحظ الظروف والملابسات الخارجيّة والوقائع التي تحصل في العالم، وطبيعة العلاقات الإنسانية المختلفة ومقارنة بعضها ببعض، ولا ينبغي الشك في طبيعة الاختلاف في نتيجة الجهد والاستنباط الذي ينعكس على اختلاف النظر والفتوى في المسائل الاجتهادية والنظرية.

والذي يجب في الاجتهاد الحركي الذي يقوم على أساس الملاكات المعتبرة وملاحظة المعطيات الزمكانية؛ هو أن يقدّم الفقيه رأيه على آراء وفتاوى الفقهاء الأعلام، وعليه فلا يجوز له الاعتماد على أي نوع من الاجتهاد؛ ولا يسوغ له عدم إتباع أي فهم جديد إذا اختلف مع آراء أولئك الفقهاء .

نقد منهج الاجتهاد الأصولي ـ الاحتياطي في بيان الحكم

ذهب من يرى هذه الطريقة من الاستنباط عند استحداث بعض الظروف والظواهر الحياتية إلى عدم إصدار أي فتوى إلاّ في المسائل الضرورية، وعندما يجيب عن المسائل المستحدثة إما أن يحتاط أو يتوقف، وربما كان هذا الأسلوب في التعامل مع القضايا الجديدة قبل قيام النظام الإسلامي، حيث لم يكن هناك اتصال مباشر مع المجتمع، أما بعد تشييد الحكومة الإسلامية؛ وبعد أن واجه المجتمع ملابسات ومسائل متعددة؛ بل أن الكثير من خصوصيات المواضيع والمسائل قد تغيّرت، هل يمكن للمجتهد الإجابة عن هذه المشاكل العديدة وحلّها عبر هذه الطريقة من الاستنباط؟!

الجواب: كلا؛ إذ لا يمكنه بهذه الطريقة وحدها إدارة وحل مشاكله، بل إن أسلوب الاحتياط هذا سيوقع المجتمع في معضلات أخرى، فلا لا دليل معتبر على مثل هذه الاحتياطات، ولا معنى لها في ظل قيام الدولة الإسلامية،بل هي خلاف الاحتياط.

كما يجب بيان الأحكام الإلهية كما على أساس الأسس الاجتهادية المعتبرة والشرعية، والاستفادة من أدوات الاستنباط الأساسية، وليس على أساس الأحاديث الضعيفة والذوق والسليقة الشخصية وذلك:

أولاً: بما أن هناك أدلة قطعيّة في الفقه الإسلامي، فهذه الطريقة من الاستنباط (الاحتياط الأصولي) لا تنسجم معه.

ثانياً: بعد ملاحظة الآيات والأحاديث؛ وبعد الفحص في الجذور الأساسية لعملية الاستنباط، يظهر أن الشريعة الإسلامية تقوم على المرونة والسماحة والعفو، لاسيما في مراحل قوتها وعنفوانها، فالشدّة والصعوبة في مقام بيان الأحكام وإصدار الفتاوى لا تتلاءم مع روح الإسلام وحقيقته،خصوصاً إذا لم تقم على دليل شرعي معتبر، ولربما أدّى ذلك إلى ردود فعل معاكسة تخرج الفرد عن دائرة الإسلام نفسه.

وهنا بعض الآيات الدالة على اليسر والمرنة في الشريعة الإسلامية: 1ـ يُريدُ اللَّهُ بِکُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُريدُ بِکُمُ الْعُسْرَ (البقرة: 185). 2ـ يُريدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْکُمْ وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعيفاً (النساء: ٢٨). 3ـ ما يُريدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْکُمْ مِنْ حَرَجٍ (المائدة: ٦).

ويستفاد كذلك من الروايات الشريفة وفي مناسبات عديدة:

1ـ قال النبي الأكرم’: «الدين يسر وأحب الدين عند الله الحنيفية السهلة»([4])

2ـ وقال أيضاً: «بُعثت على الشريعة السهلة السمحة»([5]) .

3ـ وقال: «خذوا من العمل ما تطيقون به»([6]).

نظريات جريئة للشيخ الجناتي، مظاهر من الفقه الحراكي

1ـ البلوغ أمر طبيعي لا تعبدي

يرى آية الله الجناتي عدم وجود سن معين لبلوغ الفتيات، ويعتبر العلامة الوحيدة للبلوغ هي العادة الشهرية،وبعد أن يرد على الطريقة الاحتياطية والإخبارية التي تعاطت مع هذه القضية، ذهب إلى أنّ تحديد البلوغ هنا بتسع سنوات سيضاعف الإشكال، بل سيؤدي إلى العسر والحرج غالباً، بيد أنه يشير إلى أمر هام، هو أنّ على الفقيه استنباط مثل هذه الأحكام من المصادر الفقهية الأساسية، وبيانها دون الخوف والخشية من الفقهاء ـ كما يصّوره بعض قليلي الإطلاع والدراية ـ وعليه أن لا يخاف عند الإدلاء بنظره ورأيه حتى لو كان مخالفاً لرأي المتقدمين أو المتأخرين أو متأخري المتأخرين، وذلك:

أولاً: إن الاعتقاد بعدم جواز مخالفتهم في الرأي ينافي تشريع أصل الاجتهاد الذي أكّدت عليه الروايات الشريفة، قال الصادق×: «علينا بإلقاء الأصول وعليكم بالتفريع». ونحو ذلك ما قاله الرضا×: «علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا».

ثانياً: إن تبدل الزمان وتغير ظروفه وملابساته لا يؤثر في تحوّل وتغّير التشريع، لأن الزمان وعاء للحكم وليس موضوعاً له. أجل تغيّر الزمان وتبدله أنما يكون له أثُر في تغير الموضوعات وخصوصياتها الداخلية والخارجية، وعندما يحصل التغير في الموضوع سيكون في الواقع موضوعاً جديداً، وبالتالي فهو يستدعي حكماً جديداً أيضاً على ضوء الدليل الشرعي.

هذا، وقد بيّن المصنف المعنى للغوي للبلوغ وذكر علاماته من جهة نظر القرآن والأحاديث، حتى بلغت تسع علامات متفاوتة، حيث يعتقد أن اختلاف الروايات في تعيين سن البلوغ للفتيات راجع إلى اختلاف الظروف والبيئة والتضاريس الجغرافية و…. فذهب إلى أن سنّ التاسعة الذي أشارت إليه بعض الروايات مختص بمن تقطن الأماكن الحارّة دون غيرها، فإن ذكر هذا السن من باب ذكر المصداق لا الماهية.

كما بحث في الروايات التي تعرضّت إلى التسع والعشر سنوات وإحدى عشرة واثنتا عشرة وثلاث عشرة وأربع عشرة سنة، حتى توصل إلى أن المعيار الواقعي للبلوغ في الفتيات هو الحيض؛ وليس عمراً خاصاً،ليشرع بعد ذلك في بيان أوفى لرأيه وفتواه.

 

2ـ المرأة في ضوء المبادى والقواعد الاجتهادية

ذكر الشيخ الجناتي مجموعة من العوامل المختلفة أدّت إلى حرمان المرأة مكانتها الطبيعية في المجتمع، ومنها: عدم الثقة بالنفس، والجهل والأميّة، فقدانها الطريقة المناسبة للحياة، العصبيّة، حاكميه الرجل وسطوته، الفهم الخاطئ لبعض الآيات والروايات. حيث كان لبعض الأحاديث الضعيفة الأثر البالغ في حرمان المرأة حقوقها الاجتماعية، من هنا عكف المصنّف على نقد وتحليل هذه الروايات، وفي ختام هذا البحث أشار إلى ثلاث نقاط مهمّة:

الأولى: بما أن تماسك أي مجتمع وتلاحمه يعتمد بالدرجة الأولى على تماسك أسره وتعاضد أفراد مجتمعه، فإن حضور المرأة في المجالات السياسية والاجتماعية، لاسيما في مجال التخطيط ورسم البرامج يمكن أن يساهم مساهمة فعالة في جمع الأسرة وعدم ضياعها.

الثانية: إن دعوتنا لحضور المرأة في المجالات الاجتهادية والعلمية والصحية المختلفة، يجب أن لا ينعكس على طهارة المرأة وأخلاقها. وأهم عامل في هذا المجال هو بث وإشاعة روح الثقافة الإسلامية.

الثالثة: بما أننا نعتقد أن المرأة كالرجل، يمكن أن يكون لها الأثر الفاعل في تحقيق الكثير من أهداف المجتمع وطموحاته، فقد يسأل سائل: هل تستطيع المرأة التصدي لمنصب رئاسة الجمهورية أو القضاء أو تكون مرجعاً للتقليد؟

جوابنا على ذلك: نعم يمكنها التصدي للمهام والمناصب المذكورة إذا توفرت فيها الشروط التالية: الكفاءة العلمية والتدبير وحسن الإدارة، يُذكر أن المؤلف قد شرح ذلك شرحاً مفصلاً في كتبه وآثاره الأخرى.

 

3ـ الحجاب في الفقه الإسلامي

يرى مؤلف هذا الكتاب أن الحجاب في الاصطلاح الشرعي عبارة عن الوسيلة التي يستر الإنسان بها نفسه، أما حجاب المرأة، فلم نجد حكماً مستنبطاً من القواعد الفقهية للشرع الإسلامي المقدس يعيّن زيّاً ولباساً معيناً يلزم المرأة بارتدائه، بل غاية ما يراد للحجاب أن يكون ساتراً لها، فالمؤلف وإن أورد بعض ذلك في تحديد معنى الجلباب والخمار، إلا أنه لا يقف عند هذين السترين فقط بكونهما حجاباً للمرأة، هذا وقد أتمّ المصنف هذا البحث بمواضيع عديدة، كألوان الثياب، والأمور التي استثناها الشارع من وجوب الاستتار لدى النساء، وما يجب على المرأة من التزيّن.

 

4ـ الارتداد وإنكار الضرورات الدينية

المرتد في الفقه: من يرجع عن الإسلام بعد الإقرار به والاعتراف بحقانيّته ثم ينتحل ديناً آخر، ومع كون الارتداد بهذا المعنى ذنباً كبيراً؛ لا يمكن غض الطرف عنه، إلا أن بعض الفقهاء اعتبر بعض الموارد الأخرى ارتداداً أيضاً، والتي من جملتها «إنكار ضرورة من ضروريات الدين».

يعتقد المؤلف أن الضرورة الدينية هي الأمر الذي يلازم أو يفضي إلى إنكار النبوة والتوحيد، وفي ضوء هذا التعريف فمن ينكر إحدى ضروريات الدين؛ لكنه يعترف بربوبيّة الله تعالى ونبوّة النبي‘ لا يعد مرتداً، كالذي ينكر الزكاة على اعتبار أن قضاء حوائج الفقراء أمر متعلق بالدولة، والضرائب نوع من الزكاة، أو من يعتقد بإن إقامة الحدود مختص بعصر النص والتشريع، مثل هذا الاعتقاد لا يؤدي بصاحبه إلى الارتداد.

تجدر الإشارة إلى أن اصطلاح «الضرورة الدينية» لم يرد ذكره في الآيات والروايات، بل جاء ذكره في كتب الفقهاء، لكنهم لم يذكروا لنا مرادهم من هذا الاصطلاح بشكل واضح وجلي. وقد أورد المؤلف مجموعة من المباحث هنا، منها: حكم المرتد في المذاهب الأربعة، شروط تحقيق الارتداد، الأفراد الذين هم بحكم المرتد، حكم المرأة المرتدة.

 

5ـ حكم ذبائح أهل الكتاب

أقام القائلون بحليّة ذبائح أهل الكتاب أدلة عديدة:

أولاً: عموم الآية الخامسة من سورة المائدة: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ،فقالوا: إن المقصود من الطعام الذبائح أو مطلق الأشياء المأكولة، وعندئذ يكون الطعام شاملاً للذبيحة أيضاً. دعموا حجتهم هذه بأثنتي عشرة آية تدل على أن لفظ الطعام يستعمل في مطلق الأكل، وقد أشكلوا على هذا الاستدلال بعدّة إشكالات لكنهم أجابوا عنها.

ثانياً: دلالة بعض الروايات على حلية ذبائح أهل الكتاب.

ثالثاً: مقتضى أصالة الإباحة.

رابعاً: إن الإسلام لا يحرم شيئاً إلا على أساس المفاسد والمضار الناتجة عنه، وعليه فإذا تمت ذباحة الحيوان على يد الكتابي وفق الأصول والضوابط الصحيّة، فلا ضرر ولا مفسدة هناك حتى يحرمه الشارع.

ولم يقبل الشيخ الجناتي هذا الدليل؛ لأنه لا يعتمد على الضوابط وأسس الفقه القطعيّة كالكتاب والسنة، بل يقوم على الظن والتخمين؛ كما هو الحال في القياس والاستحسان، وهو أمر مرفوض، حيث إن إحراز الملاكات والعلل في مثل هذه الاستدلالات في الكثير من مواردها صعب جداً، وربما يكون غير ممكن في بعضها.

ومقابل ذلك، استدل القائلون بحرمة ذبائح أهل الكتاب بسبعة أدلّة: 1ـ الإجماع 2ـ الأخبار 3ـ بعض الآيات. 4ـ فقدان شروط استقبال القبلة. 5ـ عدم قطع الأوداج الأربعة. 6ـ سيرة المسلمين. 7ـ أصالة عدم التذكية.

ثم شرع المصنف بنقد هذه الأدلة وأبطالها الواحد تلو الآخر.

6ـ نظرية الطهارة الذاتية للإنسان

ذكر المصنف في هذا المجال مجموعة الأدلة لكل من خالف أو وافق الطهارة الذاتية لأهل الكتاب، وقد رد المصنف على الإشكالات المطروحة على طهارتهم، ثم استقر على أن: «الأخبار الدالة على الطهارة الذاتية لأهل الكتاب أخبار معتبرة وصحيحة من جهة السند والدلالة»

وذهب أيضاً، عقيب بحث الطهارة الذاتية للمشركين وعبدة الأصنام و عرض أدلة الموافقين والمخالفين ضمن هذا السياق إلى أنه: «لا يوجد لدينا دليل معتبر على نجاسة كل الكفار في مصادر الاجتهاد والعناصر الخاصة بالاستنباط، أو في القواعد المعرفية للأحكام، وأما قوله تعالى: ﭢ ﭣ ﭤ (التوبة: ٢٨) الذي ورد في الكافر والمشرك، فقد بيّنا في حينه أننا لا نحرز النجاسة الذاتية حتى في المشرك».

7ـ الموسيقى والغناء

هذا هو البحث الأخير في كتاب «فقه وزمان»، وقد بدأه المؤلف بمقدمة عرض فيها الأسباب والعوامل التي أدّت إلى غموض موضوع الغناء، ثم ذكر المواضيع التالية:

1ـ الموسيقى والغناء ظاهرتان إنسانيتان.

2ـ متى وأين ظهرت الموسيقى؟

3ـ من ابتكر الموسيقى ولماذا؟

4ـ أول من قرأ الشعر بلحن موسيقي.

5ـ الفرق بين الغناء والسماع.

6ـ الفرق بين الغناء والموسيقى.

7ـ عدم وجود لفظ الموسيقى في النصوص الشرعية سابقاً.

8ـ خلو الغناء من الكلام وآلات الطرب أوّل ظهوره.

ثم يبدأ المؤلف في بحث وتحرير الموضوع الأساس، وكعادته بدأ بعرض أدلة القائلين بحرمة الغناء، والقائلين بحليته في نفسه، ثم أورد طرق معرفة الغناء المحرم والبحث في تعريف الغناء، وهي من المباحث التي أولاها المؤلف عناية خاصة، وبعد إيضاح هذه المعاني بحث موضوع العرف وما يفهمه من الغناء،حيث يعتقد «بعدم إمكان استخلاص معنى واحداً للغناء عن طريق العرف؛ لان كل عرف له غناؤه الخاص، الأمر الذي يعني أنه أمر قابل للتغيّر مع تبدل الظروف الزمانية والجغرافية والثقافية والاجتماعية، وطبيعة أحوال الإنسان، وهذا الأمر هو سبب اختلاف الفقهاء في مفهوم الغناء ومعناه، وعليه لا يمكن تعريف الغناء تعريفاً جامعاً مانعاً.

الهوامش

(*) باحث، من ايران.

([1]) القواعد والفوائد 1: 153.

([2]) كشف المراد: 173.

([3]) صحيفة النور 21: 98.

([4]) فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 2/45، صحيح مسلم: 5/141.

([5]) كنز العمال 11/445.

([6]) فتح الباري في شرح صحيح البخاري :11/85.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً