أحدث المقالات

مدخل

اقترن ظهور الاجتهاد في الدائرة الشيعية مع إغلاق بابه في الدائرة السنّية، وقبل هذه الفترة كان علماء الشيعة ـ عدا منّ شذّ منهم ـ يعوّلون على محض النصوص والأخبار الواردة عن الأئمة، لكن بعد انقطاع الإمامة في منتصف القرن الثالث للهجرة ظهرت هناك حاجة للاجتهاد لدى عدد من الفقهاء، فانقسم العلماء إلى مسلكين: أحدهما التزم بما كان عليه السلف من اتّباع محض النصوص والأخبار، والثاني لم يجد بُداً من ممارسة بعض صور الاجتهاد، مثلما أشار إلى ذلك عدد من العلماء، كالشهرستاني والعلامة الحلي وغيرهما([1]).

وقد أدّى الحال إلى انتصار تيار المجتهدين المعبّر عنهم بالأصوليين، حيث خرج الاجتهاد من المرحلة النقلية البحتة إلى عمل قائم على تمحيص الرواية ومقارنتها بغيرها مما يعارضها، ومن ثم انتزاع الحكم والفتوى. ومع ظهور المصطلح الجديد في تقسيم الحديث، وكثرة نقد الرواية ونقد رجال الحديث، ومن ثم تضعيف الكثير من روايات الكتب المعتبرة؛ برز اتجاه الإخبارية الذي أراد أن يعود إلى ما كان عليه الأمر قبل التنظير الاجتهادي، وذلك برفض فكرة الاجتهاد وإعادة الاعتبار للأحاديث وعدم نقد الرواة والروايات الواردة في تلك الكتب، بوصف ذلك ردّ فعل على التكريس الاجتهادي وتوسّعه خلال القرون. لكنّ الأمر ولّد فعلاً معاكساً، وهو الإمعان في الطريقة الاجتهادية ونقد الرواية إلى الدرجة التي وصلت إلى طريق مسدود، كالذي عليه اتجاه دليل الانسداد، ثم آل الأمر بعد نقد هذا الدليل للعودة إلى الطريقة الاجتهادية المعمول بها قبل ظهور الإخبارية، ومازالت هذه المرحلة قائمةً إلى يومنا هذا.

ظهور الاجتهاد عند الشيعة، محاولات القياس الأولى وتداعياتها

وأوّل ما بدأ به الاجتهاد لدى الشيعة هو العمل بالقياس، وذلك على يد فقيهين كبيرين هما: ابن الجنيد وابن عقيل، ومن الغرابة حقاً أن يحصل ذلك في وسط معبأ بكثرة الرواية والأخبار ونقد القياس والرأي والاستحسان وسائر صور الاجتهاد. وهذا ما جعل المحاولة تفشل وهي في أوّل مهدها، خاصة وأنه لم يُحتفظ بكتب هذين الفقيهين، بل أهملا وظلا يعدّان من الشواذ في الوسط العلمي.

وأغرب من ذلك ما نقل عن وجود جماعة من أصحاب الأئمة كانوا يعملون بذلك النوع من الاجتهاد، ومنهم من عرف بقوة الوثاقة والجلالة، كالذي يطلعنا عليه الشريف المرتضى، وهو أنّ في رواة الشيعة من يقول بالقياس ويذهب إليه في الشريعة، كالفضل بن شاذان ويونس بن عبد الرحمن وجماعة معروفين ([2])، ويؤيّده اتهام الشيخ الصدوق للفضل بن شاذان بأنّه كان يعمل بالقياس([3]).

أما بقية القدماء، فقد عُرفوا بمنعهم العمل بالقياس وسائر صور الاجتهاد الظنّي فيما لا نصّ فيه، ومنهم المنظرون للفكر الشيعي في عصر الغيبة، وهم المفيد والمرتضى والطوسي؛ بل هناك من اعتبر بعض الذين أخذوا بالقياس إنما تظاهروا بذلك لموافقة الخصم دون الاعتقاد به؛ فمثلاً صرّح العلامة الحلي بأنّ ابن الجنيد هو ممّن يحتمل أن ينطبق عليه هذا الأمر، مستشهداً على قوله بما أشار إليه الشيخ الطوسي من أنّ بعض القدماء فعل ذلك، يقصد ابن الجنيد وإن لم يسمّه([4])، مع أنّ الطوسي نفسه قد اتهم هو الآخر بممارسة القياس والعمل بسائر صور الاجتهاد الأخرى، وبرّرها بعضٌ أيضاً بأنها كانت لموافقة الخصم فحسب؛ إذ جرى اتهامه على لسان أحد المتأخرين من مشايخ المحدّث البحراني، وهو أنه كان يسلك مسلك العمل بالقياس والاستحسان في كثير من مسائلهما([5])، واعتذر عنه بعضٌ بأنه كان يجاري المخالفين ظاهراً دون أن يعتقد بما يظهر منه حقيقة، معتبراً إياه سلك في كتابيه (المبسوط والخلاف) مسلك أهل السنّة تقيّةً واستصلاحاً ومماشاة لهم، وذلك حيث شنّعوا على فضلاء الشيعة بأنهم ليسوا من أهل الاجتهاد والاستنباط، ولا لهم قدرة على التفريع والاستدلال([6])؛ ومعلوم أنه سبق لابن إدريس الحلي أن أشار في نقده للشيخ الطوسي إلى أنّه جمع كتب الشافعية ولخّص منها (المبسوط)، وذكر فيه الأقوال والأدلّة على اختلافها ورجّح ما اختاره؛ لهذا قيل: إنه اضطرب كلامه أحياناً حتى توهم المتأخرون من الشافعية أنّه منهم([7]).

ومن الناحية المبدئية، صرّح المنظرون الأوائل للشيعة ـ ومنهم الطوسي ـ بتحريم القياس وغيره من القواعد الاجتهادية المعروفة؛ بل إنّ لفظة الاجتهاد آنذاك لم تكن مقبولة لدى علماء الشيعة، وذلك باعتبارها توحي بالقواعد الظنّية كما يمارسها علماء السنّة؛ فقد كان الطوسي يشير إلى أنّ الاجتهاد والقياس ليسا دليلين، بل محظورٌ استعمالهما ([8])، كما صرح في (عدّة الأصول) أنه لا يجوز العمل بالاجتهاد ولا بالظنّ في الشريعة([9])، وكذا ما ذهب إليه أستاذه الشريف المرتضى، وهو أنّ القياس محرّم شرعاً([10]).

ويلاحظ أنّ العملية الاجتهادية لدى المنظرين الأوائل للشيعة قد انقسمت في بدئها بين موقفين متميّزين: أحدهما يؤكّد على ضرورة العلم بالحكم الشرعي، وأنّ العمل بلا قطع لا يستند إلى مبرّر شرعي، كالذي يذهب إليه الشريف المرتضى، والآخر يكتفي بالظن المعتبر شرعاً ولو لم يكن هناك قطع بالحكم الشرعي، وهو ما يذهب إليه الشيخ الطوسي، رغم أنّ كلماته يبدو عليها ـ أحياناً ـ عكس ذلك، وأصل الخلاف يعود إلى الموقف من خبر الآحاد، وقد أفضى النزاع حول هذه المشكلة إلى انتصار خطّ الظنية قبال القطعية، رغم أنّ المسلك العام للقدماء كان يؤيد منحى القطعية، حتى أنّ منهم من كان يدعي: <أن من اللطف الواجب على الله أن يجعل على كل حكم شرعي دليلاً واضحاً مادام الإنسان مكلّفاً والشريعة باقية>([11]). لكن في جميع الأحوال لم يشعر هؤلاء المنظرون ومن جاء بعدهم بالحاجة إلى الاجتهاد الظني فيما لا نص فيه، بل جرى على لفظة الاجتهاد تحفّظ حتى مجيء المحقّق الحلي، حيث اعتبر المقبول منه إنما ذلك الذي لم يرد بشأنه نهي وكان متعلّقاً بدائرة الموارد النظرية في النصوص([12])، أما القضايا التي لا نصّ فيها فقد عولجت معالجةً أخرى تقوم على قطعيات العقل وما يطلق عليه: الأصول العملية.

الدوافع الشيعية لتوظيف الاجتهاد، المناخ الإشكالي

وقد ساعد الشيعة على العمل بالاجتهاد في دائرة النصوص أمران:

الأوّل: وجود الكثرة الخبرية من الأحاديث، فقد عدّت كافيةً في تغطيتها للواقع ومستجداته، وذلك دون حاجة للقياس وما إليه من القواعد الظنية؛ مما يعني أنه إذا كان مبرّر العمل بالاجتهاد لدى السنّة هو محدودية النصوص مقارنةً بالواقع، الأمر الذي جعل ممارسة القياس وما على شاكلته أمراً لا غنى عنه، فإنّ الحال لدى الاجتهاد الشيعي مختلف تماماً؛ فمبرّر هذا الأخير ليس محدودية النصوص، بل كثرتها، فهذه الكثرة هي التي دعت المجتهدين للرجوع إلى النصوص في كلّ واقعة جديدة دون أن يطبّقوا عليها مبادئ الاجتهاد المعمول بها لدى السنّة، وإنّ ما يخرج عن هذه الدائرة يجرى عليه العمل ببعض الأصول والقواعد القطعية. ولا زالت بعض الأقوال تردّد ما بدأه الشيخ الطوسي من القول بكفاية النصوص الموجودة لتغطية قضايا الواقع([13])، كالذي يشير إليه السيد الصدر في كتاب الفتاوى الواضحة وغيرها([14]). لكن المتأخرين بدت عليهم الحاجة إلى بعض القواعد التي تسدّ النقص الموجود في النصوص الموثقة، ومن ذلك أنّهم اعتمدوا على دليل السيرة العقلائية، وعلى بعض أشكال القياس، فضلاً عن اعتمادهم على الأصول العملية في الكثير من الأحيان.

الثاني: وجود التعارض الكثير بين الأخبار، وواقع الأمر أنّ هذا التعارض كان سلاحاً ذا حدين، فهو من ناحية فتحَ المجال للاجتهاد على مصراعيه. ويعدّ الشيخ الطوسي أوّل من وظّف ذلك عبر محاولاته الجمع والتوفيق بين الأخبار المتعارضة من غير طرح شيء منها ما أمكنه إلى ذلك سبيلاً، وقد صرح بهذا النهج في عدد من كتبه([15])، حتى أنه برّر عمله بما نقله من الخلاف الحاصل بين أصحاب الطائفة في الفقه، فقال: <إني وجدتها ـ الطائفة ـ مختلفة المذاهب في الأحكام، يفتي أحدهم بما لا يفتي به صاحبه في جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى أبواب الديات، من العبادات والأحكام والمعاملات والفرائض وغير ذلك.. حتى أنّ باباً منه لا يسلم إلا وجدت العلماء من الطائفة مختلفة في مسائل منه، أو مسألة متفاوتة الفتاوى. وقد ذكرت ما ورد عنهم ( في الأحاديث المختلفة التي تختص بالفقه في كتابي المعروف بالاستبصار وفي كتاب تهذيب الأحكام ما يزيد على خمسة آلاف حديث، وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها، وذلك أشهر من أن يخفى، حتى أنك لو تأملت اختلافهم في هذه الأحكام وجدته يزيد على اختلاف أبي حنيفة والشافعي ومالك>([16])؛ لذا فقد نذر نفسه لحلّ هذا المشكل باعتبارات التضعيف والترجيح والتوجيه بما لم يسبقه أحد، وهي الطريقة التي ورثها عنه المتأخرون فأصبحت قطب الرحى في العملية الاستنباطية للفقه، ومع أنّ هذه المهمة لم تكن ذات جدوى بنظر أستاذه المرتضى، وذلك لاعتبارات عديدة، أهمها أنها أخبار آحاد لا تفيد القطع، وأنّ الرجال الذين رووها ليسوا محلّ اعتماد وتوثيق، لكن التابعين عولوا عليها، وأصبحت الممارسة التي دشنها شيخ الطائفة أهم صيغ الاجتهاد لديهم، حيث جعلوا لذلك باباً يعدّ من أهم المباحث الأصولية للفقه والاجتهاد إلى يومنا هذا، ويطلق عليه باب التعارض والترجيح، وربما لهذا عدّ الطوسي أوّل مجتهد مطلق في الفقه، حيث قُدّر له أن يفتح باب النظر والاجتهاد المطلق على مصراعيه، بل ويؤصّل الأصول ويفرّع المسائل ويقارن بين الأحكام([17])، وقد كانت مؤلّفاته تدرس حتى مجيء المحقّق الحلي خلال القرن السابع الهجري، فاستعاض الفقهاء عنها بكتابه: شرائع الإسلام ([18])، وإن بقيت الطريقة الفقهية على ما هي عليه حتى يومنا هذا.

من ناحية أخرى، للتعارض بين الأخبار مردوده السلبي؛ وذلك أنّه قد سبّب أزمةً تشكيكية في الأخبار وما عوّل عليها من الأحكام الفقهية. وقد يكون أوّل من أشار إلى هذه الازمة بعد الطوسي هو ابن طاووس، كما قد يكون استحداث التقسيم الرباعي للحديث على يده أو على يد تلميذه الحلي إنما جاء بسبب هذه الأزمة. وكلما تباعد الزمن عظمت الأزمة وكثر التعارض في الأحكام، فكما نقل الشيخ البحراني عن بعض مشايخه المعاصرين أنه كان يقول في بعض مصنّفاته: <إنّ مناط أكثر الأحكام لا يخلو من شوب وريب وتردّد، لكثرة الاختلافات في تعارض الأدلّة وتدافع الأمارات، فلا ينبغي ترك الاحتياط للمجتهد فضلاً عمّن دونه>([19]).

وهناك من حمّل الشيخ الطوسي مسؤولية ما حدث من التشعّب في الأقوال، حتى نقل عن بعض محقّقي المتأخرين ـ وكأنّه المحقق الخوانساري ـ أنه قال: إنّ علماء الشيعة قبل الشيخ الطوسي لم يختلفوا كثيراً؛ لأنّ مدار عملهم بأحاديث كتاب الكافي، ولم يكن بين أحاديث كتابه اختلاف، لكن لما صنّف الطوسي مصنّفات كثيرة وجمع الأحاديث المختلفة واختلف ضمن كتبه في فتاويه، اجترأ الإمامية على الاختلاف، فيكون كلّ قول في الفتوى يوافق لأحد أقوال الطوسي، وقلّما كان هناك قول يخرج عن أقواله لعدم اجترائهم على ذلك([20])، خاصّة وقد نسب إليه ابن ادريس في كتاب النهاية قوله: <إنّ ما أورده حقّ وصواب لا يحلّ ردّه ولا خلافه>([21])، مع أنّ ابن إدريس هو أوّل من شنّع عليه واتهمه بأنّه روّج للاجتهاد وفق الطريقة السنّية على ما أشرنا إليه من قبل، لكن ذلك لم يمنع جريان طريقته وسط رجال الطائفة إلى يومنا هذا، مثلما لم يمنع ذلك ما حملته من تزايد الأقوال والتعارضات باضطراد. وقد أفضى الأمر إلى حلول أزمة حادّة هي تلك التي عبّر عنها عدد من الفقهاء بوجود انسداد في الطريق المؤدي إلى الأحكام الشرعية، حيث عدّوا الأخبار التي تردهم لا يمكن الوثوق بها بعد طول الزمان وفقدان القرائن، وقد يكون للأخبار المتعارضة الدور الأعظم في حدوث مثل هذه الأزمة الكبرى. يضاف إلى ما جرى التسليم به من الرأي بعدم حجيّة ظواهر الكتاب والسنّة لغير المشافهين بعد عصر الخطاب، حيث اعتقدوا بأنّه طرأ عليهما عند الأئمة ما يخالفهما من تقييد ونسخ وتخصيص وما إلى ذلك، كالذي استدلّ عليه المحقق القمي وغيره([22])، وذهبوا إلى منع التكليف بالمجمل، كما حكموا بعدم الاحتياط علينا كغائبين([23])، وعوّلوا على الأخذ بمطلق الظن وليس المعتبر فحسب، وبعضهم صرّح بجواز العمل حتى بالقياس المنهي عنه صراحةً، لكن بعضاً آخر استثنى ذلك باعتبار أنّ النصوص واردة في تحريمه. بل وحكى الأنصاري عن أحد مشايخ معاصريه أنه جعل قبول حجية ظواهر النصوص متوقفاً على عدم وجود المعارض من مطلق الظن؛ بما في ذلك القياس وأشباهه([24]).

الاجتهاد بين الانسداد وأزمة الوثائق والمعطيات

ولولا ما بذله الشيخ الأنصاري (1281هـ) من سعي لتفنيد حجج أصحاب هذا المسلك ومساندته لدعوى الإخباريين من صحّة صدور الروايات عن الأئمة باستثناء القليل منها، لكان اتجاه دليل الانسداد هو الغالب اليوم دون غيره، ولكانت الحجّة التي ذكرها بعض من برّر العمل بالقياس طبقاً لدليل الانسداد مقبولة، فدليله أنه إذا كانت الأخبار بصدد القياس متواترة في معنى الحرمة، فإن بعضها جاء في مقابلة المعاصرين للأئمة من أهل السنّة، وبعضٌ آخر له دلالة على الحرمة من حيث إنه ظنّ لا يغني من الحق شيئاً، وآخر دالّ على الحرمة من حيث استلزامه محق السنّة وإبطال الدين للوقوع غالباً في مخالفة الواقع، وبعضها يدلّ على الحرمة ووجوب التوقّف، لكن ذلك كلّه لا يدلّ عنده على حرمة العمل بالقياس الكاشف عن صدور الحكم عن المعصوم مع عدم التمكّن من تحصيل العلم به ولا الطريق الشرعي، كما اعتبر دعوى الإجماع والضرورة على حرمته في كل زمان ممنوعة([25]).

ولو سلّمنا بدليل الانسداد لكان لا معنى للجدل اللفظي الخاص بالحديث، طالما أنه لا يرقى إلى درجة الاطمئنان، سواء من حيث الصدور أو من حيث الملابسات الحالية المناطة به، ويزداد الأمر إلحاحاً عند الأخذ بعين الاعتبار بُعد الزمان عن عصر النص وقرينة عدم حث المشرّع على تدوين الحديث، أو على الأقلّ عدم الالتزام بتدوينه وعدم التعهّد بضمان حفظه كما حصل مع القرآن الكريم. لكنّ ما جرى للفقهاء كان نوعاً من التقليد بالعمل بالروايات حسبما تفرضه عليهم <الصنعة>، أو إجراء القوانين التقليدية للتوثيق والترجيح والجمع والتوفيق، رغم ما تتضمّنه هذه الصنعة من تسامح في الكثير من الشروط الخاصّة بقبول الرواية. وماذا عساهم أن يفعلوا غير ذلك؟!

وقد كان المفكّر محمد باقر الصدر يرى في كتاب اقتصادنا أننا <مهما حاولنا أن ندقّق في الراوي ووثاقته وأمانته في النقل، فإننا لن نتأكّد بشكل قاطع من صحّة النص ما دمنا لا نعرف مدى أمانة الرواة إلا تاريخياً، لا بشكل مباشر، وما دام الراوي الأمين قد يخطئ ويقدّم إلينا النص محرّفاً، خصوصاً في الحالات التي لا يصل إلينا النص فيها إلا بعد أن يطوف بعدّة رواة، ينقله كل واحد منهم إلى الآخر، حتى يصل إلينا في نهاية الشوط. وحتى لو تأكدنا أحياناً من صحّة النص، وصدوره من النبي أو الإمام، فإننا لن نفهمه إلا كما نعيشه الآن، ولن نستطيع استيعاب وجوهه وشروطه، واستبطان بيئته التي كان من الممكن أن تلقي عليه ضوءاً، ولدى عرض النص على سائر النصوص التشريعية للتوفيق بينه وبينها، قد نخطئ أيضاً في طريقة التوفيق، فنقدّم هذا النص على ذاك، مع أنّ الآخر أصحّ في الواقع، بل قد يكون للنص استثناء في نصّ آخر ولم يصل إلينا الاستثناء، أو لم نلتفت إليه خلال ممارستنا للنصوص، فنأخذ بالنص الأول مغفلين استثناءه الذي يفسّره ويخصصه؛ فالاجتهاد إذاًعملية معقّدة، تواجه الشكوك من كل جانب، ومهما كانت نتيجته راجحةً في رأي المجتهد، فهو لا يجزم بصحّتها في الواقع، ما دام يحتمل خطأه في استنتاجها، إما لعدم صحّة النص في الواقع وإن بدا له صحيحاً، أو لخطأ في فهمه، أو في طريقة التوفيق بينه وبين سائر النصوص، أو لعدم استيعابه نصوصاً أخرى ذات دلالة في الموضوع ذهل الممارس أو عاثت بها القرون>([26]).

وقديماً سجّل العلماء اعترافاً بضياع الحقيقة الخاصة بواقع الحكم الشرعي، وذلك بسبب كثرة التعارض بين الروايات، وقد اتخذ العلماء مواقف متعدّدة إزاء هذا المشكل، وكان أول من اعترف بذلك وسعى لمعالجته هو الشيخ الكليني بداية القرن الرابع الهجري، حيث صرّح بالعمل بما وسع إليه الاختيار، ثم جاء من بعده الشيخ الطوسي فبشر بطريقته في جمع المتعارضات، ونجح في جعل مسلكه هو المعوّل عليه لدى الأتباع، لكن هؤلاء أضافوا إلى هذا المسلك ما استحدثوه من تقسيم الحديث، فوسّعوا به دائرة الاجتهاد عبر محاولات التهذيب والجمع والتوفيق. وفي المحصلة كانت النتيجة أبعد ما تكون عن الحقيقة؛ فالنهج الذي سلكه الفقهاء من الجمع والتوفيق يفضي إلى نتائج لا تعبّر عن حقيقة ما يريده الأئمة؛ ذلك أنه إذا كانت لدينا مائة رواية تتضمن الكثير من التعارضات، ولنفترض جدلاً أنه لم يكن لدينا تشكيك بمصدرها، كما لنفترض أن نصف هذه الأحاديث لا تعبّر عن حقيقة ما يريده الأئمة دون علم منّا، بسبب التقية أو غيرها؛ لذا فممارسة عملية الجمع والتأليف تجعل من الممكن انتزاع أعداد كبيرة من القضايا لا تعبّر عما يريده هؤلاء؛ فمثلاً لو انتزعنا ألف قضية منها، فستتكوّن لدينا نسبة كبيرة من هذه القضايا هي توليفات ملفّقة بين ما هو حقّ وما هو باطل. ويصدق الحال عندما نسعى إلى انتزاع ما نريد من المنظومات المعرفية المتضادة، حيث من الممكن أن ننتزع الكثير منها، رغم أنّ هذه المنظومات المنتزعة لا يمكن أن يصدق منها أكثر من واحدة، وقد تكون باطلة جميعاً. ومن الناحية المنطقية: إن احتمال الحصول على منظومة صادقة هو احتمال ضعيف إن كان المقياس هو الاعتماد على الأخبار فحسب، ولو باعتبارات التصحيح التي استحدثها المتأخرون من العلماء.

الشيعة وأنواع القياس

قلنا: إن مذهب الإمامية قد نادى ببطلان الاجتهاد الظني في القضايا غير المنصوص فيها، كالقياس والمصلحة والاستحسان وسائر ضروب الرأي والاجتهاد، وعنده أنّ الظن مساوٍ للشك في غير المعتبر شرعاً ([27]). فرغم أنّ هناك شخصيات شيعية قديمة عملت بالقياس مثل ابن الجنيد وابن عقيل، وكذا بعض المحدّثين ممن عرّضهم الشريف المرتضى للنقد، ومثلهم بعض العلماء المتأخرين ممن عاصروا الشيخ الأنصاري، ورغم أنّ بعض الفقهاء ـ كما يذكر المحقق الحلي ـ ذهب إلى الترجيح بالقياس في حالة تعارض خبرين متكافئين وأيّده على ذلك بعض المتأخرين([28])، وأنّ معظم الأصوليين يظهر منهم الترجيح بمطلق الظن([29])، إلا أنّ عموم الإمامية منذ القديم وحتى اليوم ينادون ببطلان هذا النوع من الاجتهاد؛ وذلك تبعاً للنصوص المتظافرة التي تنهى عنه صراحة، كما تنهى عن العمل بالرأي والظن عموماً، إلى الدرجة التي ذهب فيها بعضهم إلى بطلان العمل بكافّة أنواع القياس، بما في ذلك قياس الأولوية، ومثله قياس منصوص العلّة، لكنّ عموم الإمامية يتقبّلون هذين النوعين من القياس لقطعيّتهما.

وقديماً كان الشريف المرتضى يُبطل العمل بهذين النوعين من القياس، ويرى بعض التطبيقات القطعية بأنها نابعة عن الفهم العرفي للغة، لا أنها نتاج القياس، وهو بذلك يتفق مع عدد من علماء السنّة، حيث عدّوا بعض القضايا الواضحة الفهم من النصّ بأنها تعود إلى فحوى الخطاب لا القياس([30])؛ فعنده أنّ <علل الشرع إنما تنبئ عن الدواعي إلى الفعل أو عن وجه المصلحة، وقد يشترك الشيئان في صفة واحدة ويكون في أحدهما داعية إلى فعله دون الآخر، مع ثبوتهما فيه، وقد يكون مثل المصلحة مفسدة، وقد يدعو الشيء إلى غيره في حال دون حال، ووقت دون وقت، وعلى وجه منه دون وجه، وقدر دون قدر>؛ وعليه اعتبر أنّه لا مجال للتخطّي والقياس في النص، بل يظل مجرى النص مقتصراً على موضعه، معمّماً ذلك على حالتي: قياس الأولوية والمنصوص العلة؛ لهذا تساءل أنه إذا بطل قياس الأولوية فكيف يمكن استفادة تحريم الضرب وباقي أنواع الأذى من آية التأفيف الخاصّة بالوالدين؟ وأجاب على ذلك بقوله: <إنّ القرآن إنما أنزله الله سبحانه بلغة العرب، وأجراه على مقتضى محاوراتهم واصطلاحاتهم، وكل أحد يعلم من تتبّع كلامهم أنّ فيه الدلالة اللغوية والعرفية والمطابقة والتضمّن والالتزام، وحينئذ فمثل قوله تعالى: >فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ< إذا صدر من آحاد العرب لا يكون الغرض منه في الاصطلاح إلا شمول جميع أنواع الأذى من الضرب وغيره، فالضرب داخل في مفهوم الكلام عرفاً.. وأما قياس منصوص العلة فقد تكون القرائن الحالية قائمة على دخول الفرد غير المذكور في الحكم المذكور ويكون المذكور من قبيل اللفظ العام المتناول لغير المذكور، وحينئذ فدلالته عليه كالأول>. وقد سار المحقق الحلي بنفس هذا الاتجاه([31]). كذلك فإن المحدث الجزائري أفاد هذا المعنى من الاعتراض على قياس الأولوية والقياس المنصوص العلّة، معتبراً الأول هو الذي قاسه إبليس وأبطله الإمام الصادق؛ لذا منع العمل به وبنظيره منصوص العلة، خاصة وأنّ هناك نصوصاً عن الأئمة تنهى عن العمل بالقياس مطلقاً من غير تقييد ولا تخصيص([32]).

لكنّ أغلب علماء الإمامية يأخذون بالقياسين السابقين لقطعيّتهما، ويبقى الاتفاق بين هؤلاء هو إبطال العمل بالاجتهاد المفيد للظنّ فيما لا نص فيه. وكما يقول الشيخ المفيد: <إن الاجتهاد والقياس في الحوادث لا يسوّغان للمجتهد ولا للقائس، وأن كل حادثة ترد فعليها نصّ من الصادقين يحكم به فيها ولا يتعدّى إلى غيرها، بذلك جاءت الأخبار الصحيحة والآثار الواضحة عنهم %، وهذا مذهب الإمامية خاصّة، ويخالف فيه جمهور المتكلّمين وفقهاء الأمصار>([33]).

هل قام الاجتهاد الشيعي حقاً على حجّة القطع أو ما يرجع إليه؟!

ويمكن القول: إنّ فقهاء الشيعة يعدّون مدار الاجتهاد قائماً من حيث الأصل والأساس على القطع؛ فالأصل الذي لا يحظى بحجّة القطع مردود، سواء كان ذلك بحسب الاعتبارات البيانية أو العقلية؛ فحتى الاعتبارات الظنية للأحكام والنصوص كما تفضي إليه العملية الاجتهادية إنما مردّها إلى الحجّة القطعية([34]). فمثلاً خبر الآحاد من القضايا الظنية التي لا يجوز العمل بها لولا وجود المنشأ القطعي لاعتبارها، لكنهم مع هذا اضطروا إلى العمل بعدد من الطرق الظنية وإن لم يثبت الدليل القطعي عليها، ومن ذلك قضية الاجتهاد برمّتها، من حيث إنها تفضي إلى الظنّ وأنه لا دليل عليها عقلاً وشرعاً ([35]). بل إنّ قبول مصطلح الاجتهاد لدى الشيعة على يد المحقّق نجم الدين الحلي يتضمّن هذا المعنى، وهو أنه <يبتني على اعتبارات نظرية ليست مستفادة من ظواهر النصوص في الأكثر>، وأنه يستثنى منه القياس وما إليه؛ لما ورد فيه من نهي وتحريم([36]). وهذا ما جرى العمل به لدى الفقهاء رغم أنه لا دليل عليه، بل إنّ معاني الأخبار والأحاديث تعطي دلالةً عكسية، وهي أنها تنهى عن العمل بكلّ ما يفضي إلى الظن سواء سُمّي اجتهاداً أو قياساً أو رأياً أو غير ذلك من المسمّيات. والعجيب أن الأصوليين من الشيعة رغم أنهم وجدوا نهياً واضحاً من قبل الأخبار على كل من الرأي والقياس والاجتهاد لكونها تفضي إلى الظن؛ فقد حملوها على بعض صور الاجتهاد التي يعمل بها الاتجاه السنّي؛ خاصة القياس، وكان أول من صرّح بذلك المحقق نجم الدين الحلي، وعاضده ابن اخته العلامة الحلي([37]).

ظواهر الظن وألوان القياس الحديثة في الاجتهاد الشيعي

كذلك أجرى المتأخّرون من الفقهاء عدداً من الطرق الاجتهادية في القضايا التي لا نصّ فيها، ومنها الطرق القياسية حيث اعتبروا نتائجها قطعية، مع أنها ليست دائماً كذلك، فالقاعدة العامة شاخصة، وهي أنه إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال؛ فهناك اجتهادات لم يختلف حولها العلماء باعتبارها مفهومةً من حيث الظهور العرفي فهماً قاطعاً وإن لم ينصّ فيها، فمثلها في ذلك مثل قياس الأولوية وقياس المنصوص العلة، وقد تدخل ضمن قياس المثل والمساواة، أو يعبر عنها بعبارات أخرى لا علاقة لها بالقياس، كالفهم العرفي والاجتماعي للنص، أو مناسبات الحكم والموضوع؛ ففي رواية ـ مثلاً ـ سئل الإمام الباقر عن فأرة وقعت في السمن فماتت؟ فقال: ألقها وما يليها إن كان جامداً، وكلْ ما بقي، وإن كان السمن ذائباً فلا تأكل، واستصبح به، والزيت مثل ذلك. واستدلّ الفقهاء بهذه الرواية على نجاسة الماء المضاف عند ملاقاة النجاسة له بالغاً ما بلغ، رغم أنّ الرواية وردت في الزيت والسمن الذائب، وأنهما ليسا من الماء المضاف، لكنهم اعتبروا أنّ الزيت والسمن الذائب يشاركان الماء المضاف في بعض أوصافه، وهو سريان النجاسة ووصولها إلى الذائب، وهذا السريان والوصول هو علّة الحكم بالنجاسة([38]).

ويدخل هذا الانبساط من الحكم ضمن ما أطلق عليه حديثاً: الفهم الاجتماعي للنص، وكان الفقهاء يطلقون عليه: مناسبات الحكم والموضوع؛ حيث يخضع الحكم إلى الفهم المشترك العام في المرتكز الذهني للناس نتيجة الخبرة واتحاد الذوق، وهو بالتالي يختلف عن الفهم اللفظي واللغوي المناط بتحديد الدلالات الوضعية والسياقية للنص، وإن كان مبرّر الاعتماد على كل منهما هو ذاته المتمثل بمبدأ حجية الظهور، حيث في الحالة الأولى يضفي الارتكاز الاجتماعي على النص ظهوراً في المعنى المناسب، مثلما يبدي ذلك من خلال المعنى اللفظي واللغوي في حالة الفهم الآخر، وفي كلا الحالتين يتحقق الظهور، وهو حجة لدى العقلاء وقد أمضاها الشارع. والمجال الذي يطبّق فيه هو المسائل الخاصّة بالمعاملات من الشؤون الحياتية والاجتماعية دون أن يتعدّاها إلى مجال العبادات باعتبارها غيبية لا يستكشف منها الفهم الاجتماعي أو مناسبات الحكم والموضوع، بل تخضع للفهم اللفظي واللغوي للنصّ فحسب([39]).

ويعدّ الشيخ محمد جواد مغنية أبرز من استظهر هذا المعنى وميّزه عن الفهم اللغوي واللفظي للنص، حتى أثنى عليه المفكّر محمد باقر الصدر وقال: <أكبر الظن أنها أوّل مرّة أقرأ فيها لفقيهٍ إسلامي من مدرسة الإمام الصادق% أوسع نظرية لعنصر الفهم الاجتماعي للنص, يعالج فيها بدقّة وعمق الفرق بين المدلول اللغوي ـ اللفظي ـ للنص، والمدلول الاجتماعي، ويحدّد المدلول الاجتماعي حدوده المشروعة. وبالرغم من أنّ الفقهاء في ممارستهم للعمل الفقهي ومجالات الاستنباط من النص يدخلون عنصر الفهم الاجتماعي ويعتمدون عليه في فهم الدليل، إلى جانب العنصر الآخر الذي يمثل الجانب اللفظي من الدلالة، غير أنهم لا يُبرزون في الغالب الجانب اللفظي من عملية فهم الدليل والجانب الاجتماعي بوصفهما جانبين متميّزين لكل منهما ملاكه وحدوده، بل يبرز الجانبان في مجالات التطبيق مزدوجين وتحت اسم واحد وهو الظهور. كانت هذه المرّة الأولى التي قرأت فيها ذلك عن عنصر الفهم الاجتماعي للنص، هي حين قرأت بعض أجزاء المجدّد الخالد (فقه الإمام الصادق) الذي وضعه شيخنا الحجّة الكبير الشيخ محمد جواد مغنية الذي حصّل الفقه الجعفري على يده في هذا الكتاب المبدع على صورة رائعة في الأسلوب والتعبير والبيان>([40]).

وقد ميّز المفكّر الصدر بين الفهم الاجتماعي للنص وبين القياس الثابت حرمته في الفقه الجعفري، معتبراً الأول لا يعدو أن يكون عملاً بظهور الدليل، فحين نعمّم الحكم مثلاً ـ لغير ما ذكر في النص ـ لا نريد بذلك أن نقيس غير المنصوص على المنصوص، بل نستند في التعميم إلى الارتكاز الذي يشكّل قرينة على أنّ المذكور في النص إنما جاء على سبيل المثال، فيكون الدليل نفسه ظاهراً في الحكم العام؛ وبهذا المعنى اعتبر أنّ ما قدّمه الشيخ مغنية من قاعدة الفهم الاجتماعي للنص يمكن أن يحلّ مشكلةً كبيرة في الفقه؛ حيث إنّ كثيراً من الأحكام وصلتنا بطريقة أجوبة على أسئلة الرواة، دون أن يكون منشؤها بدئياً ولا كانت لغتها تقنينية، والرواة إنما يسألون في الغالب عن الحالات الخاصّة التي يحتاجون إلى معرفة أحكامها، فيجيء الجواب وفقاً لحدود السؤال دون أن يتعدّى خصوصيته، وبالتالي إذا اقتصرنا في استنباط الحكم من النص على الفهم اللغوي فحسب، كان معنى ذلك أن نجعل تلك الأحكام في أكثر الأحيان وقفاً على الحالات الخاصة التي هي موضع ابتلاء السائل في حياته العملية، مع أننا قد نكون واثقين بأنّ الأحكام التي وردت بشأن تلك الحالات الخاصّة ليست مختصّة بها، وإن جاءت بصورة مضيّقة بسبب اختصاص السؤال بتلك الحالات([41]).

أما الأمثلة التي عرضها المفكّر الصدر بهذا الصدد، فمثالان نعتقد أنهما ليسا متساويين من حيث الفهم الاجتماعي للنص؛ ففي المثال الأول ذكر قول الفقهاء أن الدليل إذا دلّ على أن من حاز ماءً من النهر أو خشباً من الغابة ملكه، وقد عدّ الصدر هذا المثال مما ينطبق عليه الفهم الاجتماعي للنص، حيث يفهم منه أن كلّ من حاز شيئاً من الثروات الطبيعية الخام ملكه، دون فرق بين الماء والخشب وغيرها؛ لأنّ مناسبات الحكم والموضوع لا تسمح بجعل موضوع الحكم محصوراً في نطاق الخشب والماء فحسب([42]).

لكنّ هذا التطبيق قد يعترض عليه بأنه قائم على استقراء ناقص؛ إذ قد تكون هناك خصوصية لدى ماء النهر أو خشب الغابة غير تلك التي تتعلّق بالثروات الطبيعية الخام، فمثلاً قد يكون ملاك الحكم متعلّقاً بالحالات التي تقع ضمن الحاجات المتعارف عليها عند الناس، ومن بينها ماء النهر وخشب الغابة، ولا يمتدّ هذا الملاك إلى خارج هذا النطاق، فيشمل المعادن الثمينة وما إليها من تلك الثروات، وبالتالي كيف جاز للحكم أن ينبسط ليشمل جميع الثروات المذكورة؟! لذا نتوقع أن لا يحظى هذا المثال بقبول الكثير من فقهاء الشيعة.

أما المثال الثاني، فقد ذكر الصدر أنه إذا تضمّنت الرواية الأمر بغسل الثوب الذي أصابه ماء متنجّس، فإنه يفهم من ذلك أنّ الماء المتنجس إذا أصاب شيئاً آخر نجّسه، سواء كان ثوباً أو غير ثوب؛ وذلك لأن مناسبات الحكم والموضوع المرتكزة في الذهنية العرفية العامة لا تقبل أن يكون تنجيس الماء ـ المتنجس ـ مختصاً بالثوب، فهذا الأخير جاء على سبيل المثال لا التحديد([43]). ولا شك أنّ هذا المثال هو ممّا ينطبق عليه الفهم الاجتماعي للنص، وهو يشاكل المثال الذي عرضه الشيخ مغنية حول رواية الفأرة الميتة في السمن كما عرضناها سابقاً، وعلّة الحكم في الحالتين هو سريان النجاسة، والجميع يدرك أنّ هذا السريان لا تحدّده تعيينات الأسماء المذكورة في النص، بل يتبادر إلى الفهم على سبيل المثال.

وإذا بعدنا عن الفهم الاجتماعي للنص، سنجد هناك اجتهادات وقياسات أغلبها مختلف حوله بين فقهاء الشيعة، فهي ليست مفهومة عرفاً على نحو القطع، بل تحتاج إلى تحقيق للمناط القطعي وإثبات الوحدة بإلغاء الخصوصية، وأغلبها يعود إلى قياس التمثيل، وبعضها يعود إلى قياس الأولوية، كما أنّ بعضاً آخر يعود إلى القياس الخاصّ بترجيح الطريقية على التعبدية، يضاف إلى الاجتهاد الخاص بانطباق الكبرى على الصغرى؛ فمثلاً على قياس التمثيل قام عدد من الفقهاء بتمديد الحكم الخاص بالأعلمية في القضاء إلى مجال المرجعية والفتوى، وكما يرى المحقق الخوئي فإنّ ذلك من القياس([44])، وكذا ما ذهب إليه الآخوند الخراساني في كتاب الكفاية، حيث اعتبر الترجيح في القضاء لأجل رفع الخصومة لا يستلزم الترجيح في مجال الفتوى([45]). وفي جميع الأحوال فالتعدّي من باب القضاء إلى الفتوى يتوقف على إلغاء خصوصية الأول والقطع بعدم تأثيرها، مع أنه في القضاء لابدّ من حل النزاع بالحكم ولو كان ظناً، أما مع الفتوى فالأمر يختلف؛ إذ لا نزاع فيها([46]). كذلك تمّ تمديد الحكم في شرط الذكورة من الباب الأول إلى الثاني. وقد حصل لدى بعض علماء السنّة العكس من ذلك في كل من الاتجاه والنتيجة؛ فالإمام الطبري أجرى القياس من الفتوى إلى القضاء متوصلاً إلى أنّ الذكورة ليست شرطاً واجباً؛ لا في الباب الأول ولا في الثاني([47]).

كما أجرى بعضهم القياس بولاية الأب والجد على ولاية الحاكم، فمثلما أن ولاية الأب والجد على الابن غير قابلة للإسقاط؛ كذا لا يحقّ للحاكم الذي تنصبه الأمة برضاه أن يستقيل فيما بعد، ومثل ذلك إجراء القياس بين بعض مسائل النكاح ومسائل الحكومة، فقد تقرّر في النكاح سقوط اعتبار إذن الولي إن غاب أو سُجن، وقيس عليها وجوب انتصاب المفضول للحكومة إن تعذر الفاضل([48])، رغم الفوارق الكبيرة بين باب الحكومة وباب النكاح، وكذا ولاية الأب والجد.

وجاء أنّ المعول عليه لدى الفقهاء هو إثبات عدم الربا بين الأب والابن للنص، واعتبر بعضٌ ـ كصاحب جواهر الكلام ـ أنه لا يجوز تعدّي ذلك الحكم إلى الأم؛ لحرمة القياس([49])، لكن بعض المعاصرين اعتقد خلاف ذلك، وهو أنّ تعدّي الحكم إلى الأم وارد يقيناً؛ لأن من المتيقن ـ على رأيه ـ أنّ عدم الربا بين الأب والابن لا علّة له إلا الأبوة، وهي بين الابن والأم أقوى منها بين الاب وابنه([50]).

كما جاء أنّ عيوب المرأة التي ورد فيها النص سبعة، هي الجنون والجذام والبرص والقرن والإفضاء والعمى والعرج([51])، لكن ورد في كتاب كشف اللثام أنّ المشهور لدى الفقهاء هو أنّ الرتق أحد هذه العيوب؛ لأنه بدوره يمنع من الجماع، حيث يكون فيه الفرج ملتحماً على وجه ليس للذكر مدخل فيه، لهذا ألحقوه بالقرن والعفل([52]).

وذهب عددٌ من الفقهاء إلى جواز استخدام كلمة: متعتك، في العقد الدائم، مع أنه يستخدم في العقد المنقطع؛ لذا منعه بعض الفقهاء تعبّداً بالنص، لكنّ الذين جوّزوه رأوا أنه يكفي في العقود اللازمة إجراء المجازات المتعارفة فتشملها الآية: >أَوْفُوا بِالْعُقُودِ< (المائدة: 1)، ضرورة كون العقد من جملة مقاصد الإنسان، فكلما تعارف في التعبير عنه كان كافياً كغيره من المعاني والمقاصد([53]).

كما ذهب الفقهاء إلى أنّ من سبّ النبي يُقتل، وكذا من سبّ الإمام علياً وسائر الأئمة، تبعاً لبعض الروايات، لكنّ بعضهم اعتبر إلحاق سائر الأنبياء بذلك فيه قوّة؛ لأنّ كمالهم وتعظيمهم معلومٌ من دين الإسلام ضرورة، واعترض عليه النجفي بأنّ ذلك لا يُثبت القتل، بل الارتداد فحسب؛ مع هذا ألحقَ الفقهاء بالقتل أمّ النبي وبنته، وبعضهم حصر البنت بفاطمة الزهراء، وذلك للإجماع على طهارتها بآية التطهير([54])، وهو قياس تعليله لا يفي بشيء؛ إذ ما الذي يبرّر القتل استناداً للطهارة؟ وذكر بعض المعاصرين أنّ الفقهاء أضافوا حكم القتل لمن سبّ الزهراء باعتبارها بضعة رسول الله، والنيل منها نيل منه بالذات عرفاً وشرعاً([55]). ولا شك أنّ هذا الاعتبار لا يمتلك الدلالة القطعية في فتوى القتل؛ إذ يمكن أن يقال الشيء نفسه بخصوص بقية أولاده، مع أنّ هناك فارقاً خصوصياً بين النبي وغيره، من حيث النبوة وعدمها.

كما أجرى الفقهاء المتأخرون القياس في السيرة العقلائية وطبّقوها على القضايا الدينية، ومن ذلك ما فعلوه بخصوص قضية تقليد الأعلم، رغم الفارق بين هذه القضايا وبين الأمور الدنيوية([56]).

وفي المسائل الطريقية، ذهب الكثير من الفقهاء إلى عدم التوقّف عند حدّ ما جاء به النص؛ فمثلاً رغم أنه وردت مجموعة من المرجّحات المنصوصة حول الأخبار، كالوثوق والشهرة وموافقة الكتاب والسنّة ومخالفة العامّة، إلا أنّ عدداً من الفقهاء أجازوا التعدّي إلى غيرها من المرجّحات اعتماداً على الطرق المقرّبة للكشف عن الحكم الشرعي، وهو المنسوب إلى جمهور الأصوليين([57])، وخالفهم آخرون تعبّداً بالنص ووقوفاً عند الحدّ المذكور من المرجّحات، كالإخباريين وبعض الأصوليين مثل الآخوند الخراساني([58]). كما لم يتوقف الفقهاء عند حدّ الموارد المنصوص عليها في طرق الإثبات التي يعتمدها القاضي في القضاء؛ فبحسب النصّ هي عبارة عن البينة واليمين، ففي صحيح هشام عن الإمام الصادق أنّ رسول الله قال: <إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان، وبعضكم ألحن بحجّته من بعض>، وأضافت بعض النصوص إلى ذلك <سنّة جارية مع أئمة هدى>، حيث قال الإمام علي في خبر إسماعيل بن أويس: <جميع أحكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة أو يمين قاطعة أو سنّة جارية مع أئمة هدى>. لكن مع هذا أفتى الكثير من الفقهاء بصحّة عمل القاضي بعلمه، دون التوقّف عند حدّ الحصر المذكور؛ وذلك لأنّ ملاك الحكم هو الكشف عن الأقربية للواقع؛ وبهذا المعنى اعتبر النجفي أنّ العلم أقوى من البيّنة المعلوم إرادة الكشف منها([59]).

ومن بين الأساليب الاجتهادية فيما لا نصّ فيه، قام الفقهاء ـ أحياناً ـ بانتزاع بعض القواعد من النص وعدّها من الكبرى؛ وذلك بإلغاء خصوصيّة المورد واعتباره ليس قيداً ولا مؤثراً في القاعدة؛ فمثلاً جاء في عدد من الروايات عن بعض الأئمة الدعوة إلى عدم نقض اليقين بالشك ضمن موارد سئل عنها، كمورد أنّ الإنسان إذا شك في نومه هل يجدّد وضوءه؟ فأجاب الإمام: <لا حتى يستيقن أنه قد نام.. وإلا فإنه على يقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين أبداً بالشك، ولكن ينقضه بيقين آخر>، حيث استدلّ الفقهاء بمثل هذه الرواية على أنّها لا تختصّ بمورد الوضوء، بل هي كبرى تشمل الوضوء كما تشمل غيره من الموارد، وأنّ الألف واللام في كلمة (اليقين) هي للجنس لا للعهد، فيكون الحكم مطلقاً بعد إلغاء خصوصيّة المورد، وهو الوضوء، مما يعني عدم جواز نقض مطلق اليقين بالشك، سواء تعلّق اليقين بالوضوء أو بغيره من الأحكام والموضوعات([60]).

وحديثاً ظهرت مواقف أخرى تعمل على التشريع للواقع طبقاً للمصلحة بعناوين مختلفة، كعنوان منطقة الفراغ، أو تشخيص المصلحة، أو صلاحيات الحاكم الشرعي، وهي قواعد وأصول مستحدثة لدى التفكير الشيعي؛ وذلك لأجل سدّ النقاط التي لم يرد حولها تشريع، أو ورد فيها التشريع لكن المصلحة تطلّبت العمل بخلافه([61]).

هكذا نكون قد اطّلعنا على جملة من الممارسات القياسية والاجتهادية لدى الشيعة، ولعلّ الكثير منها لا يبتني على القطع، وأنّ بمثل هذه الممارسات ظلّت شبهة الإخبارية عالقة حول الاجتهاد الشيعي، وهو أنه يقتبس ما لدى نظيره السنّي دون أن يتقاطع معه، فالشبهة كانت موجهةً قديماً إلى الشيخ الطوسي، ومن ثم لاحت طريقة المتأخرين وأخذت تتسع يوماً بعد يوم؛ فالاجتهاد وأصول الفقه والمصلحة والقياس وما إليها كلّها تعدّ من منتجات الاجتهاد السنّي، وجاء الشيعة يقتبسونها دون أن يبالوا بالمعارضة مع سلف الشيعة الأوائل الذين بنوا نهجهم على الطريقة الإخبارية.

ومن حيث التحقيق، لو أخذنا بنظر الاعتبار ما يعوّل عليه الفقهاء عادةً من وجود المصالح الخفية في الأحكام، وأنّ العقل عاجز عن الكشف عنها؛ إذ قد يتوهم العقلاء ما هو أقرب إلى واقع الشرع على أنه أبعد، وما هو أبعد عن هذا الواقع على أنه أقرب([62]).. فلو أخذنا ذلك بنظر الاعتبار لأصبح التسليم بالنهج الطريقي، أو الأخذ بالمصلحة وسدّ منطقة الفراغ، أو القول بوجود وحدة مناط تسمح بتمديد الحكم من باب إلى آخر، أو غيرها من الاعتبارات، كلّ ذلك يصعب قبوله واستساغته لما فيه من تنافي مع فكرة تلك المصالح.

ويدلّ على هذه المفارقة أنّ الفقهاء تارةً يشرّعون أحكاماً جديدة لأدنى اعتبار، وذلك وفق ما يطلقون عليه بوحدة المناط القطعي أو غيرها، وهي أبعد ما تكون عن القطع كبعض الأمثلة التي ذكرناها سابقاً، لكنهم تارةً أخرى يتعبّدون بالنص دون أن يسمحوا بتمديد حكمه على ما يشابه مضمونه من القضايا، بدعوى عدم العلم بالعلّة التامة للحكم، رغم دلالة الظاهر على العلة، أو بالقول باحتمال كون موضوع الحكم مؤثراً في العلة، أو غير ذلك([63]). ومن ضمن ما يأتون به من أمثلة هو أنّ الحجج في المسائل الطريقية لا يستكشف منها أحياناً محض الكشف عن الحقيقة أو الواقع، وذلك لارتباطها بالجانب التعبّدي، فيكون التعويل على محض الطريقية تعويلاً قائماً على العلّة الناقصة لافتقاده العنصر الآخر للمقتضي، وهو الجانب التعبدي؛ فمثلاً الاتفاق جارٍ على ترجيح تقليد العالم العادل على الأعلم الفاسق، وكذا العالم الذكر على الأعلم الانثى، فمع أنّ الارتكاز الطريقي جارٍ لصالح الأعلم، لكنّ الجانب التعبدي في صفة العدالة والذكورة تجعل عدم جواز الاستناد إليه، وكذا الحال في رفض شهادة غير المسلم تعبداً، إذ لا حجية فيها مهما كان الظن بها قوياً، ومثل ذلك التعويل على القياس حيث يرجّح عليه خبر الآحاد، حتى لو كان الظن فيه أقوى من الظن الناشئ عن هذا الأخير؛ وعليه يمكن أن يقال: إنّ ما يستند إليه الفقهاء في سائر الحجج الطريقية ـ ومثلها في مناطات الأحكام ـ لا يعدّ كافياً طالما يرد الاحتمال بوجود عناصر تعبدية خافية على العقول كما يفترضه منطق المصالح الخفيّة، مما يعني أنه لا يجوز التعدّي إلى غير ما ورد به النص.

الحاجة إلى إعادة النظر في الموقف الشيعي من القياس

وربما لمثل هذا التردّد والتذبذب دعا المرحوم مرتضى مطهري إلى ضرورة إعادة البحث الجدّي في القياس لمعرفة حدود ما يصحّ وما لا يصح منه، وكما قال: <لقد كان من اللازم على المتأخرين أن يحذوا حذو القدماء في بحث مسألة القياس والرأي؛ لتستبين حدود القياس الممنوع بصورة أفضل؛ لكي لا يظهر أناس يعارضون حرية العقل باسم محاربة القياس، بل كان من الأفضل لو فتحوا باباً باسم باب العقل أو باب الأدلة العقلية في الأصول، يشرحون فيه حدود تدخّل العقل، ويتناولون فيه كذلك القياس الممنوع. إنني أرى أنّ عدم بحث المتأخرين في القياس الممنوع، وفي حدود دلالة العقل وحكمه في الأحكام الشرعية قد أصاب الفقه والاجتهاد عند الشيعة بشيء من الضرر>([64]).

على أن بمثل هذا التردّد المشار إليه؛ تكون الممارسة الفقهية لدى الشيعة غير متقاطعة مع القياس رغم عدم تسميتها له بهذه اللفظة، كما أنها غير متقاطعة مع الاجتهادات الظنية فيما لا نصّ فيه رغم حرصها على أن يكون الحال منبنياً على القطع لا الظن، الأمر الذي يجعلها قريبةً من النهج السنّي، لكن كلا النهجين بنيا اجتهادهما على الظن تبعاً لضغط الحاجة، ولا يوجد لديهما الدليل القطعي على ما يمارسانه من اجتهاد حسب الصورة المقنّنة التي أفضيا إليها، خاصة وأنّ الاجتهاد لديهما يقوم على الحديث لكونه مصدر التفصيل، مع أنّ فيه ما فيه.

وفي النهاية، يمكن القول: إنّ فتح الاجتهاد وإغلاقه أو إبعاده، كلّها مقولات قد أدّت إلى حدوث أزمات فقهية، سواء في الدائرة السنّية أو الشيعية؛ فبعد أن فُتح الاجتهاد في الدائرة السنّية ما لبث أن أدّى إلى حدوث أزمة تتمثل بكثرة الآراء والاتجاهات، وأغلب الظن أنّ بسببها أفضى الأمر إلى غلق باب الاجتهاد وحصره في المذاهب المعروفة. لكن غلق الاجتهاد أفضى بدوره إلى أزمة أخرى لا تقلّ عن الأولى، وهي أزمة التقليد التي عانت منها تلك المذاهب. وكذا الحال في الدائرة الشيعية، حيث إنّ فتح الاجتهاد أدى إلى أزمة تتمثل بكثرة التعارض بين الأحكام لدى الفقهاء، كالذي يشير إليه ابن طاووس وغيره. كما أنّ إبعاد الاجتهاد عن دائرة الاستنباط ـ مثلما يعوّل عليه الإخباريون ـ قد أحدث بدوره أزمة جمود وعدم القدرة على مجابهة تطورات الواقع. ولا شك أنّ بين هذه الأزمات تتبلور حالات الانفراج وإنتاج النماذج الجديدة من التفكير؛ فالواقع هو الذي يفتح الآفاق الخصبة، كما أنه يخلق السدود والأزمات، فيحدث بذلك فتحاً جديداً، وهكذا..

*     *     *

الهوامش



([1]) الشهرستاني: الملل والنحل: 70، عرض وتعريف حسين جمعة، الطبعة الأولى، دار دانية للنشر، 1990م؛ ومحمد أمين الاسترابادي، الفوائد المدنية: 43 ـ 44، طبعة حجرية قديمة.

([2]) مجموعة رسائل الشريف المرتضى 3: 311، إعداد مهدي الرجائي، تقديم وإشراف أحمد الحسيني، نشر دار القرآن الكريم، قم، 1405هـ؛ ومحمد مهدي بحر العلوم، الفوائد الرجالية 3: 219، حقّقه وعلق عليه محمد صادق بحر العلوم وحسين بحر العلوم، نشر مكتبة الصادق، طهران، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية www.yasoob.com.

([3]) من لا يحضره الفقيه 4: 270، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية.

([4]) محمد باقر الخوانساري، روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات 6: 147، الدار الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى، 1411هـ/1991م.

([5]) يوسف البحراني، لؤلؤة البحرين: 298، حققه وعلق عليه محمد صادق بحر العلوم، مطبعة النعمان؛ وروضات الجنات 6: 218.

([6]) لؤلؤة البحرين: 297 ــ 298؛ وروضات الجنات 6: 217 ــ 218.

([7]) روضات الجنات 6: 213؛ وحسين الكركي، هداية الأبرار: 136، الطبعة الأولى، 1396هـ.

([8]) أبو جعفر الطوسي، عدة الأصول 1: 39، تحقيق الأنصاري القمي، مطبعة ستارة، قم؛ وتمهيد الأصول في علم الكلام: 354، انتشارات دانشكاه طهران، 1362ش/1983م.

([9]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 20: 65، المكتبة الإسلامية، طهران.

([10]) مجموعة رسائل الشريف المرتضى 2: 41.

([11]) محمد باقر الصدر، المعالم الجديدة للأصول: 93، مكتبة النجاح، طهران، الطبعة الثانية، 1395هـ ــ 1975م.

([12]) نجم الدين الحلي، معارج الأصول: 179 ـ 180، إعداد محمد حسين الرضوي، نشر مؤسسة آل البيت، الطبعة الأولى، 1403هـ.

([13]) الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية، صحّحه وعلق عليه محمد تقي الكشفي، المكتبة المرتضوية، طهران، الطبعة الثانية، 1387هـ، المقدمة.

([14]) انظر كتابنا: فهم الدين والواقع: 45، دار الهادي، بيروت، الطبعة الأولى، 1426هـ ــ 2005م.

([15]) الطوسي، تهذيب الأحكام، تقديم السيد حسن الخرسان، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثالثة، 1390هـ، المقدمة.

([16]) عدّة الأصول 1: 136 ــ 138.

([17]) انظر: مقدمة آغا بزرك الطهراني لكتاب النهاية للطوسي، انتشارات قدس محمدي، قم، ص و ـ ز؛ وتأسيس الشيعة: 304، انتشارات الأعلمي، لم تذكر سنة الطبع ولا مكانه؛ والمعالم الجديدة للأصول: 56 وما بعدها.

([18]) مقدمة الآغا بزرك الطهراني لكتاب التبيان في تفسير القرآن للطوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج1، ص: ط.

([19]) مع هذا، فقد قال في مصنف آخر ما يناقض القول السابق، كما أشار إليه الشيخ البحراني، قال: <فإنّ الحقّ لا يشتبه بالباطل، والمطوق ليس كالعاطل، والشمس لا تستر بالنقاب، والشراب لا يلتبس بالسراب، وما ورد من التقية لا يكاد يخفى> فانظر: يوسف البحراني: الحدائق الناضرة 1: 108، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية.

([20]) روضات الجنات 6: 204.

([21]) ابن إدريس الحلي، السرائر: 6، طبعة حجرية (لم يكتب عنها شيء).

([22]) مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول 1: 61، 70، تحقيق وتقديم عبد الله النوراني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثالثة، 1411هـ.

([23]) المصدر نفسه 2: 451 ــ 452.

([24]) المصدر نفسه 1: 293.

([25]) المصدر نفسه 1: 253 ــ 255.

([26]) محمد باقر الصدر، اقتصادنا: 417 ـ 418، دار التعارف، بيروت، الطبعة الحادية عشر، 1399هـ.

([27]) محمد حسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 2: 349، تحقيق وتعليق وتصحيح محمود القوچاني، دار الكتب الإسلامية بطهران، 1367ش/1988م؛ وفرائد الأصول 1: 309.

([28]) فرائد الأصول 1: 296.

([29]) المصدر نفسه 1: 300.

([30]) الغزالي، المنخول في علم الأصول، ضمن الباب الثاني في مراتب القياس وضبط أقسامه.

([31]) نعمة الله الجزائري، الأنوار النعمانية 1: 236 ـ 237، طبعة تبريز، إيران.

([32]) المصدر نفسه: 235 ــ 236.

([33]) المفيد، أوائل المقالات: 139، ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد (4)، دار المفيد، بيروت، الطبعة الثانية، 1414هـ.

([34]) أبو القاسم الخوئي، التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الاجتهاد والتقليد: 22 ـ 24، تحرير الميرزا علي الغروي التبريزي، مقدمة عبد الرزاق الموسوي المقرّم، مطبعة الآداب، النجف.

([35]) لاحظ كتابنا: الاجتهاد والتقليد والاتّباع والنظر: 77 وما بعدها، طبعة مؤسّسة الانتشار العربي، بيروت، 2000م.

([36]) معارج الأصول: 179 ـ 180.

([37]) انظر حول ذلك: الاجتهاد والتقليد والاتباع والنظر: 77 ــ 88.

([38]) مغنية، فقه الإمام جعفر الصادق 1: 16.

([39]) محمد باقر الصدر، الفهم الاجتماعي للنص في فقه الإمام الصادق، عن موقع الجامعة الإسلامية الالكتروني http://209.61.210.137/uofislam/behoth/behoth_isol/10.htm .

([40]) المصدر نفسه.

([41]) المصدر نفسه.

([42]) المصدر نفسه.

([43]) المصدر نفسه.

([44]) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الاجتهاد والتقليد: 174.

([45]) الخراساني، كفاية الأصول: 543 ـ 544، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم، الطبعة الأولى، 1412هـ.

([46]) الاجتهاد والتقليد والاتباع والنظر: 129.

([47]) المصدر نفسه: 138 ــ 139.

([48]) مرتضى الشيرازي، شورى الفقهاء 1: 438، مؤسسة الفكر الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1411هـ.

([49]) النجفي، جواهر الكلام 8: 477.

([50]) فقه الإمام جعفر الصادق 3: 279.

([51]) المقصود بالقرن لحمٌ ينبت في فم الرحم يمنع من الوطء، وقيل: إنه العَفْل، وهو عظم كالسنّ ينبت في الرحم ويمنع الوطء، أما الإفضاء فالمقصود به تصيير المسلكين واحداً. انظر: جواهر الكلام 10: 827.

([52]) جواهر الكلام 10: 826 ــ 830.

([53]) المصدر نفسه: 419.

([54]) المصدر نفسه 14: 549 ــ 550.

([55]) فقه الإمام جعفر الصادق 6: 288 ــ 289.

([56]) الاجتهاد والتقليد والاتباع والنظر: 133 ــ 134.

([57]) فرائد الأصول 2: 780 ــ 781؛ ومحمد رضا المظفر، أصول الفقه 3: 261 ــ 263.

([58]) كفاية الأصول: 509 وما بعدها؛ وأصول الفقه 3: 261.

([59]) جواهر الكلام 14: 53 ــ 54.

([60]) محمد حسين النائيني، فوائد الأصول 4: 335 ـ 336، حرّره محمد علي الكاظمي الخراساني، تعليق ضياء الدين العراقي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1406هـ.

([61]) لاحظ: فهم الدين والواقع: 113 ــ 114؛ كذلك كتابنا: جدلية الخطاب والواقع: 175 ــ 176، مؤسّسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2002م.

([62]) انظر بهذا الصدد: فهم الدين والواقع: 30 ــ 31.

([63]) فمثلاً قال المحقق النائيني: <قد يتحقق المفهوم بالمساواة في غير منصوص العلة فيما إذا أحرز مناط الحكم المذكور في القضية من الخارج يقيناً؛ فيحكم بسراية الحكم إلى كل مورد تحقق فيه مناط الحكم، وهذا القسم نادر التحقيق جداً؛ إذ الغالب في مناط الحكم أن لا يكون قطعياً، وإذا لم يكن المناط قطعياً كانت تسرية الحكم من موضوعه إلى غيره داخلة في القياس المعلوم عدم حجيته>. انظر: الخوئي، أجود التقريرات 1: 499، تقريرات محمد حسين النائيني، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية.

([64]) مرتضى مطهري، مبدأ الاجتهاد في الإسلام: 28، ترجمة جعفر صادق الخليلي، مؤسّسة البعثة، طهران، الطبعة الأولى، 1407هـ.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً