أحدث المقالات

ترجمة: محمد أمين

لكلّ مجتمع خصائصه الثقافية التي تحدّد ميزاته وطبيعة حياته الاجتماعية وديناميكيته، ومن بين تلك الخصائص، هناك واحدة ــ في كل مجتمع ــ تعدٌ مصدراً لسائر الخصائص، وهي الأفكار والأهداف التي تنشأ عن إيمان ذلك المجتمع وتفكيره السياسي؛ لأن المحاور الأساسية والأهداف الرئيسة في أيّ مجتمع، هي التي تحدّد هوية مؤسّساته وطبيعتها، وتعطي لخصائصه الثقافية ترتيباً منطقياً؛ فتجعل أحدها أصلاً والآخر فرعاً.

وكما أنّ هوية الإنسان الأساسية تتبلور عن طريق أفكاره ومعتقداته وطريقة حياته، فالحياة الاجتماعية للمجتمع هي أيضاً نتيجة لأفكار المجتمع كلّه وأهدافه وعقائده.

 

الميزة الثقافية للمجتمع الإسلامي في إيران ـــــــ

يمكننا هنا تحديد الخاصيّة الأساسية لثقافة مجتمعنا الإسلامي في إيران الإسلام، وهي سيادة الفكر والمثل والعقائد الإسلامية، أي أنّ الخصائص والعناصر الثقافية السائدة، مصدرُها الفكر الإسلامي والإيمان الديني.

أمّا عملية إحلال الخصائص والعناصر القيمية الإسلامية، بدلاً عن المعايير الباطلة والزائفة للنظام الملكي البائد، فهي دليل على حركة وعمق الفكر والإيمان بالإسلام وثقافته في مجتمع إيران المسلم والثوري. وأما سرعة هذا الاستبدال، فهو في بعض الموارد بالحدّ الذي لا يمكن بيانه من خلال مؤشرات طبيعية، بل يقدّم قواعد جديدة في علاقة العلّة بالمعلول في مجال التطوّرات والتغييرات الاجتماعية والثقافية والسياسية؛ لذلك، ومن أجل معرفة الميزة الرئيسة والعنصر الأساس للثقافة التي تسير نحو النموّ، علينا ــ أولاً ــ البحث في جذور الأفكار والمثل والعقائد الإسلامية لشعبنا، لنحدّد الأصل الذي تتمركز فيه وتتجلى.

صحيحٌ أن دستور الجمهورية الإسلامية في إيران، هو مجموعة من العناصر الثقافية والاقتصادية والسياسية للشعب الإيراني، وهو بحقّ ثمن دماء شهداء الثورة الإسلامية، لكن المادة الرابعة للدستور([1]) تعدّ الهدف الأساس والأصيل للثورة، ومن أبرز غايات الشعب المسلم.

التنمية على ضوء المادّة الرابعة من الدستور الإيراني ـــــــ

على ضوء المادة الرابعة من دستور الجمهورية الإسلامية، لا تبلغ الثورة غاياتها إلا عندما تعمّ هذه المادة جميع القوانين والمقرّرات التي تحكم البلاد، القوانين والقواعد الاجتماعية والتنموية والثقافية المتطابقة مع الشريعة الإسلامية والوحي الإلهي، وفي هذا الصدد يجب أن نبحث عن عوامل التنمية في ظلّ سيادة الموازين والأحكام الإسلامية، هذه العوامل التي قد تعدّ ــ للوهلة الأولى ــ معاكسةً للعملية التنموية، لذلك قد يكون غريباً الإشارة إليها بوصفها عنصراً من العناصر الأساسية في تنمية المجتمع المسلم.

مركّب الثقافة القومية الإسلامية ـــــــ

كانت البلاد قبل انتصار الثورة الإسلامية تعيش حالةً من الازدواجية الثقافية، فكانت الدولة تؤكّد الثقافة القومية، وبشكل خاص الثقافة الإيرانية التي سبقت الفتح الإسلامي، فيما كان الشعب المسلم متمسّكاً بثقافته الإسلامية، لكن وبعد الثورة الإسلامية انتهت هذه المشكلة من خلال المادّة الرابعة في الدستور، والتي أكّدت أنّ الثقافة الإسلامية هي الثقافة القومية للشعب الإيراني، وأنّ ثقافة الإيراني القومية ثقافةٌ إسلامية بالدرجة الأولى.

مضمون المادة الرابعة من الدستور الإسلامي، هو السمة البارزة لثقافة هذا الشعب، وهو ضمان حركة المجتمع الإيراني ونشاطه في جميع المجالات، خاصّةً في مجال التنمية الاقتصادية والإدارية، وقد تجلّت الثقافة التنموية ضمن قالبٍ قومي إسلامي.

ومع الأخذ بهذه الحقيقة البيّنة، نرى أن أسس الفكر السياسي للثورة الإسلامية اليوم، لا تُطرح بصفتها رأياً أصولياً في بُنية مؤسّسات نظام الجمهورية الإسلامية في إيران فحسب، وإنما أنموذجاً واسعاً من الفلسفة السياسية الهادفة شرح النظام السياسي المثالي للأمّة الإسلامية.

واليوم نجد ضرورةً لمعرفة أسباب وعوامل التنمية في جميع المجالات، الاقتصادية والثقافية والإدارية، وذلك على أساس المادة الرابعة من الدستور.

لكنّ الأهم من ذلك، استخراج هذه العوامل من رَحم الميزة الأساسية لثقافة البلاد، أي إسلامية النظام.

نظرية إعادة بناء الاجتهاد وفق أصول التنمية، نقد وتعليق ـــــــ

يرى العديد من الباحثين أنّ حلّ ثنائية: القومي ــ الإسلامي يأتي من خلال الاجتهاد وتنضيج الأحكام الأولية للإسلام، ويسعون إلى اكتشاف طرق التنمية الاقتصادية والإدارية للدولة عبر تحليل الأحكام الأولية للفقه وإعادة النظر الاجتهادي فيها، وهم يؤمنون بقدرتهم على فتح الطريق لنظام إسلامي متطوّر نحو التنمية من خلال إعادة النظر الفقهي، لا في أدلة أحكام الشريعة الثابتة، ولذلك تحلّ مشكلة الجمود في تطبيق الشريعة، في ظروف نشطة ومنظورة، من خلال الفصل بين موضوعات الأحكام وضمّ القيم والمعايير التخصّصية إلى المعايير القانونية للأحكام الأولية.

لكنّ هذا الحلّ ــ وبغض النظر عن الصعوبات العملية التي يواجهها في التطبيق ــ يتضمّن مخاطر كبيرة، ويؤدي إلى الانحراف، وينتهي إلى تحريف الشريعة، وبالتدريج ستحلّ الخبرة المتحركة محل الأحكام الثابتة في مسيرة التطوّرات، والحلول التي تعتمد تلفيق الآراء النظرية الإسلامية على أساس الأحكام الأولية لآراء الخبراء، فحتى لو استطاعت أن تؤثر في مجال التنمية الاقتصادية والإدارية في فترة زمنية وظروف خاصة، إلاّ أنّها ستفقد قدرتها على التحرّك ومسايرة الظروف المستجدة التي تسير بسرعة كبيرة، على المدى البعيد.

أمّا توقع الكشف عن صيغة ثابتة تمثل الحلّ في جميع الظروف والأوقات فهذا شيء مستحيل، لذلك يجب السعي للوصول إلى حلّ آخر.

نظرية الأحكام الثانوية ومواكبة التنمية، وقفة نقديّة ـــــــ

في الظروف الاستثنائية، وفي حالة عدم وجود حكم أولي لبعض الموضوعات، هناك أحكام ثانوية قادرة على حلّ المشاكل، وذلك في ظروف خاصة، كالحرج والضرر والضرورة والأهمّ والمهم وتزاحم الأفسد مع الفاسد، أو بسبب تعرّض النظام العام إلى الخطر أو لأجل حفظ بيضة الإسلام أو النظام الإسلامي، ففي مثل تلك الحالات يتحوّل الحلال إلى حرام، والحرام إلى واجب وهكذا.

يتصوّر بعضهم أنّ هذا الأسلوب الاجتهادي المقبول من جانب الفقهاء على ضوء تعاليم الشريعة نفسها، يعدّ الضمان لاستمرار جدارة تطبيق الشريعة في مختلف الظروف، ويمكنه حلّ مشاكل التنمية والتطوّرات التي تنشأ عنها، أمّا في الظروف التي تتوافر فيها التنمية الإدارية والاقتصادية على أحكام أولية، أو يكون هناك ضيق في مثل أحكام الملكية وآثار العقود، ودائرة السيادة، وحدود القانون العام، والضرائب، وصلاحيات مراكز اتخاذ القرار، وطرق العمل العام المسدودة أساساً، الواجبات والمحرمات التي تخصّ العلاقات الفردية والاجتماعية.. فيمكن رفع الموانع الشرعية بالاستفادة من قواعد مثل الحرج والضرر والضرورة والتزاحم والأهم والمهم وأمثالها؛ لتسريع عملية التنمية.

فلأجل الاستفادة من القوى الإنسانية بأعلى مستوى في التنمية الاقتصادية والإدارية، يجب البحث عن إمكانية تجاوز الموانع الناشئة عن الأحكام الأولية في مجال عمل النساء والرجال معاً واختلاطهم، والآثار المترتبة على ذلك، ومدى إمكانية تجاوز بعض المحاذير الشرعية للضرورة، وأهمية استمرار النظام وبقائه.

ورغم أنّ هذا الحلّ أقلّ عرضةً للمشاكل من الناحية العملية قياساً بالحلّ الأوّل، إلاّ أنّ مآله إلى مآل الحلّ الأول نفسه؛ إذ وفي العديد من الموارد، لا يمكن تطبيق قواعد العناوين الثانوية، كما أنها في موارد أخرى تفقد فاعليتها اللازمة.

أمّا تطبيق عناوين كالحرج والضرر والضرورة في الحالات الحرجة، فهو ناشئ عن مستلزمات التنمية، كما أن تبعاتها صعبة جداً، ولا تنسجم مع التعاريف والضوابط المذكورة لهذه العناوين في الفقه، ومن جهة أخرى فالمحذورات الشرعية يتعذّر ــ أحياناً ــ على الفقيه فيها التمييز بين الأهم والمهم والأصلي والفرعي من المسائل.

كما أنّ المحدودية المفروضة على استخدام العناوين الثانوية في الفقه، تقلّل أحياناً من تأثير الأحكام المستخرجة من القواعد المذكورة أعلاه، وتنتهي بها إلى أدنى مستوى من التأثير في حلّ المشاكل الناتجة عن التنمية؛ لأنّه وحسب قاعدة: الضرورات تقدّر بقدرها، فإن ما يحصل من تذبذب في الضرورات يجعل الحكم الثانوي يعود بشكل آلي إلى الحكم الأوّلي، كما أنّ تصور الآثار والتبعات التي سيأتي بها هذا التذبذب في برنامج التنمية، يجعل الفقيه ينصرف عن تقديم مثل هذه الحلول، وبهذا الشكل، لن تكون وجهة نظرهم في تحديث قوانين الإسلام عن طريق تطبيق الأحكام الثانوية.

نظرية الحكم الحكومــتي، وحلّ مشكلات التنمية ـــــــ

للوصول إلى برنامج تنمية اقتصادي وإداري يتناسب والظروف الاجتماعية المتطوّرة والحرّة، علينا الاستفادة من الأسلوب نفسه الذي استُخدم في تطبيق المادّة الرابعة من الدستور في التنمية السياسية وإيجاد نظام سياسي يتناسب وهذه المادة.

فلأسلمة النظام في البُعد السياسي، اتُخذ برنامج تنمية سياسية في بنية النظام السياسي على مستوى الأحكام الإسلامية الأولية، أي الإمامة وولاية الفقيه، وبهذا تمّت إزالة جميع الموانع التي تقف في طريق نظام البلاد السياسي، وبهذه الجملة التي قالها الإمام الخميني L: mلم أجد في هذا الدستور ما يخالف الشرعn([2]) تمّ ضمان شرعية النظام ومؤسّساته، وارتفع إشكال المنع فيما يتعلق ببُنية نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وإذا كانت التنمية في إطار المصالح القومية والإسلامية بحاجة إلى نظام حرّ في البرمجة والتطبيق، فالسبيل الوحيد لذلك هو الاستفادة من الأحكام الحكومية، وإذا تصوّرنا اختصاص الأحكام الحكومية بوليّ الأمر والإمام أو الوليّ الفقيه، فسيضع ذلك أمام التنمية عوائق جديدة، فهذا التصور ــ دون تردد ــ بعيدّ عن الواقع؛ وذلك:

أولاً: في تحليل التنمية السياسية، شاهدنا أن تركيز الصلاحيات الناشئة عن الأحكام الحكومية لا يخلق مانعاً، بل هو من عوامل تقدّم التنمية السياسية.

ثانياً: الدقّة والتعقيد والتعارض الفكري والغائي، وفي النهاية التضادّ الناتج عن دقائق عملية التنمية، يحتاج بذاته إلى تركيز واعٍ ومنتظم لها، وهذه الضرورة منظورة فيما نطلبه من اختصاص الأحكام الحكومية بقيادة المجتمع الإسلامي.

ثالثاً: إنّ اختصاص الأحكام الحكومية بالمركز الأيديولوجي للمجتمع، لا يعني سيادة الأفكار الفردية على التنمية، بل وعلى أساس تأكيد الإسلام على ضرورة الاستشارة والاستفادة من الخبرات والتخصّصات، والأخذ بالترتيب القانوني ــ السياسي للدولة في تحليل القضايا بشكل أوليّ في mمجمع تشخيص مصلحة النظامn([3]) هذا الأمر يوجب صدور القرارات المتخذة بعد دراسة وتحليل جامعين، ومن خلال تبادل آراء مختلفة، وبهذا الشكل يتجلّى الرأي الجماعي في حكم ولي الأمر.

رابعاً: في العديد من الموارد يكون اتخاذ القرار في الأحكام الحكومية قابلاً للتفويض إلى المجالس الواجدة للشرائط، ومن خلال الفكر الجمعي ودراسة الأحكام الحكومية نجد نوعين من الحصر، يصبّ الالتزام بهما في المصلحة القومية وتصحيح مسار الدولة الإسلامية، كما لا يأتي بالضرر على عملية التنمية، وهما:

1 ــ إناطة الأحكام الحكومية بالحاكم الإسلامي وولي الأمر، فإليه الرأي الأخير؛ لأنّه يمتلك شروط: الفقاهة، والتسلّط على اللغة، والعدالة، والإدارة اللازمة، وهو ما يعتبر ضماناً لسلامة القرارات المتخذة.

2 ــ اشتراط وجود مصلحة، والمصلحة الملزمة لوجود حكم حكومي، ستؤدي بشكل طبيعي إلى انتفاء الحكم عند تغيّر المصلحة، وبهذا الشكل لا تكون هناك حاجة إلى نسخ الحكم أيضاً.

يرى بعضهم أنَّ هذين الشرطين يستلزمان تزلزل الأحكام الحكومية وعدم ثبات القانون الذي من الضروري ثباته من خلال برنامج؛ لأن عدم ثباته يؤدّي إلى تغييرات جذرية في طبيعة البرنامج وكيفيته، فيما الحاصل من هذين الشرطين عكس هذا الاستنتاج تماماً؛ إذ سيكون هناك بناءان قويمان متقنان للحكم الحكومي ــ أي حكم الولي من جهة، وعنصر المصلحة من جهة أخرى ــ يمثلان على الدوام السند القوي لحماية الأسس القانونية للتنمية، واحتمال التحوّل والتزلزل في واحد من هذين البناءين أقلّ أيضاً من احتمال تغيير الأساس القانوني للتنمية في نظام التشريع البرلماني.

الصيغة القانونية والإدارية لضبط التنمية ـــــــ

مع الأخذ بالمصدر الأوّلي للتشريع في البلاد، وهو الاستفتاء ومجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، فإن جميع مراحل التنمية الاقتصادية والإدارية يمكن أن تتمّ من خلال هذين المركزين التشريعيين، خاصّة البرلمان. وهناك يتمّ البحث في زوايا وأبعاد المسألة، وانسجامها أو تناقضها مع الأحكام الأولية والموازين الشرعية، ثم تعاد من قبل الولي الفقيه إلى mمجمع تشخيص مصلحة النظامn على أساس المادة 112 من الدستور([4])، وبعد دراستها وتحليلها بشكل مستوفٍ هناك، تطبّق بعد إقرارها من قبل الولي الفقيه.

وطبيعة عمل mمجمع تشخيص مصلحة النظامn توجب دراسةً خبرائية ودقيقة لمختلف البرامج التنموية الخاصّة، والاستفادة من التجارب المتطوّرة في عملية صنع القرار، وإزالة الصعوبات المحتملة في مجال الموازين الشرعية؛ ولضمان ذلك، على mمجمع تشخيص المصلحةn الاستفادة قدر الإمكان من فئتين، هما: الفقهاء والخبراء، حتى يتمّ استخدام الأحكام الحكومية في الحالات التي لا يستطيع فيها أصحاب الاختصاص (الخبراء) فتح طريق لتطبيق الأحكام الأولية والثانوية.

ولحُسن الحظ، فقد فتح الدستور الطريق أمام توسيع النطاق الكمّي والنوعي لمجمع تشيخص مصلحة النظام، بغية الحصول على أعلى مستوى من الاستفادة من القدرات الفقهية والخبروية في هذه المؤسّسة الحيوية، وقد مكّن ذلك من الإفادة من لجان تخصّصية عالية الكفاءة.

الثقافة الدينية وتأسيس بنية تحتيّة للتنمية ـــــــ

إلى جانب الحلول الحقوقية لضمان أعلى مستوى من متطلّبات التنمية الاقتصادية والإدارية، ورفع الصعوبات الشرعية، والتي أشرنا إلى بعضها باختصار، ثمّة شعار في الثقافة الإسلامية حول ضرورة تطوير الحياة، وهو mيجب أن يكون اليوم أفضل من الأمس، والغد أفضل من اليومn، وهذا ما نجده في المصادر والنصوص الإسلامية، كما يمكن لهذا الشعار أن يكون مفيداً في التنمية ومنسجماً معها.

ورد في الروايات انتقاد المسلم الذي يتساوى يومه مع أمسه، وهناك تأكيد بيّن على أن يكون للمسلم برنامجٌ محدّد في الحياة، بصفته إنساناً مؤمناً، وأنّ الحياة دون تدبير مجرّد عبث؛ ولهذا نجد الشريعة الإسلامية قسّمت ساعات اليوم، وأكّدت برمجةً جذرية لكلّ قسم منها، وقد صنّف العلماء والمؤلفون وجامعو الأحاديث تلك الروايات في باب الأخلاق، وأعطوها صبغةً أخلاقية فقط، فيما القضية تتناول الجانب القانوني الحيوي والإداري والاقتصادي، بل والسياسي من حياة الإنسان.

إنّ دراسة هذه الروايات الكثيرة([5]) بدقّة، يوضح مدى الأهمية التي يوليها الإسلام للبرمجة والتنمية، والضرورة التي يراها في مجال الحياة الفردية والاجتماعية. وبلا شك، فإن الإلزام بعمل يعني إعطاء صلاحيات خاصّة لإنجازه؛ فعندما نستنبط من أوامر الشريعة في مجال التدبير والبرمجة، ضرورةَ التنمية، فهذا يعني أنّ المقدمات والوسائل اللازمة لإنجازها، مرخّصة أيضاً بما لا يقبل الشك.

وهذه المقدمات، يجب أن لا تخرج عن حدود الأحكام الأولية، ما دامت مطابقةً لها، وعند بروز مشكلة على صعيد هذه الأحكام وضعت الشريعة حلاّ للخروج من هذا المأزق، لأنها تدرك الصعوبات الناتجة عن محدوديّة الأحكام الأولية.

*   *     *

 

الهوامش

(*) باحث مختصّ بالفكر السياسي، أستاذ جامعي، والرئيس الحالي لجامعة طهران، عضو الهيئة العلمية لكلية العلوم السياسية، ونائب سابق في مجلس الشورى، له مصنفات قيّمة.

[1] ــــ تنصّ المادّة الرابعة من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية على ما يلي:mيجب أن تكون الموازين الإسلامية أساس جميع القوانين والقرارات المدنية والجزائية والمالية والاقتصادية والإدارية والثقافية والعسكرية والسياسية وغيرها، وهذه المادة نافذة على جميع موادّ الدستور والقوانين والقرارات الأخرى إطلاقاً وعموماً، ويتولّى الفقهاء في مجلس صيانة الدستور تشخيص ذلكn. انظر: منظمة الإعلام الإسلامي، دستور الجمهورية الإسلامية في إيران: 27، ط 1990م.

[2] ــــ من خطاب الإمام الخميني بعد التصويت على الدستور. انظر: صحيفة النور، ج2.

[3] ــــ مجمع تشخيص مصلحة النظام: مجلس استشاري أعلى للولي الفقيه (القائد)، ومجلس قرار أعلى لنظام الجمهورية الإسلامية، ويتألّف من أبرز قادة الدولة، ومهمّته النظر في قضايا البلد الأساسية، وحلّ ما يطرأ من خلاف بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور بشأن بعض التشريعات.

[4] ــــ راجع: دستور الجمهورية الإسلامية: 71.

[5] ــــ انظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار 73: 18، الباب 122، وج78، الباب 321؛ وميزان الحكمة، ج2، باب الدنيا.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً