أحدث المقالات

ترجمة: نظيرة غلاب

 

مقدمة ــــــ

إن سبب ظهور الخرافة العلمية والعملية في مجال الفكر والتعاليم الدينية يرجع في الأساس إلى سيطرة الجهل، سواءٌ على المستوى النظري أم العملي. كما أن نمو وتكاثر الخرافة يرجع بالدرجة الأولى إلى انتشار الجهل وشلل عملية التفكير العلمي.

ورغم حضور الخرافة في المجتمعات الحديثة وانتشارها، إلا أن ما ينتج عنها من أضرار في الأوساط التي تعرف سيطرة التفكير السطحي والتحليل القشري وغياب العقلانية والاتكاء على الأفكار البسيطة السطحية للدين أكبر من أن تحصر في ظاهرة بعينها؛ وذلك لامتداد جذورها في جميع مجالات المعرفة، كعلم الأحياء النظري، وعلم النفس النظري والتطبيقي، وعلم الاجتماع، والاتجاهات السياسية والاجتماعية. والسبب في هذا التواجد والحضور القوي للخرافة يرجع إلى محورين اثنين: محور العقلية المتحجرة، والمتخلِّفة علمياً ومعرفياً، والتي جعلت من نفسها القيوم على أمور الدنيا والدين؛ ومحور اللادينيين، والذين يبقى همهم الأصيل محو كل ما يمتّ إلى الدين بصلة، والدفع بالمجتمعات إلى الإلحاد، وبالتالي تعبيد الطريق أمام الماسونية والصهيونية وما شابه ذلك.

همنا الأول في هذه المقالة استقصاء مفهوم الخرافة، والإحاطة بمعانيها، ومعرفة جذورها في المجال العلمي والأخلاقي، ومعرفة سبل محاربتها. ونعتقد أن ابتلاء ساحة العلوم الدينية بالخرافة أشدّ خطراً وأعظم خطباً من ابتلاء غيرها بها. لذا فإن معرفة الدين من طريق العقل، والوصول إلى عمق معانيه عن طريق العلماء ذوي المباني العلمية الصحيحة، يغلق كل المنافذ أمام ورود الخرافات، ويعقِّم العقل البشري المتدين من كل أشكال التفكير الخرافي المنحرف.

إن معرفة الخرافة ودرك مفهومها والتوصل إلى طرق محاربتها وقلع جذورها يتوقف على معرفة مبادئ الدين ومناهج التدين وملحقاتهما، ومن ثم اكتشاف أصول الخرافة وقياسها مع المبادئ الأصيلة للدين. ورغم عدم توصل العامة إلى المبادئ الصحيحة للدين وعدم فهمهم له كما يجب، إلا أننا نرى أن علاقة المجتمع بالدين تسيطر عليها الطبقية، حيث تختلف من طبقة إلى طبقة، بحيث يمكن تمييز أربعة أنواع من التدين في المجتمع:

1ـ تدين طبقة العلماء، الذين يتوصلون إلى مبادئه وأصوله ولواحقه بالطرق العلمية.

2ـ تدين العامة، والذي لا يكون عن معرفة وعلم، وإنما عن تقليد واتباع لأقوال الآخرين، من دون دركٍ لكُنْه ذلك.

3ـ تدين طبقة من الناس الذين يجتهدون في معرفة الدين، ولكن للأسف؛ لعدم تحصيلهم لانطلاقة علمية صحيحة، سقطوا في سوء الفهم، وبالتالي انحصرت علاقتهم بالدين في جانبه النظري، دون أن تكون لهم به أية علاقة في جانبه العملي، بمعنى عدم اعتبارهم للشعائر الدينية وحلاله وحرامه.

4ـ طبقة أخرى ترى نفسها غير معنية بالدين، سواء في ما يخص جانب المعرفة والبحث أو جانب الالتزام بالشعائر والتعاليم الدينية، بمعنى أنها فاقدة للهوية الدينية من الأساس.

انطلاقاً من هذا التقسيم يتضح أنه باستثناء طبقة العلماء الذين يتوصلون إلى الدين بالطرق العلمية الصحيحة، وبالتالي يلتزمون به دستوراً لكل تحركاتهم، تبقى الطبقات الأخرى أكثر عرضة للتحليل المنحرف والأفكار الخرافية، وبالتالي تجد الخرافة والبدع الطريق إليها معبدة وسهلة.

ومن هنا فإن معرفة جذور وأسباب انتشار الخرافة يجعلنا نتعرف على عدة مسائل:

1ـ الأسباب التي هي في حقيقتها علة موضوعية في تواجد الخرافة، والتي هي دليل على وجود الخرافة.

2ـ التمييز بين الخرافة التي تلحق بالفكر الديني وبين تلك التي تلحق بالمناهج والتفاسير.

3ـ الفرق بين الخرافة التي نتجت عن الجهل وعدم الإدراك الصحيح للمفاهيم الدينية، ولكن هذا الجهل وعدم استيعاب الحقائق الدينية يكون سبباً في أضرار تلحق بالأسس الدينية والمفاهيم الأساسية للدين، بحيث لا يشفع لها الجهل في تفادي ما تسببه من إعاقة للعقل المسلم أو ما تسببه من انحرافات للمجتمع بشكل خاص والفرد بشكل عام، وبين تلك التي نتجت عن عمد ونيات مبيَّنة، وبالتالي تظهر آثارها في المجتمع.

4ـ تصبح معرفة الخرافة ممكنة من خلال اتباع الخطوات التالية:

أـ الكشف عن طرق معرفة أصول الخرافة ونقطة انطلاقتها.

ب ـ معرفة العامل النفسي المؤسِّس لظهور الخرافة

ج ـ العوامل الاجتماعية والمجتمعاتية المؤسِّسة للخرافة.

د ـ العوامل السياسية الأساس لتواجد الخرافة.

ومن أجل ضبط جذور وأصول الخرافة ومعرفة طرق مكافحتها وشطبها، سواء على المستوى النظري أم الفعلي، لابد من اتباع الخطوات التالية:

 

التعريف بمفهوم الخرافة ــــــ

الخرافة تعني في العرف اللغوي الفاكهة الفاسدة. أما علماء اللغة فيقولون: إن أصلها يرجع إلى اسم شخص من قبيلة تدعى «عذرة» استهوته الجن، فكان يحدِّث قومه بما يرى، لكن لا أحد كان يستقبل كلامه بالرضا والقبول، بل كانوا يكذِّبونه ويقولون: «هذا حديث خرافة، وهي حديث مستملح كذب»([1]). فكانوا يجرون الخرافة على كل حديث لا يصدِّقونه، ولكن يستملحونه. وقد نقل ابن الأثير، ضمن حديثه في تعريف الخرافة، رواية عن النبي الأكرم| أنه قال: «خرافة حق»، بمعنى أن الخرافة لا تكون دائماً حديثاً كذباً، ولكن تكون لها واقعية وصحة. كذلك فإن بعض كتب اللغة قد أطلقت الخرافة على كل حديث أو كلام كذب وأسطوري يفتقد إلى الواقعية وإلى الصحة([2]).

وكتب العلامة الطباطبائي معرِّفاً الخرافة: «إن الاعتقاد بالأشياء التي لم يتوصل العلم إلى حقيقتها وماهيتها، ولم يثبت صحتها، ولم يعرف أخير هي أم شرّ، خرافة محضة»([3]).

وفي المحصلة فإن الخرافة في كتب اللغة وكتب التاريخ وتفاسير المتون الدينية والتعاليم الروحية هي عبارة عن الاعتقادات التي تفتقد إلى أساس علمي، والتي لا تجد لها واقعية، ولا يقبلها العقل، كما أنها لا تتوافق والأسس الفكرية المبنية على ركائز منطقية وعلمية. وبمعنى آخر فإن الخرافة تجد أصلاً لها في الاعتقادات التي تنطلق من الوهم والخيال، والتي تبتني على معطيات غير علمية وفاقدة للدليل والبرهان، كما هو الحال في الاعتقاد بالحظّ والتشاؤم من بعض الظواهر المادية أو الاعتبارية.

وتعتبر الخرافة مهما كان نوعها سيئة، ولها توابع خطيرة، لكنها حين تتواجد في الفكر الديني، وحين تتوغل إلى التفاسير والتعاليم الدينية، أو ما يمكن الاصطلاح عليه بالخرافة المذهبية، فإنها تكون أعظم خطراً وأشد ضرراً من غيرها. فالتعاليم الدينية والفكر الديني بشكل عام يشغل الحيِّز الأكبر والمهم في حياة الإنسان، بحيث ينطلق منها في أخلاقه وفي كل تحركاته وأفكاره، ومن ثَمّ فإن توغل الخرافة إلى الأفكار والتفاسير الدينية يعني في حقيقته توغلها إلى الفكر البشري وإلى الحياة البشرية، وبالتالي وقوفها أمام سعادة الإنسان الذي إنما أرسلت إليه الرسالات لكي تهديه إلى طريق السعادة والفلاح. فنوعية التفكير الديني هي التي تكسو الحياة الفردية، وبالتالي الجماعية، بطابعها الخاص. والخرافة انطلاقاً من طابعها اللاعقلاني قادرة على أن تجعل من الفرد إما مع وإما ضد الدين والفكر الديني بشكل كلّي. كثيراً ما تأتي الخرافة في لباس الدين والمذهبية، حتى تنفذ إلى أعماق الفرد من غير أن يشعر بها، وبالتالي يستقبلها بالقبول؛ لاستسلامه المطلق لكل ما يعتقد به. وهي بذلك الشكل قادرة على تغيير مسار التعاليم الدينية من الإيجابية إلى السلبية وتسارع بالفرد نحو اتجاه يصبح مسلوب الإرادة، سرعان ما يستجيب لدعواتها، فينحرف عن الخط الحقيقي والصحيح للدين. كما تعمل في أغلب تحركاتها، ولأسباب سياسية، على محو كل ذلك الشعور بالمحبة والعشق للدين، هذه المشاعر التي تكون هي الدافع الأول إلى الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي الجملة فإن الدين حين يتلوَّث بالخرافة يصبح عامل هدم وتخلف واستسلام للظلم والاستضعاف، بدل أن يكون عامل عزة وقوة للفرد والدافع إلى رفض الظلم وعدم الاستسلام للجهل والاستضعاف، فتصدق عليه مقولة: الدين أفيون الشعوب.

ما يجب الإشارة إليه على سبيل التذكير أن الخرافة تهدد المجتمعات الإنسانية برمتها، ولا تختص بدين دون آخر، أو مذهب، أو طبقة، أو فرد، دون آخر. كما أنها ليست قصراً على المجتمعات المتخلفة اقتصادياً وتكنولوجياً، فهي تهدِّد المجتمعات الفقيرة كما تهدد المجتمعات الحديثة. وهذا ما أشار إليه السيد الطباطبائي حين قال: إنه لمن دواعي العجب أن أصحاب المعتقدات الخرافية، من ذوي الاتجاهات العنصرية ومَنْ يدعون الحداثة والتجديد، وكذا مَنْ نصبوا أنفسهم أرباب الحضارة الجديدة، يصرّون جميعاً على أن أساس العلم: الحس؛ والتجربة، وأن كل فكر أو معرفة لم تبتنِ على هذين البندين فهي معرفة فارغة، وغير قابلة لأن تعد علماً، وإن أصحابها إنما يعتقدون خرافات وأوهاماً لا واقعية لها، غير مدركين أن دعواهم هذه في حد ذاتها هي إحدى مظاهر الاعتقادات الخرافية؛ وذلك لأن العلوم الطبيعية والتجريبية إنما لها القدرة على كشف الخصائص المادية للأشياء، أما ما سوى ذلك فإنها عاجزة مطلقاً عن إدراكه والتوصل إليه، مع العلم أن الظواهر الطبيعية أو النفسية لا تتكون فقط من البعد المادي، بل لها خصائص أخرى معنوية وما ورائية، ولعدم قدرتهم على تفسير الظواهر الغيبية وما وراء الطبيعة فإنهم رفضوا كل ذلك، واعتبروه مجرد خرافة ووهم، ولعل القول: إن ما لا تفسِّره التجربة وما لا تظهره المادة فهو خرافة لعمري اعتقاد صريح بالخرافة، وتمسك فاضح بالخرافة واللاواقعية، ومخالفة صريحة للعقل وللعلمية الذي يقوم على الدليل والبرهان([4]).

وأضاف قائلاً: إنه كثيراً ما تذهب تلك الفئة التي تحسب نفسها على التيار المتمدِّن والتقدمي فتعزو تواجد الخرافة إلى سيطرة العواطف، والاعتقاد بمرجعية المشاعر الباطنية التي تبتني على قوة الخيال، وما تزرعه من أفكار تكون في غالبها بعيدة عن الحقيقة والعقل، تريد بهذا حصر الخرافة في العالم الشرقي، لكن ما نسيته تلك الفئة هو أن الغرب المتمدِّن أكثر اعتقاداً بالخرافة من الشرق. لذا فعدم الرجوع إلى التفكير المادي ليس دليلاً ومسوِّغاً للحكم بالخرافة على كل المعتقدات، ووسم الشرق بها، فالغرب أكثر حرصاً على الخرافات من الشرق، والواقع يؤكِّد ذلك([5]).

 

مورفولوجيا الخرافة ــــــ

تبين مما سبق أن جذور وأصول الخرافة ذات أبعاد معرفية، وأخلاقية، واجتماعية. وسنحاول في هذه الأوراق التعرُّض لبعضها باختصار:

 

 1ـ الأسس المعرفية للخرافة ــــــ

عندما يتم الإقبال على المفاهيم والأفكار، وخصوصاً الدينية منها، من غير أدنى تحليل أو درك علمي وعقلي يتم إعطاء حظّ أوفر للخرافة في أن تتواجد وتنتعش. فالعقلية الساذجة والبسيطة التي تؤمن من غير تحقُّق أو استفسار تكون أكثر قبولاً للخرافات، وأكثر اعتقاداً بها. كما تكون أكثر تقبُّلاً للأفكار التي تنطوي على معطيات غير علمية وغير مقبولة عقلاً، والتي تكون في أصلها سبباً موضوعياً في ولادة وصدور الخرافات؛ وذلك لأن الخرافة؛ وانطلاقاً من الإدراك العلمي لجذورها، والأسس الذاتية لها، تولد وتنتشر من عنصرين اثنين، لتصبح مع مرور الزمن تلك الحقيقة التي لا يمكن التخلّي عنها، والتي يبذل الغالي والنفيس من أجلها:

أـ عنصر نفاذ الأفكار والمفاهيم غير الواقعية.

ب ـ المسلكيات غير الصحيحة.

وفي ما يخصّ الأفكار والمفاهيم غير العلمية والمخالفة للمعطيات الواقعية فإن نفوذ هكذا أفكار يبتدئ من الفرد الواحد لينتشر بين الأفراد، ومن ثم يصبح ظاهرة تشمل كل المجتمع، بحيث يتطلب النهوض ضدها ثورة علمية ومعرفية كبيرة.

أما بالنسبة إلى العنصر الثاني المولِّد للخرافة، والذي يكمن في المسلكيات الخاطئة والمنحرفة عن الصواب، فإن تلك المسلكيات والسلوكيات سرعان ما تنتشر في الوسط المجتمعي، وتأخذ لنفسها طابعاً مقبولاً ومرضياً، وتصبح نظرية أخلاقية، بمعنى أنها تكتسي وجهة علمية، ويقام لها الدليل الذي يوجِّهها بين الناس. وهذا النوع من الخرافات يتواجد في المساحات التي تشغلها التعاليم الدينية، وبالأخص في ما يتعلَّق بالأشخاص ذوي المكانة الدينية أو التاريخية، لتصنع منهم الخرافة أناساً قديسين، يتجاوزون كل المعايير الطبيعية، وهي فرصة اغتنمها ذوو الغايات السيئة، فكان التفسير، والفقه، والحديث، والكلام، والأخلاق، والعرفان، وكل المعارف والعلوم الدينية، ميدانهم الذي سعوا إلى نشر ترّهاتهم وأفكارهم المنحرفة من خلاله، بشكل ملتوٍ وفي غاية التعقيد، يصعب على ذوي العقول البسيطة درك خرافيته وبُعْده عن الحقيقة التي ينشدها المعتقد الديني. وتنوَّعت آلياتهم التي استخدموها لذاك الغرض، حيث لجأوا إلى التفسير بالرأي أو التأويل غير الصحيح، بل كثيراً ما كانوا يكذبون على الله ورسوله والأئمة الأطهار. وقد أنذر بهذا رسول الله الأكرم، حيث قال: «قد كثر عليّ الكذّابة»([6]). فكان التحريف اللفظي والمعنوي سلاحهم القاطع، وكانت الزيادة في الأحداث التاريخية، وتصنيع الشخصيات العلمائية أو التاريخية. فكانوا كلّما عثروا على شخصية دينية سجل لها التاريخ مواقف بطولية أو مواقف غاية في النبل الإنساني يعملون على الإعلاء من شأنها إلى الحد الذي يتجاوز الطبيعة الإنسانية، ويجعلون منها شخصيات تفوق كل الحدود العقلية. وهذا ما يفسِّر لنا ظاهرة وضع الأحاديث والروايات والقصص الكاذبة. وفي ظل هذه الأجواء فإن الفئة التي لا تتمتع بحصانة دينية علمية ومعرفية، أو الذين لديهم العقلية الروائية، أي يعتمدون في تدينهم وتفقهم على الرواية، وليس على الدراية، فإن المعارف الدينية تصبح في نظرها غير ذات جدوى، وربما يقفون منها موقف المعارض المتحجِّر، مما يعني تعميق الأفكار والوقائع والشخصيات الخرافية في الذهنية الاجتماعية والمجتمعية، وتثبيت جذورها، وإعطائها فرصة الاستمرارية والاستقرار. إن غياب العقلنة والتعقل يعنى تولُّد وتواجد الأفكار الخرافية بلا منازع. وكلما فتح المجال أمام العقل في مناقشة الأحداث والوقائع، وأعطيت الفرصة للبرهان العلمي في الاستدلال على الأشياء واستنطاق الأحداث، كلما كانت الفرصة مناسبة لتواجد الإسلام الحق، واستطاع الدين الرفع من القيمة الإنسانية للإنسان، ونأى به عن الانحرافات الفكرية والأخلاقية، وعن الخرافية في كل المعارف والتوجيهات الدينية؛ لأن الإسلام دين العقل ودين العلم، ولا توجد فيه مساحة للجهل والتفكر السطحي والقشري: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ (يوسف: 108)، و﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل: 125)، ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ ( الزمر: 17 ـ 18). فهذه الآيات وغيرها تبيِّن المبنى القرآني في التعامل مع كل الأفكار والأحداث وكل ما يعرض على الإنسان في ما يخص حياته السلوكية والنظرية، وتعتبر دعوة إلى تحكيم العقل في المسائل المادية والروحية، وبالتالي يكون المرجع في كل تحركات النفس، ظاهرها وباطنها، بل لم تقتصر الدعوة إلى استعمال العقل على القرآن، فهناك الكثير من الأحاديث المروية عن النبي الأكرم| وعن الأئمة الأطهار دعوا فيها إلى التعقُّل، وأشاروا بوضوح إلى قيمة العقل. روي عن النبي الأكرم| أنه قال: «ما قسم الله للعباد شيئاً أفضل من العقل، فنوم العاقل أفضل من سهو الجاهل»([7]). وروي عن الإمام الصادق×: «حجة الله على العباد النبي، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل»([8]). وفي رواية أخرى: «العقل دليل المؤمن»([9]). وروي عن الرسول الأكرم|: «لكل شيء آلة، وآلة المؤمن وعدته العقل»([10]). كما روي عن الإمام علي× أنه قال: «أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق»([11]). كما روي عنه أنه قال: «الدين لا يصلحه إلا العقل»([12]). كما قال: «على قدر العقل يكون الدين».

إن الناظر إلى كل تلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وروايات أئمة أهل البيت^، التي تدعو جميعها إلى التعقُّل والاحتكام إلى العقل، يقف متحيِّراً ومتسائلاً: كيف يقبل ذاك الفرد المسلم على كل الأفكار ويتقبل الكثير من الوقائع؟! وكيف ينصاع للخرافات والتحريفات والأحاديث الموضوعة من دون أدنى كلفة أو جهد عقلي؟! كيف يبني عقيدته ووجوده التاريخي على الأوهام والمغالطات التاريخية والتفاسير الخرافية؟!

ولعل هذا ما يفسر ارتطام تلك الفئة التي تلتزم بالدين من دون أن تكون لها حصانة علمية، ولا تربطها بالفئة العلمائية علاقة، في أحضان الخرافة ووقوعها في شراكها. كما يفسر كذلك سلوك الفئة الأخرى التي لا تعير أي اهتمامٍ للبحث في أمور دينها، ولا تتعب نفسها في البحث والتحقيق، فتكون صيداً لصانعي الخرافات، وأرضية سهلة لنشر الأفكار المنحرفة والخرافية.

كذلك فإن علماء الدين ومَنْ لهم دراية بالمعارف والعلوم الدينية إذا لم يأخذوا المستجدّات التي يفرضها تغيُّر الزمان والمكان بعين الاعتبار، وظلوا خارج الواقع، ولم يتوجَّهوا بطرق علمية جادة لمحاربة الخرافة، فإن الهوة بين المعارف الدينية والتدين والقيمة المادية والمعنوية للتدين والدين ستتسع أكثر فأكثر، وبالتالي سيكون كل واحد منها هدفاً للخرافات والانحرافات الفكرية والمادية. فالمطلوب من علماء الدين ومَنْ لهم معرفة واسعة ومتقنة بالعلوم والمعارف الدينية أن يكونوا مصاديق لهذه الرواية: «…إن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين…» ([13]).

فمهامّ العلماء الربانيين الأولى ـ حسب هذه الرواية ـ تكمن في محاربة التحريف ودفع الباطل والوقوف أمام الخرافات وتنقية أصول وفروع الدين من كل الشوائب. ويلاحظ أن الرواية تحمل في الحد الأدنى خطابين اثنين:

1ـ إنه لظروف ذاتية ابتلي الدين بالمحرِّفين والوضّاعين الذين داروا مدار الإفراط والتأويل الإفراطي وأصحاب الخرافات.

2ـ إن العلماء المخلصين الذين يحملون عناء المحافظة على الدين وقفوا على مر الزمان وفي كل مكان أمام الخرافات التي لحقت بالدين، سواء في جانبه النظري أو العملي، وظلوا متيقِّظين لكل ذلك، ليس من منطلق الانفعال، بل من منطلق الفعل والدفع، لذا فإنهم خاضوا العديد من المعارك العلمية مع صانعي الخرافات والوضّاعين والمحرِّفين، ولا يجب تناسي أن الاسلام نفسه قد بعث إلى أرض وفي ظل زمان كان للخرافة الكلمة الفصل في كل الاعتقادات والأعمال، وتأسَّس في مكان غلب فيه الانحراف في المعتقد وفي الاخلاق، ووقف ضدها رغم تجذُّرها وثباتها في الأذهان والقلوب، واستطاع بالإخلاص والتأييد الإلهي أن يثبث المنهج القويم والدعوة الحق لتحرير العباد من عبادة الأصنام والأوثان والخرافات، وأن يركز العقل والتفكر العلمي انطلاقاً من دعوته إلى التوحيد والعدل وإلى استعمال العقل والعلم. وقد وصف العقلية الخرافية والأخلاق المنحرفة بالضلال، حين قال: ﴿وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ (الجمعة: 2). كما وصف القوم بأنهم مقيَّدون بأغلال الجهل والضلالة، وأنه جاء ليحررهم من إصرهم وأغلالهم تلك([14]). كما وصف النبي الأكرم بأنه مبعوث بالسعادة الأبدية، ومبعوث بالهداية والمساواة والتحرر من عبادة ما سوى الله، إلى عبادة الله الواحد الأحد([15]).

 

 2ـ الأصول البسيكولوجية للخرافة ــــــ

التحليل البسيكولوجي للخرافة يساعد على معرفة الأبعاد الحقيقية لتلك الفئة من الناس التي تنتسب إلى الإسلام ولكنها تفتقد إلى الارتباط الجدي والمعرفي بالمسائل الدينية والاعتقادية، كما أنها لا تناقش مفاهيمها الاعتقادية والدينية علمياً. فهي لا تلاحظ القيمة الفعلية للتعاليم الدينية، ولا تولي أهمية لما يحله ويحرمه. ولكي تعوض النقص الذي تعيشه في الجانب النظري فهي تقبل على الأفكار المنحرفة والخرافات، وتجعل أوهامها وتخيلاتها ديناً،محاولةً بذلك التغطية على الاضطرابات الفكرية والروحية التي تعاني منها، وعدم الانسجام بين إملاءات العقل وإملاءات النفس، فتسمي كلّ ذلك بالدين، غافلةً عن أن سلوكها هذا يعمل على المسّ بالثوابت الدينية، ويعمل مع مرور الوقت على تغيير التعاليم الدينية ووضع الخرافات مكانها. ومن جهة أخرى فإن علماء النفس وعلماء التاريخ يؤكِّدون أن التقليد الأعمى هو العلة الأولى للإقبال على الخرافات والتشبُّث بها، فالذي ينشد التدين من غير أن يبذل أي مجهود في البحث والتحقيق، ومن دون أن يتحقق فعلياً من الأفكار التي يتبناها، يكون عرضة ولقمة سائغة لصنّاع الخرافات والوضاعين، فهو لم يُجرِ ولو إطلالةً على الكتب الفلسفية التي فسَّرت الظواهر الكونية وأثبتت وجود الخالق بطرق منطقية وعقلية، وكيف بيَّنت قانون العلية وارتباط العلل الناقصة والعلة التامة بالمعلول، وكيف يسير الكون وفق نظام محكم يشهد بالوحدانية لله تعالى، لتجدهم وبكل سهولة يفسِّرون ما يعترضهم من أمور بطرق جزافية، وينسبون الأمور إلى غير عللها، ويحكمون على الأوهام والتخيلات بالمعقولية والواقعية، وهو ما يتنافى والاعتقاد بالتوحيد: «فإنّ الإنسان لا يمكن أن يقف أمام الحوادث على حال واحدة، فلا بدّ أن يجد آخر الأمر لكل حادثة علة… فإذا كان الإنسان مؤمناً موحداً للّه، فإنّه يرجع العلل إلى ذاته المقدسة تعالى طبقاً لحكمته، فكل شي‏ء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال. ولو استند إلى العلم في تحليل العلة والمعلول الطبيعيين فستحل مشكلته أيضاً، وإلاّ فإنّه سينتج أوهاماً وخرافات لا أساس لها.. أوهاماً لا حدّ لها.. وأحدها «التطيُّر» والفأل السيّئ. مثلاً: كان عرب الجاهلية إذا رأوا الطائر يتحرك من اليمين نحو الشمال عدوّه فألاً حسناً، وإذا رأوه يتحرك من الشمال «اليسار» نحو اليمين عدّوه فألاً سيئاً، ودليلاً على الخسران أو الهزيمة. وغيرها من الخرافات الكثيرة عندهم. واليوم يوجد من قبيل هذه الخرافات والأوهام الكثير في مجتمعات لا تؤمن بالله، وإن حققت نصراً من حيث العلم والمعرفة، بحيث لو سقطت «مملحة» على الأرض أقلقتهم إلى حدٍّ كبير… ويستوحشون من الدار أو البيت أو الكرسي المرقم بـ 13، وما زالت سوق المنجمين وأصحاب الفأل رائجة غير كاسدة. فهناك مشترون كثر «للطالع والبخت»([16]).

فالخرافات التي تتحدث عن مصير الإنسان، بدايته ونهايته، هي نتاج تخيلات وأوهام الإنسان نفسه، حيث هناك مَنْ يحاول محو كل شيء يرتبط بما وراء الطبيعة، حتى يصبح كل شيء مبنياً على نظريتهم المادية، فهم يريدون أن يصبح العلم المادي مكان الإيمان، وأن علة العلل هي المادة، وليس الله سبحانه وتعالى، بينما يوجد في الطرف المقابل فئة أخرى تحاول أن تجعل من كل الظواهر مقدَّسات، ومن كل الشخصيات قدّيسين، ولا تترك للإنسان اختياراً، بل كل ما يعيشه وكل ما يصنعه هو من السماء، ولا دخل له في الكون. والحقيقة أن سبب تفريط وإفراط الفئتين يرجع في الأصل إلى أسباب نفسية وسيكولوجية وتناقضات فكرية. إذاً فلا الفئة التي تنفي عالم الغيب ولا الفئة التي تنفي عالم الشهادة تعيشان التوازن النفسي. وهذا يبيِّن أن غياب الفهم الحقيقي لطبيعة العلاقة بين عالم الغيب وعالم الشهادة يسبب انحرافاً وقطبية في التفكير، كما يكون موجباً لظهور انحرافات نفسية وتعلقاً مروعاً بالفكر الخرافي وسيطرة أفكار مثل: الاعتقاد بالفأل، والتنبؤ بأشياء، كفتح بعض الكتب، وخط الرمل، وقراءة الفنجان، والقراءة على الماء والمرآة، وما يتبع كل هذا من الاعتقاد بجري الكرامات والكشوفات، والاطلاع على الغيب، واستجلاب الرزق، والاطلاع على خبايا النفس وما تعانيه بطرق غير علمية غير مستندة إلى أسس عقلية، ولكن يزخرفونها بأسماء وصفات الله الحسنى وبأسماء الأئمة الأطهار، ويرفقونها بأدعية، حتى تخفى حقيقتها التي لا تمتّ إلى الواقع بشيء؛ لاستقطاب ذوي العقول البسيطة والسذج من الناس، ليشكل كل هذا عالماً تمزِّقه ـ وبمهارة ـ الحيل والخدع من جهة، وجهل الناس ومعرفتهم السطحية بالدين من جهة أخرى. وكل هذا من أجل إشباع الرغبات النفسية وملء الفراغ الروحي الذي يتركه الجهل بحقيقة الدين وحقيقة الكون. إن أعظم ما في هذا الكون أن الإسلام جاء بالقرآن، والذي يعدّ في بعده العلمي من أروع وأعظم ما يكون، وكذا بمعجزة النبي الأكرم والأئمة الأطهار عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، حيث شكَّلت سيرتهم وسنتهم أعظم نموذج للتفكر العلمي الدقيق، وأرقى أسلوب في النظر إلى حقائق الكون ومكنونات الطبيعة، ليكون بالفعل هداية للبشرية، تبيِّن لها كيف تتعامل مع كل تلك الحقائق، وترشدها إلى مفاتح النفس البشرية وكل الكون، بحيث لا وجود للضبابية، ولا وجود لما يخالف النظام الكوني الذي أودعه الله في هذا الكون. وكل هذا حقيقة ثابتة لا تتغير بمرور الزمن وتغير الأحوال. ولكن المشكلة تكمن في الذين يدّعون اتّباعهم لهذا الدين، وفي نفس الآن تحكم إدراكاتهم وأفكارهم النظرة السطحية، والاعتقاد بالقدرة للسحر والشعوذة…. وفي المحصلة تكون النتيجة انطلاقاً من المعطيات البسكولوجية للفقر الروحي والتقليد الأعمى والرغبة الدائمة في تحصيل الأسهل والجاهز سبباً في انتشار الخرافة بين الأفراد في المجتمعات المسلمة والمجتمعات الإنسانية بشكل عام.

 

 3ـ الأصول السوسيولوجية للخرافة ــــــ

من خلال ما سبق نستطيع القول: إن المجتمع، وعلى رأسه طبقة العلماء، كلما كان بدائياً وبعيداً عن التفكير العلمي والعقلي يكون أبعد عن تحقيق النظام والعودة إلى الوضع الذي ارتضاه الله للإنسان في هذه الحياة الدنيا. وبالتالي يكون أكثر انحصاراً بالخرافات والبدع، وأكثر عرضة للانحرافات الفكرية والعقدية.

فغياب العقل والتحليل العقلي للأشياء يجعل المجتمع في حرج، ويجعله يحلِّل ما وراء الطبيعة، وما يصطلح عليه بعالم الغيب بشكل منحرف. وبالتالي يؤدّي كل ذلك إلى قطع العلاقة بهذا العالم. وهذا لا يحميه من الأمراض النفسية، وما يتبع ذلك من التحولات في الأفعال والأخلاق. ولن يكون التطور التكنولوجي والتطور المادي شافعاً لهذا المجتمع من انتشار الخرافات وتوابعها. ويلاحظ هذا واضحاً في المجتمعات الغربية، حيث سيطرت الخرافة وانتعشت في كل ميادين الحياة، بدءاً من الرياضة إلى السياسة والاقتصاد، فكون المجتمع متقدماً صناعياً وفي ما يخصّ العلوم المادية لا يعني أنه يسلم من الخرافات، اللهم إلا إذا تحصَّن بالعقل والتفكر العقلي المعتدل، وتوسَّل بالعلم والمعرفة العلمية. والأمر نفسه بالنسبة إلى المجتمع الإسلامي والمجتمع المتدين، أعم من المجتمع العصري أو التقليدي أو التكنولوجي، إذا لم يكن للعقل والتحليل العقلي تواجدٌ فإن مساحة الخرافة تكون أوسع. وبالتالي تبدأ علامات الفشل والسقوط. نعم، قد يستمر المجتمع اقتصادياً وسياسياً، لكنه ينهار إنسانياً.

و في هذا السياق فقد أكدت الدراسات الاجتماعية ودراسات علم الاجتماع أن المجتمعات التي تتبع التعاليم الدينية، وتكون لها مقدسات دينية، ويغلب عليها الطابع التقليدي، ويغيب عندها العقل والتحليل العلمي، سرعان ما يغلب علها طابعان سلبيّان:

1ـ إن هذه المجتمعات تفتح المجال أمام الخرافات، وتعمل على نشرها بين الناس؛ وذلك بغرض التقليص من عدد المراكز الدينية الأصيلة التي تنتهج التفكير الواقعي، أو أنها تعمل على إضعافها، وبالتالي القضاء عليها نهائياً.

2ـ إن هذه المجتمعات لا تستفيد بالشكل الصحيح من الأمور المعنوية، وبالتالي لا تعقد ارتباطاً إيجابياً بالمراكز الدينية التي تتغذى على الفهم الصحيح والواقعي للأمور الدينية، سواء في مجالها الثقافي والاجتماعي والمعرفي، ومع مرور الوقت فإن هذه المجتمعات تعرِّض مصداقية تلك المراكز إلى التساؤل. وبالتالي فإن الأوساط الشعبية يضعف عندها الاعتقاد بالمصادر التي تعتمدها تلك المراكز، حتى يصل إلى عدم الاعتقاد الكلي. وما دامت الخرافات تنشط دائماً إلى جانب الحقائق الدينية، وبالخصوص ما يتعلق بالأمور الغيبية منها، فإنهم يسعون إلى حرمان الأوساط الشعبية من الآثار الروحية للأمور الغيبية، ويستبدلونها بالخرافات، حتى تتخلّى تلك المجتمعات نهائياً عن المعارف النورانية والحقائق الدينية. ولهذا فإن الصراع بين المراكز والاتجاهات العلمية وبين التفكير الخرافي والتقليدي يكون مريراً، ويكون تكليف تلك المراكز العلمية في إنقاذ المجتمعات المتدينة وإرشادها إلى الإسلام الحقيقي، وأن تنتهل من المصادر الأصيلة، وتنفتح بالتالي على العلماء المخلصين الذين تحكمهم النظرة العلمية والتفكير الواقعي والإلمام بمتطلَّبات المكان والزمان.

إذاً فمن العوامل التي كانت سبباً في تخلُّف المجتمعات الإسلامية هو اتجاهها الخرافي، وإقصاؤها التفكر العقلي والعلمي، وإقبالها على الدين بأسلوب خاطئ، وعدم انتهالها من المناهل الأصيلة لهذا الدين. وقد تبيَّن من خلال الدراسات التاريخية للمجتمعات الجاهلية التي اعتنقت الإسلام كيف أنه دين العلم والمعرفة، ودين العقل، والأخلاق السامية، وقد دعا إلى الثورة على الخرافات التي تنهك الفكر، وتسلب الإنسان قدرته على الوصول إلى الكمال الإنساني. فالإسلام حارب الظلم والجهل، ودعا إلى تطوير المجتمعات البشرية، سواء علمياً أو ثقافياً أو معرفياً.

  4ـ الأصول السياسية للخرافة ــــــ

لقد ركز الاستعمار على الاستخفاف بالجانب المعنوي المكوِّن للشخصية الثائرة والمناهضة للاستبداد؛ وذلك من أجل تعبيد الطريق نحو التسلط على مقدرات المستعمرات وعلى ثرواتها. ولم تكن هذه سياسة المستعمر فحسب، بل ظلت الفئة السياسية التي تحكم البلاد تعتمد سياسة تضعيف الجانب الاعتقادي السليم، وذلك بإغراقه بالخرافات والأفكار المنحرفة، واستبدال الثوابت الدينية بمعتقدات جاهلية وخرافية، مثل: الاعتقاد بانفصال الدين عن السياسة، والفصل بين الدين والعلم، والتفريق بين التعبد والجهاد، واعتبار الجهاد مخالفاً للسلوك الإنساني، بالإضافة إلى دعوى أن جميع الأديان على حق، وأنه لا يوجد دين مهيمن على الآخر، وغيرها من الأفكار والسياسات التي هدفها الأساسي تضعيف جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإزالة الروح الطالبة للجهاد ضد الظلم والاستبداد وكل أشكال الاستغلال، حتى إذا ما آلت السلطة إلى الفئة المتدينة أو الفئة العادلة فإنها لن تستطيع التفكير في الخطط التنموية أو في استنفار الشعوب ضد الاستعمار والمستعمر؛ وذلك لأن عقول الشعوب استلذَّت الاسترخاء، وتقبَّلت الظلم، واعتبرته قدرها المحتوم، بل أصبحت هذه الشعوب تتميز بالانفعال بدل الفعل، مما يعني أنها لن تقبل أية دعوة للتحرُّر من الإغلال والإصر الذي كبلها به المستعمر من جهة، والفئات السياسية الظالمة من جهة أخرى. وقد نسيت هذه الشعوب أن النبي الأكرم إنما بعث لتحرير العباد من عبادة العباد، وجاء ليملأ الأرض عدلاً، وأن فترة النبوة كلها كانت من أجل محاربة الخرافة وتربية الفئة المسلمة على الاحتكام إلى المنطق والعقل. وهذا ما أشارت إليه الرواية التي تقول: إنه لما توفي ابن النبي الأكرم| إبراهيم صادف ذلك كسوف الشمس، فقال الناس: إن السماء حزنت لموت إبراهيم، فلما سمع النبي بذلك صعد المنبر، وبعد الحمد والثناء بيَّن لهم أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وأن كسوفهما أو خسوفهما لا يكون لموت أو ولادة أحد([17]). بينما لو كان النبي الأكرم| يبغي مآرب الدنيا لاستغل هذه الواقعة لتقوية علاقته بالناس، ولاسيما أن معارضتهم له كانت قوية وشديدة، لكنه ومن منطلق الإخلاص لله سبحانه وتعالى، ومن منطلق الرسالة التي أتى بها، والتي تبتني في أساسها على الحق والعلم، بيَّن لهم أن الظواهر الكونية يجب أن تفسَّر بمنطق العقل والعلم، وليس بمنطق الخرافة والأوهام. ولم يترك النبي الأكرم| أية فرصة إلا وأشار فيها إلى ضرورة قلع جذور الخرافة، وإرشاد الناس إلى زيف مباني وأسس الخرافات ومخالفتها للواقع. فحين أرسل| معاذ بن جبل إلى اليمن والياً عليها قال له| بأن يقلع كل العادات الجاهلية إلا ما أيده الإسلام؛ لواقعيته وعدم مخالفته للعلم وللحقيقة([18]). لذا فقد اختلفت السياسة في الإسلام عن السياسات الانتهازية والاستبدادية التي تنتهج الخرافة والتحليل المبني على الخيال والأوهام لإخضاع الرقاب، والهروب بالناس إلى الهامش، بمحورة التفكر حول الجزئيات والأمور الفرعية. وبخلاف السياسات الوضعية فإن السياسة في الإسلام تقوم على مبدأ إيقاظ المجتمعات وإقامة الحدود الإلهية والعدالة الاجتماعية. إن أصحاب السلطة والمسيِّرون لشؤون الدولة في الإسلام هم في الحقيقة في خدمة الناس، وليس كما هو الشأن في السياسات الوضعية حيث الناس في خدمة السلطة وأصحابها. كذلك فإن النظرية السياسية في الإسلام ترى أن السعي من أجل تحقيق الهدف لا يجيز استعمال كل الوسائل، فالمنطق الماكيافيلي، الذي يقول بأن الغاية تبرر الوسيلة، منطق مرفوض في الإسلام، مهما كانت الغاية مقدَّسة وعظيمة، بل لا بد من اتباع الطرق الشرعية والمنطقية التي تحفظ الكرامة للأمة وتحفظ العدل بين الناس، بلا فرق في ذلك بين الحاكم والمحكوم. وقد رأينا في الأنظمة الوضعية، والتي تدّعي الديموقراطية والليبرالية، كيف ساد النظام الطبقي، وكيف تملَّكت طبقةٌ الثروات والرقاب، وأصبحت هي صاحبة الأمر، تعيث في الأرض فساداً، وكيف انساقت وراء الأفكار الخرافية؛ لتدجين عقول الفئة الشعبية، تعدهم بالجنة لتجلُّدهم وصبرهم، وتدعي لنفسها القيومية الدينية والسياسية، مبدأُها الكذب، وعمدتها الخرافة وزخرف القول.

 

  من أين نبدأ؟ وماذا علينا أن نفعل؟ ــــــ

إن السؤال المنهجي: من أين نبدأ؟ يفرض علينا تحديد إجابة دقيقة ومنطقية وعقلية. ولهذا فإننا نجد القرآن قد حدد لنا الإجابة المبدئية عن هذا السؤال، وذلك حين قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ (المائدة: 105)، وكذا قوله: ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (النازعات: 21).

لنبحث في أنفسنا عن الخرافة، هل نحن مقيَّدون بالخرافة في معتقدنا وأخلاقنا ومعاملاتنا وأعمالنا؟ ألا توجد لدينا أفكار خرافية واعتقادات خرافية، علمنا بتواجدها أم خفيت عنا، وآمنا بها من دون أن نشعر بها؟ هل الدين الذي آمنا وسلَّمنا به اعتنقناه عن معرفة وبصيرة، وتوصلنا إلى مفاهيمه ومبتغياته عن وعي ومعرفة أم أننا كذلك منقادون وراء المناهج المتحجرة ومع التحريفات المعنوية واللفظية، وشأننا شأن العقليات الالتقاطية؟! هل أخذنا الدين بالبحث في عمق مفاهيمه أم انتهجنا الاتباع السطحي والقشري؟ كل واحد منّا يفترض فيه أن يسأل نفسه عمَّن أخذ دينه، هل أخذناه عن العلماء الربانيين المخلصين الذين يكون البحث العلمي منهجهم والتفكر العقلي مبناهم أم نحن وراء تلك الطبقة التي تدّعي لنفسها العلم، أم أننا رعاع ننعق وراء كل ناعق؟!

و في الإجابة عن السؤال الثاني: ماذا يجب علينا أن نفعل؟ أعتقد أنه لابُدّ؛ لمعرفة الخرافة، ووضع برنامج علمي تحدَّد فيه الأولويات لمحاربتها، وتنقية الذهن الفردي والجماعي من الأفكار الضالة التي لا تستند إلى دليل علمي، وتوجيه عقل المجتمع إلى إدراك كذب الخرافة، من اتباع الخطوات التالية:

1ـ إشاعة التفكير العقلاني في ميادين العلوم الدينية، من غير أن تُستثنى من هذا الأصول، ولا الفروع.

2ـ الاقتداء الفعلي والاتباع الصحيح والحقيقي للنبي الأكرم| وعترته الطاهرة^ في جميع المجالات العلمية الحياتية والدينية.

3ـ إحداث نهضة فكرية وفق المنهج الإسلامي الأصيل في جميع المجالات الثقافية وإدارة الشؤون العامة والخاصة، كما قال الشيخ مطهري: «يجب العمل على إبقاء الدين حياً، والوقوف ضد كل الاتجاهات والأفكار التي تفتح المجال أمام موته»([19]).

4ـ وضع برنامج علمي يتكفل بالتخطيط الواقعي والمناسب لإدارة ثقافة المجتمع.

5ـ الحضور الفعّال للشخصيات العلمائية التي لها الأعلمية وفق المنهج العقلاني، ويكون لها إدراك واقعي لمستجدّات الأحوال والأزمان، وفوق هذا يكون لها إيمان بالمسؤولية تجاه الأفراد والمجتمع.

6ـ إعادة شرح المفاهيم الدينية، وتعريف المجتمع بها، وإعادة تأهيل التفسير العلمي للإسلام وفق مبدأ التوحيد والعدل والإمامة والمعاد…أو كما عبَّر عنها الأستاذ مطهري: «لقد تم مسخ مفاهيمنا في التوحيد والنبوة والولاية والإمامة، ليصبح الاعتقاد بالقيامة وما يتلازم معها يقلّ في قلوب وأفعال الناس، بل أكثر من هذا فقد تم تغيير وتحريف كل المفاهيم الإسلامية الأصيلة…» ([20]).

7ـ إنشاء قانون علمي يوضح معالم الخرافة وطرق محاربتها، وذلك بطريقة تدريجية، سواء بالنسبة لتفكير أو قول المجتمع، أو أن يكون العمل على إنشاء مؤسسات أكاديمية علمية تعنى بهذا الموضوع بشكل شرعي.

8ـ طرح جميع ما يمكن أن يشتبه على الأفراد والمجتمع الإسلامي وما يشكل لديهم عامل الشكّ والارتياب، والإجابة عن هذه الشبهات بشكل واضح وحاسم.

9ـ التركيز على الأمراض التي تصيب الثقافة الدينية بالعلل، وتكون سبباً في الاستسلام إلى الخرافات، خصوصاً في الموضوعات التي تمس أحداث كربلاء، والمهدوية، والعرفان والسلوك العملي والنظري.

10ـ إنتاج نصوص تعليمية، ومرتبطة بالبحث العلمي العميق، تتوافق والاستكشافات العلمية والتكنولوجية الحديثة، تشمل جميع الأبعاد الدينية والثقافية والمعرفية للمجتمع الإسلامي، وتعميمها في جميع الوطن الإسلامي.

 

 تحديد موضوع الخرافات ــــــ

من النقاط المهمة في مجال التعريف بالخرافة وفضحها لدى عموم الناس في المجتمع الإسلامي ترسيم حدود وفهرسة عناوين البحث، وبالتالي تعريف العقل المسلم الذي يمثَّل المخاطَب الفعلي في هذاالبحث بموضوع الخطاب، وبالتالي توعيته بمصيرية البحث بالنسبة لعقيدته وأعماله، بما في هذا تكاليفه الشرعية الدنيوية والأخروية، حتى يدرك الجذور الحقيقية للخرافة، ويتوصل إلى كنهها، وتتكون لديه معرفة شاملة بمناهجها وطرقها الملتوية، التي كثيراً ما تتغطى بغطاء العلم والعقلنة؛ لتوهيم الناس وتضليلهم. ومن خلال كل هذه الخطوات تصبح لديه القدرة على التمييز بين الإسلام المحمدي الأصيل وبين كل ما ألبس لباس الدين، وأضفيت عليه الشرعية عمداً أو عن غير عمد. وهذا المنحى التجديدي والتطهيري يجب أن يشمل كل المعارف الإسلامية، بحيث يغطي تاريخ الإسلام، وتاريخ الحديث والرواية، وتاريخ العلوم والمعارف القرآنية وسيرة المعصومين^. وما لم يتم تحديد الفيصل بين الإسلام الحقيقي الأصيل والإسلام المكذوب والمصنوع، سواء في الدوائر السياسية أو الدوائر المحسوبة على الجانب العلمي والمعرفي، وما لم يتم تحديد الخرافات والبدع، وما لم يتم إحياء الإسلام الأصيل في أذهان وأقوال الناس، فإننا لن نستطيع قطع الطريق أمام الخرافة وما يلازمها من الأفكار الرجعية الظلامية والاتجاهات الالتقاطية التي تتغذى على الأخذ السطحي من هنا ومن هناك.

إذاً فانطلاقاً من تشخيصنا لحدود الخرافة ونوعية توليدها والتعامل معها تبيَّن أن الإقبال على الخرافة يكون لغفلة ومن دون قصد سيئ ومن دون معرفة بها، أو يكون الإقبال عليها عن علم بخرافيتها ومجانبتها للواقع وللحقائق الدينية والكونية مع سوء نية. وهذا التوجه الثاني غالباً ما ينتج عن تحجُّر وجمود في الفكر. لذا تجد التيارات الكلامية والفلسفية والعرفانية وتيارات الثقافة والتمدن الإسلامي والتيارات السياسي غالباً ما يخرجون إلى المجتمع في شكل أحزاب سياسية أو فرق مذهبية، أو أشكال أخرى، ويبرزون للناس آراءهم ونظرياتهم، سواء بشكل تقليدي أو معصرن، وغالباً ما يفتحون المجال أمام الفكر الخرافي والخرافات؛ حتى يتمكنوا من سلب أذهان الناس وكسب أصواتهم وتعاطفهم. وقد شاهد العالم الإسلامي هذه الأحداث على طول تاريخه السياسي، حيث ظهر ذاك الاتجاه الذي سعى إلى قلب الحقائق الدينية. فبدل أمر الإمامة إلى الخلافة، إلى أن وصل الأمر إلى السلطة والملك، وبالتالي فقد عمل على سلب المرجعية الدينية والسياسية للأئمة المنصوص عليهم بالنص الشرعي، ولم تعُدْ لهم في قلوب الناس تلك المرجعية العقائدية، ولا حتى الفقهية، واستفادوا من كل الوسائل العلمية من كلام وفلسفة وسياسة وعرفان ليثبتوا مبتغياتهم، ويمحوا بالتالي الحقائق التاريخية. كما شهدنا على طول التاريخ أن هناك مَنْ طلع على الأمة مدعياً المهدوية، وهناك مَنْ ادعى الحصانة الشرعية والعصمة، بل هناك مَنْ جعلت لهم العصمة، ووضعوا في مستوى القداسة، بحيث حرّموا على الأمة عبر التاريخ توجيه النقد لهم، واعتبر كل مَنْ بحث في أخطائهم وأغلاطهم، بل في كبائرهم، مارقاً عن الدين، وخارجاً عن الجماعة، ومسميات أخرى ما أنزل الله بها من سلطان. كل هذه الأحداث والتوجُّهات التي غيرت وجه التاريخ وحقيقة الدين تستدعي منا اليقظة والتوجه الواعي، حتى لا يعيد التاريخ نفسه، ونكون ضحايا جهلنا وانقيادنا الأعمى وراء التحليلات والشعارات. ومهما تصاعدت قوة العوام الذين يفتقدون إلى اليقظة العلمية والعقلانية، أو تعاظم وجود الخواصّ الساكتين عن الحقيقة مع علمهم بها، فإن مهمتنا وتكليفنا الديني والإنساني يفرض علينا أن لا نترك الإسلام الحق يعيش الغربة والعزلة، لينتعش الإسلام الذي يطلع علينا كل يوم باسم العرفان أو المهدوية المخالفة للموازين العقلانية، أو ما تدعيه الاتجاهات التي تعتمد على الأحلام والرؤى، أو مَنْ يدَّعون لأنفسهم النيابة عن صاحب العصر والزمان#، وتلك الفئة المتصوفة التي تدعي القطبية والسلوك إلى الله بطرق منحرفة، واختراعاتهم التي لا تستند إلى نص شرعي أو منهج عقلاني علمي. وكل تلك التوجهات والاتجاهات إنما هي في حقيقتها اتجاه خرافي، وتدعو إلى إسلام الخرافات والبدع، وتحت مسمَّيات أخرى مأخوذة من الغرب والتوجه الغربي الذي رفض كل القيم الدينية وكل النظريات الدينية، أو ذاك الذي يرى أن كل الأديان على حق بدليل وجود مَنْ يعتنقها، أو الاتجاهات الليبرالية التي لا ترى في الإنسانية جمعاء سوى سوق لبيع البضائع، ورغبتها المتواصلة في حكم العالم تحت عنوان العولمة أو النظام الواحد…

بناءً على ما سبق فإن الدعوات التي تنادي بمرجعية القرآن، وشموليته وعالميته، وما يشبهها، تستدعي أولاً البناء العقلاني والتوجه الصحيح الذي يبتني على الحقائق الدينية، والذي يستند إلى الحقائق العلمية، وأن لا يختلف في كل تحركاته عن السنة الفعلية والقولية والسيرة العملية للنبي الأكرم| وعن ما سنَّه وقال به وعمل به الأئمة الأطهار^، ونقله تلامذتهم المخلصون، حتى يعلو شأن دين الإمامة والولاية. هذا الدين الذي حمل نبراسه المراجع والعلماء الربانيون، الذين يمثِّلون النوّاب الحقيقيين للإمام المهدي#، والذين هم الممثلون الشرعيون للإسلام ولمدرسة أهل البيت الأطهار^.

 

نتيجة البحث ـــــ

في المحصِّلة نخلص إلى أن الخرافة نشأت حين تخلى العلماء عن وظيفتهم الدينية، وعزلوا أنفسهم عن الناس، ليتركوا المجال أمام عوام الناس وجهالتهم، ليقولوا في الدين بما شاؤوا وكيف شاؤوا، وحين تراجع ذوو الفكر العقلاني والعلمي عن العمل الدؤوب في الميادين العلمية والدينية المختلفة، راضخين لسلطة العوام وذوي الاتجاهات السطحية والجامدة.

ومن جهة أخرى، ومن خلال التعرف الكامل على الخرافة، وجوداً، وتكوُّناً، وصيرورة، تبيَّن أن المجتمعات التي يكون الدين فيها قد تعرض للتحريف، وتغيَّرت ملامحه الأصيلة، ويكون المتدينون من ذوي العقول السطحية البسيطة والمتحجرة أو من ذوي الاتجاه الإفراطي، وقلّ فيها العلماء الربانيون الذي يدافعون عن الدين الأصيل، تكون للخرافة قدرة على النفوذ إلى دينهم وأذهانهم. وبالتالي فإن الكثير منهم يعرفون الدين عن طريق التقليد الأعمى، مما يعني إعطاء الفكر الخرافي والبدع الحظ الوافر في الانتشار.

ومن هنا لن يكون هناك علاج للأذهان والقلوب من الخرافة والبدع سوى باللجوء إلى العقلانية وتصفية الدين المتبع بالطرق العلمية، وإعادة خلق الأفكار المتنورة والمفاهيم الصحيحة بفتح المجال أمام الاجتهاد العلمي والعقلاني، والعمل على إحياء التعاليم والشعائر الربانية الصافية من كل الشوائب، وبالتالي العمل على تربية الأجيال العلمائية التي تتحسَّس المسؤولية الدينية والإنسانية، وأن يتواجدوا دائماً في الساحات، وأن تكون جميع الشعارات والدعوات تحت مجهر العلم والعقل والنصوص الدينية الصحيحة، مع السعي الصحيح إلى إنتاج الأفكار والأجوبة الدينية المواكبة لمستجدات العصر، واستعمال التطورات العلمية والتكنولوجية، مع الحفاظ على المبادئ الدينية الصحيحة، التي تكفل للإنسان إنسانيته، وأنه خليفة الله في أرضه.

 

 

الهوامش

 

([1]) ابن الأثير، النهاية، 2: 25؛ منتهى الأدب 1: 311.

([2]) كتاب اللغة دهخدا، مصطلح خرافة.

([3]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 422.

([4]) المصدر نفسه 2: 423.

([5]) المصدر نفسه 1: 638.

([6]) أصول الكافي 2: 62، دار المعارف، بيروت.

([7]) أصول الكافي 1: ح11.

([8]) المصدر نفسه: 25، ح22.

([9]) المصدر نفسه: 24.

([10]) بحار الأنوار 1: 95؛ الحياة 1: 43.

([11]) نهج البلاغة، الحكمة 38.

([12]) الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم 1: 353، تصحيح: المحدث آرموي، جامعة طهران.

([13]) أصول الكافي 1: 32.

([14]) ﴿ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم﴾ (الأعراف: 158).

([15]) ﴿يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾ (الجمعة: 2).

([16]) تفسير الأمثل، بإشراف مكارم الشيرازي 15: 492.

([17]) أحمد بن محمد خالد البرقي المحاسن: 313.

([18]) الحراني تحف العقول: 25.

([19]) مطهري، معرفة العلوم الإسلامية 2: 130 ـ 131، انتشارات صدرا.

([20]) المصدر نفسه: 144.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً