أحدث المقالات

د. محمد فولادي(*)

ترجمة: حسن علي مطر

المقدّمة

إن الدين هو هبة الله الكبرى، التي أنزلها الله إلى الإنسان بواسطة المصطفين والمنتجبين من أوليائه وعباده، منذ باكورة التاريخ والحياة الاجتماعية للبشر. وقد وجد هذا الدين منذ ذلك الحين حضوراً واسعاً وعميقاً، بحيث أضفى على تاريخ وحياة الإنسان صبغةً وأريجاً دينياً. وعلى مرّ التاريخ أخذت الدراسات والأبحاث الدينية تشقّ طريقها في مختلف العلوم شيئاً فشيئاً، بحيث تمّ التأسيس في بعض العلوم لفروعٍ بوصفها مداخل للبحث الديني في تلك العلوم الخاصّة. ويمكن لنا في هذا الإطار تسمية علم النفس الديني، وعلم الاجتماع الديني، والأنثروبولوجيا الدينية، والظاهراتية الدينية. وبالإضافة إلى ذلك هناك علومٌ مستقلّة، مثل: الإلهيّات، وفلسفة الدين، والكلام الجديد، من العلوم التي تمّ تأسيسها في مجال دراسة الدين.

ومع ذلك فإن المطروح حالياً في مجال قراءة ماهيّة الدين، بأسلوبٍ علميّ يبدو متناقضاً، هو أن العلم في المصطلح الشائع يعني المعطيات التي يتمّ الحصول عليها بأسلوبٍ تجريبي. إن علم الاجتماع أو علم النفس وسائر العلوم الإنسانية هي علومٌ تقوم على منهج تجريبي؛ ومن ناحيةٍ أخرى فإن الدين يحتوي على مصطلحاتٍ متعدّدة، وإن كلّ واحدٍ منها ينطوي على اعتقاد بنوعٍ من الأمر المقدَّس والميتافيزيقي أو الكائن الأسمى وما فوق الطبيعي. والسؤال المطروح هنا: كيف سنكون ـ من خلال منهجنا التجريبي ـ قادرين على قراءة الدين؟ ويتمّ طرح هذا السؤال على نطاقٍ أوسع بصيغة: ما هي العلاقة بين العلم والدين أو العلم والأيديولوجيا؟ وكيف تقوم العلوم التجريبية بدراسة الأبحاث الدينية، والقِيَم، وكذلك الأيديولوجيات والضرورات والمحظورات، بشكلٍ عامّ؟ إذ يبدو بحَسَب الظاهر أن هذَيْن الأمرَيْن من مقولتين مختلفتين.

«يرى أوغست كونت أن الأسلوب الإثباتي (التجريبي) قابلٌ للتطبيق في جميع العلوم المعاصرة، حيث يقوم هذا الأسلوب على مشاهدة التجربة وإثبات القوانين، ويجب تعميمه حتّى على المجالات الخاصّة حاليّاً بالإلهيات وما بعد الطبيعة أيضاً»([1]). إن حاصل كلام أوغست كونت([2]) هو أنه لم يكن يعمل على مجرّد تعميم الأسلوب الإثباتي على جميع المجالات العلمية فحَسْب، وإنما يعتقد أن كلّ شيء، بما في ذلك الدين، يجب ويمكن أن يُدْرَس على أساس الأسلوب الإثباتي. يقول أوغست كونت في تعميم الأسلوب الإثباتي: إن التفكير العلمي يحظى بالتعميم بمعنيين: التفكير الإثباتي في الرياضيات والفيزياء أو علم الأحياء الشامل؛ وبمعنى آخر: إننا ما إن نفكِّر في مسائل النجوم والفيزياء بأسلوبٍ إثباتي حتّى لا يعود بإمكاننا التفكير في مسائل السياسة والدين بأسلوبٍ آخر([3]).

وأما بارتو فقد قال في نقد هذا الرأي ببيانٍ صريح: إن العلم غير مكتملٍ في الأساس، وإن الذين يظنّون أنهم سوف يتمكَّنون في يومٍ ما من تعليمنا شيئاً موازياً للدين فإنهم سوف يسقطون ضحايا لهذا الوَهْم. إن تلك المجموعة من علماء الاجتماع، الذين يرَوْن ـ على شاكلة دوركهايم([4]) ـ أن علم الاجتماع العلميّ سوف يتمكّن من بناء نوعٍ من الأخلاق، وإحلالها محلّ الأصول الدينية الثابتة وغير القابلة للتغيير، يقعون دون شعورٍ منهم في شراك نوعٍ من أسلوب التفكير غير المنطقي([5]).

وفي ما يتعلَّق بإثبات المدَّعى المنشود، وأن هناك حاليّاً أساليب حديثة قد أُضيفت للقراءة والدراسة، نستعرض عدداً من المدَّعيات في هذا الشأن:

ـ إن علم الاجتماع هو علمٌ، بمعنى أنه يشتمل على أساليب منتظمةٍ في بحث وتقييم النظريات في ضوء الوثائق والأدلّة المنطقية، ولكنْ لا يمكن صبُّها في قوالب العلوم الطبيعية مباشرةً؛ لأن دراسة السلوك الإنساني تختلف أساساً عن دراسة عالم الطبيعة([6]).

ـ إن المعارضة المتّجهة إلى الدين حالياً هي ـ من وجهة نظر الكثيرين ـ لا تنشأ من التعارض بين محتوى العلم والدين، وإنما تنشأ من التسليم بهذه الفرضية القائلة بأن الأسلوب العلمي (التجريبي) هو الطريق الوحيد الموصل إلى المعرفة. ومن وجهة نظر التوجيه الأبستمولوجي هناك أوجه افتراقٍ مبيّنة، وكذلك هناك أوجه اختلافٍ واضحة بين هذين المجالين([7]).

ـ وقد أشار بعضٌ آخر، ومن بينهم: دلتاي([8])، من خلال التأكيد على التفاوت بين الظواهر الاجتماعية والطبيعية، إلى مفهومية العمل الإنسانيّ، وعدم إمكان الفصل بين الشيء والموضوع في الدراسات الاجتماعية. إن هذا يشكِّل مدخلاً مفهومياً وتفسيرياً إلى الظواهر الاجتماعية، ويرى أن الغاية من الأبحاث والدراسات الاجتماعية هي تفسير الأخبار المفهومة للبشر، وتفهيمها، وليس تبيينها([9]).

ـ إن علم الاجتماع هو العلم بالسلوك الاجتماعي؛ وإن الفَهْم يستلزم إدراك المعنى الذي يقبله فاعل السلوك في تفسير سلوكه([10]).

وعلى هذا الأساس يمكن القول في تحليلٍ مقتضب: إن ماهية الدين والقضايا الدينية، والدين بشكلٍ عامّ، ينطوي في أصله وحقيقته على هويّةٍ علمية، وإن المراد من علميّة الدين ليس هو تعلُّقه بالمجال المعرفي والإدراكات البشرية في معناها الأعمّ، الشامل للصُّوَر الذهنية والخيالية والوَهْمية، بل المراد هو المعرفة التي تتكفَّل، في مقام الحكاية عن الحقيقة وإظهارها وظهورها في مختلف مراتب الوجود، بهدايةٍ وإرشاد البشر. لا شَكَّ في أن هناك عوامل وأسباباً كثيرة أدَّتْ إلى حدوث تقابلٍ بين العلم والدين، ويمكن الإشارة من بينها إلى العوامل والأسباب التالية([11]):

أـ الحركة التدريجية للرأي القائل بـ «مركزيّة الله»([12]) في الرؤية المسيحية والإسلامية إلى محورية الإنسان والإنسوية.

ب ـ حركة التفكير الفلسفيّ لمَحْو الماهية في الفلسفة والعلوم الطبيعية والإنسانية، والمَيْل إلى قبول الوجود على الماهية، والاتّجاه إلى النزعة الحسّية والعقلانية والتجريبية في مجالات معارف الإنسان.

ج ـ الحركة التدريجية في مسار نَفْي التقديس عن الحضارة البشرية.

د ـ التفوُّق التدريجي للحضارة المادّية على الثقافة الروحية والمعنوية.

هـ ـ الاتجاه العام للحضارة البشرية نحو عقلنة الصيرورة الناسوتية والدنيوية للمجتمعات المعاصرة.

و ـ التحوُّلات الصناعية الشديدة، وهَيْمنة البيروقراطية، وما إلى ذلك.

ز ـ ظهور التيّارات التدريجية المنكبّة على الدنيا، والمنغمسة في المادّية، وعبادة اللذّات، واغتراب الناس عن ذواتهم، وما إلى ذلك([13]).

ولكنْ يبدو أن لهذه الأسباب ـ والكثير من الأسباب الأخرى غيرها ـ صبغةً سياسية في الغالب، وأنه يتمّ توظيفها حالياً بوصفها عنصر ضغطٍ سياسيّ لإبعاد الدين عن مسرح السياسة، والصحوة الإسلامية والدينية. ولهذا السبب يعملون على إظهار الدين بوصفه أمراً غير علميّ.

وعلى أيّ حالٍ فإن هذا البحث هو من نوع دراسةٍ للدين من زاوية علم الاجتماع. وإن مجال علم الاجتماع الدينيّ في باب الدين يتغيَّر من وجهة نظر علماء الاجتماع بحَسَب كيفيّة فَهْمنا له. وهناك عدّة أفهام في هذا الشأن:

فمن ذلك أن نعتبر مجال كلّ أمرٍ مقدَّس مجالاً دينياً. وعلى هذا الأساس فإن علم الاجتماع الدينيّ يعني علم اجتماع الأمر المقدّس. ولذلك سوف لا يكون هناك حدٌّ بين المسائل الدينية. والأمر الآخر هو أن نعتبر الدين بصفته عقائد ما ورائية. وفي هذه الحالة سوف يتغيَّر مجال علم الاجتماع الديني. وبطبيعة الحال، وفي رؤيةٍ أخرى، يمكن اعتبار الدين بوصفه عقيدةً ضمن مجالٍ خاصّ، وفي هذه الحالة يجب اعتباره أمراً واحداً ضمن مجموع العقيدة. وبشكلٍ عامّ يمكن القول: إن علم الاجتماع الديني هو علمٌ يبحث في المظاهر الجماعية للدين، والممارسات والسلوكيات التي يطلق عليها العُرْف عنوان الدين. وعلى هذا الأساس فإن مهمّة علم الاجتماع الدينيّ هو تحليل الدين اجتماعياً([14]).

نسعى في هذه المقالة إلى بَحْث نَمَط تحليل الدكتور علي شريعتي في باب الدين. والسؤال الأصليّ في هذا البحث يقول: ما هو تفسير الدكتور شريعتي للدين؟ وما هو مدى تطابق التفسير الذي يقدِّمه للدين، وكيفية فهمه، مع تفسير العلماء والمفكِّرين المسلمين في مجال الاجتماع، منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا؟ وهل كان في تحليل الدين متأثِّراً في الغالب بآراء علماء الاجتماع والمفكِّرين الاجتماعيين من غير المسلمين أم بالعلماء المسلمين؟ وبالتالي هل التفسير الذي يقدِّمه عن الدين يقوم على التفسير الديالكتيكي والجَدَلي، وأنه في تفسير الدين كان متأثِّراً بكارل ماركس في الغالب، أم أنه يتناول تفسير الدين في ضوء منهج فيبر أو دوركهايم؟ إن هذه الأسئلة، وأسئلةً أخرى مثلها، والعثور على أجوبتها من تضاعيف كلمات الدكتور شريعتي، ومقارنتها وتقييمها في ضَوْء التفسير السائد في التفكير الإسلاميّ وبين علماء الاجتماع من المسلمين، هو الموضوع الأساس لهذه الدراسة.

الاتّجاهات المتنوِّعة في دراسة الدين

إن للدين ـ الذي هو كلمةٌ عربية، وتعني في اللغة: الحكم، والجزاء، والطاعة، والانقياد، والمذهب، والشريعة ـ في مصطلح أهل الفنّ معاني متعدّدةً:

أـ هناك مَنْ اعتبر دائرة الدين واسعةً جدّاً، وأنها تشمل جميع أنواع العقائد والأيديولوجيات. وفي هذا المصطلح العامّ يكون الدين شاملاً للأديان السماوية والإلحادية، وكذلك الأمور المقدّسة وغير المقدّسة.

ب ـ وذهب بعضٌ آخر إلى عدم شمول تعريف الدين للعقائد والأيديولوجيات، وقال بأن الدين في الأساس ليس سوى الاعتقاد بنوعٍ من الميتافيزيقا. ومصداق هذا الشيء يمكن أن يكون هو الله أو غيره. ومن بين القائلين بهذا الرأي تايلور([15])، حيث قال: إن الدين باختصارٍ هو الاعتقاد بالكائنات الروحانية([16]).

ج ـ وهناك جماعةٌ تعمل على تضييق دائرة الدين، وتحصرها في الاعتقاد بالأمور المقدّسة. ومن هؤلاء: دوركهايم، حيث يقول: إن الدين منظومةٌ فذّةٌ من العقائد والأعمال المرتبطة بالأشياء المقدّسة، والأشياء التي يجب أن تمنع، والعقائد والممارسات التي تعمل على توحيد جميع الأتباع ضمن مجتمعٍ أخلاقيّ واحد باسم الكنيسة (المعبد وما إلى ذلك)([17]).

د ـ وهناك أخيراً جماعةٌ تذهب في تعريف الدين إلى تضييق الدائرة بشكلٍ أكبر، وتحصر الدين في الاعتقاد بالله فقط. يقول ماكس موللر([18]) في هذا الشأن: «إن الدين عبارةٌ عن سعيٍ إلى تصوُّر ما لا يمكن تصوُّره، وبيانٍ لما لا يمكن بيانه، وشوقٍ إلى المطلق واللامتناهي». وبطبيعة الحال هناك مَنْ يُعرِّف الدين بالاعتقاد بالكائن الأسمى والمقدَّس. ونحن نضع هؤلاء ضمن هذا الطَّيْف أيضاً. وعلى هذا الأساس في كلّ واحدٍ من المعاني الأربعة المتقدِّمة هناك اعتقادٌ بأمرٍ مقدّس أو ميتافيزيقيّ أو كائنٍ أسمى([19]).

والحاصل أنه يبدو من الضروري في تعريف الدين الالتفات إلى عددٍ من النقاط:

من الضروري في تعريف الدين أَخْذ قيد قوّة أو قوى تفوق الطبيعة أو ما وراء الطبيعية بحَسَب المصطلح، على أن تكون ـ في الوقت نفسه ـ مقدَّسة. ويجب في هذا الكائن الأسمى وما فوق الطبيعيّ والأفضل من الإنسان والمقدَّس أن يشتمل على الخصائص التالية:

ـ أن يكون له وجودٌ مستقلّ عن ذات الناس.

ـ أن يكون خارجاً عن حدود المادّة والمادّيات، وأن لا يكون مُدْرَكاً بالحواسّ الظاهرية، ولا يمكن إدراكه والتعرُّف عليه إلاّ بالفطرة والوجدان.

ـ أن يكون كائناً وشاعراً ومريداً، وأن يكون على تواصلٍ مع الناس، ولذلك فإنه يسمع مطالبهم، ويعمل على تلبيتها والإجابة عنها إذا شاء.

ـ إن الإنسان بدَوْره يمكنه ـ ولا سيَّما في الأزمات والشدائد ـ أن يلجأ إليه، وأن يستعين به، ويطلب العَوْن منه.

ـ وبالنظر إلى هذه الخصائص يمكن القول: إن الدين عبارةٌ عن الاعتقاد والإيمان بقوّةٍ غيبيّة، وذات إدراكٍ وإرادةٍ، ومقدَّسةٍ، ولازمُ هذا النوع من الاعتقاد هو الخضوع والتسليم له، وهو ما يُسمّى بالعبادة([20]).

وعلى هذا الأساس يمكن بحث الاتجاهات المتنوّعة لدراسة الدين والظواهر الدينية من أربع زوايا، وهي: 1ـ الزاوية الاجتماعية؛ 2ـ الزاوية الدينية؛ 3ـ الزاوية الفلسفية والكلامية؛ 4ـ الزاوية النفسية.

والاتجاه الأوّل ينقسم بدَوْره إلى رؤيتين: علم اجتماع الدين([21])؛ وعلم الاجتماع الدينيّ([22]).

ويسعى علم اجتماع الدين إلى فَهْم ماهية الظواهر الدينية من الزاوية الاجتماعية، ويدرس الظواهر الدينية بوصفها «ظواهر اجتماعية». كما أن علم الاجتماع الدينيّ يبحث في الظواهر والسلوكيات الدينيّة بوصفها جزءاً من الظواهر الاجتماعيّة بطرق دينيّة([23]).

والاتّجاه الثاني يسعى إلى فَهْم ماهية الدين من زاوية رؤية المفسِّرين الحقيقيين للدين والآيات والروايات الإسلامية.

والاتّجاه الثالث يسعى إلى دراسة الدين، ولكنْ من زاوية الرؤية الكلامية والفلسفية. إن هذه المجموعة في مقام بيان صدق وكذب المدَّعيات الدينية. إن المتكلِّمين بصدد إثبات أحقّية دينهم، كما يسعَوْن في الوقت نفسه إلى إثبات بطلان الأفكار الأخرى بالبرهان العقلي.

إن الاتّجاه الرابع هو الذي يبحث الدين بوصفه ظاهرةً فردية، ونوعاً من العلاقة بين الإنسان وكائنٍ ما فوق الطبيعة.

وإن المنشود لنا من بين هذه الاتجاهات هو الاتجاه الأوّل. وعلى هذا الأساس فإن الدين حقيقةٌ ملموسة وخارجية، وهي وإنْ كانت تعمل على دراسة سلوك وعلاقة الفرد بموجودٍ مقدَّس وميتافيزيقي، إلاّ أن هذا النوع من السلوك ينطوي على آثار اجتماعية، وكما يقول دوركهايم: «إن الدين ظاهرةٌ اجتماعية، تحدث في صُلْب الواقع الاجتماعي»([24]). وعلى هذا الأساس تمّ التأسيس لمجالٍ في علم الاجتماع اسمه «علم اجتماع الدين»؛ حيث يدرس السلوك الديني في بوتقة علم الاجتماع. إن علم اجتماع الدين يدرس السلوك الدينيّ بوصفه نوعاً من السلوك الاجتماعي.

وعلى هذا الأساس فقد مرَرْنا على نحو الإجمال بأنواع الاتّجاهات في علم الاجتماع بالنسبة إلى الدين. واليوم، على الرغم من مضيّ ما يقرب من قرنٍ ونيِّفٍ على ولادة علم الاجتماع، لا تزال قراءات علم اجتماع الدين متأثِّرةً بأفكار المنظِّرين التقليديين في هذا العلم، ونعني بذلك: كارل ماركس([25])، وإميل دوركهايم، وماكس فيبر([26]). وإن جميع علماء الاجتماع اللاحقين قدَّموا دراساتهم الدينية متأثِّرين بنظريّةٍ واحدة من هذه الاتجاهات الثلاثة لهؤلاء المنظِّرين. ونحن بدَوْرنا سوف نبحث في هذا المقال ـ على نحو الإجمال ـ النظرية الدينيّة لكارل ماركس، وتأثُّر الدكتور علي شريعتي بها.

شريعتي عالمُ اجتماعٍ في مجال الدين أو مفكِّرٌ اجتماعيّ؟

يبدو أن دراسة أفكار الدكتور علي شريعتي يجب وَضْعُها ضمن أبحاث الأفكار الاجتماعية، وليس ضمن أبحاث علم الاجتماع؛ إذ إن أسلوب ومنهج وطريقة دراسة الدكتور شريعتي لا تستند كثيراً إلى الأساليب التجريبية البَحْتة، التي تتعاطى على الدوام مع الإحصاءات والأرقام والقياس وأخذ النماذج، بل إنه يستند في الغالب إلى الأبحاث النظرية والعقلية، وإلى استنباطاته الفردية من المسائل الاجتماعية، فهو يقول: «إن علماء الاجتماع المعاصرين قد سلَّموا أمرهم إلى الإحصاء والأرقام والأعداد، فما الذي يعنيه ذلك؟ إن عبادة الأرقام التي يتمّ فرضها على علم اجتماعنا، ولا سيَّما في إيران، بمعنى أن عالم الاجتماع عندما يدخل قريةً لا يعلِّق فِكْره وبَصَره بالناس، وإنما يعمل على مجرّد طرح أسئلةٍ مخبرية عليهم، ثمّ يجيبون عنها، وبعد ذلك ينقل الإجابات إلى آلةٍ صمّاء، ثمّ يصل إلى نتائج عبر هذه الآليّة»([27]).

يُضاف إلى هذه الأعمال من قِبَل الدكتور علي شريعتي ـ التي تشكِّل القسم الأكبر منها ـ الدراسات التاريخية، والتي عملَتْ على توظيف أسلوب المقارنة بشكلٍ كبير، وهذا هو الأسلوب الذي يعمل علماء الاجتماع على توظيفه بكثرةٍ. ومن ناحيةٍ أخرى كان الدكتور شريعتي ـ مثل غيره من علماء الاجتماع ـ غالباً ما يخوض في المباحث المبتلى بها في المجتمع، حيث كان يهدف إلى إيجاد عصر نهضةٍ إسلامية.

وعلى مستوى الهَدَف كان الدكتور شريعتي يفكِّر على شاكلة علماء الاجتماع. وإنه قبل أن يُعْرَف بوصفه عالم اجتماعٍ كان فيلسوفَ تاريخٍ، يهتمّ بالتحليلات الفلسفية العامّة. ومن هنا كان يسعى على الدوام إلى اكتشاف القوانين والأصول العامّة في مجال تحوُّل المجتمعات البشرية، وقلَّما نجد في دراساته تركيزاً على الأمور الجزئية. ولذلك فقد اتَّجه في الغالب نحو الدراسات الكُلِّية.

والنتيجة أنه يمكن القول: على الرغم من اعتبار الدكتور علي شريعتي عالماً اجتماعياً، إلاّ أن تفكيره إنما يُطْرَح ضمن أبحاث المفكِّرين الاجتماعيّين أكثر من إدراجها ضمن بحوث علم الاجتماع البَحْت. ويبدو أن هذا الأمر هو الذي أدّى إلى ابتعاده في تفسير الدين عن المفكِّرين الدينيّين والتفسير السائد للدين. وعلى أيّ حالٍ لا مَنْدُوحةَ لنا في بيان نوع تحليل الدكتور شريعتي ـ بوصفه مفكِّراً اجتماعياً ـ للدين من بيان حاضنته الاجتماعيّة، والمفكِّرين الذين تأثَّر بهم.

الأفكار والحاضنة الاجتماعية

حيث إن الدكتور علي شريعتي قد حصل على شهادة الدكتوراه في مجال تاريخ الحضارة وعلم الاجتماع، وقام بالتجزئة والتحليل في خصوص الدين ومبانيه وأصوله، فإنه قد نظر إلى الدين من الخارج، وليس بوصفه متديِّناً ومسلماً معتقداً، وإنما عمل على تقييم الدين بوصفه عالم اجتماعٍ، ودرس الدين من زاوية علم الاجتماع، وقدَّم له من خلال تحليلاته الخاصّة تفسيراً جديداً. ومع ذلك فإن الدكتور شريعتي ـ كما أشار إلى ذلك بنفسه ـ لا يرى نفسه مقيَّداً بالضوابط والمعايير التي يضعها علماء الاجتماع. ومن هنا يبدو أنه مفكِّرٌ اجتماعيّ، وليس عالم اجتماعٍ متخصِّص في مجال الدين.

في ما يتعلَّق بمعرفة الخلفيات الفكرية لكلّ مفكِّرٍ لا بُدَّ من الالتفات إلى عدّة نقاط، من قبيل: معرفة أفكاره وأسلوب تحليلاته، ومعرفة التيارات الفكرية المعاصرة له، ومقدار تأثُّره بالمفكِّرين المعاصرين له، ومعرفة الأحداث والوقائع الهامّة لمجتمع عصره، وبشكلٍ عام الخلفيات والحواضن الاجتماعية. إن من بين العوامل التي تؤدّي إلى تبلور وتفتح شخصية الأفراد هي البيئة والحاضنة الاجتماعية التي يعيش ضمنها. لقد شهد عقد الخمسينيّات من القرن العشرين، المتزامن مع بداية النشاط العلميّ والسياسيّ للدكتور علي شريعتي، هيمنةً لمختلف الأحزاب والتيارات الاجتماعية والسياسية المتنوّعة ـ ولا سيَّما منها التيارات والأحزاب اليساريّة ـ على الأجواء السائدة في إيران، بحيث كان «حزب تودة»([28]) الإيراني هو السبب الرئيس في إسقاط حكومة مصدق بتاريخ: 19 / 8 / 1953م. ومن هنا فقد قامت الجماعات الإسلامية والوطنية، والنهضة الوطنية للمقاومة ـ التي كان الدكتور شريعتي عضواً فيها ـ بمقاومة هذا النوع من التيارات. وقد أدّى دخول الدكتور علي شريعتي في الأبحاث والتحليلات الماركسية والديالكتيكية إلى بَلْورة شخصيّته، بحيث يمكن مشاهدة هذا التأثُّر في كتابه «نحن وإقبال»([29]) بشكلٍ ملحوظ. وفي الأساس فإن «هذا الإصلاح في الفكر الدينيّ كان شيئاً أخذه الدكتور علي شريعتي من إقبال [اللاهوري]»([30]).

وبالإضافة إلى التيّارات الفكرية ـ ولا سيَّما الماركسية ـ، وكذلك تأثُّر الدكتور شريعتي ببعض الكُتّاب والمستنيرين المعاصرين له، تُعَدّ معرفة الحواضن الاجتماعية والأحداث والوقائع التي شهدها ذلك العصر في غاية الأهمّية والتأثير في معرفة الآثار والأفكار وتبلور أرضيّاته وخلفيّاته الفكرية. وحيث إن هذه المقالة عبارةٌ عن تحقيقٍ اجتماعي، وليست تحقيقاً تاريخياً، فسوف نكتفي بذكر بعض الأحداث العامّة في تلك المرحلة، والتي لم يَخْلُ وفاض الدكتور شريعتي من التأثُّر بها، ونترك تحليل هذه الأحداث إلى فرصةٍ أخرى.

إن بعض أحداث تلك المرحلة والحقبة الزمنية، من قبيل: النهضة الوطنية للمقاومة، وتأميم النفط، ومؤامرة 19 / 8 / 1953م، وسقوط حكومة الدكتور محمد مصدّق، وبلوغ الاستبداد الحاكم ذَرْوَته، وقانون لوائح الولايات والحكومات([31])، وقانون الحصانة القضائية([32])، وأحداث الخامس عشر من خرداد، ونفي الإمام الخميني&، وإرهاصات تبلور الثورة الإسلاميّة ما بين عامي 1976 ـ 1977م، وغيرها، من الأحداث الهامّة التي كان للدكتور شريعتي في آثاره وأعماله موقفٌ منها أو تأثُّر بها.

والحاصل أن المفكِّرين أو التيارات الاجتماعية كان لها ـ باعتراف الدكتور شريعتي ـ دَوْرٌ في تبلور شخصيته وأفكاره. وإن تأثير بعض هذه العناصر ـ ومن ذلك: نَمَط تحليلاته، وهي في الغالب متأثِّرة بالتحليلات الماركسية ـ كان ملحوظاً بشكلٍ أكبر. وكان لبعض التيارات والأحداث الاجتماعية التي كان الدكتور علي شريعتي قد اتَّخذ موقفاً في مواجهة بعضها هي من بين الخلفيات والعناصر التي تركت تأثيرها على تبلور فكر الدكتور شريعتي بنحوٍ من الأنحاء. ويمكن الإشارة من بين أهمّ هذه التيارات إلى النهضة الوطنية للمقاومة وحركة الحرّية. ويمكن القول: إن التأثير الأكبر على الدكتور شريعتي في هذا الشأن كان يكمن في نوع الأفهام والتفاسير التي كوَّنها في كتبه الإسلامية إنما جاء من مؤلَّفات المهندس مهدي بازرگان.

في مناقشة ونقد هذا النوع من تحليل الدين يجب القول: إن الحواضن الاجتماعيّة، وكذلك المناخ الفكريّ، لعصر الدكتور شريعتي، وكذلك المفكِّرين الذين تأثَّر بهم ـ وهو ما كان يعترف به شخصيّاً ـ، قد صنع من الدكتور شريعتي شخصيّةً منفصلةً في تفسير الدين عن تعاليم أهل البيت^، فتوجَّه إلى تحليل الدين بوصفه مفكِّراً اجتماعياً، ومستنيراً يحمل في الوقت نفسه هموم الدين وهواجسه. هذا، في حين يجب على المفكِّر المسلم أن يعمل على تجزئة وتحليل الظواهر الاجتماعيّة ـ التاريخية بالاستلهام من آيات القرآن الكريم وأحاديث النبيّ الأكرم| والأئمّة الأطهار^.

ومن ناحية الأسلوب فإن الدراسات والتحقيقات الاجتماعية تقوم بدَوْرها في الغالب على الأسلوب العقلي والقياسي. كما يُستفاد بالإضافة إلى ذلك من أساليب ونماذج التحقيق الأخرى أيضاً. وفي الحقيقة فإنه من الناحية الأسلوبية كان المفكِّرون المسلمون يمتازون من غيرهم بالاستفادة من الأساليب التحقيقية المختلفة، والتي كانت منذ القِدَم ـ ولا سيَّما بعد ظهور علم الاجتماع ـ مورداً للنقد والنقاش والمباحثات العلمية على الدوام. وهناك مَنْ قال: إن التجربة الخارجية هي وحدها الأسلوب المناسب؛ وهناك مَنْ اهتم بالتجربة الداخلية؛ وهناك مَنْ أكَّد على دَوْر الأسلوب العقليّ. بَيْدَ أن المفكِّرين في المجال الاجتماعي ـ ولا سيَّما المسلمين منهم ـ قد استفادوا من جميع هذه الأساليب، بالإضافة إلى أسلوب الوَحْي أيضاً([33]).

ومن ناحية الموضوع يسعى المفكِّرون في مجال الاجتماع إلى دراسة جَوْهر وذات طبيعة المجتمع، وكيف يمكن تحويل الوضع القائم في المجتمع إلى الوضع المنشود والمطلوب؟ في حين أن دراسة جَوْهر وذات المجتمع أو المطلوبية لا معنى له في علم الاجتماع.

ولكي نستخرج النظرية الدينيّة للدكتور علي شريعتي، والتوصُّل إلى التفسير الماركسيّ لهذه النظرية، من الضروريّ بيان الاتّجاه الديني لكارل ماركس.

النظرية الدينيّة لكارل ماركس

إن نصيب كارل ماركس من دراسات الدين قليلٌ جداً. فهو ـ خلافاً لدوركهايم وماكس فيبر ـ لم يكن يبدي اهتماماً بالدين، وإنما كان ينظر إلى الدين بوصفه أمراً سطحيّاً، وأنه تابعٌ للمحرِّك الأصلي للمجتمع، ويعني بذلك أداة الإنتاج. ولقد لفت انتباه أصحاب النظر إلى التشابه الثقافي والعملي بين الدين والقانون والسياسة والأيديولوجيا، حيث تمثِّل بأجمعها الناحية البنائية من المجتمع البشري، وكان يرى أن الأبنية الخارجية يتمّ تعيينها في نهاية المطاف إثر العلاقات الإنتاجية([34]).

في عصر كارل ماركس كانت الرؤية الفكرية لهيغل([35]) هي السائدة، وكانت الأرضيّة الفكريّة للفلاسفة الألمان في الجواب عن السؤال القائل: ما هو الإله؟ مَنْ هو الله؟ تعمل على حقيقة تعريف الإنسان بأنه هو الإله. إن كارل ماركس وغيره من الهيغليين؛ بالالتفات إلى هذا القسم من عقائد هيغل، الذي كان يقول: «إن الله هو حقيقة وأساس وجود الإنسان»، قد تنكَّبوا الطريق، وفسَّروا مراد هيغل بالقول: إن مراده هو الله الذي تنصَّل عن ألوهيته. وبطبيعة الحال فإن كارل ماركس كان متأثِّراً بفويرباخ([36]) ـ وهو الفيلسوف الألماني الذي عمل على الترويج للفكر الإنسوي ـ بشكلٍ أكبر، وكان يرى أن الإنسان إلهٌ خلق نفسه بنفسه، وعلى هذا الأساس فقد اتّجهت ألوهية هيغل إلى أصالة الفرد.

وعلى هذا الأساس فإن الدين ـ من وجهة نظر كارل ماركس ـ يحظى بأهمّية ثانوية؛ إذ إن الأيديولوجيا إنما هي بناءٌ. وفي المذهب الماركسي يقوم كلّ شيءٍ على أساس العامل الاقتصادي، وإن عامل تحريك كلّ شيءٍ هو الوضع الاقتصادي. وإن عامل تحريك الوضع الاقتصادي يتمثَّل بدَوْره في وسائل وأدوات الإنتاج، بحيث حتى فكر الإنسان (ومذهبه) يكون تابعاً ومعلولاً للوضع الاقتصاديّ في المجتمع([37]). يذهب كارل ماركس إلى الاعتقاد بأن الأيديولوجيا والدين إنما هو تصوُّر أو وَعْي كاذب تعمل الطبقة الحاكمة على توظيفه من أجل ضمان مصالحها([38]).

يرى ماركس أن العلّة الأساسية لظهور الدين هو الواقع الاقتصادي في المجتمع، وبذلك فإنه يرى أن الدين في الأساس إنما هو من صنع البشر. وقال في مقالة نقد فلسفة الحقوق لهيغل: «إن الإنسان صانعُ الدين، وليس الدين صانعَ الإنسان. إن الدين هو اللاوعي بالذات والشعور بالذات بالنسبة إلى الإنسان الذي لم يفِقْ على نفسه بَعْدُ، أو فقد مرحلته. بَيْدَ أن هذا التحقيق المحيِّر للعقول هو من طبيعة البشر؛ إذ إن مصير الإنسان ليس له واقعيةٌ حقيقية، وبالتالي فإن إعلان الحرب على الدين بمنزلة إعلان الحرب على عالَمٍ يمثِّل الدين جَوْهره الروحاني. وإن بُؤْس الدين يبيِّن في الوقت نفسه بُؤْساً حقيقياً، واعترافاً بذلك البُؤْس. إن الدين بمنزلة آهةِ كائنٍ مجتثّ من أصوله، وقلب عالم متحجِّر، وروح كائنٍ من دون روحٍ. إن الدين أفيون الشعوب، وإن اختفاء الدين ـ الذي يمثِّل سعادةً وَهْمية للناس ـ يمثِّل السعادة الواقعية لهم»([39]).

على الرغم من أن مصطلح الأيديولوجيا يُستَعْمَل بمعنى المذهب والحقّ أو الباطل، إلاّ أن هذا المفهوم يحمل من وجهة نظر كارل ماركس بُعْداً سلبياً مهيناً. يرى ماركس أن الأيديولوجيا لا تعني سوى الباطل، ولا تنطوي على شيءٍ من مفهوم الحقّ أبداً. إن مفهوم الأيديولوجيا ينطوي على مفهوم الخطأ، والخداع، والسراب، والمحتال، والاغتراب عن الذات. يرى كارل ماركس أن الدين، والفلسفة، والحقوق، والأخلاق، وعلم السياسة، وعلم الاقتصاد، كلّها أيديولوجيات، بَيْدَ أن الدين يقف على رأس هذه الأيديولوجيات([40]).

إن الدين والأيديولوجيا من وجهة نظر كارل ماركس لا يبديان شيئاً من ناحية الكشف عن الواقع، بل هما أيضاً ـ وعلى العكس من ذلك ـ يقلبان الواقع. إن الأيديولوجيا إما أن تقلب الواقع تارةً؛ أو هي في حدّ ذاتها تبدو حقيقةً مقلوبة تارةً أخرى. ولذلك فإن الأيديولوجا لا تقدِّم لنا معرفةً صحيحة عن حقيقة الروابط؛ وذلك لأنها في بعض الأحيان تعرض علينا حقيقةً ممزوجة بالوَهْم، وتُبْدي لنا إدراكاً عن الواقع قائماً على الوَهْم.

وفي الحقيقة إن كارل ماركس في عبارته الشهيرة: «إن الدين أفيون الشعوب» لم يكن يقصد الإساءة إلى الدين، وإنما كان مراده ـ على ما يبدو من سياق مقالته حول هيغل ـ أن الدين ضروريٌّ لهذا الإنسان الذي يعيش في عالمٍ يقوم على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان؛ لأنه يمثِّل تعبيراً صادقاً عن الآلام الحقيقية التي يعاني منها الإنسان، ويمثِّل اعتراضاً على البُؤْس الحقيقي. كان ماركس يرى أن الدين لا يمكن أن يزول إلاّ بزوال جميع الشرائط الاجتماعية للدين بفضل الثورة([41]).

لقد كان ماركس في تفسير الدين متأثِّراً برؤية مفكِّرَيْن اثنين، وهما: فويرباخ؛ وهيغل، بل كان في تفسير الدين متأثِّراً بآراء فويرباخ على نحوٍ أكبر. لقد ذهب فويرباخ، في كتابه «جَوْهر المسيحية»([42])، إلى تعريف الدين بأنه عبارةٌ عن العقائد والقِيَم التي تتكوَّن بواسطة الناس ضمن تكاملهم الثقافي، ولكنّهم ينسبون ذلك خطأً إلى القوى الإلهية أو الآلهات. وحيث إن الناس لا يدركون تاريخهم بشكلٍ كامل فإنهم في العادة ينسبون القِيَم والمعايير ـ التي وُجدَتْ اجتماعياً ـ إلى أعمال الآلهة، كما أنهم يستعملون مصطلح الاغتراب في الإشارة إلى إيجاد الآلهات أو القوى الإلهيّة الممتازة من الإنسان. وبهذا المعنى يتمّ توهُّم أن القِيَم والعقائد التي تُوجَد بواسطة الإنسان تنشأ عن الكائنات ـ الدينيّة والإلهيّة ـ الغريبة أو المنفصلة والمستقلّة. وهذه هي النقطة التي يتعرَّض لها كارل ماركس بالتحديد. إن الدين من وجهة نظر كارل ماركس يحكي عن اغتراب الإنسان عن ذاته. وإن الدين يُوكِل السعادة والأَجْر إلى الحياة بعد الموت، ويعلِّم الناس الاستسلام إلى الوضع القائم في هذه الحياة. ومن خلال إلهاء الناس بما سوف يتحقَّق في العالَم الآخر يحرف انتباههم عمّا يجري عليهم في هذه الحياة، من أنواع الظلم والجَوْر وانعدام العدل والمساواة. إن القِيَم والعقائد الدينية تعمل في الغالب على تبرير عدم التساوي والتكافؤ في السلطة والثروة([43]).

وكذلك كان هيغل من بين المفكِّرين الذين تأثَّر بهم كارل ماركس في تفسير الدين؛ إذ يقول هيغل: «إن الدين يبين آمال ومطامح الإنسان الفاشل على نحو المجاز. إن هذا التصوير للأيديولوجيا بالشكل الذي نجده في تفكير هيغل عارٍ عن الكثير من النواقص الموجودة في نظرية ماركس بشأن الأيديولوجيا. هناك في رؤية هيغل إشارة إلى هذا المعنى الذي يقول بأن مهمّة الأيديولوجيا تقوم ـ بشكلٍ رئيس ـ على حماية المصالح الطَّبَقية، أو أنه يجب نبذ الأيديولوجيا؛ لأن وظيفتها إقناع الممتعضين من الناس بالرضا عن الواقع الاجتماعي، بوصفها مجرّد وَهْم وخيال. ومع ذلك فإن هيغل يتَّفق مع كارل ماركس في أن الناس إنما يبنون في أذهانهم عالماً آخر، ويتمنّون الوصول إليه؛ لأنهم لا يستطيعون الحصول على السعادة التي يريدونها في هذه الدنيا»([44]).

كان كارل ماركس يذهب إلى الاعتقاد بأن الدين شكلٌ من الإدراك الكاذب، وأداةٌ فاعلة في صراع السلطة بين الطبقات الاجتماعية. يرى ماركس أن الاعتقاد الدينيّ هو الشكل العميق لاغتراب([45]) الإنسان عن ذاته؛ بمعنى الوضع الذي يفقد فيه الناس السيطرة على العلم الاجتماعي الذي أوجدوه بأنفسهم… وبالإضافة إلى ذلك فإن ماركس قد ادّعى أن الدين الحاكم في كلّ مجتمعٍ هو على الدوام دين الطبقة الحاكمة من وجهة نظر النظام السياسي والاقتصادي، وإن هذه المذاهب تعمل دائماً على توجيه الظلم وانعدام المساواة. إن الدين الحاكم يضفي المشروعية على مصالح الطبقة الحاكمة، ويقوم بدَوْر الأَفْيون في الدَّفْع بالطبقة المظلومة والمحرومة إلى تقبُّل المصير المكتوب عليها([46]).

والحاصلُ أن لا أصالة للدين من وجهة نظر كارل ماركس، وإنما هو مجرّد أداةٍ بيد الأقوياء والمستكبرين؛ لفرض إرادتهم وعقائدهم على المستضعفين والمضطهدين. وفي الحقيقة فإن الإقبال على الدين إنما هو لتبرير الوضع القائم، والعجز عن مواجهة الظلم، وتسكين الآلام. وحيث يريد الإنسان أن يعيش في هذا العالم حياةً طبيعية، لا تعارض فيها ولا تزاحم، فإنه يسعى أبداً إلى إيجاد التناغم بين عالمه الذهنيّ والعالم الخارجيّ. يذهب كارل ماركس إلى الاعتقاد بأننا إذا أردنا الإطاحة بالتفكير الدينيّ علينا أن لا ندخل في نزاعٍ فكريّ مع الدين، وإنما علينا العمل على تجفيف البيئة التي تعمل على اختلاق الدين.

إن خلاصة كلام ماركس هي أن الإنسان يختلق الدين، وأن الدين يعني رؤية الإنسان للعالم بالمقلوب، ورؤية الإنسان نفسه بشكلٍ معكوس. وحيث يكون الإنسان معكوساً فإن الذي يعيش في بيئةٍ معكوسة سوف ينعكس هذا الاعوجاج والانعكاس على تفكيره أيضاً([47]).

نقد ومناقشة الرؤية الماركسية

في معرض نقد رأي ماركس ـ وبشكلٍ عامّ التفسير الماركسي للدين ـ يكفي أن التقارير التاريخية الواصلة إلينا من البشر الأوائل في الأيام السحيقة تثبت أن الدين كان على الدوام يلعب دَوْراً مصيريّاً وحاسماً في حياة الإنسان. لقد تبلور التديُّن لدى الإنسان ضمن بوتقةٍ من العقائد والشعائر والآداب والتقاليد والتعاليم المتنوِّعة. إن اهتمام الدين بسعادة الإنسان الأبدية وحياته الأخروية لا يعني أنه لا يلعب دَوْراً في حياته الدنيوية، وبالنظر إلى تاريخ البشرية ندرك أن للدين الكثير من الآثار والفوائد للإنسان والمجتمعات الإنسانية، الأعمّ من الدينية وغير الدينية([48]).

وأما بعد عصر النهضة، والمسار المتسارع لظاهرة الحداثة في الغرب، فقد حصل تشكيكٌ في الدين وجدوائيّته الاجتماعية، الأمر الذي أدّى إلى ظهور العلمانية. إن انتشار وشمولية هذه الرؤية أدَّتْ إلى حذف الدين تدريجياً من مسرح الحياة السياسية ـ الاجتماعية في المجتمعات الغربيّة. وعندما كان ماركس يعمل على تحليل دَوْر الدين أثار تصدير ورسوخ هذه الرؤية في الشرق والعالم الإسلاميّ التساؤل عما إذا كان الدين يقتصر في تأثيره على البُعْد الفردي للإنسان أم يشمل البُعْد الاجتماعي من حياته أيضاً؟ وبالتالي فقد تشكَّلت جبهتان في المجتمعات الدينيّة بين نِحْلَتين فكريّتين مختلفتين؛ فقد ذهب البعض ـ من خلال تأصيل الإنسان ورغباته ـ إلى اعتبار الدين وسيلةً، وأخذوا يطرحون مسألة «ما يتوقَّعه الإنسان من الدين». إن موقف هذه الجماعة من الدين يكمن في إعطائه هامشاً جزئيّاً يقتصر على الأبعاد الخاصّة من حياة الإنسان. تذهب هذه الجماعة إلى الاعتقاد بأنه في الأزمنة القديمة؛ بسبب محدوديّة العلوم والتجارب، كان الناس يتوقَّعون من الدين حَلَّ جميع مشاكلهم، وتلبية جميع احتياجاتهم، ابتداءً من العبادة وصولاً إلى الطبّ وعلاج الأمراض. أما اليوم فقد أضحى الكثير من هذه الأمور علميّاً وتخصُّصياً وعُرْفياً، ولم يعُدْ هناك مَنْ يتوقَّع علاجاً طبّياً، أو إصلاحاً اقتصادياً، ولا حتّى قضائياً، من الدين. وعلى هذا الأساس يمكن القول: لقد تغيَّرَتْ نظرة الإنسان إلى الدين، وما يتوقَّعه أو يطلبه منه، واقتصرَتْ حاجته إليه على حدود العلاقة الفرديّة مع الله.

وفي المقابل هناك جماعةٌ أعطَتْ الأصالة للدين. ومن هنا أخذوا يطرحون بحث «ما يتوقَّعه الدين من الإنسان»، ومفهوم الحاجة إلى الدين. وقد عمد هؤلاء إلى الاستدلال على أصل حاجة الإنسان إلى الدين وسائر الاحتياجات الأخرى ـ الأعمّ من الاحتياجات الاجتماعية والاعتقادية والأخلاقية ـ من خلال التمسُّك بالأدلة العقلية والنقلية والتاريخية. وفي هذا الاتجاه لا يعمل توقُّع الإنسان على تحديد مساحة وآليّة الدين، بل إن الدين هو الذي يعمل ـ بسبب جامعيّته ـ على ضمان وتلبية الاحتياجات الأساسية للإنسان، ويعمل في الوقت نفسه على إرشاد وهداية الإنسان إلى طرق وأساليب رفع هذه الاحتياجات([49]).

وعلى هذا الأساس، ذهب بعض المفكِّرين ـ من أمثال: ديفيد هيوم، وسيغموند فرويد، وكارل ماركس ـ إلى اعتبار الدين؛ بوصفه مفهوماً ذهنياً أو نفسياً، لا شعوريّاً وكاذباً، أو هو أفيون أو مسكِّن لأوجاع وآلام البشر. وفي هذا الاتّجاه يتمّ تعريف الدين بوصفه ظاهرةً واهية وغير عقلانية. إن هؤلاء يقولون: إن الناس إنما يعتنقون بالدين لأنه يوفِّر لهم فسحةً من الأمل والطمأنينة والسكون، وإنْ كان بشكلٍ كاذب ومؤقَّت. ولكنّهم مع ذلك لا يوضِّحون كيف لا تزال هذه الأفكار الواهية والمتداعية على طول التاريخ توفِّر الرضا والسعادة والحُبُور، رغم رَفْع ستار الجَهْل وعدم الوَعْي، وانتشار الوَعْي والإدراك([50])، بحيث لا يمكن أن نعثر ـ في طول التاريخ ـ على مجتمعٍ غير ديني، وعليه من الطبيعي أن يكون هؤلاء قد تنكَّبوا الطريق في تحليل الدين والظواهر الدينية.

ولكنْ في المقابل هناك الكثير من المحقِّقين الذين يؤكِّدون على البُعْد العقلاني والإدراكي والمعرفي من الدين. وبشكلٍ خاصّ فإن اتجاه الانتخاب العقلاني يعمل على تعريف الدين بوصفه تقييماً للتكلفة والفائدة. يبدو أن هذا الاتجاه يعاني من مشكلةٍ أيضاً؛ إذ ما لم نحصل على معلومات عن كِلا بُعْدَيْ الترجيحات الفردية والأساسية، حيث يمارس الأفراد حرّية الانتخاب فيها، لا يمكن توظيف الدين بوصفه وسيلة تكهُّنٍ. يُضاف إلى ذلك أن الناس لا يستطيعون بيان وتقييم الاحتمالات الموضوعية والحدّ الأقصى من الفوائد المتوقَّعة في جميع الظروف([51]).

الرأي الآخر ـ ومن القائلين به: إميل دوركهايم ـ يؤكِّد على الأبعاد الحمائية والاجتماعية من الدين. إن هذا الاتجاه الاجتماعي ينظر إلى الدين بوصفه بُعْداً هامّاً من العُرْف والعقد الاجتماعي. إن دوركهايم ينظر إلى الدين بوصفه منظومةً متماسكة من العقائد والآداب والتقاليد المنسوبة إلى الأمور المقدَّسة، التي تفصل وتبعد عنها جميع الأمور غير المقدَّسة.

وبشكلٍ عامّ يمكن تقسيم الاتجاهات النظرية بالنسبة إلى الدين إلى: الاتجاه الفكريّ؛ والاتجاه العاطفيّ؛ والاتجاه العمليّ؛ والاتجاه المفهوميّ؛ والاتجاه التعويضيّ:

1ـ الاتجاه الفكري: يرى أن الدين من سِنْخ الفكر، حيث يلجأ الإنسان إليه في مواجهة التجارب المحيِّرة والمخيفة في حياته؛ لكي يفهمها ويدركها.

2ـ الاتجاه العاطفي: يربط الدين بردود الأفعال العاطفية والمشاعرية للإنسان في مواجهة تلك التجارب العجيبة والمحتومة، من قبيل: الحوادث الطبيعية، والشرور، والموت، والحوادث غير المتوقَّعة، من قبيل: السيول، والزلازل، والعواصف، وما إلى ذلك.

3ـ الاتجاه العملي: بَدَلاً من تعريف الدين على أساس ذاته وماهيّته يقدِّم تعريفاً عمليّاً للدين، ويحيل إلى الأداء الأساسيّ للدين في الحياة الفردية والاجتماعية.

4ـ الاتجاه المفهومي: يسعى هذا الاتجاه إلى المَزْج بين الاتجاه الفكري والاتجاه العاطفي، ويعتبر الدين نوعاً من السعي إلى إضفاء المفهومية على الحياة، والتجارب المريرة في الحياة، والإخفاقات، والظلم والجَوْر في الحياة الاجتماعية، بل يرى أن هذه التجارب تبدو مبرَّرةً ومفهومة، ومن الممكن تحمُّلها.

5ـ الاتجاه التعويضي: يعمل على تعريف الدين بوصفه نوعاً من التعويض عن القيود والمحدوديات وأنواع الحرمان والإخفاقات وأنواع العجز.

ومن بين هذه الاتجاهات الآنفة سوف نقتصر على الإشارة إلى التفسير العملي للدين.

في التفسير العملي للدين يتمّ التأكيد على الآثار والتداعيات الدنيوية للدين وعلاقاته بالمؤسّسات والأبنية، وبَدَلاً من الاهتمام بمنشأ وجَوْهر الدين يتمّ التركيز على أعماله في رؤية الناظر.

يؤكِّد علماء النفس على الأعمال الفردية للدين، وإضفائه المعنى والمفهوم على الحياة، والشعور بالرضا والسعادة في الحياة لدى الإنسان، وتسكين الآلام، وزيادة التحمُّل، والسِّكِينة النفسية، والتغلُّب على الخوف من الموت، وتعزيز روح التضحية والفداء والإيثار، وبناء دعامةٍ صالحة للاستناد والاتّكاء، وما إلى ذلك.

وأما علماء الاجتماع فإنهم يؤكِّدون على آليّات الدين الاجتماعية، من قبيل: توحيد المجتمع، وتمتين أُسُس الأبنية الاجتماعية، وإضفاء الشرعية على المنظومات الاجتماعية، والمقبولية الاجتماعية، وتعريف القِيَم والمعايير الاجتماعية، وانحسار منسوب الجرائم والانحرافات، وتقديم النظام الأخلاقي، وتوثيق العواطف المشتركة، وتعزيز أُسُس السيطرة الاجتماعية، وتنظيم وهداية المتغيِّرات الاجتماعية، وما إلى ذلك([52]).

إن المضمون الأهمّ الذي تناوله إميل دوركهايم بالبحث هو «الدين». ما هو منشأ الدين وآليّته العملية؟ إن هذه المسألة التي كانت تُعَدّ من المسائل الجادّة في القرن العشرين، وكانت تشغل أذهان أغلب المفكِّرين آنذاك، كانت تحظى بمكانةٍ مميَّزة عند دوركهايم. فهو ـ خلافاً لكارل ماركس، الذي كان قد حكم بموت الدين دون تردُّدٍ، وكان ينظر إلى المنشأ والآليّة العملية للدين بسلبيّةٍ ـ يرى أن الدين أمرٌ اجتماعي بشكلٍ رئيس؛ إذ يُعَدّ الدين في كلّ ثقافةٍ من أسمى الكنوز الاجتماعية. إن الدين يعمل على خدمة المجتمع من خلال توفير الأفكار والشرائع والمشاعر التي تعمل على هداية وتوجيه حياة كلّ شخصٍ([53]).

وقد عمد هاري ألبرت ـ الباحث السائر على خُطى دوركهايم ـ إلى بيان الآليّات العملية الأربعة للدين من وجهة نظر دوركهايم على النحو التالي: إن الدين بالنسبة إلى القوى الاجتماعية: عامل ضبط، وعنصر تناغم، وعامل حياة، وعامل سعادة([54])، بمعنى أن التشريفات الدينية تعمل على جَمْع الناس، وبذلك يصادقون على أواصرهم المشتركة من جديدٍ، ويعملون على توثيق تلاحمهم الاجتماعي. إن إقامة الشعائر الدينية تعمل على استمرار التراث الاجتماعي وإحيائه، وتنقل قِيَمه الثابتة إلى الأجيال القادمة. وبالتالي فإن الدين من خلال إثارة الشعور بالسعادة لدى المؤمنين، والإحساس بالطمأنينة والثقة بالأحقّية الضرورية للعالم الأخلاقي، الذي هم جزءٌ منه، يعمل على مواجهة الشعور باليأس وفقدان الإيمان من قبلهم([55]).

وعلى هذا الأساس فإن الكثير من المفكِّرين الاجتماعيين وعلماء الاجتماع ـ خلافاً لزعم كارل ماركس وشرّاح التفسير الماركسي للدين، الذين يظنّون أن الدين أفيون الشعوب ـ يذهبون إلى القول بأن الدين حقيقةٌ اجتماعية، تؤدّي أوّلاً إلى شعور الفرد بالالتزام الأخلاقي تجاه الانتصار للإرادة الاجتماعية؛ ويعمل ثانياً على إيجاد آليّةٍ يتمّ اللجوء إليها عند تعرُّض النَّظْم الاجتماعي للخطر؛ وإنه ثالثاً من العناصر الأصلية والرئيسة في توحيد أفراد المجتمع، وبناء الثقة المتبادلة بين أعضاء الجماعة الواحدة.

من دون هذا الاعتقاد الدينيّ يتمّ الحكم على كلّ نوعٍ من أنوع المجتمع بالفناء والانهيار؛ بمعنى أنه كلّما كان اعتقاد المجتمع والجماعة الدينية أقوى كان ذلك المجتمع وتلك الجماعة أشدّ تماسكاً. ومن هنا يمكن للدين أن يخلق بيئةً يأمن أعضاؤها من خوض تجربة الانفصال الاجتماعي المؤلمة، والتي تدعو إلى اليأس والإحباط. والنقطة الجديرة بالاهتمام أن هذه المهمّة (بناء الانسجام والتناغم في المجتمعات التقليدية)، يضطلع بها الدين، ولا سيَّما في جزئه المناسكي. وفي المجتمعات الجديدة يجب أن يضطلع بهذا الدَّوْر النظام الأخلاقيّ الذي ينبثق بدَوْره عن الدين أيضاً([56]).

كان ما تقدَّم عبارةً عن إشكالات الرؤية الخارجية للدين على التفسير الماركسي للدين، والقول بأن الدين غير مُجْدٍ، وإنه أفيون الشعوب.

وأما من الزاوية الداخلية للدين، ودَوْر الدين في إيقاظ الشعوب، ومَنْحها البصيرة، والشعور بالمسؤولية، والهويّة، ومئات الآثار الأخرى المترتِّبة على الدين، فهو ما نلمسه ونشاهد آثاره في القرن الحادي والعشرين عند أدنى تأمُّلٍ. إن الثورة الإسلامية الإيرانية، التي اندلعَتْ وهي تحمل شعار العودة إلى الدين والمعنويات، أثارَتْ خطاباً جديداً، ودفعَتْ بالتفسير المادّي والعلماني والماركسي للدين جانباً؛ ليتمّ وضعه لاحقاً في متاحف التاريخ. وقد أصاب السيد الخميني& عندما قال: «يجب البحث بعد الآن عن الماركسيّة في المتاحف التاريخية».

النظرية الدينية للدكتور علي شريعتي

لبيان النظرية الدينية للدكتور علي شريعتي، ونوع التفسير الذي يقدِّمه للدين، يبدو من الضروريّ الالتفات قبل كلّ شيء إلى بعض النقاط، والحصول على إجاباتٍ عنها. ومن ذلك: ما هي العناصر التي يرى الدكتور علي شريعتي أن الدين مؤلَّفٌ منها؟ وما هو دليل حاجة الناس إلى الدين؟ وكذلك ما هي طرق التعرُّف على الدين من وجهة نظره؟

يقول الدكتور شريعتي بالنظام في ما يتعلَّق بالإسلام. ويرى أن النظام هو التعاليم الإسلامية التي يقوم عليها الدين الإسلامي بأكمله، ويرى أن مجموع الرؤية الكَوْنية، والأنثروبولوجيا، وفلسفة التاريخ، وكذلك الأيديولوجيا، هي العناصر الأصلية التي تعمل على بناء وتكوين هذا النظام. يقول الدكتور علي شريعتي: «إن النظام هو جَوْهر تعاليم الإسلام، التي يقوم الدين الإسلامي بأجمعه على أساسها. إن هذا النظام عبارةٌ عن الرؤية الكَوْنية القائمة على أساس التوحيد، والأنثروبولوجيا القائمة على أساس الديالكتيك، وفلسفة التاريخ القائمة على أساس النزاع الطبقي؛ من أجل إقامة العدالة وتكامل الإنسان على المستوى النوعي. وعلى هذا الأساس تتبلور الأيديولوجيا، التي هي مجموعةٌ من العقائد العملية، والاستراتيجيا، والأخلاق، والكفاح، والعمل، وفلسفة حياةٍ باسم الإسلام»([57]).

يرى الدكتور شريعتي أن الإنسان في الوقت الراهن يحتاج إلى الدين؛ لسببين رئيسيين، هما: ضمان الرؤية الكَوْنية الروحانية؛ وبيان اتّجاه وهَدَف الحياة. «إن حاجة الإنسان إلى الدين تكمن حالياً في الحصول على جوابٍ عن سؤالين ماثلين في ذهنه؛ أحدهما: إعطاء رؤية كَوْنية معنوية كبرى ـ وعلى حدّ تعبير العلاّمة إقبال [اللاهوري]: (إعطاء تفسير روحانيّ عن عالم الوجود) ـ بحيث لا يشعر الإنسان الحُرّ فيه ـ كما تقول الوجودية حاليّاً، وهي «مصيبةٌ» في ذلك ـ مجهولاً ومغترباً عن ذاته؛ والآخر: إيجاد أو تقديم توجُّه أو هَدَف إنسانيّ للحياة»([58]).

وقد تحدّث شريعتي عن وجود الثوابت في الدين على النحو التالي: «إن المفهوم القائل: حيث إن الدين منزَّلٌ من الله فإنه يجب لذلك أن يكون ثابتاً، ولا يتغيَّر، وإن العقل البشريّ في مسار تكامله لا يستطيع أن يجري تعديلاً وإصلاحاً عليه، يراه المخالفون دليلاً على اهتراء الدين في مسار تكامل البشر؛ في حين أن الدين لا يخالف التكامل أبداً، بل إن التكامل الدينيّ لا يتنافى مع ثبات المفاهيم الدينية؛ أفليست القوانين الطبيعيّة ثابتةً؟ إلاّ أن علم الطبيعة في تغيُّرٍ وتكامل مستمرّ على طول التاريخ. وهكذا هو الحال بالنسبة إلى الدين أيضاً؛ فهو ثابتٌ مثل الطبيعة الثابتة، إلاّ أن الأشخاص يتكاملون في إطار الدين، كما يتكاملون في إطار الطبيعة الثابتة. إن ثبات المذهب لا يتنافى مع تكامل العلم الدينيّ»([59]).

كما يرى شريعتي أن هناك طرقاً واضحة لمعرفة الدين: «من الضروري لفَهْم الدين بشكلٍ دقيق، وتكوين صورةٍ عامّة له، التعرُّف على إله ذلك الدين، وكتابه، ونبيِّه، وأتباعه المخلصين»([60]).

وبعد هذا البيان الإجمالي للمقدّمات السابقة من المناسب؛ للاقتراب من إثبات المدَّعى ـ كما سبق طرحه بوصفه إحدى الفرضيّات ـ القائل بأن الدكتور علي شريعتي يفسِّر الدين بشكلٍ ماركسيّ، أن نعمل أوّلاً على بيان الموقف العامّ لشريعتي من الماركسيّة.

يذهب علي شريعتي في هذا الشأن إلى القول: «إن الشخص إذا لم يكن مستنيراً مسلماً، وكان إنساناً، يجب عليه أن يكون ماركسيّاً أو رأسماليّاً أو فاشيّاً أو كنسيّاً، وليس هناك من طريقٍ آخر. يقولون: إن الإسلام بَرْزَخٌ بين الماركسية والرأسمالية، وهذا مَحْض هراء! فإن الرأسمالية جائحةٌ يتنافس الإسلام والماركسية من أجل القضاء عليها. وعلى هذا الأساس فإنهما يعملان معاً من أجل تحقيق هَدَفٍ مشترك. إن الأخلاق الماركسية تتّحد في الأصل مع الأخلاق الإسلامية، وإن أخلاق الشخص الاشتراكي هي ذات أخلاق الشخص المسلم»([61]).

من خلال هذه العبارة ـ التي تبيِّن بوضوحٍ الرؤية العامة للدكتور شريعتي حول الماركسية ـ، وكذلك التأمُّل العابر في أعماله، يتَّضح أن نوع التفسير الذي يقدِّمه للدين والأيديولوجيا يقوم على الرؤية الديالكتيكية، وبالتالي فإن شريعتي يقترب في تقديم نظريّته الدينية من تفسير كارل ماركس للدين. بَيْدَ أنه لإثبات هذا المدّعى يجب علينا بيان الفرضيّات الأساسية لماركس، ورأي الدكتور شريعتي بشأن كلٍّ منها:

الفرضيّات الأساسية لماركس في تحليل شريعتي

إن المنشودَ هنا على نحو الإجمال عبارةٌ عن ثلاث فرضيات ومفاهيم أساسية في نظريّة كارل ماركس، وهي: التضادّ؛ والديالكتيك؛ والطبقات؛ وكذلك الدين بوصفه أداةً بيد السلطة، وملاحظة ذلك وبيانه، مقروناً بطريقة توظيف الدكتور شريعتي لهذه الفرضيّات في نظريته الدينية:

1ـ شريعتي ومفهوم التضادّ

إن من المفاهيم الأساسية في نظرية ماركس مفهوم أصل التضادّ، الذي يشكِّل المحور الأساسي المكوِّن لنظريته؛ بحيث إنه يقوم بتحليل وتفسير جميع الأشياء على محور التضادّ. كما يستعين الدكتور شريعتي بدَوْره بهذا المفهوم في تحليل الظواهر بكثرةٍ، بحيث إنه يعتبر التضادّ من خصائص المنطق الدينيّ والعرفانيّ! وقال في بعض مؤلَّفاته: «إن الإسلام يبدأ كلّ شيء ـ الوجود والإنسان ـ بالتضادّ. إن الديالكتيك وأصل التضادّ على طول التاريخ، ابتداءً من الإغريق واليونان إلى الأديان المتقدِّمة والكبرى، مثل: اليهودية والمسيحية والإسلام، تعمل على طرح العالم والإنسان والمجتمع والتاريخ على أصل التضادّ. وإن أصل التضادّ هو في الأساس من خصائص المنطق الديني والعرفاني»([62]).

لا يرى الدكتور شريعتي التضادّ في الدين ـ الذي هو مبنىً لكلّ التحوُّلات الاجتماعية ـ فقط، بل إنه يعمل ـ مثل ماركس ـ أوّلاً: على بيان التحوُّلات الاجتماعية على أساسٍ من نظرية التضادّ، بحيث يرى أن التضادّ هو القوّة المحرِّكة للمجتمع وكلّ التاريخ؛ وثانياً: يذهب إلى الاعتقاد بأن النصر الحَتْميّ سوف يكون من نصيب الطبقة المحكومة عبر التاريخ.

وفي الوقت نفسه يختلف في هذا الشأن عن ماركس في نقطتين رئيستين:

1ـ إنه يرى أن عنصر التضادّ مؤثِّرٌ ضمن سائر العناصر والعوامل الأخرى المؤثِّرة في التغيير الاجتماعي؛ بمعنى أن التضادّ جزءُ العلّة، وليس تمامَ العلة.

2ـ إنه لا يقتصر على تحليل التضادّ في مستوى العلاقات المادّية فقط، وإنما ينتقل في تحليله هذا إلى العلاقات المعنوية، والتضادّ المستمرّ بين الحقّ والباطل، ويربط التضادّ بالأبنية الأنثروبولوجية أيضاً([63]).

كما ترسَّخ مفهوم التضادّ في تفسير الدكتور شريعتي ونظريّته الأنثروبولوجية بشكلٍ كامل أيضاً؛ فهو يرى أن الإنسان كان مركَّباً من القَذَر (الحمأ المسنون) وروح الله، والإرادة التي يمكنها أن تختار كلّ واحدٍ من هذين الأمرين في مقابل الآخر([64]).

وفي موضعٍ آخر ينقل التضادّ إلى أعماق وكُنْه ذات الإنسان، بحيث يعتبر الله ذاته هو إبليس، وذلك إذ يقول: إن آية النفس «الأمّارة بالسوء» تتحدَّث عن استعداد إبليس، لا أن تكون النفس «أمّارةً بالسوء». لماذا يُقْسِم بالنفس بقوله: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾؟ إن هذا يؤكِّد أن النفس واحدةٌ، وليس هناك نفسان في الأصل، وإنما حدث الانشطار في هذه النفس الواحدة في وقتٍ لاحق؛ فإن ذات هذه النفس الأمّارة بالسوء هي الأمّارة بالخير أيضاً، وهي ذات النفس المطمئنّة. ليس هناك نفسان، وإنما كلّ ما هنالك هو الجمع بين الضدّين. إن الله هو إبليس، وحيث إن الله هو إبليس فإنه مقدَّسٌ؛ لانطوائه على قيمةٍ.

إن الإنسان في الإسلام ظاهرةٌ تجمع بين الضدّين. إن خصوصية المنطق تكمن في رفض الجمع بين الضدّين. هناك منطقٌ يقول: إن الضدّين لا يجتمعان، لا يمكن أن يكون الوقت نهاراً وليلاً في وقتٍ واحد، ولا يمكن لشيءٍ أن يكون حَسَناً وقبيحاً في وقتٍ واحد… في حين أننا نشهد بأجمعنا على تحقُّق الجمع بين الضدّين، ويمكن لذلك أن يتحقَّق. فهناك الكثير من الناس الذين لا هم صالحون ولا هم طالحون، ولا هم أحياء ولا هم أموات.

وعلى هذا الأساس فإن الدكتور علي شريعتي ـ مثل كارل ماركس ـ لا يعتبر التضادّ في الدين، وفي نظريته الدينيّة التي تشكِّل مبنى لجميع التحوُّلات الاجتماعية، وإنه ـ مثل ماركس ـ يعمل على شرح مبنى التحوُّلات الاجتماعية على أساسٍ من نظرية التضادّ، بحيث يرى أن التضادّ هو القوّة المحرِّكة للمجتمع والتاريخ بأَسْره.

2ـ مفهوم الديالكتيك عند شريعتي

وإن من المفاهيم الأخرى ـ التي تُعَدّ من المفاهيم الجَوْهرية عند كارل ماركس بعد مفهوم التضادّ، والذي يمثِّل في الواقع تفسيراً حديثاً وعميقاً لمفهوم التضادّ ـ مفهوم الديالكتيك. ويظهر هذا المفهوم بدَوْره في آثار الدكتور شريعتي بكَثْرةٍ، وقد استعمله في تحليلاته على نطاقٍ واسع.

«هناك علاقةٌ ديالكتيكية متبادلة بين الإنسان والبيئة؛ حيث البيئة تصنع الإنسان، والإنسان بدَوْره يصنع البيئة. وإن العلاقة الديالكتيكية المتبادلة بين الفكرة والمادّة إنما تكون حيث نرى الوجود جسداً مادّياً نعتبره في الوقت نفسه ذا شعورٍ وإرادةٍ مطلقة أيضاً… لا يمكن متابعة العلاقة الديالكتيكية حتّى النهاية، إلاّ في العقيدة التوحيدية. إن العلاقة الديالكتيكية بأن يقوم الإنسان من جهةٍ بالزراعة، وتعمل الزراعة من ناحيةٍ أخرى بتغيير نَمَط حياته… إن الرؤية الإسلاميّة أقرب إلى منطق الديالكتيك منها إلى المنطق الأرسطي»([65]).

وفي معرض الجواب عن سؤالٍ بشأن هذا النوع من التحليل القائل: «إن كلّ مجتمعٍ يحمل في أحشائه شرائط تبلور مجتمعٍ جديد. هل هناك تطابقٌ بين هذا النوع من التفسير مع ديالكتيك ماركس، و«الطريحة» و«النقيضة» و«النتيجة» الماركسية؟ قال الدكتور شريعتي: إن هذ الكلام يتطابق معها بشكلٍ كامل. وأرى أن أركان الديالكتيك الثلاثة، وهي: (الطريحة، والنقيضة، والنتيجة) تبيِّن الماهية العامّة للتاريخ. وإن قوله تعالى في سورة الحجّ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ (الحجّ: 39 ـ 40) يؤكِّد أن النزاع من أجل البقاء يمثِّل المحرِّك في تكامل المجتمع البشريّ»([66]).

«بعد ملاحظة أن الإسلام يقوم على أساس التوحيد فإنه يبيِّن الديالكتيك في حقيقة الإنسان بوضوحٍ؛ إذ الإنسان هو الجمع بين الضدّين (القَذَر «الحمأ المسنون»، والروح)، وهذا النزاع الديالكتيكيّ هو الذي يساعد الإنسان في صعوده إلى الله»([67]).

3ـ شريعتي ومفهوم الطبقة

بعد مفهوم التضادّ والديالكتيك يأتي مفهوم الطبقات والطبقيّة الاجتماعية الموجودة في المجتمع. وهو مفهومٌ ناشئ من نوع الرؤية التي يحملها كارل ماركس عن التحوُّلات الاجتماعية. إن الدكتور علي شريعتي من الذين يسعَوْن إلى بيان مفهوم التضادّ والديالكتيك وأساس تحوُّل المجتمع على أساس التضادّ وتبلور الأجنحة الاجتماعية والطبقية في المجتمع. وقد عمد إلى تقسيم بداية المجتمع البشريّ إلى مرحلتين، وهما: مرحلة الفلاحة والزراعة؛ ومرحلة رَعْي الماشية، فقال: «يَرِدُ الحديث في القرآن عن آدم. إن الكلام هنا يدور حول نوع الإنسان، بَيْدَ أن تاريخ البشر في القرآن والتوراة قد بدأ بقصّة هابيل وقابيل. إن بيئتَيْهما متشابهةٌ، ولكنّ أحدهما مظهر قتل الإنسان وقتل الأخ وإبداع التجاوز والخيانة والعدوان؛ والآخر مظهر سلامة النفس والروح والتسليم أمام الحقّ والرحمة والصفح والغفران… وفي إطار تقديم القربان إلى الله عمد هابيل إلى اختيار أفضل ما في قطيعه، حيث اختار كَبْشاً أبلق سميناً وضحّى به في سبيل الله؛ وأما قابيل فقد اختار قبضة سنبلٍ جافّ لتقديمه محرقةً والتقرُّب به إلى الله، بمعنى أنه كان يمارس الخداع والاحتيال حتّى في قصده ونيّته… إن السنبل الجافّ والبائس الذي جاء به قابيل مالٌ ينتمي إلى حقبة الرَّعْي والصيد، بينما الكبش الذي جاء به هابيل ينتمي إلى مرحلة المِلْكية الفرديّة الخاصّة ومرحلة الفلاحة. إن النزاع بين هابيل وقابيل (في القرآن) حربٌ بين شخصين ينتميان إلى مرحلتين متعارضتين: مرحلة المساواة والاشتراكية العامّة؛ ومرحلة الاحتكار والمِلْكية [الرأسمالية] الفرديّة»([68]).

وقال في موضعٍ آخر: «إن الإسلام يفسِّر الله والتوحيد، وحتّى الإنسان في الأساس، على شكل موضوعٍ يمثِّل النزاع والاستقطاب وصراع الأجنحة»([69]).

إن الدكتور علي شريعتي ـ على غرار كارل ماركس، الذي يرى أن النتيجة الحَتْمية للنزاع الطبقي هي بناء المجتمع الشيوعي اللاطبقيّ وانتصار العمال ـ يذهب إلى القول بأن نتيجة الصراع الطبقيّ والغاية من هذا الصراع هي تحقيق العدالة وانتصار المستضعفين في العالم: «لقد كان الصراع الطبقيّ قائماً في جميع المراحل المختلفة، ليمضي قُدُماً إلى حيث نهاية النظام القَهْري القاروني، وإيجاد انقلابٍ حَتْميّ، وبناء مجتمعٍ لا طبقيّ، قائمٍ على العدالة وتحقيق الوَعْد الإلهيّ لطبقة المستضعفين»([70]).

4ـ الدين أداةٌ بيد السلطة

إن من بين فرضيات كارل ماركس في نظريته الدينية أنه كان يعتبر الدين أبداً أداةً بيد الحكّام؛ بمعنى أن الحكّام كانوا يلجأون إلى الدين لإضفاء الشرعية على ممارساتهم وأفعالهم. وفي هذا السياق، وعلى أساس ما تقدَّم، عمد الدكتور علي شريعتي بدَوْره إلى تقسيم الأديان إلى قسمين: الدين الذي ورد إلى ساحة المجتمع، ودخل السياسة، وأمسك بمقاليد السلطة، وصار يتحكَّم بمصائر الناس (الأعمّ من حكومة الحقّ وحكومة الباطل)؛ والدين الذي لا يزال محتفظاً بقداسته؛ لأنه لم يخُضْ غمار السياسة. يتّضح من هذا التقسيم الذي ذكره شريعتي أنه يرى أن الدين الذي يخوض في وَحْل السياسة يفقد قداسته. ومن هنا فإن دَوْر وموقع الدين الذي يدخل في السياسة أنه يتحوَّل إلى أداةٍ بيد الحكم والسلطة، وإن الحكّام يستعينون بالدين لإضفاء الشرعية على سلطتهم: «لقد ظهر لي، من خلال علم الاجتماع التاريخي والديني، أن العقائد الفلسفية والدينية الحاكمة هي على الدوام انعكاسٌ عن النظام الاجتماعي وشكل الحياة المادّية للناس، وأن «الوضع الاجتماعي القائم» يتمّ بيانه وتفسيره دائماً على شكل دينٍ. وفي الحقيقة فإن النظام الاعتقاديّ والدينيّ الحاكم كان يمثِّل تبريراً للنظام الاجتماعي المادّي، وأن الحقائق السماوية واللاهوتية لم تكن سوى صورةٍ عن الحقائق الأرضية والناسوتية… إن الأديان الموجودة والحاكمة على التاريخ كانت على الدوام، ودون استثناءٍ، وسيلةً وأداةً بيد الطبقة الحاكمة. كانت واحدة من وجوهه الثلاثة. كانت طبقة رجال الدين في جميع المجتمعات في الطبقة العليا من المجتمع. لقد كان دَوْر الدين يتلخَّص في التوجيه الفكري والاعتقادي للنظام الحاكم والوضع القائم، والصراع الطبقيّ، وإظهار ذلك بوصفه أمراً طبيعياً، بل واعتبار المكانة الاجتماعية للفرد وكلّ مجموعةٍ وكلّ طبقةٍ في سلسلة الهَرَم الاجتماعي بوصفها أمراً إلهيّاً… لقد كانت المذاهب الحاكمة على التاريخ ـ التي تمثِّل سلاحاً روحياً للطبقة الحاكمة في يد أحد أجنحتها التقليدية العريقة والقوية ـ بمثابة المواد الإنشائية التي ضمنت قوام ودوام البناء الطبقيّ المتناغم والمليء بالتضادّ والتناقض والشروخ الاجتماعية والفواصل الطبقية، في مختلف الأنظمة المتنوِّعة من البرجوازية والعبودية والإقطاعية والتجارية، ومختلف الأشكال الأوليغارشية والإرستقراطية والإمبراطورية والرسمية وحتّى الديمقراطية… إن آلهةَ المذاهب حاكمةٌ على التاريخ، وهي أبٌ وخالقةٌ لقومها، وأما سائر الأقوام المختلفة الأخرى المتدنّية والغريبة فلها آلهاتٌ متدنّية وغريبة أخرى…»([71]).

يرى الدكتور شريعتي أن مآل الدين الذي يدخل مسرح السياسة أنه يصبح أداةً بيد الحكّام: «إن هذا الدينَ دينُ تأليه الطاغوت، دينٌ معارضٌ للتوحيد، ومناوئٌ للناس، وهو الدين الذي كان حاكماً عبر التاريخ، وكان أداةً بيد طبقةٍ تملك كلّ شيءٍ؛ لقمع وإخضاع وإسكات طبقةٍ أخرى معدمة لم تكن تملك شيئاً»([72]).

النتيجة

كانت هذه المقالة بصدد بيان النظرية الدينية لكارل ماركس وعلي شريعتي. وكان السؤال الأصلي لهذا التحقيق: ما هو تفسير الدكتور شريعتي للدين؟ وما هو مدى تطابق نوع تحليله للدين مع التفسير الدينيّ السائد بين المفكِّرين وعلماء الاجتماع المسلمين منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا؟ وما هو حجم التماهي بين تفسيره للدين مع التفسير الديالكتيكي؟ ولهذه الغاية كانت لنا إطلالةٌ على الخلفيّات الاجتماعية لعصر الدكتور علي شريعتي، والمفكِّرين الذين تأثَّر بهم، واستخرَجْنا بذلك نظريّته الدينية:

إن الأحزاب والتيارات الاجتماعية والسياسية ـ ولا سيَّما الأحزاب اليسارية والجماعات الإسلامية والوطنية والحركة الوطنية للمقاومة ـ، ودخول الدكتور شريعتي في الأبحاث والتحليلات الماركسية والديالكتيكية، كلّها قد صنعَتْ منه شخصاً متأثِّراً بهم في تحليل الكثير من الأبحاث الدينية. ويشهد على ذلك صدور أوّل أثرٍ له في تلك الفترة بعنوان «أبو ذرّ [الغفاري] الاشتراكيّ الموحِّد»([73]). يُضاف إلى ذلك أنه قد تأثَّر كذلك ببعض العلماء المعاصرين له ـ وغير المعاصرين أيضاً ـ، ومن بينهم: المولوي جلال الدين الرومي، وصادق هدايت، وشاندل([74])، وإقبال اللاهوري، وفرانز فانون([75])، وميترلينغ، ومهدي بازرگان وغيرهم. ومن هنا يمكن القول: إنه مفكِّرٌ اجتماعي. وإنه ـ للأسباب الآتية، والأدلّة التي تقدَّم نقلها عنه في النصوص السابقة ـ يقدِّم تفسيراً ديالكتيكياً وماركسياً للدين، وبذلك فإنه يبتعد عن التفسير الشائع للدين بين المسلمين؛ وذلك لاعتقاده في تفسير الدين بما يلي:

إن التعاليم والمدرسة الإسلامية عبارةٌ عن نظام… وإن هذا النظام عبارةٌ عن: الرؤية الكَوْنية التي تبلور التوحيد على أساسها، والأنثروبولوجيا القائمة على أساس الديالكتيك، وفلسفة التاريخ القائمة على أساس النزاع الطبقيّ؛ من أجل إقامة العدل وتكامل الإنسان.. إن الشخص إذا لم يكن مستنيراً مسلماً، وكان إنساناً، يجب عليه أن يكون ماركسيّاً أو رأسماليّاً أو فاشيّاً أو كَنَسيّاً، وليس هناك من طريقٍ آخر…. إن الرأسماليّة جائحةٌ يتنافس الإسلام والماركسيّة من أجل القضاء عليها… إن أخلاق الشخص الاشتراكي هي ذات أخلاق الشخص المسلم… إن الإسلام يبيِّن الديالكتيك في حقيقة الإنسان بوضوح؛ إذ الإنسان هو الجمع بين الضدّين (القَذَر «الحمأ المسنون»، والروح)، وهذا النزاع الديالكتيكي هو الذي يساعد الإنسان في صعوده إلى الله… كان الصراع الطبقيّ قائماً في جميع المراحل المختلفة؛ ليمضي قُدُماً إلى حيث نهاية النظام القَهْري القاروني، وإيجاد انقلابٍ حَتْميّ، وبناء مجتمعٍ لا طبقيّ، قائمٍ على العدالة وتحقيق الوعد الإلهيّ لطبقة المستضعفين.

بالالتفات إلى ما تقدَّم يكون الدكتور علي شريعتي قد لجأ في الدين إلى التفسير الماركسيّ. من الطبيعي أن يكون تفسير ماركس للدين هو الدين الكَنَسيّ الذي كان حاكماً في العصور الوسطى، والدين الذي يتقبَّل الظلم، والدين الذي كان قائماً في عصر شريعتي. بَيْدَ أن حقيقة الدين وحضوره في المجتمع بعد انتصار الثورة الإسلامية، وحركات التحرُّر والصحوة الإسلامية على المستوى العالميّ، إنما كان نتيجةً للدين الإسلاميّ الحيويّ والنابض بالحياة، والداعي إلى سعادة الإنسان وتحرُّره. إن هذا الدين يُبشِّر بالعودة إلى هويته الأصيلة، واستعادة الثقة بالذات، وتحقيق الاستقلال والحرّية والنجاة والسعادة وما إلى ذلك، الأمر الذي شكَّل تحدّياً لمجمل هويّة وهيمنة الثقافة والحضارة الغربية الهجينة. ومن هنا فإن تحليل كلٍّ من: ماركس وشريعتي للدين إنما هو ناظرٌ إلى الدين الوهّابي والكَنَسيّ والتكفيري المتحجِّر؛ حيث كان كلاهما في ذلك ناظراً إلى واقعيّة الأديان الموجودة في عصرهما. وهذا يمثِّل خطأ استراتيجيّاً منهما. وقد نشأ هذا الخطأ من غفلتهما عن الدَّوْر الأصليّ للدين في الساحة الاجتماعيّة. وأما الحقيقة الراهنة فهي شيءٌ مختلف تماماً. يُضاف إلى ذلك أن نوع التحليل الماركسيّ ينشأ من البُعْد عن التعاليم القرآنية والدينية الخالصة.

الهوامش

(*) أستاذٌ في قسم الاجتماع في مؤسّسة الإمام الخمينيّ للتعليم والأبحاث، قم ـ إيران.

([1]) انظر: ريمون آرون، مراحل أساسي أنديشه در جامعه شناسي (المراحل الأساسية للتفكير في علم الاجتماع): 103، ترجمه إلى اللغة الفارسية: باقر برهام، نشر سعيد نو، ط2، طهران، 1370هـ.ش.

([2]) أوغست كونت (1798 ـ 1857): عالمُ اجتماعٍ وفيلسوفٌ اجتماعيّ فرنسيّ. يُعَدّ الأب الشرعيّ والمؤسِّس للفلسفة الوضعية. أكد على ضرورة بناء النظريات العلمية المبنية على الملاحظة. المعرِّب.

([3]) انظر: المصدر السابق: 91.

([4]) إميل دوركهايم (1858 ـ 1917م): فيلسوفٌ وعالمُ اجتماعٍ فرنسيّ. أحد مؤسِّسي علم الاجتماع الحديث. وقد وضع لهذا العلم منهجيّةً مستقلّة تقوم على النظرية والتجريب في آن معاً. من أعماله: (في تقسيم العلم الاجتماعي)، و(الانتحار). المعرِّب.

([5]) انظر: المصدر السابق: 448.

([6]) انظر: أنطوني غيدنز، جامعه شناسي (علم الاجتماع): 28، ترجمه إلى اللغة الفارسية: منصور صبوري، نشر ني، طهران، 1373هـ.ش.

([7]) انظر: إيان باربور، علم ودين (العلم والدين): 168، ترجمه إلى اللغة الفارسية: بهاء الدين خرّمشاهي، مركز نشر دانشگاهي، طهران، 1362هـ.ش.

([8]) فيلهم دلتاي (1833 ـ 1911م): فيلسوفٌ وطبيبٌ نفسانيّ وعالمُ اجتماعٍ ألمانيّ. يعتبر من الفلاسفة الأكثر نفوذاً في فلسفة الحياة. المعرِّب.

([9]) انظر: دانيل ليتل، گونه هاي تبيين (أنواع البيان): 114، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مجيد محمدي، طهران، 1373هـ.ش.

([10]) انظر: ريمون آرون، مراحل أساسي أنديشه در جامعه شناسي (المراحل الأساسية للتفكير في علم الاجتماع): 541.

([11]) انظر: منوشهر آشتياني، جامعه شناسي ديني (علم الاجتماع الديني)، نشر تربيت مدرِّس.

([12]) Theocentrism

([13]) انظر: المصدر السابق.

([14]) انظر: اجتماع المائدة المستديرة للدين، مجلّة معرفت، العدد 20: 8، 1375هـ.ش.

([15]) تشارلز مارغريف تايلور (1931 ـ معاصر): فيلسوفٌ كنديّ، يُعَدّ أحد أبرز الفلاسفة المعاصرين في مجال الفلسفة السياسية والفلسفة الأخلاقية. يقع فكره الفلسفي بين عددٍ من التوجُّهات والمجالات، ومن بينها: فلسفة التحليل، والظاهريات، والتأويليات، والإنسانيات، والاجتماعيات، والفلسفة السياسية والتاريخ. المعرِّب.

([16]) انظر: همايون همتي، «جامعه شناسي دين أز ديدگاه أستاد مطهَّري وشريعتي» (علم اجتماع الدين من وجهة نظر الأستاذ مطهَّري وشريعتي)، مجلة نامه فرهنگ (رسالة الثقافة)، العدد 1: 22، 1375هـ.ش. (مصدر فارسي).

([17]) انظر: المصدر السابق: 24.

([18]) ماكس موللر (1823 ـ 1900م): مستشرقٌ بريطانيّ وعالمٌ لغوي. درس الأديان دراسةً مقارنة. من أشهر أعماله «المدخل إلى علم الدين». المعرِّب.

([19]) انظر: المصدر السابق.

([20]) انظر: محمود رجبي، «مباني جامعه شناسي دين» (أسس علم اجتماع الدين)، مجلة نور علم، العدد 22، الدورة الثانية، السنة التاسعة. (مصدر فارسي).

([21]) Sociology of Religion.

([22]) Religiuos Sociology.

([23]) انظر: جولين فروند، جامعه شناسي ماكس وِبِر (علم الاجتماع عند ماكس فيبر): 87، ترجمه إلى اللغة الفارسية: عبد الحسين نيك گوهر، نشر رايزل، طهران، 1368هـ.ش.

([24]) انظر: لويس كوزر، زندگي وأنديشه بزرگان جامعه شناسي (حياة وفكر كبار علماء الاجتماع): 198، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محسن ثلاثي، انتشارات علمي، ط3، طهران، 1370هـ.ش.

([25]) كارل هانريك ماركس (1818 ـ 1883م): فيلسوفٌ وعالمُ اقتصادٍ وعالمُ اجتماعٍ ومؤرِّخٌ وصحفيّ ألمانيّ ثوريّ اشتراكيّ. المعرِّب.

([26]) ماكس كارل إميل فيبر (1864 ـ 1920م): عالمٌ في الاقتصاد والسياسة، وأحد مؤسِّسي علم الاجتماع الحديث ودراسة الإدارة العامّة في مؤسَّسات الدولة. وهو الذي أبدع مصطلح (البيروقراطية). من أعماله: (الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية). المعرِّب.

([27]) علي شريعتي، الأعمال الكاملة 31؛ تاريخ تمدُّن 2 (تاريخ الحضارة 2): 338 ـ 339، نشر آگاه، ط3، طهران، 1361هـ.ش. (مصدر فارسي).

([28]) حزب توده: حزبٌ شيوعيّ إيرانيّ، تمّ تأسيسه عام 1941م، بدعمٍ من الاتحاد السوفياتي في حينها. وقد استطاع هذا الحزب أن يقيم جمهوريةً مستقلّة في أذربيجان سنة 1945م. واستطاعت الحكومة الإيرانية أن تقضي على هذه الجمهورية بعد عامٍ واحد من تأسيسها. واستمرّ هذا الحزب يعمل سرّاً، على الرغم من حَظْر نشاطه قانونياً. (المعرِّب).

([29]) عنوانه بالفارسية: «ما وإقبال».

([30]) انظر: عبد الكريم سروش، فربه تر أز إيدئولوژي (أكبر من الأيديولوجيا): 407، مؤسّسة فرهنگي صراط، ط2، طهران، 1373هـ.ش. (مصدر فارسي).

([31]) ويعرف في إيران بمصطلح «أنجمن هاي إيالتي وولايتي». وقد تمَّتْ المصادقة عليه في مجلس الشورى الوطنيّ بعد تقديمه إلى المجلس من قِبَل حكومة أمير أسد الله علم، سنة 1962م، وقد ورد في بعض موادّه وبنوده عدم اشتراط إسلام المرشَّحين والناخبين، وعدم اشتراط أداء اليمين الدستوريّ بالقرآن الكريم للفائزين بالانتخابات لغير المسلمين. وكان الهَدَف من ذلك تمهيد الطريق لصعود التيّار البهائيّ الممالئ للحركة الصهيونية. وكان هذا في حينها اشتراطاً من قِبَل الإدارة الأمريكية على حكومة الشاه. ولكنّ هذا الأمر واجه معارضةً شديدة من قِبَل علماء الدين وآحاد الشعب، بقيادة الإمام الخميني. وقد نجحَتْ المعارضة في إلغائه وعدم العمل به. (المعرِّب).

([32]) الكابيتولاسيون: من الكلمة الفرنسية (capitulation): اتفاقيّةُ استسلامٍ تتخلّى بموجبها دولةٌ ذات سيادة عن الولاية القضائية داخل حدودها على رعايا دولةٍ أجنبيّة. (المعرِّب).

([33]) انظر: محمود رجبي، تاريخ تفكُّر اجتماعي در إسلام (تاريخ التفكير الاجتماعي في الإسلام): 8، نشر سمت، طهران، 1381هـ.ش. (مصدر فارسي).

([34]) انظر: ميرجا إلياده، دين پژوهي (البحث الديني)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: بهاء الدين خرّمشاهي، پژوهشگاه علوم إنساني ومطالعات فرهنگي، طهران، 1373هـ.ش.

([35]) جورج فيلهلم فريدريش هيغل (1770 ـ 1831م): فيلسوفٌ ألماني. يعتبر أحد أهمّ الفلاسفة الألمان؛ فهو مؤسِّس المثالية الألمانية في أواخر القرن الثامن عشر للميلاد. طوَّر المنهج الجَدَلي الذي أثبت من خلاله أن مسار التاريخ والأفكار يتمّ من خلال الطريحة والنقيضة، ثمّ التوليف بينهما. المعرِّب.

([36]) لودفيغ فويرباخ (1804 ـ 1872م): فيلسوفٌ أنثروبولوجي ألمانيّ. دعا إلى الليبرالية والإلحادية والمادّية. وكان فكره مؤثِّراً في تطوُّر المادية التاريخية بوصفه حلقة وصل بين هيغل وماركس. المعرِّب.

([37]) انظر: محمد باقر الصدر، اقتصادنا: 138، 1406هـ.

([38]) انظر: غلام عبّاس توسّلي، «مفهوم جامعه شناسي دين إيدئولوژيك» (مفهوم علم اجتماع الدين الأيديولوجي)، مجلة كيان، العدد 15، السنة الثالثة، 1372هـ.ش. (مصدر فارسي).

([39]) أندرو بيتر، ماركس وماركسيسم (ماركس والماركسية) 1: 263، ترجمه إلى اللغة الفارسية: شجاع الدين ضيائيان موسوي، نشر برهان، طهران، 1350هـ.ش.

([40]) انظر: عبد الكريم سروش، كلام جديد، إنسان شناسي (الكلام الجديد، الأنثروبولوجيا): 120. (مصدر فارسي).

([41]) انظر: أنطوني غيدنز، جامعه شناسي (علم الاجتماع): 492، ترجمه إلى اللغة الفارسية: منصور صبوري، 1373هـ.ش.

([42]) The Essence of christianity.

([43]) انظر: جان بشلر، إيدئولوژي چيست؟ نقدي بر إيدئولوژي هاي غربي (ما هي الأيديولوجيا؟ نقد على الأيديولوجيات الغربية): 5، ترجمه إلى اللغة الفارسية: علي أسدي، شركت سهامي انتشار، طهران، 1372هـ.ش.

([44]) يان رابرتسون، درآمدي بر جامعه (مدخل إلى المجتمع): 337، ترجمه إلى اللغة الفارسية: حسين بهروان، آستان قدس رضوي، ط2، مشهد، 1374هـ.ش.

([45]) Alienation.

([46]) انظر: ستيورات هيوز، آگاهي وجامعه (الإدراك والمجتمع): 388، ترجمه إلى اللغة الفارسية: عزّت الله فولادوند، شركت سهامي، طهران، 1369هـ.ش.

([47]) انظر: عبد الكريم سروش، كلام جديد: إنسان شناسي (الكلام الجديد: الأنثروبولوجيا): 120. (مصدر فارسي).

([48]) انظر: داود حيدري، «نقد رويكرد كاركرد گرايانه در تعريف دين» (نقد الاتجاه العملاني في تعريف الدين)، مجلة أنديشه نوين ديني (الفكر الديني المعاصر)، العدد 17: 114، 1388هـ.ش. (مصدر فارسي).

([49]) انظر: محمد علي إحساني، «كارويژه ها وكاركرهاي دين در دوران معاصر» (آليات الدين الخاصّة وعناصره العملية في المرحلة المعاصرة)، مجلة كوثر معارف، العدد 5: 94، 1387هـ.ش. (مصدر فارسي).

([50]) See: Guthrie, S, 1996, Religion: What is it? Journal for Scientific Study of Religion, V.4, p. 414.

([51]) See: Montgomery, J, 1996, The dynamics of the religious economy: Exit, voice, and denominational secularization, IL: Northwestern University. P. 445.

([52]) انظر: داود حيدري، «نقد رويكرد كاركرد گرايانه در تعريف دين» (نقد الاتجاه العملاني في تعريف الدين)، مجلة أنديشه نوين ديني، العدد 17: 124، 1388هـ.ش. (مصدر فارسي).

([53]) انظر: المصدر السابق: 101.

([54]) انظر: مقصود فراستخواه، دين وجامعه (الدين والمجتمع): 142، شركت سهامي انتشار، طهران، 1377هـ.ش. (مصدر فارسي).

([55]) انظر: لويس كوزر، زندگي وأنديشه بزرگان جامعه شناسي (حياة وأفكار كبار علماء الاجتماع): 200.

([56]) انظر: محمد رضا آقائي، «آموزه هاي قرآن كريم ونقد نظريه دوركيم» (تعاليم القرآن الكريم ونقد نظرية دوركهايم)، مجلة مباني نظريه دين وهمبستگي اجتماعي، العدد 3: 48، 1389هـ.ش. (مصدر فارسي).

([57]) علي شريعتي، تاريخ جامع أديان (تاريخ الأديان الشامل): 32، نشر رستمخانه، ط3، طهران، 1368هـ.ش. (مصدر فارسي).

([58]) انظر: علي شريعتي، جهان وأيديولوژي (العقيدة والأيديولوجيا)، الأعمال الكاملة 23: 257، 1361هـ.ش. (مصدر فارسي).

([59]) علي شريعتي، إسلام شناسي (معرفة الإسلام)، الأعمال الكاملة 30، درس هاي مشهد (دروس مشهد): 575، چاپ بخش، ط2، طهران، 1368هـ.ش. (مصدر فارسي).

([60]) انظر: علي شريعتي، جهان بيني وأيديولوژي (العقيدة والأيديولوجيا)، الأعمال الكاملة 23: 350، 1361هـ.ش. (مصدر فارسي).

([61]) المصدر السابق: 187.

([62]) المصدر نفسه.

([63]) انظر: غلام عباس توسّلي، «مفهوم جامعه شناسي دين أيدئولوژيك» (مفهوم علم اجتماع الدين الأيديولوجي)، مجلة كيان، العدد 15: 75، السنة الثالثة، 1372هـ.ش. (مصدر فارسي).

([64]) انظر: علي شريعتي، مذهب عليه مذهب (دين ضدّ الدين)، الأعمال الكاملة 22: 4، نشر آذر، ط2، طهران. (مصدر فارسي).

([65]) المصدر السابق: 286.

([66]) انظر: علي شريعتي، إسلام شناسي (معرفة الإسلام)، الأعمال الكاملة 30، درس هاي مشهد (دروس مشهد): 46، 1368هـ.ش. (مصدر فارسي).

([67]) علي شريعتي، إسلام شناسي (معرفة الإسلام)، الأعمال الكاملة 16: 160، نشر نگارستان كتاب، طهران، 1361هـ.ش. (مصدر فارسي)؛ علي شريعتي، تاريخ جامع أديان (تاريخ الأديان الشامل): 195، نشر رستمخانه، ط3، طهران، 1368هـ.ش. (مصدر فارسي).

([68]) انظر: علي شريعتي، إسلام شناسي (معرفة الإسلام)، الأعمال الكاملة 17: 291، نشر رشدية، ط3، 1362هـ.ش. (مصدر فارسي).

([69]) انظر: علي شريعتي، جهان بيني وأيديولوژي (العقيدة والأيديولوجيا)، الأعمال الكاملة 23: 190، 1361هـ.ش. (مصدر فارسي).

([70]) علي شريعتي، تاريخ تمدّن 1 (تاريخ الحضارة 1)، الأعمال الكاملة 11: 143، نشر آگاه، ط3، طهران، 1361هـ.ش. (مصدر فارسي).

([71]) علي شريعتي، تاريخ جامع أديان (تاريخ الأديان الشامل)، الأعمال الكاملة 4: 383، نشر رستمخانه، ط3، طهران، 1368هـ.ش. (مصدر فارسي).

([72]) انظر: علي شريعتي، مذهب عليه مذهب (دين ضدّ الدين)، الأعمال الكاملة 22: 42، نشر آذر، ط2، طهران. (مصدر فارسي).

([73]) عنوانه في الأصل الفارسي «خداپرست سوسياليست أبو ذرّ».

([74]) شاندل: اسمٌ لشخصية غير واقعية. وقد ورد ذكرها في بعض آثار الدكتور علي شريعتي، وهي من إبداع الدكتور شريعتي نفسه، وتعني باللغة الفرنسية الـ «شمع». وقد سبق للدكتور شريعتي أن نشر في شرخ الشباب أشعاراً في بعض الصحف باسمٍ مستعار «شمع»؛ اختزالاً لاسمه الثلاثي: (شريعتي مزيناني علي). ومن هنا فإن شاندل هو الدكتور علي شريعتي نفسه؛ وعليه فمن الخطأ ذكره في عداد الذين تركوا أثراً عليه. (المعرِّب).

([75]) فرانز عمر فانون (1925 ـ 1961م): فيلسوفٌ وطبيبٌ نفسانيّ وعالمُ اجتماعٍ فرنسيّ ـ جزائري. يعتبر من أبرز مَنْ كتب في مناهضة الاستعمار في القرن العشرين. آمن فانون بأن مقاومة الاستعمار إنما تكون باستعمال العنف من قبل المقموع؛ لأن ما أخذ بالقوّة لا يُستردّ إلاّ بالقوّة. (المعرِّب).

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً