أحدث المقالات

دراسة نقديّة

مقدّمة

اقتضت إرادة الله تعالى في الوجود أن تكون الحرية من سمات الأمم الكريمة، التي تستطيع أن تعيش معها تحت ظلًّ ثابت من الأمن على قرار مكين من الاطمئنان، تشيع من خلالها روح المسؤولية، ممّا يلزم من ذلك أن يُعيّن لكل واحد من أفرادها حدّ لا يتجاوزه، وتُقرر له حقوق لا تعوقه عن استيفائها يد غالية([1]).

والحديث عن الحريّة حديث هام وشائك في وقت واحد، هام لأنّهُ يمس موضوعاً هو المحرّك الأساس للأفراد والشعوب، وشائك لأنَّ كل كلام في الحرية هو كلام في المجتمع والدين، ولئن كانت الحرية الفكرية هي أهم صور الحرية، فإنّ حرية الاعتقاد والحرية الدينية هي أهم جوانب الحرية الفكرية، وأشدّها حساسيّة.

مرّت الدعوة الإسلامية في أثناء حياة الرسول بمرحلتين مكانيتين، وأسلوبين متمايزين (ويبدو كأنهما متعارضتان):

أ ـ المرحلة المكية: ومدتها ثلاث عشرة سنة، وكان أسلوبها الواضح: الدعوة بالحوار والموعظة الحسنة.

ب ـ المرحلة المدنية: ومدتها عشر سنوات، وكان أسلوبها الدعوة بالجهاد والقتال واستخدام القوّة.

بين الحوار والإكراه، والأخذ والعطاء، جاءت آيات قرآنية وأحاديث نبويّة، تبدو في ظواهرها متناقضةً ومتباينة، وكأنه لا لحُمة بينها، لهذا السبب استخدمها بعض الفقهاء والعلماء من المسلمين وكأنّها جُزُرٌ لا ترابط بينها. فالذي يصل منهم إلى إحدى هذه الجزر يحسب أنها منفصلة عن غيرها، فيعمل على استنباط الأحكام منها دون ما رابط مع غيرها من الجزر الأخرى في بحر النص الإسلامي الواسع، كيف لا، وبشكل خاص عندما يُسبَغ على النص قدسيّة، فلا يمكنه بعدها أن يجادل فيه([2]).

بدورنا، حسب أن كثيراً من النصوص التي تُسمّى بالمتشابهات، قد فقدت، بل ضاع عنها الربط المكاني والزماني وخصوصيّة الحدث، ممّا جعل أكثر فقهاء المسلمين يعتقدون أنها قوانين ثابتة تصلح لكل زمانٍ ومكانٍ وخاصية، ويلتبس الأمر أكثر لأنّ الظرف التاريخي والجغرافي والاجتماعي كان غير واضح أو غير ثابت أو غير موثوق. ويستدل على وجود هذه الإشكالية من كثرة الروايات، وتعدد مصادرها وتعارضها. فالغموض بشكل عام هو السائد في علاقة النص بالحدث، ويتّضح الظن بالالتباس أكثر، إذا عُرف أنّ عصر تدوين الأحداث والسنة النبوية قد ابتدا بعد أكثر من مئة وخمسين سنة من حصولها؛ فإذا لم يكن النص المحُكم بغير حاجة لمعرفة الظرف لكي يصبح تفسيره أقرب إلى الصحة، فإنَّ النص المتشابه هو بحاجة ماسّة إلى معرفة دقيقة بهذا الظرف.

وعلى الرغم من أن فقهاء المسلمين قد واجهوا حلَّ هذه المشكلة على قاعدة الناسخ والمنسوخ، فإنهم وقعوا في كثير من الزلل في أكثر من وجه، ومن ذلك: أنهم لم يتفقوا تماماً على تحديد هذه القاعدة، بل إنهم تناقضوا فيها أيّما تناقض من جهة، و قد ثبّتوا المتغيّر المرحلي على حساب تحريك الثابت القيمي من جهة أخرى. وكان هذا التغليب يحصل كما نحسب، بسبب من تسابق الفقهاء على احتلال مواقع العصبوية الشديدة، والمغلقة أحياناً، إلى تحميل الدعوة الإسلامية الكثير والكثير من المثاليات، ويصبح هذا الاتجاه أكثر وضوحاً عندما يأخذ التسابق بين الفرق الإسلامية أقصى مدياته لاحتلال مكانة الفرقة الناجية من النار.

إستناداً إلى هذه الملاحظات، وقع الفقه الإسلامي في مطبّات كثيرة حول تحديد مبدأ الردة، تعريفاً وأصولاً وأحكاماً، كان ذلك يتم على الرغم من تسابق الفرق الإسلامية إلى إشهار سيف الردة بشدّةٍ وحدّة على رقاب المنتسبين إلى صفوف إسلام الغير!!

من المواضع الخلافية التي لا تزال تحيّر الذهن الفردي والجمعي قضية الردة، وقد طُرح هذا الموضوع بقوة في السنوات الأخيرة إزاء الكتّاب والمفكرين في العالم الإسلامي، الذين ظهرت لهم تصورات وأفكار من خلال صفحات كتبهم وسطور مقالاتهم.

لهذا حاولنا أن نسعى إلى تفسير دقيق لهذه المسألة، وفي هذه المحاولة نحسب أننا بدأنا طريقاً شائكاً، ولكنه في الوقت ذاته وبواسطته نحاول أن نردم بعضاً من الثغرات التي لم يعطها بعضٌ اهتماماً في سبيل الوصول إلى أقرب ما يمكن من السلامة في استنباط الأحكام حول مبدأ الردة في الإسلام، لأنّه ـ ويمكن اعتبار هذا المبدأـ محور حياة الإنسان، ومبنى حقوقه وملاك تصميماته على مستوى حفظ نفوس الناس وأعراضهم. لا سيما وأنّه قد تجاوز موضوع الحرية الدينية المحلّية والإقليمية([3])

 

المعنى اللغوي للارتداد

في معجم مقاييس اللغة: الراء والدال، أصل واحد مطّرد منقاسى، وهو رجع الشيء. تقول: رددتُ الشيء أرُدَّه ردّاً، وسمّي المرتَدُّ مرتدّاً لأنّهُ ردّ نفسه إلى كفره([4]). وفي مجمع البحرين: ردّ عليه الشيء: إذا لم يقبله. وأمرٌ رُدَّ: أي مردود، والمردّد: من ارتد عن الإسلام إلى الكفر. والرِدَّة بالكسرِ والتشديد: إسم من الارتداد([5]). وفي المنجد: إرتَدَّ الشيءَ، رَدَّهُ، طَلَبَ ردَّهُ عليهِ واسترجَعُهُ. وارتَدّ على أثَرِهِ أو عن طريقة. رَجَعَ. وارتَدّ عن دينهِ: حادَ([6]). وفي المفردات: الرّد: صرف الشيء بذاته أو بحالةٍ من أحواله، يقال: رددتُهُ فارتدّ… فمن الرد بالذات قوله تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ (الأنعام: 28)، ومن الردّ إلى حالةٍ كان عليها قوله: يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ (آل عمران: 149) … والارتداد والرِّدَّة: الرجوع في الطريق الذي جاء منه: لكن الرَّدَّة تختص بالكفر، والارتداد يُستعمل فيه وفي غيره([7]).

 

الارتداد في الثقافة الفقهية السائدة

يقال: ارتدّ عن دينه، إذا كفر بعد إسلامه، ومنه قوله تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ أي الرجوع إلى الكفر بعد الإسلام. وشرعاً: أسباب الكفر: الكفر يكون عزماً، أو قولاً أو فعلاً، أو استهزاء كان ذلك، أو عناداً، أو اعتقاداً، كنفي وجود الله تعالى، أو نفي نبي أو تكذيبه، أو جحد أمر مجمع عليه معلوم في الدين ضرورة بلا عذر، أو تردد في كفر، أو إلقاء مصحف بقاذورة، أو سجود لمخلوق.

وبعضٌ عرفه بـ (الكفر بعد الإسلام) باعتبار أن الإسلام هو الأصل الذي فطر عليه الإنسان. فكأن المرتد صرف نفسه عمُّا فطر عليه، أو ردّ هذا الأصل ورجع عنه ولم يقبله([8]). إلاّ أنَّ أبا الصلاح الحلبي (447هـ ) فصّل في تعريفه للإرتداد وزاد عليه أموراً أخرى، فقال: <الرّدة: إظهار شعار الكفر بعد الإيمان بما يكون معه منكر نبوة النبي‘ أو بشيء من معلوم دينه كالصلاة والزكاة والزنا وشرب الخمر>([9]).

فالردة استخفاف بالدين،وتمهيد الطريق للانسلال من المجتمع الإسلامي، وتمردٌ على العبادات والتقاليد، والشرائع والقوانين…، فالارتداد يرادف جريمة الخيانة العظمى. وبالتالي فمقاومته تعتبر واجباً مقدساً([10])؛ فالمرتد كل من أتى كبيرةً من الكبائر، أو ترك شيئاً من الفروض المنصوصة، على الإستحلال لذلك، فهو كافر مرتد([11]). وقال بعض بأن الردة في الشريعة الإسلامية هي الرجوع عن الإسلام إلى دين آخر([12]).

 

أقسام المرتد في الفقه الإسلامي

المعروف بين فقهاء الإمامية أنّ المرتد على نوعين: فطري: وهو الذي وُلد على الإسلام، ثم كفر بعد ذلك. ملّي: وهو الذي لم يولد على الإسلام، فأسلم ثم ارتد عن إسلامه([13]).

وحكم الأول القتل ولا يستتاب، وقيل لا تقبل منه التوبة، وتبين عنه زوجته وتلزمها العدّة، ويصير ماله ميراثاً لورثته المسلمين، إلى غير ذلك من الأحكام. أما الثاني (المرتد الملّي) فيُستتاب ويُمهل ثلاثة أيام أو أكثر، وتقبل منه التوبة إذا تاب، وإلاّ قُتل على كل حال([14]). أمّا المرأة فقد أجمعوا قولاً واحداً على أنها إذا ارتدَّت لا تُقتل بحال، وإن كان ارتدادها عن فطرة أو عن ملة. وإذا تابت تُقبل توبتها ويُخلّى سبيلها، فإذا بقيت مصرّة على الارتداد تخلَّد في السجن مع الأشغال الشاقة، ويضيّق عليها في المأكل والمشرب والملبس وتُضرب أوقات الصلاة([15]).

أمّا عند فقهاء أهل السنة، فالمشهور عدم التفريق بين المرتد الفطري والمرتد الملّي، فيمهل الجميع ثلاثة أيام. نعم، منهم من لم يعتبر الإمهال ولكنه يرى اعتبار عرض الإسلام عليه ثم القتل إن لم يقبله([16]).

وفي الآونة الأخيرة حاول بعض الفقهاء أن يخفف من شدة وصرامة فتوى قتل المرتد، فأعطاها مرونة وليناً أكثر، مثل الشيخ يوسف القرضاوي يقول: <إنّ المرتد المصر على ردته محكوم عليه بالإعدام الأدبي من الجماعة المسلمة، فهو محروم من ولائها وحبها ومعاونتها، فالله تعالى يقول: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (المائدة: 51)، وهذا أشد من القتل الحسي ـ الجسدي ـ عند ذوي العقول والضمائر من الناس>([17]).

 

الإسلام وحرية الاعتقاد

إذا كانت المشكلة الفكرية والثقافية هما المحور الأهم في التحدي الحضاري الذي يواجه المسلمين، فإنّ تحديد موقف الإسلام من الحرية الفكرية، وحرية الاعتقاد بالذات، هو المنطلق والأساس لمواجهة هذا الجانب من التحدي، فارتأينا قبل الدخول في البحث أن نقدم لمحة بسيطة عن مدى حرية الاعتقاد في الإسلام.

الحريّة ـ كمصطلح مجرد عن الإضافة ـ كان محط جدل بين الباحثين، وتواجه الباحث فيها صعوبة ـ لا سيما في تحديد مفهوم الحرية ـ وتنبع من كثرة استعمالها في ميادين متنوعة، تشمل مختلف العلوم الاجتماعية والسياسية والفلسفية([18]). وقد عرّفت الموسوعة العربية العالمية الحرية بأنها: <الحالة التي يستطيع فيها الأفراد أن يختاروا ويقرروا ويفعلوا بوحي من إرادتهم، دونما أية ضغوط من أي نوع عليهم>([19]).

ويمكن استخلاص أربعة معان أساسية متميّزة للحرية:

1 ـ معنى خُلقي: وهو الذي كان معروفاً في الجاهلية وحافظ عليه العرب.

2 ـ معنى قانوني: وهو المستعمل في القرآن (تحرير رقبة).

4 ـ معنى اجتماعي: الحر هو المعفي من الضريبة.

4 ـ معنى صوفي: الخروج من رق الكائنات وقطع جميع العلائق والأخيار([20]).

من خلال هذه المقاربات لمفهوم الحرية، نلاحظ أنها كانت تركز على عنصر الإنسانية كأساس فطري للحرية، ومن خلال هذا التلازم بين الإنسانية والحرية خلصت الموسوعة الإسلامية الميسّرة إلى تعريفها بأنها: <القدرة على الاختيار بين الممكنات بما يحقق إنسانيتي>([21]).

إذن الاعتقاد هو: اعتناق فكرة، والتسليم بصحتها، ويقوم على اعتبارات اجتماعية أو وجدانية أو عقلية، وهو على درجات أقواها الراسخ الجازم الذي هو بمرتبة اليقين، وقد يكون ظناً، وفي أضيق معانيه التسليم بشهادة إنسان لا لشيء إلاّ لأننا نثق به([22]).

 

ما مدى حريّة الاعتقاد في القرآن؟ هل يعطي القرآن الحرية حقاً؟!

جاء هذا البحث من المنطلق القرآني لتصور الوحدة الموضوعية فيه، واشتماله على تقرير الأصول والمقاصد التي بُني عليها الإسلام، لذا فإنَّ هذا لا يحمل دلالةً بخصوص السنة من حيث حجيتها وتأصيلها للأحكام، مع ملاحظة أنّ السنة لا تأتي بما يخالف القرآن لا سيما في موضوع هو من كلّيات الإسلام.

 

1ـ آية نفي الإكراه في الدين، تأسيس مبدأ الحرية

والنصوص القرآنية التي تتحدّث عن حرية الاعتقاد هي:

النص الأول: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة: 263).

وقد تعددت الآراء في سبب النزول، ونجملها فيما يلي:

الأول: رأي ابن عباس وسعيد بن جبير والشعبي، أنها نزلت في رجل من الأنصار، أو في قوم منهم كان لهم أولاد قد هَوّدُوهم أو نصّروهم، فلما جاء الإسلام أرادوا إكراههم عليه فنهاهم الله عن ذلك، حتى يكونوا هم الذين يختارون الدخول في الإسلام([23]).

الثاني: رأي مجاهد والحسن، أنها نزلت في استرضاع بعض الأنصار أولادهم في بني النضير([24]).

الثالث: رأي السّدي ومسروق، أنها نزلت في رجل من الأنصار من بني عوف([25]).

الرابع: رأي آخر لمجاهد، أنها نزلت في رجل من الأنصار، كان له غلام أسود يُقال له :(صُبع)، وكان يُكرهه على الإسلام([26]).

الخامس: رأي أنس، أنها نزلت فيمن قال له الرسول: «أسلم»، فقال: أجدني كارهاً([27]).

هذه أقوال بعض المفسرين في سبب نزول الآية، ولم نتعرض لنقد أسانيد الروايات، حيث لا أثر لذلك في الدلالة، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

جاءت هذه الآية عقب آية الكرسي، وتضمنت تقرير أصول الدين وإيضاح قواعد التصوّر الإيماني، وبيان صفة الله وعلاقة الخلق به، مِمّا يؤذن بأنَّ من حق العاقل أن لا يحتاج إلى التكليف والإلزام، بل يختار الدين الحق من غير تردد، فبيّن قوله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ طريق المؤمنين وهم يحملون تصورهم الاعتقادي والإيماني إلى غيرهم عن طريق الدعوة([28]). وإذا كانت آية الكرسي في تنزيه الله تعالى فإنَّ آية لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ في تنزيه الإنسان من الاضطهاد والإستعباد والخضوع لغير الله([29]).

هذا، وقد سبق آية الكرسي ذكر اختلاف الأمم، وأنه لو شاء الله لأكرههم على الدين، ثم بيّن تعالى دين الحق والتوحيد، وعقّبه بأنّ الحق قد ظهر وأنَّ العبد قد خُيّر فلا إكراه([30]).

هذه الآية تترك الحرية في اختيار الدين، ولا ترى إكراههم على الإسلام. ومن جانب آخر، فإن عدم الإكراه على الإسلام ابتداءً يفيد عدم الإكراه للاستمرار عليه، ولا شك أنه لا خير فيمن يظل مُؤمناً بدينه على خوف أو على إكراه، فمن أراد تغيير دينه حراً مختاراً فإن دينه يُراد منه، لن يخسر بفقدانه شيئاً، بل الخسارة في بقائه ملحداً به في الباطن، وهو في الظاهر يدّعي الإيمان([31]). والآية بيان لما قد يتبادر في الآية 244 من سورة البقرة: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إذ يبدو للسامع أنَّ القتال لأجل دخول العدو في الإسلام، فَبّين في هذه الآية أنه لا إكراه على الدخول في الإسلام([32]).

والإكراه لغةً: إلزام الغير فعلاً لا يرى فيه خيراً يحمله عليه، أو هو الإجبار على الفعل من غير رضى، أو الحمل على فعل مكروه، ويكون بتخويف فعل ما هو أشد كراهية من الفعل المدعو إليه([33]). والإكراه لا يقف عند حد الضغط المادي، فقد يكون معنوياً من خلال استغلال ظروف سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية([34]).

والدّين لغة: بمعنى الجزاء، إذ أصله من دان بمعنى خضع، ويغلب استعماله فيما يعتقده الإنسان ويعمل به. والمعنى الأخير هو المقصود من الآية بقرينة قوله: قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فيطلق الدين على الملة والمعتقد، كما يطلق على الإيمان والكفر([35])، ويشتمل الدين على اعتقادات وعواطف وأخلاق وسلوكيات وتشريعات؛ فإذا نظرنا إلى قوله: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ على أنه قضية إخبارية حاكية عن حال التكوين، فإنه ينتج حكماً دينياً بنفي الإكراه في الدين والاعتقاد، وإن لم تكن صيغة إنشائية، يشهد لذلك ما عقّبه من قوله: قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ([36]).

 

2ـ آية استنكار الإكراه، بناء وجودي لظاهرة الإيمان

النص الثاني: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (يونس: 99).

هذه الآية هي أول آية صريحة تنزل على النبي تنفي الإكراه في الدين، وقد أعقبت آيات سابقة تؤكد طبيعة دعوة النبي وعلاقته بهم، وأن لا سلطة له عليهم، لكن سعيه وتفانيه في سبيل إرشاد الناس سيطر عليه وعلى عاطفته، فأنزل الله هذه الآية بأسلوب تربوي فيه الإقناع المشوب بالعتاب([37])، وكان في نزول هذه الآية تسلية النبي وترويحاً لما كان يحمله من هم، ولما يضيق به صدره من طلب صلاح الكل الذي لو كان بالإكراه لم يكن صلاحاً محققاً بل كان إلى الفساد أقرب([38]).

يقرر الله سبحانه في هذه الآية متعلق مشيئته بايمان الناس، وأنه مرتبط بإرادتهم ولذلك خلقهم أحراراً غير مجبرين، ولو أراد إجبارهم عليه لخلقهم طائعين كالملائكة لا استعداد عندهم لغير الإيمان، لكنّ الله لم يشأ ذلك لأنه ينافي الحكمة التي بُني عليها أساس التكوين والتشريع في ابتلاء الناس وتركهم أحراراً في اختيارهم([39]). وإذا كان الأمر كذلك؛ فلا ينبغي لك (يا محمد) أن تجتهد في طلب إيمانهم حتى تكون كأنك تكرههم عليه؛ لأنك لا تقدر على إكراههم وإجبارهم على الإيمان، إذ الإيمان الذي تريده منهم هو ما كان عن حسن اختيار لا ما كان عن إكراه أو إجبار([40]).

والهمزة في قوله: <أفأنت> للإنكار، فنُزِّل النبي ـ لحرصه على إيمان قومه ـ منزلة من يحاول إكراههم على الإيمان حتى رتب على ذلك التنزيل إنكاره عليه([41])، وتقديم الضمير على الفعل للدلالة على أنَّ خلاف المشيئة مستحيل([42])، والإنكار مرتبط بما هو خلاف المشيئة حسبما ينُبئ عنه حرف الامتناع، والفاء للعطف على مقدّر ينسحب عليه الكلام، كأنّهُ قيل: ربك لا يشاء ذلك؛ فأنت تكرههم([43]).

ويتضح من الآية أنها تدل على ما دلّت عليه آية: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، وتزيد عليها هنا بعلّة أخرى لعدم الإكراه في الدين وهي: إرادة الله أن يكون الناس مختلفين، وهذا يؤكد عدم نسخ منع الإكراه في الدين، باعتبار أنّ هذه العلّة لا تقبل النسخ. إذن الإسلام لا يُكره أحداً على الدخول فيه، ولا على الخروج من دينه إلى دين ما، لأن الإيمان المعتمد به هو ما كان عن اختيار وإقناع([44]).

 

3ـ آية استنكار الإلزام مع الكراهة

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ  (هود: 28).

تتضمن الآية استنكار نوح إمكانية إكراه قومه على قبول دعوته التي لم يقتنعوا بها، وفيها دلالة واضحة على أنه لا مجال للقوة والإكراه في الدعوة والعلاقة بين الرسول وقومه، بل إنَّ مجرد التفكير في أسلوب الإكراه يعتبر تفكيراً غير سليم، إذ إنّ الإيمان لا يصح مع الكراهة([45]). والاستفهام في قوله «أنلزمكموها» إنكاري، أي ما كان لنا ذلك؛ لأنّ الله نهى عن الإكراه في الدين([46]). والملاحظ من تتبع التفاسير أن هذه هي الآية الوحيدة من الآيات الدالة على حرية الاعتقاد لم يُدَّعَ فيها النسخ… ([47]).

 

4ـ آية التخيير بين الإيمان والكفر

قال تعالى: وَ قُل‌ِ الْحَق‌ُّ مِنْ‌ رَبِّكُم‌ْ فَمَنْ‌ شَاءَ فَلْيُوْمِنْ‌ وَ مَنْ‌ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (الكهف: 29).

تأتي هذه الآية معطوفة على قوله: واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ضمن تعداد مهام الرسول تجاه مواقف الكفار المعاندين، فتعطي الرسول مزيداً من الطمأنينة للمبدأ والعِزّة به، وترشده على دينه (كفره) حراً مختاراً، لن يخسر بفقدانه شيئاً، بل الخسارة في بقائه على دينه (كفره) ([48]). فليس ينفعنا إيمان المؤمن ولا يضرّنا كفر الكافر.

 

5ـ آية إطلاق عبادة غير الله

قال سبحانه: قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِینِی * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ (الزمر: 14 ـ 15).

تأتي هذه الآية في سياق الحديث عن حوار الرسول مع قومه، وتحديد موقفه من الإله الذي يستحق العبادة، ليبين لهم أنه لا يُعبد إلاّ الله وحده، أمّا هم فليعبدوا ما شاءوا من دونه من أصنام و غيرها، وبيّنَ لهم عاقبة المصير الذي يختارونه من سبيل([49]). ويفيد الأمر: «فاعبدوا» معنى التخلية أو التسوية، وهي هنا كناية عن قلة الاكتراث بفعل المخاطب، وأنَّ الله غير مبالٍ به وأنه لا يضره عبادة غيره([50]).

 

6ـ سورة الكافرون وإعلان الثنائية

قُلْ یَا أَیُّهَا الْکَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَکُمْ دِینُکُمْ وَلِیَ دِینِ (الكافرون: 1 ـ 6).

إنَّ توحيد العقائد والمذاهب والأديان مستحيل. ومن الخير الاعتراف بتعدد المشارب والنزعات، ومواجهة ذلك بالحكمة والوعي. وقد أجمع المحققون على أنّ الإسلام ما يقاتل إلاّ منعاً للفتنة وّرداً للعدوان. وكل قتال للإكراه على عقيدة، فهو من نزغ الشيطان وجبروت السلاطين، ولا نتيجة له إلاّ المزيد من الأحقاد… فلنعترف بتعدد الأديان، ولندع للجدال الحسن والحوار الهادئ أن يمتد وتُعقد مجالسه([51]). وإذا كنا نريد أن نتكلم عن عقوبة المرتد (وحرية الاعتقاد) في الإسلام، تواجهنا أكثر من إشكالية، ومنها إشكالية الجبر والاختيار([52]).

 

الردّة في القرآن

لم يتعرض معظم المفسرين لربط الردّة بآيات حرية الاعتقاد إلاّ نادراً، ولم يحصل هذا النادر إلاّ في آية: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِين فنجد إشارةً عند الطبري بترجيحه القول بتخصيص آية <لا إكراه في الدين>، حيث استدل على التخصيص بإكراه المرتد عن دينه([53])، كما نجد إشارة محتملة عند ابن حيان في تفسيره، حيث يقول: <وقيل: لا يُكره على الإسلام من خرج إلى غيره>([54]).

ونعرض فيما يلي، الآيات التي ورد فيها لفظ الردّة أو ما يدلُّ على معناها، وإليكم هذه الآيات:

1ـ    وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا (البقرة: 109).

2 ـ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ (البقرة: 217).

3 ـ ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (آل عمران: 149).

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (آل عمران / 100).

5 ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (المائدة : 54).

6 ـ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ (محمد : 25).

وجاء التعبير القرآني عن الرّدة بأسلوب آخر، كالكفر بعد الإيمان أو التحريض عليه([55]).

 

السياق التاريخي لظاهرة الارتداد في إطار مفهوم الدولة

كان أساس الدولة في العصور الوسطى يخالف أساس الدولة في العصر الحديث؛ ففي تلك العصور لم تكن فكرة الدولة في ذاتها واضحة ومحددة، وكان الدين هو أساس الدولة، كما كان التدين هو الجنسية وهو المواطنة. ففي الشرق الأدنى كان الإسلام هو الدولة، وفي أوروبا كانت المسيحية، وكان المسلم مواطناً في أي مجتمع إسلامي وعضواً في كل جماعة مسلمة، كما كان المسيحي كذلك في المجتمع المسيحي والجماعات المسيحية، وكانت الأقليات الدينية في كل جماعة تتمتع بحماية الأغلبية([56]).

في هذا المفهوم، فإن الخروج من الدين يقارب معنى اقتراف جريمة الخيانة، لأن الشخص حين يترك دينه إنما ينضم إلى دين الأعداء، وهو دولتهم([57]).

 

وقفات تحليلية لنصوص الردّة في الكتاب

1 ـ ردّة المؤمنين عن دينهم هدف أساس للكفار وأهل الكتاب، وتعبر عن ذلك حالة الأُمنية المبنية على الحسد.

2 ـ ردُّ المؤمنين عن دينهم هو هدف للمنافقين أيضاً، الذين وصفهم القرآن بأنهم قالوا كلمة الكفر، وكفروا بعد إسلامهم.

3 ـ إنّ الذين يكفرون بعد إيمانهم هم صنف من الناس معلومٌ في المجتمع، وقد تحدّث القرآن عنهم وعن مصيرهم، واستثنى الذين يتوبون، وبيّن أن منهم طائفة يستمرون على الكفر ويزدادون كفراً.

4 ـ تمثل موقف القرآن من الردّة والكفر بعد الإيمان بما يلي:

أـ أمر المؤمنين بالعفو والصفح عقب بيان رغبة أهل الكتاب ردَّ المؤمنين عن دينهم، وإرشاد الرسول إلى عدم المبالاة بمحاولة طائفة من أهل الكتاب تشكيك المؤمنين عن طريق الردة، وذلك بأمر الرسول بيان أن الهدى هدى الله، وأنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.

ب ـ إرشاد المؤمنين إلى البعد عن طاعة وموالاة الكافرين والمنافقين، وتهديد المؤّمنين باستبدالهم بخير منهم في حال ردّتهم عن دينهم.

ج ـ بيان جزاء المرتدين عن الدين والكافرين بعد الإيمان، والمتمثل بحبط العمل في الدنيا والآخرة، واستبعاد الهداية عنهم باعتبارهم من الظالمين.

د ـ الترغيب بالتوبة من الردة.

هـ ـ رفع الغضب والعذاب عمن يكفر بعد إيمانه مكرهاً ما دام قلبه مطمئناً بالإيمان.

ونلاحظ من خلال الأسس التي استخلصناها من الآيات أنها لم تنص على عقوبة دنيوية مادية جزاءً للردة والكفر بعد الإيمان، وهذا ينسجم مع ما قدمناه من عموم قول القرآن: لَا إِكْرَاهَ فِي الدين و فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ([58]).

 

نظرية قتل المرتد، وقفة نقدية مع المستند القرآني

استشهد كثير من الفقهاء والمفسرين ببعض آيات الارتداد عند بحثهم في هذا الموضوع، فقد أورد ذلك الإمام الشافعي في كتابه (الأم) في باب الارتداد الآية 39 من سورة الأنفال، والآية 5 من سورة التوبة، والآية 217 من سورة البقرة: وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ. والآية 65 من سورة الزمر. وذكر الشيخ الطوسي أيضاً في بداية بحث الارتداد الآية 5 من سورة المائدة. والآية 137 من سورة النساء، والآية 217 من سورة البقرة.

ويستدل السيد ليث الحيدري في كتابه «الارتداد وحقوق الإنسان» بعد إثبات قتل المرتد من خلال القرآن الكريم بالآية 25 من سورة محمد: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ هذا التوبيخ والإنكار على المرتدين مقيّد بكونهم «تبين لهم الهدى» وتعرّفوا على حقيقة الإسلام، وتوضح لهم صحة سبيله، وبعبارة أخرى قد قامت الحجة عليهم. وهذا القيد وإن لم يرد في مقام بيان الحكم الفقهي والقانوني للمرتد، إلاّ أنّ هذا الإنكار والوعيد القرآني للمرتد المذكور مع هذا القيد يمكن أن يساعد على فهم خصوصيات الحكم عند استنباطه من مصادره الشرعية([59]).

واستدل ابن عاشور في تفسيره على عقوبة القتل للمرتد من القرآن فقال: «وقد أشار العطف في قوله: «فيمُت»([60]) بالفاء المفيدة للتعقيب إلى أنَّ الموت يعقبُ الارتداد، وقد علم كلُّ أحدٍ أنّ معظم المرتدين لا تحضر آجالهم عقب الارتداد، فيلمّ السامع حينئذٍ أنَّ المرتد يعاقب بالموت عقوبة شرعية، فتكون الآية بها دليلاً على وجوب قتل المرتد»([61]).

وقد استدل بعضٌ بالآية نفسها قائلاً: والآية ساكتة عن مسألة قبول التوبة الظاهرية وعدمها، فالآيات الشريفة ذكرت العذاب الأخروي الذي ينتظر المرتد عن دينه، واستثنت التائبين، ولكنّها لم تذكر العذاب والعقوبات الدنيوية، فلم يُستثنَ التائبون منها([62]).

ونجد عند التأمل في هذا الاستدلال أنه غير دقيق:

أولاً: بالالتفات إلى شأن نزول الآية، حيث دار القتال في الشهر الحرام من دون إذن النبي، حيث وجّه رسول الله ‘ عبدالله بن جحش قائداً على سرية، وطلب منه أن يفتح كتابه في منطقة محدّدة عيّنها له، ويعمل بما فيه، فحين وصل ابن جحش إلى المكان المطلوب فضّ كتاب النبي، وقد أمره فيه أن يتحرّك نحو أطراف مكة، لكن من دون أن يجبر مَنْ معه على أداء هذه المهمة، بل من شاء تحرّك معه، ومن لم يرغب قفل راجعاً، أعلن عبدالله لأفراد سريّته أنَّ من وطّن نفسه على الشهادة فليمض معه، فتبعه أفراد سريّته ولم يتخلّف منهم سوى سعد بن أبي وقّاص، وربيعة، اللذان اختارا الرجوع من بين المجموع([63]).

يقول السيوطي في الدر المنثور: «عندما التقى عبدالله بن جحش بسريّته قاتله المشركون فهاجم القافلة وخرج من المعركة بقدر محدود من الغنائم، وأسيران عاد بهما إلى المدينة، وقد كان ذلك في الشهر الحرام، الأمر الذي أثار المشركين الذين بدأوا بطعن المسلمين بأنهم انتهكوا حرمة الشهر الحرام، وعندها سأل المسلمون النبي عن القتال في هذا الشهر، فنزلت الآية الكريمة:يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  (البقرة: 217).

بالالتفات إلى شأن نزول الآية حيث دار القتال في الشهر الحرام، من دون إذن النبي، يظهر أن العائدان وإن عادا، إلاّ أنه ليس من الثابت أن ذيل الآية الذي يتحدّث عن الارتداد يرتبط بعودة هذين الصحابيين وتركهما للجهاد، ومردّ ذلك أن عبدالله بن جحش خيّر مَنْ معه بين الرجوع إلى المدينة، والمسير معه بأمر رسول الله، كما جاء ذلك، فاختارت جماعة المسير معه في حين قرّر الصحابيان العودة. أجل إنَّ هدف المشركين من حربهم للمسلمين هو ردّ المسلمين عن دينهم، وقد جاءت الآية تذمّ هذا الارتداد من أيّ طريق حصلَ. ومع ذلك فليس للآية ظهور في الارتداد الذي يكون منشؤه ترك الجهاد، حتى مع الأخذ بنظر الاعتبار شأن نزولها([64]).

وهذه الأمثلة وغيرها كثير، تكشف عن أن الارتداد الذي كان يحصل في عصر النبي وبعده بقليل كان ارتداداً سياسياً أو مصلحياً، ولم يكن مبنياً على موقف فكري واضح، وهذا هو ما يتحدّث عنه القرآن في عدد من آياته، والملاحظ أن آيات القرآن، تكتفي بالتهديد بعذاب الآخرة، ولا تثبت عقوبة دنيويّة للمرتد، ولا صلة لها بالارتداد الفكري والعقيدي([65]).

ثانياً: حمل الآية على المجاز من غير ضرورة، حيث رأى ـ ابن عاشور وغيره ـ أن التعقيب بالفاء لا يمكن أن يكون حقيقة بدليل الواقع، فحمله على المجاز على أنه إشارة إلى التعقيب بتنفيذ حكم شرعي هو القتل، وهذا مسلك غير دقيق لأن:

أ ـ ليس هناك اتفاق بين اللغويين والأصوليين على أنَّ الفاء العاطفة تفيد معنى التعقيب مع الترتيب دائماً، وإنّما يذهب كثير من اللغويين والأصوليين إلى أنها تأتي بمعنى (ثمَّ) للترتيب والترقي نحو: وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَىٰ*فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَىٰ (الأعلى: 4 ـ 5).

ب ـ على مذهب القائلين بأن الفاء تفيد التعقيب دائماً بدون تراخ، فإنهم يرون أنَّ التعقيب يكون بسحب المعقِّب به، أي أنّ الفاصل الزمني الذي لابدّ منه بين المتعاطفين بحكم العرف أو السُنّة الإلهية لا يُعَدَّ تراخياً يخدش في معنى التعقيب، ولهذا يرى هؤلاء في مثل هذه الآية:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ

أنَّ التعقيب بالاخضرار حاصل، لكن ضمن السُنّة في نمو الزرع بين نزول المطر واخضراره([66]). إذن فلسنا بحاجة إلى اللجوء إلى المجاز، إذ الحقيقة ممكنة على اختلاف الأقوال في الفاء:

1 ـ إمّا بحملها على إفادة الترتيب فقط.

2 ـ أو اعتبارها بمعنى (ثمّ) في إفادة الترتيب والتراخي.

3 ـ أو اعتبار أن التعقيب فيها بحسب سُنّة الموت المعتاد بعد الهرم وانتهاء الأجل، دون أيِّ خروج على اللغة أو قواعد الأصول، لأنّ الاعتماد على الحقيقة ولا يُصار إلى المجاز إلاّ إذا استحالت([67]).

 

الارتداد في حوار بين الفقيه والمثقف، المنتظري وسروش

عندما تقدم أحد الأخوة بالسؤال من سماحة الشيخ حسين علي المنتظري (فقيه) حول بعض الأحكام الفقهية من قبيل: الجهاد الابتدائي، الارتداد و… وأن هذه الأحكام ألا تدل على نوع من الخشونة الدينية؟ أجاب سماحته ـ إجمالاًـ عن هذا السؤال (الارتداد)، وانطلق في تبريره للأحكام المذكورة من موقع إلفات النظر إلى اختلاف الفتاوى وقاعدة التزاحم في الأحكام الإسلامية، محاولاً سماحته إقناع القارئ بأن هذه الأحكام لا تدخل في إطار مفهوم الخشونة والعنف([68])، وبعد أن أجاب بهذا الجواب في مقالة خاصة، انبرى الدكتور عبدالكريم سروش (مثقف) وطرح أسئلة أخرى بعنوان <الفقه في الميزان> من خلال رؤية أخرى ابستمولوجية (Epistemology).

ذكر الشيخ المنتظري في تبرير حكم قتل المرتد: <إن الإنسان المسلم العريق في الإسلام إذا ارتد علناً وأخذ يشكك في مقدسات الدين، فحاله حال الغدة السرطانية أو السنّ المسوس التي يمكن أن تسري إلى سائر أعضاء المجتمع السالم>. ثم علل ذلك: <إن التجاهر بالارتداد والفسق والفحشاء وهتك مقدسات الناس وتضييع حقوقهم وتلويث محيط المجتمع السالم، ممنوع بحكم العقل والشرع>.

وناقشه سروش بأنه يريد بهذا البيان أن يلفت نظر القارئ إلى أن التجاهر بالارتداد هو من نوع تضييع حقوق الناس، فبالاستعانة بهذا المفهوم المهم والجديد <حقوق الإنسان> يتصدى (الفقيه) لمواجهة الارتداد والدفاع عن حكمه الشرعي؛ ليجعله أمراً مقبولاً لدى العقلاء.

وهنا أولاً: ان التمثيل الذي ذكره الشيخ للمرتد في كلامه هذا غير سديد، ويضعف من قوة استدلاله على المطلوب، فعندما نشبّه المرتد بالغدة السرطانية أو السنّ المسوس وأمثال ذلك، فإن هذا بإمكانه أن يعين الحكم الذي سوف نصدره على المرتد، والتمثيل كما يقول المناطقة غير حجة، لأننا بمجرد تغيير المثال سنحصل على حكم آخر ونتيجة أخرى. فلو شبهنا المجتمع الإسلامي بحديقة من أشجار العنب، ولكن كانت هناك شجرة رمان واحدة في هذه الحديقة، ففي هذه الصورة هل نحكم على المرتد بوجوب قتله أو نفيه من البلد؟

ثانياً: إن هذا التمثيل أو التشبيه يبعد عن نظرنا أمرين مهمين في دائرة الحقوق والقيم الإنسانية: أ ـ حق الإنسان المرتد. ب ـ كيفية عمل الجهاز الإدراكي لدى الإنسان.

عندما نقول: إن الكفر أو الارتداد هو ظاهرة مرضية لا أكثر، ونريد بحث هذه المسألة من زاوية حقوق الإنسان أو من زاوية معرفية وعقلانية، فلا ينبغي أن ننطلق على مستوى تمثيل الارتداد بالغدة السرطانية أو تلويث البيئة الاجتماعية وتضييع حقوق الناس. والمقالة المذكورة تلغي حق الإنسان في اختيار العقيدة، وتنكر دور العقل البشري في تشخيص الحقيقة واكتشافها، هذه الذهنية السلبية عن حقوق الإنسان والعقل البشري أفضت إلى الانحراف في المنهج النظري لعلاج ظاهرة الارتداد. والسؤال هو: إن الشخص الذي يتمتع بحق اختيار الدين <كما يصرح الشيخ بأن الدين لا يقبل الإكراه> ماذا لا يحق له ترك دين معين؟ هل يُسلب منه هذا الحق بعد اختياره للدين؟ ألا يطلب المسلمون من غير المسلمين أن يتركوا دينهم ويعتنقوا الإسلام، فلماذا حرّم هذا الأمر على المسلمين أنفسهم؟ هل أن الكافر الذي اعتنق الإسلام يشبه الغدة السرطانية أم أنه فاز بالنجاة والسعادة الأبديّة؟

ويجيب الفقيه المنتظري بأن الإنسان المسلم العريق الإسلام إذا أعلن عن ارتداده فإن ذلك يحكي نوعاً ما عن مؤامرة سياسية ضد الإسلام والمجتمع الإسلامي، فهو في الحقيقة محارب للمسلمين…

ويرد سروش بأن هذا الكلام ليس سوى تبرير لحكم قتل المرتد، من البعيد أن يرى الفقهاء ومنهم سماحة الشيخ في فتواهم هذه العلة لهذا الحكم وهو المحاربة، لا تغيير العقيدة والدين، وكذلك من البعيد أن يفتي الفقهاء بأنه إذا كان الارتداد يحكي عن مؤامرة سياسية فإنه يستوجب القتل وإلاّ فلا، إن الفقهاء بصورة عامة يرون أنَّ عنوان الارتداد بذاته يستوجب حكم القتل بلا حاجة لضم عنوان آخر إليه.

ويعلّق الفقيه بأن اهتمامنا بأمر الحق والحقيقة وترشيد مسار الإنسانية يستوجب التصدي للباطل وأهله، ومكافحة الأفكار المنحرفة وقلعها من جذورها في صورة الإمكان.

ويناقشه المثقف بأن هذا التبرير لقتل المرتد بدوره ضعيف أيضاً:

أولاً: إن نفس الارتداد في رأي الفقهاء يستوجب القتل، سواء أدى إلى اتساع رقعة الباطل أم لا؟

ثانياً: يجب أن نتساءل عن حقيقة هذه المقولة: وهي هل أن أفضل طريق للتصدي إلى الباطل ومنع اتساعه وامتداده في مفاصل المجتمع هو قتل الحاملين للأفكار الباطلة؟ وهل قتل المرتد هو عبارة عن آخر حل للمسألة، بل إنهم يفتون بأن الإنسان بمجرد إحراز ارتداده فإن حكمه القتل، ولا يُقبل منه التوبة فيما لو كان مرتداً فطرياً،على رأي الإمامية .

ثالثاً: نعم، إنّ <حفظ العقيدة> هو أحد حقوق الناس، وكذلك أحد مقاصد الشريعة أيضاً. ولكن هذا الحق ليس هو الحق الوحيد المحترم للناس، بل هناك حقوق أخرى من قبيل حرية اختيار العقيدة، وحرية البحث عن الحق من موقع التجرد الذهني والإنصاف الوجداني. والحق الآخر هو حفظ أرواح الناس وسمعتهم وشرفهم. والآخر من هذه الحقوق هو حفظ حريتهم في مقام كشف الحقيقة وبيانها، وأن لا يتعرض الإنسان السالك في طريق البحث عن الحقيقة إلى الأذى والعدوان.

يقول الفقيه: يجب تحجيم عمل بعض الفئات المناوئة والمرتدة، لئلا تسري عقائدهم وأخلاقهم السيئة إلى مفاصل المجتمع الإسلامي، وهذا الأمر، أي تحجيم عمل القوى المعادية، هو من الأمور الرائجة في سياسة عالم اليوم.

ويقول المثقف: بالنسبة إلى قتل المرتد يرى الشيخ المنتظري أن ارتداد الشخص قد يستوحي مقدماته من أجواء معادية تحكي عن مؤامرة سياسية ضد الإسلام والمجتمع الإسلامي، وهو في الحقيقة محارب للمسلمين وهناك أصلان في هذا الموضوع:

الأول: أنّ الإنسان له الحق في أن تكون له رؤية دينية وآراء ونظريات في مجال العقيدة متفاوتة مع الآخرين ومختلفة عن آراء أرباب السلطة.

الثاني: إنّ الاستفادة من هذا الحق لا تعني زوال حرمة ماله ونفسه وإهدار دمه. فهذان الأصلان من الأصول المقبولة والمعتبرة في العقلانية الجديدة.

وبتقديري إن الشيخ أشار تلويحاً في تبريره لحكم قتل المرتد إلى هذين الأصلين. فهو لم يذكر بصراحة أن مجرد تغيير العقيدة يكفي لإهدار دم الإنسان وسقوط حرمته وشخصيته، بل أراد أن يقول: إن الشخص المرتد بسبب إضراره بالآخرين هو بحكم الغدة السرطانية ويعتبر محارباً ومتآمراً على المجتمع الإسلامي ومصالح الأمة فيكون مشمولاً بحكم القتل هذا. وهل أن الإنسان يخرج عن دائرة الإنسانية بسبب تغيير العقيدة أم لا؟ هل الحقوق الإنسانية والامتيازات الاجتماعية للإنسان تتعلق به بسبب العقيدة، أو أنّها ذاتية له؟ وهل أنّ الحق والباطل في دائرة الأديان جليان إلى هذه الدرجة، وأنهما كالشمس في رابعة النهار لجميع أفراد البشر؟ فإذا اعتقد المسلمون بأن لهم الحق في دعوة الآخرين إلى الإسلام، وأحياناً بوسيلة الجهاد الابتدائي، فالآخرون لهم مثل هذا الحق أيضاً. ألا يمكن القول بأنّ الأحكام الشرعية من قبيل الأحكام المتعلقة بالكفار والمرتدين متعلقة بمرحلة التأسيس، أي المرحلة التي كان يعيش الإسلام فيها حالة استثنائية وثورية، وما يلازم ذلك من تحديات صعبة، وأن مرحلة الاستقرار تتطلب حكماً واجتهاداً من نمط آخر؟ فلو كنا نتعامل مع الأحكام الشرعية من خلال هذه الرؤية، ألا يفضي ذلك إلى تحول كبير وأساسي في الأحكام الفقهية؟([69])

إذن، مسألة الردة تستحق إعادة النظر فيها في ضوء الكتاب والسنة، و أدلة تطبيق حد الردة ليست صريحة في وجوب القتل والإعدام. ولا مناص لنا من أن نقرّ بأن الأجواء التي توارثته بهذه الحدة لم تسمح بالمراجعة، لكونها أجواء مشحونة بالعداء الطائفي، وقد جرّ ذلك إلى شمول هذه العقوبة (الارتداد).

يقول الدكتور عبدالمجيد الشرفي: <القرآن خلو من الإشارة ولو من بعيد إلى أي عقاب دنيوي يسلّط على المرتد، وإنّما نصّ على جزاء أخروي ليس لأحدٍ من البشر أن يتولاّه. والغريب رغم ذلك أنّ عديد المسلمين، بمن فيهم المحسوبون على العلماء، يظنّون أنه من الأوامر الدينية لمجرّد ورود حديث ضعيف في شأنه: <من بدّل دينه فاقتلوه>، واستناداً إلى سلوك أبي بكر في قتاله لمن وُصفوا بـ <أهل الردة>. والغريب كذلك أن تغلّب مقتضيات إلاجماع بحسب الأنماط القديمة على مبدأ الحرية الدينية الأساسي، الذي جاءت به الرسالة المحمديّة، والذي لا يحتمل أيّ شذوذ أو احتراز، فيخاف إن لم يُسلّط على المرتد <حد> القتل أن يوهم ذلك ضعاف النفوس بأن الذي خرج عن الإسلام قد جرّبه، ورأى أنه غير صالح، فينسلخون منه مثله، ويقلّ بذلك عدد المسلمين! وكأنَّ العبرة بظاهر الأعمال لا بالاقتناع والإيمان عن طواعية واختيار>([70])..في حين لا نعرف في تاريخ صدر الإسلام واقعة شهدت إقامة حد الارتداد على إنسان([71]). وليس من الثابت أيضاً ادّعاء ورود الردة في الحديث النبوي الشريف. ولنذكّر أولاً بأن الحديث: <من بدّل دينه فاقتلوه> هو حديث آحاد وغير متواتر، فلا يجوز تأسيس الحد عليه، ونرى ثانياً أن هذه الحجة مردودة لسبب بسيط وقاطع؛ هو تعارض الحديث المذكور مع ما جاء في القرآن، الكريم أن: لَإِكْرَاهَ فِي الدِين وكذلك: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وأيضاً الآية الكريمة 29 في سورة الكهف التي تقول: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ([72]).

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي: <إن السنة لم يرد فيها حديث واحد عن عقوبة المرتد، بل عدد من الأحاديث عن عدد من أصحاب رسول الله>([73]).

إذن لم يضع القرآن حداً لمن يرتد عن دينه، تاركاً حسابه على الله مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكٌمْ عَنْ دِينِهِ فهذا المرتد الذي يموت على ارتداده وهو كافر سيحبط الله عمله، ولم يأمر النبي بقتله، كما أنّ الآية تتحدّث عن مرتد حي باقٍ على ارتداده دون أن يتعرّض لمكروه، ناهيك عن القتل. والقتل في القرآن محرم تحريماً كاملاً، إلاّ في القصاص فقط([74]).

 

بين الارتداد والنفاق، أزمة بناء الشخصية المزدوجة

يُشبه ابن خلدون النفس الإنسانية بصحيفة بيضاء تنطبع بما يسبق إليها من عوائد المجتمع فيقول: <إن النفس إذا كانت على الفطرة الأولى، كانت متهيئة بقبول مالها وعليها، وينطبع فيها من خير أو شر… وبقدر ما سبق إليها من أحد الخلقين تبعد عن الآخر>([75]).

في القيمة الروحية، ما الفائدة لسلوك غير صادر عن انضباط واقتناع واعتقاد؟ أليس إظهار خلاف المعتقَد هو النفاق؟ هل يجدر بنا أن نشجع النفاق، وهل هذا هو تخطيط الإسلام للحياة الدينية؟ فالخداع ومركب النقص([76]) غير مرغوب في دين الإسلام، والله يأبى ذلك. كما أنّ من تمام حرية الإنسان في العقيدة أنّ له إذا اعتقد في شيء أن يرجع عن اعتقاده، فالإنسان ـ أيّاً كان معتقده ـ عاجز عن الإحاطة بالحق الكامل. لذلك يرى الدكتور محمد عمارة أن الآيات القرآنية تتحدّث عن ردة النفاق والمنافقين، وأنها ردّة ذاتية وسريّة غير معلنة، ولهذا السبب لم يتضمن النص القرآني عقوبة دنيوية للردة([77]).

خاتمة واستخلاص

إنَّ ما قدّمناه في دراستنا لآية: لَا إِكرَاهَ فِي الدِين والآيات المؤصلة لحرية الاعتقاد، ولموضوع الردة كما عرض له القرآن، يؤكد لنا عموم النهي عن الإكراه في الدين بما يشمل المرتد الذي يكفر بعد الإسلام. إذ لا يمكن لدين يرفع شعار (لا إكراه في الدين) مرّات عديدة ويقرر أن الله أمر نبيّه الكريم أن لا يستخدم وسائل الجبر والإكراه في دعوته السماوية، ومع ذلك فإنه من أجل إبقاء أتباعه على دينه يستخدم أدوات العنف والجبر. وببيان آخر: كيف يمكن أن يكون الدخول إلى الدين اختيارياً، ولكن البقاء فيه إجباري؟ كيف يمكن لدين يدّعي أنه دين الرحمة، ولكنه مع ذلك يحكم بقتل أبناء المسلمين الذين شككوا في بعض مبادئه، لا من موقع العناد بل من موقع الإطلاع على الأفكار والأديان الأخرى؟

وبشكل عام يمكن القول: أنّ المسلم إذا أنكر الدين من خلال المطالعة والبحث؛ فإنه لا يعد مرتداً، لأنه لم يقبل الإسلام ابتداءً من موقع التحقيق والاختيار الحر حتى يخرج منه كذلك. ولهذا السبب فارتداده لا يؤثر في اعتقاد الناس بالإسلام، بل على العكس من ذلك فإنَّ إعدامه قد يؤثر سلبياً على اعتقاد الناس في الدين، حيث يتصورون أن الإسلام يجبر الناس على اعتناقه. وإذا كان المرتد يستحق الإعدام فاللازم ذكر هذاالحكم في القرآن بالتفصيل، حيث لم يأت القرآن الكريم بحكم جزائي في ما يسمى <الردة>، وهي لم ترد في الكتاب العزيز كحد، في المعنى الدقيق للكلمة، أو <كجريمة> بالمعنى القانوني الدقيق([78]).

وهنا سؤال يطرح نفسه: لِمَ فرضت العقوبة على المرتد، ولم تفرض على الكافر المشرك الأصليين، مع أن الجميع كفرَ، بحسب رأي المذاهب الإسلامية؟! وعلى فرض أننا أعلنّا أنّ كل مسلم يرجع عن دينه ويصبح مسيحياً أو بوذيّاً مثلاً فحكمه القتل، وفي اليوم التالي قرر المسيحيون تشريع مثل هذا القانون في حق أتباع الديانة المسيحية؛ فقالوا بأن كل مسيحي يصير مسلماً فإنَّ حكمه القتل، وهكذا أتباع الديانة اليهودية والأديان الأخرى أيضاً. فماذا ستكون النتيجة على مستوى الروابط الاجتماعية والحروب النفسية بين أتباع الديانات المختلفة؟! وكيف يمكننا تشخيص هذه الحقيقة، وهي أن أتباع الإسلام قد اعتنقوا الدين الإسلامي عن وعي واختيار تام لا عن خوف من القتل أو تقليد أعمى للآباء والأجداد؟ هل أن هذه الحالة أفضل أم أن نترك اختيار الدين للناس؟ هل يمكن سلوك طريق الكمال من خلال أدوات الجبر والإكراه؟ ألم تكن رسالة رب العالمين قد جعلت الإنسان أخاً للإنسان مهما اختلفت الأنظار والآراء؟ فإذا لم يكن الأمر كذلك فلماذا نرى أن القرآن، لم يقبل بنفسه هذا المنهج وقال: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (يونس: 99).

وعليه، فالردة في الإسلام لا توجب قتل المرتد، وإنّما يترتب عليها حرام يقع فيه هذا الذي كفر، وهو اتجاه تدعمه الآيات القرآنية المؤصلة لحرية الاعتقاد، ويؤيد ما اتجهنا إليه الشرط الذي وافق عليه النبي في صلح الحديبية؛ من أنه إذا أسلم مشرك يعاد إلى قريش، وإذا ارتدَّ مسلم لا يعاد إلى المسلمين([79]).

 

 

الهوامش

 

(*) باحث في الحوزة العلمية، من العراق.

([1]) الدكتور تيسير خميس العمر، حرية الاعتقاد في ظل الإسلام: 31، دار الفكر ـ دمشق، دار الفكر المعاصر ـ بيروت، 1998م.

([2]) للمزيد حول هذا الموضوع راجع: رشاد سلام، تطبيق الشريعة بين القبول والرفض: 40 ـ 46، سينا للنشر، القاهرة ـ مؤسسة الإنتشار العربي، بيروت، 1997م.

([3]) انظر: محمد الطالبي، الحرية الدينية حق من حقوق الإنسان أم قدر الإنسان: 55، المنشور في مجلّة المجلة العربية لحقوق الإنسان، العدد الأول، السنة الأولى، تونس، 1994م.

([4]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 2: 386، تحقيق: عبدالسلام هارون، القاهرة. وجاء في الصحاح: رَدَدَ: ردّه عن وجهه يرُدُّه ردّدً ومردّاً: حَرَفَه. وَردَّ عليه الشيء إذا لم يقبله، كذلك إذا خطأهُ والارتداد: الرجوع، ومنه المرُتدّ. والرِدّة (بالكسر): مصدر قولك رَدّه يَرُدَّاً ورِدّة. والرِدّة: الإسم من الارتداد.الجوهري، الصحاح 2: 473، دار العلم للملايين، بيروت، 1987م.

([5]) الطريحي، مجمع البحرين 3: 48، دار مكتبة الهلال، بيروت، 1985م.

([6]) الأب لويس، المنجد في اللغة والأعلام: 254 ـ 255، دار المشرق، بيروت، 1988م.

([7]) الراغب الإصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن: 348 ـ 349، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، الدّار الشامية، بيروت، 1996م.

([8]) ليث الحيدري، الارتداد وحقوق الإنسان: 18، دار الغدير، قم، 2000م.

([9]) أبو الصلاح الحلبي، الكافي في الفقه: 311، مكتبة أمير المؤمنين العامة، إصفهان، 1403هـ.

([10]) انظر: ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير 2: 336، الدار التونسية للنشر، 1984م. وكذلك انظر له: أصول النظام الاجتماعي في الإسلام: 171، تونس، 1964م.

([11]) انظر: أصول العدل والتوحيد وكتاب العدل والتوحيد ضمن كتاب رسائل العدل والتوحيد، القاسم الرسي 1: 154، تحقيق: محمد عمارة، دارر الهلال، القاهرة 1971م.

([12]) انظر: تدوين السنة، إبراهيم فوزي: 329، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2002م.

([13]) انظر: الارتداد وحكمه من زاوية المرتكزات الاجتهادية، الشيخ محمد إبراهيم جناتي، مجلة الحياة الطيبة، ص157، بيروت، العدد التاسع، 2002م.

([14]) الارتداد وحقوق الإنسان، ليث الحيدري، ص20، دار الغدير، قم، 2000م.

([15]) انظر: فقه الإمام جعفر الصادق، محمد جواد مغنية 6: 303، دار الجواد، بيروت، 1982م.

([16]) انظر: موارد السجن في النصوص والفتاوى، نجم الدين الطبسي، ص231، مكتب الاعلام الإسلامي، قم 1416هـ.

([17]) جريمة الردة… وعقوبة المرتد في ضوء القرآن والسنة، الدكتور يوسف القرضاوي، ص36، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2001م.

([18]) انظر: الموسوعة الفلسفية العربية، رئيس التحرير: الدكتور معن زيادة 1: 305، معهد الإنماء العربي، بيروت 1986م.

([19]) الموسوعة العربية العالمية 9: 298، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، 1996م.

([20]) انظر: مفهوم الحرية، عبدالله العروي، ص13، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، 1998م.

([21]) الموسوعة الإسلامية الميسرة 4: 869، دار صاري، حلب 1997م. وقد نقلت التعريف عن الدكتور محمود عكام.

([22]) انظر في ذلك: الكليات في الفروق اللغوية، أبو البقاء الكفوي، ص151، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1993. المعجم الفلسفي، مراد وهبة، ص35 ـ 36، مصر 1973م.

([23]) انظر: جامع البيان عن تأويل القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري 5: 408 ـ 409، تحقيق: محمود شاكر، دار المعارف، القاهرة.

([24]) انظر: جامع البيان عن تأويل القرآن، الطبري 5: 408 ـ 409 (مصدر سابق). الجامع لأحكام القرآن، أبو عبدالله محمد بن أحمد القرطبي 3: 280، تصحيح: إبراهيم اطفيش، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1965م. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، أبو محمد عبد الحق الأندلسي الشهير بابن عطية 2: 281، المغرب، 1972م.

([25]) زاد المسير في علم التفسير، أبو الفرج جمال الدين، ابن الجوزي 1: 305 (دون مكان وتاريخ)، أسباب النزول، أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري: 59، مصر، وبهامشه الناسخ والمنسوخ لأبي القاسم هبة الله بن سلامة <حدّث أبو حميد بسنده عن ابن عباس قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له: الحصين، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلاً مسلماً فقال للنبي: ألا أستكرهُما، فإنهما أبيا إلاّ النصرانية؟ فأنزل الله فيه ذلك>.

([26]) زاد المسير في علم التفسير، أبو الفرج ابن الجوزي 1: 305. أسباب النزول، الواحدي النيسابوري: 59.

([27]) البحر المحيط، ابن حيان 2: 281، دار السعادة، مصرن 1328هـ.

([28]) انظر: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، برهان الدين البقاعي 4: 40، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، 1992م؛ وكذلك انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب 1: 290، دار الشروق، بيروت ـ القاهرة، 1977م.

([29]) انظر: لا إكراه في الدين، جودت سعيد: 26، مركز العلم والسلام للدراسات والنشر، دمشق، 1997م.

([30]) مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي 2: 306، دار الفكر ـ دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1957م.

([31]) أصول الشريعة، المستشار محمد سعيد العشماوي: 164، الانتشار العربي، بيروت، 2004م.

([32]) التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور 3: 25، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984م.

([33]) انظر: الميزان في تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي 2: 342، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1977م، وكذلك انظر: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، أبو سعيد عبدالله بن عمر البيضاوي: 56، المطبعة البهية، مصر، 1925م.

([34]) حرية الاعتقاد في القرآن الكريم، عبدالرحمن حللي: 35، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت: 2001م.

([35]) انظر: المحيط في اللغة، الصاحب بن عباد 9: 360، تحقيق: محمد حسن آل ياسين، 1994م (دون مكان). كذلك انظر: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، أبو الفضل شهاب الدين الآلوسي البغدادي 3: 13، دار إحياء التراث العربي، بيروت (دون تاريخ).

([36]) انظر: الميزان في تفسير القرآن 2: 343، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1977م.

([37]) انظر: قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عز وجل، عبدالله جنكة الميداني: 86، دار القلم، دمشق، 1989م.

([38]) لباب التأويل في معاني التنزيل، علاء الدين علي بن محمد البغدادي الخازن 2: 317، دار الثقافة بيروت (دون تاريخ)؛ والبحر المحيط، ابن حيان 2: 452، مطبعة السعادة مصر، 1328هـ.

([39]) حرية الاعتقاد في القرآن الكريم: 51 ـ 52.

([40]) انظر: التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، الإمام فخر الدين الرازي، ح17: 167، طبعة مصر، 1938م. وكذلك انظر: الميزان في تفسير القرآن، 11: 126، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1977م.

([41]) انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، أبو القاسم محمد بن أحمد الكلبي الغرناطي الشهير بابن جزيء 2: 99، تحقيق: عبدالمنعم اليونسي ـ إبراهيم عطوة عوض، دار الكتب الحديثة، القاهرة (دون تاريخ). وكذلك انظر: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ابو عبدالله محمد البيضاوي: 246، المطبعة البهية المصرية، 1925م.

([42]) انظر: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، برهان الدين البقاعي 9: 210، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، 1992م.

([43]) انظر: إرشاد ذوي العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، محمد العماوي أبو السعود (تفسير) 4: 177، القاهرة (دون تأريخ).

([44]) انظر: القرضاوي، جريمة الردة… وعقوبة المرتد في ضوء القرآن والسنة: 37.

([45]) انظر: الجامع لأحكام القرآن،القرطبي 9: 26.

([46]) انظر: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، أبو القاسم جار الله بن محمود الزمخشري 2: 266، مكتب الاعلام الإسلامي، قم (طباعة بالأفست)؛    وكذلك انظر: تفسير الطبري 7: 29، دار الكتب العلمية، بيروت، 1992.

([47]) انظر: التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور 12: 50 ـ 51.

([48])انظر: أصول الشريعة، المستشار محمد سعيد العشماوي: 164.

([49]) انظر: جامع البيان عن تأويل القرآن، الطبري 10: 623، دار الكتب العلمية، بيروت، 1992م.

([50]) انظر: الكشاف للزمخشري 3: 397، وتفسير التحرير والتنوير لابن عاشور 3: 359، تونس: 1964م.

([51]) نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم، محمد الغزالي: 545، دار الشروق، القاهرة، بيروت، 2000م.

([52]) الردّة في الإسلام (قراءة تاريخية وفكرية في الأصول والاتجاهات والنتائج، حسن خ. غريب: 57، دار الكنوز الأدبية، بيروت، 2000م.

([53]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري: 415.

تحقيق: محمود أحمد شاكر، دار المعارف، مصر.

([54]) البحر المحيط، 2: 281، مطبعة السعادة، مصر، 1328هـ.

([55]) انظر: في ذلك سورة آل عمران من الآية 72 ـ 73، وكذلك 86 ـ 90، وسورة النساء من الآية: 88 ـ 89، وكذلك الآية: 137. والمائدة الآية: 5. والأنعام الآية: 88. والتوبة من الآية 73 ـ 74. والنحل الآية: 106. والزمر الآية: 65.

([56]) انظر في ذلك: أصول الشريعة، المستشار محمد سعيد العشماوي: 163.

([57]) يميل إلى هذا الرأي الأستاذ محمد أبو زهرة في كتابه: الجريمة والعقوبة في الإسلام 189، وفي ذلك يقول: <إن الدولة الإسلامية قائمة على الدين، فمن خرج منه فقد تأوأها وخرج عليها، وهو يشبه الآن من يرتكب الخيانة العظمى…>.

([58]) انظر في ذلك: القرآن والتشريع قراءة جديدة في آيات الأحكام، الصادق بلعيد: 314، مكز النشر الجامعي، تونس 2000م. وكذلك انظر: حرية الاعتقاد في القرآن الكريم: 112.

([59]) الارتداد وحقوق الإنسان، ليث الحيدري: 28 ـ 29، دار الغدير، قم، 2000م.

([60]) البقرة: 217: >وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ<.

([61]) تفسير التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور 2: 335.

([62]) الارتداد وحقوق الإنسان، ليث الحيدري: 29 ـ 30.

([63]) مجلةالحياة الطيّبة، العدد التاسع، ربيع 2002م، ص114، مقال للسيد عبدالكريم الموسوي الأردبيلي، بتقرر: السيد جواد روعي تحت عنوان: أحكام الارتداد، دراسة مستأنفة على ضوء القرآن والسنة.

([64]) مصدر نفسه: 149 (هامش).

([65]) المصدر نفسه: 114 ـ 115.

([66]) انظر في ذلك: الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي 1: 526، دار ابن كثير، دمشق، 1996م. وكذلك انظر: مباحث الكتاب والسنة، محمد سعيد رحمن البوطي: 180، جامعة دمشق ـ كلية الشريعة، 1995م.

([67]) انظر: حرية الاعتقاد في القرآن الكريم، عبدالرحمن حللي: 113.

([68]) انظر: في ذلك: مجلة (كيان) العدد: 45 فبراير ـ مارس 199م، طهران. فيها أجوبة الشيخ حسين علي المنتظري على بعض الأسئلة تحت عنوان <قاعدة التزاحم> في الأحكام الإسلامية.

([69]) 1 ـ مجلة كيان، العدد: 46، ابريل، مايو، 1999م، طهران. مقال للأستاذ الدكتور عبدالكريم سروش تحت عنوان: <الفقه في الميزان> وهو في الحقيقة رد على أجوبة الشيخ المنتظري التي طرحها في العدد السابق (45) من المجلة نفسها.

2 ـ مجلة الحياة الطيبة، أحكام الارتداد، دراسة مستأنفة على ضوء القرآن والسنة، السيد عبدالكريم الموسوي الأردبيلي، تقرير: السيد جواد روعي، 117، بيروت، العدد التاسع، 2002م.

([70]) الإسلام بين الرسالة والتاريخ، عبدالمجيد الشرفي: 67 ـ 68، دار الطليعة، بيروت، 2001م.

([71]) أحكام الارتداد، دراسة مستأنفة على ضوء القرآن والسنة: 117.

([72]) القرآن، والتشريع، قراءة جديدة في آيات الأحكام، الصادق بلعيد: 214.

([73]) جريمة الردة… وعقوبة المرتد في ضوء القرآن والسنة، الدكتور يوسف القرضاوي: 6.

([74]) الفردية، بحث في أزمة الفقه الفردي السياسي عند المسلمين، زيد بن علي الوزير: 89، بيروت، 2000م.

([75]) المقدمة، ابن خلدون: 143، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1988م.

([76]) مركب النقص: مشاعر وأحاسيس مركبة تلازم الفرد الذي يحس نقصاً في شخصيته، أو نقصاً محدداً في جانب أساسي من جوانبها، أو مكون هام من مكوّناتها، سواء كان جسمياً أم عقلياً أم نفسياً.معجم علم النفس والتحليل النفسي: 292، مجموعة من الباحثين.

([77]) انظر: حرية الضمير… واختيار الروح، الدكتور محمد عمارة، مجلة العربي: 127 ـ 128، العدد 470، الكويت، 1998م.

([78]) انظر: القرآن والتشريع، الصادق بلعيد: 214.

([79]) انظر: السيرة النبوية، أبو محمد عبدالملك ابن هاشم 2: 317، تحقيق: مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، عبدالحفيظ شلبي، البابي الحلبي، القاهرة، 1955م.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً