أحدث المقالات

قراءة في الموقع والدور والتاريخ

ترجمة: منال باقر

نشر دار المدار الإسلامي مؤخّراً (2005م) كتاب «الفرقة الهامشيّة في الإسلام» للمولّف منصف بن عبد الجليل، في مجال الأبحاث والفرق الدينيّة، ويُعدّ هذا الكتاب واحداً من أحدث المصنّفات التي تتحدّث عن الفرق الشيعيّة المفرطة ـ أي المغالية ـ خاصّة الفرقة النصيريّة.

لقد أوضح المؤلّف في مقدّمة كتابه ـ مع إشارته إلى أنّ الفرق الهامشيّة في العالم الإسلامي اضطرّت إلى إخفاء عقائدها جرّاء الضغوطات السياسيّة ـ أنّ هدفه فيه هو شرح تاريخ وعقائد ثلاث فرق هامشية، اثنتان منها قديمة وواحدة جديدة، وقد برزت كلٌّ منها بوضوح في المجتمعات الشيعيّة وهي: النصيريّة، والدرزيّة، والبهائيّة.

يدور الباب الأوّل من الكتاب حول فرقتي: النصيّرية والعلويّة، حيث اهتمّ المؤلّف بدراسة تاريخهم القديم والجديد؛ فخصّص الفصل الأول منه لتاريخ النصيريّة بينما كان الفصل الثاني مخصّصاً لدراسة النصوص والمصنّفات المنسوبة إليهم. وفي الفصل الثاني قدّم المؤلّف دراسة بيبلوغرافيّة لهذه الفرقة، حيث تمّ استقراء مخطوطاتهم ومطبوعاتهم والتعريف بالعقائد المتوفرة لديهم. من هنا، بحث المؤلّف أيضاً عن الفرقة البهائيّة ملفتاً إلى أنّه لم يضف شيئاً جديداً على ما قاله الآخرون. كما قدّم في الباب الثاني شرحاً عن كيفيّة ارتباط هذه الفرقة بأصل الدين الإسلامي.

ركّز الباب الثاني من الكتاب، والذي حمل عنوان «نشأة الفرقة الهامشيّة» على تسليط الضوء على كيفيّة تكوّن الفرق الهامشيّة في العالم الإسلامي وظهورها، ويمكن اختصار نظريّة المؤلّف في التدليل على دور الفرق الوسطيّة المركزيّة في العالم الإسلامي وتأثيرها على الفكر الاسلامي، وكيف كانت الفرق الهامشيّة ـ أي الفرق الإفراطيّة ـ سبباً في إيجاد علاقة وارتباط بينها وبين الغلو الذي يمثل خروجاً عن الحدّ.

يعتقد المؤلّف أنّ النزعة الأرثوذكسية كانت على قسمين: شيعيّة وسنيّة، والمقصود من النزعة السنيّة هنا الوسطيّة، وهي الظاهرة التي تؤثّر على جميع الفرق الأصوليّة الإسلاميّة، ويمكن أن تدوّن تحت عنوان: «العقيدة الدنيا»، وإذا تجاوزناها وتركنا ظروف تأثيرها وحدود عقائدها نصل إلى ظهور الفرق الهامشيّة؛ من هنا، نرى ارتباطاً بين المغالين والهامشيين.

ويرى المؤلّف أنّه بقدر ما تضعف الفرق الوسطيّة المركزيّة تشتدّ قدرة الفرق الهامشيّة التي تسعى حينها إلى مجادلة الوسطيين والتفوّق عليهم، ومع تخصّص المؤلّف الرئيس في الفرقة النصيريّة فقد بحث في المنحى الهامشي داخل هذه الفرقة ثمّ قام بتطبيق ما فعله فيها على الفرقة البهائية، فهذا الاتجاه ظهر أيضاً بوصفه اتجاهاً هامشيّاً مقابل الاتجاه المركزي عند الشيعة، وكمثال على ذلك ظهور فكرة نيابة المرجعيّة الشيعية عن الإمام المعصومB. وبشكل طبيعي، ثمّة ظروف مكانيّة وزمانيّة خاصة بهذه الفرقة لعبت دوراً في بلورة عقائدها وثقافتها ينبغي تسجيلها بوصفها تراثاً عقائديّاً لها، وفيما بعد، عندما انتقلت هذه الاتجاهات إلى نقاط أخرى واصل هذا الموروث العقائدي تغذيته لهذه الفرق في المراحل اللاحقة والأماكن الأخرى مع طروّ بعض التعديلات عليه.

لقد قام المؤلّف بقراءة تجربة هذا الموروث العقائدي في الفرقة النصيريّة أيضاً، وإلى جانب ذلك لم يغفل الإشارة إلى الظروف السياسيّة والعسكريّة التي أخذت حيّزاً من الاهتمام، وإلى مدى تأثيرها على مواصلة عمل هذه الفرق الهامشيّة وبلورتها وإنتاج سلطتها الداخلية وعلى محيطها ممّا كان له تأثير خاص.

أما العمل الأساس لهذه الفرق فهو النصوص التي يعتبرون قسماً منها بحكم الوحي المنزل غير القرآني. وبشكل طبيعي تعود اعتقاداتهم إلى الاختلاف القائم بين السنّة والشيعة الوسطيين في موضوع الإمامة والولاية، وتختلف رؤيتهم عن رؤية هؤلاء لموضوعتَي: الدنيا والآخرة، كما تختلف تحليلاتهم للتصوّرات الوسطيّة والفكر الوسطي، وقد دفعت هذه الاختلافات المؤلّف ليبحث هذه الموضوعات في أربعة أقسام هي: الوحي الهامشي، النبوّات والإماميّات، العاميّات، الأخرويّات.

يتجلّى الاتجاه إلى الوحي الهامشي بصورة أكثر وضوحاً في الفرق الهامشية خاصة الفرقة البهائيّة التي اخترعت كتاباً مقدّساً خاصّاً بها، فكانت آياته وسوره تشبه القرآن الكريم شكلاً ومضموناً؛ محاولةً فيه خدش إعجاز القرآن الكريم والمساس به، واختلفت قراءتهم عن القراءة الوسطية، فأسّسوا ديانةً خاصة شاملة لكلّ أمر حتى يستطيعوا من خلالها ـ أي هذه الديانة ـ هداية المعتقدين بهم.

ويكمل المؤلّف كتابة بتناول موضوعات أخرى وهي: ما هي الظروف التي تدفع فرقةً هامشيّة إلى الاستمرار؟ ويجيب أنّه بقدر ما تستطيع كلّ فرقة التكيّف مع الظروف المستجدّة بقدر ما تضمن بقاءها واستمراريّتها، وعلى العكس، يؤدّي عدم تكيّفها مع المستجدّات إلى تضاؤل نفوذها فيؤول الأمر تدريجيّاً إما إلى انتهائها أو مراوحتها مكانها، فيقتصر هدفها عندئذ على حماية أتباعها والحفاظ عليهم. وعلى سبيل المثال، بقي كلّ من العلويّين والنصيريين ـ على مرور التاريخ ـ في دائرة جغرافيّة محدّدة، على عكس البهائيّين الذين سعوا إلى الانسجام والاندماج في ظروف حياتهم الجديدة، فعلى الرغم من إبعادهم عن مراكزهم الرئيسيّة في إيران إلا أنّهم وجدوا لأنفسهم أتباعاً في أوروبا وأمريكا.

من هنا، ينبغي الالتفات إلى منهاجية الحوار الذي يمكن أن يتمّ بين الفرقة الوسطيّة المركزيّة والفرقة الهامشيّة وآليّاته، وكيف يقوم الهامشيّون بمواجهة الوسطيّة ويجادلون في وحيانية مصادرهم ثم يأتون ببديل عنها.

كيف يمكن لعقيدة فرعيّة ومحدودة وصغيرة أن تسعى ـ بمرور الزمان ـ إلى أن تتحوّل بنفسها إلى ديانة؟ ولماذا تركّز هذه الجماعة اهتمامها الرئيس أيضاً على نشر دعوتها والتبشير بها بينما تسعى الجماعات الأخرى إلى حفظ أتباعها وقبائلها لا تتخطّى هذا الهدف أبداً؟! وثمّة سؤال آخر يمكن أن يطرح وهو: هل يمكن إرجاع هذه الفرق الهامشيّة وإعادتها إلى خطّ الوسط والاعتدال أم لا؟ وهل هناك اتجاه جديد يمكنه ـ مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الجديدة ـ إحداث تغييرات في هذه الفرق الهامشيّة لدفعها للتقرّب أكثر من المركز ونقطة الوسط؟

وكما نعلم فقد سعى قادة الفرقة الوسطيّة الشيعيّة مدّةً من الزمان للتقريب بينها وبين الفرقة النصيرية وما زالت تسعى إلى الآن.

تفيد تجربة المؤلّف في نهاية هذه المقدمة أنّه لابدّ ـ مهما كان ذلك صعباً وشاقّاً ـ من قراءة نظريّات تلك الفرق متخطّين رجالاتها وشخصيّاتها، حيث ينبغي مراجعة النصوص وتحليلها ولا يصحّ الإنصات للمنقولات المسموعة، فلابّد من مطالعة المحفوظات والمخطوطات عن كثب، وهو ما ادّعى المؤلّف أنّه فعله في كتابه.

يقدّم المؤلّف شكره وامتنانه في مقدمة الكتاب إلى أربعة أشخاص:

الأوّل: حسين المدرّسي الطباطبائي الأستاذ في جامعة برينستون، حيث قال المؤلّف: إنّه أمضى العديد من الأيّام معه من أجل فهم الفكر الشيعي، فلم يمتنع عن تقديم أيّ مساعدة لتحقيق هذا الأمر، يقول المؤلّف: إنّ كل ما أعرفه عن المذهب الشيعي كنت قد أخذته منه، ولا زلت إلى الآن أتواصل معه.

الثاني: وداد القاضي، الكاتبة في مجال الاتجاهات المغالية وحقيقتها، ولها كتاب حول الفرقة الكيسانيّة، فكان المؤلّف على تواصل معها.

الثالث: الدكتور رضوان السيّد، الأستاذ اللبناني في العلوم الاسلاميّة.

الرابع: الأستاذ هالم الذي استفاد من علمه الوسيع ودقّته ومساعدته.

(*) مؤرّخ معروف، وعضو الهيئة العلميّة لمركز أبحاث الحوزة والجامعة.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً