أحدث المقالات
أ. القضاء على عهد رسول الله 2

القضاء في الإسلام يمثل بُعداً من جملة الأبعاد، وركناً من سائر الأركان الدينية، ويهدف إلى خير الإنسان وصلاحه وسعادته المادية والمعنوية والدنيوية والأخروية، فهو يشبه ــ إلى حدٍّ بعيد ــ جهاز الدماغ، الذي يضمّ عدّة أعضاء يرتبط بعضها ببعضها الآخر، ويؤثر كلّ منها في غيره، كما يستلم كلّ منها إيعازاته من سائر الأعضاء، وبالتالي فهي تلعب دور السيطرة والتوجيه بالنسبة لشعبة من جسم متكامل، وعليه فهي تمتلك سنخية تامة مع واقع ذلك الجسم وحقيقته إلى جانب اشتمالها على النسبة والتناسب التي تربطها مع بعضها; الأمر الذي يكشف عن مدى حساسيته وضرورة سبر أغواره والوقوف على تفاصيله.

إنّ مسألة «الحكم بين الناس» أو القضاء تعتبر من الأهداف المهمّة الأساسية للدين الإسلامي، فهي تشغل نصف موضوع إدارة شؤون المجتمع; وأعني به نصف رسالة النبي2; ولذلك كان لابدّ أن تكون من بين أخطر المسائل التي كرّس نبي الإسلام من أجلها حياته، ولا غرو، فواقع الأمر يقتضي ذلك، وعلى هذا نقرأ بشأن ولاة رسول الله2 ومبعوثيه إلى مختلف المناطق: «أنّ رسول الله 2 كان يفوّض شؤون القضاء لمن يبعثه والياً على منطقة، فقد كان ممثله وخليفته على المنطقة يتمتع بصلاحية إدارة شؤون القضاء وإصدار الأحكام»([1]).

ومع أنّ كتب تولية أولئك المبعوثين كانت تتضمّن قيامهم بمهمة إصدار الأحكام عادة، إلاّ أنّ معرفة كافّة المسلمين وعلمهم بعدم انفصال القضاء عن سياسة الدولة وتوجيهاتها ــ بقرينة الحال ــ كانت تغني عن التطرّق إلى ذلك القيد([2])، وهذا ما درجت عليه السيرة لاحقاً.

 

خصائص القضاء الإسلامي مقارنةً بماضي شبه الجزيرة العربية

إذا أردنا أن نقف على كيفية تسيير شؤون دفّة القضاء في عهد الإمام
علي %، يجب علينا أن نلتفت إلى مسألة مهمّة، وهي أنّ الإمام علياً % ربيب المدرسة النبوية، وكان يتحرّك في تسييره لشؤون الحكومة وإدارة البلاد، وجميع الأمور الأخرى من خلال الإطار الذي حدّد معالمه رسول الله 2، وعلى هذا فقد كان يحاكي ويقتفي آثار النبي 2 في الأسس والمبادئ التي وضعها رسول الله 2 لتشييد صرح النظام القضائي في الإسلام، من هنا تأتي ضرورة التعرّف ــ ابتداءً ــ على آلية القضاء النبوي قبل الخوض في تفاصيل البحث.

ولعلّ الأمر يلتبس على بعضٍ ممّن لم يتأملوا كما ينبغي في السيرة النبوية، ويكتفوا بما أمضاه النبي 2 من بعض السنن والأعراف السائدة، فيظنوا أنه 2 التزم ذات الأسلوب القضائي الذي كان متداولاً في عصر ما قبل الإسلام، ولم يأت بجديدٍ يذكر بهذا الشأن([3]). إلاّ أننا إذا تأملنا الحقائق نجد أنّ رسول الله 2 قد بذل قصارى جهده في معالجة مسألة القضاء، التي كانت تشهد ــ قبل الإسلام ــ حالةً من التشتت والتمزق واللامركزية، إلى جانب افتقارها للمؤسّسات والدوائر التي يعتمد عليها القضاء، وبالتالي لم يكن أكثر من ممارسة تقليدية. فما كان منه 2 إلاّ أن أسبغ عليها النظام، وأحالها إلى مؤسّسة حكومية رسمية تقوم على أساس النظم والمقرّرات، بحيث لم يعد هناك من وجه للمقارنة بين القضاء في الإسلام وما كان عليه في الجاهلية.

ولا بأس أن نشير في هذه العجالة إلى غيض من فيض تلك الفوارق بين المدرستين في القضاء([4]).

القضاء النبوي

(القضاء الإسلامي)

القضاء قبل الإسلام

(القضاء الجاهلي)

1ـ تمركز القضاء بصفته مؤسّسة من المؤسسات الحكومية (منصب القضاء من جملة المهام التي يمارسها الحاكم الإسلامي) المستقلة عن سائر أجهزة الدولة الإسلامية وإداراتها على أساس توفر بعض الشرائط، من قبيل: اختيار الفرد الأتقى، والأفقه، والأعدل، إلى جانب تكافئه مع الحاكم وأفضليته على سائر مسؤولي الدولة.

2ـ إخضاع الآلية القضائية لدائرة القوانين والمقررات الدينية إلى جانب الحقوق الإنسانية (الحكم بما أنزل الله + الحكم بالحق).

3ـ مجانبة القضاء والبت في الدعاوى مع تسلّم الأجور وإن كانت على نحو الهدية.

4ـ تنظيم شؤون القضاء وجعله بمثابة جهاز واسع شامل إلى جانب الجهاز السياسي للدولة، وتوفير متطلّباته الأساسية، من قبيل: السجون، والإلزام، والحسبة، وضمان تنفيذ الأحكام.

5ـ القاضي الإسلامي يصدر أحكامه على أساس: البيّنة، والحجّة، والشهود، والدلالات الظاهرية بصورة عامة.

6ـ منهجية الجهاز القضائي تقوم على أساس اعتماد القواعد الثابتة، من قبيل: الجبّ، واليد، والتسليط، والدرء، و.. والتحقيق في أصول المحاكمات، وإحالة القضايا الفنية إلى أصحاب الخبرة والاختصاص، والأهمّ من ذلك كلّه اعتماد الجانب الخلقي في القضاء، وتهذيبه من القواعد الجاهلية، بما فيها: الحلف، والجوار، والسنن الجائرة، إلى جانب الحيلولة دون اختلاف الحكام في الرأي، من خلال إشراف رئيس الحكومة الإسلامية.

1ـ اقتصار ممارسة مهنة القضاء على فئة خاصة، من قبيل: الكهنة، والأدباء، والشعراء، على غرار مهنة التحقيق القضائي الخاص في الغرب، وتفويضها إلى الأفراد على أساس المعايير الوراثية أو زعامة القبيلة؛ فالشأن القضائي ــ وعلى غرار شأن الطبابة ــ حكرٌ على فئة معينة من الناس.

2ـ خروج القضاء عن الدائرة القانونية الرسمية والحقوقية المقرّة، أو الحكم على أساس السنن والأعراف القومية والقبلية أو استناداً لما يملكه القاضي من علم.

3ـ تسلّم الأجور على القضاء وإصدار الأحكام (ما يبلغ ثلث الدية أو الإرث أو السند الذي أخذ سابقاً، وتعاطي الرشوة وما إلى ذلك).

4ـ افتقار الجهاز القضائي للمؤسّسات والدوائر، وحصر القضاء ببعض القبائل، وافتقار الأحكام إلى ضمانة التطبيق والتنفيذ، لا سيما في الدعاوى التي تنشب بين قبيلتين تتمتع كل منهما بسطوة وقوّة.

5ـ يستند القاضي في الجاهلية إلى علمه ورأيه، وما يشابه أحكام الكهنة والمرتبطين بعالم الأرواح في إصداره للأحكام وبتّه في الدعاوى.

6ـ التشتت والخلاف في الرأي، وانعدام النظام والاستقرار، وافتقار القضاء والقضاة إلى الإشراف، إلى جانب استناد الأحكام إلى القواعد المستهجنة الجاهلية، من قبيل: الغلبة لأصحاب القوة والسطوة، والتي تستتبع انطواء الأحكام على الظلم والجور.

فالشعار الأساسي الذي يمتاز به القضاء الجاهلي هو: «الحقّ ما يراه زعيم القبيلة صاحب الجاه والسطوة».

وبغضّ النظر عما سبق، فقد بادر رسول الله 2 إلى وضع بعض الصيغ والأسس القضائية الجديرة بالاقتداء من قبل الأنظمة القضائية العالمية، يكمن أهـمّها في: البساطة، والوضوح، واجتناب التعقيد في أصول المرافعات، والبتّ في الدعاوى([5])، أضف إلى ذلك، هناك شخص آخر في النظام القضائي، هو قاضي التحقيق، الذي يتولى مسؤولية النظر في القضية التي تعرض عليه، ولـه أن يصدر ما يراه من حكم بشأنها، إلاّ أنّ الحكم النهائي ــ إذا ما اعترض المتهم على صدور الحكم أو طلب استئنافه ــ يوكل إلى المقامات القضائية العليا، وهذا الأمر من إبداعات رسول الله 2 في ميدان القضاء، فقد كان رسول الله 2 يفوّض بعض ولاته مهمّة تصريف شؤون القضاء ([6])، ومثال ذلك: اختلاف الورثة بشأن قضية الجدار عندما بعث حذيفة بن اليمان للتحقيق والحكم في الأمر، حيث أيّد رسول الله 2 ما أصدره حذيفة من حكم بشأن تلك القضية ([7]).

 

المؤسّسات القضائية النبوية

المؤسّسات الاجتماعية في عصر الرسالة لم تكن في بداية الأمر كما هي عليه اليوم من التعقيد، وذلك لعدّة أسباب منها:

1 ــ إنّ المجتمعات القديمة كانت تعيش في غاية اليُسر والبساطة والسهولة.

2 ــ إنّ النظام الاجتماعي في تلك المجتمعات غالباً ما كان يقوم على أساس الاستقلال الذاتي، أي أن القوانين، والحدود، والوظائف، وحقوق الأفراد وواجباتهم، كانت تتخذ الإطار الشفوي الذي يستند إلى التعاليم والسنن القومية والدينية الموروثة والمتعارفة; وكان الأفراد ملزمين برعاية هذه التعاليم والأصول بفعل انصهارهم في بوتقة القبيلة أو الطائفة; وإلاّ فليس أمامهم ــ في حالة عدم الامتثال والالتزام ــ سوى الطرد والإبعاد من القبيلة، الأمر الذي يجعلهم يدفعون الثمن باهظاً في حياتهم، ومسيرتهم الاجتماعية والمعاشية. فلم يكن لهم من بُد سوى اللجوء إلى التوبة أو الحلف وما شاكل ذلك؛ للعودة ثانيةً إلى الحياة الجماعية.

3 ــ من الطبيعي أن تعيش كلّ مؤسّسة أو إدارة البساطة في بداية نشوئها، فهي كالوليد الذي يطوي مسيرته التكاملية على مرور الزمان.

4 ــ ما يجدر ذكره بالنسبة للدين الإلهي، هو الدور العظيم الذي يلعبه الإيمان، والشعور بمراقبة عالم الغيب الذي يطّلع على الأعمال، ولا يعزب عن علمه شيء، والاعتقاد بيوم الجزاء والحياة، فالأبدية الخالدة بعد الموت، من الأمور التي تتكفل بحُسن أعمال الأفراد، وعدم الانحراف عن جادّة الصواب، ومن ثمّ الابتعاد عن مقارفة الذنوب والأعمال التي تستوجب العقاب. ومما لا شك فيه أنّ امتثال النظام الغذائي الصحيح يغني عن الدواء والعلاج والطبيب، إلا في الحالات الاستثنائية الطارئة، كذلك الحال في المجتمعات التي تعيش الإيمان والانفتاح على الدين، فهي لا ترى من حاجة ماسّة إلى القضاء إلاّ في الحالات النادرة. أضف إلى ذلك، إنّ الأجهزة القضائية في مثل هذه المجتمعات، تعيش حالةً من الهدوء والاستقرار الذي لا تشعر معه بالحاجة إلى المؤسّسات والمراكز القضائية الواسعة والمعقدة، ولعلّ هذا هو السبب الرئيس لسهولة النظام القضائي في صدر الإسلام، لا سيما على عهد رسول الله 2.

فعلى سبيل المثال، تنازع اثنان على مال، ثم ترافعا إلى رسول الله 2، فالتفت إليهما 2 وقال : «إنّما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه؛ فمن قضيت له من حقّ أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئاً، فإنّما أقطع له قطعةً من نار»، وتضيف أم سلمة زوج النبي 2 التي روت هذا الحديث: إنّ الرجلين اللذين أتيا رسول الله 2 بكيا بعد أن سمعا مقالته، وجعل كلّ منهما يقول: الحقّ لهذا؛ فقال رسول الله 2: «إذهبا وتحققا واقترعا وليحلّ كلّ منكما صاحبه» ([8]).

إلا أنّ هذا لا يعني انعدام الأسس والقواعد القضائية؛ فالنبي 2 كان يفكّر في تنظيم شؤون المجتمع، وبلورة النظام القضائي حتى حين كان في مكة يوم لم تكن تتوفر الأرضيّة اللازمة لتشكيل الحكومة الإسلامية، وقد مارس 2 القضاء على مستوى تلك المنطقة التي كان يتحرّك فيها، فمثلاً: «إنّ رسول الله 2 نصب نقيباً على الأنصار قبل أن يهاجر إلى المدينة، بعبارة أخرى: إنّ رسول الله نصب رئيساً لكل اثنتي عشرة قبيلة، كما كان تحت إمرة النقيب عدد من العرفاء ــ حيث كان كلّ عريف يمثل عشرة أفراد ــ فكان النقيب ممثلاً لجميع أفراد القبيلة، ويتولى وظائف الحرب والصلح. وحين كان يتعذّر على النقيب حلّ الخلافات أو حين يكون طرف الدعوى الآخر ينتمي إلى قبيلة أخرى، تُحال القضية إلى النبي 2؛ ليصدر حكمه القطعي بشأنها»([9]).

وبالطبع، فإنّ النظام القضائي على عهد الرسول 2 كان ينطوي على آلية قضائية منظّمة، لا سيما أنّ رسول الله 2 هو الذي كان يتزعم ذلك الأمر، فقد كان2 آنذاك يتولّى إدارة أجهزة الدولة إلى جانب الإشراف والسيطرة عليها.

ب. القضاء في عهد الخلفاء الثلاثة

أشرنا سابقاً إلى أنّ مسألة القضاء قد تبلورت بصيغة مؤسّسة منظمة في إطار أحكام الدين الإسلامي، وضوابطه ومقرّراته، إلى جانب مبادئ الحقّ والإنصاف الإنسانية، ضمن النظام الحكومي الذي أرسى دعائمه رسول الله 2، بحيث كانت شؤون القضاء بمنتهى السهولة والبساطة. والواقع أنّ هذه البساطة والسهولة لم تقتصر على الجانب القضائي فحسب، بل شملت كافّة القضايا الحكومية، ولا عجب فهذه الشؤون إنما تشكّل مفردات الشريعة الإسلامية السمحاء «إنما جئتكم بالحنيفية السمحاء»، فالبساطة والسماحة والسهولة واليُسر هي الخصائص التي بُني عليها هذا الدين القويم، ويبدو أنّ هذه البساطة والسهولة ــ على ضوء بعض التحليلات ــ التي كانت سائدة على عهد رسول الله 2 قد استمرّت إبّان عصر الخلفاء الراشدين (11 ــ 40هـ)، وإن شهدت الخطوات الأولية في مجال القضاء بعض التشدد والتعقيد حتى بلغ ذروته في عام أربعين للهجرة، ويعود السرّ في ذلك إلى بعض الأسباب منها:

أولاً: تنامي الحركة الاجتماعية، وانبثاق الحاجات والمتطلّبات الجديدة.

ثانياً: اتساع نفوذ الحكومة الإسلامية ورقعتها الجغرافية.

ثالثاً: حالة ضعف الإيمان التي دبّت في صفوف أفراد المجتمع، بسبب الانحراف الذي استشرى بين المسؤولين.

من جانب آخر، لعبت هذه العوامل دوراً في اتخاذ الإجراءات التي تتكفل بتنظيم وتوسيع الجهاز القضائي، إضافة إلى استحداث المؤسّسات والمراكز القضائية التي تضمن تنفيذ ما يصدره من أحكام. وتفيد الأخبار التأريخية والروايات والأحاديث أنّ القضاء على عهد أبي بكر كان منسجماً تماماً، وكما كان سائداً على عهد رسول الله 2، «فقد ورد أنّ أبا بكر كان يسند وظيفة القضاء لمن يبعثه والياً أو عاملاً على المنطقة، وليس هنالك من دليل يفيد أنّ أبا بكر كان ينصّب فرداً للقضاء إلى جانب واليه أو عامله على المنطقة»([10]).

إلاّ أنّ هذه الأوضاع لم يكتب لها الدوام حتى زمان الخليفة الثاني ــ عمر بن الخطاب ــ فقد عمد لأول مرة ــ بسبب ازدياد الوظائف الحكومية إثر الفتوحات الإسلامية التي شملت إيران وروما ــ إلى نصب بعض الأفراد قضاةً إلى جانب الولاة والعمال، رغم أنّ بعض هذه المناصب كانت تشغل من أحد الأفراد في بعض المناطق والأمصار؛ فقد نصب أبا الدرداء قاضياً على المدينة، وشريح بن حارث الكندي على الكوفة، وأبا موسى الأشعري على البصرة([11]). كما وُلّي قيس بن أبي العاص قاضياً على مصر والشام في عام 23هـ من قبل والي مصر بأمرٍ من عمر، في حين لم يكن هناك من قاضٍ في بعض المناطق، وكان الولاة هم الذين ينهضون بأداء تلك المهمة.

وليست هناك معلومات بشأن اتساع النظام القضائي على عهد الخليفة الثالث ــ عثمان بن عفان ــ ويبدو أن الاضطرابات الاجتماعية وغيرها حالت دون اهتمامه بهذا الأمر([12]).

ج ـ القضاء في عهد الإمام علي %

تشير البنى الاجتماعية ونظم المجتمعات السابقة ــ إضافةً إلى بساطتها وسذاجتها المنبعثة من الأنظمة القبلية البدائية السهلة ــ إلى أنّ الحكومات لم تكن تمتلك هذه الأجهزة الطويلة العريضة، والمؤسّسات الإدارية المعقّدة، والتي تطوّرت عبر تقادم الزمان؛ فكان الوالي يمثل نائب الحاكم في كلّ منطقة يتولى إدارة شؤونها، وبالطبع فإنّ الحاكم الإسلامي كان يفوّض لهم كافة الصلاحيات المطلوبة، فكانوا يمارسون تسيير شؤون المناطق الخاضعة لنفوذهم، ويتخذون ما يشاؤون من قرارات في المجالات التي تتعلّق بالقوانين، والتشريع، والخراج، والخمس، والغنائم، وضرب السكّة، وبعض اللوائح الإدارية التي يُصدرها الحاكم الإسلامي العام بما يتناسب ومصالح الأفراد والدولة، وغالباً ما كانوا يمارسون مهامهم بصورة مستقلّة، بالاستعانة بالشورى أو عدمها.

وتشبه طبيعة الحكومة السياسية في هذه المناطق ــ والتي تنطوي على الأخذ بنظر الاعتبار بعض الفوارق المنبثقة من الخصائص الثقافية الدينية أو العرفية الشرقية ــ إلى حدّ بعيد الحكومات والأنظمة الفدرالية الغربية، والتي تستند إلى منح الصلاحيات في اعتماد الأساليب والوسائل المناسبة، والمؤسّسات والأجهزة التي تُسهم في إدارة دفّة الحكم، وهو الأمر الذي التبس على بعض باحثي التاريخ الذين ظنّوا استقلالية بعض ممثلي الخلافة العباسية، مثل ناحية خراسان في القرن الرابع، عن الخلافة المركزية.

إلاّ أننا نرى بوناً شاسعاً بالنسبة للقضاء في عهد الإمام علي % عمّا كان عليه بُعيد عهد النبي 2؛ وذلك لأنّ الإمام علياً % ــ واحتذاءً برسول الله 2 ــ كان يتعامل مع القضاء على أساس «الرؤية الولائية»، وعلى ضوء تلك الرؤية فإنّ القضية تبدو بالغة الخطورة، بحيث حظيت بعناية الإمام % الفائقة. أضف إلى ذلك، فالرؤية الولائية تفيد استقلالية القضاء في الحكومة الإسلامية إلى جانب كون القاضي موظفاً بالعمل على ضوء اجتهاده وفهمه الخاصّ للنصوص الدينية. وعلى أساس هذين المبدأين، فإن خرجت قضية القضاء عن محور الولاية، ولم تؤطر «بالولاية المطلقة» متمثلةً بالحاكم الإسلامي، عمّت الفوضى والاضطراب جميع شؤون المسلمين، وتخبّطوا خبط عشواء.

لذلك نرى الإمام علياً % يسند أمر القضاء إلى كبار ولاته على نحو التوكيل؛ ليتسنّى لهم نصب القضاة في كافّة المناطق والمدن([13])، كما ورد ذلك في عهده الذي عهده % إلى مالك الأشتر، ورفاعة والي الأهواز، ووالي الموصل، و.. والأمر الذي ينبغي الالتفات إليه في السياسة العلوية، أنّ الإمام % كان يقيّد ما يغدق على ولاته من صلاحيات، بالعمل على ضوء القرآن وسنّة رسول الله 2، فإن تجاوزها عامله وواليه عُزل عن منصبه بصورة تلقائية، وهذا ما جاء في حكمه % حين نصب ابن عباس والياً على البصرة؛ وبناءً على ما تقدّم، فقد تكفل النظام السياسي للمجتمع الإسلامي في عهد أمير المؤمنين % بأمر القضاء، حيث كان الإمام % يصدر أوامره بتعيين ممثله السياسي على ناحية، وكان يُلمح له بممارسته لشؤون القضاء أيضاً، إلاّ أن يصدر حكماً آخر فيختار إلى جانبه فرداً آخر للقضاء، ويظهر أنّ دراسة السيرة العلوية بهذا الخصوص تفيد اعتماد الإمام % أسلوبين في نصبه للولاة وممثلي الدولة:

1ـ إنّه كان يختار طائفةً من الأفراد لإدارة بعض النواحي الحسّاسة والكبيرة، من قبيل: الكوفة، والبصرة، والحجاز، ومصر و.. وهي الطائفة التي تسمّى بالولاة.

2 ــ الأفراد الذين كان ينصّبهم % لإدارة بعض النواحي الصغيرة والمحدودة، وهم الذين يمكن التعبير عنهم بالعمّال، ومن البديهي أن يكون هناك فارق في الصلاحيات بين الطائفتين:

فالطائفة الأولى «تتمتع بصلاحيات كثيرة، من قبيل: إقامة الجمع والجماعات، وممارسة القضاء، ونصب القضاة، وإمرة الجيش، وإدارة شؤون البلاد.. وقد فوّض الإمام% مثل هذه الصلاحيات إلى قيس بن سعد، ومحمد بن أبي بكر، ومالك الأشتر حين ولاّهم مصر، وعثمان بن حنيف، وابن عباس في البصرة، وحذيفة حين ولاّه المدائن، ولعلّه منح القثم بن العباس حين نصبه على مكة، وعبيد الله بن العباس حين ولاّه اليمن مثل هذه الصلاحيات»([14]).

أما الطائفة الثانية، «فهي تتمتّع بصلاحيات محدودة أضيق دائرةً من الطائفة الأولى، فقد تنهض أحياناً بمسؤولية إمرة القوات المسلّحة، وإمامة الجمعة والجماعة، في حين تفوّض مهمة القضاء إلى غيرها، كما يمكن أن تنهض أحياناً أخر بإدارة شؤون القضاء»([15])، وقد تُسند إليهم مهمّة إمرة الجيش، فقد اصطُلح على من يقوم بتلك الوظيفة اسم (صاحب الجند)، فقد أصبح عبدالرحمن مولى بديل بن ورقاء الخزاعي صاحب جند ــ أمير جيش ــ الكوفة والبصرة (دينور ونهاوند)، والأشعث بن قيس، والأسود بن قطبة صاحبي جند حلوان (منطقة سرپل ذهاب الحالية)، وأحياناً كانت تقتصر مهمّتهم على جباية الخراج والصدقات، كما هي الحال بالنسبة لمخنف بن سليم، ومصعب بن يزيد الأنصاري، وعبدالله بن زمعة، وقرظة بن كعب، والمسيب بن نجبة، وعبدالله بن أبي كرب، و.. فيما اقتصرت مهمّة البعض الآخر على إدارة شؤون القضاء مثل: شريح القاضي (قاضي الكوفة)، وأبي الأسود الدؤلي (قاضي البصرة)، ورفاعة بن شداد (قاضي الأهواز)([16]).

نستنتج مما مرّ أنّ الجهاز السياسي كان في الغالب توأم الجهاز القضائي في المجتمع الإسلامي، ما خلا بعض الحالات النادرة التي تقتضي المصلحة الفصل فيها بين هذين الجهازين; وما ذلك إلاّ للميزة التي تشتمل عليها «الولاية» التي تتخذ شكل الشبكة المنسجمة الواسعة والتي تأخذ بزمام الأمور في البلاد، حيث تعدّ الولاية على القضاء جزءاً من تلك الأمور؛ فالحكومة الولائية إنّما تتبلور من اتحاد ثلاثة عناصر هي: إدارة شؤون المجتمع؛ وتولي الشؤون القضائية؛ والفتوائية، والتي تؤدي في نهاية الأمر إلى تحقيق الهدف الأصلي المنشود، وبالطبع فإنّ «ولي الأمر» ــ بصفته المرجع الأعلى ــ هو الذي يتزعّم مثل هذه الحكومة، كما يختصّ به منصب إمامة الجمعة؛ فله أن يشغل هذا المنصب أو ينتدب إليه من ينوب عنه؛ وعليه فإنّ الحكم والحكومة والإفتاء وإن كانت ثلاث مقولات مختلفة، إلاّ أنّها بمثابة ثلاثة أبعاد لمفهوم واحد. والذي ينبغي الالتفات إليه هنا أن المسؤوليات الحكومية على الرغم من تداخل البعض منها مع البعض الآخر على عهد الإمام علي %، غير أنّ تعامل الإمام مع الأمور كان يفيد وجود جهاز منظم مقتدر يتولّى النهوض بتلك المسؤوليات.

 

الأجهزة والدواوين القضائية في عصر الإمام علي %

يشتمل الجهاز القضائي على أقسام أصلية، وأخرى فرعية، مرتبطة ببعضها، ومنسجمة مع الهدف الغائي الذي تقتضيه أجهزتهم التي يتولّون إدارتها؛ وهنا تأتي ضرورة البحث عن النظام إذا ما أردنا أن نسلّط الضوء على الطريقة والأساليب التي ينبغي أن يعتمدها الجهاز القضائي الذي يرمي إلى تحقيق العدالة([17]).

واستناداً لما ذكر، فإنّ تبلور النظام يتوقف على ركنين مختلفين، يلعب كلّ منهما دوره المؤثر بمعزل عن الآخر:

الركن الأول: الآلية المادية القضائية (الطاقات الإنسانية + المنطقة وحدودها + الوسائل والإمكانات).

الركن الثاني: الخطط والبرامج.

النقطة الضرورية الأخرى التي ينبغي الالتفات إليها، وجود جهاز منظّم مستقل للقضاء يمثل جزءاً من كلٍّ عام هو الدولة الإسلامية; أي أنّ انبثاق مثل هذا الجهاز المنظم في وسط المجتمع سيؤدي إلى بلورة الشأن القضائي الإسلامي، الذي يتمتع بالسعة، والشمولية، وبُعد الأفق الذي يهدف إليه الشارع المقدّس من تشريع الدين. فهذا الدين ليس امتداداً للنظام القبلي الذي يكون فيه الشأن القضائي سنّة من سننه الموروثة، وهو ما سنتناوله بالتفصيل لاحقاً.

ولعلّ المتتبع لا يرى من صعوبة في لمس مثل هذا الجهاز المنظّم في السيرة العلوية؛ فمثلاً يطالعك ذلك الجهاز بكثرة مؤسّساته وشعبه، من قبيل: ديوان شؤون القضاء، ديوان المظالم، ديوان المحاسبة (من أين لك هذا؟)، شرطة الحكومة، دكّة القضاء، بيت القصص، وقاضي التحقيق، و.. والتي تكامل كلّ منها فيما بعد ليتبلور على شكل مؤسّسة ومديرية، كما يمكن ــ بسهولة ــ التعرّف على المفردات الأخرى لهذا الجهاز المنظّم، من قبيل: الأحكام، القوانين، الضوابط والمقرّرات الداخلية، الأخلاق وآداب القضاء على ضوء الثقافة الإسلامية الغنية، إلى جانب اشتماله على القواعد والأحكام القضائية، وشرح المسائل الحقوقية. لكنّ القضية الحيوية التي تلفت الانتباه في هذا الأمر ــ بل في أجهزة الدولة العلوية كافة ــ إنّما تكمن في اعتماد مبدأ الإشراف العملي، الذي يتكفل تحقيق الهدف الغائي للإمام علي %، والذي كان يستند إلى بعض الأجهزة الخاصّة التي ابتدعها %.

الأجهزة القضائية

إذا أردنا النظر إلى مسألة الإدارة من وجهة نظر علم النفس، فسنتوصّل إلى حقيقة تفيد أنّ جذور بعض الحساسيات التي تشوب أعمال وبرامج المتنفذين، إنّما تعود إلى خصائصهم الذاتية أو الاكتسابية، كما أنّ الفراغ الروحي، والخواء الفكري، هو الذي يقف وراء التجاهل، وعدم الاكتراث بالتعامل مع بعض المسائل؛ فالسلطان الذي له حظّ من ثقافةٍ وعلم، إنّما يبذل قصارى جهده، ويسعى سعيه للنهوض بالعلوم والفنون، والعمل على تطوّرها وازدهارها إلى جانب إجلاله وإكباره للعلماء والمفكّرين، والحاكم العسكري يحث الخطى من أجل تقوية البُنية العسكرية للبلاد، ويولي عنايته الفائقة للقضايا العسكرية.

أما قضية العدل والعدالة، فلو استعرضنا تاريخ الحكام والسلاطين كافة على مدى التاريخ البشري، وبشهادة المؤمن والكافر، والعامّ والخاص، والداني والقاصي، لوجدناها تجسّدت في الإمام علي بن أبي طالب %، بل يمكننا الادعاء بضرس قاطع أنّ شهادة الإمام % كانت بمثابة موت العدالة.

قال رسول الله 2 في معرض حديثه عن أصحابه: «أقضاهم علي بن أبي طالب»([18])، وقال عمر بهذا الشأن : «عليّ أقضانا»([19]).

لقد كانت العدالة من الخصائص الذاتية التي اتسمت بها شخصية الإمام %، حتى أصبحت جزءاً من حقيقة وجوده; الأمر الذي جعل رسول الله 2 يكشف لصحبه النقاب عن حقيقة هذا الرجل، الذي يمثل الحدّ الفاصل بين الحقّ والباطل فينعته بالفاروق، ثم ينبئ أصحابه بأنّ الفتن ستهجم عليهم من بعده كقطع الليل المظلم، فيوصيهم بالتمسّك بعلي بن أبي طالب واقتفاء أثره كونه فاروق الأمّة([20]).

وناهيك عن سائر العوامل التي ذُكرت في ما يتعلق بضرورة توسيع وتطوير المؤسّسة القضائية، إلاّ أنّ العامل المهمّ الآخر الذي حظي بعناية الإمام % حين تسلّم زمام الأمور، إنّما يتجسّد في صفة العدل الملازمة والمتجذرة في وجود الإمام %. ومما لا شك فيه أنّ العدل يمثل روح القضاء وغايته السامية، ولذلك نرى التطوّر والإبداع الفائقين اللذين شهدهما النظام القضائي على عهد الإمام %. ولا يسعنا هنا إلاّ أن نشير إلى بعض تفاصيل هذا الأمر بقدر ما يسمح به المقال.

1ـ ديوان شؤون القضاء

لا نتحدّث هنا عن الديوان المعاصر بما يعرفه من تعقيد وشمولية؛ فكما ذكرنا آنفاً لم تكن هناك من ضرورة لمثل ذلك، بسبب ضيق دائرة القضايا الاجتماعية آنذاك من جهة، واقتداء أمير المؤمنين % بالسيرة النبوية القائمة على أساس البساطة والوضوح ــ قدر المستطاع ــ من جهة أخرى، بل مرادنا الماهية النوعية للبرامج والمشاريع المتناسبة والمتعاضدة، والتي تفيد بآليتها وجود شعبة قضائية تقوم بممارسة وظيفتها على ضوء المقتضيات ضمن النظام القضائي العام. وإننا لندرك وجود سمة البساطة الأولية لهذا الديوان في عهد الإمام علي % من خلال بعض الشواهد والقرائن:

أولاً: كتب علي باشا صالح ــ في حاشية الصفحة 392 من المجلد الأول من ترجمته لكتاب «التاريخ الأدبي لإيران» نقلاً عن كتاب مصنفات الشيعة الإمامية في العلوم الإسلامية لشيخ الإسلام العلامة الزنجاني ــ أنّ الغاية من تأسيس الديوان على عهد عمر، تعريف المسلمين بعادات وسنن الأقوام الأخر، وقد أورد إدوارد براون في ذلك الكتاب (صفحة 303) نقلاً عن الفخري، أنّ أحد حراس الثغور من الإيرانيين في المدينة قد أطلع عمر على تجربة الملوك الإيرانيين بشأن الديوان، فما كان من عمر إلاّ أن استحدث جهاز الديوان، وقد تطرّق إلى هذا الأمر ابن خلدون في مقدمته([21]). ويبدو أنّ ذلك الديوان إنّما كان ديوان محاسبات بيت المال، والذي كان رائجاً على عهد الإمام علي %.

ثانياً: أوصى رسول الله 2 في عهده الذي عهده إلى الإمام علي % بأن يتفقّد شؤون القضاة، وما يصدرونه من أحكام، حتى لا يكون هناك اختلاف في الحكم، فإنّ اختلاف الحكم يوجب هتك الدين وتضييع العدالة([22])، كما أوصى الإمام علي % مالكاً في عهده الذي عهده إليه قائلاً: «ثم انظر في أمور عمّالك فاستعملهم اختباراً.. ثم تفقّد أعمالهم..»([23]).

إضافة إلى ذلك، فقد كان للإمام % كتّاباً يتولّون كتابة مختلف القضايا، فقد ذكر علي باشا صالح في إطار تعليقه على خبر الديوان: إنّ جمعاً من أصحاب أمير المؤمنين علي % كانوا يجمعون ويدوّنون بعض خطبه ومواعظه وكلماته القصار.. فقد روي أن زيد بن ثابت كان يدوّن الأخبار المرتبطة بالفرائض، وابن عباس الأخبار المتعلّقة بالفتاوى([24])، وتفيد بعض الروايات أن عبيد الله بن أبي رافع كان يكتب رسائل الإمام% إلى جانب كونه خازناً لبيت المال([25])، كما كان يتولى كتابة ديوان القضاء. وقد روى العلاّمة المجلسي حديثاً عن أصول محاكماته % جاء فيه: «إنّ صبياً كان يبكي بشدة، فسأله علي % عما يبكيه، فأجاب الصبي: لقد سافر والدي مع جماعة، ولما عادوا أخبروني بأنّ والدي قد مات، وقد أقسم عليهم شريح فحكم ببراءتهم، وقد كان لوالدي ثروةٌ عظيمة لم يأتوا بها؛ فسأل علي % شريحاً عن الموضوع، فقال: إنّما قضيت فيه بحكم الله، فأمر الإمام باستجواب أصحاب الرجل، ثم أمر كاتبه بكتابة إقرارهم حتى فهم من تناقضهم أنهم يكذبون، فحكم لصالح الصبي»([26]).

وتفيد هذه الرواية وجود كاتب عدل في المحكمة، الأمر الذي نشاهده بوضوح في المحاكم من بعد الإمام %، وعليه فقد استفدنا بعض الوقائع التي دلّت على وجود ديوان لدى الإمام %، يمكن أن نسمّيه بديوان الشؤون القضائية.

2ـ ديوان المظالم

تعرف المحكمة ــ أو دار العدالة ــ على أنها المكان الذي يترافع إليه الأفراد من أجل حلّ النزاعات، والخصومات، وإحقاق الحقوق المضيّعة، وذلك من خلال القاضي الذي يستمع إلى الدعاوي فينتصر للمظلوم من الظالم، ويعيد إليه حقوقه المغتصبة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما العمل إذا كان الظالم أحد رجال الحكومة؟ ما حيلة المظلوم وأين له أن يرفع شكواه؟ لقد أجاب الإمام علي % عن هذا السؤال عملياً بتشكيله مرجعاً قضائيّاً أعلى، وظيفته استجواب رجال الدولة من أصحاب النفوذ والقدرة السياسية، وقد اصطُلح عليه اسم «بيت المظالم». ومن البديهي أن يتعذر على مثل هذا الجهاز أن ينتصر للمظلوم من الظالم، ويعيد إليه حقوقه كاملةً غير منقوصة، ما لم يتولّ إدارته ــ وبصورة مباشرة ــ شخص الحاكم الإسلامي، الذي نهض بمسؤولية زعامة الدولة الإسلامية. كما لابدّ لهذا الحاكم في الجهاز المذكور من الاستعانة بالعناصر القضائية الكفوءة، والفقهاء البارعين في الفقه والحقوق، والعلماء، والمفكّرين من ذوي الخبرة والاختصاص في العلوم والفنون المتداولة، إلى جانب تحلّي الجميع بالالتزام والشدّة، وعدم التهاون في اتخاذ القرارات والعمل على تنفيذها.

ويعتقد ابن خلدون أنّ علي بن أبي طالب % قد فوّض لقاضيه أبي إدريس البتّ في المظالم، ويرى المقريزي([27])أنّ أول من خاض في الإسلام في مسألة المظالم هو علي بن أبي طالب %، وأول من خصّص لها يوماً معيناً هو عبدالملك بن مروان([28])، كما أورد باقر شريف القرشي في كتابه «نظام الحكومة والإدارة في الإسلام» أنّ الإمام عليّاً % هو مؤسّس هذا الجهاز في الدولة الإسلامية؛ حيث خصّص له بيتاً في المدينة، أسماه «بيت المظالم»، ثم أمر الناس بكتابة شكواهم في كتاب و..([29]).

ويعتقد ابن خلدون أنّ الخلفاء الأوائل هم الذين كانوا يقومون بهذه الوظيفة حتى زمان الخليفة العباسي المهتدي؛ الذي أوكل هذه المهمة إلى القضاء، وقد كان النهوض بهذا الأمر ومحاسبة الظالم ــ الذي ربما يكون من أصحاب الجاه والسطوة والنفوذ في الدولة ــ يتطلّب شدة الحاكم الإسلامي وعدالته القضائية، فمثل هذا الحاكم يفصل في الأمور ما يتعذر القيام بمثله على سائر القضاة([30])؛ ولذلك يرى علماء الإسلام أنّ الفرد الذي ينبغي أن يقوم بهذه الوظيفة الخطيرة، لابد أن تتوفر فيه بعض الخصائص والصفات، من قبيل: القوة، والسطوة، والجاه، والهيبة، وشدّة العدل، والعلم التام بالأحكام، والورع، والتقوى، والزهد، وعدم الحرص والطمع، كما لابدّ أن يكون أعظم شأناً من عناصر الحكومة السياسية والإدارية والعسكرية كافة.

ويعتبر هذا الديوان العالي للقضاء من أخطر الأجهزة وأعظمها حساسيةً، بفضل مهمته التي تكمن في السيطرة والإشراف على سائر أجهزة الدولة، فقد أشرنا سابقاً إلى عظم وظيفته، والتي تتمثل باستيفاء الحقوق من قبل الأفراد والعناصر المتنفّذة في الدولة، والتي يتعذر على عامة الناس الوقوف بوجهها والدفاع عن حقوقهم أمامها.

وأخيراً، يخلص العلماء والباحثون المسلمون ــ على ضوء سيرة السلف وما ورد من نصوصٍ فقهية ــ إلى أنّ وظائف هذا الديوان يمكن إيجازها فيما يلي:

1 ــ النظر في شكاوى الناس التي يرفعونها ضدّ الولاة والعمّال عند انحرافهم عن الحقّ والعدل.

2 ــ البتّ في الدعوى المتعلّقة بفساد الولاة وأخذهم الرُّشى.

3 ــ النظر في وظائف سائر الدواوين الإدارية والمالية في البلاد.

4 ــ النظر في شكاوى العمّال والموظفين الذين يتسلّمون أجورهم من الدولة.

5 ــ استعادة الحقوق والأموال المغصوبة، أياً كان غاصبها.

6 ــ الإشراف على الأوقاف العامّة والخاصة؛ من أجل التأكّد من صحّة العمل بها.

7 ــ إمضاء وإنفاذ أحكام القضاة.

8 ــ معاقبة الولاة والعمّال وعناصر الدولة في حالة خروجهم عن جادّة الصواب وارتكاب بعض المخالفات.

9 ــ تأخير بعض الأحكام لما بعد الفحص عن الحقّ.

10 ــ إجبار المتخاصمين على الصلح في بعض الحالات.

11 ــ الإشراف على القيام ببعض المناسك والعبادات([31]).

3 ـ شرطة الحكومة

ليس المراد بالشرطة أجهزة الأمن الداخلية المتعارفة في الوقت الراهن، ولا القوات الخاضعة لزعيم البلاد أو رئيس الجمهورية أو.. بل ــ كما أورده ابن الأثير في نهايته ــ خاصّة أصحاب الحاكم الذين يقدّمهم على سائر أفراده وجيشه.

ويعتقد ابن خلدون أنّ الحاكم الإسلامي هو الذي كان يتولّى النظر في المظالم، حتى تسلّم العباسيون الخلافة الإسلامية؛ ففوّضوا هذه الوظيفة إلى «صاحب الشرطة»([32]).

وأما الوظيفة التي كان يقوم بها هذا الجهاز، فتتمثل ــ حصراً ــ بضمان تنفيذ الأحكام التي يُصدرها «ديوان المظالم». يقول ابن خلدون في مقدمته: إنّ جهاز الشرطة كان جهازاً مستقلاً يتولّى استيفاء الحقوق بعد إصدار الحكم من قبل القاضي، وربما تعلّق الحكم بالحدود والدماء؛ فكان الحاكم الإسلامي يولي أهميةً لهذا المنصب، ويفوّضه إلى كبار الشخصيات من خاصّته ومقرّبيه.

ويكتب باقر شريف القرشي بهذا الشأن؛ فيقول: «إنّ المشهور بين المسلمين أنّ عليّاً% هو أول من أسّس هذا الجهاز، حيث اختار جماعةً من جيشه، أطلق عليهم اسم «شرطة الخميس»، وقد كان أفرادها مشهورين بالعدالة والوثوق، بحيث إنّ شهادة أحدهم كانت تعدل شهادة شخصين..»([33]).

ولم تكن الشرطة التي أوجدها الإمام % هي تلك التي اصطُلح عليها بالعسس؛ لأنّ عمر بن الخطاب هو الذي بادر إلى إنشاء هذه الأخيرة، ويبدو أنّ الضرورة التي دفعت بالإمام إلى تأسيس شرطة الخميس ــ والتي استمرّت فيما بعد، كما يصرّح بذلك ابن النديم ــ كانت قضية العهود التي كانت تُنقض من قبل كبار الصحابة، من قبيل طلحة والزبير؛ فقد شكّل الإمام % ذلك الجهاز من خلّص أصحابه وخواصّه، وجعلهم أربع فئات: الأصفياء؛ والأولياء؛ وشرطة الخميس؛ والأصحاب، والتي كان يهدف الإمام منها توكيد المواثيق في الدفاع عن كيان الإسلام، فقد خاطبهم الإمام % بقوله: إني أشارطكم على الجنّة، ولست أشارطكم على ذهب ولا فضة([34]). وبالطبع فإنّ الأهداف المقدّسة التي كان ينشدها الإمام من أجل تحقيق العدل، وفي مقدّمتها استعادة الأموال المغصوبة من بيت المال من قبل أصحاب السطوة والنفوذ، وإيقافهم عند حدّهم، وإعادتهم إلى جادّة الحق والصواب، إنّما كانت تتطلّب وجود ديوان المظالم، وهذا الجهاز هو الذي ينهض بهذه المسؤولية الخطيرة في استيفاء الحقوق من الأقوياء، إلى جانب ضمان سلامة تنفيذ الأحكام.

وهنا يتوجّب على الحكّام والمجتمعات كافة التي تنشد العدالة الاجتماعية، وتسعى إلى تحقيقها، أن تحتذي السياسة القضائية العلوية التي هدفت إلى تحقيق هذا الأمر، وإن كانت الوقائع التاريخية تشير إلى استغلال هذه الأجهزة من بعد
الإمام %، وتسخيرها إلى عكس ما كان يهدف إليه الإمام نفسه.

 

4 ـ دكّة القضاء

ما تفيده سيرة النبي 2 والخلفاء من بعده أنّ القضاء كان يقع في المسجد، ويرى بعض المعنيين بالحقوق والقوانين أنّ ممارسة القضاء في المسجد، إنّما تعبّر عن الرؤية الحقوقية للمدرسة الإسلامية، التي تفيد علنية تشكيل المحكمة وإصدار الأحكام([35])، فكان يطلق على تلك الوقائع التي تتضمن ممارسة القضاء وإصدار الحكم اسم «مجلس الحكم» أو «مجلس الخصوم» أو «دار القضاء» أو على نحو التعبير المتعارف السائد اسم «المحكمة»([36]).

وأما متى انتقلت هذه المحكمة لأول مرة من المسجد، فقد صرح ابن عساكر بأنّ الخليفة الثالث عثمان بن عفان قد بنى داراً خاصّة أطلق عليها اسم «دار القضاء»([37])، ولا يعلم هل كان ذلك المكان قد خصص لتنفيذ الأحكام أم للنظر في القضايا وصدور الأحكام؟ ويبدو أنه لم يقل بهذا الكلام أحدٌ غيره. ولذلك يمكن الاعتقاد بأنّ «دكّة القضاء» التي أمر الإمام علي % بتأسيسها في مسجد الكوفة؛ هي اللبنة الأساس لتخصيص مكان معروف لإدارة شؤون القضاء([38])، وإن لم يُذكر مكانٌ بالخصوص في الإسلام لهذا الأمر، وما زال هذا المكان يُعرف بهذا الاسم إلى يومنا هذا، بل وصلتنا عدّة روايات بهذا الشأن([39]).

 

5ـ بيت القِصَص

لا يهدف أمير المؤمنين % من الحكومة إلاّ بسط العدل والقسط؛ ولذلك جهد وسعه من أجل النهوض بمسألة القضاء، إلى جانب محاولاته لخلق الأرضية اللازمة للقضاء على الظلم والجور، فكان تأسيس ديوان المظالم يمثل أحد الإجراءات التي اتخذها من أجل تحقيق هذا الهدف، والإمام % ورغم طلاقة وجهه، وتعامله مباشرةً مع الناس، وهو الأمر الذي ما انفكّ يؤكّده على ولاته وعمّاله، كما في عهده الذي عهده إلى مالك الأشتر: «فلا تطولن احتجابك عن رعيتك، فإنّ احتجاب الولاة عن الرعية شعبةٌ من الفسق..» ورغم أن الناس كانوا يرفعون إليه شكواهم دون أي وازع ــ كما مر في قصّة سودة بنت عمارة ــ إلاّ أنه وحذراً من احتمال حصول بعض الموانع ــ وربما الخجل والحياء ــ التي تحول دون حضور الشاكي شخصياً، فقد أنشأ بيتاً أسماه «بيت القصص»، وخصّصه لمثل أولئك الأفراد؛ كي يكتبوا شكواهم ويضعوها هناك، فكان يتفقدها% بنفسه ويردّ عليها([40]).

 

صفات القاضي

لا شك أنّ الإسلام هو الدين القائم على أساس إرادة الإنسان واختياره، بحيث ترك له الخيار في سلوك سبيل الرشد أو الغي، لكنّ خياره إنّما يصحّ إذا كان يتحرك ضمن الإطار المشروع، والمراد بهذا الإطار المشروع هو الحقوق والحدود التي يجب على الإنسان مراعاتها، والتقيد بها من أجل نيل سعادته الدنيوية، وبعبارة أخرى: إنّ الإنسان حرّ ومختار في ممارسة حقوقه، بحيث لا يمسّ حقوق الآخرين، غير أنّ الحرص والطمع قد يسيطران عليه فيعميان بصره وبصيرته، ويجعلان منه حيواناً ضارياً لا يعرف لنفسه حدوداً ولا قيوداً.

وهنا يأتي دور فلسفة الحكومة الدينية، ومن ثم دور القضاء، وبعبارة أخرى: إنّ الجهاز القضائي هو الذي يتكفل رسم الإطار الحقوقي، وتعيين حدود الحريات التي ينبغي ممارستها في الحياة الاجتماعية؛ وعليه فأيّ خلل ونقص يتعرّض له هذا الجهاز، إنّما يؤدّي ــ تلقائيّاً ــ إلى اضطراب جميع مرافق الحياة، والنظام العام للمجتمع؛ من هنا تأتي خطورة هذا الجهاز الذي يقوم بوظيفته الإصلاحية في المجتمع، وتتمثل بضمان سلامته من خلال إعادة الأفراد إلى جادّة الصواب. وهذا ما جعل الإمام % يكرّس حياته ــ قولاً وعملاً ــ من أجل ضمان سلامة هذا الجهاز والحفاظ على فاعليته وديمومته، وقد أكد الإمام هذه القضية في موضعين من نهج البلاغة; أحدهما في عهده الذي عهده إلى مالك الأشتر حين ولاّه مصر، والآخر في خطبته السابعة عشرة.

فقد عدّ % في الخطبة الأولى صفات القاضي على ضوء ما تقتضيه الشريعة السمحاء، فيما تطرّق في الخطبة الثانية إلى القضاة الجهال الذين ليس لهم حظ من علم أو معرفة؛ فخاطب % مالكاً حين ولاّه مصر قائلاً: «واعلم أنّ الرعية طبقات، لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله.. ومنها قضاة العدل.. ثم اخْتَر للحكم بين الناس أفضل رَعيتك في نفسك ممّن لا تضيق بهِ الأمور، ولا تُمَحِّكُهُ الخُصُومُ، وَلا يَتَمَادَى فِي الزَّلة، ولا يَحصر من الفَيءِ إلى الحق إذا عَرَفَهُ، وَلا تُشْرِفُ نفسه على طمعٍ، ولا يَكْتَفي بِأَدْنى فَهْمٍ دونَ أقصَاهُ، وَأوْقفهم في الشُبُهات، وآخذهم بالحُجج، وأقلهم تَبَرّماً بمراجعة الخصم، وأصبرهم على التكشف للأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم، ممّن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميله إغراء»([41]).

ثم يذكر % صفة من يتصدّى للحكم بين الأمة وليس لذلك بأهل، فيقول: «إنّ أبغض الخلائق إلى الله رجلان: رجلٌ وكله الله إلى نفسه; فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بكلام بدعةٍ، ودعاء ضلالةٍ، فهو فتنة لمن افتتن به، ضالّ عن هدي من كان قبله، مضلّ لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمّال خطايا غيره، رهن بخطيئته؛ ورجل قمش جهلاً، مُوضِعٌ في جهّال الأمة، عادٍ في أغباش الفتنة، عَمٍ بما في عقد الهُدنة، قد سمّاه أشباه الناس عالماً وليس به، بَكَّر فاستكْثر من جمع، ما قلّ منه خيرٌ مما كثر، حتّى إذا ارتوى من ماءٍ آجن، واكتثر من غير طائل، جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره، فإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشواً رثاً من رأيه، ثم قطع به، فهو من لَبْسِ الشبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، فإن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، وأن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب، جاهلٌ خباط جهالات، عاش ركّاب عشوات، لم يعضّ على العلم بضرسٍ قاطع، يذرو الروايات إذراء الريح الهشيم، لا مليّ ــ والله ــ بإصدار ما ورد عليه، ولا هو أهل لما فوّض إليه، لا يحسب العلم في شيء ممّا أنكره، ولا يرى أنّ من وراء ما بلغ مذهباً لغيره، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه، تصرخ من جور قضائه الدماء، وتعجّ منه المواريث، إلى الله أشكو من معشرٍ يعيشون جهّالاً، ويموتون ضلالاً، ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تُلي حقّ تلاوته، ولا سلعة أنفق بيعاً ولا أغلى ثمناً من الكتاب إذا حرّف عن مواضعه، ولا عندهم أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر»([42]).

ما يفهم من خطبه الغراء ــ لا سيما الخطبتين المذكورتين ــ أنّ الأوضاع التي كان يعيشها الجهاز القضائي حين تسلّم الإمام % زمام الأمور كانت متردّيةً للغاية; فمن جهة جلس للقضاء بعض الأفراد الذين لا يمتلكون أهلية الحكم، فتلاعبوا بمقدّرات الناس ومصائرهم، ومن جهة أخرى فقد كان هناك تداخل بين الجهاز القضائي والجهاز الحكومي، فما كان من الإمام % إلاّ أن أمر بفصل السلطتين عن بعضهما ــ السلطة القضائية والتنفيذية ــ كما حدث ذلك في العصور التي تلت عصره %; وهو الأمر الذي توصّل إليه بعض الباحثين من مضمون العهد الذي أمضاه الإمام % إلى مالك: «فممّا لا شك فيه أنّ والي المدينة أو الناحية على عهد الإمام علي % لم يكن قاضياً أو رئيساً للقضاء، بعبارة أخرى فأقلّ ما حصل على عهد الإمام هو انفصال الأجهزة القضائية عن الأجهزة التنفيذية»([43]).

ولعلّ عدم الفصل بينها يعود إلى الفهم الذي كان سائداً آنذاك لمفهوم «الولاية» ودائرتها المعنوية؛ ورغم كونه صحيحاً، إلاّ أننا إذا قلنا بحقّ ولي الأمر في ممارسة ولايته على القضاء، فإنّ ذلك ليس فقط لا يتنافى وقضية الفصل فحسب، بل من شأنه أن يضاعف من قوّة الحاكم واقتداره([44]).

أضف إلى ذلك، فإنّ مضمون العهد يكشف عن الطرق العملية لتفعيل الجهاز القضائي، وإن كانت هذه الطرق تستند إلى الملاكات والمعايير الأخلاقية، غير أنها تشتمل على أمور سلوكية عملية بارزة واضحة، مع العلم أنّ الإمام % يوضح في عهده هذا ــ وسائر كتبه وعهوده إلى جميع ولاته وعماله ــ المعايير والملاكات السلوكية العامة: «ثم انظر في أمور عمّالك فاستعملهم اختباراً، ولا تولّهم محاباة وإثرة، فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة. وتوخّ منهم أهل التجربة والحياء، من أهل البيوتات الصالحة، والقدم في الإسلام المتقدمة، فإنّهم أكرم أخلاقاً، وأصحّ أعراضاً، وأقلّ في المطامع إشراقاً، وأبلغ في عواقب الأمور نظراً»([45]).

والواقع لو التفت مسؤولونا الإصلاحيّون لهذه المسألة النفسية في اختيار الأفراد، وتفويض المسؤوليات والمناصب الحكومية إليهم؛ لحلّت مشاكل المجتمع وحفظ من الأخطار والآفات كافة.

استقلال القضاء والسلطة القضائية

تعتبر استقلالية القاضي من الأهداف التي بذل الفلاسفة والمفكّرون قصارى جهدهم من أجل تحقيقها؛ إلاّ أنّ هذه المسألة لم تكن بـحاجة إلى ذلك كلّه في الشريعة الإسلامية أبداً؛ وذلك لأنّ الإسلام ما انفكّ ينادي بها منذ انبثاق دعوته، فمثلاً، حين بعث رسول الله 2 معاذ بن جبل إلى اليمن، سأله ــ على نحو الاختبار ــ : كيف ستقضي بين أهل اليمن؟ فأجابه قائلاً: بكتاب الله. ثم سأله 2: فإن لم يكن ما تريد؟ قال: فبسنّة رسول الله 2. قال 2: فإن لم يكن فيها ما تريد؟ قال: «أجتهد رأيي»؛ فقال رسول الله 2: الحمد لله الذي هدى رسوله للعمل بما يرضيه([46])، وهذا إنّما يفيد الاستقلال التام للقاضي في ممارسة وظيفته.

وهنا لابدّ من الالتفات إلى نقطة ضرورية في هذا الشأن، وهي أنّ المسألة التي نبحثها شأنها كشأن الحرية ــ مثلاً ــ في إمكانية اشتمالها على بعض المغالطات؛ فهي تحتمل عدّة وجوه ومعان، وعلى سبيل المثال:

أ ــ الاستقلال الابتدائي، نظير الحالة التي كانت سائدةً في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، حيث يتمتّع القاضي في ظلّها بالحريات كافة، وليس هناك من حدود تقف أمامه سوى الإطار العام الذي يتمثل بزعيم القبيلة.

ب ــ الاستقلال المدني، والذي يمكن أن يتجسّد في أحد المعاني الثلاثة الآتية:

1 ــ الاستقلال عن الحكومة لا الحاكم، بحيث يتمكّن من الهيمنة على سلطات النظام الحاكم في البلاد، سوى الحاكم.

2 ــ الاستقلال عن الحكومة والحاكم بالشكل الذي يجعل أرفع مسؤولي البلاد خاضعين منقادين له.

3 ــ الاستقلال عن سائر السلطات الحاكمة في البلاد، بحيث لا تخضع مؤسّساتها لسائر السلطات.

ج ــ الاستقلال الشامل، ويراد به عدم تبعيّة القاضي، وبصورة عامة الجهاز القضائي، للحاكم أو الحكومة أو أية سلطة حاكمة في البلاد، بما فيها السلطة التشريعية والمؤسّسة التي تتولى مصادقة قراراتها وقوانينها، فالقاضي يرى نفسه أجلّ شأناً من الجميع. ولا نريد هنا أن نخوض في تفاصيل هذا الأمر، إلاّ أننا سنسلّط الضوء على جانب مما ورد في السنّة؛ لتتضح لنا حقيقة المسألة.

فمقبولة عمر بن حنظلة([47])، ومشهورة أبي خديجة([48])، تفيد المرادفة بين القاضي والحاكم الإسلامي; أي أنهما يتمتّعان بالمنزلة والمكانة نفسها؛ فقد ترافع أمير المؤمنين% في قضية الدرع ــ رغم كونه الحاكم الإسلامي آنذاك ــ مع ذلك اليهودي إلى قاضيه شريح، الذي لم يفرّق بينهما، ثم أصدر حكمه لصالح اليهودي ضدّ الإمام % ([49])، ويوصي أمير المؤمنين % مالكاً بشأن القاضي فيقول: «وافسح له في البذل ما يزيل علّته، وتقلّ معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصّتك، ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك»([50]).

ومما لا شك فيه، أن روعة هذا الأمر تكمن في كون الإمام علي % قاضياً قبل صيرورته الحاكم الإسلامي، بل كان «أقضى الناس» في الإسلام([51])، وصاحب الكلمة المشهورة التي لم يقلها ولن يقولها أحد بعده: «سلوني قبل أن تفقدوني»([52]).

ولا يعني استقلال القاضي ما يؤدّي به إلى الفساد والطغيان؛ وذلك لأنّ الشرط الرئيس الذي ينبغي توفّره في من يصرّف شؤون القضاء هو العدالة، مضافاً إلى سعة الاطلاع الديني وفهم النصوص، فانعدام أيّ من هذين الشرطين أو ضعفهما إنّما يؤدي ــ طبيعياً ــ إلى عزل القاضي، وعدم صلاحيّته لممارسة القضاء.

وبغض النظر عمّا سبق، فهناك ــ كما أسلفنا ــ ديوان المظالم الذي يتولّى الإشراف على سير أعمال القاضي، وقيامه بوظائفه، ولعلّه يعرّضه للاستجواب والمحاكمة في بعض الحالات، من هنا نتبيّن سلامة الجهاز القضائي في الإسلام، وعدم الخشية عليه من الزلل والانحراف عن جادّة الصواب.

 

ميزان النظام القضائي الإسلامي

يعترف بعض المستشرقين ــ من غير المسلمين ــ أنّ الإسلام وإن كان يمثل الدين السماوي الفتيّ بالنسبة لسائر الأديان الإلهية; إلاّ أنه استطاع خلال مدّة قصيرة أن ينشر ظلاله على معظم أنحاء العالم، ويتحف البشرية بنظامه الاجتماعي المتكامل، بما جعله يستقطب أفكارها ويشدّ أنظارها إليه، بحيث لم تتوانَ شعوب البلدان المتحضرة آنذاك ــ والتي تمثلت بالشعب الإيراني الذي أحرز تقدّماً ملموساً على مستوى العلم والمدنية؛ والشعب الروماني الذي برع في الحقوق والفلسفة ــ عن التخلي عن حضارتها الممتدّة لآلاف السنين، وحكوماتها الراقية، والنزوع نحو النظام الحقوقي الإسلامي وحكومته الإسلامية الفذة. ولنا أن نتساءل: ما هو السرّ الذي يكمن وراء ذلك؟

لعلّ هناك أسباب ودوافع عدّة، إلاّ أنّني أرى أنّ الخصائص التي تميّز هذا الدين، وفي مقدّمتها فقهه الشمولي والواقعي، الذي استطاع أن يناغم طموح العدالة التي تصبو إليها الملايين من أبناء الشعوب الآسيوية، والإفريقية، والأوروبية، والشرق أوسطية (والأمريكية خلال القرون الأخيرة)، هو الذي دفعها للالتفاف حول الإسلام، والإيمان بأحكامه وتعاليمه. ففي الحقيقة، النظام الحقوقي الإسلامي ينظر إلى الإنسان بما هو إنسان، بعيداً عن الاعتبارات كافة، على أنه «خليفة الله في الأرض» دون أن يرى من فارق بين هذا وذاك، فقد ورد عن علي % أنه قال: «أيها الناس! إنّ أبناء آدم لم يلدوا عبداً ولا أمة، وإنّ الناس كلّهم أحرار». وعن النبي 2 قوله: «أيها الناس إنّما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ»([53])، ذلك النظام هو الذي يقف وراء اعتلاء كلمة الحق وانتشار نور الإسلام.

وعلى ضوء تلك الرؤية تجاه الإنسان، استطاع الدين أن يقدّم أنموذجه الفريد في العدل والمساواة بالشكل الذي جعل البشرية تحتذيه في مسيرتها على مرّ الدهور والعصور، الأنموذج الذي أضاء الظلمات، وحمل على كفّيه مشعل الحقّ والعدل بسنته القولية والفعلية والإقرارية، وكما نعلم فإن النظام القضائي المتطوّر والمقتدر هو النظام الذي تسوده الحقوق السامية والنبيلة؛ ذلك أنّ الفرد الذي ينشد العدالة من خلال نظام اجتماعي بدائي يقوم مبدئياً على أساس التمييز، وعدم المساواة في الحقوق، لا يمكنه أن يحرز أيّ نجاح في هذا المجال; لأنّ الإطار العام للحقوق الجماعية المشروعة في عرف ذلك النظام، تحول دون حريته في الحركة بغية الظفر بحقوقه. أما المدرسة الإسلامية، وبفضل اشتمالها على النظام الحقوقي الراقي، القائم على أساس الرؤية الإنسانية، فقد عرضت جهازاً قضائياً عملياً أصبح بعد ثلاثة عشر قرناً أنموذجاً حيّاً للغرب، الذي ما زال يحث الخطى للتوصّل إلى مثل هذا النظام.

خصائص النظام القضائي العلوي

غالباً ما كانت تعتمد الأنظمة القضائية السائدة في جميع أنحاء العالم، وعلى مدى التاريخ منذ أقدم عصور الحضارة البشرية، من العصر السومري ثم عصر حمورابي، حتى العصور الوسطى، من القرن الثالث إلى القرن الثالث عشر أو الرابع عشر للميلاد، على أسلوبين لا ثالث لهما:

1 ــ أسلوب توجيه الاتهام.

2 ــ أسلوب التفتيش([54]).

ويمثل أسلوب الاتهام أقدم الأساليب وأكثرها انتشاراً، فعلى ضوئه يستلزم النظر في الدعوى والبتّ فيها وجود الشاكي، الذي يرفع شكواه إلى الحاكم ويطلب المرافعة، إلى جانب وجود هيئة المحلّفين، ثم يمارس القاضي وظيفته التي تكمن في إصدار الحكم. أضف إلى ذلك، واستناداً إلى هذا الأسلوب، على المدّعي ــ الشاكي ــ أن يطرح جميع أدلّته ضدّ المتهم قبل انعقاد المحكمة واتخاذ الحكم، فليس هنالك من مرحلة من قبيل التحقيق والاستجواب التي تسبق المحاكمة.

أما أسلوب التفتيش، فهو على العكس من سابقه، حيث يستغرق القاضي معظم وقته في مراحل التحقيق والتفتيش بشأن ارتكاب الجرم؛ واستناداً إلى هذا الأسلوب يكون القاضي هو المدّعي العام، فلا حاجة لوجود مدعٍّ شخصي.

وعادةً ما تكون المحاكمات غير علنية لا ترافع فيها، كما ليس لوكيل الدفاع الخوض في مراحل التحقيق، وهنا يمكن احتمال وجود نظام ثالث هو النظام المختلط، الذي يشتمل على مراحل التحقيق التمهيدية على غرار ما ورد في نظام التفتيش، وأن يكون هناك مدّعٍ، إلاّ أنّ النظر في القضايا والبتّ في الدعاوى يتمّ على أساس أسلوب توجيه الاتهام الآنف الذكر.

ونريد هنا أن نتعرّف على الأسلوب القضائي الذي اعتمده الإمام علي %، هل كان أحد تلك الأساليب أم شيء وراءها؛ فالتأمل في بعض القضايا والأحكام التي اعتمدها %، يفيد أنه نظر في بعض القضايا بحضور المدّعي وطلب المرافعة، غير أنه وبغية إزالة الغموض والوقوف على واقع الأمر عمد إلى أسلوب الفحص والتفتيش والتحقيق، فقد استهلّ كتابه الذي بعث به إلى والي الموصل، وفوّض له فيه التحقيق بشأن قتل الخطأ الذي وقع في زمانه بالعبارة التالية: «فافحص عن أمره»([55])، أو الحكم الذي صدر بشأن قضية الفتاة التي أزيلت بكارتها، وقد اتهمت بارتكاب الزنا، وطريقة الفحص التي اعتمدها الإمام % كانت بواسطة امرأة من أهل الخبرة ([56])، فيما عمد% إلى التحقيق مع عدد من الأفراد الواحد بعد الآخر، في قضية ذلك الصبي الذي سافر والده، ثم رجع من كان معه فأخبروه بوفاة أبيه، حتّى ظن الصبيّ أنهم قتلوه، فقد أراد الإمام % أن يقف على سرّ القضية([57])، رغم أنّ قاضيه شريحاً قد ألزمهم سابقاً القسم، ثم حكم ببراءتهم.

أمّا بشأن المظالم، ولا سيما ما يرتبط منها بظلم الولاة والعمّال ومأموري الدواوين، فإنّ الإمام % كان يتتبع المتهمين قبل المرافعة، ودون وجود المدّعي، وهذا ما لا ينسجم مع النظام القائم على أسلوب توجيه الاتهام، وما تعامل به مع ابن عباس وحكمه بردّ الأموال([58])، وكذلك مجابهته لابن هرمة ــ داروغة الأهواز([59]) ــ والقعقاع بن شور الذهلي ــ والي كسكر([60]) وميسان ــ الذي سرق مالاً من بيت المال وهرب إلى معاوية، ونظائر ذلك من الحالات التي تفتقر إلى وجود وليّ معين، والتي لا تتناسب والنظام القائم على أسلوب الفحص والتفتيش، ولعلّ الأساليب التي اعتمدها الإمام تجاه المظالم إنّما تأتي في إطار صلاحيات الحاكم والولاية المطلقة الثابتة للإمام، لكن مما لا شك فيه أنها جزء من مهمّة القضاء وأصول المحاكمات، التي تهدف إلى الانتصار للمظلوم من الظالم وانتزاع الحقّ منه.

أمّا سائر الحالات التي عولجت وفق هذه الأساليب، فيمكن إسنادها إلى باب الحسبة، وأما السبب الرئيس لتمايز هذا النوع من القضاء، مع النظام القائم على أساس الفحص والتفتيش، فيعود إلى الأسس الفقهية الإسلامية التي ترى نوعين من الحقوق هما: «حقّ الله»؛ و«حقّ الناس»، ولكلّ منهما أصوله وأسسه القضائية؛ فالقاضي مكلّف بالتغاضي عن الفحص بشأن الأمور المتعلّقة بحق الله، فقد نقل كراراً أنّ الإمام % في حالة وقوع بعض الجرائم، من قبيل: شرب الخمر، والزنا، و.. وحتى في الحالات التي كان يراجعه فيها مرتكبو بعض الآثام لتطهيرهم بإقامة الحد عليهم، كان يتشبث بكافّة الوسائل، وطرائق الحيل الشرعية، لتجاهل القضية وعدم تعقيبها قانونياً، اللهم إلاّ أن يصرّ الطرف المقابل؛ فيقرّ على نفسه أربع مرات، ففي هذه الحالة تسدّ الطرق كافة ولابدّ من تعقيب القضية؛ ففي ظلّ النظام القضائي العلوي كان بعض الأفراد الذين ينهضون بمهمّة القضاء، يمارسون مراحل التحقيق وإكمال ملفات القضايا، وهو ما يعدّ من أهم خصائص النظام المختلط، إلى جانب نصب بعض الأفراد قضاةً للتحقيق، وتفويضهم حقّ البتّ في الدعاوى في القضايا الأقلّ شأناً من الدماء والأعراض، مثل شريح بن الحارث الذي نصبه الإمام قاضياً بعد أن دخل الكوفة([61])؛ فقد خاطبه % قائلاً: «دع لي الحكم في الدماء وحقوق المسلمين وحدود الله».

وبناءً على ما تقدّم، ليس هناك من تكافؤ بين النظام القضائي العلوي وأيّ من الأنظمة القضائية التي ذكرناها آنفاً، وإن ذهب بعض الباحثين إلى أنّ النظام العلوي كان نظاماً مختلطاً([62])، فلا يمكن التعبير عن هذا النظام الذي ضمّ إيجابيات الأنظمة كافة، وتهذّب من جميع عيوبها، إلاّ بنعته «بالنظام القضائي العلوي»، والذي يمتاز بعدّة خصائص منها: علم القاضي، ووجود البينة (الشاهد)، والإقرار، واليمين، والقرعة، وهنا لابدّ من القول: إنّ علم القاضي، والقرعة، من العناصر التي تميّز نظامه % عن سائر الأنظمة. وكما أشرنا سابقاً فإنّ مسألة القضاء العلوي ليست ميسورة الفهم والإدراك إلاّ في ظل مبدأ «الولاية»؛ فهي روح هذا النظام وصمّام أمانه.

*     *     *

الهوامش



(*) باحث، من إيران.



([1]) محمد حسين ساكت، الجهاز القضائي في الإسلام: 65، مؤسسة الحضرة الرضوية للطباعة والنشر، 1986: «لقد قسّم رسول الله 2 أرض اليمن بعد وفاة واليها باذان إلى عشر نواح، وبعث لكل ناحية بوالٍ، فبعث رسول الله 2 بعلي بن أبي طالب % ومعاذ بن جبل إلى ناحيتين مختلفتين في اليمن» المصدر السابق: 68؛ وقد صرّح كتاب علي % بأمر القضاء، بينما لم يصرّح بذلك كتاب معاذ، وحسب نقل ابن هشام في سيرة رسول الله 2، النصف الثاني: 1047، فإنّ معاذاً تصدّى للقضاء في اليمن أيضاً.

([2]) المصدر نفسه.

([3]) راجع الجهاز القضائي في الإسلام، الفصل الثاني.

([4]) انظر: الجهاز القضائي في الإسلام: 28 ـ 84.

([5]) المصدر نفسه.

([6]) المصدر نفسه.

([7]) الدكتور عطية مشرفة، القضاء في الإسلام: 77، القاهرة، الطبعة الثانية، 1966م.

([8]) الجهاز القضائي في الإسلام: 62؛ والدكتور عطية مشرفة، القضاء في الإسلام: 79 ـ 80، نقلاً عن أبي داود 3: 301، باب 7 من كتاب الأقضية، ح3583، واللفظ له؛ وصحيح مسلم 3: 548، باب 3 من كتاب الأقضية، ح4.

([9]) الجهاز القضائي في الإسلام: 67 نقلا عن:

Mohammad Hamidullah: “Adminstration of Justice in early culture, Vol. XI. Isalm”. IaIamic , PP. 165(India 1937).

وكذلك ابن سعد، الطبقات الكبرى، القسم الأول: 150، (إدوارد سخو، ليدن راي، جي بريل، 1943).

([10]) الجهاز القضائي في الإسلام: 70.

([11]) ابن خلدون، المقدمة: 220 ـ 221، دار الاستقلال للنشر، طهران، ط4، 1410هـ.

([12]) الجهاز القضائي في الإسلام: 79.

([13]) السيد صمصام الدين قوامي، مجلة الحكومة الإسلامية، العدد 18: 174، شتاء، 2000م.

([14]) علي أكبر ذاكري، سياسة علي بن أبي طالب أمير المؤمنين % 1: 92 ـ 93.

([15]) المصدر نفسه.

([16]) المصدر نفسه: 28، 415، 463.

([17]) المنظمة في بحثنا تختلف عن المنظمة في علم الإدارة، ويقصد بها جهاز في العلوم الدينية «الكاتب غي روشه نقلاً عن روبرت فريس الذي ينسجم معه عقائدياً»، حيث يرى أن الجهاز عبارة عن مجموعة من العناصر الثابتة التي تحكم أفراده (أشخاصه أو فئاته) والهدف من الجهاز هو تشكيل أطروحة نظرية لمجتمع ما (كالمجتمع الإيراني الديني)، غي روشه، المنظمة الاجتماعية: 12 ـ 13، ترجمة الدكتور هما زنجاني زاده، دار سمت للنشر 1996م.

([18]) ابن عبدالبر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3: 1102، ط1، بيروت، 1933م.

([19]) المصدر نفسه.

([20]) الخوارزمي، المناقب 2: 105، الدار الإسلامية للنشر، قم، 1411هـ.

([21]) مقدمة ابن خلدون: 244، طهران، 1410هـ.

([22]) مستدرك الوسائل 2: 443.

([23]) نهج البلاغة، الرسالة 53، المقطع: 71، 75.

([24]) إدوارد براون، التاريخ الأدبي لإيران: 393، ترجمة علي باشا صالح، دار أمير للنشر، 1971م.

([25]) العلامة محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 32: 611، ب12، ح481؛ و16: 74، ب12، ح396.

([26]) المصدر نفسه 14: 11، ب 1، ح3.

([27]) الخطط المقريزية 2: 207.

([28]) محمد حسين ساكت، الجهاز القضائي في الإسلام: 266.

([29]) النظام والإدارة في الإسلام 2: 417، ترجمة عباس علي سلطاني، مؤسسة الروضة الرضويّة المقدّسة للأبحاث، 1996م.

([30]) لا يوجد في عصرنا الراهن ديوان مظالم بصورة مستقلّة، إلاّ أنّ مسؤوليّته الخطيرة قد وزعت ـ في الجمهورية الإسلامية الإيرانية مثلاً ـ على المحكمة الخاصّة بالقضاة، والمحكمة الخاصّة برجال الدين، والمحكمة العسكرية الخاصّة بقوى الأمن، والديوان الإداري للعدالة، وديوان المحاسبات، والمحكمة الخاصّة التي سمّيت بمحكمة الشهيد بهشتي.

([31]) بالاقتباس من المصادر التالية: القاضي أبو يعلى، الأحكام السلطانية 1: 76 ـ 79؛ والماوردي، الأحكام السلطانية 2: 80 ـ 83، كلاهما ط. مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1406هـ؛ ومقدمة ابن خلدون: 220 ـ 221؛ ومحمد حسين ساكت، الجهاز القضائي في الإسلام: 287 ـ 293؛ ويرى أبو يعلى ضرورة علنية جلسات المحاكمة، وحضور عدد من أجهزة النظام الحاكم، كالشرطة، للإتيان بالمتهم والسيطرة على انتظام الجلسة؛ والحكام لإعلان آرائهم الحقوقية؛ والفقهاء لحلّ المشاكل الشرعية؛ والكتّاب لتدوين وقائع الجلسة؛ والشهود لأداء الشهادة.

([32]) مقدمة ابن خلدون: 222.

([33]) النظام الحكومي والإداري في الإسلام: 440 ـ 441، نقلاً عن صبحي الصالح، النظم الإسلامية: 333.

([34]) محمد بن إسحاق النديم، الفهرست: 326، 327، ترجمة وتحقيق: محمد رضا تجدّد، دار أمير كبير للنشر، 1987م، (ص223 الفن الثاني من المقالة الخامسة، ط. الثانية العربية)؛ والشيخ الطوسي، اختيار معرفة الرجال، مقدمة الكتاب: 5.

([35]) محمد حسين ساكت، الجهاز القضائي في الإسلام: 177، 180 ـ 181.

([36]) المصدر نفسه.

([37]) المصدر نفسه.

([38]) المصدر نفسه: 177; والسيد صمصام الدين قوامي، مجلة الحكومة الإسلامية، العدد 18: 174.

([39]) الروايات التي اشتملت على الأدعية والزيارات، وكذلك الأحاديث التي تتحدّث عن قضاء الإمام علي %. راجع: بحار الأنوار 42: 43، ب 116، ح16، وج 57: 345، ب2، ح36.

([40]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 17: 87، الرسالة 53: القصّة في اللغة بمعنى الحكاية، وفي الاصطلاح القضائي بمعنى المظلمة، أو كما يصطلح عليها النظام الحقوقي بالتظلّم، فيقول في ج1، ص 39: حين سمع الوزير محمد بن خلف بمجيء الرضا أبي الحسن طرح كلّ ما في يده من كتاب ومظلمة و.. ويقول في المجلد الثالث، الخطبة 51، ص 286 : ..فجعل هشام ـ بن عبدالملك ـ لا يأذن له، وزيد ـ بن علي ـ يرفع إليه القصص، وكلّما رفع إليه قصّة، كتب هشام في أسفلها.. وقد وردت القصّة بمعنى الشكوى. راجع نظامي عروضي السمرقندي، أربع مقالات من تصحيح القزويني: 31، طهران 1960م؛ ومحمد حسين ساكت، الجهاز القضائي في الإسلام: 257 ـ 258.

([41]) ترجمة لمقالة السيد صمصام الدين قوامي التي تحمل عنوان النظام القضائي لأمير المؤمنين % والمنشورة في مجلة الحكومة الإسلامية، العدد 18.

([42]) نهج البلاغة، الخطبة 17.

([43]) محمد حسين ساكت، الجهاز القضائي في الإسلام: 80.

([44]) لأنّ كثرة أعماله لا تدعه يواصل القضاء بين الناس.

([45]) نهج البلاغة، الرسالة 53، المقطع 71.

([46]) القاضي أبو يعلى، الأحكام السلطانية: 62؛ وقد نقله البيهقي في السنن الكبرى 10: 114، عن أبي داود في سننه 3: 303، باب اجتهاد الرأي من كتاب الأقضية.

([47]) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج18، الباب 3، صفات القاضي.

([48]) المصدر نفسه، الباب 1.

([49]) بحار الأنوار 9: 568، ط. تبريز، وج41: 9، ط. بيروت.

([50]) نهج البلاغة، الخطبة 53، المقطع 69.

([51]) ابن عبدالبر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3: 1102، ط. بيروت، 1412هـ، عدّة أحاديث عن النبي2.

([52]) المصدر نفسه.

([53]) محمد الشربيني، مغني المحتاج 4: 150، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت.

([54]) للمزيد أنظر: محمد آشوري، أصول المحاكمات الجزائية، ج1؛ والسيد صمصام الدين قوامي، مجلة الحكومة الإسلامية، العدد 18.

([55]) وسائل الشيعة، ج19، كتاب الديات، الباب الثاني من أبواب ديات العاقلة، ح1.

([56]) المصدر نفسه، الباب 19 ـ 20 من أبواب كيفية الحكم، ح1.

([57]) المصدر نفسه.

([58]) نهج البلاغة، الرسالة 41.

([59]) علي أصغر إلهامي نيا، مجلة الحكومة الإسلامية، العدد 18: 260، نقلاً عن المحدّث النوري.

([60]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 4: 187؛ وج20: 195; وعلي أكبر ذاكري، خصائص عمّال علي بن أبي طالب % 1: 330 ـ 332.

([61]) وسائل الشيعة، ج18، الباب 3، من أبواب صفات القاضي، ح1.

([62]) السيد صمصام الدين قوامي، مجلة الحكومة الإسلامية، العدد 18: 173.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً