أحدث المقالات

د. يحيى عبد الحسن آل دوخي(*)

المقدّمة: أهمّية نهج البلاغة في المعرفة الإلهية

عندما نقرأ أمير المؤمنين× من خلال نصوصه المبثوثة في كتاب نهج البلاغة نجده ذلك الحكيم المتألِّه العارف بدقائق وتفاصيل المعرفة الربّانية والتوحيد الخالص.

والإنسان المتأمِّل في هذه الموسوعة يجد ذلك الزاد الفكري وذلك المعين الذي لا ينضب، بل والمنهل العذب الرقراق لكلّ مَنْ يريد الوصول إلى المعارف الإلهية الصافية. ولعل ما نطق به العلاّمة الطباطبائي في وصف عليٍّ× يؤكِّد لنا هذه الحقيقة، قال: «إنه× أوّل مَنْ برهن واستدلّ في الفلسفة الإلهية في هذه الأمّة، فله الفضل والمنّة على كلّ مَنْ سواه من العلماء والباحثين في هذا العلم، فإنه هو الذي فتح باب الاستدلال البرهاني في المعارف الإلهية. وإنه× قد أتى بمسائل في الفلسفة الإلهية لم يسبقه إلى التنبُّه إليها أحدٌ، كما أنه في ما أقامه عليها من البراهين، ووضعه لها من الحلول، كان رائداً متفرِّداً لم يسبقه لها الأولون، ولم يتنبّه لها الآخرون إلاّ بعد قرون وقرون، وقد بقيت روائع أنظاره العالية رهن الإبهام قروناً متتالية بعد زمانه، حتّى وُفِّق لكشفها، والوقوف عليها، ثلّةٌ من جهابذة العالم، وأفذاذ المفكِّرين»([1]).

نعم؛ فعليّ× هو الرائد في هذا الفنّ، واستدلالاته على معرفة الله ووجوده متنوّعة ومتكثّرة؛ فتارةً تجد العمق المعرفي والعقلي لمَنْ كان في طبقةٍ عليا من الفهم؛ وتارةً أخرى يُقرّب ذلك بالمادّي والمحسوس لمَنْ هو دون تلك الطبقة، وبقدر ما يراه من وَعْي السائل ومدركاته، فيكلِّم الناس على قدر عقولهم. فمثلاً: عندما يُسأل: بِمَ عرفْتَ ربَّك؟ يعطي لتلك الطبقة جواباً يناغم حواسّهم، فيقول: لا تشبهه صورةٌ، ولا يُحسّ بالحواس، ولا يُقاس بالناس…، إلخ([2]).

ولكنْ مع الفهم الآخر الذي له معرفةٌ أرقى يخاطبهم بقوله: بالعقول تعتقد معرفته، وبالتفكر تثبت حجّته، معروف بالدلالات، مشهور بالبيِّنات([3])، فأعطى العقل مساحةً كبيرة؛ لكي تتفتّح مناهج المعرفة عند السائل، ويقع على فهم الحقيقة، ويميِّزها ويشخِّصها.

فكان× مُلْهماً في علم الالهيات، وله الدَّوْر الكبير في صياغة الذهنية البشرية من أن تنحرف ضمن متاهات التشبيه والتجسيم المادّي، فلا غَرْوَ أن لكلماته الأثر الكبير في تثبيت الفكر البشري على هذا المستوى الرفيع من المعرفة بالخالق جَلَّ وعلا.

فعندما نراجع الفلسفة الإسلامية والفكر الكلامي نجد أن مدارس الفلسفة كلّها تنتهي إليه، فكان هو المعلِّم الأول للمسلمين بعد القرآن والرسول الأكرم|، وهو الذي ثبَّت أصول التوحيد والعقيدة وأسس الفلسفة الإسلامية الصحيحة، لذلك نجد في نهج البلاغة التأكيد على تنزيه الله تعالى، وعلى وصفه بصفات الكمال والجلال، وعلى نفي التجسيم والتحديد له([4]).

وهكذا نجد عليّاً× في مجالٍ آخر من المعارف الإلهية، فعندما نقف على عبارة ابن أبي الحديد وانبهاره وتعجُّبه في ما ينطق به في بعض خطبه نفهم مدى بلاغته وعظم فكره ودقّة مقولته، حيث يقول: «وإني لأطيل التعجُّب من رجلٍ يخطب في الحرب بكلامٍ يدلّ على أن طبعه مناسبٌ لطباع الأسود والنمور وأمثالهما من السباع الضارية، ثم يخطب في ذلك الموقف بعينه إذا أراد الموعظة بكلامٍ يدلّ على أن طبعه مشاكل لطباع الرهبان لابسي المسوح… وأقسمُ بمَنْ تقسم الأمم كلّها به، لقد قرأتُ هذه الخطبة منذ خمسين سنة وإلى الآن أكثر من ألف مرّة، ما قرأتها قطّ إلا وأحدثت عندي روعةً وخوفاً وعظةً، وأثَّرت في قلبي وجيباً، وفي أعضائي رعدة… وكم قد قال الواعظون والخطباء والفصحاء في هذا المعنى؟! وكم وقفتُ على ما قالوه وتكرَّر وقوفي عليه؟! فلم أجِدْ لشيءٍ منه مثل تأثير هذا الكلام في نفسي»([5]).

وعندما سُئل السيد الطباطبائي عن تمتُّع ابن أبي الحديد بهذه الرؤية الرفيعة والفهم الدقيق لخطب أمير المؤمنين× قال: «لم يقُلْ ابن أبي الحديد شططاً، فمثلما يسجد لكلام الله يسجد لخطب عليّ بن أبي طالب؛ لأنّ محتواها قرآنيّ، وبهذا يكون سجودهم في الحقيقة لكلام الله، لا لكلام المخلوق»([6]).

 إذن نستطيع القول: إن أهمية نهج البلاغة أخذت بُعْداً شمولياً لجميع المعارف الإلهية، فلا تنحصر كلماته بساحةٍ واحدة فقط؛ بل تجد صولاته وجولاته في ميادين ومجالات شتّى. وهذا ما وقع على فهمه الشيخ محمد عبده، حيث اختزل لنا المشهد برمّته في هذا المجال، حيث قال: «وبعد، فقد أوفى لي حكم القدر بالاطّلاع على كتاب نهج البلاغة… فكان يخيّل لي في كلّ مقام أن حروباً شبّت، وغارات شنّت، وأن للبلاغة دولة، وللفصاحة صولة… وأن مدبّر تلك الدولة وباسل تلك الصولة هو حامل لوائها الغالب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب×، بل كنتُ كلما انتقلت من موضعٍ إلى موضعٍ أحسّ بتغيّر المشاهد، وتحوّل المعاهد؛ فتارةً كنت أجدني في عالم يغمره من المعاني أرواح عالية، في حلل من العبارات الزاهية، تطوف على النفوس الزاكية، وتدنو من القلوب الصافية، توحي إليها رشادها، وتقوم منها مرادها، وتنفر بها عن مداحض الزلل إلى جواد الفضل والكمال…؛ وأحياناً كنت أشهد أن عقلاً نورانياً، لا يشبه خلقاً جسدانياً، فصل عن الموكب الإلهي، واتّصل بالروح الإنساني، فخلعه عن غاشيات الطبيعة، وسما به إلى الملكوت الأعلى، ونما به إلى مشهد النور الأجلى، وسكن به إلى عمار جانب التقديس، بعد استخلاصه من شوائب التلبيس؛ وآنات كأنّي أسمع خطيب الحكمة، ينادي بأعلياء الكلمة، وأولياء أمر الأمّة، يعرّفهم مواقع الصواب، ويبصِّرهم مواضع الارتياب، ويحذّرهم مزالق الاضطراب، ويرشدهم إلى دقائق السياسة، ويهديهم طرق الكياسة، ويرتفع بهم إلى منصّات الرئاسة، ويصعدهم شرف التدبير، ويشرف بهم على حسن المصير…» ([7]).

هذا هو عليٌّ×، شمسٌ ساطعة في سماء العلم والمعرفة، فعندما نرمق بنظرةٍ متفحّصة وبدقّة نجد أن هذا النهج الشريف معظم أبحاثه هي التوحيد، وهي بحوث عقلية عقدية قائمة على أساس إطلاق الخالق من جميع القيود والحدود وإحاطته بجميع الوجود، وأنه مطلق بسيط لا تكثُّر فيه ولا تجزُّؤ، وإن صفات الحق عين ذاته ولا تغاير بينهما أبداً([8]). وهذا ما نروم الخوض فيه من خلال هذا البحث.

 

إثبات الصانع

أعطى الإمام عليّ× للعقل مساحةً كبيرة يتحرّك فيها، ولا سيَّما في عملية الاستدلال والبرهان، وفي التدليل على وجود الخالق جلَّ شأنه، فهو القائل: «وبالعقول تعتقد معرفته، وبالتفكّر تثبت حجّته»([9]). وأيضاً قد رُوي عنه× حين سُئل: «يا أمير المؤمنين، بماذا عرفْتَ ربّك؟ قال×: بالتمييز الذي خوَّلني، والعقل الذي دلَّني»([10]).

فالعقل هو المعيار في المنظومة الفكرية التي تدور حولها معرفة الله جلَّ وعلا وإثبات وجوده في هذا الكتاب (نهج البلاغة).

ومن الأدلة على تلك الحقيقة ما يلي:

برهان العلّة والمعلول

قال×: «وكلّ قائمٍ في سواه معلولٌ، فاعلٌ لا باضطراب آلة، مقدّر لا بجول فكرة…»([11]).

فهنا نفهم من هذه المقولة أنه× قسَّم عالم الوجود الى قسمين:

1ـ العلّة، وهو الله تعالى.

2ـ المعلول، وهو عالم الخلق.

فكلّ موجودٍ أيّاً كان ومهما كان نصيبه هو موجودٌ معلول، إلاّ الله جلَّ شأنه. ونقصد بالمعلول أن وجوده ليس عين ذاته؛ إذ لو كان وجوده عين ذاته لما كان له سبق ولا عدم، ولما انتهى إلى الفناء بعد ذلك. فكلّ قائمٍ في سواه معلولٌ([12])، بمعنى إنْ كان الشيء لا يملك وجوده يكون محتاجاً لمفيض الوجود، الذي يكون وجوده عين ذاته.. فالله تعالى هو علّة العلل، وكافّةُ الموجودات الأخرى موجوداتٌ معلولة قائمة به، فهو الخالق وغيرُه مخلوق.

وبتفصيلٍ أكثر دقّةً نقول: إنّ برهان العلّة والمعلول مبنيّ على ركنين أساسين:

1ـ إنّ العالم الذي نعيش فيه (ممكن الوجود).

2ـ كلّ موجودٍ ممكن وحادث يجب أن ينتهي إلى واجب الوجود.

فنسال حينئذٍ: هل أن وجود هذا العالم قائمٌ بدون علّة؟ فلعلّ الصدفة أوجدته؟

 وهذا الفرض باطلٌ؛ لأنّ الحادث إنْ لم يحتجّ إلى علّة فإنّ كلّ موجودٍ يجب أن يوجد في كلّ زمان وأيّ ظرف؛ في حين نرى بوضوحٍ أنّ الأمر ليس كذلك، حيث يحتاج كلّ حادثٍ لحدوثه إلى توفُّر الشرائط والظروف الخاصّة.

ويأتي السؤال الآخر: أن نفترض كون الشيء نفسه علّةً لوجوده؟

وهذا باطلٌ أيضاً؛ لأنّ العلّة يجب أن تكون قبل المعلول، ولو كان الشيء علّة لنفسه فلا بُدَّ أن يكون موجوداً قبل وجوده، وهذا ممّا يستلزم اجتماع النقيضين، الوجود والعدم في آنٍ واحد، وبالتالي نقع في الدَّوْر.

إذن لا بُدَّ من انتهاء سلسلة العلل والمعلولات إلى موجودٍ مستقلّ وغنيّ، وجوده من ذاته، أزليّ مطلق لا مُتَنَاهٍ، وهو الله تعالى([13]).

برهان الحدوث والقِدَم

قال×: «الحمد لله… الدالّ على قدمه بحدوث خلقه، وبحدوث خلقه على وجوده»([14]).

في هذا البرهان استدلّ× بحدوث العالم، وأنه مخلوقٌ، وهذا المخلوق لا بُدَّ أن يكون مُحْدَثاً، وليس إلاّ الله القديم الأزلي.

وتوضيحه: إنّنا نقصد من معنى الحدوث هو أنّ جميع ما هو مخلوق في هذا العالم هي أجسام، وهذه الأجسام بطبيعتها متكوّنة من أبعاد (طول وعرض وعمق)، ويلازم هذه الأبعاد أنها تحتاج إلى المكان والزمان، ومن البدهي أيضاً أن أيّ جسمٍ يحتاج إلى الحركة والسكون، ويحتاج الى الهواء والغذاء؛ لكي يستمرّ ببقائه.. فاحتياج هذه الأجسام إلى ما ذكرناه يُطلَق عليه الحدوث. والحدوث له معنيان: تارةً حدوث زماني؛ وتارةً ذاتي:

ونقصد بالزماني: مسبوقية وجود الشيء بالعَدَم الزماني، كمسبوقية اليوم بالعَدَم في أمس.

ونقصد بالذاتي: مسبوقية وجود الشيء بالعَدَم في ذاته، كجميع الموجودات الممكنة التي لها الوجود بعلّةٍ خارجة من ذاتها، وليس لها في ماهيّتها وحدّ ذاتها إلا العَدَم([15]).

ومعلوم أن الأجسام المادّية حادثة، ووجودها ليس ذاتيّاً لها، وكلّ أمرٍ غير ذاتي هو معلَّل، أي له علّةٌ وسببٌ، كما تقدَّم في برهان العلة والمعلول السابق. فكلّ ما هو حادثٌ لا بُدَّ له من مُحْدِثٍ وخالقٍ، فما هو المُحْدِث لحياة المادّة؟ فإما هي نفسها أو غيرها؟ والفرض الأول باطلٌ؛ لأن المفروض أنها كانت قبل حدوث الحياة، وفاقد الشيء يستحيل أن يكون معطياً له، فلا مناص من قبول الفرض الثاني، وهو أن هناك مَنْ أفاض عليها الوجود، وليس سوى الله القديم المطلق الأزلي اللامتناهي.

برهان النَّظْم

من البراهين الواضحة في نهجه المبارك هو برهان النَّظْم، وهذا ما نجده في قوله×: «وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته، وأعلام حكمته، فصار كلّ ما خلق حجّة له، ودليلاً عليه، وإنْ كان خلقاً صامتاً فحجّته بالتدبير ناطقة، ودلالته على المبدع قائمة»([16]).

وقوله×: «بصنع الله يستدلّ عليه، وبالعقول نعتقد معرفته، وبالتفكُّر تثبت حجّته»([17]).

ثم يعطي مثالاً تطبيقياً؛ ليقرِّبه للأذهان، قال×: «ألا يَنْظُرُونَ إِلَى صَغِيرِ مَا خَلَقَ كَيْفَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ ـ وأَتْقَنَ تَرْكِيبَهُ، وفَلَقَ لَهُ السَّمْعَ والْبَصَرَ ـ، وسَوَّى لَهُ الْعَظْمَ والْبَشَرَ؟ انْظُرُوا إِلَى النَّمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا ولَطَافَةِ هَيْئَتِهَا ـ لا تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ ولا بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ ـ، كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا، وصُبَّتْ عَلَى رِزْقِهَا، تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا وتُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا…، إلخ»([18]).

ودلالة هذه النصوص هي أن كلّ مصنوع وكلّ مخلوق جاء وفق نظام دقيق ووفق الحكمة والمصلحة؛ بحيث لو زاد على ذلك المقدار أو نقص منه لاختلَّتْ مصلحة ذلك المقدّر واختلّ النظام، فتدبيره وتقديره ولطفه بمخلوقاته كلّها حجج ناطقة وجليّة على مدبِّريته وخالقيته، «قدّر ما خلق فأحكم تقديره، ودبره فألطف تدبيره»([19]).

ومن ثم يأتي العقل المتأمِّل والمفكِّر ليكون الحاكم والناطق بكون هذه المصنوعات والمخلوقات موجدها هو البارئ لها، وهو الله تبارك وتعالى، الفاعل الحكيم القادر العليم ذو إرادة وقصد وغاية وهدف. فهذا النظم الدقيق لا بُدَّ أن يكون له علّةٌ وسبب، وإن هذه الآثار كلّها تدلّ على أن المؤثِّر واحد، وهذه القوانين الطبيعية المحكمة ليس لها سوى مدبِّرٍ واحد، وهو الله تبارك وتعالى.

وعندما نتأمّل في قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (البقرة: 164) يجد الإنسان في وجدانه أن هذه الآيات المباركات كلّها تشير إلى دليلٍ عقلي هو برهان النَّظْم، الذي دلّ دلالةً جلية وواضحة على وجوده تبارك وتعالى.

مفهوم الوجود المطلق اللامتناهي لله تعالى شأنه

بعدما تقدَّم الكلام حول البراهين التي سيقت لوجوده جلَّ وعلا ننقل الكلام إلى صفاته تعالى، ونتناول صفة الوجود الإطلاقي واللامتناهي وعدم المحدودية في الزمان والمكان..

أما الوجود فمفهومه بدهيٌّ مستغنٍ عن التعريف وما قد يُقال في تعريفه: إنّه الثابت العين، أو الذي يُمكن أن يُخبر عنه؛ إذ ليست بأعرف من الوجود، بل الصحيح أنه لا شيء أجلى من الوجود([20])، فلا يمكن تعريفه بكُنْهه، وكما قيل: مفهومه من أعرف الأشياء، وكنهه في غاية الخفاء. نعم، يمكن تعريفه بخواصّه وآثاره اللازمة له([21]).

وأما المطلق فعندما نراجع اللغة واللغويون نجدهم متّفقين على أن الإطلاق يعني الإرسال والتخلية والتجرُّد من القيد أو الترك وغير ذلك، لذا يقال: هو طليق وطلق وطالق إذا خُلِّي عنه. والتطليق: التخلية والإرسال وحلّ العقد. ويكون الإطلاق بمعنى الترك والإرسال([22]). وطليق فعيل بمعنى مفعول، وهو الأسير إذا أطلق سبيله، بمعنى فكّ قيده وأساره([23]). وليلة الطلق أي ليلة يخلّي الراعي إبله إلى الماء. يقال: أطلقتها حتّى طلقت طلقاً وطلوقاً([24]) إذن فالإطلاق من خلال ما تقدَّم هو الإرسال وعدم التقييد.

والمطلق في الاصطلاح لا يبتعد كثيراً عمّا سبق، فهو اللفظ الذي لا يقيِّده قيدٌ، ولا تمنعه حدودٌ، ولا تحتجزه شروطٌ، فهو جارٍ على إطلاقه. والمقيّد بعكسه تماماً، فهو الذي يقيّد بقرينةٍ لفظية دالّة على معنىً معين بذاته، لا تتعدّاه إلى سواه([25])، بل نجد أنّ الأصوليين وأهل الكلام أيضاً ليس لهم اصطلاحٌ خاصّ في لفظي المطلق والمقيد، بل هما مستعملان بما لهما من المعنى في اللغة، فإن المطلق مأخوذٌ من الإطلاق، وهو الإرسال والشيوع([26]).

واللامتناهي نقصد به أنّ ذات البارئ تعالى غير متناهية، بمعنى أنه لا نتصوّر للذات امتدادات معينة، فكأننا نتخيَّل له طول وعرض وكتلة و… كلاّ، فإنه سبحانه وتعالى ليس بذي امتداد، بل بمعنى أن الموضوع من الأصل الذي يصدق عليه النهاية ليس بمتحقِّق في حقّه سبحانه، بل الامتداد يصدق على الأمر المادّي المحدود، والذات الإلهية ليست كذلك. فاللامتناهي بعبارةٍ مختصرة هو ما لا يمكن أن تكون له نهاية، وليس له حدود وأعراض.

قال×: «ليسَ بِذِي كِبَرٍ امْتَدَّتْ بِهِ النِّهَايَاتُ فَكَبَّرَتْهُ تَجْسِيماً، ولا بِذِي عِظَمٍ تَنَاهَتْ بِهِ الْغَايَاتُ فَعَظَّمَتْهُ تَجْسِيداً، بَلْ كَبُرَ شَأْناً، وعَظُمَ سُلْطَاناً. ولَوْ فَكَّرُوا فِي عَظِيمِ الْقُدْرَةِ، وجَسِيمِ النِّعْمَةِ، لَرَجَعُوا إِلَى الطَّرِيقِ»([27]).

مقولة: (ليس في الأشياء بوالجٍ، ولا عنها بخارجٍ)

وبمعنى أدقّ: إننا عندما نقول: لا حَدَّ له ولا نهاية أي ليس ذا مقدار، ولذلك المقدار طرف ونهاية؛ لأنه لو كان ذا مقدار لكان جسماً؛ لأن المقدار من لوازم الجسمية، ومعلومٌ أنه تعالى ليس بجسمٍ. وهذا ما أشار اليه أمير المؤمنين في قوله: «لا يوصف بشيءٍ من الأجزاء، ولا بالجوارح والأعضاء، ولا بعرض من الأعراض، ولا بالغيرية والأبعاض، ولا يقال: له حدٌّ ولا نهاية، ولا انقطاع ولا غاية، ولا إن الأشياء تحويه، فتقلّه أو تهويه، أو إن شيئاً يحمله، فيميله أو يعدله، ليس في الأشياء بوالجٍ، ولا عنها بخارجٍ»([28]).

فهنا يريد أن يشير× إلى أنه لا يدخل في الأشياء، كسائر المخلوقات، ولا يخرج منها؛ لأن من لوازم ذلك الحدّ، والنهاية، والانقطاع، والغاية و..، ولا أن الأشياء تحويه، فتقله أو تهويه، أو أن شيئاً يحمله، فيميله أو يعدله، فلا تدركه الحواسّ بنحو المباشرة، ولا تلمسه وتحسّه الأيدي بنحو المماسّة، ولا يتغيَّر أبداً، ولا يوصف بالغيرية والأبعاض، فصفاته لا يغاير بعضها بعضاً، وليس هو بذي مكانٍ يحويه، فيرتفع بارتفاعه، وينخفض بانخفاضه، فيكون في جهةٍ، كما أنه غير محمولٍ على شيء، فيميله إلى جانب، أو يعدله على ظهرٍ من غير ميل.

وهذا المعنى ما أشارت إليه النصوص الشريفة؛ فعندما سُئل أمير المؤمنين×: «بِمَ عرفْتَ ربَّك؟ فقال: بما عرَّفني نفسه، قيل: وكيف عرَّفك نفسه؟ فقال: لا تشبهه صورة، ولا يحسّ بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريبٌ في بعده، بعيدٌ في قربه، فوق كلّ شيءٍ ولا يقال: شيء فوقه، أمام كلّ شيء ولا يُقال: له أمام، داخلٌ في الأشياء لا كشيءٍ في شيء داخل، وخارجٌ من الأشياء لا كشيءٍ من شيء خارج، سبحان مَنْ هو هكذا ولا هكذا غيره، ولكلّ شيءٍ ومبتدئ»([29]).

فمعنى (داخل في الأشياء) بالعلم والإحاطة بكلِّيّاتها وجزئيّاتها وكيفيّاتها والتصرُّف كيف يشاء. ولمّا كان المتبادر من الدخول هو الظرفيّة والحلول أشار إلى تقدُّسه عن هذا المعنى، وأنه لا كشيء داخل في شيء، أي لا كدخول الممكنات بعضها في بعض، كدخول الجزء مثلاً في الكلّ، ودخول الحال في المحلّ، ودخول الجسم في المكان، فإن الدخول بهذا المعنى من لواحق الإمكان، وتوابع الافتقار، وهي على واجب الوجود لذاته محالٌ.

(وخارج من الأشياء) المراد بخروجه منها مباينة ذاته المقدَّسة وصفاته الكاملة عن مشابهة شيءٍ منها. ولمّا كان المتبادر من خروج شيءٍ من شيء اختصاصه بالوضع والتحيُّز وخروج الجسم والجسماني من مكانه أتى بالتنزيه المطلق عن جميع ما لا يليق بالتسبيح، سبحان مَنْ هو هكذا ولا هكذا غيره([30]).

وَهْم التناقض في هذه المقولة

هناك مَنْ يرى أن هذه المقولة تنتج لنا حالةً من التناقض، حيث قال: «وكثير منهم يجمع بين القولين، ففي حال نظره وبحثه يقول بسلب الوصفين المتقابلين كلَيْهما، فيقول: لا هو داخل العالم، ولا خارجه. وفي حال تعبُّده وتألُّهه يقول بأنه في كلّ مكانٍ، ولا يخلو منه شيء. وهذه المقالات فسادها معلومٌ بالضرورة»([31])؛ لأنها في نظرة جمعٌ للمتناقضين، وهو محالٌ وباطل بحكم العقل.

الجواب:

يَرِدُ على هذا الكلام أن هذه القضية، وهي قولنا: الباري خارج عن الموجودات كلّها، على هذا التفسير ليست مناقضةً للقضية الأولى، وهي قولنا: الباري داخل العالم، ليكون القول بخلوّه عنهما قولاً بخلوّه عن النقيضين. ألا ترى أنه يجوز أن تكون القضيتان كاذبتين معاً، بأن لا يكون الفلك المحيط محتوياً عليه، ولا يكون حاصلاً في جهة خارج الفلك. ولو كانت القضيتان متناقضتين لما استقام ذلك. وهذا كما تقول: زيد في الدار، زيد في المسجد، فإن هاتين القضيتين ليستا متناقضتين، لجواز أن لا يكون زيد في الدار، ولا في المسجد؛ فإن هاتين لو تناقضتا لاستحال الخروج عن النقيضين، لكنّ المتناقض (زيد في الدار، زيد ليس في الدار)، والذي يستشنعه العوام من قولنا: (الباري لا داخل العالم ولا خارج العالم) غَلَطٌ مبنيٌّ على اعتقادهم وتصوُّرهم أن القضيتين تتناقضان»([32]).

وقد تعقَّب الفخر الرازي هذه المقولة بقوله: «فأيّ استبعادٍ في وجود موجود غير حال في العالم، ولا مباين بالجهة للعالم، وإنْ كان الوَهْم والخيال لا يمكنهما إدراك هذا الموجود. وأيضاً فعمدة مذهب الحنابلة أنهم متى تمسّكوا بآيةٍ أو بخبرٍ يوهم ظاهره شيئاً من الأعضاء والجوارح صرَّحوا بأنا نثبت هذا المعنى لله تعالى، على خلاف ما هو ثابت للخلق، فأثبتوا لله تعالى وجهاً بخلاف وجوه الخلق، ويداً بخلاف أيدي الخلق، ومعلوم أن اليد والوجه بالمعنى الذي ذكروه ممّا لا يقبله الخيال والوَهْم.

فإذا عقل إثبات ذلك على خلاف الوَهْم والخيال فأيُّ استبعادٍ في القول بأنه تعالى موجودٌ وليس داخل العالم ولا خارج العالم، وإنْ كان الوَهْم والخيال قاصرين عن إدراك هذا الوجود»([33]).

إذن هذه النصوص صحيحةٌ، ولا يستبعدها العقل السليم. نعم، قد يكون الوَهْم والخيال البشري قاصراً عن إدراك هذه المعاني الجليلة، ولكنْ بالتأمُّل والفحص الدقيق تنقشع سحابة الوَهْم، وتنجلي الحقيقة.

الوحدة العددية والحقيقية

الوحدة إما عددية؛ وإما حقيقية.

والعددية هي التي تتألَّف منها الأعداد، كالواحد الذي يلازمه الاثنين والثلاثة وهكذا. فالاثنين مركَّب من الوحدتين، والثلاثة من الوحدات التي سبقته، وهكذا إلى ما لا نهاية.

وهذه الوحدة أشار إليها القرآن في قوله تعالى: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُّنْذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذََّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنََّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ (ص: 4 ـ 5). في هذه الآية خطابٌ لمَنْ هو قاصرٌ في عقله عن إدراك هذه المفاهيم. وواضحٌ أن مصداق هذه الآية هم الذين كانوا يتلقّون الدعوة القرآنية إلى التوحيد دعوة إلى القول بالوحدة العددية([34]).

أما الوحدة الحقيقية فهي وحدةٌ ليست من سنخ الوحدة العددية حتّى يلازمها التركيب، بل هي من سنخٍ آخر، فهي عبارةٌ عن كون الموجود لا ثاني له، بمعنى أنه لا يقبل الاثنينية، ولا التكثُّر، ولا التكرُّر.

الوجود المطلق ينصرف إلى الوحدة الحقيقية

قال×: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأوّل لا شيء قبله، والآخر لا غاية له، لا تقع الأوهام له على صفة، ولا تعقد القلوب منه على كيفية، ولا تناله التجزئة والتبعيض»([35]).

في هذا النصّ الشريف دلالةٌ واضحة على أن الباري عزَّ وجلَّ وحدته وحدة حقيقية، فهنا الشهادة بكونه واحداً لا شريك له، وهو الأوّل ولا شيء قبله، والآخر فلا غاية له، فيها إشارةٌ أنه تعالى غير متناهٍ، وأنه أبديّ أزليّ قديم، فلا انتهاء ولا انقضاء لذاته، ولا يسأل عنه بكيفٍ، فهو منزَّه عن ذلك، وأنه ليس مركّباً ومبعّضاً بجزءٍ، فلا تتناوله أوهام التجزئة؛ لأن التجزئة من شؤون الأجسام، وهو منزَّهٌ عنها.

وقال×: «الحمد لله الأوّل فلا شيء قبله، والآخر فلا شيء بعده، والظاهر فلا شيء فوقه، والباطن فلا شيء دونه»([36]).

أكّد× ـ كما نرى في هذا النصّ ـ على الصفات الأوّلية والآخرية والظاهرية والباطنية، وأكَّد أيضاً على أنّ كلّ واحدٍ منها بكماله؛ فكمال الأوّلية بسلب قبلية شيءٍ عنه، وكمال الآخريّة بسلب بعدية كلّ شيءٍ له، والظاهرية بسلب فوقية شيءٍ له، والباطنية بسلب شيءٍ دونه. والمراد بالظاهر هنا العالي، فلذلك حسن تأكيده بسلب فوقيّة الغير له؛ وبالباطن الذي بطن خفيّات الأمور علماً، وهو بهذا الاعتبار أقرب الأشياء إليها، فلذلك حسن تأكيده بسلب ما هو دونه، أي ما هو أقرب إليها منه، وحصلت حينئذٍ المقابلة بين الداني والعالي([37]).

وهكذا نجد هذا المفهوم ـ أي الوحدة الحقيقية ـ في إحدى خطب أمير المؤمنين في مسجد الكوفة، قال: «الحمد لله الملهم عباده حمده، وفاطرهم على معرفة ربوبيته… الواحد بلا تأويل عدد، والخالق لا بمعنى حركة، والبصير لا بأداة، والسميع لا بتفريق آلة، والشاهد لا بمماسّة، فمَنْ وصف الله فقد حَدَّه، ومَنْ حدَّه فقد عَدَّه، ومَنْ عَدَّه فقد أبطل أزله، ومَنْ قال: أين؟ فقد غيّاه، ومَنْ قال: علامَ؟ فقد أخلى منه، ومَنْ قال: فيمَ؟ فقد ضمنه»([38]).

ففي هذا النصّ إشارةٌ واضحة إلى الوحدة الحقيقية لله وخالق الكون جلَّ وعلا. ومعلومٌ أنها مستقاةٌ ومستوحاةٌ من القرآن الكريم، كما في قوله تعالى﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصََّمَدُ﴾ (الإخلاص: 1 ـ 2)؛ أو قوله جلَّ وعلا: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهََّارُ﴾ (ص: 65)؛ أو قوله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ (البقرة: 163).

 فليس في الوجود شيءٌ من جنس الإله إلاّ إلهٌ واحد، نوعاً من الوحدة التي لا تقبل التعدُّد أصلاً، فلا تعدُّد للذات، ولا تعدُّد للصفات، لا خارجاً ولا فرضاً، فليس هناك سوى الوحدة الحقيقة لله تبارك وتعالى.

واجب الوجود حقيقةٌ صِرْفة، لا تتثنَّى ولا تتكرَّر ولا تتكثَّر

من خلال ما تقدَّم نعلم أن ذاته تعالى لا يمكن تثنيتها أو تكرارها، ولا يمكن أن توصف بأوصاف يمكن أن يطرأ عليها العدّ أو الكمّ والكيف والمثل. فالأحقّ بهذه الوحدة التي هي ذات الواحد بما هو واحد أنها لا تنقسم أصلاً، لا في الكمّ ولا في الحدّ ولا بالقوّة، ولا ينفصل وجوده عن ماهيته. فواجب الوجود تعالى لا يوصف بشيءٍ من أنحاء الوحدة غير الحقيقية، فلا شريك له في شيء من المعاني والمفهومات بالحقيقة. وإذ لا جنس له فلا مجانس له، وإذ لا نوع له فلا مشاكل له. فلا يوصف بكيفٍ فيشابه، ولا بكمٍّ فيساوي، ولا بوضعٍ فيطابق([39]).

وبتعبير السيد الطباطبائي: إن واجب الوجود (تعالى) حقيقة الوجود الصِّرْف التي لا ثاني لها، فنثبت وحدانيته (تعالى) بالوحدة الحقّة التي يستحيل معها فرض التكثُّر؛ إذ كلّ ما فرض ثانياً لها عاد أوّلاً؛ لعدم المَيْز، بخلاف الوحدة العددية التي إذا فرض معها ثانٍ عاد مع الأوّل اثنين، وهكذا»([40]).

وأما ماهيته تعالى فهي غير معقولة للبشر قطعاً، ويدلّ عليه أن الإنسان لا يتصوّر ماهية الشيء إلاّ إذا أدركه من نفسه على سبيل الوجدان، كالألم واللذّة وغيرهما، أو أدركه بحسّه، كالألوان والطعوم وسائر المحسوسات. فأما ما لا يكون كذلك فيتعذَّر على الإنسان أن يتصوّر ماهيته البتّة([41]).

وهذا ما أشارت له النصوص الروائية عن الإمام الرضا×: «ولم يخلق شيئاً فرداً قائماً بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة على نفسه وإثبات وجوده، والله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه، ولا يعضده، ولا يمسكه، والخلق يمسك بعضه بعضاً بإذن الله ومشيته، وإنما اختلف الناس في هذا الباب حتّى تاهوا وتحيَّروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله بصفة أنفسهم، فازدادوا من الحقّ بُعْداً، ولو وصفوا الله عزَّ وجلَّ بصفاته، ووصفوا المخلوقين بصفاتهم، لقالوا بالفهم واليقين، ولما اختلفوا، فلمّا طلبوا من ذلك ما تحيَّروا فيه وارتبكوا، والله يهدي مَنْ يشاء إلى صراط مستقيم»([42]). إذن ممّا تقدَّم ثبت أن واجب الوجود حقيقة صرفة، لا يمكن أن تنقسم، أن تتركَّب أو تتثنَّى أو تتكرَّر.

الأزلي القديم

الأزلي في اللغة هو ما ليس مسبوقاً بالعَدَم. والموجود ثلاثة أقسام، لا رابع لها: أزلي أبدي، وهو الحقّ سبحانه وتعالى؛ ولا أزليّ ولا أبديّ، وهو الدنيا؛ وأبديّ غير أزليّ، وهو الآخرة. وعكسه محالٌ، إذ ما ثبت قِدَمه استحال عَدَمه([43]).

وأما القديم فهو الذي لا بدء له. والأبدي هو الدائم الذي لا نهاية له. والسرمدي هو الذي لا أوّل له ولا آخر([44]).

قال×: «الأوّلُ الذي لا غاية له فينتهي، ولا آخر له فينقضي»([45]).

وقال أيضاً: «وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، الأوّل لا شيء قبله، والآخر لا غاية له»([46]).

وقال أيضاً: «ليس لأوّليّته ابتداء، ولا لأزليّته انقضاء. هو الأوّل ولم يزَلْ، والباقي بلا أَجَل»([47]).

من خلال ما تقدَّم من هذه النصوص:

نفهم أن القِدَم والأَزَل ما يقابل الحدوث؛ إذ لو كان حادثاً لكان مفتقراً إلى موجودٍ، فلا يكون واجباً بالذات، ولا يكون مبدأً لجميع الموجودات، ولا ينتهي إليه سلسلة الممكنات. والقِدَم أي إنه لا شيء قبله ولا شيء معه؛ إذ لو كان معه شيء في الأَزَل لم يجُزْ أن يكون خالقاً له؛ لأنّه لم يَزَل معه، فكيف يكون خالقاً له؟!

 وإلى ذلك أشار الإمام الرضا× في بعض النصوص بقوله: «اعلم، علَّمك الله الخير، أن الله تعالى قديمٌ، والقديم صفةٌ دلَّت العاقل على أنّه لا شيء قبله، ولا شيء معه في ديمومته»([48]).

فالوجود المطلق هو واجب الوجود لذاته، فيستحيل عليه العَدَم مطلقاً سابقاً ولاحقاً، وإلاّ كان ممكناً، وهذا خلفٌ. وإذا استحال العَدَم المطلق عليه ثبت قِدَمه وأزليّته وبقاؤه وأبديّته([49]). وأيضاً نحن نعلم أن العالم مخلوقٌ له سبحانه، فهو حادثٌ من هذه الجهة، والمُحْدَث لا بُدَّ له من مُحْدِث، فإنْ كان ذلك المُحْدِث مُحْدَثاً عاد القول فيه كالقول في الأوّل، ويتسلسل، فلا بُدَّ من مُحْدِثٍ قديمٍ أزليّ، وذلك هو الله تعالى.

إشكال الدَّوْر

ولعلّ مستشكلاً يقول: أليس الانقضاء هو الآخرية بعينها، بمعنى انقضاء الشيء آخره، فكأنّه قال: لا آخر له، فيكون له آخر، وهكذا يتكرَّر السؤال فيكون دَوْراً، وينتج اللغوية؟

والجواب:

إن المراد من هذا النصّ (لا آخر له) أي بالإمكان والقوّة، فينقضي بالفعل فيما لا يزال، ولا هو أيضاً ممكن الوجود فيما مضى فيلزم أن يكون وجوده مسبوقاً بالعدم، وهو معنى قوله: (فينتهي)، بل هو واجب الوجود في حالين: فيما مضى؛ وفي المستقبل. وهذان مفهومان متغايران، وهما العَدَم وإمكان العَدَم، فاندفع الإشكال([50]).

والمراد من الأوّلية والآخرية من هذه النصوص أي بحَسَب العلّية، أي هو علّة العلل ومبدأ المبادئ، وهو الآخر أي غاية الغايات، كما هو مصطلح الحكماء، أو أنه منتهى سلسلة العلل ذهناً، فإنك إذا فتَّشت عن علّة شيءٍ ثمّ عن علّة علّته ينتهي إليه سبحانه. فأوّليته عين آخريته، ولا يختلفان إلاّ بالاعتبار([51]). فالله تعالى أوّل كلّ شيء وآخر كلّ شيء، فهو مبدأ كلّ شيء ومنتهى كلّ شيء، فلا يسبقه شيءٌ ولا يلحقه شيء، فهو محيطٌ بكلّ شيء بأوّليّته التي هي عين آخريته.

المحدودية والزمانية تتنافى مع الوجود المطلق

كلّ شيءٍ يتأطّر بالزمان والمكان فهو محدودٌ، وهذا من خواصّ ولوازم المادّة، الموصوفة بالتحيُّز والتجسُّم، ومتّسمة بالكيف والكمّ. فالواجب بسيطٌ لا ماهية له، فليس له حدّ، وإذا لا حدّ له فلا أجزاء له من الجنس والفصل، وإذا لا جنس ولا فصل له فلا أجزاء خارجية له من المادّة والصورة الخارجيتين.

 فالله سبحانه وتعالى وجودٌ مطلق غير محدّد بالماهية؛ إذ لا ماهية له، فكما لا يحويه زمانٌ ولا مكان، بل هو المحيط بالزمان والمكان، فتكون عوامل التناهي معدومة فيه، فلا يتصوّر لوجوده حدٌّ ولا قيد، ولا يصحّ أن يوصف بكونه موجوداً في زمانٍ دون آخر أو مكان دون آخر، بل وجوده أعلى وأنبل من أن يتحدَّد بشيءٍ من عوامل التناهي؛ وذلك لأن فرض تعدُّد اللامتناهي يستلزم أن نعتبر كلّ واحد منهما متناهياً من بعض الجهات، حتّى يصح لنا أن نقول: هذا غير ذاك. ولا يقال: هذا إلاّ إذا كان كلّ واحد متميِّزاً عن الآخر، والتميُّز يستلزم أن لا يوجد الأوّل حيث يوجد الثاني، وكذا العكس. وهذه هي المحدودية وعين التناهي، والمفروض أنه سبحانه غير محدود ولا متناهٍ([52]).

ديمومته ليست محصورةً بالزمان والمكان

لذلك يقول×: «دائمٌ لا بأَمَدٍ، وقائمٌ لا بعَمَدٍ»، بمعنى أنه ليس بزماني وداخل تحت الحركة والزمان، ومعنى أنه قائم بلا عَمَد أي إنه منزَّهٌ أيضاً عن المكان، وعما يتوهَّمه الجهلاء من أنه مستقرٌّ على عرشه بهذه اللفظة. ومعنى القائم هاهنا ليس ما يسبق إلى الذهن من أنه المنتصب، بل ما تفهمه من قولك: فلان قائمٌ بتدبير البلد، أو أنه قائمٌ بالقسط.

وهذا عين ما فسَّره الإمام الرضا× من أن القيام مغايرٌ للمادّة والحسّ، فقال: «وهو قائمٌ ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد، كما قامت الأشياء، ولكنْ أخبر أنه قائمٌ يخبر أنه حافظٌ، كقولك: الرجل القائم بأمرنا فلان، وهو قائم على كلّ نفس بما كسبَتْ. والقائم أيضاً في كلام الناس الباقي، والقائم أيضاً يخبر عن الكفاية، كقولك للرجل: قم بأمر فلان، أي اكْفِه، والقائم منّا قائمٌ على ساق، فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى»([53]).

الفاعل المطلق قوام كلّ الوجود

وقبل أن ننتقل للتأصيل القرآني لهذه المفاهيم نطلّ على خطبةٍ له× تختزل لنا مفهوم الوجود المطلق له جلَّ وعلا، حيث قال: «كلّ شيء خاضع له، وكل شيء قائم به. غنى كلّ فقير، وعزّ كلّ ذليل، وقوّة كلّ ضعيف، ومفزع كلّ ملهوف. مَنْ تكلم سمع نطقه، ومَنْ سكت علم سرّه، ومَنْ عاش فعليه رزقه، ومَنْ مات فإليه منقلبه»([54]).

القيمومة والخضوع والغنى هذه المفاهيم تستلزم قدرته وهيمنته وعلمه الذي هو نافذٌ في كلّ شيء. فقيّومته جلَّ وعلا تعني مالكيته المطلقة؛ وذلك لأن جميع الممكنات إمّا جواهر أو أعراض، وليس شيء منها يقوم بذاته في الوجود. أمّا الأعراض فظاهرٌ لظهور حاجتها إلى المحلّ الجوهريّ، وأمّا الجواهر فلأنّ قوامها في الوجود إنّما يكون بقيام عللها، وتنتهي إلى الفاعل الأوّل جلَّت عظمته. فهو إذن الفاعل المطلق الذي به قوام كلّ موجودٍ في الوجود. وإذ ثبت أنّه تعالى غنيٌّ عن كلّ شيء في كلّ شيء، وثبت أنّ به قوام كلّ شيء، ثبت أنّه القيُّوم المطلق([55]).

الوجود المطلق اللامتناهي في القرآن الكريم

إنّ ما تقدَّم من كلماتٍ ومفردات لهذا المفهوم لا يبتعد عمّا نحته القرآن الكريم في آياته الكريمة لوجوده المطلق اللامتناهي جلَّ وعلا في مواضع كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال:

1ـ قوله تعالى ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ (ص: 65)، وقوله تعالى: ﴿سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ (الزمر: 4)، وقوله تعالى: ﴿قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ (الرعد: 16).

وقد تعقَّب السيد الطباطبائي مفهوم القهّارية في هذه الآيات الكريمة بقوله: «وهو القاهر فوق كلّ شيء، فليس بمحدودٍ في شيءٍ يرجع إليه، فهو موجودٌ لا يشوبه عَدَمٌ، وحقٌّ لا يعرضه بطلانٌ، وهو الحيّ لا يخالطه موتٌ، والعليم لا يدبّ إليه جهلٌ، والقادر لا يغلبه عجزٌ، والمالك والملك من غير أن يملك منه شيءٌ، والعزيز الذي لا ذلّ له، وهكذا. فله تعالى من كلّ كمال مَحْضه.

وإنْ شئتَ زيادة تفهُّم وتفقُّه لهذه الحقيقة القرآنية فافرض أمراً متناهياً وآخر غير متناهٍ، تجد غير المتناهي محيطاً بالمتناهي، بحيث لا يدفعه المتناهي عن كماله المفروض أيّ دفعٍ فرضته، بل غير المتناهي مسيطرٌ عليه بحيث لا يفقده المتناهي في شيءٍ من أركان كماله، وغير المتناهي هو القائم على نفسه، الشهيد عليه، المحيط به، ثمّ انظر في ذلك إلى ما يفيده قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾»([56]).

2ـ قوله تعالى: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالْظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (الحديد: 3).

الوصف هنا بالأوّل والآخر تعبيرٌ رائع عن أزليّته وأبديّته تعالى؛ لأننا نعلم أنه وجود لا متناهٍ، وأنه (واجب الوجود)، أي إن وجوده من نفس ذاته، وليس خارجاً عنه حتّى تكون له بداية ونهاية. وبناءً على هذا فإنه كان من الأزل، وسيبقى إلى الأبد. وبناءً على هذا فإن التعبير بالأوّل والآخر ليس له زمانٌ خاص أبداً، وليس فيه إشارةٌ إلى مدّةٍ زمنية معينة.

والوصف بالظاهر والباطن هو تعبيرٌ آخر عن الإحاطة الوجودية ـ أي وجود الله ـ بالنسبة لجميع الموجودات، أي إنه أظهر من كلّ شيءٍ؛ لأن آثاره شملت جميع مخلوقاته في كلّ مكان، وهو خفيٌّ أكثر من كلّ شيءٍ أيضاً؛ لأن كُنْه ذاته لم تتَّضح لأحدٍ([57]).

ومعلومٌ أن كونه موجوداً يعني أنه ليس معدومًا؛ والمعدوم لا يوصف بأن له أوّل وآخر، ولأن القادر العالم الحيّ يستحيل أن يكون معدوماً، ويجب أن يكون تعالى قديماً بهذه الآية، وأيضاً لو كان مُحْدَثاً لاحتاج إلى مُحْدِثٍ، كالكتابة تحتاج إلى كاتب، والنساجة إلى ناسج، والبناء إلى بانٍ، فلا يخلو أن يكون مُحْدِثه قديماً أو مُحْدَثاً، فإنْ كان قديماً فهو ما أردناه، وإنْ كان مُحْدَثاً أدّى إلى إثبات المُحْدَثين، ومُحْدَثي المُحْدِثين لا نهاية لها، وذلك باطلٌ. ويجب أن يكون سميعاً لأنه حيٌّ، والآفات والموانع لا تجوز عليه، ومَنْ كان بهذه الصفة كان وجوده مطلقاً لا متناهٍ، وغير محدودٍ بزمان ومكان([58]).

3ـ قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾ (طه: 110)؛ وقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ﴾ (الشورى: 11).

 في هاتين الآيتين الكريمتين دلالةٌ واضحة على أن الله وجوده مطلق، فليس كمثله شيء، وليس له شبيهٌ ونظير، وأنه بكلّ شيء محيط.

وقد فسَّر أمير المؤمنين× لذلك الشاكّ في ظهور هذه الآيات المباركة بقوله: «لا يحيط الخلائق بالله عزَّ وجلَّ علماً؛ إذ هو تبارك وتعالى جعل على أبصار القلوب الغطاء، فلا فهم يناله بالكيف، ولا قلب يثبته بالحدود، فلا يصفه إلاّ كما وصف نفسه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، الأوّل والآخر والظاهر والباطن، الخالق البارئ المصوِّر، خلق الأشياء، فليس من الأشياء شيء مثله تبارك وتعالى، فقال: فرَّجتَ عنّي، فرّج الله عنك، وحللْتَ عنّي عقدةً، فأعظم الله أجركَ يا أمير المؤمنين»([59]).

 4ـ قوله تعالى ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (الحديد: 4).

المعيّة هنا (وهو معكم) بمعنى الإحاطة والقيمومة، وتعني القدرة والإرادة والسلطان والعلم. والكينونة (أينما كنتم) تعطي هذا المعنى أيضاً. وهذا يدلّ على أن وجوده تعالى مطلق، لا تحدّه الحدود، فهو معنا أينما كنّا وحيث وُجدنا، وبتعبير ملاّ صدرا: وواجب الوجود القائم بذاته من غير شائبة، فلا يسلب عنه شيءٌ من الأشياء، إلاّ سلب السلوب والأعدام والنقائص والإمكانات؛ لأنها أمورٌ عَدَمية، وسلب العدم تحصيل الوجود. فهو تمام كلّ شيء، وكمال كلّ ناقص، وجبّار كلّ قصور. فالمسلوب عنه وبه ليس إلاّ نقائص الأشياء وقصوراتها وشرورها؛ لأنه خيرية الخيرات وتمام الوجودات. وتمام الشيء أحقّ بذلك الشيء وآكد له من نفسه، وإليه الإشارة، في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالْظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ([60]).

ولكنْ في نفس الوقت جلَّ شأنه لا تحويه الأماكن لعظمته، ولا تدركه المقادير لجلالته، ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه، وعن الأفهام أن تستغرقه، وعن الأذهان أن تمثله، قد يئست من استنباط الإحاطة به طوامح العقول، ونضبت عن الإشارة إليه بالاكتناه بحار العلوم: «وهو الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر، الدال على قدمه بحدوث خلقه، وبحدوث خلقه على وجوده»([61]).

خاتمة البحث

ممّا تقدَّم من جولتنا في هذا البحث، الذي غُصْنا فيه وتصيَّدنا بعض الدرر التي نظمها لنا أمير الكلام عليّ بن أبي طالب× في موسوعته الرائعة (نهج البلاغة)، الحافلة بكلّ عناصر العقيدة، كواجب الوجود، والتوحيد، وتنزيه الخالق، وصفاته، والعدل، و…، وكان مصبّ بحثنا حول الوجود اللامتناهي لله جلَّ وعلا، وطبيعة هذا الوجود تقتضي أن يكون وجوداً أبديّاً وأزلياً ومطلقاً، جاءت الأبحاث متسلسلةً مترابطةً، يكمل بعضها بعضاً، فكانت خاتمته ونتيجته بما يلي:

1ـ إن كتاب نهج البلاغة هو العين الصافية للمعارف الربانية، ولا سيَّما علم العقيدة، وبالذات إثبات وجود الخالق وصفاته، وأنه قديمٌ أزليّ مطلق غير متناهٍ.

2ـ قد تناولنا من خلال هذه الموسوعة بالأدلّة الملموسة إثبات الصانع، من خلال: برهان العلّة والمعلول؛ وبرهان الحدوث والقِدَم؛ وبرهان النَّظْم.

3ـ ثمّ عرضنا بعضاً من صفاته، وهي صفة الإطلاق وعدم التقييد واللامحدودية والأزلية، وحدَّدنا مفاهيمها اللغوية والاصطلاحية، وأثبتنا أن الوحدة للواجب تعالى هي وحدة حقيقية، وليست عددية، وأنها صرفةٌ، لا تتثنَّى ولا تتكرَّر. وأعطينا شواهد كثيرة لهذه الحقائق المهمّة والدقيقة.

4ـ أثبتنا أيضاً أن الفاعل المطلق هو قوام كلّ الوجود.

5ـ ثمّ قرّرنا ذلك بما أصَّله القرآن الكريم من خلال نصوصه، التي شرحنا دلالتها، وكيفية تبلورها وانطباقها على وجوده المطلق اللامتناهي، وأن ما نطق به أمير المؤمنين× هو من صلب وروح هذه المفاهيم القرآنية الخالدة.

الهوامش

(*) أستاذٌ مساعِدٌ في جامعة المصطفى| العالميّة. من العراق.

([1]) الطباطبائي، علي والفلسفة الإلهية: ٧٩ ـ ٨٠.

([2]) محمد عبده، نهج البلاغة 2: 106.

([3]) كاشف الغطاء، مستدرك نهج البلاغة: 179.

([4]) انظر: الشاهرودي، التفسير الموضوعي لنهج البلاغة: 33.

([5]) ابن أبي الحديد، نهج البلاغة 11: 153.

([6]) انظر، جوادي الآملي، الحكمة النظرية والعملية في نهج البلاغة: 30.

([7]) محمد عبده، نهج البلاغة: 4.

([8]) انظر: المطهَّري، في رحاب نهج البلاغة: 36.

([9]) كاشف الغطاء، مستدرك نهج البلاغة: 179.

([10]) المجلسي، بحار الأنوار 5: 75.

([11]) محمد عبده، نهج البلاغة 2: 119.

([12]) انظر، جوادي الآملي، الحكمة النظرية والعملية في نهج البلاغة: 36.

([13]) انظر، جعفر السبحاني، نفحات القرآن 3: 65.

([14]) ابن ميثم البحراني، شرح نهج البلاغة 4: 121.

([15]) انظر: السبحاني، محاضرات في الالهيات: 30.

([16]) محمد عبده، نهج البلاغة 1: 164.

([17]) هادي كاشف الغطاء، مستدرك نهج البلاغة: 179.

([18]) البحراني، شرح نهج البلاغة 4: 129.

([19]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 6: 416.

([20]) انظر: الأيجي، المواقف 1: 220.

([21]) انظر: الخراساني، مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة 6: 454.

([22]) ابن منظور، لسان العرب 10: 229.

([23]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث 3: 136.

([24]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 3: 422.

([25]) انظر: محمد علي الصغير، مصطلحات في أساسية في علوم القرآن، محاضرةٌ أُلقيت في جامعة الكوفة.

([26]) انظر: الآخوند، كفاية الأصول 2،210، المظفَّر، أصول الفقه 1: 224.

([27]) صبحي الصالح، نهج البلاغة: 270.

([28]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 13: 82.

([29]) الصدوق، التوحيد: 285.

([30]) انظر: صالح المازندراني، شرح أصول الكافي 3: 68.

([31]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى 12: 298.

([32]) شرح نهج البلاغة 13: 84.

([33]) الفخر الرازي، أساس التقديس 1: 19.

([34]) انظر: الميزان 6: 87.

([35]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 6: 345.

([36]) المصدر السابق 7: 67.

([37]) انظر: ابن ميثم البحراني، شرح نهج البلاغة 2: 400.

([38]) الكليني، الكافي 1: 140.

([39]) انظر: صدر الدين الشيرازي، المبدأ والمعاد، س 165.

([40]) الطباطبائي، بداية الحكمة: 169.

([41]) انظر: الفخر الرازي، تفسير مفاتيح الغيب 29: 213.

([42]) الصدوق، التوحيد: 439.

([43]) انظر: محبّ الدين الزبيدي، تاج العروس 14: 16.

([44]) انظر: جواد مغنية، في ظلال نهج البلاغة 2: 454.

([45]) مغنية، في ظلال نهج البلاغة 2: 61.

([46]) المصدر السابق 1: 418.

([47]) صبحي الصالح، نهج البلاغة: 232.

([48]) الكليني، الكافي 1: 120.

([49]) انظر: عبد الهادي الفضلي، خلاصة علم الكلام: 96.

([50]) انظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 7: 62.

([51]) انظر: المجلسي، مرآة العقول 12: 149 (الهامش).

([52]) انظر: السبحاني، الإلهيات: 360.

([53]) الفيض الكاشاني، الوافي 1: 485.

([54]) محمد عبده، نهج البلاغة 1: 209.

([55]) انظر: ابن ميثم البحراني، شرح نهج البلاغة 3: 51.

([56]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 6: 89.

([57]) انظر: مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنـزل 18: 13.

([58]) انظر: الفتّال النيسابوري، روضة الواعظين: 24.

([59]) الصدوق، التوحيد: 264.

([60]) انظر: صدر المتألِّهين، الحكمة المتعالية 7: 372.

([61]) انظر: المحمودي، نهج السعادة 67: 7؛ محمد عبده، نهج البلاغة 2: 115.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً