أحدث المقالات

أ. عماد الهلالي(*)

مقدّمة

لمدارس العراق قبل الإسلام ذكرٌ جليل في التاريخ، لا يغرب عن بال المتأدِّبين وأرباب المطالعة. فقد كانت في عهدها رياضاً تفوح من أزهارها نسمات العلوم، وغدراناً عذبة يتدفّق من مناهلها زلال المعارف. «فعلَّم في غرفها مدرِّسون أفاضل، ودرَّس في ساحتها أساتذةٌ نوابغ، عُرفوا بالفضل والفضيلة. فنبت في دروسها عددٌ عديد من الفلاسفة والعلماء، وظهر في صفوفها مئات من الأدباء والكتّاب، الذين لا تزال مصنَّفاتهم إلى اليوم مرجعاً للقاصي والداني»([1]).

«لقد اشتهر عددٌ من المدن العراقيّة بعد السبي البابلي بأكاديميّاتها (مدارسها) الفقهيّة اليهوديّة التي أسَّسها الربّانيون في منطقة بابل، وهي المدن التي كان أكثريّة بل جميع سكّانها من اليهود المسبيّين. وكانت تُسمَّى هذه الأكاديميّات (المدارس) بالعبريّة «مثيبا»، وعنها أخذ العرب لفظة «المثيبة» تسميةً لها. وقد تخرَّج في هذه الأكاديميّات كثيرٌ من العلماء والربّانيين، تعاونوا على إخراج التلمود البابلي، وعملوا على تطبيق نصوصه على الطائفة اليهوديّة في العراق»([2]).

في الفترة الزمنيّة ما بين الموجة الأولى من تهجير يهود الأراضي المقدّسة إلى بلاد الرافدين، بحدود عام 721ق.م، والفتح الإسلامي للعراق عام 638م، في هذه الفترة التي دامت ما يقارب 1350 عاماً أفلحت الجالية اليهوديّة في العراق في توطيد مركزها وتحسين ظروفها المعيشيّة والاجتماعية والثقافيّة. «ولعلّ أكبر إنجازات يهود العراق التربويّة في القرون الستّة التي سبقت الفتح الإسلامي كان دأبهم على بناء وتطوير المدارس الدينيّة، التي أسهمت مساهمةً حاسمة في بقاء الديانة اليهوديّة، وبالتالي في بقاء الشعب اليهودي»([3]).

فشادوا في كلّ كنيسٍ مكتباً؛ ليتعلَّم أبناؤهم مبادئ الدين والقراءة والكتابة. ثمّ جدّوا في طلب العلم، فأخذوا يقيمون المدارس العالية والكلّيات الدينيّة. وقد نبغ فيها العلماء الكثيرون والأحبار العديدون. ومن أكبر المدن العراقيّة التي اشتهرت بالآداب والشريعة العبريّة والتلمود البابلي: مدينة (نهر دعة)، و(فومبديثة)، و(سورا)، و(الماخوري)، و(شيلهي). ويبدو للمؤرِّخ أن تسمية نهر دعة([4]) كانت تطلق على البقعة الواقعة فيها المدن المذكورة، وعلى غيرها من المدن التي أشار إليها التلمود.([5])

1ـ المدارس والأكاديميّات الدينية اليهودية في العراق

 وقد مرّت المدارس اليهوديّة في العراق بثلاثة أدوار، عبر فترةٍ تمتدّ إلى أكثر من 800 عام.

أـ الدَوْر الأوّل

 يشمل الدَوْر الأوّل المدارس التي أُنشئت في العراق على يد التنّائيم المتفقّهين الذين هاجروا من فلسطين إلى بابل؛ بسبب ضيق الرومان لهم، وعرقلة أعمالهم التدريسيّة، ممّا اضطرّهم إلى مغادرة فلسطين واللجوء إلى بابل.

1ـ مدرسة نهر بيكود

تفيد الأخبار بأن أوّل مدرسة أُنشئت في بابل هي مدرسة «نهر بيكود» التنّائيّة، وقد أسّسها الراب حنينا(160م)([6]) حوالي سنة 110م، وعمل على تنظيم التقويم العبري هناك سنة 145م. وقد قام بذلك استناداً إلى دعم السلطات اليهوديّة البابليّة، دون أن يستأذن من البطريك الفلسطيني([7]).

2ـ مدرسة هوزال

وهناك مدرسة تنّائية أخرى تأسَّست في «هوزال» في حوالي منتصف القرن الثاني للميلاد، وذلك في أعقاب ثورة باركوخا (132 ـ 135م)، حين هاجر طلاب فلسطين الذين كانوا يدرسون على الرابيين إسماعيل ويوشيا ويوناثان إلى بابل، فاستقرّوا في هوزال العراق، حيث أسّسوا مدرسة دينيّة ازدهرت في الفترة بين سنة 160 و220 للميلاد. ومن أبرز الشخصيّات التي ارتبطت بهذه المدرسة الرابي (أَسّي)، وهو الذي وضع قوانين للمدينة.

«وقد تخرَّج في هذه المدرسة عددٌ من العلماء استخدموا في وظائف إداريّة تابعة لرأس الجالوت([8]). ولا نعلم شيئاً عن موقع المدينتين: نهر بيكود؛ وهوزال، من بابل»([9]).

ب ـ الدَوْر الثاني

أما الدَوْر الثاني للمدارس اليهوديّة في العراق فهو أغنى الأدوار الثلاثة، ويشتمل على كُبْرَيات المدارس الدينيّة التي أُنشئت في العراق، والتي تعاون علماؤها على وضع التلمود البابلي، وعملوا على تطبيق نصوصه على الطائفة اليهوديّة في العراق. وشهدت هذه المدارس العصور الأمورائيّة والسبورائيّة والگاؤونيّة.

وفي ما يلي نبذةٌ عن المدارس التي أُقيمت في الدَوْر الثاني، والتي كان لها كبير الأثر في تطوّر الديانة اليهوديّة إلى ما هو عليه اليوم، وهي:

1ـ مدرسة نهر دعة

كان موقع نهر دعة على أغلب الظنّ في جوار مدينة عانة شرقي العراق([10]). وقد سكنها اليهود، واتّخذوها مركزاً يجمعون فيها الهدايا لهيكل أورشليم ومدارسها، حتّى أصبحت على تمادي الزمن من مدن التلمود المهمّة. وهي أوّل مدرسة للأمورائيم قامت في نهر دعة. واشتهرت مدرستها الدينيّة، ونالَتْ صيتاً بعيداً منذ القرن الثاني الميلادي. وبحَسَب رواية التلمود هناك كنيسٌ شُيِّد في بلدة نهر دعة يقع على مسيرة يومين من سورا (شمالاً)، اسمه (شفياثيب)([11]). وعُرف من رؤسائها:

 ـ الحبر صموئيل (سموئيل) الفلكي(250 أو 257م)، الذي أسَّس مدرسة فومبديثة الآتي ذكرها، وقد سعى لتوطيد دعائم الصداقة بين الفرس واليهود([12]).

 ـ والحاخام أبا أريكا، الملقَّب بالحاخام (راب).

 «هذان الحاخامان عملا سويّةً لفترة من الزمن؛ وقد تخصَّص صموئيل في مجال القوانين الدنيويّة([13])؛ في حين نبغ راب في مجال الفقه والقضاء الديني»([14]).

«غير أن هذه المدرسة لم تعمِّر طويلاً؛ إذ تهدّمت أيام خراب هذه المدينة سنة 259م»([15]). وهناك رأيٌ يقول بأن مدرسة نهر دعة أُعيد أنشاؤها في أواخر القرن الثالث للميلاد، فاستؤنفت الدراسات الدينيّة اليهوديّة، إلى جانب المدارس الأخرى، وتولّى رئاسة المدرسة بعد إعادتها:

 ـ الراب ديمي(388م).

 ـ الراب رفرام(395م).

 ـ الراب أميمار(أوائل القرن الخامس الميلادي).

 ـ الراب أحا(419م)([16]).

سارت مدرسة نهر دعة إذ ذاك على نظام الجامعات، فكان نظاماً ديموقراطيّاً مؤسّساً على قوانين تفيد التلاميذ والشعب معاً. ومن أهمّ قوانينها: أن يعقد رؤساؤها اجتماعين اثنين في غضون السنة الواحدة، وذلك في شهر أيلول عند انقضاء الصيف، وفي شهر آذار لدى انتهاء الشتاء. وكان يحضرها العلماء والأساتذة والتلاميذ على اختلاف أعمارهم وتباين درجاتهم العلميّة. فيطرح التلاميذ الأسئلة على بساط المناقشة، فيشتدّ الجَدَل بين الأعضاء كافّة، ثمّ يفتون، فيوقِّع على تلك الفتاوى بعد البتّ فيها (ريش كله)، أي رئيس الاجتماع العامّ. «لقد كانت تلك الاجتماعات مداولات خصوصيّة للشريعة أو مجادلات دينيّة تفيد الشعب والدارسين»([17]).

2ـ مدرسة فومبديثة

في عام 260م نشبت حربٌ بين الرومان والفرس أسفرَتْ عن تدمير نهر دعة ومدرستها الدينيّة المعروفة. ولكنْ سرعان ما قامت مدرسةٌ جديدة مماثلة في مدينة يهوديّة مجاورة، هي (فومبديثة).

«كانت فومبديثة (أي فم البداوة) على رأي البعض بالقرب من مدينة الأنبار. ذكرها ياقوت، ووصفها ـ هي والجبة ـ أنهما طسوجان من سواد الكوفة»([18]). وقد شاد في أنحائها الحبر صموئيل الفلكي المارّ ذكره مدرستها، التي تُعَدّ من أكبر مدارس التلمود في العراق. ثمّ تقدَّمَتْ فشاركَتْ مدرسة سورا في تدبير شؤون اليهود الدينيّة. هذا، فضلاً عن أنّ مؤسّسها هو الراب يهوذا بن حزقيال(أواخر القرن الثالث للميلاد)، الذي يعتبر من الجيل الثاني للأمورائيم (280 ـ 300م)، حيث كان متضلِّعاً من الشريعة تضلّعاً عظيماً، وبذل أقصى جهده في سبيل نجاحها.

ومن الرابيين الذين رأسوا مثيبة (فومبديثة)، وساهموا في وضع التلمود البابلي خلف الراب يهوذا، المدعوّ الراب (رابه بن نحماني)(330م)، وهو الذي اشتهر ببراعته الجَدَليّة، ودُعي «محرّك الجبل». وقد بقي (رابه) اثنين وعشرين سنة على رأس مثيبة (فومبديثة)، ثمّ ولّى الرئاسة بعده الراب يوسف بن حيّة، الذي بقي في هذا المنصب سنتين ونصف السنة.

 وفي القرن الرابع الميلادي ترأَّسها الحبر يوسف بن شيجا، وقد نُسبت إليه الاقتباسات الواردة في التلمود عن تراجم الأنبياء([19]).

وتعتبر مدينة فومبديثة من كُبْرَيات المدن اليهوديّة التي ساهمت أكاديميّاتها في وضع التلمود البابلي.

وممَّنْ تقلد إدارة مدرسة فومبديثة مار رابه والگاؤون دوداي بن نحمن والگاؤون سيماح بن بتلوا، وقد ألّف معجم التلمود، وهو مفقود اليوم. والگاؤون شيرا بن حنينة(1000م)، الذي حبَّر سفراً ثميناً على طريقة السؤال والجواب، واتّخذ موضوعه سؤالاً سيَّره إليه سكّان مدينة القيروان. ويعتبر هذا المؤلّف من أنفس المصنَّفات اليهوديّة؛ لما تضمّنه من الأمور التاريخيّة منذ نشأة التقليد بين اليهود إلى أيّامه.

«ومن مديري مدرسة فومبديثة: هاي بن شيرا(1034م)، وهو آخر رؤسائها. وقد قرأ على أبيه، ولمّا ترعرع اقتصّ آثاره، وصنَّف كتباً جليلةً في شريعة التلمود، وتكلّم عن العادات والتقاليد، بدون أن يمسّ شريعة البتة. وكان متضلِّعاً في الفقه الإسلامي والطريقة الجَدَليّة، ووضع باللغة العربية معجماً سمّاه (الحاوي)»([20]).

ومن أنبغ تلاميذ هذه المدرسة آحي صبحا، فكان من أعظم العلماء التلموديين، وقد حبَّر كتاباً نفيساً، وهو مجموعة أناشيد عن الشريعة اليهوديّة ومحاسن الأخلاق، وشاع تدريسها في المدارس، وتناقلتها أفواه العامّة؛ لما حوَتْه من المعاني الرقيقة.

ومن الربانيين الذين ترأّسوا مثيبة (فومبديثة) في عهد السبورائيم (500 ـ 590م) وعهد الگاؤونيم (590 ـ 1030م): الرابي جوزيّة، والراب شمعونا، والمار إسحاق، الذي خرج لاستقبال أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عندما مرّ بمدينة فيروز شابور (656 ـ 661م)، ثمّ الگاؤون شيرا بن حنينة(1000م)، والگاؤون دوراي بن نحمن، عميد مدرسة فومبديثة في زمن ظهور القرّائين.

«واشتهرت مدرسة فومبديثة بوفودها الأربعة، الذين توجّهوا في نحو سنة 970م إلى شمالي إفريقيا وأوروبا، وهم: شمريا بن الحنان، وهوشيل أبو حنانئيل، وموسى، وابنه حنوك»([21]).

 هذه المدرسة الدينيّة، بالإضافة إلى مدرسة أخرى في (سورا)، «أصبحت على مدار حوالي ثمانية قرون المركز الرئيس في العالم اليهودي كلّه؛ لدراسة التوراة والعلوم الدينيّة»([22]).

3ـ مدرسة سورا

«سورا مدينةٌ بابليّة قديمة. كانت مدرسة سورا في جوار مدينة الحلّة، وقد بُنيت على شطّ النيل، وكان يُعْرَف قديماً بـ (نهر سورا)»([23])، وسمّاه ابن سرابيون الصراة الأكبر، وأعاد حفره الحجّاج بن يوسف الثقفي(95هـ)([24]). ويصف ياقوت مدينة سورا بقوله: «إنها موضعٌ بالعراق من أرض بابل، وهي مدينة السريان، وقد نسبوا إليها الخمر الذي كان يعتِّقه اليهود فيها، وهي قريبةٌ من الوقف والحلّة والمزيديّة»([25]).

«نشأت في سورا جماعاتٌ كثيرة من اليهود، وكانت في سالف عهدها مقرّ رأس الجالوت([26])، قبل أن ينتقل المقرّ إلى بغداد، وقد أقام دعائم جامعتها سنة 219م الراب أبا أريخا(247م)»([27])، وتحمّل أعباء إدارتها، فصار فيها أكثر من ألف تلميذ، ينفق على عدد منهم مبالغ من ثروته الخاصّة. «ساهمت مدرسة سورا مع المدارس الدينيّة اليهوديّة الأخرى في العراق في إخراج التلمود البابلي، وبقيت مدرستها مزدهرةً زهاء تسعة قرون»([28]).

كانت مدرسة سورا أعلى مقاماً من مدرسة فومبديثة، وكان لرئيسها حقّ الأفضليّة في المرتبة الدينيّة، وفي انتخاب رئيس الجالية. وقد أنجبت عدداً عديداً من العلماء والأحبار، وكانت فتاواهم ذات منزلةٍ عظيمة عند الجاليات اليهوديّة في الشرق والغرب. ومن رؤسائها المعروفين، الذين دبَّروا شؤونها وساسوا أمورها:

 ـ ناحونا، خليفة مؤسِّسها الحبر أبا أريخا.

 ـ الراب آشي(427م)، ويُنْسَب إليه الفضل في البدء بجمع التلمود البابلي وتهذيبه وتنقيحه، حتّى أن المصادر اليهوديّة تعتبره خاتم أسفار التلمود البابلي.

 ـ يهوداي البصير بن نحمن.

 ـ «وكان آخر مدير لها الگاؤون صموئيل بن حُفني الكاهن(1013م)، الذي استقرّ في البصرة، وتوفي فيها»([29]). ويعتبر صموئيل من أكثر الگاؤونيم إنتاجاً في مجال الفكر الديني؛ حيث وضع كثيراً من المؤلَّفات التي عالجت الكثير من الموضوعات الدينيّة، وكتب تفاسير باللغة العربيّة، منها: «البلوغ والإدراك؛ نسخ الشرع وأصول الأحكام وفروعها؛ كتاب المجاورة؛ كتاب البيع؛ تفسير سفر صموئيل. وكذلك ترجم التوراة إلى العربيّة، طُبعت أجزاء منها عام 1886م»([30]).

أـ قبور أولياء اليهود في سورا

في وصف الرحّالة اليهودي بنيامين التطيلي لمدينة سورا يقول: «سورا أو مثامحسية([31]) الواردة في التلمود كانت في سالف عهدها مقرّ رأس الجالوت ورؤساء المثيبة. وفيها من قبور الصالحين قبر الگاؤون الرابي شريرا(1000م)، وولده الگاؤون الرابي هاي(1034م)، وقبر الگاؤون سعديّة(944م)([32])، وصموئيل بن حفني الكاهن(1034م)، وصفنيّة بن كوشي بن النبيّ جدليّة([33])، وقبور غيرهم من رؤساء الجالوت من آل الملك داوود، ورؤساء المثيبة الذين عاشوا فيها قبل خرابها»([34])، حيث لجأ الكثير من علمائها إلى البصرة؛ لأن يهود البصرة ساهموا في دفع 300 دينار ضمن تكاليف حماية المدرسة اليهوديّة وصيانتها في مدينة سورا([35]).

 

4ـ مدرسة مثامحسية

الظاهر أنه كانت هناك مدرسةٌ ثانية على نهر سورا في (مثامحسية)، على الجانب المقابل لسورا. فقد ورد في الأخبار أن الراب يمار(432م) كان يرأس مدرسة مثامحسية، ثمّ رأسها بعده الراب نحمان بن حونا(455م)، ثمّ رأس المدرسة الراب تويومي(468م).

وكان الگاؤون آشي على رأس مدرسة مثامحسية في عهد الگاؤونيم.

«وتشير الأخبار الى أن مدرسة سورا انتقلت بعد ذلك إلى (مثامحسية)، كما انتقل رأس الجالوت من سورا إلى (مثامحسية)؛ وذلك بسبب اضطهاد الفرس لليهود»([36]).

5ـ مدرسة الماخوري

«تقع الماخوري على الجانب الغربي من نهر دجلة في العراق بالقرب من سلوقيّة. والماخوري تسمية آراميّة معناها بالعربيّة المدائن»([37]).

وهذه البلدة سكنها اليهود المسبيّون في بابل، فأسّسوا فيها مدرسة دينيّة أيضاً، ساهمَتْ مع بقية المدارس في وضع التلمود البابلي. وقد أسَّس الراب يوسف بن حنينا هذه المدرسة في منتصف القرن الثالث للميلاد، وذلك بعد خراب مدرسة نهر دعة. وقد بلغت مدرسة ماخوري هذه ذروة ازدهارها في عهد خلف الراب يوسف وابنه رافا. «وفي الفترة الواقعة بين عامي 513 و520م اتّخذها المار زوطرة الثاني، رئيس الجالوت، مركزاً له عندما قام بثورته على حكم الملك الساساني قباذ الأوّل، وأعلن استقلاله»([38]).

6ـ مدرسة شيلهي

«أُسِّسَتْ هذه المدرسة في أواخر القرن الثالث للميلاد على يد الراب (ششت)، وهو من تلامذة أبا أريخا، وصموئيل الفلكي. ويقع تأسيسها في الجيل الثاني من دَوْر الأمورائيم (280 ـ 300م). ولا نعلم شيئاً عن موقع بلدة شيلهي وتاريخها، غير أنه لا بُدَّ أنها كانت في القسم من منطقة بابل المكتظّ بالسكان اليهود من السبي البابلي»([39]).

 

ج ـ الدَوْر الثالث

وأما الدَوْر الثالث فيقع في أواخر العصر العباسي. ويبدأ بتسنُّم المقتفي لأمر الله عرش الخلافة العبّاسية (1136 ـ 1160م)، وينتهي بدخول المغول مدينة بغداد سنة 1258م. وفي خلال هذه الفترة أُنشئت مدارس بغداد، وأُعيدت فيها مكانة رأس الجالوت إلى سابق ما كانت عليه.

«إذن بتدوين التلمود البابلي، الذي هو نتاج المؤسّسات التعليميّة اليهوديّة في العراق، أصبح هذا التلمود موضوع الدراسة الرئيسي داخل الحلقات التلموديّة، وتصاعد النشاط الدينيّ التربوي الذي كان له أكبر الأثر في ذيوع صيت حلقات بابل»([40]). وتمثَّل هذا النشاط في اجتماعات «الكالاه»([41])، وهو ما يدلّ على أنّ هذه الاجتماعات كانت بالغة الأهمّية، يتمّ فيها حسم كلّ الأمور، وهذا يعني أنّ حلقات الكالاه تتويجٌ للدراسات التي تتمّ في كلّ المؤسّسات الدينيّة والتربويّة الأخرى، وكانت دَوْرة الكالاه تضمّ علماء الحلقة الذين كانوا يشكِّلون «بيت دين»([42])، ويتبعها سنهدرين أصغر؛ لتلخيص أقوال الحاخامات وفتاواهم وإجاباتهم على الأسئلة التي يطرحها الحاضرون، أو على تلك الأسئلة التي تصلهم من الجماعات اليهوديّة المنتشرة في البلدان المختلفة. ومارس علماء بابل تأثيرهم على الجماعات اليهوديّة المختلفة من خلال علمائهم، الذين كانوا يأتون لحضور الاجتماعات، ويرجعون بإجابة الفقهاء على الأسئلة المرسلة منهم([43]).

«وبذلك فقد كان لأعضاء الجماعات اليهوديّة في بابل نمطٌ تعليميّ مختلف نتيجة تكوُّن التشكيلات الإمبراطوريّة المختلفة في هذه المنطقة، حيث أرسلوا أطفالهم إلى مؤسّساتٍ تعليميّة خاصّة بهم، كما قدّمت الحلقات التلموديّة في بابل فيما بعد إسهامات في تطوير التراث الدينيّ اليهوديّ المتمثِّل في التلمود البابلي»([44]).

مقدّمةٌ تمهيدية لمرحلة الگاؤونيم في العراق الجديد

لقد كانت صعبةً تلك المراحل التي مرّ بها التفسير الديني اليهودي للنصّ التوراتي منذ عصر النُّسّاخ إلى آخر عصر المناطقة أو الموفقين، والذين كان يطلق عليهم «السبورائيم»([45]). فقد وضعت تلك الأجيال المتعاقبة أُسُس التقاليد الدينية، وأرسَتْ دعائم البناء الروحي لليهوديّة، ممّا سهَّل السبيل أمام مَنْ جاؤوا بعدهم من الفقهاء والمفسِّرين.

في تلك الفترة بدأت النُّظُم اليهودية التقليدية تتبلور، متّخذةً اتجاهاتٍ تختلف إلى حدٍّ ما عن تلك التي كانت سائدةً أيام عصر الرواة ومَنْ جاؤوا بعدهم. ويتمثَّل ذلك في أمرين:

الأوّل: ما كان يسير عليه الآباء الأُوَل من تقاليد، وهل ظلّت وظيفة الحاخام كما هي، دون تغيير عمّا يفهم منها أيّام الرواة والشرّاح، أم أن الوضع الجديد لهؤلاء اليهود قد أخذ يفرض عليهم تطوير هذه الشخصية، وإسناد مهامٍّ جديدة إليها، وخلق شخصيّات دينية أخرى إلى جوارها، تتولّى عنها بعض المهامّ؟ وبعبارةٍ أخرى: هل أصبحت الحاخاميّة وظيفةً يتطلّع إليها كلّ يهوديٍّ؛ لما لها من ميِّزات؟

الثاني: التعليم والدراسة اليهودية في هذه الفترة الجديدة، وكيف كانت تسير تلك الدراسة؟ وهل كانت هناك شروطٌ يلزم توافرها في المعلِّم والتلميذ؟ وما هو نظام التعليم والهدف منه؟ وإلى أيّ مدىً فرضت ظروف العصر تطوّراً في النُّظُم التعليمية اليهوديّة؟ وما هو المحور الأساسي الذي كان يقوم عليه هذا التعليم؟ وما هي الجهود التي بذلها المثقَّفون والحكماء في نشر الثقافة والفكر الدينيّ بصفةٍ عامّة، سواء كان ذلك محلّياً أو على نطاقٍ أوسع خارج حدود المدينة الثقافيّة والعلميّة لليهود بابل، وبين يهود الشتات جميعاً في الأمصار المختلفة؟

تلك أهمّ الأسئلة التي يمكن أن تدور في ذهن أيّ باحثٍ في مجال تطوّر الفكر الديني اليهودي في بابل. «إذن اخذت الملامح الجديدة التي أخذَتْ طريقها على يد حكماء بابل في تلك الفترة، والتي عُرفَتْ بفترة الگاؤونيم»([46])، أي العباقرة أو النوابغ، إذا أخذنا في الاعتبار آخر مدلول لهذه الكلمة، كما سيتّضح بَعْدُ([47]).

ويُعَدّ الگاؤون امتداداً لجماعة الربّانيين أو التلموديين. وجماعة التلموديين كما هو معروفٌ مرَّتْ بستّة مراحل([48]). والآن نحاول أن ندرس وأن نحلِّل بعض المصطلحات والمفاهيم عن الگاؤونيم.

1ـ مفهوم الگاؤونيم

الگاؤونيم اسمٌ في صيغة جمع المذكَّر، ومفرده گاؤون. وهو يدلّ على الرفعة والعظمة والاحترام. وبعد ذلك أخذ مدلول هذا الاسم يتحدّد تحديداً أكثر دقّةً، حيث اقتصر استخدامه على مجموعةٍ معيّنة من الحاخامين، فأصبح عبارة عن صفةٍ لرؤساء الأكاديميات في بابل، الذين جاؤوا في أعقاب عصر السبورائيم([49]).

«وصارت الفترة التي عاش فيها رؤساء هذه الأكاديميات في مدينة بابل العريقة في التراث اليهودي تُعْرَف في التاريخ بحقبة أو فترة الگاؤونيم، والتي امتدّت من القرن السادس الميلادي حتّى القرن الحادي عشر.

إذن نشأت بعد انتهاء دَوْر الأمورائيم طبقةٌ من العلماء يُعْرَفون بـ (السبورائيم)، وهي كلمةٌ عبرية، معناها الأساتذة والشارحون، كانت تُطْلَق على طبقةٍ من العلماء اليهود استمرّ نشاطهم العلمي في بابل من سنة 500 إلى سنة 590م، وكانت أهمّ أعمالهم التعليق على التلمود، وتنظيم أبوابه وفصوله بالشكل المعروف إلى يومنا هذا. وكانت أعمال السبورائيم بابليّة بَحْتة، قام بها علماء بابل وحدهم. وأخيراً تولّى الگاؤونيم مسؤوليّة تعليم التلمود وإصدار الفتاوى الدينيّة ليهود الشرق والغرب»([50]).

2ـ بداية الگاؤونيم

ويذكر المؤرِّخون اليهود أن عصر الگاؤونيم قد بدأ في مركزين هامين من مراكز الثقافة والفكر اليهودية المنتشرة في مدينة بابل العراقية في هذا الوقت، حيث كانت بداية الگاؤونية في أكاديميّة فومبديثة عام 589م، ويعدّ راب حنان أوّل گاؤون يعين في هذه الأكاديميّة. وفي مقابل أكاديميّة فومبديثة كانت أكاديميّة سورا، حيث بدأت فيها الگاؤونية عام 609م، وكان أوّل گاؤون لهذه الأكاديمّة هو (راب مار بر راب هونا)([51]).

رأيٌ حول الگاؤونيّة، ومناقشته

وهناك رأيٌ آخر يقول: «إنه في عام 658م أخرج الخليفة مجمع سورا العلمي من اختصاص الأجزيلاك (رأس الجالوت) القانوني، فلمّا حدث هذا اتّخذ رئيس المجمع لنفسه لقب گاؤون، وابتدأ من ذلك الحين نظام الگاؤونيّة»([52]).

والأخذ بالرأي الأوّل في رأيي هو الأقرب إلى الصواب؛ وذلك لعدّة أسباب:

 الأوّل: لإجماع المصادر عليه من ناحيةٍ. كما أن دوائر المعارف اليهوديّة، مثل: (أوتسر يسرائيل)([53]) و(جودائيكا)([54]) و…، قد أوردَتْ قائمة بأسماء الگاؤونيم الذين تولَّوْا القيادة الدينيّة في هذه الفترة.

 الثاني: إن الخليفة الذي أشار إليه مؤلِّف قصّة الحضارة هو الخليفة علي بن أبي طالب؛ إذ إنه تولّى الخلافة عام 35هـ ـ 655م، بينما نعلم أن عليّ بن أبي طالب قد أقرّ في خلافته بيت البستاني على رئاسة اليهود، وأن الحال استمرّ على ذلك حتى عهد الأمويين([55]).

«الگاؤونيم هم أولئك العلماء والفقهاء الذين كانت لهم الزعامة الدينية لليهود في مدينة بابل العريقة في حقبةٍ زمنية طويلة، امتدّت إلى ما يقرب من أربعمئة وخمسين عاماً، وكان لهم الفضل الأكبر في إرساء دعائم الديانة اليهودية وتطويرها، وخاصّة لطائفة الربّانيين، كما كان لهم نشاطهم البارز في جميع النواحي اللاهوتيّة والناسوتيّة، با هناك مَنْ نبغ إلى جانب ذلك في النواحي اللغويّة أيضاً».([56])

«وتمتاز مرحلة الگاؤون في العراق بتعاون السلطتين السياسيّة والتشريعيّة أو الجامعيّة. فالحاكم الإداري كان يمثِّل المجتمع الإسرائيلي أمام الخليفة والولاة، وكان يقوم على جباية الأموال وتسليمها لبيت المال؛ أما السلطة الدينيّة فقد كانت في يد رجال الجامعتين([57])، «وقد اهتمّ أساتذتها بالتلمود وشرحه، كما كانوا يصدرون القوانين، ويقومون بتنفيذها؛ أما السلطة القضائيّة فقد كانت مقسَّمةً بين الحاكم الإداري والگاؤون»([58]).

3ـ التعليم والثقافة اليهودية في عصر الگاؤونيم في العراق

على مدار الفترة التي كانت تُعْرَف بـ الگاؤونيم، والتي امتدّت إلى حوالي 450 سنة، كانت تتدرّج في الدراسة التوراتيّة وشروحها المختلفة، ومن هنا اتّجه اليهود إلى تلقين تعاليم الكتاب المقدّس إلى أطفالهم من حداثتهم؛ حتّى يشبّوا على حبّ وطاعة هذه التعاليم. ومن هنا بدأوا يؤسّسون المدارس الأوّلية، ثم المتوسّطة والعالية، ويأخذون الأطفال إلى المدارس الأوّلية، ويبدأون معهم ابتداءً من الأبجديّة ومبادئ القراءة… وقد حرصوا دائماً على أطفالهم كي يصلوا إلى درجةٍ عالية تؤهِّلهم ليصبحوا أساتذةً أو مؤلِّفين، كغيرهم.

ولقد عرفت الحركة التعليميّة لدى اليهود في فترة الگاؤونيم مراحل ثلاثة، يمرّ بها التعليم منذ أن كان طفلاً. وإن آخر مرحلةٍ يقوم بها هي المرحلة العليا أو مرحلة الأكاديميّات، وتُعَدّ أعلى مرحلةٍ من مراحل التعليم اليهودي في ذلك الوقت، وتبدأ هذه المراحل كما يلي:

أولاً: الحدر (الكتّاب)

وجمعها حَداريم، بمعنى: غرفة أو حجرة.

 وقد استخدمت هذه الكلمة مجازاً، بمعنىً يقابل الكتاب، أو المكتب عند العرب. وهو عبارةٌ عن حجرة أو غرفة في بيت، كان يعلَّم فيها الصبيان([59]).

وفي الكتّاب كان التلاميذ يمرّون بمراحل طبقاً لأعمارهم:

أـ المرحلة الأولى

يتعلّم فيها الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين الثالثة والخامسة الأبجديّة العبريّة والقراءة على يد المعلِّم، ويساعده مساعدٌ يُطْلَق عليه (ريش دوخنيا)([60])، وذلك إذا بلغ عدد التلاميذ خمساً وعشرين تلميذاً.

ب ـ المرحلة الثانية

يدخلها الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة والسابعة، حيث يتعلَّمون الأجزاء الأولى من أسفار موسى الخمسة، ثمّ يتعلّمون الصلوات والقراءة الصحيحة بالعبريّة.

ج ـ المرحلة الثالثة

ينضمّ إليها الأولاد من السابعة حتّى سنّ الثالثة عشر، التي يصطلح عليها (برمتسفا)([61])، حيث يدرسون هناك فصولاً معيَّنة من الجمارا أو الأسفار الخمسة، والقراءة في أسفار الأنبياء والمكتوبات([62]).

 

ثانياً: بيت هامدراش، المدرسة الدينيّة أو المدرسة التلموديّة

وهي المرحلة التعليميّة التي تلي مرحلة الكتّاب. فتلاميذ المدرسة التلموديّة يشترط فيهم أن يكونوا قد اجتاوزا مرحلة الحدر، وبلغوا سنّ التكليف، حَسْب الشريعة اليهوديّة. وعرفت هذه المدرسة في تاريخ الفكر اليهودي بمسمّيات مختلفة([63])، يفهم منها جميعاً أنها كانت مدرسةً دينية لإعداد تلاميذ الحاخامين، حيث يتعلّمون فيها التلمود والمدراشيم([64]) وفصول من الهلاخا([65]). وتعتبر هذه المرحلة التعليميّة هي المرحلة المتوسطة في سلسلة التعليم اليهودي، حيث يتلقَّى فيها الطلاب ما يؤهِّلهم بعد ذلك للالتحاق بالأكاديميّة، وهي مرحلة التخصُّص الدقيق في مجال الديانة اليهوديّة.

ثالثاً: هيشيفا، الأكاديميّة أو الجامعة

المرحلة الأخيرة والمهمّة في النظام التعليمي في فترة الگاؤونيم وهي مرحلة الأكاديميّات أو التعليم العالي. وهي مرحلةٌ أكثر دقّةً في نظمها. ويرجع ذلك إلى أنها لم تكن مجرّد مدرسةٍ عاديّة، وإنما كانت جامعةً شاملة لكلّ ما يتعلّق بأمور الدين اليهودي، وكلّ ما يتّصل بحياة الطائفة من تقاليد دينيّة، سواء في مدينة بابل حيث مركز الأكاديميّات أم في غيرها من بلاد الشتات، التي كانت تسير وفقاً لما كان متّبعاً في العراق وتحديداً في مدينة بابل. إذن هي أكاديميّةٌ للبحوث الدينيّة، ودارٌ للإفتاء الديني، والمسؤولة عن صحّة تطبيق الشريعة اليهوديّة. ولذلك فهي مرحلةٌ أكثر تخصُّصاً من المرحلتين السابقتين، وأكثر دقّةً في أمور الدين والروحانيّات، مع التعمُّق فيها على يد متخصِّصين من الأساتذة وكبار رجال الدين. وهي تؤهِّل مَنْ يلتحق بها وينتظم في اجتماعاتها أن يتولَّى بنفسه بعد ذلك مناصب قياديّة في المجالات الدينيّة، كأنْ يعيَّن حاخاماً لأبناء جنسه.

ومن هنا كان نظام الأكاديميّة معقَّداً؛ لكثرة ما فيه من الوظائف، حيث يُوكَل إلى كلِّ فردٍ فيها مهمّةٌ محدّدة، فلا يجوز أن يتعدّى أحدٌ على وظيفة زميله، بل لا يتعدّى على مجرّد المكان الذي يجلس فيه. ومن أهمّ نُظُم الأكاديميّة:

أـ نظام الحاخامين

كان يشرف على الأكاديميّة سبعون حاخاماً، تحت رئاسة رئيس الأكاديميّة، والذي كان يُطْلَق عليه أيضاً رأس (المثيبة)([66])، وهو الگاؤون.

ب ـ طلاب الأكاديميّة

كان الأمر بالنسبة إلى طلاّب الأكاديميّة يختلف عنه بالنسبة لتلاميذ (الحدر) أو (بيت هامدراش)؛ فقد كان هؤلاء الطلاّب يتلقّون تعليماً عالياً، وينقسمون ـ حَسْب التعبير المتداول حاليّاً في جامعاتنا ـ إلى قسمين:

القسم الأوّل: طلاّب منتظمون. وهم يشكِّلون الأغلبيّة العظمى في الأكاديميّة. وإذا ما أُطلق لقب طلاّب الأكاديميّة فإنما يُعْنَى به هؤلاء الطلاّب، دون القسم الثاني.

القسم الثاني: وهم الطلاّب المنتسبون، الذين يحضرون فقط لمجرّد الاستماع للدرس، وهم طلاّبٌ لم يسبق لهم الانتظام في دراسة التوراة قبل ذلك([67]).

ج ـ علاقة الحاخامين بتلاميذهم، ونظم الامتحانات

لعلّ أهمّ ما كان يتمتّع به مفكِّرو العصور الوسطى، وخاصّة علماء الدين ـ اليهود والمسلمين ـ منهم، هو الاحترام والرفعة، سواء ذلك من تلاميذهم الذين يتلقّون العلم على أيديهم أم من الجماهير. حتّى أن واضعي التلمود قد أوصَوْا ضمن تعاليمهم باحترام الحاخامين، وأنزلوهم منزلةً تقارب منزلة الأنبياء.

كذلك كان الأمر في الأكاديميّة، حيث نجد تقليداً للتلاميذ يُعْرِبون به عن احترامهم لأساتذتهم من الحاخامين، منها: أن يخفِّض التلاميذ من ارتفاع التفلّين([68]) الخاصّ بهم، فلا يجعلون ارتفاعه أكثر من إصبعٍ، ويضعون عليهم شالاً. أما الحاخامين الكبار فقد كانوا يرفعونه حوالي ثلاثة أصابع، حتّى لا يتساوى الأمر بينهم وبين التلاميذ. ولم يكن يُسْمَح للتلميذ أن يتحدَّث أمام الگاؤون حتّى يُؤْذَن له بذلك. وبالرغم من ذلك كلّه لم تكن هذه الحالة تمنع من وجود روحٍ طيِّبة من جانب الحاخامين نحو تلاميذهم.

د ـ سَيْر الدراسة في الأكاديميّة

تلك كانت صورةً عامّة لما كانت عليه الأكاديميّات في عصر الگاؤونيم في بابل، من حيث نظامها وعلاقة أفرادها ببعضهم، وبقي أن تعرف كيف كانت تسير الدراسة داخل هذه الأكاديميّات؟

من الواضح وصف رابي ناثان البابلي، وهو المصدر الرئيس الذي ينقل عند جميع مَنْ يؤرِّخ لهذه الفترة، فهو يعطينا وصفاً دقيقاً للعصر الگاؤوني بكلّ أبعاده في كتابه (يوحاسن)، فيذكر أن فترة الدراسة في الأكاديميّة كانت عبارة عن «شهري الكلة»: «يَرحى كلّوت»، وهما: شهري آذار وأيلول، من كلّ عام. تستمر الدراسة في كلّ شهر لمدّة الثلاثة أسابيع الأولى، يوميّاً، بنظامٍ دقيق ومحدّد([69]).

إذن كان للگاؤون سلطاتٌ واسعة لدى اليهود، مثل: تعيين المسؤول السياسي الرسمي عن الطائفة اليهوديّة أمام الخليفة، وهو (رأس الجالوت)؛ وكذلك كان يتمّ تعيين قاضي القضاة عن طريق الگاؤون فقط، و…

كانت تلك هي المراحل التي يتعلَّم فيها اليهودي في العصر الگاؤوني في العراق، وتحديداً في مدينة بابل. وهي لا تختلف كثيراً عن المراحل السابقة لهذا العصر الحديث.

4ـ ميِّزات مرحلة الگاؤونيم، وأهمّ أحداثها

بإمكاننا تمييز مرحلة الگاؤونيم عن المراحل الأخرى لليهود في العراق في عدّة نقاط:

1ـ أصبح التلمود البابلي مصدر النفوذ الهائل في حياة اليهود، فهو المرجع المعتَرَف به لكلّ مَنْ شاء الاطّلاع على الديانة والثقافة اليهوديتين.

2ـ »إذن مرحلة الگاؤون، أو سيطرة اليهود الشرقيين، بدأَتْ بعد أن أتمّ كَتَبةُ التلمود كتاباتهم، ولم يَعُدْ التلمود بحاجةٍ إلى زيادة فيه، وأصبحَتْ الأكاديميّة البابليّة في العراق مركز السلطة المركزيّة ليهود العالم قاطبةً؛ فهي صاحبة التفسير المأثور لأحكام التلمود، وإليها اتّجهَتْ أنظار اليهود قاطبةً؛ للرأي والمشورة في تفسير النصّ أو تأويل أحكامه، وفقاً لحاجات الحياة ومتطلّبات الأوضاع المتبدّلة»([70]).

وممّا لا شَكَّ فيه أن ازدهار دراسة التلمود وانتشارها من العراق، وتحديداً من مدينة بابل، إلى مصر وشمال إفريقيا وأنطاكية وإسبانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا لم يبلغ هذا الاتّساع والازدهار إلاّ بفضل التأثير الذي قامت به الثقافة العراقية الصاعدة لدى اليهود المنتشرين في العالم.

3ـ برع الگاؤون بالردّ وأدب الردود على الأسئلة التي كانت تَرِدُهم، وكان الگاؤون رؤساء المدارس التلموديّة في العراق يبعثون بها ردوداً لشتّى النواحي والأمكنة التي يقطنها اليهود.

4ـ في فترة الگاؤونيم، وبعد إعطاء الأمان والثقة لليهود، كلّ هذه الأمور كانت سبباً ودافعاً لهم على أن يتفرَّغوا كلِّيةً لعباداتهم وطقوسهم الدينيّة، والاهتمام بأمور شريعتهم، ممّا أثرى الفكر اليهودي بعد ذلك بأمّهات الكتب التي دُوِّنت في العراق، وعلى الخصوص مدينة بابل، والتي ما يزال اليهود يعتمدون عليها إلى اليوم.

«وفي هذه الفترة ـ فترة الگاؤون ـ حدث الانشقاق في العراق، وتحديداً في بغداد، بين اليهود القرّائين والحركة التلموديّة، وبلغَتْ ذروة القرّائين خلال القرن الحادي عشر، حتّى أن الگاؤون سعديا الفيّومي(942م/331هـ)، صاحب كتاب الأمانات والاعتقادات، الذي ألَّفه في بغداد سنة 321 ـ 322هـ/933م باللغة العربيّة، ونقله «يهودا بن تبّون»([71]) إلى العبرانيّة، وسمّاه «سفر أمونوت وديعوت»([72])([73])، هبَّ للدفاع عن اليهوديّة التلموديّة ضدّ هجمات القرّائين على التلمود، وكذلك ضدّ الأبيقوريين الملحدين الكافرين، بحَسَب وصفه([74]).

الهوامش

(*) باحثٌ متخصِّصٌ في دراسات الأديان المقارنة. من العراق.

([1]) رفائيل بابو إسحق، مدارس العراق قبل الإسلام: 9، ط1، لندن، دار الورّاق للنشر المحدودة، 2006م.

([2]) أحمد سوسة، ملامح من التأريخ القديم ليهود العراق: ‌202 ـ 203.

([3]) نسيم رجوان، موجز تأريخ يهود العراق، من سبي بابل إلى نزوحهم عام 1951: 33، قدّم للكتاب: شموئيل موريه، أورشليم ـ القدس، رابطة الجامعيين اليهود النازحين من العراق، 1998م.

([4]) من المرجّح أن كلمة نهر دعة مؤلّفة من كلمتين عبريتين، مفادها: نهر الحكمة أو نور الحكمة.

([5]) انظر: يوسف رزق الله غنيمة، نُزْهة المشتاق في تاريخ يهود العراق: 58، ط1، بغداد، مطبعة الفرات، المكتبة العربية، 1924م؛ وكذلك انظر: الرحالة الربّي بنيامين بن يونة التطيلي النباري الأندلسي، رحلة بنيامين (561 ـ 569هـ) ـ (1165 ـ 1173م): 129، ترجمها عن الأصل العبري وعلّق حواشيها وكتب ملحقاتها: عزرا حدّاد، مصدّرة بمقدّمة للمؤرّخ الأستاذ: عباس عزّاوي، ط1، بغداد، 1945م.

([6]) كان أوّل مَنْ اشتغل بمسألة التلمود هو التنّاء حنينا. وحنينا هو ابن أخ الراب يوشيا، ودرس في مدرسة يبينة عندما انتقل علماء السنهدرين إلى يبينة بعد تخريب الهيكل. وقد اشتهر بعد ذلك الرابي نحشون في مدرسة سورا (874 ـ 882م)، وهو أوّل گاؤون بابلي اشتغل بمسألة التقويم.

([7]) انظر: أحمد سوسة، ملامح من التأريخ القديم ليهود العراق: 203.

([8]) رأس الجالوت (Resh Galuta): مصطلحٌ لترجمة عربية للعبارة الآرامية «ريشي جالوتا»، وهي بالعبرية «روش جولاه»، وتعني حرفياً (رئيس المنفى)، وهو لقب أمير الجماعة اليهودية في بلاد الرافدين قبل الإسلام وبعده. وقد عرَّفه الخوارزمي في مفاتيحه: «رأس الجالوت هو رئيسهم، والجالوت هم الجالية، أعني الذين جلوا عن أوطانهم بيت المقدس، ويكون رأس الجالوت من ولد داوود×، وتزعم عامّتهم أنّه لا يرأس حتّى يكون طويل الباع، تبلغ أنامل يده ركبتَيْه إذا مدّها». (أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الكاتب الخوارزمي(387هـ)، مفاتيح العلوم: 24، طبع على النسخة التي قام بها المستشرق العلاّمة ج. فن فلوتن بمطبعة بريل بليدن سنة 1895م، وصحَّحها على خمس نسخ خطيّة قديمة، راجعه وعلّق حواشيه: محمد كمال الدين الأدهميّ، قام بطبعه وتصحيحه وترقيمه: عثمان خليل، ط1، مصر، 1930م).

([9]) أحمد سوسة، ملامح من التأريخ القديم ليهود العراق: 203.

([10]) يقول أحمد سوسة في كتابه ملامح من التأريخ القديم ليهود العراق: ‌204 ـ 205 ما يلي: «لقد تضاربت آراء العلماء في تعيين موقع مدينة نهر دعة، وهي من مدن التلمود المهمّة. ومع شهرة مدرستها وورود ذكرها في التواريخ اليهوديّة لم يصل الباحثون إلى أيّ رأيٍ في ما يتعلَّق بموقعها يحظى بالإجماع عليه. والظاهر من بعض الأوصاف القديمة أن اسم نهر دعة كان يطلق على الصقع الذي يشتمل منطقة واسعة في الفرات الأوسط لمسافاتٍ طويلة».

([11]) هو اسم كنيس ورد ذكره في التلمود (البابلي)، كان قد شيِّد في بلدة نهر دعة. وهي لفظةٌ مؤلَّفة من كلمتين بالآراميّة «شف» و«يثيب»، أي: «دمّر» و«عمّر»، كناية على أنها عمّرت بعد دمار بيت المقدس.

([12]) في رأي بعض المؤرّخين ان من أهمّ الفتاوى التي أصدرها صموئيل، والتي ظلت ترشد الجاليات اليهوديّة حيثما كانت، هي القاعدة التي نصَّتْ على أن قانون البلاد هو القانون الذي على اليهودي أن يقبله ويتمثّل له في مهجره.

([13]) وهو صاحب القول الشهير: «قانون الدولة المعمول به»، أي إن اليهودي يخضع لأحكام القانون السائد في البلد الذي يعيش فيه فوق أرضه، باستثناء المسائل المتعلِّقة بواجباته الدينيّة. وقد كان لهذا الاجتهاد لمؤسِّس مدرسة نهر دعة أبلغ الأثر في تطوُّر القانون المدني اليهودي. (انظر: أسعد رزوق، التلمود والصهيونيّة: ‌142 ـ 143، بيروت، منظمة التحرير الفلسطينيّة ـ مركز الأبحاث، 1970م).

([14]) نسيم رجوان، موجز تأريخ يهود العراق من سبي بابل إلى نزوحهم عام 1951: 33.

([15]) يوسف غنيمة، نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق: 70و91.

([16]) انظر: أحمد سوسة، ملامح من التأريخ القديم ليهود العراق: 209.

([17]) رفائيل بابو إسحق، مدارس العراق قبل الإسلام: 166 ـ 167.

([18]) ياقوت بن عبد الله الحموي، معجم البلدان 1: 770؛ 2: 31، تصحيح: فردينالد ووستنفلد، ليبزغ (LEIPZIG)، 1870 ـ 1866م.

([19]) انظر: الرحّالة الربّي بنيامين بن يونة التطيلي النباري الأندلسي، رحلة بنيامين: ‌198؛ وكذلك انظر: يوسف غنيمة، نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق: 93.

([20]) رفائيل بابو إسحق، مدارس العراق قبل الإسلام: ‌168.

([21]) الرحالة الربّي بنيامين بن يونة التطيلي النباري الأندلسي، رحلة بنيامين: ‌140، 147، 191، 198؛ يوسف غنيمة، نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق: ‌93، 97، 110، 127، 128.

([22]) نسيم رجوان، موجز تأريخ يهود العراق من سبي بابل إلى نزوحهم عام 1951: 33 ـ 34.

([23]) أحمد سوسة، تاريخ حضارة وادي الرافدين في ضوء مشاريع الّري الزراعية والمكتشفات الآثارية والمصادر التاريخية (الجزء الثاني): ‌384، بغداد، دار الحريّة للطباعة، 1986م.

([24]) الرحّالة الربّي بنيامين بن يونة التطيلي النباري الأندلسي، رحلة بنيامين: 146.

([25]) ياقوت بن عبد الله الحموي، معجم البلدان 3: 213.

([26]) الرئيس الأكبر للطائفة اليهوديّة.

([27]) Graetz,H, History of the Jews, London,1891. vol.2, p.516 ـ 517.

([28]) أحمد سوسة، تاريخ حضارة وادي الرافدين في ضوء مشاريع الّري الزراعية والمكتشفات الآثارية والمصادر التاريخية (الجزء الثاني): ‌384.

([29]) رفائيل بابو إسحق، مدارس العراق قبل الإسلام: ‌169.

([30]) عبد الرزّاق أحمد قنديل، الأثر الاسلامي في الفكر الديني اليهودي: 202، نقلاً عن: دائرة المعارف اليهوديّة «أوتسر يسرائيل» 4:  151.

([31]) كان الجانب الثاني من سورا في التلمود يُدْعى مثامحسية.

([32]) وهو سعيد بن يوسف الفيّومي.

([33]) من أنبياء بني إسرائيل، كان معاصراً للنبيّ إرمية (620 ـ 609ق.م).

([34]) الرحلة: 147.

([35]) انظر: حمد محمد بن صراي، اليهود والخليج العربي، رؤيةٌ تاريخيّة نقديّة: ‌28، الكويت، حوليّات الآداب والعلوم الاجتماعيّة ـ جامعة الكويت، 2001م.

([36]) أحمد سوسة، ملامح من التأريخ القديم ليهود العراق: 211.

([37]) المصدر السابق: 214. نقلاً عن:

Musil, Middle Euphrates, pp.272,274.

([38]) المصدر السابق: 213.

([39]) المصدر السابق: 214 ـ 215.

([40]) أسعد رزوق، التلمود والصهيونيّة: 114، بيروت، منظمة التحرير الفلسطينيّة ـ مركز الأبحاث، 1970م.

([41]) وهي كلمةٌ عبريّة تعني: الكلّ.

([42]) بيت دين: أي محكمة دينيّة تضمّ، مثل السنهدرين، 70 عضواً، لها صلاحيّة الإفتاء.

([43]) وليد عبد الحميد خلف الأسدي، الحقوق الفكريّة في الديانات السماويّة والتنظير الوضعي، دراسة تحليليّة مقارنة: 217، رسالة دكتوراه مقدّمة إلى مجلس كليّة العلوم الإسلاميّة ـ جامعة بغداد، كانون الأول 2004م ـ ذي القعدة 1425هـ.

([44]) المصدر نفسه.

([45]) السبورائيم: كلمةٌ عبريّة معناها: الأساتذة الشارحون. كانت تُطْلَق على طبقةٍ من العلماء اليهود استمرّ نشاطهم العلمي في بابل من 500 إلى 590م في بابل.

([46]) Geonim.

وبالعبريّة: גאונים

([47]) عبد الرزّاق أحمد قنديل، الأثر الإسلامي في الفكر الديني اليهودي: 142 ـ 144، ط3، القاهرة، دار التراث بالقاهرة بالاشتراك مع مركز بحوث الشرق الأوسط (جامعة عين شمس)، 2004م.

([48]) 1ـ مرحلة الهسوفريم (بعد 5 ق.م): أي الكَتَبة. وهم كَتَبة الكتاب المقدّس العبري.

2ـ مرحلة الأزواج (30 ـ 150ق.م): سُمِّيت بذلك لأن حاخامات اليهود كانوا يتعاقبون خلالها اثنين اثنين.

3ـ مرحلة التنائيم (10 ـ 220م).

4ـ مرحلة الأمورائيم (220 ـ 500م).

5ـ مرحلة السبورائيم (500 ـ 590م).

6ـ مرحلة الگاؤون (590 ـ 1030م).

(انظر: عبد المجيد همو، الفرق والمذاهب اليهوديّة منذ البدايات: 117، ط2، دمشق، الأوائل للنشر والتوزيع، 2004م؛ أحمد سوسة، ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق: 194؛ وكذلك انظر: سعد رزق، التلمود والصهيونيّة: 118، القاهرة، الناشر للطباعة والنشر والتوزيع، 1991م).

([49]) انظر: يوسف غنيمة، نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق: 96.

وتحديداً كانت تطلق كلمة (گاؤون) على الربّانين رؤساء المدرستين الدينيتين اليهوديتين في مدينة بابل العراقية: (1ـ فومبديثة؛ 2ـ سورا).

([50]) أحمد سوسة، ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق: 194.

([51]) انظر: عبد الرزّاق أحمد قنديل، الأثر الإسلامي في الفكر الديني اليهودي: 146؛ وكذلك انظر: أحمد سوسة، ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق: 194.

([52]) ديورانت (Durant) وِويل (Will)، قصّة الحضارة 14: 14، ترجمة: محمد بدران، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1964م.

([53]) دائرة معارف يهوديّة باللغة العبريّة.

([54]) ENCYCLOPAEDIA JUDAICA.

وبالعبريّة: אנציקלופדיה יודאיקה. وهي دائرة معارف يهوديّة أُلِّفَتْ بالإنجليزيّة، ومن ثمّ تُرجمت إلى لغاتٍ عدّة. والآن تعتبر من أهم الموسوعات الأكاديميّة التخصُّصية حول اليهود واليهوديّة.

([55]) انظر: دي لاسي أوليري، الفكر العربي ومركزه في التاريخ: 252، ترجمة: إسماعيل البيطار، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1972م؛ وكذلك انظر: عبد الرزّاق أحمد قنديل، الأثر الإسلامي في الفكر الديني اليهودي: 148.

([56]) عبد الرزّاق أحمد قنديل، الأثر الإسلامي في الفكر الديني اليهودي: 145.

([57]) فومبديثة وسورا.

([58]) نسيم رجوان، موجز تأريخ يهود العراق من سبي بابل إلى نزوحهم عام 1951: 25.

([59]) يبدو أن هذا الكتّاب قد مرَّ بمراحل سابقة قبل أن يُسمَّى حدر؛ إذ إنه في عصر التلمود كان يسمّى (بيت ربان)، أي: مدرسة الأستاذ، أو أطفال الأستاذ.

([60]) ريش دوخنيا، وهو ما يقابل مساعد العريف في الكتاب العربي.

([61]) برمتسفا: أي المكلَّف. وعندما يبلغ الطفل اليهودي سنّ الثالثة عشر يُطْلَق عليه لقب برمتسفا، أي: المسؤول، أو المكلَّف، أو البالغ. ومن التقاليد الموروثة أن الطفل متى بلغ هذه السنّ فإنه يبدأ مرحلةً جديدة من حياته، حيث يأخذ في تحمل مسؤولية نفسه في جميع أموره، وخاصّة ما يتعلَّق منها بالتقاليد الدينيّة.

([62]) عبد الرزّاق أحمد قنديل، الأثر الإسلامي في الفكر الديني اليهودي: 160 ـ 161، نقلاً عن: دائرة المعارف اليهوديّة «أوتسر يسرائيل» 4: 250.

([63]) من هذه التسميات: مدرسة إعداد الحاخامين، مدرسة عليا لتلاميذ الحاخامين من دارسي التلمود، والمدراشيم.

([64]) المدراش في اليهوديّة هو طريقةٌ في تفسير الكتاب المقدّس. والمصطلح مشتقٌّ من الكلمة العبريّة «درش»، بمعنى «يبحث».

([65]) القسم التشريعي من التلمود يُسمَّى «هلاخا».

([66]) لفظة (مثيبة) كانت تُستعمل عند اليهود للدلالة على المدرسة الدينيّة (الأكاديميّة)، أصلها (مثيبتا)، وعنها أخذ العرب لفظة (المثيبة). (أحمد سوسة، ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق: 195).

([67]) كان الطلاب بصفةٍ عامّة في الأكاديميتين من العراق؛ وذلك نظراً لصعوبة الاتصال والسفر من المدن البعيدة أو من أقطار أخرى. ولكنْ مع ذلك كان يوجد بعض الدارسين الذين قدموا من بلاد بعيدة إلى العراق، حيث نجد في إجابات الگاؤونيم ذكراً لتلاميذ من إيطاليا وبلاد اليونان، والذين كانت غايتهم أن يصبحوا گاؤونيم؛ لتعمُّقهم في اللغة اليونانيّة التي لم تكن معروفةً في العراق.

([68]) التفلّين: وهو اسمٌ آرامي، بالعبريّة: تفليم، جمع تفلة، وهي عبارةٌ عن: قطعتين أو عصبتين من الجلد أو الخشب الأسود تستخدم في الصلوات، وبواسطة الذكور فقط، وهي فرضٌ على كلّ ذَكَرٍ تجاوز الثالثة عشر، مكتوبٌ على كلٍّ منها أربعة فصول من التوراة، مأخوذةٌ من خروج 13: 2 إلى 9، 16؛ وتثنية 6: 5، 10، 11، 13 إلى 18، توضعان داخل حافظتين من جلدٍ، توضع واحدة فوق الذراع الأيسر مقابل القلب، وتثبت بسيرٍ من الجلد يلفّ سبع لفّات حول الذراع والساعد واليد، والثانية فوق الجبهة مقابل المخّ. (انظر: حسن ظاظا، الفكر الديني اليهودي، أطواره ومذاهبه: 153، ط2، دمشق ـ دار القلم؛ بيروت ـ الدار الشاميّة، 1995م؛ فؤاد حسين علي، من الأدب العبري: 133، القاهرة، جامعة الدول العربيّة، 1963م؛ وكذلك انظر: حييم شختر وآخرون، واژههاي فرهنگ يهود: 105، ترجمة: منشه أمير وآخرين، أورشليم، أنجمن جوامع يهودي، 1977م).

([69]) للتفصيل أكثر حول سير الدراسة الأكاديميّة في بابل راجِعْ: عبد الرزّاق أحمد قنديل، الأثر الإسلامي في الفكر الديني اليهودي: 172 ـ 173.

([70]) عبد المجيد همو، الفرق والمذاهب اليهوديّة منذ البدايات: 117 ـ 118.

([71]) Judah b Tibbon.

([72]) Sefer Emunot we ـ Deot.

([73]) جواد علي، أبحاث في تاريخ العرب قبل الإسلام 2: 331، نقلاً عن: مقال للمؤلِّف نشره في مجلة المجمع العلمي العراقي على قسمين: الأوّل: في العدد 8 لسنة 1961م؛ والثاني: في العدد 10 لسنة 1963م، وعنوان المقال: (علم ابن النديم باليهوديّة والنصرانيّة).

([74]) للمزيد عن ردود سعديا گاؤون حول اليهود القرّائين انظر مؤلَّفه القيِّم: كتاب الأمانات والاعتقادات، تحقيق: لاندور

  1. Landauer.1880, E. J. BRILL, LEIDEN.
Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً