أحدث المقالات

د. قويدري الأخضر (*)

 

مدخلٌ

الحداثة فكرةٌ نشأت في سياقات تاريخية وثقافية غربية، وحملت في ذاتها قيماً قلَبَتْ المجتمع الغربي رأساً على عقب، وأخرجته من ظلمات العصور الوسطى إلى أنوار العصر الحديث.

وخلال احتكاك العرب بأوروبا ـ منذ حملة نابليون على مصر ـ اكتشفت النخب العربية المثقَّفة ذلك البون الشاسع الذي يفصل بين مجتمعٍ لم يبقَ له من حضارته الإسلامية إلاّ تراثٌ مهلهل ومجتمعٍ ينعم بحضارةٍ جديدة باهرة. وكانت الصدمة عنيفة قسَّمَتْ العقل العربي إلى تيارات مختلفة، أرادت جميعها أن تجيب عن السؤال الحضاري المؤرِّق: كيف نتعامل مع الحداثة الغربية؟

واختلفت الإجابات، وتباينت الرؤى، ولم تتحقَّق النهضة المأمولة، بل اصطدم العرب ـ بعد صراعٍ طويل مع الذات ومع الآخر ـ بجملةٍ من الخَيْبات والانتكاسات.

ومن هنا تأتي هذه الدراسة لتجيب عن جملةٍ من الأسئلة، وهي:

ـ ما هي القِيَم التي جاءت بها الحداثة الغربية؟ وكيف استقبلها العقل العربي الإسلامي؟

ـ وهل الغرب كان صادقاً في نشر قِيَمه الحداثية في مجتمعاتنا العربية الإسلامية أم أنه اتَّخذها مبرِّرات لمزيد من التدخُّل والهيمنة؟

أولاً: الجذور التاريخية والفلسفية للحداثة

1ـ الحداثة لغةً

هي مصدر فعل حَدَثَ، يَحْدُثُ، ووصفٌ لما هو حديث. ويمكن أن تَرِدَ في سياق يفيد ما اسْتُحدث، أو ما جَدﱠ من تطوُّر. وكلمة الحداثة في اللغة العربية تقابل (Modernity) في اللغة الإنجليزية، و(Modernité) في اللغة الفرنسية، والأصل اللاتيني للكلمة هو Modernus، بمعنى حدث مؤخّراً.

 

 2ـ الحداثة اصطلاحاً

تحمل الحداثة مضامين فلسفية وأيديولوجية، ترتكز على أحداث ووقائع تميَّزت بها حقبة تاريخية معينة، في حيِّز جغرافي محدَّد، ويتعلّق الأمر بالتحوُّلات السياسية والفكرية والعلمية والاقتصادية والحضارية التي عرفتها أوروبا الغربية، في مرحلةٍ زمنيّة تمتدّ على الأرجح بين بداية القرن السادس عشر والقرن العشرين.

وحسب القاموس الدولي للمصطلحات الأدبية فإن وصف حديث (modérne) ظهر في المحادثة الفرنسية خلال القرن السادس عشر، للتمييز بين ما يرجع للماضي المتمثل في العهد الإغريقي والروماني، وما هو حديث في تلك الفترة التي امتدت إلى القرن الثامن عشر([1]).

ويعتبر (Marshall Berman) أن الحداثة ـ استناداً للتجربة الأوروبية ـ تشمل الفترة الزمنية من أوائل القرن السادس عشر حتّى القرن العشرين. ويقسِّمها إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: تبدأ من القرن السادس عشر إلى نهاية القرن الثامن عشر، حيث بدأ الناس يجربون الحياة الحديثة.

المرحلة الثانية: تبدأ في تسعينات القرن الثامن عشر، مع أحداث الثورة الفرنسية، إلى نهاية القرن التاسع عشر.

المرحلة الثالثة: تبدأ في القرن العشرين، حيث بدأت عملية التحديث تتّسع لتشمل العالم كله([2]).

هذا وقد اختلف الباحثون في تاريخ ظهور هذه الفكرة، فيذهب هشام جعيط إلى أن الحداثة تمثِّل بنية جديدة دخلت فيها الإنسانية منذ خمسة قرون أو أربعة، في أوروبا الغربية، وأخذت منذ قرن ونصف في الانبساط على كلّ المعمورة([3]).

أما المؤرِّخ البريطاني أرنولد توينبي فيؤكِّد على أن الحداثة بدأت عام 1875م. وشهدت الفترة المتراوحة بين عامي 1910 و1950 ذروة الحداثة، لتبدأ بعد ذلك حقبة أخرى، هي (ما بعد الحداثة)([4]).

ويرى هشام شرابي أن الحداثة تشير إلى الفترة المعروفة بعصر الحداثة والتنوير في أوروبا، بدءاً من نهاية القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن العشرين، لتأتي بعد ذلك مرحلة ما بعد الحداثة، من منتصف القرن العشرين، وخاصّة منذ السبعينات.

أما من الناحية الفلسفية فإنه يوجد خلاف بين المفكِّرين حول المضمون الفلسفي للحداثة. فالفيلسوف الفرنسي المعاصر Jean Budrillard يرى بأن «الحداثة صيغة مميِّزة للحضارة، تعارض صيغة التقليد، وجميع الثقافات السابقة أو التقليدية»([5]).

أما Alain Touraine فيصف الحداثة بأنها «ثورة الإنسان المتنوّر ضد التقليد، وتقديس المجتمع، وخضوع العقل لقانون الطبيعة. والحداثة في مفهومها الغربي هي نتاج العقل نفسه»([6]).

وترى الباحثة الفرنسية دانيال هير فيوليجيه أن الحداثة مسار تاريخي طويل؛ للتحرُّر من عقال الدين، والارتكاز على العقل والعلم([7]).

هذا في حين نجد Hebermas يؤكِّد على أن الحداثة بمثابة انبثاق وضع جديد، شبَّهه (Hegel) بالشروق الرائع للشمس، المقترن بفلسفة الأنوار، وبالثورة الفرنسية، وهو ما يميِّز عصرها وزمانها عن العصور والأزمنة السابقة لها. ومن ناحيةٍ أخرى ترتبط الحداثة بوعيٍ ذاتيّ بشرطها المتمثِّل في سيادة الإنسان على الطبيعة والمجتمع، وفي رغبته المستمرة في التغيُّر، واستشراف آفاق مستقبلية واعدة([8]).

وفي تحليله لمفهوم الحداثة يذهب المفكِّر المغربي محمد سبيلا إلى أنّها تشير إلى «بنية فلسفية وفكرية تمثلت في بروز النزعة الإنسانية ـ في الغرب ـ بمدلولها الفلسفي… وكذا في بروز نزعة عقلانية أداتية صارمة في مجال المعرفة والعمل معاً»([9]).

ويصل الأستاذ فتحي التريكي إلى تعريفٍ موسَّع لها، فيصفها بأنها «مجموعة من العمليات التراكمية التي دفعت المجتمع إلى تطوير اقتصاده، وأنماط حياته، وتفكيره وتعبيراته المتنوّعة، معتمدة في ذلك على جدلية العودة والتجاوز، العودة إلى التراث بعقلٍ نقديّ متجذِّر، متجاوزة التقاليد المكبّلة، ومحرّرة الأنا من الدوغمائية الضيِّقة، سواء كانت للشرق أم للغرب، للماضي أم للحاضر»([10]).

أما المفكِّر طه عبد الرحمن فقد عرض عدّة تعاريف وُضِعَتْ للحداثة من طرف مفكِّرين غربيين، حيث يقول: …فمنهم مَنْ قال: إنها النهوض بأسباب العقل والتقدم والتحرر؛ ومَنْ قال: إنها ممارسة السيادة على الطبيعة وعلى المجتمع وعلى الإنسان؛ وهناك مَنْ يرى أنها قطع الصلة بالتراث؛ أو يقول: إنها طلب الجديد؛ أو يقول: إنها محو القداسة من العالم؛ أو يصفها بالتعقيل والعقلنة؛ أويقول: إنها الديمقراطية أو حقوق الإنسان؛ أو إنها قطع الصلة بالدين؛ أو إنها العلمانية»([11]).

 

ثانياً: قِيَم الحداثة

ترتكز الحداثة على مجموعة من القيم، والتي يمكن إجمالها في ما يلي:

 

 1ـ العلمانية

من القيم الأولية والأساسية التي نادت بها الحداثة الثورةُ على الكنيسة، والدعوة إلى التحرُّر من سيطرتها، ومن النفوذ الواسع الذي كان يتمتَّع به رجال الدين، واحتكارهم للعلم والمعرفة. فبعد مراحل من تطوُّر الفكر الفلسفي في الغرب أصبحت الثورة المعلنة على الكنيسة ورجال الكهنوت ثورة على الدين نفسه، ومن هنا جاءت مقولة (نيتشه) الشهيرة: «قد مات الإله»، وأضحى تنظيم شؤون المجتمع وأفراده لا علاقة له بالدين، وراج شعار «الإنسان يصنع تاريخه»([12]).

 

2ـ العقلانية

ويقصد بالعقلانية احتكام الإنسان إلى العقل في كل شؤونه. وقد اعتبر الفيلسوف الفرنسي روني ديكارتDescartes  René (1596 ـ 1650م) العقل هو قوة الوحيدة الحاكمة على الأشياء، كما دعا إلى تطبيق المنهج الديكارتي الذي يهدف إلى تحرير العقل من كلّ حكمٍ مسبق، ومن أيّ سلطة مرجعية([13]).

ويعتبر الفلاسفة الذين حملوا لواء التنوير أن للبشرية تطوراً مرحلياً يصبغ تاريخها الطويل، وأن تحرّرها سيكون نتيجة أساسية لاستعمال العقل، من حيث إنه إقرارٌ للشكّ المنطقي، ورفضٌ لكلّ حكمٍ مسبق، ولكلّ سلطان مهيمن([14]).

وقد بيّن المفكِّر ألان تورين (Alain Touraine) قوّة الارتباط بين الحداثة والعقلانية، فقال: «إن المشروع الغربي للحداثة لم يقتصر على تاريخ تقدُّم العقل… وإنما أراد أن ينتقل من الدور الأساسي المعترف به للعقلانية إلى فكرةٍ أوسع، هي فكرة مجتمع عقلاني، يحكم فيه العقل، لا النشاط العلمي والتقني فحَسْب، بل حكومة البشر وإدارة الأشياء. فالحداثة تُصوِّر المجتمع على أنه نظام يخضع للعقل بوصفه الأداة الوحيدة لتحرير الطبيعة الإنسانية من جميع السلطات المحيطة به، وبوصفه أيضاً المبدأ الوحيد لتنظيم الحياة الفردية والجماعية»([15]).

 

3ـ الارتكاز على التجارب العلمية

ويعني ذلك الابتعاد عن الغيبيّات، والأخذ بالمنطق العلمي الذي لا يُقرّ إلاّ بما تُثْبته التجارب العلمية. وبذلك سادت العقلانية المادية، التي تعطي لقدرات الإنسان قيمة مركزية في الكون. وترتكز هذه النظرة على النتائج الباهرة للتقدُّم العلمي والتكنولوجي منذ أن تحرَّر العقل الأوروبي من قيود الكنيسة، وانطلاقه في فضاء واسع لارتياد المعرفة، وسبر أغوار العلوم، واستكشاف أسرار الكون([16]).

 

4ـ الإيمان بفكرة التقدُّم

ومؤدّى هذه الفكرة التسليم بجدلية التغيُّر والتحوُّل، وسير الإنسانية المتواصل إلى الأمام، وانتقالها المتواتر من عصرٍ قديم إلى عصر آخر أكثر تقدُّماً من سابقه، ممّا يجعل الحاضر دائماً أفضل من الماضي، والمستقبل أفضل من الحاضر، على خلاف النظرة التي كانت سائدة في زمن ما قبل الحداثة، حيث كان الناس يمجِّدون الماضي إلى درجة التقديس. وبهذا تمّ الانتقال من مرحلة التفكير المطلق إلى مرحلة التفكير النسبي، الذي ينظر إلى كلّ شيء على أنّه متغيِّر ونسبي([17]).

5ـ الحرِّية الفردية

قام الفكر السياسي والاجتماعي الغربي ـ وخاصّة بعد الثورة الفرنسية (1789م) ـ على أساس مفهوم تقديس الفردية (Individualism)، التي تعني في مجملها تحرُّر الفرد من كل القيود التي تعطِّل قدراته الذاتية، أو تحول دون تلبيته لرغباته، أو تمنعه من الوصول إلى السعادة وفق تصوُّره الخاصّ. ويمتزج هذا المفهوم بمقاصد المذهب الليبرالي، الذي يعتبر الحرِّية هي الغاية الأولى والرئيسة التي يتطلَّع إليها الفرد. ولهذا يجب أن يتحرَّر من كلّ أنواع السيطرة والاستبداد والتسلُّط، سواء كان مصدرها الدولة وأجهزتها، أو النظام الاجتماعي وما يشمله من تقاليد وأعراف([18]).

 

6ـ الديمقراطية

ترمي الحداثة في جانبها السياسي إلى تكريس النظام الديمقراطي الليبرالي، الذي يقوم على التعدُّدية الحزبية، وحرّية الانتماء السياسي والنقابي، وحرّية الصحافة، وتداول الحكم من طرف التيارات السياسية المعبِّرة عن توجهات إرادة الرأي العام المتباينة. وعلى هذا الأساس فإن الأغلبية التي تفرزها الانتخابات الحرّة هي التي تزاول الحكم، وتخضع للمراقبة والمساءلة الشعبية من خلال المؤسّسات التمثيلية، ومن خلال وسائل الإعلام الحرّة([19]).

 

7ـ احترام حقوق الإنسان

والمقصود بذلك احترام الحقوق والحرّيات الفردية والجماعية، وحماية الكرامة الإنسانية، وفق المعايير التي أقرَّتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وتقع مسؤولية ذلك على السلطات العمومية، وعلى الجماعات والهيئات، وعلى الأفراد كذلك، مما يقتضي وجود ضمانات تشريعية وعملية لحماية الحقوق والحرّيات الأساسية للإنسان من الانتهاك([20]).

 

ثالثاً: محاولات التحديث في العالم العربي والإسلامي

لا شَكَّ أن الحداثة ـ بالمفاهيم السابقة ـ قد نشأَتْ في الغرب، لكنّ هذا لا يعني أن باقي مناطق العالم لم تكن لها أيّ مساهمة في نشأتها، فهي لم تأْتِ من فراغ، وإنّما تشكَّلَتْ من التراكمات العلمية والمعرفية التي شهدتها الحضارات البشرية في عصور متعاقبة.

ومن المعلوم أن قنوات الاتصال الثقافي بين العالم الإسلامي والغربي في المرحلة الممتدة من القرن الثاني عشر إلى القرن الرابع عشر الميلادي ساهمت بكيفية مباشرة في حركة الإصلاح الديني التي عرفتها أوروبا كخطوةٍ أساسية نحو الحداثة، كما أن العطاء الفكري والعطاء العلمي للعلماء والفلاسفة المسلمين أثر تأثيراً كبيراً في الثقافة الغربية بصفةٍ عامة، وفي صقل العقل العلمي بوجهٍ خاص([21]).

هذا دون أن نهمل ـ في عصرنا الحاضر ـ دور الكثير من الكفاءات العلمية التي هاجرت من العالم العربي والإسلامي، إلى دول أوروبا الغربية وأمريكا، وساهمت ـ وما تزال ـ بفعاليّة في تقدُّمها العلمي والتكنولوجي.

أما عن محاولات التحديث في الوطن العربي والإسلامي فإنه ومنذ بداية القرن التاسع عشر بدأ يطرح سؤال (النهضة) بإلحاحٍ من لدن بعض النخب العربية المتأثِّرة بفلسفة الأنوار، وبمبادئ الثورة الفرنسية (الحرية والأخوّة والمساواة).

ففي مطلع القرن التاسع عشر أطلق الشيخ الأزهري حسن العطّار (1766 ـ 1835) صيحة للتنبيه إلى ضرورة التغيير، قائلاً: «إن بلادنا لا بُدَّ أن تتغيَّر أحوالها، ويتجدَّد بها من المعارف ما ليس فيها». وتحدَّث تلميذه الشيخ رفاعة الطهطاوي (1801 ـ 1873م)، في كتابه الصادر سنة 1834، بعنوان (تخليص الإبريز في تلخيص باريز)، عن الدستور الفرنسي، والحقوق الطبيعية، وما تعرفه باريس من تطور في مناخ الحرّيات، وخاصة حرّية الفكر والصحافة والنشر، وأبرز تأثُّره بما قرأه في مؤلفات جون جاك روسو (Srousseau J. J)، ولا سيَّما (العقد الاجتماعي)، و(روح القوانين)، لـ مونتسكيو (Montesquieu). ويدخل في نفس السياق ما كتبه خير الدين التونسي (1820 ـ 1889م)، في مؤلَّفه (أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك)، الصادر سنة 1867. وما جاء أيضاً في كتاب فارس الشدياق (1804 ـ 1887م) (الواسطة في معرفة أحوال مالطة)، الصادر سنة 1866.

ويبدو واضحاً من الكتابات المذكورة مدى انبهار أصحابها بما شاهدوه ولاحظوه من مظاهر التقدُّم في المجتمع الغربي، حيث أدركوا من خلال قراءاتهم أن تطور هذا المجتمع جاء بعد التخلُّص ممّا كان سائداً في أوروبا من أشكال الحكم الفردي المطلق، وما اتَّسمت به تلك الأنظمة من استبدادٍ وقهر، وكَبْت للحرّيات، وإقصاء للطاقات المبدعة، ولذا انشغلوا بوضع الصيغ المناهضة للاستبداد والحكم المطلق، واستنتجوا بأن نهوض الأمة العربية والإسلامية يتوقّف على الإصلاح السياسي، الذي يقوم على إطلاق الحرّيات كعنصرٍ أساس لتحقيق التطور الاقتصادي والعلمي، وإقامة المؤسّسات التمثيلية التي تلغي الاستبداد والتحكم الفردي، وتفتح المجال للمشاركة الشعبية.

ولم تقتصر تيارات الإصلاح على الدعوة إلى الاستفادة من التجارب الأوروبية، وإنما كانت هناك كتابات وتوجّهات فكرية تنطلق من تشخيص العوائق الذاتية، وتحدّد معالم الطريق؛ لتجاوزها. ويتبيّن ذلك من خلال أعمال العديد من المفكِّرين والمصلحين، أمثال: جمال الدين الأفغاني (1838 ـ 1897)، الذي دعا إلى تحرير الأمم الإسلامية من الاستعمار الأجنبي، وإقامة أنظمة دستورية؛ وكذلك محمد عبده (1845 ـ 1905)، الذي دعا إلى تحرير الدين من الخرافات والجمود، كما دعا إلى حرّية الاجتهاد، واحترام حقوق الشعوب، وتخليصها من طغيان الحكّام([22]).

 

رابعاً: معوّقات التحديث في العالم العربي والإسلامي

لماذا لم تنجح دعوات النهضة في الوطن العربي؟ ولماذا يستمر التعثُّر في تحقيق ما تطمح إليه أمتنا من نهضة وتقدُّم؟ ولماذا يبقى هذا العالم مجرّد مستهلك لما ينتجه الغرب من وسائل الحياة العصرية، رغم توفُّره على ثروات طبيعية هائلة، وطاقات بشرية خلاّقة، وموقع استراتيجي هامّ، ورغم امتلاكه لعدّة مؤهّلات ثقافية وحضارية عريقة؟

إنها تساؤلات طالما طرحت بإلحاح من طرف العديد من المثقَّفين المتنوِّرين، لكن الأوضاع ما زالت على حالها. وفي حين تتقوّى التكتلات السياسية والاقتصادية في العالم الغربي يزداد التنافر والتفكك في الجسم العربي والإسلامي، ويرجع ذلك لعوامل كثيرة متداخلة ومعقدة، ومنها:

1ـ مخلّفات الاستعمار القديم، الذي خلّف بذور التَّبَعية السياسية والاقتصادية، والاستلاب الثقافي والحضاري.

2ـ حالة الضعف والتخاذل في مواجهة الكيان الصهيوني المزروع في أرض فلسطين العربية من طرف الولايات المتَّحدة الأمريكية، التي أضحت تمثِّل القطب الأقوى الوحيد في النظام العالمي الجديد.

3ـ طبيعة الأنظمة السياسية في العالم العربي والإسلامي، والتي تستند إما على القبلية والعشائرية؛ أو على خصوصيات تشترك جميعها في تغييب الديمقراطية، وتهميش إرادة الشعوب.

4ـ تمسّك معظم الحكّام وذوي النفوذ بالتقاليد، وكبحهم لمحاولات التغيير الحقيقي في اتجاه التحديث، رغم انخراط بعضهم في ترديد شعارات الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان.

إن التحديث لا يتمّ على الإطلاق باستنساخ صورة الحداثة الغربية، أو الاندماج الأعمى في نموذجها؛ لأن التطوُّر الهائل الذي حقَّقه الغرب لا يعني أن كلّ مبتكراته إيجابية. كما أن الانصهار في الآخر سيكون على حساب الذات بما تختزنه من طاقات، وما تمتلكه من مميزات. وفي هذا الشأن يقول الأستاذ طه عبد الرحمن: «إن الحداثة ليست هي تقليد الغير في قوله وفعله، وإنما الإتيان بما يضاهي ما عند الغير إنتاجاً وإبداعاً»([23]).

كما أن التحديث لا يتحقَّق بالانغلاق على الذات بدعوى الخصوصية؛ لأن التمسُّك بالأصول ومقوِّمات الوجود لا يتعارض مع الاستفادة من الأفكار والابتكارات والإبداعات التي ينتجها عقل الإنسان في كلّ مكانٍ من العالم. وقد علّمنا التاريخ أن تلاقح الثقافات والحضارات يحقِّق نتائج إيجابية في المجتمعات المختلفة. وخيرُ مثالٍ على هذا استفادةُ الغرب مما أنتجَتْه الحضارة العربية الإسلامية، دون أن يؤثِّر ذلك على جذوره، أو يغيِّر شيئاً من مرجعياته وخصوصياته.

وفي هذا الإطار يمكن تقسيم التيارات النهضوية الفكرية في الوطن العربي إلى مجموعتين كبيرتين:

المجموعة الأولى: ترفض الحداثة بشكلٍ مطلق من منظورٍ منغلق ومتزمِّت، وتنظر إلى التراث بعقلٍ جامد لا يقبل الاجتهاد، وتفضِّل العيش في سراديب الماضي، ولا تقبل الانخراط في العصر الحديث. وهذه المجموعة تساهم في عرقلة عجلة التحديث، كما أن بعض أطرافها كثيراً ما يثيرون معارك جانبية لا طائل يُرجى من ورائها.

المجموعة الثانية: تتكوّن من المثقَّفين الحداثيّين، وهؤلاء أنفسهم ينطلقون من تصوُّرات متباينة، ومتناقضة أحياناً. وأهمّ القضايا التي يثيرونها تتعلَّق بكيفية التعامل مع التراث.

وكمثال عن المفكِّرين الذين تناولوا هذا الموضوع نقتصر على نموذجين مختلفين من المغرب العربي، وهما: محمد أركون؛ ومحمد عابد الجابري.

ـ فالمفكِّر محمد أركون (1928 ـ 2010) يرى أنه لا بُدَّ أن يكون « الانطلاق من نقطة الحداثة، وليس من نقطة الماضي أو التراث»([24])، أي القطيعة مع التراث الديني عموماً. فالإسلام في لحظة انبثاقه التاريخية كان يمثِّل لحظة حداثة بالتأكيد؛ لأنه كان محطة تغيير وتحريك لعجلة التاريخ، أما اليوم فقد أصبح نوعاً من التراث والمعارف المتراكمة والمواقف الثقافية المكرَّرة، وبالتالي لا يمكنه حالياً أن يمثل الحداثة([25]).

وهذا رأيٌ خاطئ؛ لأن القيم الأساسية التي قامت عليها الحداثة في الغرب، كإعمال العقل، والاجتهاد، واعتماد العلم، والحرّية، لا تتعارض مع القيم الإسلامية، بل هي من صميمها.

ـ أما المفكِّر محمد عابد الجابري (1936 ـ 2010) فيرى أن الحداثة؛ إذْ تقوم على القطيعة الإرادية مع المتآكل والمُتجاوَز من منتوجات الماضي، فإنها تتأسّس في الوقت نفسه على ما هو قابل للتجديد والتجدُّد، والاستمرارية، مشكِّلةً بذلك استيعاباً نقدياً واعياً لهذه العناصر والتراكمات، وتجاوزاً لها في نفس الوقت، وذلك في إطار سيرورة جدلية ديناميكية تبادلية متواصلة بين القديم والجديد، تُنْتَج فيها الحداثة عبر توالي وتطوُّر لحظاتها، وتفرز فيها قيمها وثقافتها المتميِّزة المشعّة، فتتأصَّل وتمتلك شرعية وجودها وانتمائها التاريخي([26]).

ويرى الجابري أن التأصيل للحداثة في الثقافة العربية لا يتيسَّر إلاّ بتحديث التعامل مع التراث، وليس بإعلان القطيعة التامّة معه. ويؤكِّد على ضرورة تجاوز «الفهم التراثي للتراث، وهو الفهم الذي يأخذ أقوال الأقدمين كما هي، سواء تلك التي يعبِّرون فيها عن آرائهم الخاصة، أو التي يروون من خلالها أقوال مَنْ سبقوهم»([27]).

ويفسِّر الجابري تأكيده على الربط بين الحداثة والتراث بكون الحداثة الغربية تبقى ـ بالرغم من ادّعائها العالمية ـ منتظمة في التاريخ الثقافي الأوروبي، وبالتالي فهي «لا تستطيع الدخول في حوار نقدي تمردي مع معطيات الثقافة العربية؛ لكونها لا تنتظم في تاريخها، وباعتبارها خارجة عن إطارها. فهي لا تستطيع أن تحاورها حواراً يحرك فيها الحركة من داخل»([28]). وطريقنا إلى الحداثة ـ في تصوُّره ـ يجب أن ينطلق من الانتظام النقدي في الثقافة العربية نفسها؛ لتحريك التغيير من الداخل([29]).

 

خامساً: قِيَم الحداثة الغربية في نظر طه عبد الرحمن

لقد استشعر عديدٌ من المفكِّرين الغربيين مخاطر حداثتهم على الإنسان الغربي نفسه، فراحوا يشرحونها، ويظهرون عوارها. ويمكننا أن نشير باختصار إلى البعض منهم، أمثال: ألبرت شفيتسر([30])، رينيه غينون([31])، روجيه غارودي([32])، وألكسيس كاريل([33]).

ففيلسوف الحضارة الألماني ألبرت شفيتسر (1875 ـ 1965) يؤكِّد قائلاً: «نحن نعيش اليوم في ظلّ انهيار الحضارة، وبالرغم من أن الغرب احتفظ بقوّته في معظم مرافق الحياة إلاّ أنّه روحيّاً مصابٌ بالهزال»([34]).

أما المفكِّر الفرنسي رينيه غينون (1886 ـ 1954) فيرى أن الحضارة الغربية بُنيت أساساً على تغييب المبادئ الأخلاقية والروحية، فهي حضارةٌ مادية متصلِّدة. وقد كانت صبغتُها المادية متمركزةً في حدودها، لكنّها الآن تسعى جاهدة إلى تصدير هذه المخاطر المادية إلى الشعوب الأخرى بكل الأشكال الممكنة. وإننا إذا بحثنا في إيجابيّاتها وسلبيّاتها وجدنا أن سلبيّاتها أكثر من إيجابيّاتها([35]).

ويؤكد المفكِّر الفرنسي روجيه غارودي (1913 ـ 2012) على أن الحضارة الغربية قد ضيَّعت البعد الإنساني للبشر، فباتت ثقافتها ثقافة فرعونية. وإذا استمرت هذه الثقافة في الانتشار فإنها ستؤدّي إلى انتحار الكون بأكمله([36]).

وقد توصَّل الطبيب الفرنسي ألكسيس كاريل (1873 ـ 1944م) إلى أن الحضارة الغربية سحقت كلّ المعاني الإنسانية لدى الإنسان، فأعلن قائلاً: «إننا قوم تعساء؛ لأننا ننحطّ أخلاقياً وعقلياً»([37]).

إن التمعُّن في هذه الشهادات، التي تمثِّل نقد العقل الغربي لذاته، يقودنا إلى نتيجةٍ هامّة، وهي أنه في حال اصطباغنا بقِيَم الحياة الاجتماعية الغربية سيصيبنا لا محالة ما أصاب ذلك المجتمع.

والحقيقة أن هذا الأمر غير مستبعد؛ لأن الغرب «بعد أن اتَّجه وجهته المادية، وصنع عالم أفكاره على أساس ذلك في مجال الفلسفة والسياسة والاقتصاد وعلم النفس والاجتماع والإدارة، وصل إلى حالة الاغتراب»([38])، وأصبح في المرحلة الراهنة يسعى عن قصدٍ إلى نقل المجتمعات الأخرى المتأثِّرة به إلى حالة اغتراب معقَّدة أشدّ التعقيد.

أما المفكِّر المغربي طه عبد الرحمن فإنه لا يبتعد كثيراً عن انتقادات مَنْ ذكرنا من مفكِّري الغرب، لكنّه يزيد عليهم بمحاولاته لبناء حداثةٍ إسلامية متخلّقة.

فالحداثة في رأيه إبداعٌ، والإبداع لا يمكن إلاّ أن يكون عن اجتهادٍ ذاتي، فكلُّ مُبْدِع حداثي، وكل مقلِّدٍ غير حداثي، حتّى وإنْ قلّد الحداثة نفسها؛ لأن التقليد هو نقيض الحداثة([39]).

وتجديد التراث ـ حَسْب رأيه ـ لا يعني الانشغال بالوافد الحاضر، وإهمال الأصيل. فمَنْ يدعو باسم الحداثة «إلى الكفّ عن الرجوع إلى التراث، وإلى الأخذ بالمعرفة الحديثة كما جاء بها الغرب، فإنّ دعوته لا تعدو كونها تستبدل مكان الانشغال بالتراث الأصلي الانشغال بتراثٍ أجنبي»([40]). وبذلك فهو يؤكِّد موقفه الرافض لتقليد الغرب في مرجعيته وفي واقعه الحداثي، ويدعو إلى حداثة تقوم على الاجتهاد والإبداع، انطلاقاً من الجذور الثقافية للعالم العربي والإسلامي، دون الانغلاق داخل تلك الجذور.

وتأتي مؤلَّفات الأستاذ طه عبد الرحمن الأخيرة ـ التي جاءت مع مطلع الألفية الجديدة ـ في سياق النقد الأخلاقي للحداثة، من خلال لفت الانتباه لأهمّية التجربة الأخلاقية في التصدي للنزعات المادّية الجاهلة. ويعتبر كتابه «سؤال الأخلاق، مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية» أحد أهمّ المفاتيح لقراءة مشروعه الفكري. كما تعتبر مؤلفاته اللاحقة شروحاً وتوسيعاً لمجمل أطروحاته في «سؤال الأخلاق». وهذه المؤلَّفات هي «الحق العربي في الاختلاف الفلسفي»، و«الحقّ الإسلامي في الاختلاف الفكري»، و«روح الحداثة، المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية».

ينطلق الأستاذ طه عبد الرحمن في مشروعه النقدي للحداثة الغربية من فكرة جوهرية، بلورها في مقدّمة كتاب «العمل الديني وتجديد العقل»، قوامها التأسيس النظري لليقظة الدينية، وتخليصها من آفة الغلوّ في الاختلاف المذهبي. حيث يرى أن الحركات الإسلامية المعاصرة تفتقد إلى إطارٍ تنظيري ومنهجي محكم، كما تفتقد إلى التجربة الإيمانية التي تمكِّنها من النفاذ إلى عمق الذات؛ للوصول إلى عملية التخلُّق([41]).

ويجتهد في صياغة نموذجٍ غير مسبوق في فهم الفعالية العقلية يتعين في ثلاث مراتب: مرتبة «العقل المجرّد»، وينطبق على صاحبه وصف «المقارب»؛ ومرتبة «العقل المسدَّد»، وينطبق على صاحبه وصف «قرباني»؛ ومرتبة «العقل المؤيَّد»، ويطلق على صاحبه «المقرَّب»([42]).

ثم ينتقد الأسس والأصول التي بُنيَتْ عليها الحداثة، وكما تبلورت في الفكر المعاصر، حيث يعيد الاعتبار للمقوِّم الأخلاقي، الذي يكافئ «العقل المؤيَّد». أما العقلانية التي انتصر لها دعاة الحداثة فهي تكافئ «العقل المجرَّد»، وهو العقل الوضعي والعقل التاريخي([43]).

وفي حين يستبعد العقلانية المجرَّدة، والعقلانية المسدَّدة، نجده يدافع عن العقلانية المؤيَّدة، التي تسلّم بوصل القول والفعل وعدم انفصال المعرفة بالله عن العلم بالأشياء، وتؤمن بعدم انفكاك الزيادة بالمعرفة عن الفائدة، وهي المرتبة السامية التي تمكَّن صاحبها من تلقّي الخطاب القرآني، باعتبار أن معانيه تتجاوز الرسوم؛ لأنها مودعة في نفس المتخلِّق وفي العالم من حوله، وتجعله قادراً على تحمُّل الرؤيا التي لا تنقطع، وذلك عن طريق الاشتغال بالله والتعامل مع الله، وبهذا يصبح صاحبها مالكاً للعقل الكامل([44]).

ويصف مفكِّرنا الحضارة الغربية بأنها حضارة قول، ومن خصائصها أنها «فتنت الناس بفتنتين: فتنة العقلانية؛ وفتنة التقنية»، وهي «من حيث جانبها المعرفي هي حضارة متأزِّمة، ومن حيث جانبها التقني هي حضارة متسلِّطة»([45])؛ لأنها قامت أساساً على أصلين: «لا أخلاق في العلم؛ ولا غيب في العقل»([46]). وهي ترمي إلى جملة من الآفات، هي: «التضييق»، و«التجميد»، و«التنقيص»([47]).

1ـ آفة التضييق: ومفادها أن لا أخلاق في المنطق، ولا في المعرفة.

2ـ آفة الجمود: الاكتفاء بالقول القانوني والقول الاجتماعي عن القول الأخلاقي، وحصر هذا الأخير (أي القول الأخلاقي) في الأعمال الفردية الخاصة.

3ـ آفة التنقيص: حيث إن حضارة القول أنقصت من شأن الأخلاق، وجعلتها خادمة للضعف، وأبدلتها بالقول السياسي([48]).

ولا يمكن درء هذه المفاسد والآفات «إلاّ بالرجوع إلى التجربة الأخلاقية العميقة، التي تتحقق من خلال العقل المؤيَّد الذي يعطي أخلاق الحكمة»([49])، وهي أخلاقٌ تتيح لصاحبها التخلُّق بالصفات الحسنى، والاقتداء الحيّ بأخلاق الرسول|([50]).

إن تجربة التغلغل الروحي ـ وهي مرتبة العقل المؤيَّد ـ تساهم في تخليص الإنسان من زيف الحضارة الحديثة، وتخرجه من طلب حظوظ السيادة على الكون إلى أداء حقوق العبوديّة لسيد الكون عزَّ وجلَّ([51]).

أما في كتابه «روح الحداثة، المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية» فينطلق أستاذنا من التفريق بين واقع الحداثة الغربية وروح الحداثة، التي يُفتَرَض أنَّ هذا الواقع الحداثي يسعى إلى تجسيد قيمها ومبادئها المتمثِّلة في النقد، والرشد، والشمول.

ولكنّ هذه القِيَم والمبادئ أُسيء تمثُّلها وتجسيدها في سياق الواقع الحداثي الغربي، فأتت بنتائج تضادّ مقصود أصحابها المتفائل، وهذا هو سبب الأزمات المتلاحقة التي يعانيها البشر.

إن منشأ هذه الأزمات والآفات التي برزت في واقع الحداثة الغربية هو الفقر الروحي والمعنوي، الذي طبع النسخة الغربية للحداثة، فضيََّق أفقها، وأفقد الإنسان الإحساس بالمعنى وبالأمان والاطمئنان، وولَّد لديه الشعور بالخوف واليأس والتشرُّد واللاجدوى.

ومن أبرز مواضع ذلك الفقر أيضاً تغليب الجانب الاقتصادي والمنفعة المادية على كلّ اعتبار، وجعلهما مقياساً وحيداً لكلّ تنميةٍ وتطوُّر، فكان أن طغَتْ التقنية والتجريب، وغابت الحكمة والمقصد عن كلّ نشاطٍ علميّ أو عمليّ، وغلبت الآلية والتراكمية والإعلانية على عمليّات الاتّصال التي جاءت بها العولمة.

أما واقع المجتمعات الإسلامية فإنَّه ـ مع الأسف ـ يشهد بأنَّها أقرب إلى الحداثة المقلِّدة منها إلى الحداثة المُبْدِعة، وكأنّها اقتنعَتْ بأنَّ التطبيق الغربي للحداثة واقع حتميّ لا فكاك منه، وانطلَتْ على كثيرٍ من مثقَّفيها تلك المسلَّمات والمغالطات التي صاحبت تطبيق الغرب لروح الحداثة.

إن روح الحداثة ـ بمفهومها الإبداعي ـ تختلف عن واقع الحداثة؛ لأنَّ روح الحداثة مبدأ لا يستنفده تطبيقٌ واحد، فلا بُدَّ أن يكون له تطبيقات مختلفة مرتبطة بسياقات وافتراضات خاصّة. وبناءً عليه فإنَّ واقع الحداثة الغربية هو واحدٌ من التطبيقات الممكنة لروح الحداثة. وإذا كانت روح الحداثة متأصِّلة إنسانياً وتاريخياً فإنَّ هذه الروح ليست من صنع المجتمع الغربي، وإنَّما هي من صنع المجتمع الإنساني في مختلف أطواره، وقابلة للتحقُّق في مجتمعاتٍ أخرى غير المجتمع الغربي الحاضر. وهكذا فإنَّ الأمم تستوي كلُّها في الانتساب إلى روح الحداثة.

ولا يدلّ تراكم المعارف وتجدُّد القِيَم، ولا حتّى تأخُّر التطبيق، بالضرورة على الأفضلية، ومزيد التحقُّق بروح الحداثة. فها هو التطبيق الغربي دخلت عليه آفات مختلفة، جعلت نتائجه في كثير من الحالات مضادّة لمقصود أصحاب الحداثة وتوقُّعاتهم ومراهناتهم، ولا أدلَّ على هذا من الآفات غير المسبوقة، والإشعاع النووي، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وتلوُّث البيئة، والاحتباس الحراري، والأزمات المالية والاقتصادية المختلفة.

ويذهب طه عبد الرحمن إلى أن واقع المجتمعات الإسلامية يؤكِّد على أنَّها أقرب إلى الحداثة المقلِّدة منها إلى الحداثة المُبْدِعة. فلا حداثة مع وجود التقليد، والحداثة لا تنقل من الخارج، وإنَّما تبتكر من الداخل، ولا تُنال إلاّ بطريق الإبداع. ومن هنا صار ابتكار الحداثة الإسلامية الداخلية يستلزم إبطال المسلَّمات التي صاحبَتْ تطبيق الغرب لروح الحداثة، وأدخلت عليه الآفات المذكورة([52]).

والخلاصة التي ينتهي إليها طه عبد الرحمن هي أن الحضارة الغربية «حضارة ناقصة عقلاً، وظالمة قولاً، ومتأزِّمة معرفة، ومتسلِّطة تقنية»([53]).

وعليه فإنّه لا بديل عن التطبيق الإسلامي لحداثةٍ خاصّة به. فهذا التطبيق هو القادر على تجنيب البشرية نكسة التطبيق الغربي للحداثة؛ لأنَّ الزمن الأخلاقي للإسلام غنيٌّ بأبعاده الأخلاقية المعنوية على مستوى الفعل، وأبعاده الروحية على مستوى العقائد والتصوّرات، وأبعاده الإحسانية على مستوى المقاصد والنيَّات، وهو عين ما افتقدته وتفتقده حداثة الغرب([54]).

 

سادساً: الحداثة… العولمة… التدخُّل الأجنبي

لنتساءل: ما علاقة الحداثة بالعولمة؟ وهل العولمة شكلٌ من أشكال الاستعمار الغربي الجديد، ووسيلة لتعميق تبعية دول العالم الثالث لدول المركز الغربي؟

إن كونية قيم الحداثة الغربية ليست كونيةً إطلاقية، وإنما كونية سياقية؛ لأن التطبيق الحداثي الغربي الذي نشهده ونحياه غير كوني، وإنما هو تطبيق محلّي تولّى أصحابه إلزام الشعوب به، وفرضه على واقعها، فهو محلّي رُفع عنوةً إلى رتبة الكوني.

فالحداثة ظاهرةٌ مرتبطة بالغرب. وفي هذا السياق يرى فرنسيس فوكوياما([55]) أن الصراع الدولي الذي كان يتجسَّد في المرحلة السابقة بين قطبين قد حسم لصالح القطب الغربي، بعد حصول ما يشبه الإجماع حول الديمقراطية الليبرالية كأصلح نظام للحكم، وأن منطق العلوم الطبيعية الحديثة يفرض على العالم تطوراً شاملاً يتَّجه نحو الرأسمالية والسوق الحرّة، وهو الشكل الذي يحدّد من خلاله (فوكوياما) نهاية التاريخ.

كما أن صموئيل هنتنجتون([56]) يقسم العالم إلى قسمين: الغرب من جهةٍ؛ وبقية العالم من جهةٍ أخرى، ويعتبر أن هناك نزوعاً عالمياً نحو الغرب، بل يقول: إن الحداثة تعني في واقع الأمر الغرب، وكأنّهما كلمتان مترادفتان، وبالتالي يكون التوجّه نحو الحداثة هو (التغريب).

ويذهب الكاتب الجامايكي (نايبول) Vidiadhar Surajprasad Naipau([57]) إلى أبعد من ذلك، حيث يعتبر أن «الحضارة الغربية هي الحضارة العالمية التي تناسب كل الناس»، أي إنها الحالة الطبيعية بالنسبة لحياة الإنسان، والخروج عنها لا يكون إلاّ من قبيل الشذوذ([58]).

إن مثل هذا المنطق هو المرتكز الفكري الذي تستند عليه نزعة الهيمنة السائدة لدى الغرب، والتي تكرِّسه الولايات المتحدة الأمريكية، التي أصبحت تبيح لنفسها التدخُّل العسكري ـ ولو خارج إطار الشرعية الدولية ـ لاحتلال الدول التي تعتبرها متمرِّدة على الغرب؛ لتجعل منها دولاً ديمقراطية حديثة، وفق التصوُّر الغربي الأمريكي.

ولا يقتصر هدف هذه الذريعة على فرض التغريب أو (الأمركة)، وإنما هناك أهداف أخرى، من أهمّها: تأمين استمرار الرفاهية والقوة والتفوُّق لنفسها بوضع اليد على منابع الثروات الطبيعية الموجودة في العالم الثالث المغلوب على أمره، والذي ليس من حقِّه إلاّ أن يكون تابعاً. وبذلك نلاحظ كيف يتناقض هذا الاتجاه مع قِيَم الحداثة التي تنادي بالديمقراطية، والحرّية، وحقوق الإنسان، وكرامة الشعوب، وسيادة الدول.

وعليه فإن محاولة الولايات المتحدة قيادة العالم الغربي في هذا الاتجاه لا تخدم إلاّ حداثةً مزيفة، أو بالأحرى حداثة تخدم المصالح الغربية؛ لأنّه من المستحيل تهيئة مناخ ملائم لقيام مجتمعات حداثية بمنطق القوّة والسيطرة والإخضاع، ولا أدلّ على ذلك من الثورة العربية، التي كانت فرصةً استفادت منها القوى الغربية؛ لاختراق بعض الدول العربية.

ففي ليبيا مثلاً مثَّلت ثروة النفط الليبي عنصراً جاذباً ومشجِّعاً يستحقّ الهرولة، بما يعيد إنتاج تجربة العراق الذي فازت الإدارة الأمريكية بالنصيب الأوفر فيه، مع بعض الفوارق؛ لأن الولايات المتحدة كانت دولة احتلال وطرفاً غازياً في العراق، لكنها في ليبيا تحوَّلَتْ مع «الحلفاء الغربيين» إلى فرقة إنقاذ، استجابت لمطلب قيادة الثورة الليبية في حماية المدنيين من بطش النظام وقسوته. إضافة إلى هذا فإن عملية إعمار ليبيا وتنميتها تعدّ هديّةً كبرى لشركات الإعمار الغربية.

على أن المشروع الغربي لن يتوقَّف عند ليبيا، ولا حتّى عند سوريا، بل الباب لا يزال مفتوحاً لانطلاق انتفاضاتٍ في ساحات أخرى مسكونة بعوامل التوتُّر واحتمالات الانفجار.

وحين أدركت قوى الهيمنة الغربية أن عالماً عربياً جديداً يولد ويتشكَّل سارعت إلى الاحتشاد للتعامل مع الوضع الجديد، بالاختطاف أو الإجهاض أو الاختراق.

ومن ثمّ يمكننا أن نسجِّل ما أشار إليه المفكِّر المصري حسن حنفي من أن العولمة هي أحد أشكال الهيمنة الغربية الجديدة التي تعبِّر عن المركزية الأوروبية، وأنها تكشف عن مركزية دفينة في الوعي الأوروبي، تقوم على عنصرية عرقية، وعلى الرغبة في الهيمنة والسيطرة([59]).

لقد انكشف القناع عن العولمة من الناحية المعرفية والفلسفية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وظهر ارتباطها بالنموذج الأمريكي، وتبيَّن للنخب الثقافية والفكرية الفاعلة في العالم دهاء الغرب في محاولة إكساب مدنيّته وثقافته وحضارته طابع العالمية، وتقديمها كبديلٍ مرجعي وواقعي لتنظيم سائر شؤون الإنسانية.

فالعولمة ما هي إلاّ نظامٌ شمولي هيمني يهدف إلى السيطرة على العالم، وإلى توحيد أنماط عيشه وتعاملاته وعلاقاته وحضارته. وهو في أصله نظام وضع الكبار الأقوياء أسسه ومبادئه وأهدافه؛ لكي يسير عليه الصغار الضعفاء، ولا يحيدوا عنه، وكلُّ مَنْ حاول الحياد عنه أو معارضته أو تجاهله فإنّ عاقبته واضحة الملامح؛ فإمّا أن يُؤدَّب؛ وإمّا أن يُلغى وجوده من الخارطة العالمية المستقبلية، وكلّ ذلك تحت غطاء الشرعية الدولية الأحادية الغربية، وتحت سلطة قرارات هيئة الأمم المتحدة ومنظّماتها الرسمية.

لقد انتهى الصراع الدولي بين الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الشرق بزعامة الاتحاد السوفياتي بانهيار هذا الأخير نهائياً سنة 1991م، ومن ثمّ تحوّله إلى دولة روسيا الاتحادية، وبذلك انتهى زمن الصراع والحرب الباردة بين الكتلة الاشتراكية والكتلة الرأسمالية. وقد اعتبر الغرب ذلك كله انتصاراً للرأسمالية كأيديولوجيا فلسفية، وكنظام للحياة، وكطريقة للتصوُّر، وكسلوك للعيش، وكمنهج للتعامل. وكنتيجة حتمية وطبيعية لسقوط النظام الاشتراكي فلسفيّاً وواقعيّاً انفردت الكتلة الرأسمالية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية بالتصرُّف المطلق في سائر شؤون المجال الدولي؛ لعدم وجود قوى أخرى تناوئها.

ولكنْ من الناحية الواقعية فإن العالم اليوم يسوده مبدآن ونظامان متباينان: النظام الرأسمالي العالمي الحر، ومعه الصهيونية العالمية من جهةٍ؛ والنظام الإسلامي من جهةٍ ثانية. ومن هنا فقد وجدت الرأسمالية الغربية والأمريكية نفسها في مواجهة مباشرة مع الإسلام كدينٍ وكتصوّر شمولي لسائر شؤون الفرد والمجتمع والبشرية وكنظام حياةٍ متكامل، وهو الذي يعارضها بقوّةٍ على المدى القريب والبعيد، ويحدّ من محاولاتها للتوسُّع والانفراد بفرض أنموذجها العالمي.

ونظراً لعدم وجود كيانات إسلامية قويّة واقعياً فإن القوى الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية واللوبيات الصهيونية تنبَّهت إلى مثل هذه التطلُّعات الخطيرة على وجودها وحاضرها ومستقبلها، فاستعدَّتْ بقوّةٍ للمواجهة الأخيرة والحاسمة في مطالع الألفية الثالثة، متّخذة الأدوات التالية:

ـ استغلال وزنها الدولي ونفوذها في الكيانات والأنظمة القائمة في العالمين العربي والإسلامي.

ـ التحكُّم بالمؤسّسات والمحافل والمنظمات الدولية التابعة لها أساساً، والتلاعب بمواثيقها وقوانينها وتفسيرها وتكييفها وفق مصالحها([60]).

ـ السيطرة على وسائل الإعلام والاتّصال والدعاية والثقافة العالمية، وما يدور في فلكها من تكنولوجيات اتّصالية ومعلوماتية.

ـ التحكّم بلُوبيات دعاة العصرنة والحداثة والعلمنة من صغار الأحزاب والنخب المستغربة، وتوظيفها لهم في مشاريعها.

ـ ابتزاز الأنظمة العربية والإسلامية بدعاوى الديمقراطية، والتعدُّدية السياسية، وحقوق الإنسان، وتحقيق الحرّيات الفردية، والسعي لتطبيق سياسات اقتصاد السوق، وتحرير المبادرات والأسواق والمبادلات الحرّة([61]).

ـ إحكام السيطرة على اقتصاديّات العالم بشكلٍ عام، وعلى اقتصاديات العالم الإسلامي بشكلٍ خاصّ، وذلك بإيهام العالم أن لا سبيل للتقدُّم الاقتصادي إلاّ بنظام السوق الحرّ والمفتوح؛ لغرض فتح الأسواق العالمية أمام المنتجات الغربية بشكلٍ عامّ، والمنتجات الأمريكية بشكلٍ خاصّ.

ـ تغيير شكل وحدود الخارطة العالمية، ورسم معالم خارطة دولية استعمارية أمريكية جديدة، ولو بشنّ الحروب مباشرة، كما حصل في حرب الخليج الثالثة، شهري مارس وأبريل سنة 2003م.

وهكذا يتضح لنا جليّاً أن التطبيق الغربي الأمريكي للحداثة يُمارَس بشكلٍ عنيف وخبيث على الشعوب المستضعفة ـ على حدّ قول الدكتور عبد الإله بلقزيز ـ؛ لأن هذه الحداثة المزعومة لم تقترح نفسها بطريقة حضارية إقناعية على المجتمعات والثقافات، بل اقتحمت قلاعها المحروسة، وفرضت نفسها بالعنف المادّي والرمزي([62]).

وعليه فإننا مطالبون جميعاً ـ كنخب عربية وإسلامية ـ بتأسيس حداثة متخلِّقة، ذات توجّه معنوي، بديلة عن هذه الحداثة المادّية التي يعرفها المجتمع الغربي([63]). وهذا أمرٌ مشروع ومنطقي؛ لأنه حتى الحداثة الغربية ليست واحدة. والدليل على ذلك «أن المشهد الغربي ليس بالتجانس المظنون، بل إنه من التنوُّع بما يجوز معه الكلام عن حداثات كثيرة، لا حداثة واحدة. فهناك باعتبار الأقطار حداثة فرنسية؛ وحداثة ألمانية؛ وحداثة إنجليزية؛ وحداثة أمريكية؛ وغيرها. وهناك باعتبار المجالات حداثة سياسية؛ وحداثة اقتصادية؛ وحداثة اجتماعية؛ وسواها»([64]). فلماذا لا تكون لنا نحن حداثتنا المتميِّزة، الموصولة بمقوِّماتنا وهويتنا وطموحاتنا المستقبلية؟

 

الخاتمة

نصل في ختام هذه الدراسة إلى أن قِيَم الحداثة نشأَتْ في بيئة غربية، وفي سياقات تاريخية غربية معروفة، لكنّها ليست حكراً على الغرب وحده؛ لأن فيها من الإيجابيّات ما يمكن أن يكون مشتركاً إنسانيّاً تنهل منها كلّ البشرية. وهذا ما حلُمَتْ به النخب العربية الإسلامية، على اختلاف تيّاراتها، منذ صدمة النهضة.

لكنّ هذا الحلم لم يتحقَّق بشكلٍ يدعو إلى التفاؤل؛ لعدّة اعتبارات، أهمُّها أنّ قيم الحداثة كانت في كلّ الأوقات تدخل إلى عالمنا العربي الإسلامي محمَّلة بشحنات أيديولوجية وثقافية وسياسية غريبة عنا، وبذلك استعصت تبيئتها، إلاّ في النادر.

هذا بالإضافة إلى ارتباطها بخداع الغرب في صورته الاستعمارية العنيفة، حيث أن تلك القيم، من حرية وحقوق إنسان وديمقراطية وعدالة، لم يكن ولن يكون لها معنى إلاّ داخل حدوده، فإذا خرجت من مجاله الجغرافي انقلبت إلى أضدادها تماماً، وحتى إذا أراد نشرها في المجتمعات الأخرى فإنه يضمِّنها مَكْرَه وجبروته وأطماعه في استغلال تلك المجتمعات، ونَهْب خيراتها.

ومن هنا تفطَّنَتْ الكثير من النخب المثقَّفة إلى أن الحداثة على النمط الغربي حداثة مزيفة؛ لأنها أوّلاً: مادّية ظلمانية([65])، ولأنها ثانياً: وجهٌ آخر من أوجه الهيمنة الغربية.

وعليه يصبح التفكير في حداثةٍ عربية إسلامية أمراً ضرورياً، فالحداثة لا تستنسخ، ولا تستجلب، ولكنها تبدع وفق أيديولوجيا أهلها، ووفق أهدافهم ومصالحهم.

 

الهوامش

(*) رئيس المجلس العلمي لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة عمار ثليجي، الأغواط. من الجزائر.

([1]( Dictionnaire International des Termes littéraires, Mode article, Modernité/ modernity, http: //www. ditl. info/art/definition. Php, term=2976

([2]) مارشال بيرمان، الحداثة أمس واليوم وغداً، ترجمة: جابر عصفور، مجلة إبداع، العدد 94: 29، أبريل، 1991.

([3]) هشام جعيط، الحداثة المنقوصة ما توصيفها؟ جريدة الزمان، لندن، العدد 1407، بتاريخ 17 يناير 2003.

([4]) إبراهيم غرابية، الحداثة الغربية مطلب أم تحدِّ؟ وجهات نظر، في موقع الجزيرة على شبكة الإنترنت، في 13 سبتمبر 2003.

([5]) أحمد الحذيري، الحداثة بين الاتّباع والإبداع، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 72 ـ 73: 123، يناير ـ فبراير 1990.

([6]) Glossaire, Dominique Wolton, terme modernité 10 http: // www. wolton cnrs. fr/_ modernité. htm

([7]) ناصر الدين الأسد، الإسلام في مواجهة الحداثة الشاملة: 5، موقع مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية، على شبكة الإنترنت.

([8]) عزّ الدين الخطابي، الحداثة كأفق وكمصير، مجلة مقدّمات، العدد 31: 69، سنة 2004.

([9]) محمد سبيلا، دفاعاً عن العقل والحداثة، منشورات الزمن، رقم 39: 22، 2003.

([10]) فتحي التريكي، الحداثة وما بعد الحداثة: 313، دمشق، دار الفكر، 2003.

([11]) طه عبد الرحمن، روح الحداثة وحق الإبداع، مجلة النور الجديد، العدد 151: 63، ديسمبر 2003.

([12]) ناصر الدين الأسد، الإسلام في مواجهة الحداثة الشاملة: 3 ـ 4.

([13]) رينيه ديكارت، مقالة الطريقة: 30، 35، ترجمة: جميل صليبا، اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع.

([14]) فتحي التريكي، الحداثة وما بعد الحداثة: 209.

([15]) رضوان جودت زيادة، صدى الحداثة، ما بعد الحداثة في زمنها القادم: 35، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2003.

([16]) ناصر الدين الأسد، الإسلام في مواجهة الحداثة الشاملة: 7.

([17]) المصدر السابق: 8.

([18]) انظر: جميل صليبا، المعجم الفلسفي 2: 465 وما بعدها، دار الكتاب اللبناني، 1982.

([19]) المصدر السابق 1: 569، 570.

([20]) انظر: محمد فتحي عثمان، حقوق الإنسان بين الشريعة والفكر القانوني الغربي: 29، دار الشروق، ط1، 1982.

([21]) انظر: ناصر الدين الأسد، المصدر السابق: 4؛ وكذلك: فتحي التريكي، المصدر السابق: 212.

([22]) انظر: عبد القادر الإدريسي، جذور الإصلاح من إبراهيم متفرقة إلى الحاج علي زنيبر، جريدة العلم: 7، 16 ماي 2004.

([23]) طه عبد الرحمن، حوارات حول المستقبل، منشورات الزمن، العدد 13: 12.

([24]) محمد أركون، الإسلام والحداثة، ندوة مواقف: 362، دار الساقي، ط1.

([25]) المصدر السابق: 356.

([26]) محمد عابد الجابري، نحن والتراث، قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي: 54 (بتصرُّف)، المركز الثقافي العربي، ط4، 1985.

([27]) محمد عابد الجابري، التراث والحداثة: 18، 26، المركز الثقافي العربي، ط1.

([28]) المصدر السابق: 16.

([29]) المصدر نفسه.

([30]) أشفستر ألبرت: فيلسوف ألماني. يعدّ واحداً من أنبل الشخصيات العالمية في القرن العشرين. كان فيلسوفاً أخلاقياً ومرشداً روحياً يدعو إلى حبّ الإنسانية. وكان طبيباً، وموسيقياً بارعاً. منح جائزة نوبل للسلام سنة 1952م.

([31]) رينيه غينون René guenon فيلسوف ورياضي فرنسي. اهتمّ بالدراسات الشرقية. اعتنق الإسلام، وانتسب إلى التصوُّف، وسمّى نفسه عبد الواحد يحيى. توفّي بالقاهرة سنة 1954.

([32]) روجيه غارودي Roger Garaudy: ولد في 17 يوليو 1913م في مرسيليا، فرنسا. فيلسوف وكاتب فرنسي. خلال الحرب العالمية الثانية أُخذ كأسير حرب في الجلفة (الجزائر). كان شيوعياً، لكنه طرد من الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1970م؛ وذلك لانتقاداته المستمرة للاتحاد السوفياتي. اعتنق الإسلام عام 1982م، متَّخذاً الاسم رجاء. بعد مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان أصدر غارودي بياناً احتل الصفحة الثانية عشرة من عدد 17 حزيران 1982 من جريدة اللوموند الفرنسية، بعنوان (معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان). وقد وقّع البيان مع غارودي كلّ من الأب ميشيل لولون والقسّ إيتان ماتيو. وكان هذا البيان بداية صدام غارودي مع المنظَّمات الصهيونية التي شنَّتْ حملة ضده في فرنسا والعالم. في عام 1998 حكمت محكمة فرنسية على غارودي بتهمة التشكيك في محرقة اليهود في كتابه الأساطير المؤسّسة لدولة إسرائيل، حيث شكَّك في الأرقام الشائعة حول إبادة يهود أوروبا في غرف الغاز على أيدي النازيين. من أهمّ كتبه: الإسلام دين المستقبل، المسجد مرآة الإسلام، الإسلام وأزمة الغرب، حوار الحضارات.

([33]) ألكسيس كاريل طبيب ومفكّر فرنسي. منح جائزة نوبل عام 1912؛ لأجل أبحاثه الطبية.

([34]) أشفيتسر ألبرت، فلسفة الحضارة: 11، ترجمة: عبد الرحمن بدوي، بيروت، دار الأندلس، ط3، 1983.

 ([35])René guenon ـ la crise du monde moderne  ـEd bouchene  ـAlger 1990 ـ pp 69; 117; 120.

([36]) من تعليق غارودي على مؤتمر السكان الذي عقد بالقاهرة أيام 5 ـ 13 سبتمبر سنة 1994. انظر: يوسف القرضاوي، الإسلام حضارة الغد: 106، 111، مكتبة وهبة القاهرة، ط1، 1995م.

([37]) كاريل ألكسيس، الإنسان ذلك المجهول: 355، تعريب: شفيق أسعد فريد، بيروت مكتبة المعارف، 1998.

([38]) هيام الملقي، ثقافتنا في مواجهة الانفتاح الحضاري: 173، دار الشواق، الرياض، ط1، 1995م.

([39]) طه عبد الرحمن، المفهوم والتأويل، فقه الفلسفة: 12، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 1999.

([40]) طه عبد الرحمن، حوارات حول المستقبل، منشورات الزمن، العدد 13: 12.

([41]) طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل: 90 وما بعدها، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط2، 1997.

([42]) طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق: 69 وما بعدها، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2000.

([43]) طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل: 40 وما بعدها.

([44]) المصدر نفسه.

([45]) طه عبد الرحمن، روح الحداثة: 90، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط2، 2009.

([46]) طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق: 92.

([47]) المصدر السابق: 80.

([48]) المصدر نفسه.

([49]) المصدر نفسه.

([50]) المصدر نفسه.

([51]) المصدر نفسه.

([52]) طه عبد الرحمن، روح الحداثة: 35 وما بعدها.

([53]) طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق: 145.

([54]) المصدر السابق: 78، 79.

([55]) يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما كاتب ومفكِّر أمريكي الجنسية، من أصول يابانية. ولد في مدينة شيكاغو الأمريكية عام 1952م. يعدّ من أهمّ مفكِّري المحافظين الجدد. من كتبه: كتاب (نهاية التاريخ والإنسان الأخير)، و(الانهيار أو التصدع العظيم). وقد قصد فوكوياما أن يعارض فكرة نهاية التاريخ في نظرية كارل ماركس الشهيرة «المادية التاريخية»، والتي اعتبر فيها أن نهاية تاريخ الاضطهاد الإنساني سينتهي عندما تزول الفروق بين الطبقات. كما تأثَّر فوكوياما في بناء نظريته بآراء الفيلسوف الشهير هيغل، وأستاذه الفيلسوف ألن بلوم، حيث ربط كلاهما بين نهاية تاريخ الاضطهاد الإنساني واستقرار نظام السوق الحرّة في الديمقراطيات الغربية. وقد تخلّى فرانسيس فوكوياما صراحة عن ولائه وانتمائه لأفكار المحافظين الجدد في مقال نشرته المجلة التابعة لصحيفة نيويورك تايمز في عام 2006، مقارناً حركة المحافظين الجدد باللينينية. ونفى فوكوياما أن تكون الحرب العسكرية هي الإجابة الصحيحة على الحرب على الإرهاب. وأضاف أن معركة كسب عقول وقلوب المسلمين حول العالم هي المعركة الحقيقة.

([56]) صامويل فلبس هنتنجتون Samuel Phillips Huntington. ولد في 18 أبريل 1927، وتوفي في 24 ديسمبر 2008. أستاذ العلوم السياسية. اشتهر بتحليله للعلاقة بين العسكر والحكومة المدنية، وبحوثه في انقلابات الدول. في عام 1993 أشعل هنتنجتون نقاشاً مستعراً حول العالم في العلاقات الدولية بنشره في مجلة فورين أفيرز (العلاقات الخارجية) مقالاً شديد الأهمّية والتأثير، بعنوان «صراع الحضارات؟». المقالة تناقضت مع نظريةٍ سياسية أخرى متعلِّقة بديناميكية السياسة الجغرافية بعد الحرب الباردة، لصاحبها فرانسيس فوكوياما في كتابة «نهاية التاريخ». لاحقاً قام هنتنجتون بتوسيع مقالته إلى كتابٍ صدر في 1996، للناشر سايمون وشوستر، بعنوان صراع الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي. المقالة والكتاب عرضا وجهة نظره أن صراعات ما بعد الحرب الباردة ستحدث أكثر وأعنف ما يكون على أسس ثقافية (غالباً حضارية، مثل: الحضارات الغربية، الإسلامية، الصينية، الهندوكية، إلخ).

([57]) نايبول كاتب جامايكي تخصّص في تأليه الغرب، وتجريح العالم الثالث، ومنه وطنه الأمّ الهند. كما تخصَّص في الهجوم على الإسلام. وكوفئ على مواقفه بمنحه جائزة نوبل للآداب عن سنة 2001.

([58]) انظر: عبد الوهاب المسيري، الحداثة وما بعد الحداثة، حواراتٌ لقرنٍ جديد: 161، 162، دمشق، دار الفكر، 2003.

([59]) حسن حنفي، الثقافة العربية بين العولمة والخصوصية، ملتقى بدمشق بعنوان العولمة والحداثة، بالتعاون مع وزارة الثقافة السورية، 21 ـ 23 أيلول (سبتمبر) 2003م.

([60]) انظر: إدريس هاني، الثقافة الإسلامية والعولمة… أيّ ‏مستقبل؟ مجلة الكلمة، العدد 22: 137 ـ 138 (بتصرُّف)، السنة السادسة، 1999م.

([61]) قيس جواد العزاوي، العرب والغرب ‏على مشارف القرن الحادي والعشرين: 39، مركز الدراسات العربي ‏الأوروبي، باريس، ط1، 1997م.

([62]) عبد الإله بلقزيز، العرب والحداثة: كونية الحداثة ونسبيّتها، ملتقى بدمشق بعنوان العولمة والحداثة بالتعاون مع وزارة الثقافة السورية، 21 ـ 23 أيلول (سبتمبر) 2003م.

([63]) طه عبد الرحمن، روح الحداثة: 16.

([64]) المرجع السابق: 17.

 ([65])René guenon ـ la crise du monde moderne  ـEd boucheneـ  Alger 1990 ـ pp 69; 117; 120.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً