أحدث المقالات

أ. مشتاق بن موسى اللواتي

هذا التصنيف للدين والتدين والفكر الديني الذي يظهر في بعض الكتابات؛ لا يخلو من وجه صحيح.

و هو ليس جديدا في البحث الاصولي للمسلمين؛ فقد سبق الفقهاء الاصوليون إلى طرحه ـ بالأخص بعض الفرقاء منهم وهم المخطئة ـ حين قرروا أن الفقيه في اجتهاده قد يخطىء وقد يصيب.

غير أن الملاحظ أن بعض الكتاب العرب ـ والحديث عام ولا أعني به أحداً بعينه ـ يوظِّفونه بشكل يؤدي إلى تعويم المفاهيم، بحيث لا يعرف دين من تدين ولا فكر من دين، وكأن كل مفهوم من هذه المفاهيم غريب وبعيد عن الآخر ولا جامع ولا ناظم له ولا مرجعية دينية يصدر منها!

و هذه مغالطة ملحوظة يقع فيها بعض بقصد أو غير قصد.

ثم إن حصر الدين في الكتاب الكريم ـ حسب بعض ـ أو في الكتاب والسنّة فقط، لا معنى له من غير استخراج المفاهيم والأحكام الشرعية منهما في شتى المجالات للتطبيق والعمل.

والعجيب في الأمر أنه إذا استنبط فرد مسلم بنفسه ـ إن كان مؤهَّلاً ـ أحكاماً وأفكاراً من المصادر الإسلامية أو لجأ إلى فقيه متخصِّص علمياً، يقال له: إن هذا ليس من الدين انما هو قراءة واجتهاد بشري!

وبهذا تتضح الغاية من هذا الطرح!

والنتيجة المتوخّاة أو ـ لنقُلْ ـ المتحققة في أرض الواقع الاحتماعي هي: إنه لا يوجد مفهوم أو حكم إلهي ديني إنما هو تدين تاريخي بشري ليس إلاّ؟!

كما أن هذا الطرح يخلط بين المساحات الواضحة من الشريعة التي لا تحتاج إلى اجتهاد ـ وهي على قلّتها مهمة وحاضرة ـ وبين الأخرى الظاهرة من الخطابات التأسيسية وعليها أدلة وشواهد مرجحة وثالثة قد يكتنفها إجمال؛ فيجعلها كلها في خانة واحدة ويتعامل معها بطريقة واحدة ويحكم عليها بحكم واحد!

 وهذا مخالفٌ للمنهج العلمي السليم.

من جهة أخرى، إن بعض الكتاب الذين يميلون إلى مذاهب علمانية أو ليبرالية أو حداثية يطرحون قراءاتهم للخطابات الدينية (النصوص الدينية) ويعرضون نتائجهم التي يتوصلون إليها وكأنها تمثل معياراً يتحاكم إليه وتقاس عليه بقية القراءات والاجتهادات!

وهذه مفارقة منهجية يقعون فيها، في الوقت الذي ينكرونها على فقهاء الشريعة!

وهكذا فإن الادلجة تحضر بقوة في هذه الجدالات والكتابات لدى مختلف الفرقاء.

كما أن لكلّ فريق قاموسه اللغوي والاصطلاحي يستخدمه في هذا السياق؛ فالدينيون يستعملون الحلال والحرام والكفر والإيمان وغيرهم يستعمل التخلف والرجعية والماضوية والظلامية والجمود والركود والسكون في كهوف التاريخ والتراث وهكذا!

والمفترض أن يتواصل الجدال الفكري بين مختلف الفرقاء بمنهجيات البحث العلمي مما يسهم في إثراء الساحة الفكرية.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً