أحدث المقالات

د. حميد عطائي نظري(*)

ترجمة وتعليق: أ. عماد الهلالي

لا شكّ أن ويلفِرد فِرديناند مادِيلونغ (Wilferd Ferdinand Madelung) ، المولود عام 1930 للميلاد، العالم والمفكِّر الألماني الشهير، والأستاذ المتقاعد لجامعة أكسفورد البريطانيّة، من أبرز المستشرقين ومن كبار الباحثين في الإسلاميّات في عصرنا الحاضر. تعتبر أغلب كتبه ومقالاته العديدة التي كتبها حول التأريخ والكلام الإسلاميين، وعلى الخصوص في مجال التأريخ والفكر الإمامي والزيدي والمعتزلي، من البحوث العالميّة الرصينة والمراجع الأساسيّة التي لعبت دَوْراً مهمّاً في تطوير وتقدُّم الدراسات الإسلاميّة في العالم([1]). وينبغي التوجُّه والالتفات إلى الدَّوْر الذي لعبه ماديلونغ في تربية جيلٍ جديد من الباحثين في مجال الدراسات الإسلاميّة.

من آثار ماديلونغ الخالدة كتابٌ يبحث في مسألةٍ مهمّة، وهي خلافة محمد|([2])، الذي تُرْجِم بنفس العنوان إلى الفارسيّة([3]). أقبل الكثير من الباحثين والمحقِّقين على النظريات والتحليلات الجديدة التي طرحها ماديلونغ في كتابه، الذي يلتقي في الكثير من الأحيان مع النظريّات الشيعيّة السائدة حول قضيّة الخلافة ومَنْ يخلف النبيّ| بعد وفاته، والتي طُرِحَتْ لأوّل مرّةٍ من جانب أحد كبار المستشرقين (ماديلونغ) بالاستناد إلى المصادر والمراجع القديمة الشيعيّة والسنيّة. وبعد مرور عشرين سنة تقريباً من طرح هذه النظريّات حول خليفة محمد| من قِبَل ماديلونغ، أخيراً وفي عام 2014م قام ماديلونغ ـ وباختصارٍ شديد ـ بطرح آرائه الجديدة، وبصراحةٍ أكثر، حول مسألة خليفة النبيّ محمد| ومَنْ ينبغي أن يخلفه من بعده، والتي طرحها في كتابه خليفة محمد|، وكذلك عن مواقف الشيعة والسنّة حول هذه القضيّة، وذلك من خلال التعريف والنقد للكتاب القيِّم الذي صدر أيضاً من أحد كبار الباحثين الألمان في التراث الإسلامي، وهو البروفيسور جوزيف فان أس، تحت عنوان: «هو والآخر»، أي: الله وكلّ الأفكار البشريّة حوله: «تأمُّلات في كتب الملل والنحل الإسلاميّة»([4]). وترجمة راقم هذه السطور لنقد وتعريف (review) ماديلونغ ستأتي بعد أسطرٍ قليلة، وبشكلٍ مفصّل، ولكنْ لأهمِّية الآراء والنظريات التي طرحها ماديلونغ في المقال المذكور، حول تاريخ تكوين التشيُّع، وموضوع خلافة النبيّ|، ونقده لبعض آراء جوزيف فان أس حول المسائل المذكورة، رأيتُ من المناسب أن أطرح وأبيِّن أهمّ الآراء والنظريات المطروحة من قِبَل ماديلونغ في هذا المقال، عسى أن يكون نافعاً للقرّاء والباحثين؛ لالتفاتهم إلى تلك النظريات الجديدة من قِبَل مستشرقٍ خبير.

 وإليكم ترجمة مقالة ماديلونغ([5]) حول كتاب البروفيسور جوزيف فان أس، والذي نُشر بالألمانيّة بعنوان:

Der Eine und das Andere: Beobachtungen an islamischen häresiographischen Texten, by Josef van Ess (Studien zur Geschichte und Kultur des islamischen Orients/Beihefte zur Zeitschrift Der Islam, n.s., vol. 23. Berlin: WALTER DE GRUYTER, 2011. 2 vols. Pp. xliv + 1510.

أي: «هو والآخَر»([6])، أي: الله وكلّ الأفكار البشريّة حوله([7]): «تأمُّلات في كتب الملل والنحل الإسلاميّة»، تأليف: جوزيف فان أس.

سيُخلَّد هذا الكتاب العظيم، الذي ألَّفه جوزيف فان أس، ووضع عنواناً فرعيّاً له بكلّ تواضع: «تأمُّلات في كتب الملل والنحل الإسلاميّة»، وسيُحترم ويُقيَّم هذا الكتاب من قِبَل أغلب القرّاء والباحثين كمرجعٍ أساس ومصدر هامّ في تاريخ المدوَّنات الكلاميّة والمكتوبات حول الملل والنحل الإسلاميّة. هذا الكتاب هو في الحقيقة شفيعٌ قيِّم لكتابٍ آخر لفان أس لا مثيل له، هو: «علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة، تاريخ الفكر الديني في صدر الإسلام»([8])، والذي أصبح اليوم مصدراً ومرجعاً مهمّاً وأساسيّاً لأغلب المحقِّقين والباحثين في مجاله، وقد اعتنى به أغلب هؤلاء في مجال تخصُّصهم. افتتح فان أس دراسته للكتاب بتحليل التأريخ الأوّلي للحديث المشهور عن تقسيم وافتراق الأمّة الإسلاميّة إلى اثنتين وسبعين فرقة. ومن ثمّ يتابع فان أس ويستقرئ بكلّ جدٍّ ودقّة هذا الحديث ـ في كتابه ـ في نصوص الملل والنحل الإسلاميّة وكتّابها بحَسَب الترتيب الزمني، منذ البدء وإلى عصرنا الحاضر. الكثير من هذه النصوص لم تصحَّح ولم تنشَر إلى الآن، وقد رجع فان أس إلى مخطوطات هذه المصادر، واستقى معلوماته من أمّهات كتبها، وبعض المصادر الأخرى التي ليست لدينا معلومات حولها إلى الآن. وفي القسم الأخير من الكتاب يلاحظ فان أس المدوَّنات في الملل والنحل الإسلاميّة والعلم الموسوم بالملل والنحل كنوعٍ أدبيّ([9]). وضمن التحقيق في بعض المصطلحات الفنيّة المستعملة في هذا العلم يبحث في الأرضيّة الاجتماعيّة ـ التأريخيّة([10]) لكتب الملل والنحل الإسلاميّة.

المصادر والمراجع الأساسيّة والبحوث السابقة، والتي تتعلَّق بكتابات الملل والنحل الإسلاميّة، سواءٌ بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، كثيرةٌ. ومثل سائر تآليفه ودراساته السابقة هيّأ وكَتَب فان أس هوامش كثيرة في صفحةٍ صفحة من هذا الكتاب، ومن جملتها: الإرجاعات الكثيرة إلى المصادر الأساسية والبحوث السابقة. قائمة المصادر والمراجع التي اعتمد عليها فان أس في دراسته وبحثه تجاوزت سبعين صفحةً، وبشكلٍ مضغوط، في حين لم يُدْرِج فيها المصادر التي استفاد منها مرّةً واحدة في كتابه، وهي كثيرةٌ أيضاً. لقد تدارك وجلب فان أس لقُرّائه سياحةً من دون عناء في بحرٍ من المصادر والمراجع الأساسيّة، وطرح تفاسيره وآراءه بطريقةٍ سحريّة وشيِّقة ومقنعة في نفس الوقت، بل ستجد هذه الطريقة الرائعة في الإقناع حتّى في المواضع والنتائج التي فيها مجالٌ للترديد والتشكيك. والبحث والتنقيب في البحار ـ كما هو معروفٌ ـ لا ينتهي، ولا يمكن الاستقصاء التامّ من خلاله. وهذه البحار المتلاطمة من المصادر والمراجع والمخطوطات المتعدّدة هي دائماً في حالةٍ من الازدياد والتوسُّع، لأنّه بين الفينة والأخرى تكتشف مصادر جديدة ينبغي قراءتها ودراستها. وإن الناقد الحاذق الذي يريد أن يضيف إلى الكتاب «الواحد والآخَر»([11])، أي المصادر والمراجع الأخرى، سيكتشف صعوبة الأُطُر التي وضعها لنقد هذا الكتاب.

ومن الأمور المهمّة والملفتة للنظر في هذا الكتاب تكوّن المواضع التي يمكن أن ينقاش فيها آراء ونظريات لفان أس بكلّ وضوح. والقُرّاء المطَّلعون على مؤلَّفات فان أس السابقة سيتفاجأون منه؛ لأنّه أدرج في كتابه الأخير الكثير من الشخصيّات الإسلاميّة ضمن الكتّاب الشيعة، أي: الزيديّة والإماميّة والإسماعيليّة، في حين أنّه قد قطع في كتبه السابقة بسنّية هؤلاء المؤلِّفين الكتّاب والمفكِّرين. ومن هذه النماذج البارزة أبو القاسم البلخي الكعبي المعتزلي[319هـ]، صاحب كتابٍ مهمّ وبارز في الملل والنحل [بعنوان: «المقالات»]، حيث عرَّفه فان أس بمقاله المطوَّل في دائرة المعارف «إيرانيكا»([12])، ووصفه كفقيهٍ حنفي، والنائب البارز للتيار الاعتزالي في خراسان، والذي له مواساةٌ وموالاة كثيرة مع الزيديّة؛ في حين وصفه فان أس في كتابه الأخير، ولمرّاتٍ عديدة، بأنّه معتزليّ زيديّ، قائلاً: «إذن هو نائبٌ عن نوعٍ خاصّ من التشيُّع، الذين استطاعوا من خلال أجيالٍ متعدّدة أن تكون لهم منزلةٌ خاصّة بين المعتزلة»([13]). وهذا الكلام غير صحيحٍ ودقيق، وبإمكاننا من الوهلة الأولى أن نضعه جانباً؛ لأنّ الكلام الزيدي المتقدِّم يخالف الكلام الاعتزالي بشدّةٍ، من حيث الإقرار والاعتقاد بالقَدَر الإلهي، ولم نعرف أيّ عالمٍ زيديّ متقدِّم له موقعٌ مرموق لدى المعتزلة. وأوّل عالم زيدي معروف قبل الكلام الاعتزاليّ، وعلى الخصوص (الإلهيّات)، هو الكعبي، أي يحيى الهادي إلى الحقّ[(298هـ)]، مؤسِّس الإمامة الزيديّة في اليمن سنة 284هـ/ 987م.

هل من الممكن أن يكون أحد العلماء الأحناف المعتزلة على مذهب الزيديّة حقيقةً، أو يمكن أن يكون فقط مواسياً وموالياً للزيديّة؟ بحَسَب الظاهر يتصوَّر فان أس بأنّ هذه الفرضيّة ممكنةٌ. يصف فان أس الحاكم الجِشمي المعتزلي الحنفي (الذي يعرف في اليمن بـ «الجُشمي») بأنّه عالمٌ زيديّ، والذي اختار في أيّام شبابه أساتذةً من الأحناف المعتزلة([14]). في الحقيقة، وطبقاً لكتب التراجم التي كتبت وأوضحت لنا، فإنّ الحاكم الجِشمي من جيل محمد بن الحنفيّة (الابن غير الفاطمي للإمام عليّ)، وقد كان هو وأجداده من السنّة الأحناف في مدينة بيهق. والحاكم قد غيَّر مذهبه إلى الزيديّة في أواخر أيّام حياته فقط. والكثير من مؤلَّفاته، مثل: تفسيره الكبير للقرآن([15])، كَتَبه طبقاً للعقائد الحنفيّة والاعتزاليّة، وليس الأفكار الزيديّة. وكان الزيديّون اليمنيّون، الذين يحفظون بشدّةٍ ويقدِّرون تراث الحاكم الذي وصل إليهم تقديراً كبيراً، يعرفون هذه الحقائق جيّداً. فلا اعتبار بما قال فان أس([16])، حيث يظنُّ أن اليمنيّين يتعجَّبون من أنّ الحاكم الجِشمي، طبقاً لمعتقده الاعتزالي، وخلافاً لإجماع مدرسة الهادي إلى الحقّ، يعتبر الخلفاء الثلاثة، وحتّى عثمان أيضاً، بمرتبة عليٍّ. وهذا الظنّ والنظريّة الوَهْميّة التي يتبنّاها فان أس باطلةٌ، ومن الصعب جدّاً قبولها.

قد أطلق فان أس تعريفاً عامّاً للتشيُّع. وبَدَل أن يعرِّف «الشيعي» بأنّه «الشخص الذي يعتقد بإمامة عليٍّ بعد وفاة النبيّ» قال بأنّه عبارةٌ عن كلّ مَنْ له «محبّة وموالاة قوّية لعليٍّ وأبنائه». ومن ثمّ وصف شخصيّة محمد بن يَزداد الأصفهاني، الكاتب المعتزلي المغمور تقريباً، وصاحب «كتاب المصابيح»، بكونه مائلاً إلى التشيُّع، حيث قال عنه: «من المحتمل أن تكون هذه الشخصيّة شيعيّةً، أو على الأقلّ محبّة للتشيُّع»؛ لأنّه تحدّث مرّتين عن ثلاثة علويين بأنّهم يصلحون للخلافة. والحقيقة أنه طبقاً وتأييداً للتعريف العامّ الذي قام به فان أس للتشيُّع وضع هذه الشخصيّة الاعتزاليّة في خانة التشيُّع. وبناءً على هذا التعريف ينبغي أن يُعَدّ الخليفة عمر بن الخطّاب ضمن الشخصيّات الشيعيّة؛ لأنّه عيّن الإمام عليّاً ضمن أفراد الشورى لانتخاب الخليفة من بعده. وعلى هذا المنوال، وطبقاً لهذا التعريف العامّ، ستدخل الكثير من الشخصيّات الإسلاميّة في خانة التشيُّع؛ وذلك لأنّ القليل من المسلمين كانوا يعتبرون أنّ العلويين هم غير صالحين للخلافة. والإمام المهديّ، الذي بحَسَب العقيدة السنيّة أيضاً سيظهر ليقيم الحقّ والعدالة في العالم، الأعمّ الأغلب يعتبرونه من أولاد النبيّ، أي من أولاد عليّ وفاطمة [فهو من العلويين]، وليس من أولاد عمر أو جيلٍ آخر.

المشكل الأساس والرئيس لفان أس أنّه يعتقد ويصرّ على أنّ انفصال الشيعة عن السنّة بدأ فقط من خلال نتائج الفتنة الأولى، أي نتيجة الصراع الداخلي بين المسلمين، الذي من خلاله عزلوا الخليفة الثالث عثمان بن عفّان ومن ثمّ قتله، أي في هذه الظروف والنتائج التي حصلت من خلالها تكوَّنت الفرقة الشيعيّة([17]). ينتقد فان أس المؤرِّخين والكتّاب في الملل والنحل من الشيعة والسنّة الذين يرجعون انفصال الشيعة عن السنّة إلى زمن وفاة النبيّ، والأحداث الشهيرة التي وقعَتْ في سقيفة بني ساعدة. يعتقد فان أس أنّ الإمام عليّاً قَبِل خلافة أبي بكر وعمر، ولكنْ هو كان وراء الثورة ضدّ عثمان، التي كانت سبباً في قتله والفرقة واختلاف المسلمين، وانفصال المجموعة التي تبعته (أي الشيعة) من إجماع المسلمين الكبير (الجماعة). ويعتقد فان أس أنّه فقط بعد وفاة الإمام عليّ بدأ أتباعه المتطرِّفون بإنكار خلافة أبي بكر وعمر، وسبّهم، وكذلك كلّ مَنْ وقف وراء الخليفتين الأوّل والثاني.

هذه الرؤية التأريخيّة، التي تعكس آراء بعض المؤرِّخين، من أمثال: هنري لامنس([18]) وليونه أو ليوني كايتاني([19]) في بداية القرن العشرين، مكان ما اعتقد أهل السنّة، اليوم وبعد مضيّ أكثر من قرنٍ من البحوث والدراسات التأريخية لا يمكن الدفاع عنها، أو القبول بها. صحيحٌ أن عنوان أو مصطلح «شيعة عليّ» في التأريخ أطلق بعد الفتنة الأولى ووصول الإمام عليّ إلى الخلافة([20])، وكذلك صحيحٌ أنّ عنوان الفرقة المخالفة، أي «شيعة عثمان» و«العثمانية»، أطلقت بعد وفاة الخليفة عثمان بن عفّان، وفي الأعمّ الأغلب أطلق هذين المصطلحين على أتباع معاوية بن أبي سفيان الذين ثاروا للانتقام من قَتَلة الخليفة المقتول، ولكنّ أهل السنّة والجماعة لا يتَّهمون الإمام عليّاً بحَسَب اعتقاداتهم بقتل عثمان، بل يقرّون ويعتقدون بأنّ عليّ بن أبي طالب هو الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين. ولذلك يميل أهل السنّة والجماعة إلى أحقِّية الإمام عليّ في صراعه مع معاوية، الذي كان يسعى حثيثاً أن ينسب قتل الخليفة عثمان إليه؛ لكي يسيطر على الخلافة ويقبضها بيده. لذلك تشير المصادر التأريخيّة السنّية أنّ عمرو بن العاص وعائشة وطلحة هم من أبرز الصحابة المحرِّضين على القيام ضدّ الخليفة عثمان، وكان الإمام عليّ يريد أن يتوسَّط بين الثوار والخليفة، الذي كان يقربه عن طريق أم حكيم البيضاء (بنت عبد المطَّلب وجدّة عثمان و)عمّته وعمّة النبيّ، وأن يحافظ على الخليفة عثمان من الثوّار؛ لعدم وقوع أيّ أذىً عليه، وكذلك عندما شعر وأحسّ الإمام عليّ أنّ الخليفة عثمان لا يأخذ بنصيحته وإرشاده، وكاد أن يتّهمه، والثوّار قد حاصروا البيت، وخرجت الوساطة من عنده، أرسل ابنَيْه الحسن والحسين؛ للدفاع عن الخليفة عثمان، وقد أصيب الحسن جزئيّاً في هذا الصراع المرير.

وأيضاً صحيحٌ أنّ الإمام عليّاً قد بايع الخلفاء الثلاثة من قبله، ولكنّه والأعمّ الأغلب من بني هاشم بايعوا الخليفة الأوّل أبو بكر بعد وفاة السيّدة فاطمة الزهراء، أي بعد ستّة أشهر من وفاة الرسول فقط. وهذا إنْ دلّ على شيءٍ فإنّه يدلّ على أنّ فاطمة الزهراء هي الذرّية الوحيدة المتبقِّية منه، والوريثة الوحيدة له ولخلافته، وبحَسَب قانون الإرث المنصوص عليه في القرآن كان ينبغي أن تأخذ (ترث) الزهراء سبعة أقسامٍ من ثمانيةٍ من أموال وحقوق أبيها، في حين يأخذ الباقي من نساء النبيّ الأحياء ـ كلّهنّ ـ قسماً واحداً من الأقسام الثمانية. مع هذه الأوصاف التي ذكرناها لم يُعْطَ للسيّدة الزهراء حقَّها من الإرث، أو من مستحقّاتها. وبما أنّ كلّ ورثة النبيّ كُنَّ من النساء ثقل هذا الأمر على عمر بن الخطاّب، الذي كان طمّاحاً، ولم يؤمن بحقوق النساء وبسيطرة النساء على الرجال، وعلى الخصوص في الحكم، فكان هذا الأمر يؤذيه، ولم يستطِعْ قبوله. وهذه المخالفة أدَّتْ إلى انتخاب أبي بكر في السقيفة للخلافة، وتهديد عمر بن الخطّاب بحرق بيت فاطمة بنت الرسول وأسرتها. لذلك فيما بعد قال عمر بن الخطّاب: إنّ انتخاب أبي بكر للخلافة كان «فَلْتَةً»([21])، أي انتخب عجالةً. ومن الناحية التأريخيّة هذه «الفلتة» تعتبر انقلاباً عسكريّاً بموجبه أُزيحت العائلة الحاكمة، وهُدِّدت حياة السيّدة الزهراء، التي كانت تُعتَبَر الخليفة الشرعي للنبيّ، وزُعْزِع النظام الذي كان سائداً في المدينة، وفي المجتمع الإسلامي المبكِّر، حيث كانت قريش في ظلّه متساويةً مع المهاجرين والأنصار، وكلاهما يعيشان تحت لواءٍ واحد، واستلمت قريش الخلافة، والباقي من المهاجرين والأنصار صاروا أتباعاً لها، وفاقدي الرأي في المجتمع الإسلامي.

في الحقيقة حادثة السقيفة هي التي سبَّبت هذا الانشقاق والانقسام الكبير والفِرْقة في المجتمع الإسلامي. وهذه التفرقة والانشقاق انجرَّت إلى قتالٍ وصراع بين المسلمين، الذي وبحَسَب الظاهر لم ينتهِ منذ حرب الردّة وإلى يومنا الحاضر. والكثير من المسلمين في ذلك الوقت استحسنوا عمل وأمر عمر بن الخطّاب القاطع في منع المرأة (فاطمة الزهراء) من تولّي الحكم على المجتمع الإسلامي، وقد هيّأ المجتمع في ذلك الوقت لقبول كلام أبي بكر، الذي كان يقول: إنّ النبي محمد هو الذي منع بنته وزوجاته أمّهات المؤمنين من الإرث. وإلى الآن الكثير من المسلمين في عصرنا الحاضر يقومون ويجهرون بمثل هذا العمل. وإلى الآن وفي عصرنا الحاضر يعتقد الكثير من المسلمين أن الأحفاد وذريّة النبيّ من الذكور لهم الأحقِّية الموروثة المشروعة للحكومة أكثر من غيرهم ـ سواء كانوا من قريش أو غير قريش ـ في ذلك. ولذلك استطاع جوزيف فان أس أن يجد متشيِّعين معتدلين كثيرين من بين كتّاب مسلمين، مثل: الكعبي، المسعودي، ابن النديم، المقدسيّ، ابن حوقل، الذين ينبغي أن يُعَدّوا حَسْب أكثر الموازين من أهل السنّة والمعتزلة.

 وفي الختام رُبَما يسأل سائلٌ نفسه: بما أنّنا أعطينا حقوق المرأة في العصر الحاضر، واعترف العالم بحقوقها وحكومتها عالميّاً، وفي بعض الأحيان ترجَّح وتفضَّل على حكومة الرجال، فهل من الممكن أن يسأل أحدُ المسلمين السنّة المتديِّنين أنّه لو اتّبع وأطاع المسلمون في المجتمع الإسلامي المبكِّر حكم الله في القرآن، بَدَلاً من حمايتهم الانقلاب المشؤوم بقائدٍ يعتقد بقيادة الرجال في المجتمع، ألم يكن حالهم أفضل ممّا عليه الآن؟».

إلى هنا تمّت ترجمة مقال ماديلونغ حول كتاب فان أس المذكور آنفاً.

والآن ندلي ببعض الملاحظات حول آراء ماديلونغ وفان أس في باب تكوين التشيُّع ومسألة خلافة النبي محمد|. وينبغي التذكير هنا بأنّ في بعض نظريات ماديلونغ المطروحة في هذا المقال محلٌّ ومجال للنقد والمناقشة، حيث سيكون مخالفاً لعقائد الشيعة وما هو مقبولٌ عندهم، أو على الأقلّ العقائد الشيعيّة السائدة، حيث سنوكل مناقشة ونقد هذه الآراء إلى مقالٍ آخر. ولكنْ ما هو مهمٌّ هنا، والذي ينبغي التأكيد عليه، هو مجموعةٌ من آراء ماديلونغ التي ذكرت في الدفاع عن عقيدة التشيُّع، وهي عبارةٌ عن الحقّ المضمون لأهل بيت النبيّ محمد| لخلافته من بعده، ونقده لبعض الأعمال التي قام بها الخلفاء الأوائل، وبالخصوص الخليفة الثاني، في أحداث صدر الإسلام.

أوّل نقدٍ وجَّهه ماديلونغ لنظريات فان أس حول التشيُّع وتاريخ ظهوره يعود إلى التعريف الذي طرحه وانتخبه فان أس حول مصطلح «التشيُّع»، حيث عرَّف التشيُّع قائلاً: «مَنْ كانت له «محبّةٌ» وموالاة قويّة لعليٍّ وأولاده». يعتقد ماديلونغ أن هذا التعريف للتشيُّع هو تعريفٌ واسع وعامّ، يشمل أكثر وأغلب المسلمين، وحتّى الخليفة عمر بن الخطّاب ـ الذي عيَّن عليّ بن أبي طالب× ضمن الشورى التي انتخبها وعيّنها ـ. مصطلح التشيُّع من منظار ماديلونغ هو أضيق من ذلك، وله تعريفٌ محدَّد، وهو يطلق فقط على أشخاصٍ اتّخذوا عليّ بن أبي طالب× الخليفة والإمام الأوّل بعد وفاة النبيّ محمد|.

النقد الآخر الذي يوجِّهه ماديلونغ لآراء فان أس هو ما يتعلَّق بمسألةٍ مهمّة وحسّاسة حول تاريخ التشيُّع وظهوره كفرقةٍ متمايزة عن أهل السنّة. كما نعلم هناك آراء متعدّدة ومختلفة حول نشأة التشيُّع، وبداية ظهوره كفرقةٍ. وهنا يوجد اختلافٌ كبير بين فان أس وماديلونغ. يُرجع فان أس تاريخ ظهور وتكوين التشيُّع إلى عصر ظهور الفتنة في المجتمع الإسلامي التي وقعت في نهاية فترة خلافة عثمان بن عفّان، أي بالضبط في الوقت الذي ثار المسلمون على الخليفة الثالث وقتلوه، ومن ثمّ بايع المسلمون عليّ بن أبي طالب×. لذلك حاول فان أس أن يردّ على النظريات التي طُرحت من قِبَل بعض المؤرِّخين، الذين يُرْجِعون تاريخ ظهور التشيُّع وتكوينه وتمايزه عن أهل السنّة إلى زمن وفاة النبيّ|، واجتماع فريقٍ من المسلمين في سقيفة بني ساعدة، وانتخاب أبي بكر خليفةً للنبيّ محمد|. في الحقيقة يعتقد فان أس أن التمايز والافتراق الذي حصل بين السنّة والشيعة لم يكن من سقيفة بني ساعدة، لماذا؟ لأنّ عليّ بن أبي طالب قَبِل خلافة أبي بكر وعمر، بل هذا الخلاف والافتراق بدأ منذ زمن الثورة والتمرُّد على الخليفة عثمان، الثورة التي ـ طبقاً للادّعاء الخاطئ لفان أس ـ كان عليّ بن أبي طالب× وراءها. وفي ظنّه أنّ عليّ بن أبي طالب هو مَنْ هيّأ الظروف والأسباب لقتل الخليفة عثمان بن عفّان، وكان سبباً للتفرقة التي أدَّتْ إلى انفصال فريقٍ تابعٍ له (أي الشيعة) من المجتمع الأكبر للمسلمين (أي الجماعة).

 ومن وجهة نظر فان أس ـ التي يفترق فيها عن ماديلونغ ـ أنّه فقط بعد وفاة الإمام عليّ× بدأ أتباعه المتطرِّفون بإنكار خلافة أبي بكر وعمر، والتنكيل بهما، وكذلك بكلّ صحابة النبيّ الذين أيَّدوا الخليفتين.

لم يوافق البروفيسور ماديلونغ الآراء والنظريات المذكورة لفان أس، وقام بنقدها.

يعتقد ماديلونغ أن التحليل الذي طرحه فان أس ينسجم ويتوافق مع رؤى المؤرِّخين الأوائل من القرن العشرين، مثل: هنري لامنس وليونه كيتاني. واليوم وبعد مضيّ أكثر من قرنٍ من الزمن على هذه الظنون، والتوسُّع والتعمُّق في البحوث التأريخيّة، لم نستطِعْ القبول والدفاع عن هذه النظريّات. من وجهة نظر ماديلونغ، مع أنّه يرجع ظهور المصطلحين «شيعة عليّ» و«شيعة عثمان» إلى عصر وقوع الفتنة وقتل الخليفة عثمان، وطبقاً لمصادر ومراجع أهل السنّة أنفسهم، لم يكُنْ لعليّ بن أبي طالب× أيّ دَوْرٍ في الانتفاضة على عثمان وقتله. يؤمن أهل السنّة بأنّ عليّ بن أبي طالب× هو الخليفة الرابع للمسلمين، لذلك أيَّد أهل السنّة عليّ بن أبي طالب في صراعه مع معاوية، الذي سعى بطريقةٍ ماكرة لإلقاء سبب قتل الخليفة عثمان على شخص عليٍّ×؛ لكي يستولي على الخلافة. وعلى قول ماديلونغ، وطبقاً للمصادر التأريخيّة لأهل السنّة: إنّ الأصحاب، مثل: عمرو بن العاص وعائشة وطلحة والزبير، كانوا على رأس المتمرِّدين ضدّ الخليفة عثمان، وهم الذين مهَّدوا الطريق للإطاحة به. وخلافاً لفان أس، يعتقد ماديلونغ أنّ عليّ بن أبي طالب× لم يلعَبْ أيّ دَوْرٍ في التمرُّد على الخليفة عثمان، ولم يساهم في قتله أبداً، بل على العكس من ذلك، إنّ عليّ بن أبي طالب× قدَّم النصيحة، وسعى للوساطة والحثّ على الهدوء بين المسلمين، وحاول أن يتجنَّب وأن يمنع المسلمين في قتل الخليفة، ولهذه الأسباب أرسل الحسنين’ للدفاع عن الخليفة، حتّى جُرح الإمام الحسن المجتبى في ضمن هذه الصراعات.

من النقاط الأخرى التي ينبغي التركيز عليها، والتي طرحها ماديلونغ، وصرّح بها، أحقِّية خلافة السيدة فاطمة الزهراء÷ بعد وفاة النبيّ الأكرم|. من وجهة نظر ماديلونغ إنّ المتبقّي الوحيد من أولاد النبيّ| هي بنته فاطمة، وطبقاً لآيات الإرث الواردة في القرآن ينبغي أن تورَّث ابنته الزهراء÷ من تركة أبيها سبعة أقسام من ثمانية من ممتلكاته وحقوقه، في حين ترث زوجات النبيّ| بأجمعهنّ قسماً واحداً فقط من ثمانية أقسام من حقوق وممتلكات النبيّ. وكذلك يعتقد ماديلونغ أنه بما أنّ عليّ بن أبي طالب× والأغلبيّة من بني هاشم بايعوا أبا بكر بعد وفاة النبيّ| بستّة أشهر فقط، أي مباشرةً بعد وفاة الزهراء÷، فهذا دليلٌ جليٌّ على أنّهم كانوا يعتقدون بأن بنته فاطمة الزهراء÷ هي الوريث الوحيد والأوّل، والمتبقّية لخلافة النبيّ| الحقّة، ولذلك ما دامت هي على قيد الحياة لم يبايعوا أيّ شخصٍ بعنوان خليفة النبيّ|. وباعتقاد ماديلونغ إنّ الزهراء÷، البنت الوحيدة للنبيّ|، كان من حقِّها أن تصبح خليفةً لأبيها، ولكنّ عمر بن الخطّاب، الذي كان رجلاً شديداً، خالف بشدّةٍ إعطاء قسمٍ من حقوق المرأة لها، وتولّيها على الرجال في الحكومة، وقد منع الزهراء÷ البنت الوحيدة للنبيّ| من حقِّها وإرثها. ومن خلال هذا الأمر، وفي نهاية المطاف، انتُخب أبو بكر في سقيفة بني ساعدة للخلافة، وقد هدَّد عمر بن الخطّاب بحرق بيت بنت النبيّ| وعائلتها. وقد عبَّر ماديلونغ ـ نظراً إلى ما قال عمر بن الخطّاب فيما بعد في شأن انتخاب أبي بكر للخلافة، حيث عبَّر عنها بـ «الفَلْتة»، أي عمل مستعجل ومن دون تخطيط، وكان قراراً مستعجلاً ـ عن هذه الحادثة بالانقلاب العسكري، الذي سُلب بسببه حقُّ الخلافة من أهل بيت النبيّ|، وأصبحت حياة خليفته الحقّة (أي بنته فاطمة الزهراء) مهدّدةً. وإحدى ارتدادات هذه الحادثة هو انعدام المساواة بين المسلمين، والتبعيض بينهم، واستعلاء قريش على سائر الفِرَق الإسلاميّة. وكذلك من الارتدادات الأخرى لهذه الظاهرة إيجاد الفرقة والاختلاف بين المسلمين. وكانت سبباً لانقسام وانفصال الشيعة عن أهل السنّة. يصرِّح ماديلونغ بأنّ «السقيفة هي التي كانت سبباً للتفرقة والانقسام الكبيرين في الإسلام، حيث كانت فُرقةٌ تسبَّبت في القتل والقتال، ومن دون هوادةٍ، وكانت الضربة القاصمة بين المسلمين، وهي منذ بداية حروب الردّة وإلى عصرنا الحاضر»([22]).

في النهاية يطرح ماديلونغ هذا السؤال المهمّ: لو أنّ المسلمون الأوائل، وبَدَلاً من حماية الانقلاب السيّئ الذي قاده الخليفة عمر بن الخطّاب في غصب الخلافة، أطاعوا الله بتنفيذ حكمه في القرآن ـ وهو إعطاء الإرث من أموال ومستحقّات النبيّ| إلى بنته فاطمة، وعلى هذا الأساس كانت خلافة النبيّ| من الحقوق الأساسيّة لبنته ـ، ألم يكونوا في نهاية المطاف أنجح وأحسن حالاً ممّا هم عليه الآن؟

مع أنّ رؤية ماديلونغ حول أحقّية السيدة فاطمة الزهراء÷ بعد وفاة النبيّ| للخلافة تخالف الرؤية الشيعيّة؛ لأنّه من خلال الرؤية الشيعيّة النبيُّ الأكرم|، وبأمرٍ من الله، وفي حياته، انتخب عليّ بن أبي طالب× خليفةً له، وقد أعلن ذلك للجميع، هذا الرأي الذي أُطلق من قِبَل مستشرقٍ محايد ومحقِّق بارز في التأريخ الإسلامي، من أنّ الحقّ في الخلافة ومَنْ يخلف النبيّ| ينبغي أن يكون من أهل بيته، وليس من حقّ أبي بكر، وأيضاً التصريح من قِبَله بأنّ هذا الحقّ، أي حقّ الخلافة، قد غُصب بواسطة الانقلاب الذي قاده عمر بن الخطّاب، هو رأيٌ خطيرٌ ومهمّ، وقابلٌ للتأمُّل من دون شكٍّ. الخطأ الذي ارتكبه ماديلونغ أنّه تصوَّر بأنّ خلافة المسلمين هي ضمن الحقوق والممتلكات الشخصيّة للنبيّ|، الذي ينبغي أن تنقل إلى ابنته الوحيدة بعد وفاته، طبقاً لقوانين الإرث في الإسلام؛ في حين أنّ الإمامة وخلافة المسلمين ـ بالمنظار الشيعي ـ ليست من الممتلكات الشخصيّة أو من أموال النبيّ|، بل هذا أمرٌ يجري من خلال إرادة الله، وهو من حقوق الله، ومقامٌ دينيّ وثقافي وسياسيّ، وفقط من خلال أمر وإرادة الله يفوَّض لأوليائه المنتجبين. ومن الزلاّت الكبيرة لماديلونغ في تحليله للنصوص التأريخيّة في مسألة الخلافة ومَنْ سيخلف النبيّ الأكرم|، الذي ينبغي أن تُؤخَذ بعين الاعتبار، هي إهماله للنصوص والأخبار الكثيرة الذي فيها انتخب وعيَّن النبيّ محمد|، وبأمرٍ من الله، عليّ بن أبي طالب× لخلافته، وقد أعلن وأشهر هذا الأمر لعامّة المسلمين. والحمد لله ربّ العالمين.

الهوامش

(*) أستاذٌ جامعيّ متخصِّصٌ في مجال الفلسفة وعلم الكلام الإسلاميَّين.

([1]) قبل مدّةٍ قصيرة جُمعت ودُوِّنت مقالاته على يد تلميذته السيّدة زابينة اشميتكه، ونُشرت في مجلَّدين بعنوان:

1- Studies in Medieval Shi’ism, Wilferd Madelung, edited by Sabine Schmidtke, Routledge, 2012, 326 pages.

2- Studies in Medieval Muslim Thought and History, Wilferd Madelung, edited by Sabine Schmidtke, 2013, 322 pages.

([2]) Madelung, Wilferd, The Succession to Muhammad: A Study of the Early Caliphate, Cambridge University Press, 1997 .

([3]) تُرجم الكتاب إلى الفارسيّة من قِبَل: أحمد نمائي، جواد قاسمي، محمد جواد مهدوي، حيدر رضا ضابط، تنقيح وتوضيح: أحمد نمائي، ونُشر من قِبَل مجمع البحوث الإسلاميّة التابع للعتبة الرضويّة في مدينة مشهد.

وكذلك نُشر من قِبَل العتبة العبّاسية في مدينة كربلاء في العراق، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة / قسم الاستشراق، كتيّبٌ بعنوان: خلافة محمد|، بحثٌ حول الخلافة في وقتٍ مبكِّر، تأليف: ولفرد مادلونج، عرض وترجمة: السيّد هاشم الميلاني، ط1، 2015م.

والكتيّب عبارةٌ عن نقدٍ لآراء ماديلونغ التي لم يستسغها المؤلّف، واعتمد السيّد الميلاني على الترجمة «الفارسيّة» لنقده «بالعربيّة» على الكتاب المدوَّن أصلاً باللغة «الإنجليزيّة»، حيث كان ينبغي عليه الرجوع إلى النسخة الأصل (الإنجليزيّة)؛ لأنّ الموضوع حسّاسٌ جداً، والناشر معلوم الحال بالنسبة إلى القضايا الشيعيّة.

ناقش السّيد الميلاني ماديلونغ في قضايا هي في الكثير من الأحيان محلّ خلافٍ ونزاع في داخل المذهب أو المدرسة الشيعيّة، بل في بعض الأحيان يناقش المؤلّف (ماديلونغ) على غير المنهج والطريقة التي اتّبعها، ويتَّهمه أحياناً بالسذاجة. (المترجِم).

([4]) Der Eine und das Andere: Beobachtungen an islamischen häresiographischen Texten, by Josef van Ess (Studien zur Geschichte und Kultur des islamischen Orients/Beihefte zur Zeitschrift Der Islam, n.s., vol. 23. Berlin: WALTER DE GRUYTER, 2011. 2 vols. Pp. xliv + 1510.

([5]) Journal of the American Oriental Society, Vol. 134, No. 3 (JulyـSeptember 2014), pp. 531 ـ 533.

([6]) عنوان كتاب جوزيف فان أس فيه نوعٌ من الدقّة والفَذْلكة العلميّة. يُتَرجَم حرفيّاً: الواحد والآخَر، والأقرب إلى الروح العربيّة، حيث بإمكاننا ترجمته: الله والبشر. ولكن العنوان الثاني من الممكن أن يشكل عليه البعض بأنه كيف تساوي الله مع البشر؟ لذلك ارتأيتُ أن أترجم العنوان «هو والآخَر»، حيث هو برأيي أقرب إلى روح نصّ الكتاب. (المترجِم).

([7]) في الحقيقة إنّ العبارة الموضوعة في داخل المعقوفين عبارة عن سؤالٍ لكاتب هذه السطور للبروفيسور فان أس يطلب منه توضيحاً لعبارة « Der Eine und das Andere / الواحد (هو) والآخَر»، وما هو المقصود منها؟ وبحَسَب ما تفضَّل قائلاً: إنّ المراد من «الواحد (هو)» الله، ويقصد من «الآخَر» كلّ الأفكار والتصوُّرات عن الله التي تكوَّنت في الأذهان البشريّة على طول التأريخ (والتي أوجدت هذه الأمور كتابة علم الملل والنحل). وعبارة فان أس هكذا:

What I mean is only «God (The One) and all the other ideas or things which grew in human minds about Him (i. e. heresiography)».

([8]) Theologie und Gesellschaft im 2. und 3. Jahrhundert Hidschra.

تُرجم الكتاب في بداية الأمر إلى اللغة العربيّة تحت عنوان: «علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة، تاريخ الفكر الديني في صدر الإسلام»، وصدر منه جزءان حتّى الآن. ترجمة الجزء الأوّل من الكتاب كانت رديئةً جدّاً، وفي الكثير من الأحيان لم تفهم المترجمة المحترمة ولم تستوعب مفهوم المؤلِّف، حيث يقع الكتاب ضمن بحث علم الكلام الإسلامي، ولكنّ الناشر المحترم (دار الجمل) استبدل المترجمة بمترجمين آخرين في إصداره للمجلّد الثاني، حيث استدرك الكثير من الأخطاء السابقة، وقبل قليلٍ (2019م) أصدر الناشر (منشورات الجمل) المجلّد الأوّل بحلّةٍ جديدة، وبمراجعة شاملة من قِبَل الدكتور محسن الدمرداش. وإلى الآن ينتظر العالم العربي ترجمة المجلّدات الأخرى من الكتاب. وبعد ذلك ترجم الكتاب إلى اللغة الإنكليزيّة ترجمةً رائعة ودقيقة، صدر إلى الآن منه أربع مجلّدات، من قِبَل مطبعة ومنشورات بريل BRILL الشهيرة في مدينة ليدن LEYDEN الهولنديّة. وفي الآونة الأخيرة صدر من الكتاب مجلّده الأوّل بالفارسيّة، من قِبَل منشورات جامعة الأديان والمذاهب بمدينة قم، مشفوعةً بمقدّمةٍ قصيرة للمؤلِّف، يلمّح ويعاتب العالم الإسلامي، حيث بعد مرور ربع قرنٍ من صدور الكتاب توجَّه الآن لترجمة الكتاب إلى الفارسيّة، في حين في العالم الغربي أصبحَتْ هذه البحوث قديمةً، واستُبدلت ببحوثٍ جديدة. (المترجِم).

([9]) literary genre.

([10]) Sitz im Leben.

([11]) den Einen und das Andere.

([12]) دائرة المعارف «إيرانيكا» 1: 359 ـ 362.

([13]) فان أس، كتابه الأخير: 329.

([14]) فان أس، كتابه الأخير: 365 ،761، 762.

([15]) نشر هذا التفسير مؤخَّراً في بيروت (2019م) بعشرة أجزاء ضخمة، بعنوان: «التهذيب في التفسير»، للإمام الحاكم الجَشمي، بتحقيق: العماني الدكتور عبد الرحمن بن سليمان السالمي. وقد بذل المحقِّق جهوداً جبّارةً في جمع النُّسَخ المتناثرة والناقصة للتفسير من مختلف بلدان العالم، شرقاً وغرباً، وجهوداً مشكوراً عليها في تحقيق هذا النصّ المهمّ والدقيق والحسّاس، الذي فتح أبواباً في الرؤية الاعتزاليّة للتفسير، والذي يُنْشَر لأوّل مرّةٍ على أكثر من خمسين مخطوطاً كاملاً وناقصاً. (المترجِم).

([16]) فان أس، كتابه الأخير: 363.

([17]) فان أس، كتابه الأخير: 94.

([18]) Henri Lammens.

([19]) Leone Caetani.

([20]) إنّ عبارة ماديلونغ في عقيدته بأنّ «عنوان شيعة عليّ» ظهرت في التأريخ فقط بعد الفتنة الأولى، حين وصل عليٌّ للخلافة، هي في الحقيقة خلافٌ للكثير من النصوص والروايات المنصوص عليها في كتب الشيعة وأهل السنّة عن لسان النبيّ الكريم|، حيث أطلق النبيّ وفي حياته عنوان ولقب «شيعة عليّ» للإشارة إلى محبّي وأتباع عليّ بن أبي طالب×.

بالنسبة إلى هذه الروايات راجِعْ: جعفر السبحاني، بحوث في الملل والنحل 6: 101 ـ 106، قم، ط4، مؤسّسة النشر الإسلامي، 2003م.

([21]) وقد ترجم فان أس هذا التعبير بشكلٍ دقيق وصحيح إلى: «etwas überstürzt»: 809.

([22]) «It was the Saqīfa meeting that caused the great schism in Islam, which has resulted in seemingly endless Muslim bloodshed since the wars of the ridda until the present day».

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً