أحدث المقالات

(تطبيقاً لرأي السيد محمود الهاشمي)

الشيخ علي الإلهي الخراساني(*)

 

في البدء نقرّ أن رؤية الهلال في زماننا هذا غدت أمراً عسيراً وهمّاً ثقيلاً في حياة المؤمنين العبادية، ممّا يستدعي مراجعة فقهية في كفاية رؤية الهلال بالعين المسلّحة، واستخدام الأدوات المقرّبة، والاطمئنان إلى قبول رأي العرف في أن عنوان الرؤية يؤدي إلى حلّ هذه المشكلة، ورفع التحيُّر عن هذه الأزمة في المجتمع الإسلامي.

وسنذكر في هذه المقالة وجهة نظر الأستاذ السيد محمود الهاشمي(حفظه الله) خاصّة في كفاية رؤية الهلال بالعين المسلحة، وآراء بعض الفقهاء الآخرين في عدم اعتبار الرؤية الهلال بالأدوات المقرّبة، والإيرادات عليهم من قبل سيّدنا الأستاذ خاصة، وسنجيب عن هذه الإيرادات، بعون الله وكرمه.

 

1ـ وجهة نظر المحقّق الهاشمي

ذكر سيدنا الأستاذ، في مقالة «ثبوت الشهر برؤية الهلال في بلد آخر»؛ دفاعاً عن كفاية رؤية الهلال بالعين المسلحة، إشكالاتٍ على مبنى أستاذه السيد الخوئي. وهذا نصه: «إنّ ما أفاده [السيد الخوئي]، من اشتراط إمكان رؤيته بالعين المجرّدة العادية، وعدم كفاية‌ رؤيته هلالاً بالعين المسلّحة، قابلٌ للمناقشة من جهتين:

1ـ المنع عن دلالة النصوص على اعتبار الرؤية بالعين الباصرة العادية؛ فإنّ عنوان الرؤية كما يشمل الرؤية بالعين المجرّدة العادية كذلك يشمل الرؤية بالعين المسلّحة؛ فإنّها أيضاً رؤية للهلال، كالرؤية بالنظّارة الطبية لمَنْ هو ضعيف النظر.

نعم، إحراز وجود الهلال بالحساب والصناعة العلمية، من دون إمكان رؤيته حتّى بالعين المسلّحة، لا يكفي في دخول الشهر؛ لاشتراط بلوغه مرتبةً بحيث يمكن أن يرى هلالاً ولو بالأجهزة العلمية، وبلوغ هذه المرتبة لا يمكن إحرازه عادةً بالحساب.

نعم، الرؤية بالأجهزة المقرِّبة ليست رؤية غالبة ولا متعارفة بين الناس. ولكنْ تقدّم أنّه لا موجب لدعوى الانصراف إلى الأفراد الغالبة أو المتعارفة، وخصوصاً بعد أن كانت الرؤية طريقاً محضاً إلى طلوع الهلال ووجوده في الأفق على شكل هلال.

2ـ استفادة ذلك من بعض الروايات، كمعتبرة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى×، وقد نقلت بنحوين:

أـ ففي كتاب عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى×، قال: سألتُه عمَّنْ يرى هلال شهر رمضان وحده ولا يبصره غيره، أله أن يصوم؟ فقال: إذا لم يشكّ فيه فليصُمْ وحده، وإلاّ يصوم مع الناس إذا صاموا.

وقد نقلها بهذا النحو أيضاً الطوسي في التهذيب، والحِمْيري في قرب الإسناد، عن كتاب عليّ بن جعفر. والسؤال فيه عن رؤية هلال شهر رمضان.

ب ـ ولكنْ في الفقيه نقلها الصدوق بإسناده عن عليّ بن جعفر، أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر× عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده، ولا‌يبصره غيره، أله أن يصوم؟ قال: إذا لم يشكّ فليفطر، وإلاّ فليصُمْ مع الناس. وظاهره السؤال عن هلال شهر شوّال.

ولعلّهما روايتان، وإنْ كان ذلك مستبعداً مع وحدة فقراتهما. ومضمونهما واحد على كلّ حال، وهو أن مَنْ يرى الهلال وحده، ولا يبصره غيره، إذا لم يحصل له الشكّ وكان متيقّناً برؤيته وجب عليه ترتيب آثار الشهر الجديد.

والتعبير بقوله: (يبصره وحده، ولا يبصره غيره) ظاهرٌ في انفراده بالإبصار، بحيث إنّ غيره لا يبصر، لا أنّه لم يبصر، فيدلّ ـ ولو بإطلاقه ـ على أنّه حتّى مع عدم إمكان إبصار غيره من الناس ـ كما إذا كانت عينه غير متعارفة في الإبصار ـ أيضاً حكمه ذلك، فلا وجه لاشتراط الإبصار بالرؤية بالعين المتعارفة أو العادية. والله الهادي للصواب»([1]).

 

 2ـ  إيرادات المحقّق السيستاني

ذكر السيد السيستاني المبنى المذكور بعينه بنحوٍ موجز، في رسالة «أسئلة حول رؤية الهلال مع أجوبتها». ولم يقبل هذا المبنى، وأورد عليه بعدّة إيرادات، ويثبت عدم كفاية رؤية الهلال بالعين المسلحة، خلافاً لسيدنا الأستاذ. وهذا نصه:

«1ـ أما التمسك بإطلاق نصوص الرؤية فهو مخدوشٌ من جهة أن الهلال كان عند العرب ميقاتاً يبتدئون به الشهر القمري، الذي اعتمدوا عليه في مختلف شؤون حياتهم. ولما جاء الدين الإسلامي الحنيف أقرّهم على ذلك، قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾، ومن المؤكّد أن ما يصلح أن يكون ميقاتاً للناس بصورة عامة هو الهلال الذي يظهر على الأفق المحلّي بنحوٍ قابل للرؤية بالعين المتعارفة المجردة، وأمّا ما لا يُرى إلاّ بالأدوات المقرّبة، أو ما لا يراه إلاّ نادرٌ من الناس يمتاز برؤيةٍ بصرية حادّة، فهو لا يصلح أن يكون ميقاتاً للناس عامّة.

فبهذه القرينة لا بُدَّ من البناء على أن الرؤية المذكورة في النصوص إنما أخذت طريقاً إلى ظهور الهلال على الأفق بحجمٍ وبارتفاع مناسبين؛ لأن يرى بالعين المتعارفة غير المسلّحة، لولا الموانع الخارجية، من سحابٍ ونحوه.

2ـ وأما صحيحة عليّ بن جعفر فظاهر أن المراد بقول الراوي فيها: (ولا يبصره غيره) هو مجرّد عدم تحقّق الرؤية من الغير، لا عدم إمكانية تحقُّقها من جهة تفرّد الرائي بحدّة البصر، بحيث لا يوجد نظيرٌ له؛ فإنه فرضٌ لا واقع له في أيّ عصرٍ، كما لايخفى. وعلى ذلك فليس مورد الصحيحة هو خصوص ذي البصر الحادّ جدّاً الذي يرى من الهلال ما لا يراه غيره. وأما إطلاقها لهذا المورد فهو مخدوشٌ لما سبق.

على أنه يمكن أن يُقال: إن هذه الصحيحة ناظرةٌ سؤالاً وجواباً إلى أمرٍ آخر، وهو أن رؤية الهلال حجّة للمتفرّد بها أم لا؟ وذلك أنه لما ورد في العديد من النصوص ـ ومنها: روايات محمد بن مسلم، وأبي أيّوب الخزّاز، وعبد الله بن بُكَيْر، وأبي العبّاس ـ من التأكيد على أنه لا عبرة بالرؤية إذا ادّعاها شخصٌ ولم يصدّقه سائر المستهلّين أراد الراوي أن يستفسر عن اختصاص هذا الحكم بالآخرين، أو شموله للرائي نفسه ـ ولا سيَّما أنّه قد ذهب عددٌ من فقهاء الجمهور إلى شموله للرائي، وأنه لا يصوم إلاّ مع الناس ـ، وقد أجاب الإمام × بأن الرائي اذا كان متيقّناً من رؤيته للهلال فليعمل بموجبها، وإلاّ فليتابع الناس، أي إن رؤيته معتبرةٌ لنفسه، وإنْ لم تكن معتبرة للآخرين.

وعلى ذلك فالصحيحة مسوقةٌ لبيان أن رؤية المتفرّد بها حجّة لنفسه، دون غيره، ولا ينعقد لها الإطلاق من جهة كون الهلال غير قابل للرؤية بالعين المتعارفة.

هذا كلّه مضافاً إلى أنّه لو بُني على كون المناط في دخول الشهر بظهور الهلال في الأفق بنحوٍ قابل للرؤية ولو بأقوى التلسكوبات والأدوات المقربة لاقتضى ذلك أن صيام النبيّ‘ والأئمّة^ وفطرهم وحجّهم وسائر أعمالهم التي لها أيّام خاصة من الشهور لم تكن تقع في كثيرٍ من الحالات في أيامها الحقيقية؛ لوضوح أنهم^ كانوا يعتمدون على الرؤية المتعارفة في تعيين بدايات الأشهر الهلالية، مع أنه قلّما يرى الهلال بالعين المجردة واضحاً ومرتفعاً في ليلةٍ ولا يكون في الليلة السابقة عليها قابلاً للرؤية ببعض الأدوات المقرِّبة القويّة. وهل هذا ممّا يمكن الالتزام به؟!»([2]).

 

الجواب

أوّلاً: أكّد المستشكل أن (ما يصلح أن يكون ميقاتاً للناس بصورةٍ عامة هو الهلال الذي يظهر على الأفق المحلّي بنحوٍ قابل للرؤية بالعين المتعارفة المجردة).

ويَرِدُ عليه: إنّ تخصيص الرؤية بالعين المتعارفة انصرافٌ وجودي في زمن صدور النصّ، والانصراف إلى الأفراد الغالبة أو المتعارفة واضح البطلان. وإنما العرف هو الميزان في إطلاق الرؤية. والصحيح أن يُقال: إن الرؤية بالأدوات المقرّبة في نظر العرف رؤيةٌ، كما هي رؤية شخصٍ بالنظّارة، ولا أحد يدّعي أنّ الرؤية بالنظّارة خروجٌ عن مفهوم الرؤية، مع أنّ النظارة لم تكن موجودةً في عصر صدور النصّ.

وبعبارةٍ أخرى: إنّ العرف يذهب إلى أن الرؤية بالأدوات التي حيثيتها تقريب الأشياء فقط لا يخرجها عن عنوان الرؤية. والمهمّ صدق هذه العنوان في دَيْدَن العرف، ولا دور للشارع في صدق مثل هذه العناوين. وعليه فإن المعيار في دخول الشهر اشتراط بلوغ الهلال مرتبةً بحيث يمكن أن يرى هلالاً ولو بالأجهزة المقرّبة، وهذا يصلح أن يكون ميقاتاً للناس بصورةٍ عامة. وما الفرق بين رؤية مجرّدة ورؤية بالأدوات ميقاتاً للناس؟!

إنْ قلْتَ: نعم، الرؤية بالأدوات ميقات للناس، ولكنْ لا لنوع الناس، بل لصنف خاصّ منهم، وإنّ ما يصلح ميقاتاً للناس يجب أن يكون ميقاتاً بصورةٍ عامة.

قلْتُ: كلّ ما يكون شاخصاً وملاكاً في تنظيم حياة الناس يعتبر عُرْفياً وغير توقيفي في نظر الناس. والشارع قد يمضي هذه الجذور العقلائية، ومصبّ إمضاء الشارع هذا الارتكاز. بَيْدَ أنّ الفعل الظاهر أو الصياغة المبرزة هو في الحقيقة يرجع إلى ثقافة العصر ونمط الحياة، وهي نقطةٌ مهمّة يأتي تفصيلها في محلّه. فعليه لا معنى لانحصار الملاك العرفي في المصداق المعين والبدوي في الناس. وفي ما نحن فيه ملاك الميقات للناس الهلال المرئي عُرْفاً، وكلّ مصداق يعرف في الناس بالرؤية صار ميقاتاً للناس بصورةٍ عامة. والمهم إمكانية هذه الطرق والوسائل لدى العرف، ولو لم يبادر إلى تحصيل هذه الطرق واستخدام هذه الوسائل إلاّ شخصٌ واحد، كما في استخدام الأدوات المقربة في رؤية الهلال.

ثانياً: المطلب المذكور من المستشكل، أي (عدم صلاحية الرؤية بالشخص الحادّ بصره لميقات الناس عامّة)، مخدوشٌ بأنّه ليس من الضروري، بل لا يمكن للناس كافة أن يرَوْا الهلال حتّى يقال في هذه الصورة: إنما تحقّق ميقات الناس عامة، بل يرسل من الناس شخصٌ أو أشخاص عندهم قوّة عالية في الرؤية؛ بهدف التحقّق أن الهلال مرئي أم لا؟ ورؤية هذا الشخص الموثوق به سبب اطمئنان الآخرين، وتصير رؤية حادّ البصر معيار وقوف الناس على الميقات.

ثالثاً: يُضاف إليه أن عدم تحقّق الرؤية مناسبٌ بأن يعبّر عنه في الرواية بفعل «لم يبصره»، ولا يصحّ إفادة معنى واحد من فعلين: «لا يبصره»؛ و«لم يبصره». وادّعاء تسوية فعلين في المعنى ليس له وجهٌ أصلاً في اللغة العربية ـ فإنّ عدم إمكانية تحقق الرؤية من جهة تفرّد الرائي بحدّة البصر كيف لا يوجد نظير له؟! وكيف فُرض لا واقع له في أيّ عصر؟! هذا صرف ادّعاء عجيب من صاحبه! نقول: من الممكن جدّاً، بل قد وقع، أن شخصاً واحداً له قدرة استخدام أدوات خاصّة لرؤية الهلال منفرداً، كما لو كان له طائرة في مدينة منفرداً، وهو يطير بواسطة الطائرة، ويرى وحده الهلال من الغبار والدخان. هذا يعني أن مناط تفرّد الرائي واحد، وهو أعمّ من حدّة البصر تكوينياً أو لديه وسائط أم أدوات خاصّة للرؤية التي لم يستطعها الآخرون. وهذا المطلب متوافقٌ مع الارتكازات العقلائية، وجديرٌ بالتأمُّل!

رابعاً: يذكر في الإيراد أن الرواية ناظرةٌ إلى أمرٍ آخر، هو أنّ رؤية الهلال حجة للمتفرّد نفسه، بشرط أن تكون الرؤية يقينية. ويمكن أن يقال: بأن تفرد الرائي لايفترض بدون أسبابٍ له، وأسباب تفرّد الرائي أعمّ من مفاجئي وتكويني أو جهدي واكتسابي، بمعنى أنّه يمكن أن تحدث رؤية الهلال فجأة للشخص من بين غيم وغبار والآخرون لم يرَوْه. وأيضاً يمكن أن يكون سبب تفرّد الرائي اختياراً واكتساباً بأن يكون الشخص قد رأى الهلال متفرداً بالوسائل المقربّة، كالتلسكوب، أم كانت له إمكانات خاصة ليطير فوق الغبار والدخان وتحدث له رؤية الهلال متفرِّداً. على هذا فالرواية لها إطلاقٌ بالنسبة إلى أسباب التفرُّد، ويستفاد منه أن رؤية الهلال حجّة للمتفرِّد، بأيِّ سببٍ اتّفقت فيه الرؤية.

خامساً: إن المناط في ثبوت الهلال ليس الواقع، بل اطمئنان الشخص بالرؤية؛ لأنّه لو فرض الواقع تمام الموضوع فيجب علينا كشف الواقع، حتّى بالحساب وعلم الفلك، مع أننا نعلم أنه منهيٌّ عنه في تعيين الهلال الشرعي.

 

3ـ إيرادات المحقّق السبحاني([3])

وقد كتب الشيخ السبحاني؛ إثباتاً لشرطية الرؤية بالعين المجرّدة، في ذيل «دليل القول بكفاية مطلق الرؤية»، أدلّة هذا القول وإشكالاتها أيضاً، حتى يردّ على مبنى سيّدنا الأستاذ. وهذا نصُّه:

«وقد استدلّ على ذلك [كفاية مطلق الرؤية] بما يلي:

الأوّل: الرؤية طريق لثبوت الهلال: الرؤية الواردة في الأخبار، أعني قول الرضا×: «صوموا للرؤية، وأفطروا للرؤية»([4])، طريقٌ محض لثبوت الهلال، حيث إنّ الرؤية من المفاهيم الطريقية المحضة، إلا إذا صرّح الشارع بموضوعيتها، كما هو كذلك في مسألة الشهادة على الزِّنا. وعلى هذا فالملاك وجود الهلال واقعاً، ولو لم يثبت من طريق الرؤية. ولذلك يثبت في الموارد التالية:

1ـ التواتر.

2ـ الشياع المفيد للعلم.

3ـ الاطمئنان.

4ـ شهادة البيِّنة.

5ـ ثبوت الهلال في البلاد الشرقية.

فإنّ رؤيته في الجانب الشرقي دليلٌ على خروجه عن المحاق وعن تحت الشعاع خروجاً قابلاً للرؤية عند غروب الشمس، فيكون دليلاً على أنه أكثر تضخماً في البلاد الغربية، لو لم يكن مانعٌ من الرؤية، كالغيم والدخان والبخار.

يُلاحَظ عليه: إنه لا شَكَّ في طريقية الرؤية، ولذلك مرَّ في السؤال بثبوته بغير الرؤية إذا انتهى إلى الرؤية بالعين، كما في الأمثلة الماضية، إنما الكلام في تعيين ذي الطريق، فهل هو طريق لوجود الهلال واقعاً في السماء، فعندئذٍ تقوم مقامه الأدوات المقرّبة؛ لكشفها عن وجود الهلال في السماء، أو هي طريق لإمكان الرؤية لمَنْ يعيش في الأرض، حضرياً كان أو بدوياً، عالماً كان أو غير عالم، فلو كان الميزان هو ذاك فلا يثبت الهلال لسكّان الأرض إذا فقدوا الرؤية بالعين العادية؟

المستفاد من الأدلّة هو الثاني؛ لأنّه سبحانه جعل الهلال مواقيت للناس، أي لسكان الأرض، بما لهم من عيشٍ طبيعي وأدوات طبيعية، ولم يجعل الهلال بما هو في السماء، وإنْ كان مستوراً عن الأعين، وكلّما كرّروا النظر لم يرَوْا شيئاً في السماء.

 

الثاني: عدم الفرق بين الرؤية بواسطة النظارات والرؤية بالأجهزة المقرِّبة

إذا كانت الرؤية بالنظارات الطبّية كافية في ثبوت الهلال؛ لضعف البصر، فلماذا لا تكفي الرؤية بالأدوات المقرّبة، فالجامع بينهما هو تقريب البعيد؟

يُلاحَظ عليه: إن النظارة الطبية ترفع قدرة العين المريضة إلى مستوى العين الطبيعية السالمة من العيب. وأين هذا من المنظار والتلسكوب، التي ترفع قدرة العين الطبيعية إلى مستويات عالية جدّاً؟ فقياس أحدهما على الآخر قياسٌ مع الفارق.

 

الثالث: التمسُّك بالإطلاقات

تضافرت الروايات على أنّ الموضوع هو الرؤية. ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الرؤية المتعارفة والرؤية الخارجة عنها. وانصراف الإطلاقات إلى المصداق الموجود في عصر صدور الرؤية لا وجه له.

يُلاحَظ عليه: إن شرط التمسّك بالإطلاق عدم وجود القدر المتيقَّن في مقام التخاطب. والمقام كذلك فإنّ الخطاب في الإطلاقات متوجّه إلى عامّة الناس، الذين فيهم العالم والجاهل، ومَنْ له معرفة بالحسابات الفلكية وغيره. ومقتضى ذلك عدم جواز التمسُّك بالإطلاق؛ لأجل وجود المصداق المتيقَّن المتعارف بين عامة الناس.

 

الرابع: التمسُّك بصحيحة عليّ بن جعفر

توضيح الاستدلال: إن رؤية الرائي كانت لأجل حدّة بصره، فاستطاع أن يرى الهلال بمفرده، متمكِّناً منها بنفسه فقط، وأما الآخرون؛ فلأجل كون عيونهم متعارفة، صاروا غير متمكنين، حتّى كرَّروا النظر، كما هو مفاد قوله: «لا يبصره غيره». فإطلاق الشقّ الأوّل، أي المتمكِّن من رؤية الهلال بشيءٍ خارج عن العادة، يقتضي الاكتفاء بكلّ ما يصير الإنسان متمكّناً من الرؤية، وإنْ حرم الآخرون منه.

يُلاحَظ عليه:

أوّلاً: إنّ الاستدلال مبنيٌّ على أساس أن الرائي؛ لأجل كونه حادّ البصر، متمكِّنٌ من الرؤية، دون الآخرين، فصاروا غير متمكِّنين، وعندئذٍ صحّ للمستدلّ التمسُّك بإطلاق المتمكّن من أمرٍ خارج عن العادة، كالأجهزة المقربة في مقابل غيره. ولكنّه احتمالٌ غير مقرون بالدليل، بل هناك احتمالٌ آخر، وهو أن الرائي كان ممارساً لرؤية الهلال، وماهراً فيه في كلّ شهر، فيرصد مغرب القمر في أواخر الشهور، فلذلك لمّا استهلّ رأى الهلال، دون الآخرين، فلم يكن تمكُّن الرائي أمراً خارجاً عن العادة، ولذلك وجب عليه الإفطار أو الصيام، ولو كان الآخرون في مستواه لصاروا متمكِّنين من الرؤية.

وثانياً: إن الرواية بصدد بيان أمر آخر لا صلة له بموضوع البحث، وهو أنه لما ورد التأكيد في أمر الهلال، والنهي عن الاعتماد على التظنّي، صار ذلك حافزاً لسؤال السائل: إنه إذا رأى واحدٌ، ولم يره الآخرون، فهل يكفي ذلك في حقّه أو لا؟ فأجاب الإمام× بقوله: «إذا لم يشكّ فليصم، وإلاّ فليصم مع الناس». أضِفْ إلى ذلك ما أشرنا إليه، من أن الرائي في الرؤية صار متمكّناً من الرؤية بالعين المجرّدة، فكيف يمكن إلغاء الخصوصية، وإسراء الحكم إلى العين المسلحة بالآلات المقرّبة؟!»([5]).

 

الجواب

أوّلاً: إن تمام الموضوع هو الهلال المرئي عرفاً، وليس الملاك وجود الهلال واقعاً، كما ذكر في الاستدلال. على أن تقييد الرؤية بالعين العادية بلا دليلٍ، ولا يلزم من جعله سبحانه الهلال مواقيت للناس انحصار الرؤية بالعين العادية، بل كون الهلال مواقيت للناس يتعلّق بديدن العرف والناس في الرؤية، ورؤية الأشياء بالأدوات المقرّبة رؤيةٌ في نظر العُرْف.

ثانياً: علّة تقريب الأشياء في الأدوات المقرّبة يكون بوجود العدسة فيها، والمهم العدسة التي توجب وضوح الأشياء أو عظمتها، ولا فرق بين النظّارات والكاميرا والتلسكوبات في هذه العدسة، وصدق الرؤية في نظر العرف.

ثالثاً: مضافاً إلى إنّا لا نسلِّم من مقدّمات الحكمة عدم وجود قدر متيقَّن في مقام التخاطب، بل الصحيح هو أنّ الإطلاق الحكمي يجري في موارد القدر المتيقَّن التخاطبي، فضلاً عن موارد القدر المتيقَّن من الخارج([6])، فلا شكَّ في مصاديق الرؤية حتّى يأخذ بالقدر المتيقَّن منها. والانصراف الوجودي في الرؤية العادية في زمن صدور الخطاب الشرعي والقانوني لا يوجب هذا المصداق متيقّناً، ورفع اليد عن المصاديق الأخرى.

رابعاً: مهارة الرائي في رؤية الهلال انفراداً يمكن بسبب ممارسته في الرؤية، أو قدرة بصره تكويناً أو اكتساباً أيضاً. ولا يفهم من الرواية انحصار تفرُّد الرائي بمصداق الممارسة، ولا دليل في تقييد الخطاب الشرعي بمصداق خاص وواحد في زمن صدور الخطاب. فهو جديرٌ بالتأمُّل.

على أنه لا تنافي بين ظهور الرواية في أن ملاك الصوم والإفطار رؤية متيقّنة، ولا اعتبار في الشكّ، وبين إطلاقها في الرؤية، فلا وجه لاشتراط الإبصار بالرؤية بالعين المتعارفة أو العادية، ولا يلزم من قبول الدلالة الأولى رفع اليد عن الدلالة الثانية في الرواية. وهذا واضحٌ جدّاً.

وأما إلغاء الخصوصية، وسراية الحكم إلى العين المسلّحة بالآلات المقرّبة، فصحيحٌ، مع لفت النظر إلى ديدن العرف في مصاديق الرؤية. ومضى كلام سيدنا الأستاذ بأن الرؤية بالأجهزة المقرِّبة ليست رؤية غالبة ولا متعارفة بين الناس، ولكنّه لا موجب لدعوى الانصراف إلى الأفراد الغالبة أو المتعارفة، وخصوصاً بعد أن كانت الرؤية طريقاً محضاً إلى طلوع الهلال ووجوده في الأفق على شكل هلال. وهذا توجيهٌ صحيح لإلغاء الخصوصية عن الرؤية العادية. وأضِفْ إلى ذلك أن الخطاب الشرعي والقانوني لا يختصّ بمورده ومصداق زمن صدوره.

 

4ـ إيرادات الشيخ شهيدي

وقد ذكر بعض الأساتذة الكرام، من خلال دراسة كفاية رؤية الهلال بالعين المسلحة في مجلس درسه، أربعة إشكالات على رأي سيدنا الأستاذ، كما يلي:

«قد استدل السيد الهاشمي على كفاية رؤية الهلال بالعين المسلحة بصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه×، قال: سألتُه عمَّنْ يرى هلال شهر رمضان وحده، لا يبصره غيره، أله أن يصوم؟ فقال: إذا لم يشكّ فيه فليصم وحده، وإلاّ يصوم مع الناس إذا صاموا([7])، فإن إطلاقها يشمل ما لو رؤي الهلال بالعين المسلحة، فإنّه إذا اكتفي بالرؤية غير المتعارفة فلا يختلف فيها الرؤية بالعين المسلّحة والرؤية بالعين غير المسلّحة.

لكنْ يَرِدُ عليه أوّلاً: إن الموضوع في هذه الصحيحة هو الهلال: «مَنْ يرى الهلال وحده»، فلا تصلح للردّ على مثل السيد الخوئي القائل بعدم صدق الهلال على الذي لا يمكن رؤيته إلاّ بالعين المسلحة، نظير: عنوان الدم، الذي لا يصدق على المقدار الذي لا يُرى إلاّ بالتلسكوب، بل احتمال ذلك كافٍ لعدم إمكان التمسُّك بهذه الصحيحة، حيث يكون من التمسُّك بالعام في الشبهة المصداقية. ومن هنا ورد في الروايات أنه ليس رؤية الهلال أن يقوم عدّةٌ فيقول واحد: قد رأيته، ويقول الآخرون: لم نره، إذا رآه واحد فقد رآه مئة، وإذا رآه مئة فقد رآه ألف([8]). ومفادها أن الهلال أمرٌ واضح. نعم، إذا كان في السماء غَيْمٌ فقد ذكر في هذه الرواية أنه لا يجزي في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين.

كان الكلام في صحيحة عليّ بن جعفر، وأنه يقال: إذا كان رؤية الهلال بالعين غير المتعارفة كافية فلا موجب لحمل رواية: «صوموا للرؤية، وأفطروا للرؤية» على العين المتعارفة، فتشمل الرؤية بالعين المسلحة.

وقد أشكلنا عليه أوّلاً: إن المدَّعى عدم صدق الهلال على ما لم يُرَ بالعين العادية. وهذا صريح كلام السيد الخوئي في مستند العروة. وهذا نظير عدم صدق الدم عرفاً على ما لم يُرَ إلاّ بالعين المسلحة؛ ونظير: عدم صدق الزلزلة على ما لم يحسّه عامّة الناس، فإنه قد أشرب في مفهوم الزلزلة عرفاً زلزلة الأرض، بحيث يحسّ بها الناس بإحساسهم العادي. وقد ذكرنا أنه يشهد لما ذكرنا قوله: إذا رآه واحدٌ فقد رآه خمسون. إلاّ أن يقال بأنه بيان طريقية البينة، وأنه يعتبر كون البينة كاشفةً نوعاً، فإذا لم يَرَ الهلال إلاّ واحدٌ فلا يكون قوله كاشفاً نوعاً. ولكنّ الظاهر أن هذه الرواية تدلّ على أكثر من هذا، وأن الهلال لا يكون شيئاً يراه واحد فقط، فلا بُدَّ من حمل الصحيحة على ما إذا كان في السماء غيمٌ ونحو ذلك.

الإشكال الثاني: الظاهر عدم كون مراد السائل في هذه الرواية الشخص غير المتعارف، وإلاّ لوجب التنبيه عليه. فإنه لو كان السؤال عمّا كان عين إنسان فوق المتعارف فيرى الهلال، ولم يره آخرون مع كونهم من المتعارف، لوجب التصريح به؛ فإن السؤال يختلف عن بيان القضية الحقيقية في كلام الإمام×. فلا أقل من شبهة الانصراف إلى العين المتعارفة، فقوله: «لا يبصره غيره» لا يعني عدم تمكُّن غيره من الإبصار، بل لعل المراد عدم إبصارهم من جهة وجود غيم في السماء أو عدم تجربتهم لرؤية الهلال، وعدم قوّة إبصارهم، فإن الأشخاص وإنْ اختلفوا من حيث قوّة البصر وضعفه لكنّهم كلّهم داخلون في المتعارف.

الإشكال الثالث: على تقدير كون بصر شخص فوق المتعارف، لكنّه لا وجه للتعدّي إلى التلسكوب، فإن إلغاء الخصوصية يحتاج إلى إحراز ذلك، ولا يكفي الشكّ فيه.

الإشكال الرابع: إن هذه الصحيحة مبتلاةٌ بالمعارض، وهو معتبرة معمر بن خلاّد، عن أبي الحسن×، قال: كنتُ جالساً عنده آخر يوم من شعبان، ولم يكن هو صائماً، فأتَوْه بمائدةٍ، فقال: ادْنُ، وكان ذلك بعد العصر، فقلتُ له: جعلت فداك، صمْتُ اليوم، فقال لي: ولِمَ؟ قلتُ: جاء عن أبي عبد الله× في اليوم الذي يشكّ فيه أنه قال: يومٌ وُفِّق له، قال: أليس تدرون إنما ذلك إذا كان لا يعلم أهو من شعبان أم من شهر رمضان، فصام الرجل فكان من شهر رمضان، كان يوماً وُفِّق له، فأما وليس علّة ولا شبهة فلا؟ فقلتُ: أفطر الآن؟ فقال: لا([9])، فإن ظاهرها نفي كون اليوم يوم الشكّ، معلّلاً بأن الناس قد استهلّوا ولم يرَوْا الهلال، فلو كان يكفي قابلية الهلال للرؤية بالعين غير المسلَّحة لما كان وجهٌ لنفي كون اليوم يوم الشكّ، وقد كان المتعارف في زمن الصادق× استهلال الناس؛ لفتوى أبي حنيفة بعدم اعتبار أقلّ من خمسين شاهداً. وعند التعارض يرجع إلى مقتضى القواعد الأولية، مع قطع النظر عن الإشكالات السابقة، ولكنْ عند سقوط صحيحة عليّ بن جعفر بالإشكالات السابقة فيمكن التمسُّك بمعتبرة ابن خلاّد.

بل الصحيح أنه لو وصلت النوبة إلى التعارض بين صحيحة عليّ بن جعفر ومعتبرة ابن خلاّد فلا تكون النسبة بينهما التباين؛ حيث إنه لم يفرض في صحيحة عليّ بن جعفر عدم كون علّة في السماء، فتكون مطلقة من هذه الجهة، فتكون معتبرة ابن خلاّد أخصّ من صحيحة عليّ بن جعفر؛ لافتراض عدم وجود علّة في السماء فيها. فلو لم يكن في السماء علة واستهل الناس، على اختلافهم من حيث قوة البصر وعدمها، فلم يرَوْا الهلال، فقد نفى الإمام× كون اليوم يوم الشكّ»([10]).

 

الجواب

أوّلاً: إنّ تعيين وتحديد موضوع الحكم في المعتبرة بمَنْ يرى الهلال وحده ادّعاء بلا دليل ومصادرة. ومورد السؤال لا يعني أنّه موضوع الحكم دائماً، بل المستظهر أن الموضوع هو الهلال المرئي عرفاً. وكما أنّ الرؤية المجردة طريق إلى تحقُّق الموضوع فالرؤية المسلحة وغير المتعارفة أيضاً طريق إلى حصول الموضوع، ومستنده يرجع إلى ديدن العرف، بما أنّ الرؤية المسلحة رؤية أيضاً، وبإطلاق المعتبرة، كما تقدّم. إن المهم في المقام ـ كما يستظهر من الأدلة ـ انتساب رؤية الهلال إلى الإنسان عرفاً، دون الاعتماد على الحسابات الفلكية والتلسكوبات الراديوية والفضائية. والجدير بالتأمُّل أن الرؤية بالأدوات التي تقرّب الموضوع فقط منتسب إلى الإنسان عرفاً.

فعليه لا شبهة في مصداقية الرؤية المسلحة؛ لأن المرجع هو العرف بما تقدّم. والصحيح أن يقال: الشكّ في قيدٍ زائد، وهو تقييد مفاد الدليل بالرؤية المجرّدة عن الأدوات المقربة، أو تقول: تقييد برؤية زمن صدور النصّ، يعني الشكّ في الانصراف، وهو غير مانعٍ عن التمسُّك بإطلاق المعتبرة.

على أن الروايات المذكورة في الباب في مقام بيان موضوعية العلم أو الاطمئنان العقلائي أو البينة في ثبوت الهلال الشرعي، وعدم اعتبار الرأي والظنّ في المقام.

ثانياً: إنّ الراوي سأل عن الشخص الذي يرى الهلال وحده، ولم يبصره غيره، وبالتحليل لسؤاله مصداقان:

الأوّل: الشخص الذي يرى الهلال مع وجود غيمٍ في السماء. وفي الحقيقة يرجع إلى أنه حادّ البصر، أي إنه ذو قوّة تكوينية في البصر، أو لعدم تجربة رؤية الهلال من الآخرين.

الثاني: الشخص الذي يرى الهلال، بلا فرقٍ بين وجود غيمٍ في السماء أم لا، بما عنده من قوّةٍ اكتسابية من أدوات خاصّة، أو هو ذو قوى جسمية شديدة، ويستطيع الاستقرار في رأس الجبل مثلاً، ويرى الهلال وحده.

هذا، واختصاص سؤال الراوي وحكم الإمام بالمصداق الأول وكيفية البصر، وخروج المصداق الثاني عن موضوع الرواية، خلاف الظاهر جدّاً. وتقييد الدليل بجوّ زمن الصدور من حياة الإنسان المتقدّم، وفترة عدم تنمية الصنائع، يحتاج إلى الدليل الإثباتي والقرائن العقلائية الاطمئنانية. ورفع الإطلاق بالانصراف الوجودي بلا شَكٍّ فاسد.

فإذن مع إطلاق المعتبرة لا يحتاج إلى تصريح وتنبيه الرواية بالمصداق الثاني، حتّى يشمل فرض الرائي بالأدوات غير المتعارفة. والمصداقان من الرؤية لا تنافي بينهما أصلاً.

ثالثاً: رؤية الهلال من شخصٍ واحد لا يختصّ عرفاً بكيفية بصره وقوتها بالنسبة إلى الآخرين، بل يمكن تفرّد الرائي بالأدوات المقرّبة، أو استقراره في الأمكنة المقربة، كما تقدم. وعليه لا يحتاج إلى إلغاء الخصوصية للتعدّي إلى التلسكوب؛ لأنه مع اعتراف العرف بعدم قدح استخدام الأدوات المقربة في صدق الرؤية معها، وإطلاق المعتبرة، فلا خصوصية في التلسكوب ومصداق الرؤية.

رابعاً: معتبرة معمر بن خلاّد ليست في مقام بيان عدم اعتبار الرؤية بالأدوات المقرِّبة، بل المستفاد منها أن المناط في تحقّق الهلال الشرعي هو الرؤية عن العلم أو الاطمئنان، وفي فرض الشكّ والشبهة أو العلة يجب الصوم في يوم الشكّ. فعليه لا مجال للتعارض والتنافي بين الدليلين. وبعبارةٍ أخرى: إن معنى فقرة «فأمّا وليس علة ولا شبهة فلا» إعطاء الملاك في يوم الشكّ، بأنّه في صورة عدم العلة وعدم الشبهة لا يجب الصوم. والظاهر أنّ نفي كون اليوم يوم الشكّ في الرواية هو بسبب عدم العلم أو الاطمئنان أو الحجّة في تحقُّق الهلال الشرعي. واحتمالُ هذا كافٍ في عدم إحراز حال المعصوم في مقام بيان عدم اعتبار رؤية بالأدوات المقرّبة.

 

الهوامش

(*) أستاذٌ وباحثٌ في الحوزة العلميّة.

([1]) ثبوت الشهر برؤية الهلال في بلدٍ آخر، السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت^ 31: 64.

([2]) أسئلة حول رؤية الهلال مع أجوبتها، وفق ما أفاده سماحة السيد السيستاني: 39، مكتب النجف الأشرف.

([3]) قدّمتُ هذه الرسالة للفقيه المحقّق شيخنا الشيخ جعفر السبحاني، وطلبت منه أن ينظر فيها؛ ليذكر رأيه الشريف في مبنى سيدنا الهاشمي. وقد كتب لي رسالةً علمية، رجَّح فيها شرطية الرؤية بالعين المجرّدة، خلافاً لسيدنا الأستاذ.

كتب شيخنا الفقيه المحقّق في مطلع هذه الرسالة: «…فقد أتحفني ولدي الفاضل الروحاني الشيخ علي، نجل العلامة الحجة الشيخ علي أكبر الإلهي الخراساني، برسالةٍ لأحد أساتذته رجَّح فيها كفاية رؤية الهلال بالأجهزة المقرّبة في تحديد أوّل الشهر، فسألني أن أنظر فيها، وأبيِّن مواضع نظري فيها، وها نحن نقدِّم له هذه الرسالة، راجياً من الله سبحانه أن يجعله من العلماء العاملين الذابّين عن شريعة سيد المرسلين».

([4]) وسائل الشيعة 7، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح5. ولاحظ سائر روايات الباب.

([5]) جعفر السبحاني، رسالة «شرطية الرؤية بالعين المجرّدة»: 6 ـ 9.

([6]) لمزيد التوضيح راجع: الهاشمي، بحوث في علم الأصول (تقريراً لدروس السيد محمد باقر الصدر) 7: 494 ـ 499.

([7]) وسائل الشيعة 10: 261، باب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح2.

([8]) انظر: وسائل الشيعة 10: 289، باب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح10.

([9]) وسائل الشيعة 10: 24، باب 5 من أبواب وجوب الصوم، ح12.

([10]) المسائل المستحدثة، رؤية الهلال بالعين المسلحة، دروس الشيخ محمد تقي الشهيدي، الدرس الرابع 8 ـ 8 ـ 1388.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً