أحدث المقالات

المقدمة، ضرورة البحث وأهمّيته

طرح تسارع التحولات العلمية في مختلف مجالات العلوم، ومن جملتها العلوم الطبيعية والإنسانية، الكثير من الأسئلة على العلماء والباحثين في العلوم الإسلامية، وخاصة الفقهاء، ومع تقدّم الزمن ومرور الأيام تضاعف هذه التحولات من حجم الأسئلة ووقعها.

إن mزراعة الأعضاءn أو mإعادة وصل الأعضاءn من المسائل التي طرحت في ظلّ التقدم السريع لعلم الطب، وترافق ذلك مع مجموعة من الأسئلة الفقهية والحقوقية، دعت علماء الفقه والحقوق للبحث فيها والإجابة عنها، فأصبحت المسألة أمراً طبيعياً يجري بشكل عادي في الكثير من البلدان سهلاً ميسّراً، أما بلداننا، فرغم أنّ هذه القضية فيها لم تكن غريبةً بل لها تاريخها المديد نسبياً، إلا أنه حتى الآن لم تنقَّح كل رواياتها الشرعية، ولم تجر بحوث جدية وعميقة في المراكز والحوزات العلمية من مختلف الجوانب فيها.

هذه المقالة خطوة على هذا الطريق؛ لعلّها تؤدي ولو خدمةً متواضعة لهذا الهدف المقدّس، ومن المعلوم حتماً، أن البحث هنا ــ في هذه المقالة ــ ذو جنبة نظرية بحثية، أمّا مقام العمل والتطبيق العملي فالمعيار فيه فتاوى الفقهاء، وخاصة الحاكم الإسلامي وولي الأمر.

تاريخ ظاهرة زراعة الأعضاء أو إعادة وصلها

لهذه المسألة تاريخها الطبي؛ لأن إعادة وصل أعضاء البدن المنفصلة إليه كالأصابع والأذن، وحتى إعادة لحم اليد، قضية مطروحة منذ زمن بعيد، حتى أن حكمها الشرعي قد سئل عنه أميرالمؤمنين %؛ بل هو نفسه أعاد وصل يد أحد السارقين بعد قطعها، لكن، من الطبيعي أنّ ذلك كان نادراً ــ قديماً ــ وكان يتم بطريقة بدائية كما لم يحالفه الحظ في أغلب الأحيان.

في عام 1902م، تمكّن الدكتور mالكسيس كارلn من وصل العروق في البدن، وبذلك لم يكن قد دشّن جراحة العروق وحسب إنما فتح الباب واسعاً أمام زراعة سائر أعضاء البدن، ومن جملتها الكلية، وفي عام 1954م تمّ ــ بنجاح ــ زراعة كلية لتوأم برأسين، وأول زراعة قلب تمّت أيضاً في أفريقيا الجنوبية عام 1968م على يد البروفسور mبارناردn([1]).

في الفقه، طرحت المسألة من قبل بعض الفقهاء الأوائل، بحيث يستوحى من ذلك أنّها كانت مورد بحث ونظر في صدر الإسلام، إلا أن عدم تطوّر علم الطب جعلها لا تثار على نطاق واسع، فلم نجد لها دراسات موسّعة ومعمّقة، ومع ذلك، ينقل الشيخ الطوسي (460هـ) رأيَ الإمام الشافعي فيما يتعلق بالمسألة كما يلي: mإذا قطعت أذنه (الجاني)، فإن أخذ الجاني أذنه فألصقها فالتصقت، كان للمجني عليه أن يطالب بقطعها وإبانتها، وقال الشافعي: ليس له ذلك، لكن وجب على الحاكم أن يجبره على قطعها؛ لأنه..n([2])، وهنا يقوم الطوسي بمناقشته وردّه، مستنداً إلى الإجماع([3]).

ولسنا هنا بصدد إثبات سقم أو صحّة رأي الشافعي أو الطوسي، إنما الهدف من ذلك الإشارة إلى أنّ هذا الموضوع كان مثاراً عصر الشافعي وهو عصر هارون الرشيد، كما أن المحقق الحلي في mشرائع الإسلامn والنجفي في mجواهر الكلامn، طرحا مسألةً أخرى بهذا الشكل: mلو قطعت أذن إنسان فألصقها المجني عليه بالدم الحار، لم يسقط بذلك القصاص، بلا خلافٍ أجده إلا من الإسكافي؛ لوجود المقتضي (للقصاص) الذي لا دليل على عدم اقتضائه بالإلصاق الطارئn، فحقّ المطالبة بالقصاص باقٍ على قوته؛ لأنّ علّة العقاب والقصاص وقوع الجرم، والإلصاق اللاحق ليس موجباً لحقّ القصاص.

وأكثر من ذلك كله، هناك رواية متعلّقة بقضاء أميرالمؤمنين % في قضية من هذا القبيل، وهي تشير الى هذا الموضوع في صدر الإسلام، وهي: الصادق % عن أبيه الباقر %: <إن رجلاً قطع من بعض أذن رجل شيئاً، فرفع ذلك إلى علي %، فأقاده، فأخذ الآخر ما قطع من أذنه فردّه على أذنه بدمه، فالتحمت وبرئت، فعاد الآخر إلى علي %، فاستقاده، فأمر بها، فقطعت ثانيةً، وأمر بها فدفنت، وقال %: إنما يكون القصاص من أجل الشَّينn([4]).

وشاهدنا في الرواية أن إعادة الأعضاء ولحمها في البدن كان أمراً موجوداً في صدر الإسلام، حتى أنها كانت في بعض الأحيان توجب المرافعة عند أميرالمؤمنين%.

وينقل زرارة أيضاً حديثاً عن الإمام الصادق % قال: سأله أبي وأنا حاضر عن الرجل يسقط سنّه، فيأخذ سنّ إنسان ميت فيجعله مكانه، قال %: <لا بأسn([5])، ومعنى ذلك أنه لا مانع من زراعة سنّ ميّت في فم إنسان حي، وعلى أية حال، يمكن أن نستنتج من هذه الروايات أن زرع الأعضاء في الماضي يمتدّ في تاريخه إلى صدر الإسلام.

علاقة الزرع بتشريح الجسد

لا يخفى على أحد تفرّع زرع عضو من الأعضاء، كالقلب والرئة والكلية والبنكرياس والكبد و.. في بدن إنسان آخر، على قطع ذلك العضو من بدن الإنسان، سواء بإرادته أم لا، فقبل تحليل مسألة الزرع ينبغي أن يكون واضحاً حكم تشريح العضو وقطعه، بلحاظ الحكم التكليفي والوضعي؛ لتصل النوبة بعد ذلك إلى البحث في إعادة زرع العضو.

وقد درسنا هذا الموضوع مفصّلاً في مقال: mتشريح الجسد في الإسلامn([6])، وأثبتنا هناك جواز ذلك، لذا نصرف النظر هنا عنه.

تشخيص الموضوع وتحديد نقاط البحث

تطرح في قضية زرع الأعضاء مسائل عديدة، لكننا نتعرّض هنا إلى أهمّها، وهي: 1 ــ إعادة ما قطع من يد السارق ــ بحدّ السرقة ــ إلى مكانه. 2 ــ وصل العضو المقطوع بالقصاص في بدن المقتصّ منه أو غيره. 3 ــ إعادة زرع العضو المفصول عن بدن المبتلى بموت الدماغ أو القلب والتنفس في بدن آخر. 4 ــ بيع وشراء أعضاء البدن لزرعها في بدن آخر. 5 ــ الوصية بقطع عضو من البدن وزرعه في بدن إنسان آخر. 6 ــ فروع المسألة.

1 ــ إعادة ما قطع من يد السارق بحدّ السرقة إلى مكانه

ونبحث الموضوع من جهتين:

أ ــ بمن يتعلّق العضو المقطوع؟ بالله تعالى ــ لكونه نتيجة تطبيق الحدّ الإلهي ــ أم بالسارق؟ وفي حال تعلّقه بالسارق هل هو مالكٌ له أم له ــ صرفاً ــ حقّ الاختصاص؟

الظاهر أن العضو المقطوع يرجع إلى السارق، أي صاحبه؛ لأنّ اليد المقطوعة بسبب السرقة من البدن مرتبطة ــ في عرف العقلاء ــ بالسارق نفسه، ونظر العرف هو المتّبع في الحقوق والأموال.

أما هل يملكها السارق، يظهر أيضاً أنه ليس مالكاً لها؛ لأمرين:

الأول: إن حرية الإنسان ليست ملكاً لأحد ــ لا له ولا للآخرين ــ فالعضو المقطوع لن يكون بالضرورة ملكاً لأحد، وطبقاً لذلك، فلو أن عبداً عرض أصابعه ــ بعد قطعها ــ للبيع بعوض مالي، فإنّ هذا المال لمولاه قطعاً، أما عندما يكون الإنسان حراً، فلا هو مالك نفسه ولا غيره يملكها، فالأعضاء المقطوعة من بدنه لها حكم كلّ البدن قهراً وليست ملكاً لأحد.

الثاني: يعتبر العضو المقطوع من بدن الحي من الميتة، والميت ليس ملكاً لأحد، فبيعه ــ حتى لو كان من حيوان مأكول اللحم ــ حرام، وقيمته سحت، كما جاء في الروايات([7])، وعليه فالعضو المقطوع متعلّقٌ قبل قطعه بصاحبه، وبعده لا مانع من التخلّي عنه وتركه بصورة مصالحة عليه أو رفع اليد عن حقّ الاختصاص ولو مقابل عوض مالي، بعبارة أخرى: حيث لم يكن مالاً فلا يمكن بيعه، لكنه يستطيع أن يأخذ عوضاً مالياً مقابل رفع اليد وصرف النظر عن حقه فيه؛ ليصبح ذلك العضو من المباحات لا صاحب له؛ فيضع دافع المال يده عليه.

ب ــ ما حكم إعادة وصل العضو ــ المقطوع من يد السارق ــ بنظر الشرع؟

هناك من قال بالمنع، وآخرون بالجواز، وبغية الوصول إلى الجواب المناسب، نقوم بدراسة أدلَّة القولين.

أدلة القائلين بمنع الإعادة

استند القائلون بالمنع ــ في المجموع ــ إلى الأدلة التالية:

1 ــ إنّ تجويز ذلك تلاعب بالشرع، وهو أمر غير صحيح.

2 ــ العضو المقطوع حقّ لله تعالى بالتمام، ولا حقّ لصاحبه فيه بتاتاً.

3 ــ لقد قطع العضو للجرم والاعتداء، فينبغي بقاؤه منفصلاً عن البدن.

4 ــ إن إعادة اليد المقطوعة بحدّ السرقة هدمٌ للأثر، وتعطيل للحد، والحال أن الشارع يريد أن تكون تلك اليد في رقبة السارق عبرةً للآخرين.

5 ــ إن إعادة العضو إنقاص للجزاء والنكال الذي جاء في الآية الشريفة.

6 ــ إن العضو المقتطعة من بدن شخص بحكم الميتة نجسةٌ، ولأن إعادتها ــ وكونها نجسة ــ مبطلة للصلاة، فالحاكم الشرعي يمنع ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر([8]).

مناقشة الأدلة والتعليق عليها

أ ــ أمّا الدليل الأول، والذي يعتبر أن إعادة وصل العضو مكانه لعب بأحكام الشريعة، فلو كان المقصود عدم إجراء الأحكام، فالحكم هنا قد تم إجراؤه وطبِّق، أما لو كان المقصود عدم التأدُّب ورعاية الاحترام واللياقة بحقّ الأحكام، فهذا الأمر صرف استحسان وليس من الدليل بشيء.

ب ــ وأما الدليل الثاني، فهو أيضاً من هذه الجهة غير صحيح:

أولاً: لأن أساس البحث هنا في ثبوت الحق له أو لا، ولو سلَّمنا أن لا حقّ له فالدليل يصبح عين المدعى.

ثانياً: ثمّة علاقة ــ وجداناً ــ بين mصاحب العضوn وmالعضو المقطوعn، كما العلاقة بين سائر أعضاء البدن.

ثالثاً: إنّ الحاكم هنا هو أصالة استصحاب العلاقة قبل القطع.

رابعاً: ليس الكلام بمن يتعلّق العضو المقطوع، بل في جواز إعادته أم لا.

ج ــ أمّا الدليل الثالث، فهو ــ أيضاً ــ غير مقبول؛ لأن المجرم الواقعي هو الإنسان، وبقطع العضو من بدنه يكون قد ذاق طعم جريمته، فلماذا لا يمكن بعد ذلك إعادة وصل ما قطع منه طالما أنه قد ذاق العقاب؟

د ــ أما الدليل الرابع، فيجاب عنه بأنّ كون يد السارق في رقبته ليس واجباً، كما أنّ محلّ الكلام في جواز ردّ اليد إليه مجدّداً لا في عدم تمامية الحدّ؛ لأنّ الحد قد طبّق بالتمام والكمال.

هـ ــ أما الدليل الخامس، فيجاب عنه بأنّ النكال عقوبة، وهو عبرة وموعظة للآخرين بقطع اليد([9])، وقد تحقق وأصبح عبرةً لغيره، ولا دليل في البين على أن يكون الاعتبار والاتعاظ دائمياً؛ إذ نرى في العالم الكثير من الحوادث تقع عبرةً للحظة، وبعد ذلك تنقل وتبقى واقعةً تاريخية للاعتبار.

و ــ أما الدليل السادس، فهو ضعيف جداً ولا أساس له؛ لأنّ العضو بعد وصله ليس بحكم الميتة، ومن ثمّ لن يكون حمله موجباً لبطلان الصلاة([10])، وعلى فرض بقاء النجاسة، فالضرر من إزالته يُسقط وجوبها، بل قيل: إن ذلك كالمحمول النجس؛ وبعض الفقهاء ــ كصاحب الجواهر ــ لا يعتبر النجس المحمول مبطلاً للصلاة، فهذا الدليل ــ مع استناد الكثير من الفقهاء إليه ــ ليس قوياً.

وحاصل الكلام: إنه لا دليل معتبر ومتقن على نظرية المنع، وعليه؛ لا مانع من إعادة وصل يد السارق المقطوعة؛ لأن العقوبة والنكال قد تمّا بنفس عملية القطع، وبذلك تكون الآية الكريمة: >جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله< (المائدة : 38)، قد تحقّقت وطبّق مضمونها، إضافةً إلى أنه قد امتثل الأمر بـm قطع يد السارقn بوصفه عقاباً وجزاءً على السرقة، فيسقط التكليف بذلك؛ فوصل اليد المقطوعة فيما بعد لا علاقة له بإجراء الحد الشرعي؛ إذ ثبت في علم الأصول أن الأمر لا يدلّ لا على المرّة ولا على التكرار، بل المراد منه القيام بالعمل فقط، وامتثاله يتحقّق بتحقق الفرد الأول منه؛ وعليه فإعادة وصل العضو في مكانه السابق ليس فيه أيّ نوع من المخالفة أو التضاد مع إجراء الأحكام الشرعية، وليس موجباً لعدم تمامية إجراء ذلك الحدّ أيضاً.

أدلّة القائلين بجوازالإعادة

مع بطلان أدلة المنع، يقول أنصار الجواز: بما أنه لم يبق دليل في البين على المنع، فهذا الموضوع كسائر الموضوعات التي لا دليل على حرمتها، يكون مشمولاً لقاعدة أصالة الإباحة؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة والحلية لا الحرمة، بدليل: mكلّ شيء حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعهn([11]) أو >هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً<n (البقرة: 29), وأمثال ذلك، فكلّ شيء على الحلية إلا إذا وصلنا دليل خاص على المنع والحرمة، وموضع زرع الأعضاء أيضاً من الموضوعات التي لم يصل دليل خاص على منعها؛ بل يستفاد من الروايات جوازها في غير السرقة، كرواية زرارة عن الإمام الصادق % التي أجازت زرع أسنان الميت في الحي([12])، ومن الطبيعي أن الرواية جاءت في خصوص الأسنان، لكن يمكن أن يستفاد منها جواز الزرع في بقية الأعضاء، كما ينقل أيضاً أنّ أمير المؤمنين % قد أعاد وصل يد أحدهم قطعت بالسرقة واسمه أسود، والتأم ذلك العضو مكانه، وهذا الشخص كان من محبّي وشيعة أميرالمؤمنين %، وقد شارك في ركابه في المعارك حتى استشهد في معركة النهروان([13]).

بناءً عليه، لا مانع من إعادة يد السارق المقطوعة ووصلها في عضده، وما قام به أميرالمؤمنين % أوضح دليل على ذلك، ودليل حرمة الانتفاع بالميتة مختصّ ــ بلحاظ الانصراف والارتكاز العقلائي ــ بالأكل، ولا يشمل سائر الانتفاعات، وعليه لو كانت هناك منفعة محللة للميتة يجوز الاستفادة منها وبيعها وشراؤها، فيمكن لقاضي المحكمة أن يضع العضو المقطوع بتصرّف السارق، وله الخيار في أن يعيد وصله، ولا مانع في ذلك.

2 ــ وصل العضو المقطوع بالقصاص في بدن المقتصّ منه أو غيره

البحث في هذه المسألة من جهتين:

الأولى: في ملكية العضو المقطوع، فلمن يرجع هذا العضو؟

الثانية: هل أنّ زرع العضو المقطوع بالقصاص في بدن المقتصّ منه أو غيره جائزٌ أم لا؟

القسم الأول من البحث هنا مطابق للبحث السابق المتعلّق بالعضو المقطوع بحدّ السرقة مع بعض الاختلاف، حيث احتمل بعضهم أن هذا العضو غير متعلق لا بالمقتص منه ولا بالله تعالى، وإنما بالمجني عليه، لكن نفس الأدلة التي سبقت في باب السرقة تثبت هنا أيضاً أن العضو المقطوع متعلّق بالمقتص منه؛ لناحية أن له حقّ الاختصاص، وأنّ تعبير الملك مسامحة، لذلك فللمقتص منه صرف نظره عن حقّ الاختصاص الذي له، بعوضٍ أو دونه، فيضع الآخر يده عليه.

أما القسم الثاني من المسألة، فإضافة إلى ما طرح سابقاً في السرقة، ثمة أدلّة أخرى هنا في باب القصاص تدلّ على عدم جواز إعادة زرع العضو، ومن الممكن ــ خلافاً لما تمّ إثباته في باب السرقة ــ تقوية البعض للقول بعدم الجواز.

على أي حال، هناك قولان رئيسيان في البحث: الجواز مطلقاً والمنع مطلقاً، وقد استفيدت أقوال أخرى من فتاوى الفقهاء من قبيل: الزرع مشروط بإجازة المجني عليه، أو العضو المقطوع قد خرج عن حيِّز الانتفاع ويجب دفنه، أو تعلّق الأمر بارتكاب الجرم، فلو أن الجاني عندما قطع العضو أتلفه، أو أن المجني عليه لم يعد وصل ما قطع، ليس للمقتصّ منه بعد القصاص ــ ومن باب المماثلة والتساوي في الاعتداء ــ إعادة وصل ما قُطع منه.

ومن بين مجموعة الأقوال هناك قولين لهما أهمية خاصة: القول بالمنع مطلقاً والقول بالجواز مطلقاً،ونقوم بدراسة أدلة كلٍّ منهما:

أدلة القول بجواز إعادة الوصل

1 ــ لم يرد منع عن هذا العمل، أما كونه ميتةً فما ورد في حرمتها هو الأكل، لا إعادة الزرع.

2 ــ لا يبق حقّ للمجني عليه بعد إجراء القصاص، وإعادة وصل العضو أمر خارج عن القصاص.

3 ــ إن ما يثبت بعد الجرم هو القصاص وقطع العضو، وبعد ذلك لا شيء آخر بحقّ المقتص منه غير إجراء أصالة الإباحة والبراءة؛ لذلك فإن إعادة العضو مصداق للأصالة المذكورة.

4 ــ فيما يرجع إلى العضو المقطوع، للمقتصّ منه حق الأولوية، بل حقّ الملكية ــ حسب ما يرى بعضهم ــ وهذا الحق يخوّله إعادة العضو مجدداً. ويستفاد هذا الأمر من ملاك القانون الجزائي الإسلامي.

وعليه لا مانع ــ بناءً للأدلة المذكورة ــ من إعادة زرع العضو في مكانه.

أدلة القائلين بمنع الوصل

يعتقد أنصار هذه النظرية أن إعادة العضو إلى المقتصّ منه ــ صاحب العضو ــ يتنافى مع فلسفة وحكمة القطع والقصاص، وأن رواية إسحاق بن عمار اعتبرت ــ صراحةً ــ أن فلسفة الاقتصاص اعتبار الآخرين والموعظة للمقتصّ منه، وأدلّة هذا الفريق كالتالي:

1 ــ إنّ الشارع المقدّس قد أمر بقطع العضو للحفاظ على الدماء تحت عنوان القصاص؛ فبالأولى ليس من الجائز إعادة زرع العضو مكانه من جديد.

2 ــ إن إعادة زرع العضو تغاضٍ عن التساوي في العقاب والسوء، والحال أن الروايات اعتبرت أن قطع اليد مساواة بين المجني عليه والجاني، وقد جاء في رواية الإمام الصادق السابقة ما يشير إلى هذا الأمر: <الرجل الذي اقتصّ منه تقطع أذنه مرّةً أخرى>([14]).

3 ــ ادّعى الشيخ الطوسي في كتاب mالخلافn والفاضل المقداد في mالتنقيحn الإجماع على عدم جواز إعادة وصل العضو؛ ولو تمّ وصله يجب قطعه من جديد؛ لكن هناك خلاف في دليل وجوب القطع الثاني، هل هو لجهة التساوي في العيب أم لجهة كون العضو ميتة؟([15]).

4 ــ إذا كانت إعادة الوصل مجازةً يصبح هذا العمل ــ بشكل عام ــ موجباً لتجرؤ السارقين والمعتدين، ويؤول وضعهم في نهاية الأمر إلى جناة، وهذا يتنافى مع فلسفة القصاص، إضافةً إلى أن إعادة العضو سيؤدي إلى تزايد المشاكل وتجييش العواطف والمشاعر، وفي النهاية يكون موجباً لمفاسد اجتماعية؛ لأنه كلما وقعت عين المجني عليه على الجاني ورأى أعضاءه سالمةً وعضوه مقطوعاً، سيشعر بالمرارة والأسى، وستثور ضغينته وحقده عليه، ومن الممكن أن يقوم بعمل مشين تجاهه؛ لذلك، ومن أجل الحدّ من إثارة الضغائن والعداوات والمفاسد الاجتماعية المترتبة على ذلك، ينبغي عدم إعادة وصل العضو لدى صاحبه.

5 ــ إنّ الوصل مجدداً سيؤدي إلى ضياع الجزاء على عمل الجاني، وكذلك عدم التساوي في باب القصاص، وحكم الآية الشريفة: >فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ<([16]).

6 ــ إنّ النبي 2 قد أمر ــ بعد قطع اليد ــ بكيّ موضع العضو المقطوع، ووجه الاستدلال أنّه 2 كان في مقام البيان، فبعد قطع يد الجاني أمر فقط بكيّ الموضع، ولو أن هناك شيئاً آخر جائزاً، مثل إعادة اليد إلى مكانها، لكان 2 ذكره، ولأن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر، فالكيّ هو المستفاد فقط.

أدلّة المنع عن إعادة الوصل، نقد وتحليل

عند التأمل في الأدلّة الستَّة المذكورة، يتبين أن كلاً منها قابلٌ للجواب والخدش؛ ذلك:

أ ــ الدليل السادس قاصر؛ من جهة أن النبي 2 ليس في مقام بيان كلّ ما له علاقة بمسألة العضو المقطوع، بل هو في مقام حفظ الدماء والحدّ من النزف، ولأنه لم يكن آنذاك من وسيلة غير الكي لمنع نزف الدماء، لذا أمر 2 بذلك؛ كي لا يهلك الشخص.

ب ــ الدليل الخامس غير مقبول أيضاً؛ لأن ما جاء في باب الحدّ والقصاص هو النكال والعقوبة والعبرة للآخرين، وهذه الجهة حاصلة بنفس إجراء العقوبة، ولا دليل لدينا على العبرة الدائمة ــ كون الناس دائماً في حال اعتبار ــ إضافة إلى أنه بإجراء حكم القصاص قد حصلت المثالية ــ التساوي في النكال والشين ــ ولا ضرر من إعادة الوصل المجدّد؛ لأنه لا دليل لنا على المماثلة الدائمة أيضاً، إنما الموجود من أدلة هو المماثلة في القصاص.

ج ــ الدليل الرابع أقرب إلى الاستحسان منه إلى الدليل، فلا دليل عندنا ولا يمكن لنا أن نحرّم ونمنع كل ما يؤدي إلى تحريك المشاعر والعداوة بين الناس، بل المقدار المطلوب هو إنذارهم وتحذيرهم من استعداء بعضهم البعض.

د ــ والدليل الثالث لا واقع له مع وجود المخالفين؛ فلا إجماع محصّل في البين، والإجماع المنقول ليس بحجة؛ إضافة إلى أن هناك احتمالاً يقرب من اليقين في مدركيّة هذا الإجماع، وأن مستند المجمعين هو رواية عمّار عن الإمام الصادق %، فيلزم حينها أن تكون الرواية هي مورد الاستدلال لا الإجماع.

هـ ــ والدليل الأول هو الآخر صرف استحسان، فلا دليل في البين على عدم جواز الوصل المجدّد للعضو؛ لأنّ ما جاء عن الشارع الأقدس هو الأمر بالقصاص والقطع، وهذا يحصل بشكل تام، وإعادة الزرع عملٌ منفصل كلياً عن القصاص ولا مانع منه.

وعليه، يبقى الدليل الثاني فقط هو الذي يمكن الاعتماد عليه، وأغلب الذين أفتوا بالمنع قد استندوا عليه، وهو رواية ابن عمار التي طرحت موضوع المساواة في الشين بينهما ــ الجاني والمجني عليه ــ وعلى هذا الأساس أمر أميرالمؤمنين % ــ كما في الرواية ــ بإعادة قطع الأذن مجدّداً ودفنها في التراب، لكن من الضروري التأمل في سندها، وإن كانت مقبولةً دلالةً، إذ يوجد خلاف بين الفقهاء فيه، فصاحب الجواهر عبّر عنها بـmالحسنة والموثّقةn([17])، والسيد الخوئي عدّها من الروايات المعتبرة([18])، أما الإمام الخميني فقد ضعّفها([19]).

ويمكن الاستناد إليها لو كان سندها معتبراً، أو أن عمل الأصحاب كان جابراً لضعفها لو كانت ضعيفة السند، فهذه الرواية نقلت بطريقين: الأول سند الشيخ الطوسي في التهذيب. والثاني رواية الشيخ الصدوق في المقنع، حيث اعتبرها مرسلةً، أما سند الطوسي فهو: mمحمد بن الحسن الطوسي، بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمار، عن الإمام الصادق %، عن الإمام الباقر %n.

والتأمل في هذا السند يوصلنا إلى نتيجتين:

1 ــ لم يصرّح أحد بوثاقة غياث بن كلوب، والشيخ في كتاب العدة قال: إنّ الإمامية عملوا بأخباره عند عدم المعارض، وهذا التعبير نفسه يُفهم منه ــ بنحوٍ ما ــ عدم الوثوق به، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في mلسان الميزانn، عندما نقل رواية غياث بن كلوب عن مطرف بن سمرة: إنّ الدارقطني ضعَّفه، وقال: هو ينقل عن مطرف بن سمرة؛ وفي نظر البيهقي غياث بن كلوب رجلٌ غير معروف.

2 ــ يقول الشيخ الطوسي في الفهرست: mللحسن بن موسى بن الخشاب كتاب ينقله عدّة من أصحابنا، عن أبي المفضّل، عن أبي بطّة، عن محمد بن محمد بن الحسن الصفارn([20]).

ويعلِّق السيد الخوئي على السند فيقول: mطريق الشيخ ضعيف بالنقل عن أبي مفضَّل وابن بطةn، ومع ذلك فسند الشيخ إلى الخشاب ليس صحيحاً، وبناءً على البيان، لا يُعتمد على الرواية طبق سند الشيخ إلا إذا صُحِّح من طريق آخر، كأن يقال مثلاً: يمكن الاعتماد على الرواية على الرغم من وجود الخشاب فيها، لوجود عالم كبير كـمحمد بن الحسن الصفّار ينقل عنه.

ولعلَّه يوجد راوٍ آخر مكانه أيضاً غير الخشاب، بحيث يتمّ تصحيح الرواية والأخذ بها عن هذا الطريق، لكنه نُقل أن احتمال قوة الرواية عن هذا الطريق أيضاً ضعيف([21])، وفي النهاية لا يمكن الاستدلال بها.

وحاصل الكلام، إنه لو كان هناك من يقول بالاستدلال بالرواية وأنها معتبرة، لأمكن اعتبار ذلك دليلاً على منع وصل العضو المقطوع مجدداً في القصاص، وإلا فالحكم بالجواز أقوى، ولذلك قال الإمام الخميني بجواز إعادة لصق العضو مكانه، بسبب ضعف الرواية([22])، وكذلك حكم المقنّن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المادة 73 من قانون العقوبات الإسلامي في باب القصاص الذي يستند أساساً في أحكامه إلى فتاوى الإمام الخميني، فقال: mعندما يتسبّب أحد في قطع شيء من أذن شخص آخر، وقام المجني عليه بإعادة وصل ما قطع، فلا يسقط القصاص؛ وكذا لو أن الجاني بعد قطع المقدار المساوي من أذنه بالقصاص قام بوصل ما قطع منه، فلا يحقّ لأحد أن يقوم بقطعها مرةً أخرى بغية تثبيت أثر القصاصn.

ويلاحظ أن عبارات هذه المادة من القانون ترجمة مطابقة لعبارات تحرير الوسيلة للخميني.

وخلاصة الكلام: لا دليل معتبر لدينا، يمنع إعادة وصل العضو المقطوع في بدن المقتص منه، وعليه فالقول بالجواز أقوى في حالات منها: إذا أتلف الجاني العضو أثناء جنايته، أو أنه قد أخرجه عن حيز الانتفاع، أو أوجد ما يمنع من إعادته ووصله في بدن المجني عليه؛ في هذه الصور، يمكن أن يمنع من إعادة وصل عضو المقتصّ منه إلى بدنه، إذ هو مصداق للاعتداء بالمثل، أما صرف القطع دون التسبب بآثار أخرى، فليس للمجني عليه أو الحاكم أن يمنع الجاني منه لربط العضو المفصول منه بالقصاص، فعندما تكون إعادة وصل العضو جائزةً في بدن المقتصّ منه، يكون الأمر كذلك ــ بطريق أولى ــ في بدن إنسان آخر؛ لأن أدلة المنع مرتبطة جميعاً بالمقتصّ منه، ولا ربط لها بالموارد الأخرى.

3 ــ إعادة زرع العضو المفصول من بدن المبتلى بالموت الدماغي أو القلبي في بدن إنسان آخر

هل يمكن قطع عضو من شخص مبتلى بموت دماغي أو توقّف قلبي وتنفسي([23]) وإعادة زرع العضو في بدن آخر؛ لإبقاء الأخير على قيد الحياة؟

في الواقع هنا أمران:

الأول: مسألة جواز أو عدم جواز اقتطاع العضو من المريض المشرف على الموت.

الثاني: جواز أو عدم جواز إعادة زرع العضو المذكور في بدن آخر.

والمسألة الأولى مرتبطة ببحث التشريح، فإذا كانت حياة مسلم متوقّفةً على زرع ذلك العضو، ولا يمكن الإتيان بالعضو من بدن غير المسلم، فلا مانع من أخذ العضو من بدن المبتلى بالموت الدماغي أو القلبي([24]).

أما في المسألة الثانية، فلا مشكلة أيضاً على ما يظهر، إلا أن بعضهم قال: إنّ العضو المزروع بعد التئامه يعدّ من الميتة، وهو مبطل للصلاة، لكنّنا فيما سبق قلنا: إنّ العضو بعد التئامه وجريان الدم فيه يصبح حياً، ويصير حكمه حكم سائر الأعضاء الحية للإنسان، وتكون القضية سالبة بانتفاء الموضوع، فلم يعد هناك ميتة حتى نرتب عليها أحكامها من النجاسة وبطلان الصلاة.

4 ــ بيع وشراء الأعضاء لزرعها في بدن ثان

توجد آراء مختلفة هنا، فيجوز ذلك ضمن الشروط التالية:

أولاً: عدم توفره من غير المسلمين.

ثانياً: أن لا يتسبّب قطع العضو بضرر معتدّ به على صاحبه.

ثالثاً: بإعطاء العضو يرفع اليد عن حقّ الاختصاص ــ مقابل عوض مالي ــ وصرف النظر عنه، بمعنى أن الإنسان ليس مالكاً لما يقطع منه من أعضاء، حتى يبيعه؛ لأنه لا بيع إلا في ملك، لكن له حق الاختصاص فيه، ويمكن له ــ مقابل رفع يده عنه ــ أخذ مقابل مالي، أو إهداؤه مقابل عوض أيضاً.

والنتيجة، أنه في حالة عدم الضرر لا مانع من أخذ العضو من البدن حيث لا طريق غيره لنجاة مسلم آخر، وكذا لا مانع من إعطائه بعوض مالي، وإن كان هناك إشكال في البيع والشراء؛ لأن الإنسان لا يملك أعضاءه حتى يبيعها، أما المصالحة عليه ورفع اليد عنه ــ أي حق الاختصاص ــ بعوض، فلا مانع منه.

5 ــ الوصية بقطع عضو من الميت وزرعه في بدن إنسان آخر

مع أنه لا يجوز ــ تكليفاً ــ قطع شيء من أعضاء ميّت المسلمين، ولو حدث ذلك فإنه موجب لضمان الدية وضعاً، لكن مع توقف حياة المسلم على الوصية ببيع العضو أو إهدائه، فإن الفقهاء يعتبرون أن الوصية بهذا القصد لا توجب هتك حرمة الميت، فيجيزون ذلك؛ لأنه لا حرمة للميت في هذه الحالة حتى تنتهك، ويقولون: عند تزاحم حفظ نفس مسلم، مع mعدم جواز قطع عضو من ميتn، تقدّم حياة المسلم عليه، وهذا التقدم مجوّز للقطع؛ لذلك لو أنّ شخصاً أوصى بأخذ عضو منه بعد موته ــ كالكلية وغيرها ــ لشخص آخر، سواء بعوض أو لا، فهذه الوصية نافذة، وتوجب رفع الضمان والدية.

ومن الطبيعي أنّ الأفضل في الوصية بالعضو أن يكون مجاناً أو إهداءً، دون عوض، فهذا يتناسب أكثر مع المبادئ الإنسانية، بشرط أن يكون العمل بالوصية منوطاً بالاضطرار وعدم توفر العضو إلا عن طريق المسلم، وإلا فهو أمر غير جائز، وعليه الدية.

6 ــ فروع فقهية في المسألة

ليصبح البحث مكتملاً، نعرض هنا جملةً من الأسئلة والأجوبة، تعدّ فروعاً:

السؤال الأول: بما أنه في حالة عدم الوصية من الميت بذلك، تترتب الدية عليه لو قطع منه شيء، وإن كان لا دية حال الضرورة وتوقف حفظ حياة المسلم عليها؛ يطرح السؤال: على فرض لزوم الدية فلمن ترجع، للميت أم للورثة؟

والجواب: الدية متعلّقة بالميت وتصرف في أداء ديونه أو الحجّ له أو في وجوه الخير نيابةً عنه.

السؤال الثاني: في حال لزوم الدية، من المتكفل بدفعها؟ الطبيب الذي قام بعملية الجراحة وفصل العضو عن البدن؟ أم الذي استفاد منه في الزرع أم تتبع طبيعة الاتفاق بين الطرفين؟

الجواب: في المرحلة الأولى الدية على عاتق الطبيب الذي استخرج العضو، لكن يمكنه ــ بالاتفاق مع المريض ــ أن يجعلها في عهدته.

السؤال الثالث: في حالة استخراج العضو من الميت ــ بوصية أو بدونها ــ وأعطي بعوض، بمن يتعلّق المال المقبوض عوضاً؟ بالميت أم الورثة؟

الجواب: الوجه المالي المقبوض يرجع إلى الميت ويصرف في سبيله، من أداء دين أو حج أو غيره.

السؤال الرابع: هل للمحكوم بالإعدام بيع أعضاء بدنه أو إهدائها أو الوصية بها؟

الجواب: هذا الشخص وإن بقي القليل من حياته ظاهراً، لكن لا يميزه ذلك، حتى يفترق عن سائر أفراد المجتمع بلحاظ الحكم بجواز إهداء العضو، بل هو أيضاً مثل بقية الناس عند توفر تمام الشروط ــ من قبيل عدم وجود ضرر عليه، وحاجة المسلم له لإبقائه حياً، فتكون حياته متوقفةً على زرع العضو ــ يمكن له في حياته إهداء العضو أو الوصية به بعد موته.

السؤال الخامس: هل للورثة الحقّ في التصرُّف بشيء من أعضاء الميت ــ سواء بعوض أو بدونه ــ أو لا؟ ولو أوصى الميت بإهداء العضو لغيره، فهل لهم منع ذلك؟

الجواب: في الأصل، ليس للورثة أيّ حقّ بالنسبة لأعضاء الميت، فلو توفرت شروط استئصال العضو منه، كان جائزاً وإن لم يقبل الورثة، وأما حالة عدم توفر الشروط الموضوعية لذلك، فإنّ قطع شيء من بدن الميت حرام، وإجازة الورثة أو عدمها لا تقدّم ولا تؤخر شيئاً.

خلاصة واستنتاجات

يستخلص من مجموع المباحث المتقدّمة ما يلي:

1 ــ يد السارق بعد قطعها متعلّقة به، وله أولوية التصرّف بها لحقّ الاختصاص المجعول له.

2 ــ لا مانع من إعادة يد السارق وربطها في موضعها بعد قطعها بالحدّ.

3 ــ بما أنّ كل عملية قطع للأعضاء تسبقها عملية تشريح للبدن، فلا مانع من ذلك عند الضرورة للحفاظ على حياة المسلم.

4 ــ إعادة وصل العضو المقطوع بالقصاص في بدن المقتصّ منه جائز.

5 ــ بما أن للسارق وللمقتص منه وأيّ فرد آخر حقّ الاختصاص بالعضو المقطوع، فلهم إعطاؤه للغير بعوض مالي أو مجاناً، وإن كانت المجانية أفضل.

6 ــ لا ينبغي إعطاء العضو وتركه للغير عن طريق البيع والشراء؛ لأن صاحبه ليس مالكاً له، أو لأن أعضاء الإنسان الحرّ ــ دون العبد ــ ليست قابلةً للتملك، أو لكون العضو المقطوع من الميتة.

7 ــ لا مانع من الوصية للغير بالعضو ــ بعوض أو بدونه ــ بعد الموت.

8 ــ ما يؤخذ مقابل العضو المقتطع من الميت أو ما يؤخذ ديةً على قطع العضو في بعض الحالات، يعود إلى الميت؛ فيصرف في أداء ديونه أو الحجّ عنه وفي سبل الخير نيابةً عنه.

9 ــ لا فرق بين المحكوم بالإعدام وغيره في التخلّي عن العضو وإعطائه للغير أو الإيصاء به؛ لأنّ إعطاءه للغير مع توفر الشروط المطلوبة أمر جائز، وعند عدمها فهو غير جائز.

10 ــ لا تؤثر إجازة الورثة أو عدم الإجازة في جواز أو عدم جواز قطع شيء من الميت لزرعه في بدن آخر؛ فإذا توفرت الشروط فلا أثر لامتناع الورثة.

*     *     *

الهوامش



(*) عضو الهيئة العلميّة لجامعة طهران، ورئيس كليّة الفقه والفلسفة في مدينة قم، التابعة لجامعة طهران، أستاذ في الحوزة والجامعة، من إيران.



([1]) علي شمس، بحث إجمالي حول زراعة الأعضاء، مجموعة مقالات مؤتمر: رأي الإسلام في الطب والمسائل الطبية.

([2]) محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 42: 365.

([3]) المصدر نفسه: 364.

([4]) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج19، كتاب قصاص الأطراف، باب 23، ح 1.

([5]) المصدر نفسه، ج3، أبواب لباس المصلي، باب 31، ح 4.

([6]) المقالة المذكورة طبعت في العدد الثاني من مجلة مجتمع آموزش عالي قم.

([7]) وسائل الشيعة، ج12، أبواب ما يكتسب به، باب 5، ح 5.

([8]) محمد تقي التسخيري، إعادة وصل العضو المقطوع بالقصاص، مجموعة مقالات مؤتمر: رأي الإسلام في الطبّ: 363.

([9]) ابن منظور، لسان العرب 11: 677.

([10]) الإمام الخميني، تحرير الوسيلة 2: 24، الطبعة الثانية، مؤسسة دار العلم، المسألة 6، وص 644، مسألة 19.

([11]) الكليني، أصول الكافي 5: 313، ح 40، طبعة ثانية، دار الكتب الإسلامية.

([12]) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج3، لباس المصلي، باب 31، ح 4.

([13]) العلامة المجلسي، بحار الأنوار 41: 210، ح 24، و ج79: 188، ح 24.

([14]) وسائل الشيعة، ج19، كتاب القصاص، أبواب قصاص الأطراف، باب 23، ح 1.

([15]) الشيخ الطوسي، الفهرست: 171.

([16]) محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، مصدر سابق: 365 ـ 366.

([17]) التسخيري، إعادة وصل العضو..: 367.

([18]) النجفي، جواهر الكلام، مصدر سابق: 365.

([19]) السيد الخوئي، تكملة المنهاج 2: 161، الطبعة الثانية، قم، المطبعة العلمية.

([20]) الإمام الخميني، تحرير الوسيلة 2: 544.

([21]) التسخيري، إعادة وصل العضو..

([22]) الإمام الخميني، تحرير الوسليلة، مصدر سابق.

([23])الموت الدماغي هو الحالة التي يكون فيها ساق الدماغ وغلافه قد تلفا معاً، وفي هذه الحالة يتوقّف إمداده بالدم وتموت خلاياه، وعندما يصاب أحد بهذه الحالة يكون غير قابل للتعافي، في هذه الحالة قد يتمّ إبقاء سائر أعضائه محافظةً على فعاليتها، باستخدام وسائل التنفّس الاصطناعي ووسائل أخرى، طبعاً في حالة سلامة بقية الأعضاء ومع توفير سائر الشروط يمكن الاستفادة من أعضائه في مجال زراعة الأعضاء، والمراد بالتوقف القلبي والتنفسي نفس الموت المتيقن منه، إنما يمكن ـ وضمن شروط معينة ـ أن يؤخذ من بدنه أعضاء كالكلية والعظام والمفاصل وأعضاء من القلب والجهاز التنفسي.. ومن ثم إعادة زرعها لدى مريض آخر محتاج لها في بقائه على قيد الحياة.

([24]) مركز التحقيقات الفقهية، السلطة القضائية، بيان آراء فقهية، العدد 2، زرع الأعضاء.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً