أحدث المقالات

د. الشيخ عصري الباني([1])

مازال كلامنا حول جواب الشبهة الخامسة والتي كانت: “ان النبي الأعظم(ص) والمسلمين سراق سرقوا اموال اليهود واخرجوهم من ديارهم بأعذار واهية وقتلوا بنو قريظة ظلما وعدوانا وغزو خيبر وهي عبارة عن حجارة نصبها اليهود المساكين وعليه فما قام به علي (ع) ليس انجازا فهو قاطع طريق سطى على أناس مسالمين فقتلهم وسبى نسائهم واستولى على اموالهم”.

وقد تقدم الكلام في القسم الأول حول موقف النبي(ص) من يهود قينقاع وقبل الاستمرار في جواب الشبهة نقول:

قامت أوروبا المتحضرة التي تستمع الى السمفونيات وتحظر حفلات الباليه وتشرب الشمبانيا وما لذ وطاب من المسكرات والمتقدمة علميا وتكنلوجيا, والتي تحمل لواء الحرية والانسانية بقتل ستة ملايين يهودي على الاقل في الحرب العالمية الثانية, فاعدموهم في غرف الغاز واستخدموهم بالسخرة واماتوهم جوعا وسلبوهم اموالهم واغتصبوا نسائهم وفعلوا بهم ما لا تفعله اخس الحيوانات بفرائسها وذلك  ـ لشبهة ـ  انهم شاركوا في خسارة المانيا للحرب العالمية الاولى. لم يرف لمطلقي هذه الشبهة جفن لهذه الجرائم لكنهم جاءوا ليحاسبوا نبينا الاعظم(ص) الذي حفظ ارواحهم واموالهم واعراضهم واعطاهم حكما ذاتيا, وعقد معهم اتفاقية فنقضوها واعلنوا عليه الحرب وكادوا له المكائد التي تقدم بعضها وسياتي ما هو اسوء فلم يقتل منهم احدا ولم يهتك لهم عرضا. فيكون بذلك محمد والاسلام مجرمي حرب والفكر الغربي راعي الانسانية والمثل العليا!

واننا عندما نقول الفكر الغربي فاننا نقصد الفلسفة الحديثة التي تشترك فيها جميع الأيديولوجيات التي تبنت الفلسفة الحديثة والتي لها خصائص عامة تطبع أغلب التيارات والمذاهب الفلسفية على الرغم من اختلافها في المنهج والتوجهات وهي:

1ـ العقلانية: أي يتمسكون بقدرة العقل على إدراك الواقع ويذهبون إلى أن كل سلوك إنساني صادر عن التفكير وعن استخدام الملكات الذهنية العليا.

2ـ الإنسانية: تُعطي الأولوية للخبرات الإنسانية الحية وتعلي من قيمته وتنظر إليه على أنه سيد الطبيعة وأعلى الموجودات. كما تهتم بتصوير الطابع الدرامي للحياة الإنسانية وتتخذ الرؤية الإنسانية باعتبارها مقياساً لكل شئ.

3ـ الفردية: نظر الفكر الفلسفي الحديث إلى الإنسان على أنه مقياس الأشياء جميعاً، سواء كان عقلاً أو إحساساً أو انفعالاً، وبذلك فإن هذا المقياس فردي في الأساس فنقطة الانطلاق التي بنى عليها هي الأنا أفكر.

4ـ النسـقية: هو مذهب عام يحتوي توجهاً معيناً ويضم نظرية في المعرفة وأخرى في الأخلاق وثالثة في السياسة، كما يمكن أن يحتوي على مذهب ميتافيزيقي أو لا يحتوي حسب موقف الفيلسوف من الميتافيزيقا سواء بالقبول أو الرفض.

فلا يقول لنا قائل بان ما صدر من النازيين او الشيوعيين او الفاشيين هو غريب او خارج عن الفلسفة الحديثة التي تبنتها أوروبا بعد الثورة الصناعية بل جميعها تنتمي الى هذا المنهج نعم تختلف معه في بعض التفاصيل, ولهذا نجد ان الفرنسيين مثلا لم ينفذوا محرقة لليهود ولكنها نفذوا وما زالوا ينفذون المحارق في افريقيا بالخصوص, وقد افنى الانكليز الهنود الحمر وكان عددهم قبل دخولهم 25 مليونا وهم ليبراليون وهكذا الاسبان والبرتغاليين في اميركا الجنوبية والقائمة تطول.

موقف النبيّ(ص) من بني النضير

زعم اصحاب الشبهة بان “سيرة النبي(ص) مكذوبة وانها كتبت بعد مئة سنة وعليه فلا قيمة لها  ـ مع انه يناقض نفسه ويستدل بها اكثر كلامه وهذه مفارقة عجيبة!  ـ  جاهلا بان اول من ارخ لسيرة النبي(ص) هو القران الكريم الذي ارخ هذه الواقعة قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)([2]).

فهم اعلنوا الحرب وتحصنوا بحصونهم المنيعة التي تصوروا انها سوف تحميهم من جيش الاسلام كما تذكر الآيات  ـ لا كما ادعى محاوري من انها صخور جمعوها في خيبر ولم تكن هناك حصون لا في قينقاع ولا في النضير ـ  وكان بينهم وبين رسول الله(ص) عهد ومدة فنقضوا عهدهم، وكان سبب ذلك من بني النضير في نقض عهدهم أنه أتاهم رسول الله(ص) يستقرضهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه غيلة، يعني يستقرض.

هنا ينبغي الاشارة الى امور:

1ـ ان رئيس بلد يأتي ليستقرض من مواطن.

2ـ جاء لوحده بلا حماية.

3ـ يستقرض لا لأمر شخصي بل ليخلص احد المسلمين من دية.

 فاين تجد في التاريخ هكذا حكم وهكذا رئيس؟.

 وكان قصد كعب بن الأشرف فلما دخل على كعب قال: مرحباً يا أبا القاسم وأهلاً! وقام كأنه يضع له الطعام وحدث نفسه أن يقتل رسول الله(ص) ويتبع أصحابه، فنزل جبرئيل فأخبره بذلك، فرجع رسول الله(ص) إلى المدينة وقال لمحمد بن مسلمة الأنصاري: إذهب إلى بني النضير فأخبرهم أن الله (عز وجل) قد أخبرني بما هممتم به من الغدر، فإما أن تخرجوا من بلدنا وإما أن تأذنوا بحرب! فقالوا: نخرج من بلادك([3]).

القدر أكثر حرارة من المرق!

يقول صاحب الشبهة: “ان هذه تهمة اتهمهم بها محمد لكي يهجم عليهم”.

وجوابه من خلال أمرين:

1ـ لماذا يحتاج الى التهمة وممن يخاف فليهجم عليهم مباشرة ويأخذ ما يريد؟.

2ـ ان بني النضير انفسهم لم ينكروا التهمة ولكن محاوري  ـ يهودي اكثر من اليهود ـ  فجاء بعد 1441 سنة ليقول انها تهمة افتراها محمد عليهم!!!.

 فبعث إليهم عبد الله بن أبيّ ألا تخرجوا وتقيموا وتنابذوا محمداً الحرب، فإني أنصركم أنا وقومي وحلفاي، فإن خرجتم خرجت معكم وإن قاتلتم قاتلت معكم.

هنا يأتي سؤال: لو كان عبد الله بن ابي في اي دولة في العالم وعمل مع متآمرين على امن الدولة ويحرض على حربها فما هي الاجراءات التي ستقوم بها هذه الدولة اتجاه هكذا شخص؟ الجواب: هو انه سيحاكم بتهمة الخيانة العظمى التي يحاسب مرتكبها ان كان عسكريا بالإعدام رميا بالرصاص وان كان مدنيا بالإعدام شنقا حتى الموت. ولكن رسول الانسانية لم يعاتبه بكلمة وغض الطرف عنه نعم فضحت عمله آيات الكتاب وصارت وصمة عار على جبينه على طول التاريخ وكفى بها عقوبة.

فأقام بنوا النضير وأصلحوا حصونهم وتهيؤوا للقتال –لا كما ادعى محاوري بان لم تكن لهم حصون ـ ، وبعثوا إلى رسول الله(ص) إنا لا نخرج فاصنع ما أنت صانع. فقام رسول الله(ص) وكبر وكبر أصحابه، وقال لأمير المؤمنين « عليه السلام »: تقدم إلى بني النضير، فأخذ أمير المؤمنين « عليه السلام » الراية وتقدم، وجاء رسول الله(ص) وأحاط بحصنهم، وضربت قبة للنبي(ص) في أقصى بني خطمة من البطحاء فلما أقبل الليل رماه رجل من بني النضير بسهم فأصاب القبة، فأمر النبي(ص) أن تحول قبته إلى السفح، وأحاط به المهاجرون والأنصار. فلما اختلط الظلام فقدوا علياً«(ع)» فقال الناس: يا رسول الله، لا نرى علياً؟ فقال(ص): أراه في بعض ما يصلح شأنكم! فلم يلبث أن جاء وقد قتل الذي رمى النبي(ص) وكان يقال له عزورا، فقال له النبي(ص): كيف صنعت؟ فقال: إني رأيت هذا الخبيث جريئاً شجاعاً، فكمنت له وقلت ما أجرأه أن يخرج إذا اختلط الظلام يطلب منا غِرة، فأقبل مصلتاً سيفه في تسعة نفر من أصحابه اليهود، فشددت عليه فقتلته وأفلت أصحابه ولم يبرحوا قريباً، فابعث معي نفراً فإني أرجو أن أظفر بهم! فبعث رسول الله«(ص)» معه عشرة فيهم أبو دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، فأدركوهم قبل أن يلجوا الحصن فقتلوهم، وكان ذلك سبب فتح حصون بني النضير.

وفي ذلك يقول حسان بن ثابت:

لله أي كريهة أبليتَها * ببني النضير والنفوس تطلَّعُ

أردى رئيسهم وآبَ بتسعة * طوراً يشلهم وطوراً يدفع([4]).

وكان لهذه الضربة تأثير كبير على معنويات بني النضير وضج الرعب في قلوبهم فإن تصدي رجل واحد من المسلمين لعشرة منهم، ثم قتل العشرة جميعاً، يؤذن بأن المسلمين قادرون على إبادتهم، واستئصال شأفتهم بسهولة ويسر! وغدر بهم عبد الله بن أبيّ! وكان رسول الله(ص) إذا ظهر بمقدم بيوتهم حصنوا ما يليهم وخربوا ما يليه، وكان الرجل منهم ممن كان له بيت حسن خربه… فلما كان بعد ذلك قالوا: يا محمد نخرج من بلادك وأعطنا ما لنا. فقال: لا، ولكن تخرجون ولكم ما حملت الإبل، فلم يقبلوا ذلك فبقوا أياماً، ثم قالوا: نخرج ولنا ما حملت الإبل، فقال: لا، ولكن تخرجون ولا يحمل أحد منكم شيئاً فمن وجدنا معه شيئاً من ذلك قتلناه، فخرجوا على ذلك، ووقع قوم منهم إلى فدك ووادي القرى، وخرج منهم قوم إلى الشام([5]).

شبهة قطع النخيل

اتهم محاوري النبي(ص) بانه ” مفسد في الارض يقطع النخيل والاشجار”.

أقول: الا ترى ما تفعله الدول الغربية التي لن تبقي نبتة على وجه الكرة الارضية بسبب جشعها وطمعها واستغلالها ـ  فأصبح محمدا المفسد إذا قطع 6 نخيلات التي يستفيد منها العدو عدوا للبيئة والغرب اكبر ملوث للهواء على الارض هو المحافظ على البيئة والراعي لها!!!.

لقد كان هناك نخل يستفيد منه اليهود لمهاجمة المسلمين فامر رسول الله(ص) بقطعه فادعى اليهود ان هذا من الفساد فأنزل الله عليه فيما عابوه من قطع النخل: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ)([6]).

ويؤيد ذلك أنهم سموها البويرة، ومعناها قطعة الأرض الصغيرة التي كانت بوراً غير مغروسة ثم غرست([7]).

وقيل قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة، وقيل: كان جميع ما قطعوا وأحرقوا ست نخلات([8]).

وقد ذكرنا في المقال السابق بان النبي والائمة (صلوات الله عليهم) كانوا يزرعون ولكن هنا القطع لان اليهود تمترسوا بها.

وأنزل الله عليه في عبد الله بن أبيّ وأصحابه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ)([9]).

ثم قال يعني بني قينقاع: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)([10]).

 ثم ضرب في عبد الله بن أبيّ وبني النضير مثلاً، فقال: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)([11]).

فهل بعد هذا التفصيل نحتاج الى تزوير لسيرة للنبي بعد 100 سنة –كما ادعى اصحاب الشبهة ـ  مالكم كيف تحكمون! فلو لم تكن الا هذه الآيات المباركات لكانت كافية في شرح مجريات الامور في تلك الحادثة.

هل أخذ النبي(ص) أراضي بني النضير؟

يصور صاحب الشبهة محمدا(ص) على انه قاطع طريق قاتل مجرم كل لعماله من اجل السلطة والمال ولكن الواقع يحكي غير ذلك فبعد الانتصار قال رسول الله(ص) للأنصار: إن شئتم دفعت إليكم فئ المهاجرين منها، وإن شئتم قسمتها بينكم وبينهم وتركتهم معكم؟ قالوا: قد شئنا أن تقسمها فيهم، فقسمها رسول الله(ص) بين المهاجرين ودفعها عن الأنصار، ولم يعط من الأنصار إلا رجلين: سهيل بن حنيف وأبو دجانة، فإنهما ذكرا حاجة([12]). ولم ياخذ شيئاً لنفسه إطلاقاً.

الغرور اليهودي وسماحة الاسلام

تعمد بنو النضير أن يخرجوا من ضاحية المدينة بمظاهر الزينة والاحتفال فخرجوا ومعهم الدفوف والمزامير تجلداً ثم شقوا سوق المدينة والنساء في الهوادج عليهن الحرير والديباج، وقطف الخز الخضر والحمر، قد صف لهم الناس، فجعلوا يمرون قطاراً في إثر قطار، فحملوا على ستمائة بعير. ونادى أبو رافع سلام بن أبي الحقيق ورفع مسك الجمل: إن هذا المسك مملوء من الحلي. هذا مما نعده لخفض الأرض ورفعها، فإن يكن النخل قد تركناه، فإنا نقدم على نخل بخيبر… فقد كان بنو النضير أهل جبروت وقسوة وبغي وعنجهية واعتداد بالنفس، حتى إنهم ليظلمون إخوانهم من بني قريظة، وهم أيضاً من بني هارون، ظلماً فاحشاً ومخالفاً لأحكام التوراة الصريحة، وحتى لأحكام أهل الجاهلية! واستقبلهم يهود خيبر بالنساء والأبناء والأموال، معهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم بزهاء وفخر، ما رؤي مثله من حي من الناس في زمانهم([13]).

فأي دولة من الدول تسمح للمنهزمين ان يخرجوا بهكذا احتفالية وهم يهددون المنتصر بالانتقام؟ ائتوني بمثال ولن تجدوا هذا هو دين محمد(ص) دين الرحمة والتسامح والانسانية حتى مع الاعداء والخونة.

النتيجة: حربان تجتمع فيهما جيوش وتستمر لأيام وعدد القتلى 10 هجموا على المسلمين فقتلوهم ولم تغتصب امرأة ولم يروع طفل ولم تنتهك حرمة, قايسها مع الحروب التي شنها ويشنها الغرب في القرن الاخير وسيتضح لك الفرق جليا.

قريظة وتآمرها على النبيّ(ص)

على قاعدة ولا تزر وازرة وزر اخرى لم يتعرض النبي(ص) للجماعة الوحيدة المتبقية من اليهود في المدينة ما داموا ملتزمين بالمعاهدتين ولم يتعرض لهم احد بسوء لا في اموالهم ولا في انفسهم ولا في اعراضهم. ولكن حدثت حادثة خطيرة نقض بنو قريظة فيها بالعهد وتامروا فيها على الاسلام فقد اشار القران الكريم واجمع المؤرخون واهل السير على ان السبب في تجمع المشركين وهجومهم على النبي في غزوة الخندق كان بتحريض من قبل اليهود (المساكين كم يعبر عنهم اصحاب الشبهة! ):

 ذكر محمد بن كعب القرظي وغيره من أصحاب السير قالوا: ” كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب في جماعة من بني النضير الذين أجلاهم رسول الله(ص) خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله(ص)، وقالوا: إنا سنكون معكم عليهم حتى نستأصلهم، فقال لهم قريش: يا معشر اليهود إنكم أهل الكتاب الأول فديننا خير أم دين محمد؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه فأنتم أولى بالحق منهم، فهم الذين أنزل الله فيهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا)([14]). قالوا، ونشطوا لما دعوهم إليه، فأجمعوا لذلك واتعدوا له، ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاؤوا غطفان فدعوهم إلى حرب رسول الله(ص) وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه(ص)، وإن قريشا قد بايعوهم على ذلك فأجابوهم، فخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان بن حرب وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصين في فزارة والحارث بن عوف في بني مرة، ومسعر بن جبلة الأشجعي فيمن تابعه من أشجع، وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد، فأقبل طليحة فيمن اتبعه من بني أسد وهما حليفان أسد وغطفان، وكتب قريش إلى رجال من بني سليم فأقبل أبو الأعور السلمي فيمن اتبعه من بني سليم مددا لقريش”([15]).

نقض قريظة للعهد

 واول من ذكر غدرهم القران الكريم: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)([16]).

والمعنى: فاجعلهم مثَلاً وعبرة لغيرهم من الكفار الذين يترقّبون ماذا يجتني هؤلاء من نقض عهدهم فيفعلون مثل فعلهم، ولأجل هذا الأمر نكل النبي(ص) بقريظة حين حاصرهم ونزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم بأن تقتل المقاتلة وتُسْبَى الذرية، فقتلهم رسول الله(ص) بالمدينة وكانوا أكثر من ثمانمائة رجل. وقد أمر الله رسوله(ص) في هذا الأمر بالإغلاظ على العدوّ لما في ذلك من مصلحة إرهاب أعدائه، فإنّهم كانوا يستضعفون المسلمين، فكان في هذا الإغلاظ على الناكثين تحريض على عقوبتهم، لأنّهم استحقّوها. وفي ذلك رحمة لغيرهم لأنّه يصدّ أمثالهم عن النكث ويكفي المؤمنين شرَّ الناكثين الخائنين. فلا تخالف هذه الشدّة كونَ الرسول(ص) أرسل رحمة للعالمين، لأنّ المراد أنّه رحمة لعموم العالمين وإن كان ذلك لا يخلو من شدّة على قليل منهم كقوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة)([17]).

 “وخرج حيي بن أخطب النضيري حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب بني قريظة. وكان قد وادع رسول الله(ص) على قومه وعاهده على ذلك، فلما سمع كعب صوت ابن اخطب أغلق دونه حصنه، فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له، فناداه يا كعب افتح لي فقال: ويحك يا حيي إنك رجل مشؤوم إني قد عاهدت محمدا ولست بناقض ما بينه وبيني، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا، وقال: ويحك افتح لي أكلمك، قال: ما أنا بفاعل، قال: إن أغلقت دوني إلا على جشيشة تكره أن نأكل منها معك، فأحفظ الرجل ففتح له فقال: ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وببحر طام، جئتك بقريش على سادتها وقادتها، وبغطفان على سادتها وقادتها، قد عاهدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه، فقال كعب: جئتني والله بذل الدهر بجهام قد اهراق ماؤه برعد وببرق وليس فيه شئ، فدعني ومحمدا وما أنا عليه، فلم أر من محمد إلا صدقا ووفاء، فلم يزل حيي بكعب يفتل منه في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب عهده وبرئ مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله(ص)، فلما انتهى الخبر إلى رسول الله(ص) ثم دعا رسول الله(ص)سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير فقال: إنه قد بلغني أن بني قريظة قد نقضوا العهد الذي بيننا وبينهم وحاربوا فاذهبوا فانظروا إن كان ما بلغني حقاً فإن كان باطلاً فأظهروا القول وإن كان حقاً فتكلموا بكلامٍ تلحنون به أعرفه لا تفتوا أعضاد المسلمين. فلما انتهوا إلى كعب بن أسد وجدوا القوم قد نقضوا العهد فناشدوهم الله والعهد الذي كان بينهم أن يرجعوا إلى ما كانوا عليه قبل ذلك قبل أن يلتحم الأمر وألا يطيعوا حيي بن أخطب. فقال كعب: لا نرده أبداً قد قطعته كما قطعت هذا القبال لقبال نعله. ووقع كعب بسعد بن معاذ يسبه فقال أسيد بن حضير: تسب سيدك يا عدو الله ما أنت له بكفء! أما والله يا ابن اليهود لتولين قريشٌ إن شاء الله منهزمةً وتتركك في عقر دارك فنسير إليك فتنزل من جحرك هذا على حكمنا. وإنك لتعلم النضير كانوا أعز منك وأعظم بهذه البلدة ديتك نصف ديتهم وقد رأيت ما صنع الله بهم. وقبل ذلك بنو قينقاع نزلوا على حكمنا. قال كعب: يا ابن الحضير تخوفونني بالمسير إلي أما والتوراة لقد رآني أبوك يوم بعاث  ـ  لولا نحن لأجلته الخزرج منها. إنكم والله ما لقيتم أحداً يحسن القتال ولا يعرفه نحن والله نحسن قتالكم! ونالوا من رسول الله(ص)ومن المسلمين أقبح الكلام وشتموا سعد بن عبادة شتماً قبيحاً حتى أغضبوه. فقال سعد بن معاذ: دعهم فإنا لم نأت لهذا ما بيننا أشد من المشاتمة  ـ  السيف! وكان الذي يشتم سعد بن عبادة نباش بن قيس فقال: غضضت ببظر أمك! فانتفض سعد بن عبادة غضباً فقال سعد بن معاذ: إني أخاف عليكم مثل يوم بني النضير. قال غزال بن سموأل: أكلت أير أبيك! قال سعد بن معاذ غير هذا القول أحسن منه. قال: ثم رجعوا إلى النبي(ص)فلما انتهوا إلى النبي(ص)قال سعد بن عبادة: عضل والقارة. وسكت الرجلان  ـ  يريد بعضل والقارة غدرهم بخبيب وأصحاب الرجيع  ـ  ثم جلسوا. فكبر رسول الله(ص) وقال: أبشروا يا معشر المسلمين بنصر الله وعونه. وانتهى الخبر إلى المسلمين بنقض بني قريظة العهد فاشتد الخوف وعظم البلاء”([18]).

انظروا يا أصحاب الشبهة الى الادب الذي يحمله يهود قريظة المظلومون الذين تدافعون عنهم فنباش بن قيس يقول لسيد الاوس الشهيد سعد بن معاذ  ـ وما ادراك من هو سعد بن معاذ ـ  الذي جاء يذكره بالعهد: “عضضت ببظر أمك!” و غزال بن سموأل يقول له: “أكلت أير أبيك!”.

وبعد ان أثبتنا بالدليل القاطع:

1ـ ان من تسبب بجمع 10 الاف من المشركين لغزو المدينة هم اليهود.

2ـ ان بني قريظة كانوا داخلين في معاهدة مع النبي ونقضوها.

3ـ ان بني قريظة كان لهم حصن وله باب لا كما ادعيتم بان لم يكن لهم حصن.

4ـ ان النبي حذرهم نتيجة الغدر وقابلوه بما ذكرناه.

6ـ شبهة قتل الآمنين بهدف السلب

قالوا: ان بني قريظة اناس مظلومون قام المجرم وقاطع الطريق ـ كما يقول هو ـ  علي بن أبي طالب بامر من المجرم محمد وقاطع الطريق  ـ بقتلهم بلا ذنب ارتكبوه سوى ان محمد اراد ان يستولي على اموالهم.

والجواب: كنا ذكرنا بان بني قريظة لم يتعرض لهم احد بسوء طيلة المدة ما بين هجرة النبي(ص) وحتى بعد غزوة قينقاع والنضير –وانا اتحدى اي احد يثبت ان احدا تعرض لمال او عرض او نفس شخص واحد من بني قريظة ـ  الى ان حدثت غزوة الاحزاب التي كان سببها المساكين اليهود الذين انطلقوا من خيبر و تمكنوا من جمع جيش لم يسبق له مثيل في تاريخ الجزيرة العربية وضمنوا لهم ان تكون قريظة معهم وان تساعدهم في مشروعهم للقضاء على الاسلام وقتل النبي واصحابه وقد ارخ القران الكريم لهذه الحقيقة بقوله تعالى: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)([19]). أخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طرق عن حذيفة قال: ” لقد رأيتنا ليلة الأحزاب، ونحن صافون قعود، وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، وقريظة اليهود أسفل نخافهم على ذرارينا”([20]).

واليهود انفسهم لم ينكروا ذلك واقروا بانهم مع المشركين في حربهم وانهم اعلنوا الثورة المسلحة على الدولة وحكم الثورة المسلحة لقلب نظام الحكم معلوم هو الاعدام اضف الى ذلك المعاهدتين اللتين حكموا هم على انفسهم فيها انه في حال نقضوا العهد وغدروا فتقتل رجالهم وتؤخذ اموالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم.

كيف فشلت مؤامرة بني قريظة؟

جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله(ص) فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت ولم يعلم بي أحد من قومي، فمرني بأمرك، فقال له رسول الله(ص): “إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإنما الحرب خدعة “, فانطلق نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة فقال لهم: إني لكم صديق، والله ما أنتم وقريش وغطفان من محمد بمنزلة واحدة إن البلد بلدكم وبه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، وإنما قريش وغطفان بلادهم غيرها، وإنما جاؤوا حتى نزلوا معكم، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن رأوا غير ذلك رجعوا إلى بلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل، ولا طاقة لكم به، فلا تقاتلوا حتى تأخذوا رهنا من أشرافهم تستوثقون به أن لا يبرحوا حتى يناجزوا محمدا، فقالوا له: قد أشرت برأي، ثم ذهب فأتى أبا سفيان وأشراف قريش، فقال: يا معشر قريش إنكم قد عرفتم ودي إياكم وفراقي محمدا ودينه، وإني قد جئتكم بنصيحة فاكتموا علي، فقالوا: نفعل ما أنت عندنا بمتهم، فقال: تعلمون أن بني قريظة قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، فبعثوا إليه أنه لا يرضيك عنا إلا أن نأخذ من القوم رهنا من أشرافهم وندفعهم إليك فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك عليهم حتى نخرجهم من بلادك فقال: بلى، فإن بعثوا إليكم يسألونكم نفرا من رجالكم فلا تعطوهم رجلا واحدا، واحذروا، ثم جاء غطفان فقال: يا معشر غطفان إني رجل منكم، ثم قال لهم ما قال لقريش، فلما أصبح أبو سفيان وذلك يوم السبت في شوال سنة خمس من الهجرة، بعث إليهم أبو سفيان عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش إن أبا سفيان يقول لكم: يا معشر اليهود إن الكراع والخف قد هلكتا، وإنا لسنا بدار مقام فاخرجوا إلى محمد حتى نناجزه فبعثوا إليه إن اليوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا، ولسنا مع ذلك بالذي نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم نستوثق بهم لا تذهبوا وتدعونا حتى نناجز محمدا، فقال أبو سفيان: قد حذرنا والله هذا نعيم فبعث إليهم أبو سفيان إنا لا نعطيكم رجلا واحدا، فإن شئتم أن تخرجوا وتقاتلوا، وإن شئتم فاقعدوا، فقالت اليهود: هذا والله الذي قال لنا نعيم، فبعثوا إليهم أنا والله لا نقاتل حتى تعطونا رهنا و خذل الله بينهم فكان نعيم يقول أنا خذلت بين الأحزاب حتى تفرقوا في كل وجه وأنا أمين رسول الله(ص)على سره”([21]).

جرح سعد بن معاذ

داب اصحاب الشبهة على ذكر اصحاب النبي(ص) باحتقار وتهكم ويتهمهم باتهامات كثيرة منها الاتهام الذي اتهموه لرسول الله وعلي (صلوات الله عليهم) بانهم  ـ عطالة بطالة حرامية ـ  وقد بينا خطا رايهم برسول الله وعلي (صلوات الله عليهم) في المقالة السابقة واذكر لهم هذا الموقف للصحابي الشهيد السعيد سعد بن معاذ: ” فلمّا اشتد البلاء بعت رسول الله إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المري قائدي غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أنْ يرجِعُوا بمن معهما عن رسول الله(ص)فأجابا إلى ذلك، فاستشار رسول الله(ص)سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة فقالا: يا رسول الله شيءٌ تحب أنْ تصنعه أم شيء أمرك الله به أو شيء تصنعه لنا؟ قال: بل لكم، رأيتُ العرب قد رمتكم عن قوسٍ واحدة فأردتُ أنْ أكسر عنكم شوكتهم، فقال سعد بن معاذ: قد كنا نحن وهم على الشرك ولا يطمعون أنْ يأكلوا منا تمرة إلاّ قِرًى أو بَيْعاً فحين أكرمنا الله بالإسلام نعطيهم أموالنا! ما نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فترك ذلك رسول الله(ص)([22])“.

فاذا كان اصحاب الشبهة يحتقرون هكذا رجل يقف امام 11 الف رجل بالسلاح والعتاد ولا تهتز منه شعرة ولا يقبل ان يعطيهم تمرة فمن هو الذي يستحق الاحترام؟!!! ولكن حقدهم على الاسلام والمسلمين وعلى نبيهم وائمتهم جعلهم يتغافلون عن ابسط المعايير لتقييم الاشخاص والاحداث بل وكل شيء.

ورُمِيَ سعد بن معاذ بسهم قطع أكحله رماه حِبان بن قيس بن العرقة فلما رمَى سعداً قال: خُذْها وأنا ابن العرقة. فقال النبي(ص): عرق الله وجهك في النار. ولم يُقطع الأكحل من أحد الأ مات فقال سعد: اللهم إنْ كنت أبقيت مِنْ حرب قريش شيئاً فأبقني لها فإنه لا قوم أحبّ إليّ أن أقاتلهم من قوم آذوا نبيك وكذبوه، اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا فاجعلها لي شهادة ولا تُمِتْني حتى تقر عيني من بني قريظة، وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية([23]).

نصر الله ـ كما اعتقد لا كما يعتقد اصحاب الشبهة ـ  المسلمين وانهزمت الاحزاب وتفرقت وسواء كان الامر كما اعتقد انا او هم فان هذا النصر يدل على العبقرية السياسية والعسكرية للنبي الاعظم(ص) وعلى عظمة من والاه ونصره من المسلمين. اذ لم يستشهد من المسلمين الا شخص واحد فقط. ولم يحتل من دولته شبر واحد.

محاكمة بني قريظة ونيلهم للجزاء العادل

من هنا بدأت قصة محاكمة الخونة الذين خانوا الدولة وتامروا عليها وكادوا ان يقتلوا رجالها ويسبوا نسائها واطفالها وان لا يبقوا لها من اثر ولا عين, فتوجه المسلمون مباشرة نحو وكر الخونة لينالوا جزائهم العادل, وقد ارخ القران الكريم هذه الحادثة قال تعالى: (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون * فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون * وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين)([24]).

(الذين عاهدت منهم) أراد به يهود بني قريظة، فأنهم كانوا قد عاهدوا النبي(ص) على أن لا يضروا به ولا يمالوا عليه عدوا، ثم مالوا عليه الأحزاب يوم الخندق وأعانوهم عليه بالسلاح، (ثم ينقضون عهدهم في كل مرة) أي كلما عاهدتهم نقضوا العهد ولم يفوا به (وهم لا يتقون) نقض العهد أو عذاب الله (فإما تثقفنهم) أي ظفرت بهم (فشرد بهم من خلفهم) أي فنكل بهم تنكيلا يشرد بهم من بعدهم ويمنعهم من نقض العهد، والتشريد: التفريق (لعلهم يذكرون) أي لكي يتذكروا وينزجروا (وإما تخافن من قومٍ خيانة) أي إن خفت يا محمد من قوم بينك وبينهم عهد خيانة (فأنبذ إليهم على سواء) أي فألق ما بينك وبينهم من العهد، وأعلمهم بأنك نقضت ما شرطت لهم لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء.

وكما كان حال اليهود في الحالتين السابقتين فقد جبنوا ولم يواجهوا بل لاذوا بحصونهم ـ التي انكر وجودها اصحاب الشبهة ـ  وقد ارخ القران الكريم هذه الحادثة ايضا قال تعالى: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ)([25]).

ثم ذكر سبحانه ما فعل المسلمون باليهود من بني قريظة فقال: (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا)([26]).

(وأنزل الذين ظاهروهم) أي عاونوا المشركين من الأحزاب ونقضوا العهد بينهم وبين رسول الله(ص) أن لا ينصروا عليه عدوا (من أهل الكتاب) وهم بنو قريظة (من صياصيهم) أي من حصونهم (وقذف في قلوبهم الرعب) أي الخوف من النبي(ص) وأصحابه (فريقا تقتلون) يعني الرجال (وتأسرون فريقا) يعني الذراري والنساء (وأورثكم) أي أعطاكم (أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤها) أي وأورثكم أرضا لم تطئوها بأقدامكم بعد وسيفتحها الله عليكم وهي خيبر لانها اساس الشر ومنها انطلقت الاحزاب.

مَنْ الذي أمر بالقتل والأسر؟

حاصرهم رسول الله(ص) خمسا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، ثم استسلموا وتنحى رسول الله(ص)فجلس ودنت الأوس إلى رسول الله(ص) فقالوا: يا رسول الله حلفاؤنا دون الخزرج وقد رأيت ما صنعت ببني قينقاع بالأمس حلفاء ابن أبي وهبت له ثلاثمائة حاسرٍ وأربعمائة دارع. وقد ندم حلفاؤنا على ما كان من نقضهم العهد فهبهم لنا. ورسول الله(ص) ساكت لا يتكلم حتى أكثروا عليه وألحوا ونطقت الأوس كلها فقال رسول الله(ص): أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجلٍ منكم قالوا: بلى. قال: فذلك إلى سعد بن معاذ. وسعد يومئذٍ في المسجد في خيمة كعيبة بنت سعد بن عتبة وكانت تداوي الجرحى وتلم الشعث وتقوم على الضائع والذي لا أحد له. وكان لها خيمة في المسجد وكان رسول الله(ص) جعل سعداً فيها. فلما جعل رسول الله(ص) الحكم إلى سعد بن معاذ خرجت الأوس حتى جاؤوه فحملوه على حمارٍ بشنذةٍ من ليفٍ وعلى الحمار قطيفةٌ فوق الشنذة وخطامه حبلٌ من ليفٍ. فخرجوا حوله يقولون: يا أبا عمرو إن رسول الله قد ولاك أمر مواليك لتحسن فيهم فأحسن فقد رأيت ابن أبي وما صنع في حلفائه. والضحاك بن خليفة يقول: يا أبا عمرو مواليك مواليك! قد منعوك في المواطن كلها واختاروك على من سواك ورجوا عياذك ولهم جمالٌ وعدد. وقال سلمة بن سلامة بن وقش: يا أبا عمرو أحسن في مواليك وحلفائك إن رسول الله(ص) يحب البقية! نصروك يوم البعاث والحدائق والمواطن ولا تكن شراً من ابن وجعل قائلهم يقول: يا أبا عمرو وإنا والله قاتلنا بهم فقتلنا وعاززنا بهم فعززنا! قالوا: وسعد لا يتكلم حتى إذا أكثروا عليه قال سعد: قد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم. فقال الضحاك بن خليفة: وا قوماه! ثم رجع الضحاك إلى الأوس فنعى لهم بني قريظة. وقال معتب بن قشير: وا سوء صباحاه! وقال حاطب بن أمية الظفري: ذهب قومي آخر الدهر. وأقبل سعد إلى رسول الله(ص) والناس حول رسول الله(ص)جلوس فلما طلع سعد قال رسول الله(ص): قوموا إلى سيدكم. فكان رجالٌ من بني عبد الأشهل يقولون: فقمنا له على أرجلنا صفين يحييه كل رجلٍ منا حتى انتهى إلى رسول الله(ص). وقائل يقول: إنما عنى رسول الله(ص) بقوله قوموا إلى سيدكم يعني به الأنصار دون قريش. قالت الأوس الذين بقوا عند رسول الله(ص) لسعد: يا أبا عمرو إن رسول الله قد ولاك الحكم فأحسن فيهم واذكر بلاءهم عندك. فقال سعد بن معاذ: أترضون بحكمي لبني قريظة قالوا: نعم قد رضينا بحكمك وأنت غائبٌ عنا اختياراً منا لك ورجاء أن تمن علينا كما فعله غيرك في حلفائه من قينقاع وأثرنا عندك أثرنا وأحوج ما كنا اليوم إلى مجازاتك. فقال سعد: لا آلوكم جهداً. فقالوا: ما يعني بقوله هذا ثم قال: عليكم عهد الله وميثاقه أن الحكم فيكم ما حكمت قالوا: نعم. فقال سعد للناحية الأخرى التي فيها رسول الله(ص) وهو معرض عنها إجلالاً لرسول الله(ص): وعلى من هاهنا مثل ذلك فقال رسول الله(ص) ومن معه: نعم. قال سعد: فإني أحكم فيهم أن يقتل من جرت عليه الموسى وتسبى النساء والذرية وتقسم الأموال، وإن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار، وقال للأنصار: إنكم ذووا عقار وليس للمهاجرين عقار([27]).

هنا أشير إلى أمرين:

1ـ ان رسول الله(ص) لم يكن دكتاتورا وحاكما مطلقا كما يصوره اعداء الاسلام بل كانت جميع اراءه تقوم على الشورى واحترام شعبه واحاسيسهم ومشاعرهم فرغم قناعته بضرورة اجراء المعاهدة على قينقاع والنضير وهبهم للخزرج لانهم حلفائهم, وهنا ايضا فاين تجد هكذا قائد في التاريخ؟.

2ـ ان الذي حكم فيهم بهذا الحكم هو حليفهم الذي اختاروه هم ليحكم فيهم لا كما اتهم محدثي النبي(ص) بانه هو الامر بالقتل, ولو كان هو الامر لكان جزاؤهم الذي يستحقوه بحسب القوانين في ذلك الزمان وفي زماننا الحاضر.

مَنْ الذي باشر قتلهم؟

قتل الخائن والمجرم وتنفيذ حكم القانون فيه لا يعتبر جريمة ولا عارا على منفذه ولا على الذي حكم به والا لكان جميع القضاة والمنفذين لأحكام القضاة مجرمين. ولكن اصحاب الشبهة كما اتهموا النبي(ص) بانه هو الذي امر بقتلهم ـ وهي ليست جريمة كما بينا ـ  اتهموا عليا (ع) بانه هو الذي باشر بقتلهم جميعا ليشوهوا صورة (محمد وعلي الذين يحقد عليهما حقدا فضيعا بدون اي مبرر) مع ان هناك روايتان في قضية اجراء الحكم بالخونة:

الأولى: غدا رسول الله(ص)إلى السوق فأمر بخدودٍ فخدت في السوق ما بين موضع دار أبي جهم العدوي إلى أحجار الزيت بالسوق فكان أصحابه يحفرون هناك وجلس رسول الله(ص)ومعه علية أصحابه ودعا برجال بني قريظة فكانوا يخرجون رسلاً رسلاً تضرب أعناقهم… فلم يزالوا يقتلون بين يدي رسول الله(ص)وكان الذين يلون قتلهم علي والزبير([28]).

اذن الرواية الاولى تقول بان عليا والزبير لا كما ادعى بانه علي فقط لاظهاره بمظهر المجرم السفاح.

الثانية: جاء سعد بن عبادة والحباب بن المنذر فقالا: يا رسول الله إن الأوس كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم. فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله ما كرهه من الأوس من فيه خير فمن كرهه من الأوس لا أرضاه الله! فقام أسيد بن حضير فقال: يا رسول الله لا تبقين داراً من دور الأوس إلا فرقتهم فيها فمن سخط ذلك فلا يرغم الله إلا أنفه فابعث إلى داري أول دورهم. فبعث إلى بني عبد الأشهل باثنين فضرب أسيد بن حضير رقبة أحدهما وضرب أبو نائلة الآخر. وبعث إلى بني حارثة باثنين فضرب أبو بردة بن النيار رقبة أحدهما وذفف عليه محيصة وضرب الآخر أبو عبس بن جبر ذفف عليه ظهير بن رافع. وبعث إلى بني ظفر بأسيرين. قتل أحدهما قتادة بن النعمان وقتل الآخر نضر بن الحارث. وقال أيوب بن بشير المعاوي قال: أرسل إلينا  ـ  بني معاوية  ـ  بأسيرين فقتل أحدهما جبر بن عتيك وقتل الآخر نعمان بن عصر حليفٌ لهم من بلى. قالوا: وأرسل إلى بني عمرو بن عوف بأسيرين عقبة بن زيد وأخيه وهب بن زيد فقتل أحدهما عويم بن ساعدة والآخر سالم بن عمير. وأرسل إلى بني أمية بن زيد… و لما قتل رسول الله(ص)حيي بن أخطب ونباش بن قيس وغزال بن سموأل وكعب بن أسد وقام قال لسعد بن معاذ: عليك بمن بقي. فكان سعد يخرجهم رسلاً رسلاً يقتلهم([29]).

فعلى الرواية الثانية لم يقتل علي (ع) احدا منهم بل تولت الاوس قتل مواليهم الخونة من اليهود. والراي الثاني هو الاصح باعتبار ان قتل 600 ـ 700 رجل يحتاج الى وقت طويل فلا بد إذن من إشراك أكبر عدد لإتمام العملية.

فلما انقضى شأن بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ، فرجعه رسول الله(ص) إلى خيمته التي ضربت عليه في المسجد ومات رضي الله عنه وقد استجاب الله دعائه.

وهنا استحضر كلمة قالها الامام الحسين لجيش ابن سعد اتوجه بها لاصحاب الشبهات هذه: (إن لم يكن دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم هذه)([30]) وكفوا عن الكذب على الناس بهذه الاباطيل التي تذهب بماء وجوهكم اولا اذ يكشف كذبكم وزيفكم وجهلكم و تحدث الفساد في المجتمع.

ـ يتبع ـ

([1]) أستاذ التاريخ في مجمع الإمام الخميني للدراسات العليا في قم المقدّسة.

([2]) الحشر: 2 ـ 4.

([3]) بحار الأنوار 20: 165.

([4]) الإرشاد 1: 92، مناقب آل أبي طالب 2: 332.

([5]) تفسير القمي 2: 358.

([6]) الحشر: 5.

([7]) مناقب آل أبي طالب 1: 170.

([8]) بحار الأنوار 20: 165.

([9]) الحشر: 10 ـ 13.

([10]) الحشر: 14 ـ 15.

([11]) الحشر: 16.

([12]) تفسير القمي 2: 360.

([13]) المغازي، الواقدي 3: 146، سبل الهدى والرشاد 4: 324.

([14]) النساء: 51 ـ 55

([15]) تاريخ المدينة 2: 452، تاريخ الطبري 2: 233، تجارب الأمم ج1: 257، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 3: 227. وعشرات المصادر لا يسع المقام لذكرها.

([16]) الانفال: 56 ـ 58.

([17]) البقرة: 179.

([18]) المغازي، الواقدي 1: 459، تاريخ الطبري 2: 238، تاريخ الإسلام، الذهبي 2: 288، الدرر، ابن عبد البر،: 172، وعشرات المصادر لا يسع المقام لذكرها.

([19]) الأحزاب: 10.

([20]) الدر المنثور في التأويل بالمأثور 10: 419.

([21]) الطبقات الكبرى 4: 278، الثقات،ابن حبان 1: 272، تاريخ الطبري 2: 243، تجارب الأمم 1: 261، وجميع المصادر التاريخية والحديثية اتفقت على هذه الحادثة.

([22]) الكامل في التاريخ 2: 181.

([23]) الكامل في التاريخ 2: 182، مسند أحمد 3: 350، سنن الدارمي 2: 238، المغازي، الواقدي 1: 512، وعشرات المصادر الاخرى.

([24]) الأنفال 56 ـ 58.

([25]) الحشر: 14.

([26]) الأحزاب: 26 ـ 27.

([27]) المغازي، الواقدي 1: 512. المستدرك، الحاكم النيسابوري 2: 124، لسنن الكبرى، البيهقي 9: 63، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 3: 239، وعشرات المصادر فهو امر مجمع عليه في التفاسير وكتب الحديث وكتب التاريخ.

([28]) المغازي، الواقدي 1: 513.

([29]) المغازي، الواقدي 1: 517.

([30]) الفتوح 5: 117.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً