أحدث المقالات

د. الشيخ حسن آقا نظري(*)

أ. علي هاشم البيضاني(**)

 

مقدّمة

إن موضوع البحث هو غسل المال السلبي والإيجابي والسياسي. والهدف من هذا الموضوع هو تسليط الضوء على الناحية الإيجابية والسياسية من البحث؛ إذ لا خلاف على الناحية السلبية من البحث، ولذا لن نتطرَّق إليها؛ لكون القارئ سيطَّلع عليها من خلال النقاط الممهِّدة له، كالأساليب والدوافع والآثار، التي يعتمد البحث على فهمها وتوضيحها.

وحيث يقع أغلب الباحثين والمثقَّفين في خطأ تسمية العنوان، باعتباره موضوعاً مستحدثاً، كان من المناسب تسليط الضوء على تعريفه اللغوي والاصطلاحي.

ومن هنا ينقسم هذا البحث إلى:

1ـ التعريف اللغوي والاصطلاحي لعملية غسل المال.

2ـ دوافع عملية الغسل.

3ـ أساليب عملية الغسل.

4ـ آثار عملية الغسل.

5ـ عملية الغسل الإيجابي والسياسي.

تعريف غسل المال لغةً واصطلاحاً

1ـ تعريف غسل المال لغةً

حيث إن غسل المال يتضمَّن كلمتين لذا سنعرف كلاًّ منهما في بحثٍ مستقلّ:

 

أـ تعريف الغسل لغةً

الغَسْل (بفتح الغين وسكون السين) مصدر([1]). والغين والسين واللام أصلٌ صحيح يدلّ على تطهير الشيء وتنقيته([2])، فغسلت الشيء غسلاً([3]) بمعنى: تطهيره وتنقيته.

 

الفرق بين الغَسْل والغسيل

قلنا: إنّ الغَسْل مصدرٌ، لكنّ الغسيل صفةٌ. فالأول يُضاف إلى المال، فنقول: غَسْل المال؛ أما الثاني فيوصف به المال، ولا يضاف إليه. لذا فالصحيح أن نقول: غسل المال، ولا يجوز أن نقول: غسيل المال، كما هو شائع.

قال ابن منظور: «وشيءٌ غسيل ومغسول… الجوهري: ملحفة غسيل، أي مغسولة. وربما قالوا: غسيلة، يذهب بها إلى مذهب النعوت، نحو النطيحة… وقال اللحياني: ميت غسيل في أموات غسلى وغسلاء، وميتة غسيل وغسيلة»([4]). لذا يجوز أن نقول: مالٌ غسيل، أي مغسول، ولكن لا يجوز أن نقول: غسيل المال، بل غَسْل المال([5]).

 

ب ـ تعريف المال لغةً

 الأموال: جمع المال، وهو في اللغة: اسمٌ لما ملكته من جميع الأشياء([6])، سواء أكان ذلك الشيء ذهباً، أم فضة، أم متاعاً، أم حيواناً، أم عقاراً، وغير ذلك مما ملكته من كلّ شيء([7]).

 

نتيجة التعريف اللغوي

إن كلا كلمتي (الغسل) و(المال) موجودةٌ في اللغة، وقد اتَّضح معناهما، كلاًّ على حدة.

أما معناهما معاً، أي (غسل المال)، فغير موجودٍ في اللغة حقيقة، أي إنه لا يوجد غسل للأموال بواسطة الماء مثلاً. ولذا لن تجد هذا المصطلح موجوداً في لغة العرب، فضلاً عن معاجمها؛ لأنه أمر غير معقول، لكن يصحّ استعماله كمعنى مجازي، والمقصود به: تطهير المال وتنقيته، بمعنى: جعله مشروعاً أو حلالاً بعدما كان حراماً; وذلك من خلال بعض الأساليب التي سنعرفها لاحقاً بعونه تعالى.

ولكن بالرغم من ذلك فهذا المصطلح ـ أي غسل المال، الذي هو غير حقيقي لغةً ـ لا يُراد منه تطهير المال واقعاً وحقيقة، بل المراد منه تطهيره ظاهراً، فهو إذن مجرّد غسل وتطهير قذر غير مشروع، لا يجعل المال واقعاً حلالاً ومباحاً; لأنه ليس فقط بنظر الشرع([8]) حراماً، بل أيضاً بنظر القانون كذلك; ولذا يبقى المال بعد غسله قذراً، ويكون مثله حينئذٍ مثل الذي يغتسل من الجنابة بماءٍ نجس، فهو غسلٌ، لكنه غسل غير مشروع، وغير مطهِّرٍ حقيقةً وواقعاً، وغير رافع للجنابة.

من هنا نصل إلى هذه النتيجة، وهي أن المصطلح المذكور (غَسْل المال) قد يفهم منه أو يتبادر منه أنه تطهير حقيقي للمال، كالمال الحلال المخلوط بالحرام، والذي يطهر بتخميسه مثلاً، ولكنّ هذا غيرُ صحيح، بل هو تعبيرٌ كنائي عن (الغسل اللامشروع للمال اللامشروع).

 

تطهير المال أو غَسْله في الفقه الإسلامي

لا يوجد في الشريعة الإسلامية مصطلح (غسل المال)، وإنما يوجد مصطلح آخر يبيِّن تطهير المال، بمعنى جعله مباحاً وحلالاً، بواسطة إخراج الحقّ الشرعي منه. وله صور مختلفه: كإخراج الزكاة، والخمس، وردّ المظالم، وأداء الديون، وما شابه. فهناك بعض الآيات بيَّنت أن إخراج المال هو تطهيرٌ للنفس، فالنفس تطهر بتطهير ذلك المال، وأخذ الحق الذي فيه، كقوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (التوبة: 103)، فالآية الشريفة تبين أن طهارة النفس وتزكيتها يكون بإخراج الحقوق المالية، وتطهير المال، كما قال الشيخ الانصاري&: «ومن انصراف الصدقة المفروضة ـ سيَّما المقيدة بكونها مطهِّرة للمال، أو المعللة بأنها أوساخ الناس ـ بما فرضها الله للتطهير في قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَموَالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾»([9]). وما قصده الشيخ الأعظم& من كون الصدقة مطهِّرة للمال من الأوساخ إنَّما هو إشارة لما ورد في بعض الروايات: «عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن محمد بن مسلم وأبي بصير وزرارة كلّهم، عن أبي جعفر وأبي عبدالله’: إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس، وإنّ الله قد حرَّم عليَّ منها ومن غيرها ما قد حرَّمه، وإنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطَّلب»([10]).

وكذا ما قاله مالك في الموطأ، في باب ما يكره من الصدقة: «حدَّثني عن مالك أنه بلغه: أن رسول الله| قال: لا تحلّ الصدقة لآل محمد. إنّما هي أوساخ الناس. رواه مسلم من طريق جويرية بن أسماء، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب: إن عبد المطلب بن ربيعة بن حارث حدَّثه»([11]).

فالتعبير بالأوساخ في أحاديث الشيعة والسنّة تبين الاتفاق على أن المال غير المزكّى وغير المطهَّر يبقى قذراً ما لم يخرج منه الحقّ الشرعي. إذن مصطلح التطهير ـ وليس الغَسْل ـ موجودٌ في الشريعة الإسلامية، وبخلافه يبقى المال حراماً أو غير طاهر أو قذراً أو وسخاً ـ ما شئتَ فعبِّرْ ـ، ويعاقب عليه الإنسان يوم القيامة.

من هنا يكون عندنا نوعان من التطهير للمال، أو كما عبَّر بعض الباحثين([12])، بغسل شرعي؛ وغسل غير شرعي.

فالأوّل هو غسلٌ شرعي مباح للمال الحلال، بإخراج حقّ الله تعالى وحقّ العباد منه.

والآخر هو غسل غير شرعي للمال الحرام، ينطوي على إخفاء حقيقة المال حال كونه مكتسباً من مصادر غير شرعية، والهدف من ذلك الغسل إخفاء حقيقة المال.

 

النتيجة

مرَّ علينا في التعريف اللغوي أن غسل المال لغةً يصحّ استعماله كنايةً، بمعنى التطهير الحقيقي المشروع، لا التطهير اللامشروع. وهنا أيضاً يُقال: إن غسل المال وتطهيره في الشريعة يُراد منه التطهير الحقيقي المشروع، لا اللامشروع. فحتّى الآن يتَّفق التعريف اللغوي مع الفقهي في أن المراد هو الغسل الذي تدلّ عليه الكلمة، بمعنى تحويله من حرامٍ إلى حلال، أو من غير مشروع إلى مشروع، لكنّ (الغسل) المستعمل في الاصطلاح القانوني أو الاقتصادي يُراد منه الغسل المزيَّف، بمعنى تحويل المال من غير مشروع شرعاً وقانوناً واقعاً إلى مشروع ظاهراً، لا حقيقةً وواقعاً.

 

 تعريف غسل الأموال في اصطلاح القانون الوضعي

نبين هنا على سبيل الإجمال آخر تعاريف هذا المصطلح؛ لمقارنته بالتعريفين اللغوي والفقهي.

فوفقاً للتشريع الفيدرالي الأمريكي تكون ظاهرة غسل الأموال عبارة عن «إخفاء مصدر واتّجاه حركة الأموال التي تمَّ الحصول عليها؛ نتيجةً لنشاط غير مشروع»([13]).

إن المصدر الرئيس لعملية الغسل هو أموالٌ غير قانونية، وغير خاضعة للالتزام القانوني، تضخّ في الاقتصاد الرسمي للدولة، أو أيّ أعمال مشروعة أخرى؛ لإخفاء أصل هذه الأموال، بإعادة تدويرها في النشاط الاقتصادي بطريقةٍ مشروعة؛ لتجنُّب المساءلة القانونية مستقبلاً.

فالهدف من عملية غسل الأموال هو إخفاء وتمويه المصدر الأصلي للأموال، حيث إنه مصدرٌ غير شرعي، ويُراد به اكتساب الشرعية من خلال غطاءٍ قانوني، وبالتالي لا يخضع المال للمصادرة، وصاحبه لا يخضع للمساءلة القانونية([14]).

إذن كلمة الغَسْل تناسب ساحة الفقه، ولا تناسب ساحة القانون والاقتصاد؛ لكونه إخفاءً لحقيقة المال الحرام، لا لتحويله إلى مالٍ مباح حلال. وهذه جريمةٌ. فالمقصود من اصطلاح (عملية غسل المال) حقيقةً هو (جريمة إخفاء المال اللامشروع)، أو (جريمة الغسل المزيَّف للمال الحرام); لأن الغسل ـ لغوياً ـ هو تطهير، وفي ما نحن فيه لا يوجد أيّ تطهير حقيقةً وواقعاً.

 

 دوافع غسل المال

إن عمليات غسل الأموال لا بُدَّ أن يكون لها دوافع أو أسباب، ولا يمكن أن تأتي هذه العمليات من فراغٍ، بل لا بُدَّ من سبب يدفع الفرد للقيام بمثل هذه العمليات. فالفرد أوّلاً يندفع نحو ارتكاب الجريمة غير المشروعة، مثل: (المخدرات، التهريب، السرقة…)، ويحاول بعدها إبعاد الشبهة عنه، والملاحقة القانونية؛ لذلك يقوم بعمليات غسل لهذه الأموال المتأتية من مصادر غير مشروعة، وإضفاء الصِّبغة الشرعية عليها. وتنقسم الأسباب أو الدوافع إلى: مباشرة؛ وغير مباشرة([15]).

أما الأسباب المباشرة فهي ـ بإيجازٍ ـ: البحث عن الأمان؛ خشية المطاردة القانونية؛ وجود بعض الدول التي تشجِّع عمليات الغسل([16])، واستثمار العائدات الإجرامية في مشاريع مستقبلية([17]).

أما الأسباب غير المباشرة فمنها: الفقر([18])، والبطالة([19])، وزيادة معدّلات الضرائب، ودوافع نفسية([20]).

 

أساليب غسل الأموال

يُقصَد بأساليب غسل الأموال الطرق التي يتمّ من خلالها إخفاء مصدر المال غير المشروع، حيث تتحقَّق أموال طائلة من الاتّجار بالمخدرات، والأسلحة، والأطفال، والرقيق، والأعضاء البشرية، والسرقات الكبرى، وغيرها، وخاصّة تلك التي ترتكبها عصابات الجريمة المنظّمة؛ إذ يصل حجم هذه الأموال السائلة إلى مليارات الدولارات، فتكون المشكلة في كيفية تحويل هذا الكمّ الهائل من النقد السائل إلى أموال وأصول ثابتة، وسلع وخدمات يتّسم ظاهرها بالمشروعية([21]).

إن أفضل طريقة لذكر الأساليب هي بتقسيمها إلى: المصرفية؛ وغير المصرفية([22]).

أما الأولى فالمقصود بها أن يكون المصرف طرفاً أساسياً في عملية الغسل، من خلال ما يتمّ في نطاقه ـ ومن خلاله ـ من عمليات مصرفية، سواءٌ أكانت داخلية أو خارجية، فيلعب الجهاز المصرفي دوراً أساسياً في نقل الأموال وتحويلها بهدف غسلها([23]).

ويمكن أن يمارس هذا الدور من خلال فتح حسابٍ جار في المصرف للحصول على شيكات وحوالات مصرفية مقبولة الدفع لحاملها (أي دون تحديد اسم المحول إليه)، ويتمّ تداول الشيكات والحوالات بعد ذلك في عمليات وَهْمية أو مشاريع داخلية أو خارجية، ثمّ يتمّ إقراض هذه الودائع النقدية أو توظيفها، والحصول على عائد منها. وقد يتمّ تجزئة عملية الإيداع بمبالغ نقدية ذات قيمة تقلّ عن حدّ المساءلة، أو إثارة الشكوك، ثمّ تحول المبالغ المذكورة إلى الخارج في حسابٍ مركزي؛ لاستكمال عملية غسلها([24]). ويمكن أيضاً أن يمارس هذا الدور من خلال فتح اعتمادات مستندية([25])، الغسل بالقرض المضمون أو إعادة الإقراض([26])، نظام البطاقات الممغنطة([27])، إجراء تحويلات مالية للاستثمار الأجنبي([28])، أو التحويل البرقي للنقود([29]).

أما غسل الأموال في المجال غير المصرفي فهناك أساليب مختلفة تختلف باختلاف الظروف المحيطة بعملية الغسل، فمنها: ما يعتمد على جغرافيا البلد، كتهريب الأموال([30])، ومنها: ما يعتمد على التطوُّر التكنولوجي في ذلك البلد، أو كثرة الاستثمارات فيه بطرق مختلفة، مثل: إنشاء مشاريع وشركات واجهة أو وَهْمية([31])، أسواق المال([32])، سوق العقارات([33])، تجارة الذهب([34])، شركات الصيرفة([35])، صالات القمار (الميسر)([36])، التحايل في الأسعار، إصدار استمارات مزورة أو مبالغ في قيمتها، العمالة الوافدة([37])، غسل الأموال عبر الإنترنت([38])، والمبيعات الوَهمية في أسواق الأوراق المالية([39]).

 

 آثار عملية غسل المال

هناك آثارٌ مختلفة لعملية غسل المال، منها: ما هو داخل البلد محلّ الغسل، ومنها ما له تأثيرٌ على خارجه. وسنوجز الكلام بما يبيِّن مفاسد هذه العملية.

إن لعملية غسل المال آثاراً اقتصادية سلبية متعدِّدة. فلها مثلاً تأثيرٌ سلبي على الاستثمار، سواءٌ على الدول التي خرجت منها الأموال غير المشروعة، أو على الدول التي دخلتها الأموال لغرض غسلها فيها، حيث يؤدّي نقص الأموال التي يمكن استغلالها في الاستثمار إلى ازدياد الطلب على النقد الأجنبي؛ بسبب تحويل الأموال غير المشروعة إلى عملةٍ حرّة؛ لغرض تهريبها إلى الخارج، وهنا يزداد الطلب على النقد الأجنبي من المستثمر الحقيقي وصاحب المال غير المشروع، فيلجأ الطرف الأخير إلى رشوة العاملين في المؤسَّسات النقدية، العامّ منها أو الخاصّ، ويضيع على الدولة جزءٌ هامّ من النقد الأجنبي، الذي كان من الممكن استخدامه في استثمار حقيقيّ يساهم في التنمية([40]).

كما يؤدّي النشاط الجرمي لغاسلي الأموال إلى فساد المناخ الاستثماري ذاته، حيث إن أصحاب المدَّخرات المشروعة يسعَوْن إلى محاكاة وتقليد أصحاب الأموال غير المشروعة بقصد المنافسة في الربح، وبذلك يسود مناخ استثمار فاسد، ويؤدّي أيضاً إلى تفشّي الاحتكار غير المشروع، وسيطرته على اقتصاد الدولة، بدلاً من حدوث المنافسة الشريفة التي تنعكس على اقتصاد الدولة وعلى مواطنيها([41]). وتتفاقم المشكلة أكثر لو أن النقد الأجنبي الذي يتمّ تهريبه إلى الخارج بقصد الغسل قد تمّ الحصول عليه من قروض دولية، فيتمّ خروجه مرّةً أخرى دون الاستفادة منه، وتقوم الدولة بدفع أقساطه وفوائده من صميم اقتصادها([42]).

ومثلما كانت هناك تأثيرات سلبية لخروج الأموال غير المشروعة على الأنشطة الاستثمارية في الدول مصدر هذه الأموال فإنه وبالتَّبَع سوف يؤثِّر سلباً أيضاً على الاستثمار في الدول التي دخلتها الأموال لغرض الغسل فيها من جهاتٍ مختلفة([43])؛ فالمال غير المشروع لا يتميَّز بالاستقرار، بل هو مالٌ قلق ومذعور، يتنقَّل من مكانٍ إلى آخر، ومن شكلٍ لآخر من أشكال الاحتفاظ بالثروة (ودائع مثلاً، ثم سندات، ثم أسهم، ثم عقارات)، وهذا يجعلها لا تشكِّل إضافة حقيقية للاقتصاد الوطني المنتج، وكلّ ما يهمّ غاسل المال هو الملاذ الآمن من المصادرة([44]).

إن دخول الأموال غير المشروعة في القطاع المصرفي يؤدّي إلى فقدان الثقة في المؤسسات المالية، والأخطر من ذلك لو تمكَّن غاسل الأموال من السيطرة على المؤسسات المالية، بحيث تصبح عضواً في شبكة لغسل الأموال، الأمر الذي يضرّ بالتنمية؛ لفقدان هذه المؤسَّسات جاذبيتها لرأس المال المشروع([45]).

أما تأثير عملية الغسل على الدخل القومي فممّا لا شَكَّ فيه أن الأموال المهرَّبة إلى الخارج خلال عمليات الغسل تمثِّل اقتطاعاً من الدخل القومي، وبالتالي تعدّ نزيفاً للاقتصاد الوطني إلى الاقتصاد الخارجي. فالمال المهرَّب والمكتسب عن طريق الجريمة يؤدّي إلى حرمان اقتصاد البلد من هذا المال واستثماره على أرضه ولصالح مواطنيه، بما يترتَّب على ذلك من آثار سلبية، وحتّى لو حدثَتْ عمليات الغسل في صورة عينية للأموال فإنّ ذلك يؤدّي إلى زيادة معدلات الاستهلاك بشكلٍ يفوق الدخل القومي، وبالتالي يحدث خللٌ اقتصادي هيكلي؛ نظراً لانخفاض المدَّخرات وزيادة الاستهلاك دون حدوث نموٍّ مماثل في الناتج المحلي الإجمالي([46]).

 أما سعرالصرف فإنه مثلما يتأثَّر بشكلٍ مباشر في الدول منبع الأموال عند خروجها منها بقصد الغسل، كذلك يتأثَّر في الدول المستقبلة لتلك الأموال، لذا يمكن تصنيف ذلك التأثير وفق ما يلي:

 

 1ـ تأثير خروج أموال الغَسْل على العملة وسعر الصرف([47])

 يؤدّي استبدال العملة الوطنية المستمدة من الأنشطة الإجرامية بأخرى أجنبية؛ لأجل غسلها عن طريق تحويلها، إلى انخفاض قيمتها؛ نتيجة زيادة المعروض من العملة الوطنية مقابل المطلوب من العملات الأجنبية، الذي يؤدّي بدوره إلى استنزاف الاحتياطي النقدي للدولة من العملات الأجنبية، ممّا يجبر المسؤولين على رفع سعر الفائدة؛ للحفاظ على المدَّخرات المحلِّية من التحوُّل للعملات الأجنبية الأخرى، ومن المعلوم أن رفع سعر الفائدة يمثِّل أحد أهم العقبات أمام الاستثمار.

 يُضاف إلى ذلك ما يسبِّبه السحب المفاجئ للأموال من قبل غاسلي الأموال من البنوك الوطنية، تمهيداً لحملها نقداً عبر الحدود، أو إجراء غسل عيني عليها، أو تحويلها بالوسائل الإلكترونية، من إرباك سوق العملة الوطنية، وبالتالي انخفاض قيمتها.

 

 2ـ تأثير دخول أموال الغَسْل على العملة وسعر الصرف([48])

يؤدّي دخول الأموال غير المشروعة من النقد الأجنبي إلى الدولة التي يتمّ فيها الغسل إلى زيادة التدفُّقات النقدية الأجنبية، ومن ثم زيادة الطلب على النقد الوطني، وهذا يؤدّي إلى رفع سعر العملة الوطنية بأكثر من قيمتها الحقيقية، مما يؤدّي إلى مخاطر كثيرة، منها: تغيُّر قيمة العملة الوطنية بما لا يعكس حقيقة الأداء الاقتصادي؛ وأيضاً مجرّد التغيُّر في اتجاه حركة رأس المال، وهذا يضرّ الاقتصاد الوطني، حيث تقلّ القدرة التنافسية للأسعار في مواجهة السلع الأجنبية؛ إضافة إلى أن ارتفاع سعر العملة الوطنية من غير تبرير اقتصادي يشكِّل عائقاً أمام دخول رأس المال الأجنبي بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.

 

غسل المال سلبيّ أم إيجابي أم سياسي؟

إن لغسل المال صوراً مختلفة، فهناك نوع من عمليات غسل المال سلبية مضرة، كما هو الحال في تزوير العملة فـ «حين يكون مصدر الأموال التي يتمّ غسلها هو تزييف أو تزوير النقد الأجنبي أو العملة المحلية فإن نجاح عملية الغسل يحدث آثاراً سلبية على قيمة العملة الوطنية، وعلى مستوى الأسعار المحلّية، بالإضافة إلى إلحاق الضرر بعملة الدولة الأجنبية التي يتمّ تزييفها أو تزويرها»([49]).

هذه صورة من صور عمليات غسل الأموال السلبي الضارّ، فهل هناك صور لغسل الأموال الإيجابي المفيد؟ وهل أن مكافحة غسل الأموال أساسها سياسي أم اقتصادي؟ ولو كان الهدف سياسياً فما هو الهدف من ذلك الهدف؟ ولنبدأ بالجواب عن السؤالين الأخيرين أوّلاً.

 

مكافحة غسل المال سياسية أم اقتصادية؟

إن «غسل الأموال الآن هو من موضوعات الساعة، وتسعى كلّ الدول إلى تجريمه، والعقاب عليه، ومكافحته، خاصّة أمام موجة الفوضى التي تعمّ العالم، وأمام الهجمة الشرسة التي يتعرّض لها الإسلام من قِبَل القوى المعادية له، وعلى رأسها الولايات المتَّحدة الأمريكية، حيث كان لحرّية انسياب الأموال أثره في الحرب الدائرة اليوم بين الإسلام وأعدائه، فلا مندوحة إذن أمام القوى الغربية من الضغط تجاه تقييد هذه الحرّية، وحثّ العالم على إصدار التشريعات التي تضمن ذلك، ومن بينها قوانين مكافحة غسل الأموال. ويدلّ على هذا اقتران مكافحة الإرهاب بغسل الأموال في كثير من النشاطات والمحافل الدولية التي تُعنى بالإرهاب، ومنها: المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي نظَّمته السعودية في الرياض، في الفترة من 5 ـ 8 / فبراير / 2005، والذي كان من محاوره: العلاقة بين الإرهاب وغسل الأموال»([50]).

إن كلّ مَنْ يتعمَّق في هذا البحث يجد أن مشكلة الغسل للمال جاءت من الغرب، ومن مشاكلهم في المخدرات، ودعم الإرهاب، والمافيات، وإسقاط الأنظمة، وما شابه; بحيث لا توجد مجازفةٌ لو قلنا: إنّ أكثر من 90% من عمليات غسل الأموال هي موجودةٌ في ما يسمّى بـ (الدول الكبرى). وإن الدول الإسلامية لا تتجاوز حصّتها الـ 10% من تلك العملية، كما ذكرت ذلك الإحصائيات الدولية في هذا المجال، والتي سنشير إلى بعضٍ منها.

فقد قدَّر صندوق النقد الدولي في آخر إحصائياتٍ له حجم عمليات الغسل بما يتراوح بين (590) مليار دولار أمريكي إلى (1.5) تريليون دولار سنوياً، أي ما يعادل إجمالي الناتج المحلّي لفرنسا، كما يعادل هذا المبلغ ما بين 2% إلى 5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وإن ما بين 50% إلى 70% من الأموال غير المشروعة تجري عليها عمليات غسل في المصارف العالمية، ويقدَّر إجمالي الدَّخل المتحقِّق من الاتّجار بالمخدرات بحوالي 688 مليار دولار أمريكي سنوياً، منها 5 مليارات دولار في بريطانيا، و33 مليار دولار في أوروبا، و150 مليار دولار في الولايات المتحدة، و500 مليار دولار أمريكي في باقي بلدان العالم([51]). كما تقدَّر الأرباح التي حقَّقتها عصابات المافيا من الاقتصاد الخفيّ بحوالي 110 مليار دولار أمريكي خلال عام 1991م، مقابل 2.5 تريليون دولار عام 1994م. ويفوق هذا المبلغ الناتج المحلّي الإجمالي العالمي. وتحتلّ الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى بين دول العالم في حجم الدخول غير المشروعة، والتي تقدَّر بحوالي (471) مليار دولار عام 1991م، تليها إيطاليا 86 مليار دولار تقريباً، تليها ألمانيا 41 مليار دولار تقريباً، وتأتي اليابان بالمرتبة الرابعة، ثم كندا بالمرتبة الخامسة([52]).

ولا يخفى أن مصرف الاعتماد والتجارة الدولي قد لعب دوراً مهمّاً في الجاسوسية الاقتصادية، من خلال توحيد علاقته القوية مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. كما حرصت هذه المخابرات على التعاون مع الجهات التي تمارس أنشطة خفية، وتقوم بجمع المعلومات والأسرار، ونقل الأموال عبر القنوات المتعدّدة، والتي لديها علاقات قوية مع رجال الحكم والسياسة وكبار رجال المال في عددٍ كبير من الدول، كما استطاع مصرف الاعتماد والتجارة الدولي أن يعين بعض رجال المخابرات في وظائف إدارية بهذا المصرف، فعيَّن اثنين من كبار رجال المخابرات في وظائف هامّة، وعمد إلى تعيين آخرين كأعضاء في مجالس الادارة في مختلف الفروع([53]).

وأشارت التقارير المختصّة في هذا الشأن إلى أن إدارة مصرف التجارة والاعتماد الدولي كانت خاضعة لنفوذ وتوجيهات رجال المخابرات، حيث كانت تتلقى التوجيهات في هذا الصدد؛ لتساهم بدورها في تسهيل عمليات الجاسوسية في مختلف دول العالم; وذلك من خلال تسهيل فتح حسابات في هذا المصرف، من دون تثبُّت من هويات أصحاب الحسابات([54]).

فإذا كانت مشكلة غسل الأموال نابعةً بالأساس من تلك الدول التي تتحكَّم بالتجارة والاقتصاد والمصارف الدولية فلماذا يفرضون تلك القوانين علينا بشدّةٍ، ويضعون في القائمة السوداء كلّ مَنْ لم يلتزم بقوانينهم؟([55]).

هل حقّاً إنهم حريصون على بلداننا، بحيث يهتمّون كلّ هذا الاهتمام لأجلنا، لأجل ازدهارنا وتنميتنا الاقتصادية، بحيث تبدو تلك الدول وكأنّها الشرطيّ الأمين المخلص ذو المبادئ الراقية والأخلاق والقِيَم العالية، أم إنهم ينطلقون، كما شكَّك بهم بعض الباحثين([56])، من كون مكافحة عملية الغسل مسألة سياسة تجاه البلدان الإسلامية؟

 

غسل المال الإيجابي

ما ذكرناه حتّى الآن هو الجانب السلبي والسياسي المتعلِّق بعملية غسل الأموال ومكافحتها، حيث تبين أن هناك جانباً سلبيّاً في عملية غسل المال، كتزوير العملة وأثرها على الاقتصاد، وتبين أيضاً التشكيك في ما تفرضه الدول الكبرى من إجراءات لمكافحة غسل المال على الدول الإسلامية والنامية.

ونريد أن نبين الآن هل هناك إيجابيات في عملية غسل المال أم لا؟

ويتّضح الجواب من خلال طرح الأسئلة أدناه، مع ما أشار إليه بعض الباحثين من هذه الجهة:

1ـ لماذا لا تتشدَّد بعض الدول في قوانينها المصرفية; بحيث تجذب الأموال المغسولة إليها؟ بل إنها تُسمّى بالجنّات المالية، أو الملاذات الضريبية([57]).

2ـ أم أن تلك الدول أدركت أن دخول الأموال المغسولة خيرٌ من هروبها إلى الخارج، وخيرٌ من الاستفادة منها في الجرائم مرّةً أخرى، أو تكنيزها، أو إنفاقها في أمور لا تنفع الاستثمار، كشراء الذهب، والتحف، واللوحات الفنية الثمينة، وما شابه؟

3ـ هل من باب الصدفة أن تكون الدول الكبرى، والمتقدّمة صناعياً واقتصادياً واستخباراتياً، وذات التشريعات القانونية في هذا المجال، هي من أكبر الدول في غسل الأموال، كما مرَّ علينا في المباحث السابقة، كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا واليابان وغيرها؟

4ـ هل من الصدفة أيضاً لكلّ مَنْ اطَّلع على جداول الدول التي تمارس الغسل، أو يُمارس فيها الغسل، أن يكون اقتصادها أفضل من تلك الدول التي يكون فيها الغسل أقلّ؟

5ـ لو فسح المجال للأموال المغسولة أن تدخل المصارف بحُرِّية فما هو الخطر في ذلك؟

إنْ قلتَ: ستهرب إلى خارج البلد، وهذا له آثارٌ سلبية، كما تقدَّم بيانه سابقاً.

قد يُقال: لو أن هناك حرِّية في المصارف، وعدم ملاحقة، ألا تنتفي الحاجة لغسلها وإخراجها، وستنفع البلد. ولا يُقال: إنها لو خرجت مع ذلك فخروجها سيكون مضرّاً؛ لأنه سيُقال: إن الدول التفتت إلى هذا الأمر، حتّى من دون غسل للمال؛ لأن قوانين الدول المصرفية لا تسمح إلاّ بخروج كمِّيات محدَّدة، كعشرة آلاف دولار كحدٍّ أعلى مثلاً، وأين هذا المبلغ من مبالغ الأموال الغسيلة التي تعادل اقتصاديّات دول في هذا المجال؟

هل حقّاً أن ضررها أكبر من نفعها، أم العكس هو الصحيح؟

يرى المعارضون لإجراءات مكافحة غسل الأموال ما يلي:

1ـ إنه لا يوجد أيّ ضرر تسبِّبه عمليات الغسل للمؤسَّسات المالية الوطنية طالما كانت جرائم المصدر، أي الجرائم التي تحصَّلت منها هذه الأموال، قد ارتُكبت في دولٍ أخرى([58]).

2ـ إن هذه المكافحة تحدّ من جذب وتدفُّق رؤوس الأموال والاستثمارات اللازمة للتنمية الاقتصادية([59]).

3ـ «توجد بعض الآثار الإيجابية لعمليات غسل الأموال; وذلك في حالة اتّخاذ عمليات الغسل الصورة العينية، مثل: شراء السلع المعمرة، أو إقامة بعض المشروعات والأنشطة الاستثمارية، والتي توفِّر بدورها بعض فرص العمل، وتساهم في حلّ مشكلة البطالة، فضلاً عن توفير كمِّيات من المعروض السلعي الذي يؤدّي إلى استقرار الأسعار المحلِّية»([60]).

4ـ «إن إجراءات المكافحة تتعارض مع التحرُّر الاقتصادي، حيث تتطلَّب مكافحة غسل الأموال المزيد من القيود التشريعية والتنظيمية، وخاصّة بالنسبة إلى القطاع المالي، وهو ما يتعارض مع الاتجاه العالمي نحو تحرير الاقتصاد وحرّية المعاملات المالية.

كذلك يرى معارضو غسل الأموال أن إجراءات المكافحة تستلزم قيام سلطات التحقيق بالكشف عن سرِّية الحسابات المصرفية، والتنقيب عن مصادر حسابات الأشخاص؛ للتحقُّق من مشروعيَّتها، وهذا سيضرّ بالنشاط الاقتصادي، حيث لا يأمن الأشخاص على أموالهم من ملاحقة السلطات لها، كما يتعارض مع سعي الدولة لدفع حركة تداول الأموال، الذي يقتضي عدم وضع قيود شديدة على عمليات الصرف وأسواق المال؛ لتشجيع عمليات الاستثمار»([61]).

5ـ «إن فرض القيود على تداول الأموال، والمساس بسرِّية الحسابات، قد تودي إلى عزوف المستثمرين الوطنيين عن إقامة مشروعاتهم داخل الدولة، ممّا يؤثِّر على حجم الأموال المستثمرة والإضرار بالاقتصاد الوطني»([62]).

اذن يتَّضح ـ من خلال ما ذكره معارضو مكافحة غسل الأموال ـ أن هناك إيجابيات في عملية غسل المال. وربما لهذا السبب أدرك الغربيّون، الذين تجري في بلدانهم ـ حَسْب الإحصائيات السالفة ـ أكبر عمليّات غسل الأموال، أدركوا حقيقة أن عمليات الغسل لو جرَت في غير بلدانهم، أي في الدول النامية، ومن بينها الإسلامية; لأدى ذلك إلى هروب الأموال من بلدانهم إلى تلك البلدان، ولذا وجب سنّ القوانين لمنع هذه الحالة. وربما أيضاً؛ لكي يبيِّنوا للعالم أنهم الشرطيّ الحريص على تلك البلدان وعلى اقتصاديّاتها، ولذا أوجبوا عليهم الدخول في معاهدات مكافحة غسل الأموال، وإلاّ كان مصيرهم الدخول في القائمة السوداء للدول التي لا تكافح هذه العملية.

ولكنْ حيث إن أغلب الدول التفتت إلى أهمّية الجانب الإيجابي في عملية غسل الأموال أصبحت من بلدان القوانين الرمادية ـ وسيأتي تعريفها ـ، أو من البلدان التي لا تجرِّم قوانينها عمليات غسل الأموال، أو غير ذلك من الدول، كما سيأتي توضيحها في البحث التالي.

 

بلدان غسل المال

لقد ذكر بعض الباحثين دليلاً لبلدان غسل الأموال، وعرَّفها كما يلي: «بلدان غسل الأموال هي: بلدان ذات سيادة، تسمح قوانينها الخاصّة بالأعمال المالية والمصرفية للمستثمرين والمودعين من غير مواطنيها بالاستفادة من الإعفاءات الضريبية، كاملة أو مخفَّضة، كما توفِّر لهم ولأموالهم واستثماراتهم مساحةً كبيرة من السرِّية المصرفية والتجارة الحرّة. وتعتبر مثل هذه البلدان هدفاً لغاسلي الأموال، دون أيّ عناء أو مخاطر»([63]).

وذكر الباحث أن بلدان غسل الأموال (الملاذ المالي) تتَّصف أو تتميَّز بمقوِّمات تساهم بشكلٍ أو بآخر في عمليات غسل الأموال.

وسنذكر من هذه المقوِّمات ما يختصّ بجهة البحث، وهي:

1ـ البلدان التي لا تجرِّم قوانينها عمليات غسل الأموال، ولا تعاقب مرتكبيها: يتزاحم غاسلو الأموال على تحويل أموالهم وغسلها في بلدان لا يوجد لديها قوانين وأنظمة تمنع غسل الأموال، وتتصدّى لمحاولات تنفيذ تلك العمليات؛ لأنهم في منأى عن المساءلة أو الاستجواب أو المتابعة والتحرّي والتحقيق. كما أن أموالهم في أماكن أمينة، سواء قبل الغسل أو بعد الغسل، مضافاً إلى سهولة غسل الأموال، وبدون دفع أي عمولات على غسلها، أو حاجتها لحماية الآخرين بمقابلٍ أو بدون مقابل.

2ـ البلدان التي تطبِّق قوانينها السرِّية المصرفية والتجارية الصارمة: تعتبر البلدان التي يتمّ فيها تطبيق السرِّية المصرفية والتجارية الصارمة جنّات ضريبية مؤهَّلة لغسل الأموال؛ لأن قوانينها وأنظمتها المالية والمصرفية تجيز لمصارفها ومؤسَّساتها المالية بالمحافظة على سرِّية الحسابات، وسرِّية أسماء المودعين وهويّاتهم، ممّا يحول دون ملاحقتهم للوصول إلى المعلومات والمؤشِّرات القانونية لإدانتهم وتجريمهم، كما تسمح بإخراج العملات وإدخالها بسرِّية تامّة، ودون أيّ قيود أو مراقبة، وتتساهل بشكلٍ كبير تجاه عمليات صرف العملات الأجنبية، والتعامل بالعملة الأجنبية بسهولة، وكذلك قبول الودائع في المصارف بالعملات الأجنبية المختلفة.

 3ـ البلدان التي تستثني قوانينها فرض الضرائب على كثيرٍ من مصادر الدخل، أو تتساهل في متابعة وتحصيل الضرائب المفروضة، أو تكون نسبة الضرائب المفروضة ضئيلة جدّاً.

4ـ بلدان القوانين الرمادية: وهي البلدان التي تنضمّ إلى الاتّفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلِّقة بمكافحة غسل الأموال، وتضع تشريعاتٍ خاصّة بها، ولكنّها تتلكّأ في تطبيقها، سواء في مجال الرقابة المصرفية والمالية أو في مجال التحقيق أو في مجال التحرّي والمراقبة أو في مجال التعاون الاقليمي والدولي.

 5ـ البلدان التي تعفي قوانينها المستثمرين الأجانب كلِّياً أو شبه ذلك من الضرائب والجمارك على استثماراتهم في شركاتهم ومؤسَّساتهم ومصارفهم ومشاريعهم المختلفة، ولفتراتٍ طويلة أو دائمة، مع عدم الخلط بين سعي الدول النامية لاستقطاب استثمارات مشروعة وبين الهدف الخاصّ بغسل الأموال([64]).

إن وجود هكذا بلدان تمارس أو تسهِّل عملية الغسل يدلّ بوضوحٍ على ما قدَّمناه من فكرة غسل المال الإيجابي، وأنه حقيقةٌ تمارسها حتّى الدول التي تحارب الغسل السلبي، لما اتَّضح من الأهمِّية الكبرى للأموال التي تدخل مصارفها من الجهة الاقتصادية، وإنْ أنكرَتْ ذلك علناً؛ خشية إدراجها في القائمة السوداء المستوجبة لفرض العقوبات، ممّا يجعلها تلجأ إلى القوانين الرمادية أو غيرها، لذا لا يعترض أحدٌ ما أو يستوحش من هذه الفكرة قبل دراسة أدلَّتها جيِّداً، والموجودة على أرض الواقع حقيقةً، شئنا أم أبينا.

 

شبهاتٌ وردود

قد يُقال: لو سلَّمنا بوجود إيجابيات في عملية غسل المال فهنا قد تطرح بعض الأسئلة:

1ـ سواء أكانت عملية غسل المال سلبية أم إيجابية فإن المال مال غير مشروع، فكيف ستستفيد منه الدولة في مصارفها؟

2ـ كيف نميِّز بين العمليات السلبية؛ لأجل مكافحتها، وبين العمليات الإيجابية؛ لأجل الاستفادة منها على فرض فائدتها؟

3ـ هل الآثار المترتِّبة على الغسل هي بسبب نفس عملية الغسل أم بسبب الدافع والأسلوب؟

4ـ هل الصحيح المكافحة لنفس عملية الغسل أم لسببها ودافعها؟

5ـ كيف يتمّ التعامل مع نفس عملية الغسل بأنواعها المختلفة؟

إن الأجوبة التفصيلية الدقيقة تحتاج لدراساتٍ معمَّقة، وعلى الخبراء وأصحاب الشأن القيام بها؛ للوصول إلى الحقيقة والدقّة في هذا الموضوع. لكنْ سنجيب على نحو الإيجاز، بناءً على الآراء التي تمَّ طرحها في هذا البحث، وبما يتناسب مع اختصاره وهدفه.

 

جواب السؤال الأول

إنّ مَنْ يقوم بعملية الغسل يتّخذ كافّة الأساليب الوقائية والاحترافية في هذا المجال، بحيث لا يمكن كشفها بسهولةٍ; ولذا نجد الدول عاجزة عن إيقاف هذه العملية بسلبيّاتها وإيجابياتها، بل إنها تزيد ولا تبيد; لذا فلا يتصوَّر أن الأموال التي تدخل للمصارف محدَّدة سلفاً أنها أموال مغسولة، بل إنه يتعامل معها على أنها أموال مشروعة، لا أقل مشكوكة، والمشكوكة لا تستوجب عدم التصرُّف بها؛ لأنها مجهولة، أي غير متيقَّنٍ أنها أموال غير مشروعة، فكلّ مالٍ مجهول غير متيقَّنٍ من حقيقته هو مشكوك. ومن الواضح أن المصرف لا يسأل عن مصدر المال، فهو مجهول. فأغلب الأموال المودعة لدى المصارف مجهولة المصدر؛ لأنه ليس من واجب المصرف معرفة مصدرها. وعليه لا يمكن عدم التعامل وعدم الاستفادة من تلك الأموال مجهولة المصدر والمشكوكة على فرض الشكّ بها.

إذن الكلام في تشجيع تلك الأموال، وجلبها إلى المصرف لإيداعها فيه.

نعم، لو اكتشف أنه مالٌ غسيل ـ و هذا صعب جدّاً ـ فهنا يجب حجزه في المصرف حتّى نجد أصحابه ـ وهذا أمرٌ آخر صعبٌ جدّاً أيضاً ـ. والإيداع في المصرف لتلك الأموال هنا تكمن أهمّيته، أي في حجزها وعدم ضياعها في شراء الذهب والتحف الفنية الثمينة والعقارات، أو في تكنيزها أو تهريبها إلى خارج البلد.

إذن المال المودع في المصرف لا يعلم أنه مال مغسول أو يُراد غسله بواسطة إيداعه في المصرف; لذا لا يصحّ السؤال: كيف تتصرَّف الدولة بالأموال المغسولة، سواء أكانت عملية الغسل سلبية أم إيجابية; لأنه لا يجوز التصرُّف بالمال شرعاً وقانوناً في حال العلم بأنه مال غير مشروع ويُراد غسله. وهذا الكلام طبعاً يخصّ الدول الملتزمة بالشريعة أو بالقانون.

وقد يُطرح هذا السؤال: ما دام أن المصرف لن يتصرَّف بالمال الغسيل فما هي فائدة التشجيع على إيداع الأموال المغسولة بالنسبة إلى المصارف؟

ويُقال: إن الجواب على ذلك قد اتَّضح من خلال ما ذكرناه، وهو أن المال لا يعلم من الأساس أنه مالٌ غير مشروع، كلّ ما في الأمر أننا نريد من مصارفنا أن تتَّخذ الإجراءات القانونية ـ التي لا تتعارض مع ثوابتنا الإسلامية ـ التي تتَّخذها الدول التي تستفيد من الأموال المغسولة الضخمة فيها، كسويسرا وأمريكا وبريطانيا وغيرها، التي تستفيد مصارفها من تلك العملية، وبنفس الوقت تسنّ القوانين والتشريعات لمكافحة تلك العملية.

إذن التشجيع هو تشجيعٌ غير مباشر لجلب تلك الأموال؛ لأنه ـ وكما ذكرنا ـ المصارف لا تعلم من البداية أن تلك الأموال المودعة لديها هي أموال غير مشروعة، حتّى يُسأل أو يُقال: ما فائدة التشجيع على إيداع الأموال المغسولة في المصارف، ما دام أنها لن تستفيد منها؟

 

جواب السؤال الثاني

بنحو الإيجاز يُقال: إننا لو درسنا الدافع والأسلوب لغسل المال لاستطعنا أن نقول: إن التزوير للعملة، أو تهريبها، أو تكنيزها، وما شابه من هذه العمليات التي يُراد منها غسل المال، تعتبر عمليات سلبيّة، كما هو واضحٌ لمَن اطَّلع على آثار عملية غسل المال.

أما منع تلك الأمور المتقدِّمة، كالتهريب، والتكنيز، والتزوير، من خلال إيداع أموالها في المصارف فإنّ هذا سينسف عمليات الغسل تلك من الأساس; لأن الغاسل لو اطمأنَّ على أمواله في المصرف، فبدلاً من أن يودعها في المصارف السويسرية، كما هو حال الطغاة ورؤساء الدول وغيرهم ممَّنْ يهرِّبون الأموال، فسوف يودعها في مصارف بلده، ما دام أن المناط في المصارف هناك وهنا هو واحد. وإذا نسفت عمليات غسل الأموال سوف تكون آثارها السلبية من السالبة بانتفاء الموضوع، أي ستنسف آثارها تَبَعاً لذلك.

إن تهريب المال العكسي، أي إلى داخل البلد من خارجه، وجلب أموال الاستثمار، وما شابه من تلك الأموال التي تدخل مصارف البلد بقَصْد غسلها، لو سُنَّتْ لها قوانين مشابهة لتلك التي في أوروبا وأمريكا لربما أمكن القول: إنها تكون مثالاً للغسل الإيجابي المنافس لما في مصارف تلك الدول المستأثرة بفوائده، والمحاربة لكلّ مَنْ ينافسها في ذلك اقتصادياً، أو سياسياً، كما يراه البعض([65]).

والخلاصة أنه يمكن القول: إنّ أفضل طريقة للتمييز بين عملية الغسل الإيجابي والسلبي تكمن في التمييز بين الأموال الضارّة للاقتصاد بنحوٍ جليّ وبين تلك الأموال غير الضارّة للاقتصاد بذلك النحو. فمثلاً: لا خلاف بين الجميع أن تزوير العملة أو تهريبها في عملية غسل الأموال هي من النوع السلبي، أما التي تدخل المصارف بحُرِّية بسبب قلّة أو عدم تطبيق قوانين المكافحة فإنْ لم نقُلْ باتّفاق الكلّ على فائدتها للمصرف، فلا أقلّ من الخلاف في ذلك، كما بيَّنّا رأي المعارضين لمكافحة عملية الغسل من قبل بهذا الخصوص، وبيان الفوائد في عمليات الغسل الإيجابي([66]).

 

جواب السؤال الثالث

إن الدوافع تسبق عملية الغسل، فلذا تكون آثارها مختصّة بها قبل عملية الغسل، لكنّ الأسلوب هو جزءٌ من عملية الغسل; لذا تكون الآثار لطريقة الغسل أو أسلوبها هي نفس الآثار المترتِّبة على تلك العملية. فالتهريب مثلاً له آثار سلبية تترتَّب عليه، فاذا كان جزءاً من عملية الغسل فإن الآثار المترتِّبة على تلك العملية تكون سلبية أيضاً، أمّا لو كان الأسلوب بواسطة ضخّ تلك الأموال في مصرف الدولة، وكان لذلك آثارٌ إيجابية، فإن آثار عملية الغسل من هذا النوع ستكون إيجابيةً، تَبَعاً لذلك الأسلوب.

إذن لا يمكن القول: إن الآثار دائماً سلبية في عملية الغسل; لأن الآثار لا تتبع الدوافع في نفس العملية، بل ما في نفس العملية يتأثَّر بأسلوبها.

وللتوضيح أكثر: إن لبعض الدول مناصرين وجماعات وأحزاب في دول أخرى، وقد تكون إرهابيةً، وقد تكون مواليةً للحقّ. وعلى كلا الحالين قد تضطرّ تلك الدول الداعمة لها إلى عمليات الغسل بواسطة التهريب أو المصارف في تلك الدول أو غير ذلك من الأساليب المختلفة. فلو فرضنا أن كلا الدولتين غسلت الأموال لأنصارها بنفس الأسلوب لأمكن القول: إن الدولة الداعمة للإرهاب دافعها غير تلك الدولة التي دافعها دعم الأحزاب المستضعفة، لكنْ لو كان أسلوبهما التهريب لكانت الآثار سلبية على دولتيهما; لاضطرارهما لنقل العملة الأجنبية من الداخل إلى الخارج. أما لو كان الأسلوب نافعاً للدولتين لكانت الآثار إيجابية لكلَيْهما. إذن فآثار نفس عملية الغسل من الناحية المادية الاقتصادية تتأثَّر بأساليبها، لا بدوافعها.

فهنا أربعة احتمالات: إمّا أن تكون الدوافع سلبية والأساليب إيجابية؛ أو العكس؛ أو كلاهما سلبي؛ أو كلاهما إيجابي.

 

جواب السؤال الرابع

تارةً تقوم نفس الدول بعمليات الغسل عن طريق أشخاص أو منظَّمات أو شركات وَهْمية، لدوافع خيِّرة وحسنة بنظر تلك الدولة، كالاضطرار لدعم أحزاب أو جماعات خارج بلدانها، فهنا لا يتصوَّر المكافحة لهكذا عمليات غسل للأموال; لأن الدولة لا تكافح نفسها أو مَنْ يقوم نيابةً عنها بذلك، لا من جهة الدافع، ولا من جهة الأسلوب; لأن الدافع جيِّدٌ بنظرها، والأسلوب لا بُدَّ منه.

وتارةً أخرى تتمّ عمليات الغسل بمعزل عن علم الدول، لأشخاص أو تجار أو عصابات وما شابه، وهنا يأتي ما قدَّمناه سابقاً، وهو الفصل بين نفس عملية الغسل وأساليبها وبين دوافعها؛ لأن هناك أربعة احتمالات، كما قلنا سابقاً؛ إذ قد يتَّفق أن يكون كلا الدافع والأسلوب إيجابيّاً، أو العكس، أو يختلفان بالسلب والإيجاب.

وهنا يأتي دور المكافحة لكلّ ما هو سلبي، سواء في الجريمة الأولى، أي في مرحلة الدافع; إذ قد يكون الدافع لعملية الغسل هو السرقة المحرَّمة، فهنا لا بُدَّ من مكافحة هذه الجريمة، وإنْ كانت عملية غسل الأموال المترتِّبة عليها إيجابية؛ لأن الدولة مثلاً ستنتفع بها أكثر ممّا سينتفع بها السارق، وقد يكتشف كون المال غير مشروع، فتحجزه الدولة وتسلِّمه لأصحابه الشرعيين، وبذلك لن يتمتَّع به السارق، وغيرها من الفوائد المترتِّبة على كونه بيد الدولة، لا بيد السارق.

أما لو كان الدافع إيجابياً، كدعم الأحزاب الصالحة خارج البلد، لكنْ تمَّتْ عملية الغسل بأسلوب ضارّ بالبلد، فهنا ستكون الآثار السلبية تابعةً لعملية الغسل وأسلوبها، لا لدافعها. وعليه فقد تمنع وتكافح هذه الأساليب، حَسْب تشخيص المصلحة والضرر في ذلك. وعموماً فالمكافحة لا تكون دائماً لعملية الغسل، بل للسلبيات الموجودة فيها أو قبلها، أسلوباً ودافعاً.

 

جواب السؤال الخامس

اتَّضح الجواب عن هذا السؤال من خلال الأجوبة السابقة. فكلّ عملية غسل ضررها أكبر من نفعها وجب مكافحتها، وإلاّ أمكن الغضّ عنها بواسطة القوانين الرمادية السالفة، أو ما شابها ممّا سلف ذكره سابقاً، بحَسَب ما يراه خبراء السياسة والاقتصاد من المصلحة لبلدانهم.

 

الخاتمة

إن كون عملية غسل المال فيها جانب إيجابي مهمّ لمصارف الدولة، أم أن مكافحتها سياسية بالأساس لشلّ الدول النامية ـ خصوصاً الإسلامية منها ـ، وأنها ليست جريمةً اقتصادية، فكلّ هذا يحتاج ربما لرسالةٍ أو أكثر.

ولذا تمّ طرح الجانب الإيجابي والسياسي في هذه العملية بنحو الأسئلة والاحتمالات. ولم يكن الهدف هو إثباتهما بالأدلّة، بل ما سقناه من أمثلة وتطبيقات هناك إنما هو لأجل إثبات أن الفكرة موجودة، ولا يمكن إنكارها، وبحاجةٍ إلى الدراسة والتحقيق، وخصوصاً أن هذا العنوان لم يطرح من قبل، أي غسل المال الإيجابي أو السياسي، ولم نَرَ ـ حَسْب اطّلاعنا ـ باحثاً ذكره مستقلاًّ هكذا، ممّا يستدعي إلفات نظر الباحثين في هذا المجال للتحقيق والتدقيق أكثر بموضوعية، وعدم التأثُّر بالجوّ العامّ الموجود في تلك الدول تجاه عملية الغسل، وتصويرها بالشكل السلبي، بحيث نرى أن بعض الباحثين([67]) لا يستند في بحثه وتحقيقه إلاّ إلى مصادرهم ومؤلَّفاتهم وإحصائياتهم في هذا المجال; لكون المشكلة أساساً موجودة في بلدانهم، ثم صوَّروها وصدَّروها لنا بإلزامنا بتشريع القوانين لمكافحتها، فهل عملنا بها أكثر منهم؟ وهل أضرَّنا ذلك أكثر ممّا نفعهم؟ هذه الأسئلة وسواها ممّا طرحناه سابقاً قد تكون دعوة لأهل الاختصاص من أجل التحقيق والتدقيق أكثر؛ للوصول إلى الحقيقة.

 

الهوامش

(*) أستاذٌ في الحوزة والجامعة، وعضو الهيئة العلمية في مركز بحوث الحوزة والجامعة. متخصِّصٌ في الاقتصاد الإسلامي.

(**) باحثٌ في الحوزة العلمية.

([1]) الصاحب بن عبّاد، المحيط في اللغة 5: 14، تحقيق: محمد حسن آل ياسين، عالم الكتاب، بيروت، لبنان، ط1، 1414هـ. انظر للمزيد: الفيروزآبادي، القاموس المحيط: 1342، مؤسَّسة الرسالة، بيروت، 1996.

([2]) أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة 4: 424، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، انتشارات دفتر تبليغات إسلامي حوزة علمية، قم، إيران، ط1، 1404هـ.

([3]) الجوهري، الصحاح ـ تاج اللغة وصحاح العربية: 1044، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت، ط1، 1410هـ.

([4]) ابن منظور، لسان العرب 11: 449، تحقيق: أحمد فارس، دار صادر، بيروت، ط3، 1414هـ.

([5]) انظر المزيد: الطريحي، مجمع البحرين، تحقيق: سيد أحمد الحسيني، كتابفروشي مرتضوي، طهران، إيران، ط3، 1416هـ. وكذا: الفيومي، المصباح المنير: 2، 612، المكتبةالعلمية، 1998م.

([6]) لسان العرب 11: 635.

([7]) انظر للمزيد: القاموس المحيط: 1318؛ وكذا: الواسطي الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس 15: 703، تحقيق: علي شبري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1414؛ وكذا: مجمع البحرين 5: 475.

([8]) الكلام هنا ليس في تفاصيل غسل المال الشرعية وغيرالشرعية من الناحية الفقهية، بل بناء على فهم المراد من إطلاق (غسل المال) كمصطلح متداول في الساحتين الفقهية والقانونية، وما هو المراد من معنى هذا اللفظ حين يُطلق؟ وما هو المفهوم منه والمتبادر منه إلى الأذهان في زماننا الحالي، والذي هو المفهوم المحرم؟ وإلاّ فإنّ الغسل فقهاً هو التطهير، أي الواجب وليس المحرَّم، كما سيأتي توضيحه في البحث اللاحق بعونه تعالى.

([9]) مرتضى الأنصاري، كتاب الزكاة: 350، نشر المؤتمرالعالمي لذكرى الشيخ الأنصاري، قم، إيران.

([10]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 9: 268، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم ـ إيران، ط2، 1414.

([11]) مالك بن أنس، كتاب الموطَّأ 2: 1000، تصحيح وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، 1406. وللمزيد راجع:

1ـ مسند أحمد بن حنبل 3: 448، دار صادر، بيروت.

2ـ سنن أبي داوود السجستاني 1: 1650، باب الصدقة على بني هاشم، تحقيق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر، ط1، 1410.

([12]) محمد نصر محمد، الحماية الجنائية للنـزاهة ومكافحة الفساد وعلاقتها بجريمة غسل الأموال: 14، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2014.

([13]) يوسف حسن يوسف، جريمة غسيل الأموال بالطرق التقليدية عبر شبكات الإنترنت وبنوك الويب: 216، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، مصر، ط1، 2011.

([14]) انظر: الحماية الجنائية: 17 ـ 18.

([15]) عبد محمود هلال السميرات، عمليات غسل الأموال بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الوضعي: 33، دار النفائس للنشر والتوزيع، عمان ـ الأردن، ط1، 2009م.

([16]) السيد أحمد عبد الخالق، الآثار الاقتصادية الاجتماعية لغسيل الأموال: 9 ـ 11، كلّية الحقوق، جامعة المنصورة ـ مصر، 1999م.

([17]) عبد الرحمن العيسوي، الجنون والجريمة والإرهاب: 23، الدار الجامعية، بيروت، 1994م.

([18]) يوسف القرضاوي، مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام؟: 18 وما بعدها، مكتبة وهبه ـ عابدين، مصر، ط3، 1977م.

([19]) أحمد ماهر، العمل في الإسلام: 50، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، (1406هـ ـ 1986م).

([20]) زهير الزبيدي، جرائم التهريب في الوطن العربي: 20، أبحاث الندوة العلمية السادسة، دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأجنبية ـ الرياض، 1408هـ.

([21]) أروى الفاعوري؛ إيناس قطيشات، جريمة غسيل الأموال (المدلول العام والطبيعة القانونية): 76، دار وائل للنشر والتوريع، عمان ـ الأردن، ط1، 2002م.

([22]) والسبب أن ذكر الأساليب بلا تصنيف يجعل بحثها عشوائياً متداخلاً بين الأسلوب المصرفي وغيره، وأما تصنيفها بطريقة البسيطة والتقنية فهي طريقةٌ جديدة للتخلُّص من التصنيف القديم الذي هو التقليدي والحديث. وكلا الأخيرين يرد عليهما الجمود وعدم التطوُّر، في حين أن الأساليب بمختلف أنواعها تتطوَّر وفق الزمان والظروف المحيطة بها. فكان الأنسب لدفع الإشكال على التصنيف هو تصنيفها إلى أساليب مصرفية وغير مصرفية.

([23]) انظر: عبد الفتاح سليمان، مكافحة غسل الأموال: 145 ـ 163، دار علاء الدين، القاهرة ـ مصر، ط1، 2004؛ صفوت عبد السلام عوض الله، الآثار الاقتصادية لعمليات غسل الأموال ودور البنوك في مكافحة هذه العمليات: 45، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003.

([24]) انظر: عادل عبد العزيز السن، غسل الأموال من منظور اقتصادي وإداري: 21 ـ 22؛ وكذا: عزّت محمد العمري، جريمة غسل الأموال: 66 ـ 68، دار النهضة العربية، القاهرة ـ مصر، 2006.

([25]) عوض الله، الآثار الاقتصادية لعمليات غسل الأموال: 48.

([26]) هدى حامد قشقوش، جريمة غسيل الأموال في نطاق التعاون الدولي: 58، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001؛ محمد عبد اللطيف فرج، عمليات غسل الأموال، مجلّة مركز بحوث الشرطة، العدد 13: 242، يناير، مصر، 1998.

([27]) قشقوش، جريمة غسيل الأموال في نطاق التعاون الدولي: 58 ـ 59؛ مصطفى هديب وآخرون، العصر الجديد من الأمن المصرفي، مجلة الدراسات المالية والمصرفية، العدد 3: 57 ـ 58، عمان ـ الأردن، المجلد التاسع، 2001م.

([28]) السن، غسل الأموال من منظور اقتصادي وإداري: 22.

([29]) انظر: عوض الله، الآثار الاقتصادية لعمليات غسل الأموال: 55 ـ 59؛ وأيضاً: جلال وفاء محمدين، دور البنوك في مكافحة غسيل الأموال: 27، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية ـ مصر، 2004م.

([30]) عوض الله، الآثار الاقتصادية لعمليات غسل الأموال: 46.

([31]) أحمد بن محمد العمري، جريمة غسل الأموال (نظرة دولية لجوانبها الاجتماعية والنظامية والاقتصادية): 292، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 2000م.

([32]) السن، غسل الأموال من منظور اقتصادي وإداري: 25.

([33]) أحمد جمال الدين موسى، الجريمة الدولية المنظمة (تحليل اقتصادي): 18، بدون دار نشر، 1998.

([34]) موسى، الجريمة الدولية المنظمة (تحليل اقتصادي): 21 ـ 22.

([35]) السن، غسل الأموال من منظور اقتصادي وإداري: 25.

([36]) عبد المجيد اسويكر، غسل الأموال في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية (دراسة مقارنة): 135، نشر جامعة سرت، سرت، ليبيا، ط1، 2009.

([37]) انظر: المصدر السابق: 47 ـ 48.

([38]) بيتر ليللي، الصفقات القذرة (الحقائق الغائبة عن غسيل الأموال حول العالم والجريمة الدولية والإرهاب)، ترجمة: علا أحمد، مجموعة النيل العربية، القاهرة ـ مصر ـ 2005م، وأيضاً: السعد، مرجع سابق: 51 ـ 53.

([39]) محمد نصر محمد، الحماية الجنائية للنـزاهة ومكافحة الفساد وعلاقتها بجريمة غسل الأموال: 25.

([40]) محمد عبد السلام سلام، جرائم غسل الأموال الكترونياً في ظلّ النظام العالمي الجديد للتجارة الحرّة (العولمة): 1510، مؤتمر الأعمال المصرفية الالكترونية بين الشريعة والقانون، كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة، وغرفة تجارة وصناعة دبي. دبي 10 ـ 12 مايو 2003. أيضاً: عبد العزيز الشافي، تبييض الأموال: 193، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ط1، 2001.

([41]) مجلة الحقوق، حلقة نقاشية (جرائم ذوي الياقات البيضاء): 278، مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت، السنة (23)، سبتمبر 1999. انظر أيضاً: هشام غرايبة، التأثير الاقتصادي لعمليات غسل الأموال على المجتمع: 3، الحلقة العلمية (أساليب مكافحة غسيل الأموال)، عمان، 2001.

([42]) عبد الرحيم صدقي، وجهات نظر فكرية وقانونية حول موضوع غسل الأموال القذرة (جريمة العصر الحادي والعشرين الوقاية والمنع لجرائم غسل الأموال): 7، مؤتمر الوقاية من الجريمة في عصر العولمة، كلية الشريعة والقانون، جامعة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، العين، 6 ـ 8 مايو 2001.

([43]) المصدر السابق: 27.

([44]) فؤاد مرسي، الرأسمالية تجدِّد نفسها: 216، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، 1990.

([45]) عصام أحمد محمد، مكافحة غسيل الأموال بين التجريم والتعاون الدولي: 5، المركز القومي للدراسات القضائية، 1996.

([46]) عصام أحمد محمد، مكافحة غسيل الأموال بين التجريم والتعاون الدولي: 178.

([47]) محمد حافظ الرهوان، عمليات غسيل الأموال (مفهومها وخطورتها واستراتيجية مكافحتها)، مجلة الأمن والقانون: 145، شرطة دبي، السنة العاشرة، يوليو 2002؛ محمد محيي الدين عوض، غسيل الأموال، تاريخه وتطوّره وأسباب تجريمه وطرق مكافحته، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية: 170، جامعة المنصورة، القاهرة، أبريل، 1999.

([48]) انظر: محمد نصر محمد، الحماية الجنائية للنـزاهة ومكافحة الفساد وعلاقتها بجريمة غسل الأموال: 32.

([49]) حمدي عبد العظيم، غسيل الأموال في مصر والعالم: 176 ـ 177، أكاديمية السادات، القاهرة ـ مصر، ط1، 1997.

([50]) عبد المجيد قاسم اسويكر، غسل الأموال في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية (دراسة مقارنة): 88، منشورات جامعة سرت، سرت ـ ليبيا، ط1، 2009.

([51]) تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2001: 29، بتاريخ: 5 / 3 / 2002.

([52]) تقرير البنك الدولي لعام 1997: 255.

([53]) انظر: حمدي عبد العظيم، غسيل الأموال في مصر والعالم: 93، دار النهضة العربية، القاهرة ـ مصر، 1998.

([54]) انظر: المصدر السابق: 94.

([55]) أصدرت مجموعة العمل المالي (فاتف) خمسة إصدارات لقائمة الدول أو المناطق غير المتعاونة في مجال مكافحة غسل الأموال، كان أولها في 22 يونيو 2000، وتضمن الدول والمناطق التالية: (جزر البهاما، جزر كايمان، جزر كوك، دومينيكا، إسرائيل، لبنان، ليشتنشتين، جزر مارشال، نورو، نيو، بنما، الفلبين، روسيا، سانت كيتس ونيفيس، سانت فنسنت وجرينادين)، وكان السبب المشترك بين كافّة هذه الدول والمناطق لإدراجها ضمن القائمة السوداء هو عدم وجود تشريعات لمكافحة غسل الأموال، وعدم كفاية نظم الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة. وقد أوصت فاتف في تقريرها بضرورة أن تولي المؤسسات المالية اهتماماً خاصّاً بعلاقات العمل والمعاملات مع الأشخاص والشركات والمؤسَّسات المالية التي تنتمي للدول غير المتعاونة. (للمزيد راجع: السن، غسل الأموال من منظور اقتصادي وإداري: 55).

([56]) راجع: اسويكر، المصدر السابق: 88.

([57]) راجع: اسويكر، المصدر السابق: 126. وأيضاً: عادل عبد العزيز السن، غسل الأموال من منظور اقتصادي وإداري: 3، إصدارات المنظمة العربية للتنمية الإدارية، القاهرة ـ مصر، 2008.

([58]) انظر: عصام أحمد محمد، مكافحة غسل الأموال بين التحريم والتعاون الدولي: 2، المركز القومي للدراسات القضائية، القاهرة ـ مصر، 1998. وللمزيد انظر: مصطفى طاهر، المواجهة التشريعية لظاهرة غسل الأموال المتحصِّلة من جرائم المخدرات: 16 ـ 26، مطابع الشرطة للطباعة والنشر، القاهرة ـ مصر، ط2، 2004.

([59]) المصدر السابق: 19.

([60]) السن، غسل الأموال من منظور اقتصادي وإداري: 49.

([61]) المصدر السابق: 50 ـ 51.

([62]) حسام الدين محمد أحمد، شرح القانون المصري رقم 80 لسنة 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال في ضوء الاتجاهات الحديثة، دراسة مقارنة: 21، دار النهضة العربية، القاهرة ـ مصر، 2003.

([63]) صالح السعد، دليل البنوك في كشف غسل الأموال: 109، اتّحاد المصارف العربية، بيروت ـ لبنان، 2004.

([64]) المصدر السابق: 109 ـ 110.

([65]) سبق وذكرنا آراء البعض الذين يرَوْن أن مكافحة غسل الأموال موجَّهة بالذات إلى الدول الإسلامية.

([66]) ونعيد القول تكراراً: إنه ليس المقصود دعم عملية غسل الأموال إيجاباً؛ لأننا لا نعلم أن الأموال المودعة في المصرف إنما أودعت فيه بهدف غسلها، بل القصد جذب الأموال المجهولة من خلال القوانين الرمادية سالفة الذكر مثلاً، أو ما شابهها، ممّا ذكر سلفاً.

([67]) راجع على سبيل المثال كتاب غسل الأموال (مصرفياً ـ أمنياً ـ قانونياً)، لمؤلِّفه الدكتور صالح السعد.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً