أحدث المقالات

الكاتبة: ألباب الخليفة([2])

 

المقدّمة والأهمّية

«عقلنة الثورة وتأصيل النهضة» كتاب للأستاذة إيمان شمس الدين، الصادر عام 2021م، عن دار الانتشار العربي، يتكون من مقدّمة بقلم المؤلِّفة، ويحوي ثلاثة فصول، «عقلنة الثورة قراءة في الواقعة»، «تأصيل النهضة»، «الشعائر والعقلنة قراءة وتصويب»، يتصدَّرها تقديم ويندرج تحتها عناوين عديدة، ويقع في 562، صفحة، في جولة بحثية تسترشد التحليل والموازنة، والوصف والمنهج الاجتماعي، في ترتب فرضياته وإشكالياته وآثاره، وإنتاج الحكم المعرفي، وهو ثالث إصدارات الباحثة التي عرفت في خط تناولها العريض، عنايتها بالإصلاح ليمرّ في هذا الأخير، عبر بوابة واقعة كربلاء ضمن كتب قليلة وعدت بربطها بالمعاصرة، والإفادة منها على مستوى التطبيق كحدث وثورة تقارن وتستلهم منها حركات التحرر الحاضرة، أو على مستوى التنظير واستخلاص معارفها، بمنهجيات حديثة.

فيحوي الكتاب لعنوان جانبي شارح، «محاولة لقراءة الواقعة من زوايا مطلبية معاصرة» والمعاصرة تعني «معايشة الحاضر بالوجدان والسُّلوك والإفادة من كلّ منجزاته العلميَّة والفكريَّة وتسخيرها لخدمة الإنسان ورقيّه»([3])  بهذا الرباط الجامع، تفهم غايتها من كون الزوايا المطلبية المشار اليها وثيقة الصلة بالمعاصرة وعوالم الراهن، وإشكالياتها والرافد للجيل كي يستلهم أفكاره واسئلته المرتبطة بالتحولات الثقافية والوجودية، ويعيد بنائها تبعا لما يضمره العمل المكتوب ويثيره من أفكار وقضايا تشكل جزءا من البشرية وطبيعتهم وتحدياتهم المتجددة، وحاجته إلى وقفة شاملة تعيده للسواء والاستقامة، مع ما يتلاءم وروح الرقي والتقدم، التي تعد بها الكاتبة في العنوان.

 

الفصل الأول: عقلنة الثورة، قراءة في الواقعة

التسارع والتباطؤ في قراءة التاريخ وإنتاج المعارف

تنتقل في الفصل الأول من «نحن مستعدون لتخفيف السرعة لاستعادة السيطرة على مسار الأحداث» الداعية لضبط إيقاع الحركة الديناميكية في النمو، من خلال إزاحة مفهوم التسارع والتباطؤ من أصله الطبيعي الفيزيائي ومن ثم من حقله الاقتصادي في الغرب الذي نظره «هارتموت روزا» ومداره على اغتراب الذات ونزعتها الشيئية، كملمح لعصر الأسواق والبنوك، عالم الاجتماع الألماني، وإليه تنسب تلك المقولة. إلى حقل معرفي يستعين وبملامح من الجدة والإبداع، لدى «شمس الدين»، الفكرة التي لا تتقطب بالتقليد والتكرار، عند الشروع في قلب رؤيتها وبسطها وحسم تأثيرها في حركة المعرفة وصناعتها، فتشكلات الوعي بالذات والمحيط الخارجي والدور المناط لعبه وتجسيده، تتفاعل باطراد متبادل عند الفرد وتحدد صورها وتكيّفاتها أثناء مبادراتها أو احتكاكها بالمثيرات في الأفعال والعلائق. وحيث ينتظم حضورها ويُستدعى في مجال النخب والمفكرين، لتأسيس «منظومة الحقوق والواجبات، ومنظومة القيم والمعايير والقوانين التي تنظم حياة الفرد والمجتمع» وتاريخيا في «رصد السلوك الاجتماعي والفردي عبر التاريخ، وفهم دينامية المجتمعات وتفاعلها مع الظروف المحيطة»

وبالمقارنة المتناظرة لحالة المصانع ومنتوجاتها السلعية، من جهة الجودة والرداءة والعوز الاقتصادي الذي سيقود المستهلك الفقير لاقتناء السلعة الرديئة بمسوغات ضغط العوز والضرورة وغياب الرقابة ستتوه معالم خطورتها عليه، وبين ما يدور في فلك المعارف وتلقيها دون تمييز، حاجة أولى لوقايته، من التعامل العبثي مع المعلومات وفقدان الخريطة الهادية لتكوين قدرة العقل المنهجية، بمثابة سيف مسلط على سلامته، ولا تواجه المعضلة وتُفك حواجزها إلا بتحرير المعرفة لديه، مصادرها وأسسها «الكفيلة بفهم طبيعتها وقيمتها ومدى مطابقتها للواقع الخارجي، أي صدقها». من الهامش إلى مركزها الأساس.

التباطؤ والتسارع المعرفي، المفهوم والضرورة

والمتمعِّن في دراسة المؤلفة، يلحظ ارتكازها على ثنائية مفهومية تنعت الأولى بالتسارع والثانية بالتباطؤ وتنسبهما إلى حقل المعرفة وتعنى ببيان أهميتهما وبأمواجهما المنبسطة في المجال البحثي، بحيث سيحدث الجهل والاستبعاد لهما إشكاليات وأزمات بادئة من داخل سِفر الباحث وقرطاسه، إلى الخارج الأعم على مستوى فردي واجتماعي وأممي.

إذ يحتكم الإنسان إلى حواسه، ويتنزّل اللفظ والمعنى والمغزى والأبنية والمقولات لبناء تصوراته والدافعية للعمل، وارتباطاتها في تعبيد نظم خطابه، وتقوم شاهدا فيما يترشح عبر ترتُّباتها الخارجية، وتطوراتها في مستوى الألسنة واللغة الكلامية التواصلية، فتستوجب التيقظ والتفطن، لوساطتها ودخالتها في بناء السلوك وكيفيات الفعل الإنساني.

وعلاقتها بالإطار الموجه لمسيرة أي باحث لدى الإجابة عن تساؤل مثار، إذ لا يخلو من أحد الوجوه الآتية، «يبحث خلال ذاكرته المعرفية المتراكمة عبر خبراته وأبحاثه السابقة، ومعارفه المكتسبة والموروثة، وقد يخضع خلال هذه الرحلة لتحيزاته أو لمعتقداته أو لبيئته وتقاليده». «يتوسع خارج نطاق منظومته الفكرية الخاصة بعقيدته وبيئته وتقاليده، مع الاستعانة بها، خروج يراكم هذه الحصيلة، مع حصيلته الجديدة، دون ضمانة الوقوع في التحيزات المعرفية، وتطويع الجديد لحساب القديم»، «ينطلق من تعليق الاحكام الجزمية، لأن لكل زمن إشكالياته في زمن التسارع المعلوماتي، ولا يعني لفظه للثوابت المعرفية ولا نكرانه لما تحصل عليه من معارف بالدليل القطعي، بل البحث بأقل قدر من التحيز للوصول إلى أقرب جواب للواقع».

التسارع والتباطؤ المعرفي، تجارب غنية بين الشرق والغرب

وتعيب في تشريحها للمصاديق، تسارع الكنيسة المعرفي في العصور الوسطى وتعامل روادها مع إيمانياتهم وقناعاتهم باليقينيات، هذا التصلب تجاه الغير وإن امتلكوا أدلتهم في مقام الإثبات لفكرة مغايرة، والتشدد في العقوبات حد الصلب وتعليق المشانق، والمسامحة والتضخم إزاء الذوات، واعتبارهم ممثلين لسلطة الإله، تسارع أفضى للإطاحة بعرشها والانقلاب على الدين برمته، تقول، «وكان لفهم الكنيسة ومعارفها دورا في تشكيل البنية المعرفية للمجتمعات الغربية، وترتب على هذه البنية صناعة أحداث ورؤى سلبت الكثيرين حيواتهم لمجرد الخروج عن مألوف ومشهور الكنيسة وفهمها للكتاب المقدس، حتى في مجال العلوم والطب والمنطق والفلسفة، الكنيسة هي الناطق الرسمي لها، فالأرض محور الكواكب ثابته وتدور حولها الشمس والقمر، وحينما اكتشف القس برونو أمرا خلاف ذلك تم سجنه ومن ثم حرقه بحجة الكفر»

وتسارع برونو المتجاوز للوسائط الكنسية والمسافات الفاصلة مع التقاليد وإن تجرد في منهجيته عن المعيقات ومسببات التحيز لكنه لم يحمل أفق انتظار فكرته المؤسسة لوعي جديد، حتى تختمر ويتسنى له إثبات حقيقتها ومطابقتها للواقع فهو «تسرع في إعلان ما لديه قبل إتمام الدليل التجريبي أو العقلي المنطقي، وقبل إخضاعه لمزيد من التعميق، ورغم ثبوت صحته بعد مدة طويلة»، انتهى بفقدان حياته وشموله بقانون العقوبات. وحول حرية التفكير بوصفها مكفولة للباحث» ينبغي تجنب إقصاء الفكرة الجديدة المطروحة دون تدليل مالم يتسالم اعتبارها مغلقة خارجة عن النقد. « تشدد «شمس الدين».

وفي مقاربة موضوعة الكنيسة، كان التسارع وخطابها الانفجاري سببا في التقاطع مع قضية فطرية وهي الدين، وإطالة أمد التخلف العلمي. وفي هذا السياق تشير «إيمان شمس الدين»، إلى الطبيعة المادية والكسر الذي لا يجبر في الرؤية الكونية، لمسيرة الغرب، وصلتها بالتسارع المعرفي الشديد وردود الفعل الرافضة لتوجهات الكنيسة في عصر التنوير، كرد فعل على الماورائيات، أدى لاختزال مصادرها المعرفية، الدين والغيب والعقل، ففقدت اتساقها في مخرجاتها المستثنية للسماوي، وخطاب الأنبياء والرسل المرصود لتقويم مسار البشرية، الشرارات التي أوصلتهم لمرحلة النظم الأخلاقية النسبية والطغيان، وفي نتائجها البحثية حول الوجود والكون والله، بعد توقف الاستعانة بالمدد الإلهي والنبوي انسحب حبل الرحمة والذي تحيل المؤلفة إلى تمييزه بوضوح في أزمة كورونا المعاصرة فلم تسعف كبار السن وتركتهم لمواجهة قدر الموت بلا إشفاق.

وفي ضوء منطلقات الاختيار العلماني كنظام، وجدلياته، تورد تجربة يورغن هابرماس الداعي لعزل الدين عن الدولة في القرن الماضي، ومؤخراً بعد نقد وتقييم الحداثة، حث الكنيسة والمتدينين للمشاركة المجتمعية، وتقديم رؤاهم التي تجود لخدمة الإنسانية، وفي التضامن الاجتماعي والدولة لسن لقوانين خادمة لكل مكوناتها، فبعد موقف التسارع، عاد للتباطؤ إثر مراجعات وتجربة ميدانية تفادت ذاك الخلل، ما يفسر الثمن الوجودي المدفوع للبشرية المتعاقبة جرّاء عجلة زاوية منظّريها.

نموذج آخر تحلله «شمس الدين» في معرض دراستها تسارع المنبهرين بالتجربة الغربية المتحمسين لها، الملاحقين منتوجاتها لم يمارسوا التباطؤ المعرفي، عند ارتمائهم في حضن الحضارة الغربية لاستبدال مشاريعهم وآمالهم بها، بل تحركهم النقيصة وعقدها المستترة تحت أردية أنظمتهم الاستبدادية، وارتداد المؤسسات الدينية عن وظائفها الفعالة، وتعالق مثلث الفقر والجهل والاستعمار واستحضار مقولات الكولونيالية المعرفية عناصر ساهمت في التدافع والتسارع المعرفي نحو الغرب.

وما يرى من قطيعة كثير من الإسلاميين عن التلاقح مع منتج الغرب المعرفي قبل التنقيب فيه الذي هو أمر طبيعي في مسيرة الفكر الحضاري وموقف وجودي يحترم خصوصيات ومعتقدات كل أمة وطرقها في الوصول ليقينياتها، فحدث التسارع في رفض نظرية داروين المطلق من غير امتلاك المؤهلات الفكرية المسبقة المحيطة بالنظرية أو بذل المحاولات لدراستها والوقوف على نقاط ضعفها وقوتها، فقاد لبعد جيل من الشباب المسلم عن الدين، بسبب اختباره لسلوكهم الضدي مع العلم والغرب، بعيدا عن ملابسات الرفض، يجب تنقية المعارف من تلبسِّها استجابات انفعالية والتقاطات سلبية وولوج الخاص والعام من الأطر والقيود إلى جوفها، كما تعبر.

والتسارع في التكفير وفتاوى التضليل من جانب كثير من علماء الدين على من يخالف المشهور ولو التزم الحجة والبرهان، او مسّ المنهج والنتيجة، في مناخات صراعية إقصائية صلبة متبادلة بين العلماء والمثقفين، ضمن قوائم وتحوطات التخوين والتسفيه. القاتلة للحقيقة عوضا عن بث جهودهم فيما يقتضيه النظر إليهم بوصفهم أطواق نجاة من الجهل، لا أن يسعوا للغلبة من موقع استعلائي خارج المعيار المنطقي والخلقي والقيمي.

وتقرر الكاتبة حقيقة جوهرية أولية أم لجميع المعارف التي»لا تتحصل بالانبهار ولا بردود الفعل، ولا بالضغوط الخارجية، لأن أصل المعرفة الحقيقية يكمن في التباطؤ والتأمل والتفكر والتعقل الطويل، ورصد الأدلة من كافة مصادر المعرفة دون إقصاء مصدر حتى لو كان باعتقادي مصدرا ضعيفا»

التسارع والتباطؤ، عوامل مولِّدة

يخضع التسارع والتباطؤ لعوامل ذاتية وخارجية من أبرزها، التحيزات المعرفية، توضح «شمس الدين» «وتحدث لدى معالجة معلومة بشكل خاطئ. نتيجة سعينا للتبسيط على ضوء خبراتنا ومعارفنا التي تشغل حيزا في أذهاننا، فيكمن التسارع الادراكي في تبني النتائج كمعتقدات نهائية، لا نعلم غيرها ولا نود معرفة ما يتصادم معها. فنصيغ ونُكَوّن أفكارنا وتصوراتنا بالطريقة التي ترسمها لنا» وتفرز وجهات نظر غير صحيحة. كما تبين وعلى رغم الميل الخلقي البشري ﴿خُلِقَ الإنسانُ مِنْ عَجَل﴾، اقتضاء هذه السمة للتغيير بالمجاهدة والإرادة الحرة بمحكم قوله تعالى: ﴿سأوريكم آياتي فلا تستعجلون﴾ وإلا كان جبرا وخلاف العدل الإلهي.

وتفصح بإمكانية تجنب التحيز عندما «يتمتع الباحث بقدرة تجاوز خبراته المتراكمة نتيجة تجاربه التي أكسبته ألوان معرفة دفعته للتعميم، وخلقت لديه حواجز نفسية من معارف أخرى، لا خلاف في إغناء التجربة الايجابي للإنسان، مثلما تخلق حواجز نفسية لديه تمنعه من التمرد على تلك التجربة ومحاولة خوضها بطرق أخرى، ودراسة أبعادها، فقد تكون بعض التجارب نتاج تسارع معرفي، فتكون مخرجاتها غير متقنة، وتحتاج إلى نوع من التباطؤ حتى يتحصل للإنسان معرفة أقرب للواقع» بعيدا عن افرازات الضغط النفسي والتآلف مع أصداءه المبهمة التي تشترك في قوام ما يتوصل إليه الباحث.

والتحيزات تتمترس في حصنه إذا حاول الضمور في أنساقه «عن خارج الاطار المعرفي الذي اعتاد عليه، وقد يكون وصوله آمنا صحيحا، ولكن غالبا ما يكون غير آمن ويرتبط المجهول بمعلوم غير واقعي وغالبا ليس صادقا. « أو أن يتقوقع في خندق الغلبة القبلية أو المذهبية أو الطائفية.

وتضيف لو لم يخرج الباحث عن تموقعه في صندوقه الفكري «مع امتلاكه لأدلة قطعية على معارف نتاج رحلته البحثية، والتباطؤ في فهم الموضوع محل البحث، بالتبحر في الآراء المتعارضة والمتوافقة، وبحث مفاهيمه ودلالاته، فإن منهجه يكون منهجا علميا لكنه متسارعا» فشرط اتسامه بالتباطؤ المعرفي لا يتم دون انتهاج تأمل وافر في المصادر والأدلة، وينصب الجهد خارج صندوق عقله وأفكاره، وانتقاء وتصفية متبصرة دقيقة، تنتهي بمعارف ترفع الجهل وتقرب الواقع.

وتؤكد أن مشكلة إنسان اليوم هي «التسارع المعرفي، ففقد قدرته على ضبط توقيت هذا التسارع، وفهم متى يمكنه أن يتسارع في نشاطه، ومتى يحتاج إلى التباطؤ»

وتفسر «شمس الدين» موارد حاجتهما «نحن نحتاج للتسارع في النهضة، لكن يسبقها تباطؤ في المعرفة وفهم الذات والمحيط، التباطؤ يحدد لنا من هو الإنسان، وما هي وظيفته، وكيف يمكنه أن يعرف وماذا عليه أن يعرف، وكيف يحقق معارفه في الخارج في دائرة تتحكم بها العدالة والكرامة، وتقول» إنه باختصار التأمل الفريد والتحكم في المعرفة وإتقانها، بأدوات معرفية تحقق نوع من التباطؤ للتدقيق والتعميق البحثي للوصول إلى نتيجة محكمة في مبانيها، تحدد الأحداث وفق معطيات بعيدة عن الوهم»

وقد يخلف استحواذه مناخ المثقف والباحث، الركون للإحباطات، بينما السعي للخروج من دورق التحيزات الادراكية غير المسيرة بحدود ما يشغله الفاعل الاجتماعي ضمن البنية التراتبية لمجتمعه، وهواجس مدركاته القبلية ومدخلاته المدرسية في سن التعلم، والتربية الأحادية المتوارثة التي تنم عن عمق التنميطات في الأفكار والمنهجيات ومصادر المعرفة. والمورثة للاطمئنان التواضعي البسيط. والتسالمات السطحية للإجماع الشعبوي، كقوة خفية تفرض التماهي معها كشرط واجب لعضوية الفرد فيها. أمر واجب، في تقدير الكاتبة «شمس الدين»، ويجعل الانتماء للحق والحقيقة، لتعرية الوهم المرتكز في العقل الجمعي السلبي الأبعاد، من الأهداف التي تسمو همّته إليها، وفي ذلك حكمة وجوده ووظيفته النضالية كصانع للوعي، دون التنازل عما يشكل حقائق ثابتة في الهوية المعرفية.

كما تطرقت إلى شروط اكتساب التحيز للشرعية ومشمول مسبباته، بعدما نوهت بأن «التحيّز ليس بنقيصة، بل يمكن تجريده من معانيه السلبية، ويصبح حتمية التفرّد والاختيار الإنساني ولا بدية الباحث والمثقف لأجل التحيز للحق، من ضرب الآراء ببعضها، لانتخاب أقربها للحقيقة، والانحياز بطرحه والدفاع عنه، هو انحياز صحيح وصحي في ذات الوقت».

على سبيل الخلاصة المستبانة من مجموع ما ذكرته المؤلِّفة

التمتع بالذكاء وامتلاك القدرات العقلية المتفوقة، بنحو ما هو معطى رباني متمايز بين البشر ـ وليس ثمة ذكاء لا يهدد صاحبه، ويتوفر سباحة عكس التيار، تقذف به في لجة التسارع ـ تلتقي عنده العلميات الذهنية والنشاط العقلي من التحليل والربط بين المؤشرات وحل المشكلات والتخطيط وبناء الاستنتاجات وتوالد الأفكار أو تنسيقها وجمعها والتفكير المجرد وسرعة التصرف واستخلاص النتائج الصحيحة، في تسابق مع الزمن، وفهم الذات وحساسية الشعور بالآخرين، فالمعدل الكمي لما يتعلمه بحساب الوقت أسرع من بقية الأفراد، وفي استعمالها لإيجاد حلول صحيحة للمشكلات. وبواسطة كفاءة الدماغ وخريطته الأدائية ونواته الفاعلة، طُوعت ميادين البصريات والطبيعيات والطب والبحث العلمي… الخ، عباس بن فرناس سقط وأصيب ودفع ثمن جموح خياله، وسعة تطلعاته، وهو تسارع ليس بالمفهوم السلبي لأنه فتح المجال كصاحب أول تجربة طيران على مستوى العالم، أمام تجارب لاحقة في تطويع حقل الفضاء، وتسهيل مشكلات المسافات على البشر، وفي أوج ازدهار الحضارة الإسلامية تقبل المحيط ولم تستنكر محاولته. فالجرأة رديفة الذكاء وكل مكتشف مسبوق باخفاقات ومحاولات قد تكون مؤذية، ومفلسة لصاحبها. فالذكاء متعدد المشارب وفي الأدب والبلاغة يدفع جرأة التعبير وهو تسارع في نوع العلاقة مع الحقيقة التي يمثلها العلماء بنزاهة ومنافسها السلطوي في لي عنقها وجرها صوبه، كما حدث مع ابن السكيت في جوابه على الخليفة الذي أودى بقطع لسانه.

وثمة أذكياء علماء حوكموا في عصرهم وانتهت نتاجاتهم إلى المحارق كما حال ابن رشد بتهمة التجديف على كهنة المدينة وإفساد الشباب، عندما يتحول الدين إلى المتاجرة يصير التدبر العقلي المستفيض والتفكير خطر صريح، وزخرت المرويات التراثية بأخبار الأذكياء ومحنهم، ونوعية مصادماتهم تختلف حسب شكل العصر ومرماه. ولا يخلو الأنبياء وسلالتهم من مثل هذه المواقف سواء مع قداسة التقاليد أو الذين تعالوا واغتصبوا السلطة السياسية ونصبوا أنفسهم موضعا لتمثيل الحقيقة ومصدرها الأوحد.. فقلما نجد ذكيا كتسمية وتجسيد مادي، ولم يدفع ثمن تسارعه، عبر المسرود التاريخي الأممي، فتسارعه فيما انتهى إليه من خلاصات واكتشاف العلاقات واستنتاج المتعلقات، ومناقشاته العلنية، مواز لتسارع قدراته الذهنية، ما يفرض على الباحث تجاه كفاءته العصبية وذكاءه، أن يضع بالحسبان الأفراد والمجتمع وحراس العقل ومحاكميه، الذين لا يشاركونه قدراته، وسيقفون عثرة في طريقه لتبرير وجودهم. فيأتي التباطؤ الذي دعت إليه المؤلفة في كتابها كخطوة متأنية، كأسلوب في دفع ثمن أقل إزاء معارك التحرر من السلطة المعيقة.

كربلاء بين التسارع والتباطؤ والتحيُّز

ولأن الكتاب يتطارح النهضة الحسينية، تعرج بعدِّتها بمفهوم التسارع والتباطؤ إلى ذاك المنجم، الذي لا تنفد كنوزه، «من خلال قراءات متعددة لهذه الواقعة لا تخرج عما ذكرناه في التسارع والتباطؤ في إنتاج المعرفة. « ولا يسع القاريء أمام ما شاب تناولها غير الإعجاب، بمتعة الكشف المستمرة المترافقة مع كل معانقة لسطوره، لكونه متفتح تتعاقبه الرؤى والاستدعاءات المقترنة به موضوعيا وزمنيا، أو غير المقترنة وتحفزها سيل السطور الجارف فتنهال.

تحلل «إيمان شمس الدين»، في محور «كربلاء بين التسارع والتباطؤ والتحيز»، دعوة الإمام الحسين(ع)، لسفيره إلى الكوفة مسلم بن عقيل: «أمره بتقوى الله، وكتمان أمره، واللطف، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجّل إليه بذلك».. وترى فيها مفارقتين دالتين، حيث تظهره متسقا مع «اللطف أي الدقة والتأني وتحري المعلومات، وكشف واقع الميدان خلال مساره وحين وصوله إلى الكوفة ليتثبت من حقيقة الرسائل والواقع السياسي للكوفة، وهذا مصداق التباطؤ».. وتثير الفقرة عينها، مدلول «العجلة، أي بعد التدقيق والتحقق، عليه أن يعجل في اتخاذ الموقف وإخباره. « فميّزت بوساطتها صوت واحد يصدر نداءين يناوبان التحول «ورسم معالم منهج في العمل، متى يكون التباطؤ ومتى يكون التسارع، خاصة في القضايا المطلبية والمواقف الحساسة التي تحتاج الى دقة، وفي الوقت نفسه العجلة في اتخاذ القرار بعد التدقيق، لدقة الوقت وأهميته في هكذا مواقف».

من خلال إحالتها للآية: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً﴾، والكيفية التي «يذكر الله تعالى عن لسان أحد أصحاب أهل الكهف، طالبا من الشخص الذي سيذهب إلى المدينة ليحضر الطعام، أن يتلطف، أي ينتبه ويتروى ويدقق، حتى لا يتم التعرف إليه، وهنا دعوة للتباطؤ في الحركة داخل المدينة. « يُفهم ارتباط الإمام الحسين(ع)، كقرآن ناطق، بتعاليم الوحي المتناقلة بالتربية النبوية التي تشربها، وحذّرت من تسارع ذيوع الأخبار كقاعدة عامة، «بأن ليس كل ما يُعرف يُقال»، و«خاطبوا الناس على قدر عقولهم» موازين لعلمية المحادثة والكلام، ما يجعل رهانه ليس في الوصول للمعلومة بل التحكم في محتواها وحمولتها الثقافية وأولويات مرجعتيها الأخلاقية والفلسفية في السلم والحرب، يقيه مغبة الخلط السالب بين التسارع والتباطؤ، لا يغفل وضعية المتلقي والظروف في تجاوبه، والأثر في تفاعل الآخر، ضمن آليات التواصل في الرسالة الإلهية، وقدرات الأخير وخبراته المتنوعة العائدة لتربيته وثقافته ومستوى إيمانه وتدينه، موقوف عليها نظم خطاب القائد، أو ستخلف القطيعة التواصلية إزاء الأحوال المتفاوتة، وهو دور صعب يحظى بالاعتبار والتكليف لدن الإمام وإلا سيدخله ضمن المتاجرين بالدين.

وتحت تساؤل كبير «هل يخضع التاريخ لعمليات التسارع والتباطؤ المنتجة للتحيزات الإدراكية؟ « تجيب، بخصوبة تعرضه للتحيزات ومساهمتها في تجسيد عيوب وعراقيل مشوهة لعتبة الواقع الادراكية وصوره، نحو عتبات تخيلية له، خاصة بعد إدخال علم الآثار، في حيز القراءات الحديثة، وإمكانياته الهائلة في التحقق.

وكربلاء تبرز تعدد الفهوم التفسيرية والتأويلية، الهاجسة لتبرير ما ينبثق عن مادتها، والملتبسة بإشكاليات قراءة التاريخ عينها، وخضوع اختلافاتها للتسارع والتباطؤ والتحيز المعرفي، كما تمثله «إيمان شمس الدين» في، مغايرة أهداف خروج الإمام(ع)، لدى علماء الدين وكتاب التاريخ، تقول، «تسارع في اعتماد بعضها، وتباطؤا في اعتماد أخرى، خضع التباطؤ لتحيزات معرفية وعقدية معطلة معرفيا. هذا التسارع في اعتماد أهداف بذاتها ساد مدة عرقل تفعيل واقعة كربلاء في تحريك التاريخ لتغيير الواقع ومواجهة الاستبداد، وعطلت الحركة العلمية في اكتشاف نظريات لبناء دولة وفق نظريات عديدة، كما نشهدها اليوم في الفقه الشيعي الاثني عشري. وبين المستبعد خروجه لإقامة دولة عادلة أو التمهيد لها، ومن تبنى الشهادة والالتزام لأمر الله تعالى كهدف وحيد، معطلا بذلك، المحاولات الناظرة لأهداف خارج هذه السياقات المعرفية المحدودة، سالخا الإمام ع عن وظيفته ودوره السياسي والديني في مواجهة الفساد وتحقيق العدالة، ومنع العبودية لغير الله تعالى، وناصرا للمظلوم.

وفي الاختلاف في تأويل الواقعة بين كونها ثورة أو نهضة، «نموذج في التسارع والتباطؤ والتحيز سيلقي بظلاله ليس فقط على إنتاج المعرفة، وإنما سيتعداه لرسم صيغ يبني عليها رؤيته الشرعية، وسبيله الحركي السياسي في واقع التاريخ والمجتمع وآليات التحول والتغيير فيه»

وفي التباينات والانقسامات المرسومة عند فقهاء الشيعة، للشعائر الحسينية، «بين من يدعوا لإصلاحها فيحارب من عامة الناس، أو من العلماء، وبإصدار الفتاوى. فغاب عنها التنقيب العلمي، لتترنح بين تسارع في تبني مراسم كشعائر مقدسة، وبين تباطؤ في علاجها علاجا علميا يدرس منشأها، ويخضعها للرؤية الشرعية، منشأ هذا التسارع والتباطؤ، التحيز العقدي الذي يحجب الإنسان عن التدقيق لاكتشاف الواقع، وسلطة عوام الناس التي تدفع باتجاه سيادة ثقافة شعائرية محددة لاعتيادها عليها دون تدقيق، وارتباط هذا السلوك بالمقدس والولاء يتطلب جهد مضاعف وشجاعة في مواجهته بعقل علمي منصف»، وتضيف واتساقا مع هذه الأقوال لحصر المقبول وتفضيله، يقيّد بالتسارع والتحيزات حينًا، ويشبّع حيناً آخر، بالتباطؤ المعني بالصحة والتدقيق في الترجيح والتخصيص والتقديم لقول على البقية، وتقوية ما رفدته الأدلة المعتبرة، الموقوفة في شأن واقعة كربلاء، فمحاولات الوصول للحقيقة يقتضي فصل الأهواء والمسبقات المعرفية، لأنها مما يعوّل عليها في الفكر والفقه.

وانطلاقا من منهجين قاصرين عن تطعيم كل أبعاد الثورة، لتمتح أدواتها ومفاهيمها من الديمومة والأسوة للإنسان الحي، وشروط المعاصرة في المسألة الاجتماعية، فيتعسر بلوغ المسلم للوعي السياسي والتنافس الحضاري والتفتيش بداخلها عن جوهر ثباته الناجز في عاصفة الحضارة المادية، يتعالقان ويسودان قراءة واقعة كربلاء، توضح، منهج السرد التاريخي، وينهل من التداعي المستمر للمأساة، والعاطفة المستثارة، لجني أهداف تربوية وسياسية وثقافية. وآخر جمالي تاريخي، يقتات على تاريخ الشخصيات، ويتحرض أطراف الصراع، كمتقابلات أخلاقية للفضائل أو الرذائل، لنصرة قضايا تربوية وثقافية دون السياسية ومن مآخذه الإيحاء بالثورة كخلاف عائلي أيقظته مطامع الزعامة..

تسمّي القراءة المقاصدية المطلوبة للتاريخ من وجهين.. «الأوّل، قراءة المقاصد الحراكية لكل شخصية رمزية، وشخصية لها قدسيتها، على حدة، والغوص التاريخي في تلك الفترة الزمنية، أي قراءة منفصلة.. والثاني، قراءة المقاصد الحراكية لتلك الشخصيات، باتصالها بمن سبقها، الذي يسبقه وبمن تلاها، أي قراءة متصلة للحراك المقاصدي، للشخصيات الرمزية والمقدسة واحدا تلو الآخر».. ولا تنكر ومع تمخض المعوقات وصراع الارادات عن الساحات العالمية بين محور الممانعة الامتداد للثقافة الحسينية، ومحور الطغيان، ظهور انتاجية مرصودة للثورة الحسينية، اعتمدتها لتحقيق أهدافها القيمية، فشقت طريقها وعرجت لعبورها الزمني العالمي خارج التخمة المرضية لموائد المذاهب والطوائف.

تركة التاريخ وصنيع شخصياته ترثها الأجيال تكملة لذاكرتهم، وتذكي روح تجاربهم الماضية لتنتعش في حاضرهم بملازماتها الإيجابية والسلبية، وبمثال للسباق الاستعماري لوراثة التركة العثمانية، ومواقف الحكام العرب ونخبها في احتلال فلسطين، وفي تحميلنا صراع عقود من الحرب والتخلف، لا يعني قبولها ترى «شمس الدين» وتواصل تحت عنوان تأثير تركة التاريخ، بل إعادة تصنيع الأحداث المزيلة لعوائق التطور، تعرية وإفساد أي مؤامرة يعاد استخدامها بصيغ مختلفة، النقد لفهم مواضع الإخفاق ومحاكمة عادلة موضوعية للشخصيات، توضح مسؤوليتهم في صناعة الحقبة، لرفض التوارث السلوكي الذي كرس واقعنا المتخلف من قبل الأنظمة وتعاملها مع الشعوب.

وتدعو إلى «تخصيص مركز بحثي لتوثيق الدراسات ودراسة التوثيقات وأرشفتها وفق أحدث الطرق المحافظة على دقة الناقل وتوثيق المنقول، ومواكبة النظم الجديدة كالتشفير الصوتي والصوري والرقمي تؤسس لمنهج توثيق يتلافى التزوير، فيكون البحث عن كربلاء في الكتب المتعرضة لها، ومدى وثاقتها، ووثاقة ما نقلت عنها، وفي الأخبار وقائعها ودقة المنقول منها، ووثاقة تفاصيل هذه الأخبار وشخصوها، وقبول الشيعة والسنة بمصادر الآخر الصحيحة، ما سيوفر جهدا على الأجيال اللاحقة، ويقلل التشكيك في التراث» في التاريخ ومصادر المعرفة.

 

تصف المجتمعات المبدعة المكتفية ذاتيا المنتجة في كل مناشطها تستقي من مفهوم التضحية والثورة، كبناء فكري وتوظيف عملي مفصلي في استثمار التغيير والتأثيث العجائبي للطاقات العقلية الخلاقة، في أجواء الكرامة والحرية، أي الجامعة للنهضة والثورة، في عنوان «المجتمع بين النهضة والثورة»، وتفاوت المجتمعات الإنسانية فهما وإدراكا لهما، قد يُرى التميز بغزارة الأفكار فيها بمشاريع تخدم المجتمع وبنزوح جماهيري للتعلم والتثقف، مع عجزها دفع ظلم السلطان بحقها، تظل إنجازات شكلانية خاوية عن أي ثراء حقيقي، يتمّ التعبير عنه بمعزل عن صهر الثورة بالفكرة وتخصيبها في العزم والعمل. وتبيّن اختلاف العقل عن الرشد وأن الأخير مرحلة مضافة، ومقدمة للحكمة، التي تفوقهما في الصمود أمام الأهواء، ولمحدودية العقل احتاج لمرشد يمثل القيادة الربانية، في التفكير والسلوك البشري، لعجز انفراد المعارف المتراكمة مع نمو الإنسان في صياغة شخصية ناضجة آمنة من الضلال.

وتتعرض بتفصيل لأهم معالم القيادة الربانية، الرشد، والوجود في الميدان، والتضحية بالذات لأجل الحقيقة والمصلحة العليا، والقدرة على التأثير وترجيح المصالح العليا للأمة التي شخصها المشروع النبوي، تقول في الأخير أي «امتلاك القيادة الربانية القدرة على التأثير، واعتبارها السلطة وسيلة، لتحقيق مشروعها العادل، وليست هدفا، فهي فاعلة وبقوة وإن لم تتوفر القابليات لهذا الفعل، تمتلك قدرة كبيرة على التأثير القائم على أساس الدليل والبرهان، وتحريك الحواس والعواطف، فقوة الحجة تخاطب العقل بقوة، وتمتلك ذكاء عاطفيا»، أي هناك مزاوجة تكاملية عند القائد، من جانب العاطفة كوظيفة تواصلية لنقل المعلومات وتبادلها، وعلى مستوى الإمداد والاستمداد، من الأفكار والاتجاهات والعواطف، اللفظية وغير اللفظية، ومتسع لمشاعر المستقبل حين الغضب أو مخالجة اليأس والتقاعس، فيتفهم ويقبل ويرفض ويجري التقويمات، بمهارة في الأداء والتحكّم بعيدا عن انسحابية التواصل السلبي أو الاستعلائية نحو التحفيز وإدارة الانفعالات والعلاقات الاجتماعية ملاحظة بجلاء في قيادة الإمام الحسين(ع) وقوة حجته، وعاطفته شدّت الكثيرين، من جيش بن سعد إلى خطاباته حين ألقاها فهزت القلوب وحرفت مسار البعض نحو الفريق الكربلائي.

فالالتحام بالشعب والتوق لهدايته بالمنطق والعقل، وقيادة النفوس برفق وحب إلى كمالاتها، وتسنم دوره النضالي تجاه أي عدوان وتهديد والمرجح لصالح شعبه وسعادته على ذاته، أصل في القيادة الربانية، تقول المؤلفة وعبر خطابه «ع» تستحضر ثورته وخروجه إلى الكوفة، لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح في مواجهة ما أحدثه معاوية من فساد في بنية تفكير الأمة، والتلاعب بمعاييرها، فكان الأكفأ في إعادة البنى القاعدية للتفكير لنصابها الصحيح، وإعادة ترتيب أولوياتها، وفق إرادة الله تعالى. ولو قادت إلى الشهادة كأقصى مظاهر البذل لأجل حياة الآخرين بطريقة صحيحة، ولأجل إعادة مسار خط الأنبياء في التوحيد والعدل إلى طريقه السليم، ومن أقواله «اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان، ولا التماسا من فضول الحطام، ولكن لنرى المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسنتك وأحكامك، فإنكم أن لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيكم» وعزمه الظاهر والملموس في تشييد مشروع سياسي، على الرغم مما ينفيه بعض المؤرخين بهذا الصدد.

بإزاء معالم الزعامات المقابلة للقيادة الربانية المضادة لها، والكاشفة كتمحيص عن مدى صدق الإنسان في خياراته الظاهرية، وتنبؤ بدرجات وعيه ورشده لوظيفته، تجسدت في اللحظات التي سبقت الواقعة والموقف المتخذ نصرة أو خذلاناً.

في رحال الإمام الحسين(ع)، تثير المؤلفة سجال الثورة والنهضة لتعزز تقوم كربلاء عليهما معا، وتسم التغيرات الاجتماعية وانحراف السلوكيات، والمسلمات الاعتقادية والثقافية، بالتدريجية عند ظهورها، وفي حال جدب المجتمع عمن تتمثل فيه النباهة والسيطرة المعرفية المائزة للتبدلات رصدا ومعالجة، فستؤدي إلى تحول في الذاكرة الجمعية مع تقادم الأيام، كما أن المحافظة على الوحدة السياسية للمسلمين كانت تعني التفريط في المحتوى العقدي والتشريعي للمؤسسة السياسية الإسلامية في ذاك الأوان.

الرمز والانفعال الاجتماعي

وتبدع في تفسير القضايا الموضعية «الميكروسوسيولوجيا» بفرضيات ذات دلالة شمولية «الماكروسوسيولوجيا» وتطبيقاتها الاجتماعية في الحدث الكربلائي، تقول في محور الرمز والانفعال الاجتماعي، «فمثلما أن الموقف تفاعل لأجساد بشرية، واعية لمدة ساعات، أو ثوان، والفاعل هنا يعتبر أقل من الموقف بأكمله، وأكبر منه في الوقت نفسه، بوصفه وحدة في الزمن الذي يمتد عبر الزمن بأكمله.. فالمواقف تحيط ببعضها، والمستوى الكلي الميكرو للمجتمع لا يجب تصوره، كطبقة عمودية فوق الأجزاء الجزئية «الميكرو» كما لو أنه يوجد في موضع مختلف، ولكن يجب تصوره كموضح لدوائر وتشابكات المواقف الجزئية، فواقعة كربلاء هي حدث زمني يتمثل فيه الحدث «الماكرو» الذي يمثل كلية تكونت من أحداث «ميكرو» تشابكت فيها ظروف الداخل ببعضها البعض فما يحدث (الان وهنا) يعتمد على ما قد حدث (هناك وحينئذ) بمعنى أن الأحداث ترتبط بعضها ببعض، لذلك لا يمكن فصل الواقعة عن شبكاتها التفاعلية الأفقية، والعمودية، فهي تفاعلات شكلت منظومة أفكار أثرت في واقعنا المعاصر بشكل أو بآخر، ولذلك تعتبر كحدث تاريخي ملهما من جهة، ومؤثرة في توجيه تفاعلات الأفراد وسلوكهم تجاه قضايا مماثلة. «

وتظهر المؤلفة، أن العلاقات الإنسانية تحتوي بطبيعتها على انفعالات تتسلل لتكوين أحكام حول مواقف وتترجم أشكال ملموسة للتواصل، وحالة الانفعالات الدينية طرفانية، تفاعل وانفعال، تتفتح وتزدهر بدوافع قوية من الرابطة المعنوية المتمثلة بالغيب لدى الأفراد كلما تمثلها الرمز الديني وأدركها الأفراد تعمقت. وهي من الروافد الرئيسية الموجه سلفا لبروز التقديس نحو تشريعات المجتمع الديني ونخبه، لشخص، رمز، شعيرة، وبوضع القادة كبؤر انفعالية، سرعان ما تتقدّس، وبروز الاستلهام، ما يتحرك بمقتضاه أي مجتمع ملهم برمز ديني.

وتوضح «شمس الدين» أن الأمة في العصر الكربلائي، تحت زعامتين تنشأ عنهما انفعالات وتفاعلات طرفانية، تتبع بنية كل طرف البنية الفكرية والمعرفية والمثل الأعلى له، زعامة دينية متمثلة بالحسين(ع)، ورمزيته السماوية، وكيفية تفاعل الأفراد والمجتمعات معه وزعامة قبلية، تحركها الانتماءات العصبوية، وعلى ضوئها تتفاعل وتنفعل المجتمعات والأفراد.

وبالتالي تفرّق بين الشعور بالشيء، وبناء انفعالات وفقا لهذا الشعور، ويحاذر الشعور ذو البعد العاطفي المتجرد، خاصية التعقّل فينجم عنه انفعالات عاطفية محضة متعجلة وطائشة. لذا تحرص على تقديم المعرفة وتمييزها عن الشعور والفعل الذين يجب أن يتأخرا في مجموع تعامل الفرد مع القضية الحسينية لتصنع التعقل، أما تحييدها فقد ينتج سلوكا انفعاليا لا يحقق ما أراده الحسين فالنظام الانفعالي مع القضية الحسينية، المعرفة، التي تتطلب فهما، وتوثيقا وادراكا، ورشدا وتعقلا وحكمة، وهذه المعارف ستفتح باب الانفعال المتعقل الذي يبعث إرادة الإنسان للفعل، كما تقول.

الفصل الثاني: تأصيل النهضة

تُصور العلاقة بين العدالة والكرامة والحرية، من خلال ما شهدته المدينة المنورة بين الأنصار والمهاجرين، وبقية الطوائف، فيما يعرف بصحيفة المدينة، لحظة تدوينها كنظام حقوقي للصلات والروابط حافظ لقيمتي العدل والكرامة، وموارد المساواة، ما يجعلها بمثابة رصيد يُبنى عليه، ويفرّع، كون أصلها الديني نبويا محمدياً، وهو ما أراد الأئمة(ع) إتمامه، وتقاطع بنو أمية وتعالوا عليه فترشحت مفاسدهم وسطوتهم الكسروية، القامعة لانبلاج التجربة الإنسانية ومجاهداتها وجهادها في إنشاء دولة منبثقة عن تلك الوثيقة وما تضمنته من الإحالات المعرفية الدستورية.

ومن تساؤل، ما هي النخبة وكيف نظر إليها القرآن الكريم، وما فرقها عن المفهوم الذي نما في مدارس خارج المدرسة القرآنية؟. تؤشر المؤلفة على مفهوم النخبة في العصر الحديث، وتعزو ظهوره إلى عالم الاجتماع الأمريكي «شارلز رايت ميلز» في دراسة نقدية لكشف زيف الديمقراطية في كتابه نخبة السلطة، وكيف تتحكم النخب القوية في امريكا بلعبة تسيير شؤون البلاد وتعرض الديمقراطية لخطر التهديد، ومنهم، العائلات المنحدرة عن أصل تاريخي، المشاهير، المدراء التنفيذيون، أصحاب الشركات العملاقة، جنرالات الجيش، الحكام السياسيون المستبدون، ومن بين عدة اطروحات تقتنص صفات تشكل القاسم المشترك لها مثل، قلة العدد، تتبع مسارات اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، تشغل موقعا في السلطة، توجيه الرأي العام، حرف الناس لتبني قيمهم ومعتقداتهم، من الطبقة الارستقراطية، تتبدل وتتغير وفق معطيات الزمان والمكان، فلا تحكمها معايير ثابتة، من حيث المواصفات ومنظومة القيم. تحسم قضاياها بحسب صالحها، خدمة السلطة وتسهيل مشروعيتها بوسائل الدعاية والتأثير المتاحة.

أما خطورتها بحسب «شمس الدين» فتتأكد لعلة ارتباطها بالنخب الحاكمة، المكرسة للاستبداد مهما اتصفت بها المسميات والوظائف القيادية التي تشغلها. مع ذلك لاتدعو لرفضها ودفع ما يأتي عن صناديق الاقتراع، وإنما خوض تحد يتمثل في حقيقة الحيازة النخبوية للنصيب الأكبر من السلطة وصناعة القرار، وتطوير الممارسة الديمقراطية لا رفضها يبقى خيارا أفضل من الاستبداد.

وتنبه عن اختلافها في المنظور القرآني، إذ قابل بين نوعين من النخب فوضع مواصفات النخبة بمدلولها السلبي وأطلق عليها لفظ الملأ أي مجموعة تملأ العين من حيث الموقع الاجتماعي والقيادي والاقتصادي والقدرة العلمية، يحيطون بالحاكم الطاغية كملأ فرعون في عصر النبي موسى(ع)، وللنخبة بمدلولها الإيجابي وأطلق عليها لفظ الصفوة ووضعت سبعة محددات لها، كالعبودية لله وعدم التوجه لسواه والتفكير في رحمته ولطفه، ورفض الانقياد لما يهتك الكرامة والتعدي على الحريات، وقوة الإدراك والتشخيص والبصيرة، وحسن الأداء، وعلى مستوى عال من العلم بشريعته تعالى وآفاق الكون من حوله، أصحاب إرادة قوية غير كسالى أو عاجزين أو ضعفاء، يبذلون الجهد في تطلعهم للحياة الآخرة، فإيمانهم وعملهم الصالح وخلقهم الرفيع تمثيلهم للخير كله، معيار للاصطفاء لهم بالنبوة والرسالة من الخالق.

وتنتقد المؤلفة استغلال النخب في عصرنا للشعارات الإصلاحية في النخب وتمجيد الجهل، سلما لتمآربها الخاصة ولمقبوليتها كفئة والتسهيلات الممنوحة لها، في تشويه مفاهيم محورية في التوحيد كالحرية والعدالة والحق لغايات بعيدة عن واقعها، وتحلل نوعياتهم والتداعيات الخطيرة المترتبة على ضوئها، خاصة مع تمييع معنى السعادة وتثمين الرفاه كمبتغى وأرفدته بمعنى السعادة الحقيقي.

كربلاء بين الصفوة والملأ

وعبر تحليل الخطبة التي ألقاها الإمام عليه السلام، في الاحتجاج على المارقين من أصحاب ابن مرجانة، توصلت إلى مواصفات الملأ من نكث العهود والميل مع كفة الأقوى لعدم تضرر مصالحهم، والانقلاب على الحق وأهله وتقديم القوة التي لديهم لجبهة الباطل، الوشاية بالناس، تقديم ما يمكن أن يرفع حظوتهم عند من يمتلكون السلطان والنفوذ، الطاغوتية والنفاق وعدم الالتزام بالقرآن الكريم، وتحريفه، التحول لسلاح في يد ما يتمثله الشيطان من مستبدين وفاسدين وإشاعة المعاصي في المجتمع، قتل النفس المحترمة، من سلالة الأنبياء والأوصياء ومن سار على دربهم، يتعمدون إيذاء النخبة من الصفوة، ووسيلة إعلامية للترويج للمستبدين والفاسدين.

بينما مثل الإمام الحسين وأصحابه مواصفات الصفوة عند تهديد مستقبل الإسلام والأجيال وتعرضه لخطر وجودي، والمختصة بقدرتها على تشخيص اللحظات التاريخية، التي يمكنها تغيير مجراه ورسم معالمه من جديد وضمان مسؤولية الأجيال بأقل خسارة ممكنة وجودياً. وهو نموذج لما يجب أن تقدمه النخبة عندما تجتمع لديها الظروف والتهديدات الوجودية نفسها، ويتضح من مواقف جمة منها، موقفه في المدينة الرافض لبيعة يزيد بعدما لاحقه الوليد بن عتبة ليأخذها منه، حيث كان مجتمع المدينة ينتظر موقف كبار الشخصيات المعارضة لحكم بني أمية لتحديد آراءهم التابعة لها في القبول والرفض، وتسهب فيها المؤلفة.

وينال الحصة الأوفر من الكتاب، ويناقش: العدالة والتمييز قراءة في الآثار، علاقة الإمام الحسين(ع) بالسلطة والطغيان والعدالة، موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مجددا لماذا خرج الحسين(ع)، كيف لعبت نهضة كربلاء في تأصيل الوعي الثوري؟، علاقة الوعي الثوري بعالم الغيب، هل تعتبر واقعة كربلاء، وموقف الإمام الحسين قبل الواقعة وبعدها ملهمة لمفهوم المعارضة السياسية؟ مفهوم الدولة والتأسيس الفقهي، المسؤولية في عصر الغيبة، إشكالات على الحكم الدستوري وبدائله، الصفات اللازم تحققها في المتصدِّين وغيرها.

الفصل الثالث: الشعائر والعقلنة، قراءةٌ وتصويب

تتحدث فيه «شمس الدين» عن الأهداف التي يحققها الإحياء، وتجلياته التعبيرية في الحزن والبكاء، وبناء على ورود روايات معتبرة باستحباب العزاء دون تعيين شكل خاص له، نتاجها تجويز فقهاء الإمامية أو تحريم بعض مظاهره، وأن مواكب العزاء، واللطم.. الخ، هي أساليب ناظمة للشعيرة مما ينزع عنها صفة القداسة، لا الشعيرة بذاتها التي تعني علم من أعلام دين الله تعالى كالأنبياء والأئمة(ع)، فتكتسب مشروعيتها من هذا الواجب، شريطة توافقها مع تقوى القلوب.

وتسعى في الشعائر والإصلاح والنهضة لتبيين الفوضى السائدة في أجواء الإحياء وظهور مدارس على أساس تشخيص مصداق الشعيرة وقراءة الحدث التاريخي، للأسف أصبحت بالضد من القيم التي أستشهد لأجلها الحسين(ع)، وأبعادها في الفكر البشري والسلوك الاجتماعي الغنية بالصراعات وأداء ممارسات غير مألوفة لعامة الناس، واختطاف خطباء غير مؤهلين للمنابر، ومع وجود مدارس مختلفة حول فهم الواقعة ستختلف نوعية الخطابات والمفاهيم المطروحة حول كربلاء ومدرسة أهل البيت»ع»، وبعض المدارس تنتمي إلى فهم متشدد موغل في الفهم المذهبي لعاشوراء، وشق وحدة الأمة وقتل أبرياء في بعض الدول، ما يدعو لترشيد العزاء.

وترى الحل في أخذ الفقيه بالفقه الاجتماعي في الفهم كمكمل للفردي، فسيغير من إدراكه للأبعاد والانعكاسات الاجتماعية لجواب الاستفتاء. وتحلي المكلف ببذل الجهد والنظر للخروج بفهم وفق ما وضعه الفقيه من كليات دون الرجوع المباشر إليه. وطرد الكسل أو الاستقواء بالفتوى لتثبيت ما تستهويه أنفسهم في طريقة التعبير عن جزعهم، في الشعائر والاستفتاء الفقهي، لا في تستره بما يدفع عنه النقمة الشعبية، أو مساهمته في صناعة العقل الجمعي المعظم للطقوس لغاية رفع رصيده الجماهيري كما هو الحاصل لدى البعض.

وتشيد بثقافة المقاومة المستوحاة من ثورة الحسين عبر نداء «ألا من ناصر فينصرنا» إلى ضرورة انسحاب مفهوم تجديد العهد مع موسم عاشوراء، لينطبق على الإحياء في النهج، والتقويم في المنهج والسلوك عبر تجديد الخطاب العاشورائي والارتكاز على العالمية تحت مظلة الإنسانية، وبأسس قائمة على العدالة، ورفض استبداد الحكام السياسي واستقامة القانون ليكون محور الخطاب هو الإنسان بكل مصاديقه، والنهوض به إلى مستوى احترام الآخر، ونشر ثقافة الاختلاف لا الخلاف. والتخلص من النمطية والتقليدية في إحيائها من خلال عصرنة الخطاب مع الحفاظ على ثوابته.

وتأسيسا على ما سبق تقديمه حول الرموز الدينية والانفعالات والاستلهام تستفيض وبإبداع وهي تعقد تحليلا مطولاً قيماً للصلات بين الأوبئة «كورونا» والدين والمقدس، وما استدعته الجائحة ببصماتها على التكوين الإنساني من إعادة تقييم كثير من الفهوم والاعتقادات واليقينيات، وإعادة فرضها من جديد على المناشط والمنجزات، وتعود المؤلفة إلى سياقات كورونا كأفق للتفكير، وسؤال تحوّلاته الجوهرية على العلم، وفي البنى الفلسفية للدين والاجتماع والقيم، فلم تعد محصورة في نطاق الصحي والبيئي، بل كونية، وجودية، ايديولوجية.

وترى نزوع فئات من القادة الدينيين لتوجهات العوام في التفكير والتفسير للوقائع الحياتية باعتبار العوام السلطة التي تثبت مراكزهم وتبرر وجودهم، فتتحول أطروحاتهم إلى الشعبوية وتتداخل مع تخصصات العلوم الطبيعية من خلال مبدأ السوبرمان وهو مبدأ مخيال شعبي لمعنى القوة، وفاعليتها الخارجية دون الحاجة لإبراز جهد عقلي وجسدي في سبيل الكشف عن الواقع ومواجهة الإشكاليات التي يواجهها المجتمع والدولة، سواء مشكلات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو صحية.

وتقول، «لا يمكننا الاستغناء عن الرموز الدينية لدورها الفاعل، في ربط الإنسان بالله، وبث الطمأنينة والتسليم في روحه، عبر ما يمثله من صورة ومنهج وطريقة يلجأ لها الإنسان للاعتبار والاتباع ويستمد منه القوة والثبات، ويعطيه البصيرة في كيفية السير في هذه الدنيا، وكيفية توظيفها باتجاه القوة العادلة. . كما لا يمكن للرمز الديني أن يأخذ دور العلم الطبيعي، إلا في حدود التوجيه العام الذي يدعم مسار العلم، ولا يمكن للعلم الطبيعي أن يتدخل في الدين ودوره ودور رموزه إلا في حدود ضيقة، يكمل فيها الآخر، ويدعم مسيرته»

وتطرح فيه جملة من الموضوعات الغنية، كالخطاب الإسلامي بين أزمة القوالب الفكرية وأبعادها الدلالية، والخطاب والمنبر الحسيني، وغيرها، مما لا يتسع المجال لعرضه ويكشف الجهد النظري المستحق للقراءة والإشادة.

([1]) وهي كاتبةٌ وباحثةٌ في الفكر الدينيّ والسياسيّ.

([2]) وهي كاتبةٌ وباحثةٌ في الفكر الدينيّ وقضايا المرأة.

([3]) https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B5%D8%B1%D8%A9/

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً