أحدث المقالات

اسم الكتاب: دروس تمهيدية في تاريخ علم الرجال عند الإماميّة
للأستاذ حيدر حب الله ، حرّره الفاضل أحمد عبد الجبار السمين.
نشر: دار الفقه الإسلامي المعاصر 2012م.

الكتاب يطرق باب الاهتمام بتاريخ علم الرجال  ، و ان كان هناك من تناول بعض المفردات التاريخية له في ثنايا بعض الكتب ، و لكن تخصيص  دروس و تحريرها في كتاب  خاص تعد خطوة مهمة في هذا المسار .

استرعى نظري و أنا في مطلع المطالعة عنوان جذبني و هو :  مقترح لنهضة رجالية و حديثية . ( ص 47) دعا فيه الى قبول آراء الرجاليين من المسلمين الشيعة و السنة لبعضهم ، على الأقل بناء على بعض الاتجاهات. و قد سبق للشيخ شمس الدين ان دعا لمثل ذلك  بناء على الوثوق بالصدور .
يبدو لي ان اللمؤلف بسط المسألة كثيرا و جردها  من تراكماتها التاريخية دون معالجات جدية عميقة . بل اكتفى بتقديم تخريجات مبسطة جدا على بعض الاتجاهات لدى الفريقين . و يظهر لي اذا تمت حسب الاتجاه الأول و هو الخبروية ، فكيف تتم حسب الثاني  و الثالث ؟ هل يعتبر الرجاليون من هذا الفريق أو ذاك ثقاة في النقل ؟ ان الفجوة القائمة مردها الى أزمة الثقة في النقول   ثم التكاذب بين مختلف الأطراف . و عدم قبول قول المبتدع فضلا عن شهادته !
ثم ان الناظر لجملة من كتب الرجال و شروح الحديث و كتب المصطلح و الدراية و ما كتب فيها سيلحظ هناك اتجاهات متشددة سعت الى تقديم تنظيرات لرد روايات ليس فقط لرواة لمجرد انتسابهم لفريق معين  كم قبيل كونه عامي أو رافضي  و ما شابه  ، أولاعتقادهم  ببعض المعتقدات ، كالرجعة و التفضيل و ما الى ذلك . و المشكلة تكمن في التساهل في رمي  كثير من الرواة لهذا الفريق المرفوض أو ذاك ليس بناء على معلومات علمية  موثوقة بل بمجرد النظر في مضامين رواياتهم  فيما اذا كانت تحمل مضامين معينة مثل فضائل أهل البيت عليهم السلام  ، و هكذا بناء على النظر في متون الروايات ، لا يكتفى برد تلكم الروايات لمخالفتها لمباني معينة ، بل يكتشف منها الاتجاه الفكري للرواة فيرمون بكل تهمة مسقطة كالتشيع مثلا . و قد جر ذلك الى رمي بعض كبار المحدثين و المؤرخين بذلك من قبيل أبي جعفر الطبري و الحاكم النيسابوري و النسائي و ما الى ذلك .

و السؤال هنا ، كيف يمكن الاعتماد على مثل هذه الاتجاهات و المواقف من مختلف الفرقاء ، دون مراجعة لهذه القواعد  و النظرات السلبية في البداية و تقديم تفسيرات و مراجعات لها . صحيح ان الكتاب ذكر بعدم الاعتماد على من يتهم الرواة لمجرد الانتماء ، و لكن ماذا عن رد المرويات بناء على تناولها لفضائل أهل البيت ؟  و بناء عليه تم إهمال كثير من الرواة و مروياتهم  حتى في المدونات الحديثية الموصوفة بالصحيحة  أو المعتبرة  عند هذا الفريق أو ذاك . و السؤال الذي يطرح على المؤلف هو هل يعتمد روايات الصحيحين ؟ لأن من روى عنهما أو رويا عنه  فقد جاز القنطرة ،  كما قيل .  و تاليا ما هو الموقف من  المستدركات أو صحيح بن خزيمة و بن حبان  و ما شابه  ، و ان نسبت بعضها الى التساهل ؟ مع العلم بأن جملة من رجال الصحيحين نسبوا الى التدليس  و منهم  من  نقد من الرجاليين  ، إلى أمور أخرى لسنا بصددها .  و  ما الموقف من الرواة الذين جرحوا لمضامين مروياتهم و ليس بناء على معرفة أحوالهم من حيث التوثيق أو التجريح و التعديل ؟  فكيف التعامل معهما و مع تصحيحات الجمهور ؟ المطلوب تقديم قواعد أو ما يشبهها لا مجرد طرح أفكار قد تكون مورد جدل  بين مستحسن لها و معترض عليها . و ان كان هذا أيضا يسهم في تقديم الأفكار على مدى الزمن .
نعم المقترح الذي قدمه حول إعداد موسوعة رجالية مشتركة جدير بالاهتمام من قبل الجوامع و الحوزات و المرجعيات الاسلامية . و لكنه كمترح يبدو جيدا و لكنه أيضا يحتاج الى مجهودات و بلورة رؤى تمهيدية حياله .

حول بدايات الكذب في الحديث : حول الروايات  الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله  في التحذير عن الكذب عليه ، اختار المؤلف لفظ البخاري في المتن ، و ذكر في الهامش بانها وردت في الكافي باختلاف يسير . ( ص 54)  و يلاحظ ان  رواية البخاري لا  تتضمن وقوع الكذب في عصره ، و رواية الكافي  أخالها من طريق سليم  بن قيس تتضمن بوضوح الى هذا المضمون و مفاده لقد كثرت علي الكذابة .. و هي أكثر تناسبا مع مضمون الفكرة التي اسشهد بها الكاتب ، إلا لأن لدى المؤلف نظر في السند  كما أوضح  في مقام آخر . ( 59) على  انه في موارد عدة في الكتاب لم يدقق في السند . ( ص ، 60 ، 61 ، 55)  كنت أتوقع ان يتوقف المؤلف  وقفة تحليلية  موسعة  على هذه الرواية المفصلة عن أمير المؤمنين عليه السلام ، بدل الاكتفاء بشرح المعنى فقط  و هي وثيقة تاريخية  مهمة تشير الى أمهات  العوامل لظهور الروايات المختلفة و المكذوبة . ثم و ان كانت سندا بها كلام حسب بعض المباني ، و لكن مضمونها منطقي و ينسجم مع التطورات التاريخية و مع منطق الأشياء  ، و تعززه روايات أخرى ، و مروي في الكافي و النهج مع خلاف يسير جدا .
انتهى الكتاب  الى تأخر علم الرجال عند الإمامية كعلم مستقل (64) و كان المطلوب بيان الأسباب و العوامل التي أدت لذلك ، طالما  الكتاب تاريخي  . و هل هناك أسباب موضوعية تاريخية ، كما هو الحال بالنسبة لأصول الفقه و الفقه التفريعي .

كما كنت أتمنى لو قدم نبذة عن ظهور أبرز القواعد الرجالية عند الفريقين أو أهم القواعد المشتركة عند الفريقين و تاريخ ظهورهما  . كما  من المهم التوقف عند بعض الظواهر  اللافتة  من قبيل تمازج القواعد الدرائية و الرجالية مع الفقه الاستدلالي عند الإمامية ، بينما الوضع مختلف عند بعض الفرق الأخرى ، بحيث نجد ان علوم الحديث و الدراية و المصطلح و الرجال تكاد تكون منفصلة عن الفقه و أصوله ، بل ظهرت موسوعات حديثية صحيحة مستقلة لدى بعض الاتجاهات ووجدت تخصصات علمية في الجامعات و الجوامع تفصل بشكل واضح بين هذه العلوم و المجالات . بينما كثيرا ما نجدها تكاد تندمج عند الإمامية في البحوث الاستدلالية فقها و أصولا . من جهة أخرى ، يلاحظ بعض الباحثين بأن بعض تجارب الصحاح بما فيها المعروفة و المعتمدة جدا في موارد غير قليلة لم تراعي قواعد الجرح و التعديل في الرواة  على الرغم من انها تحمل عناوين الصحاح و ما شابه .  و في جميع الأحوال فلكل أسلوب انعكاساته و آثاره إيجابية كانت أو سلبية بحسب المناظير المختلفة .

المرحلة الثانية : صحيح ان كتاب الالفاظ  لهشام بن الحكم من حيث العنوان مشترك  بين المنطق و النحو و الأصول  ، و لكن نظرا لاهتمامه بالجدل و نقض منطق أرسطو و و نقد المانوية و مذاهب  فكرية و فلسفية أخرى  ، فلا  يبعد القول انه في المنطق . و لكن في نفس الوقت ،  يمكن البحث في مروياته الأصولية  الكلامية و  الفقهية ، فان كانت لها طابع أو مضمون تأصيلي كما في بعض مرويات بعضهم كزرارة مثلا ، يمكن ان يستشف الكاتب  منها ميوله  الفقهية و الأصولية ، ان كانت له ، و إن كان  لا يمكن الجزم بذلك .
بالنسبة لبعض الكتب المؤلفة  التي  تحمل العناوين الرجالية  ، كما  للعقيقي و ابن محبوب  ، مع ان الأخير لديه كتاب آخر حول معرفة الرواة  و هو قريب الدلالة في المقام .  و أذكر ان السيد الخوئي رجح ارجاع البدايات الى ابن محبوب في بعض بحوثه . و لكن  المؤلف  بعد التشكيك في طبيعة كتاب العقيقي الرجالية ، ( 68)  ذكر بأن كتاب العقيقي كان عند ابن داوود و نقل عنه في موارد  . ( 81)
من وجهة نظري ، حينما لا تكون لدى الباحث معطيات واضحة ، فان من الطبيعي ان يصار البحث الى محاولة تجميع  القرائن و الشواهد و الإشارات   من قبيل اسم الكتاب أو التشابه في العناوين  و ميول و اهتمامات صاحبه و الجو العلمي العام  و مدى وجود إرهاصات  و كلمات المؤرخين  مثل  الطوسي  و ما شابه للبناء عليها . ثم ان تواصل التأليف في الرجال بنفس العناوين ( الرجال و المشيخات ) في القرن الثالث  الى ان ظهرت الكتب الواصلة الينا يعضد كون العناوين السابقة كانت لنفس المضمون . كما  ان شهادة الشيخ الطوسي  في العدة تؤكد على ان التعامل مع رجال الحديث و التدقيق في احوالهم كانت عادتهم منذ القدم  . و تفيد هذه الشهادة  بانهم  كانت لديهم ألفاظ معينة و تعبيرات متبانى عليها في  الجرح و التعديل . و حيث ان الطوسي كان قريب عهد بأصحاب الأصول و المصنفات  السالفة و قد  اهتم بجمعها  و تنقيحها و تصنيفها ، بل ان كلماته و  انتاجه المتنوع يدللان  على ان كثيرا منها كانت لديه ، و في ضوئه فإن شهادته   تستند على أصول ووقائع  و أعراف و تقاليد  في الوسط العلمي  امتدت  الى زمانه . و لعل ما يعززها ان الشيخ الكليني  كان له  كتاب الرجال  ( لم يشر اليه الكتاب اليه )  ، و ان ابا غالب الزراري كتب في رسالته مشايخ آل أعين ، و و أستاذ الصدوق بن الوليد كانت له نظرات رجالية و اهتمام  بالتدقيق في الرواة  و الصدوق كتب في الرجال ، و كان في بعض الأحوال يعتمد على أستاذه ، كما ان تشدد بعضالقميين معروف  .  و المفيد أيضا  أبدى اهتما بها في رسالته العددية  ، كما ذكر بعض التوثيقات في بعض كتبه التاريخية  و تأكيد بعضهم في مقدمات الكتب باعتمادهم على الثقاة ، مما اعتبرت توثيقات عامة  ، كما في الكامل و تفسير القمي  و غيرهما ،  الى ان تأتي النوبة الى  البرقي و أصحاب الأصول الرجالية .

من الأمور اللافتة  ان الشيخ المفيد على الرغم من أستاذيته و مشيخته لجملة وافرة من العلماء الذي أسهموا بأعمال كبيرة  متنوعة معروفة ، و لكن المفيد نفسه لم يكن له إسهام ملحوظ  لا في الأصول و لا الحديث و لا الرجال  ! و أكثر اهتمامه و تركيزه على الكلام و الجدل و تراجم أهل البيت ع  و الفقه  . و مع ذلك كانت له نظرات قوية في نقد الروايات العقدية من جهة المتن  و مدى افادة العلم  . و هذه الحالة تحتاج الى دراسة .

ومن ذلك   يبدو للباحث ان الحراك الفكري لدى الإمامية كان طبيعيا جدا و ان التأخر النسبي لتبلور بعض العلوم لديهم كانت له أسباب موضوعية راجعة الى اعتقادهم باستمرار النص المعصوم  الى الأئمة الإثني عشر عليهم السلام  . و هذا لم يمنع ان تنضج لديهم الملكات العلمية في مختلف العلوم و تبرز لديهم قامات متنوعة فيها  مثل الهشام و مؤمن الطاق و زرارة و محمد بن مسلم  و أبان وأبو بصير و غيرهم . و خلال ما يقرب من قرنين بعد الغيبة الكبرى تم استكمال البنى و الهياكل لمختلف المجالات الفكرية الدينية الحديثية و الفقهية و الأصولية و الرجالية و التفسيرية  .  فبدء من ظهور الموسوعات الحديثية  التي  كان عليها المدار ثم الى الفقه الروائي ثم الى الفقه المجرد ثم الى الفقه التفريعي  . و هكذا بالنسبة لجمع الروايات ثم وضع القواعد للتعامل مع المختف أو المتعارض  ، كما في الأستبصار  و كذا الاهتمام ببقية العلوم  كالأصول و الرجال  .
و قدر للشيخ الطوسي ان يتضلع بدور رائد في أغلب هذه المجالات  و في  أكثر من مرحلة  تأسيسية و انتقالية  . و يبقى ان نحدد العلاقة التاريخية لظهور هذه الاهتمامات و الأعمال العلمية  .
و يظهر للمتتبع ان التطور الفكري كان طبيعيا في مدرسة الإمامية  ، و لو لم  يكن للسالفين اهتمام برجال الحديث عندهم لما وصل الأمر الى المستوى  الذي وجد زمن النجاشي و الطوسي  ، و هذا ما تؤكده الشواهد الى جانب بعض الشهادات و المؤشرات التاريخية  .  كما ان  انفتاح المدرسة البغدادية على سائر اتجاهات الفكر عند المسلمين واضح يتجلى في نتاجات أقطابها كالمفيد و المرتضى و الطوسي  ، في الكلام و الأصول و الفقه و التفسير .

دور المشاريع المكملة :  يبدو لي لو اعتبرت  منجزات هذه الفترة كمرحلة مستقلة  تالية و متواصلة لما قبلها ،  لكان منطقيا جدا و متسقا  مع طبائع التطور .  و برصد  خصائصها و الإشارة الى مظاهرها و رموزها و أهم الأعمال التكميلية التي طرحت فيها   و إن اعتمدت  في الأصول على  المرحلة السابقة ، يلاحظ انها تحمل سماة مرحلة  قد تكون انتقالية  . كما ان الفترة التاريخية الطويلة  لما يقرب من أربعة قرون تناسب  أن تعتبر مرحلتين .
العلامة و تضعيفات بن الغضائري : ذكر ان العلامة الحلي اعتمد تضعيفات بن الغضائري إلا عند تعارضها مع توثيقات غيره ، و هو مخالف لقاعدة ان الجرح مقدم على التعديل . ( 140)  و الواقع ان القاعدة ليست على اطلاقها بل هناك من قيدها فيما اذا كان الجرح معللا ، و ينظر في أسبابه و علله . ثم ان ذلك قد يعني بأن العلامة غير متيقن او مقتنع بتضعيفه أو تعامل معه على خلاف التضعيف  .

الأصول الأربعمائة : توقعت  ان الكتاب سيتناول ظهور مصطلح الأصول الأربعمائة  الذي أخاله ظهر زمن المحقق  ، و ما إذا كان له علاقة بما قيل عن الرواة الذين جمعهم بن عقدة عن الإمام الصادق عليه السلام ،    و خلفياته و معانية و استعمالاته من قبل الرجاليين  واعتبار المتأخرين انها قرينة  ايجابية في بعض الأحوال .

مناقشة الإنتقادات  :  تطرق الكتاب  الى بعض الانتقادات الموجهة الى علم الرجال عند الإمامية و تولى مناقشتها و الاجابة عليها  ، كما  حول ما نسب الى  كتاب النجاشي . و كنت اتمنى لو توسع و عمق المضامين .  و يلاحظ هنا انه لم يوثق اسماء الكتب و المؤلفين الذين وجهوا الانتقادات و لم يذكرهم في الهوامش كما هو المتعارف . ( 129)  و نفس الأمر يلاحظ عند مناقشته لما قيل عن أعمال العلامة الحلي ، لم يشر الكاتب الى اسماء الناقدين و مقالاتهم و كتبهم . ( 196) كذلك الحال فيما قيل بان الإمامية لم يعرفوا علم الرجال في القرون الأولى حسب ابن تيمية  ، و ما إذا كان  العلامة الحلي  قد تأثر به . يلاحظ عدم التوثيق للمقولات و لا المصادر و لا المؤلفين . ( 222)
الإنفتاح الى المنجز السني : أشار  الى  وجود انفتاح واضح على المنجز السني ، و لم يذكر أمثلة كافية تدل عليه ، باستثناء ما ورد عن الشهيد الثاني  أو ما ذكره  عن العلامة . ( 236) . و في نظري المتواضع ان انفتاح الفكر الإمامي على بقية اتجاهات الفكر عند المسلمين لم يتوقف ، منذ تمركز الزعامة العلمية في بغداد و النجف و الحلة ، و المساجلات  و النتاجات الكلامية و الأصولية و التفسيرية و الفقهية تشهد على ذلك ، بل كان ثمة تداخل على مستوى الرواية و التتلمذ بين بعض الزعامات الفكرية الكبيرة  ، حتى لقد نسب بعضهم الى مذاهب و اتجاهات أخرى ، كالطوسي و العلامة . و الناظر في بعض الأعمال الكلامية للمفيد و المرتضى و الطوسي ، و في الأعمال الأصولية و الفقهية و التفسيرية لكل من المرتضى و الطوسي يجد حضورا كبيرا و واضحا للآراء المتعددة لمختلف الاتجاهات و المذاهب . بل ان تفسير التبيان  و كتاب الخلاف في الفقه للطوسي يعتبران بحق من أوائل الأعمال المقارنة في هذين المجالين المهمين  . و لئن كان طابع المساجلة و الانتصار  ظاهرا فيها فانه يعبر عن ثقافة العصر بشكل عام .

الشيخ النوري و النقد الموجه اليه : توقعت ان يبحث و لو بشكل عام عن مناشئ التقد اللاذع الذي وجهه السيد الخميني للشيخ النوري ( 368) مع كونه من المتخصصين في الرجال و الدراية و له جهود معروفة في التتبع و التحقيق و آراء نقدية في المجال . كما ترك تأثيرا على جملة من تلامذته الذين واصاوا البحث و قدموا أعمالا علمية  .  و هل هناك من يشارك السيد الخميني في نقده ؟

أشار الكتاب في أكثر من موضع حول محاولات النظم في علم الرجال في بعض المراحل ، و توقعت  ان يذكر أمثلة منها . (  248، 362)
منهج المجلسي : تطرق الكتاب الى بعض أعمال و اسهامات المجلسي في مجال الرجال و تصنيف الحديث على الرغم من كونه أقرب الى منهج المحدثين . ( 314)  و كنت أتمنى ان يشير الى منهجه في التصنيف و مصطلحاته الخاصة به كما تظهر في مرآة العقول ، بحيث كثيرا ما نجده يصرح بما مفاده ضعيف على المشهور صحيح عندي ، و ما شابه ، مما يدلل على تميزه ووجود قواعد خاصة به و  مصطلح خاص به .

مباني متشددة : ذكر الكاتب بانه حسب بعض المباني كما للسيد الخوئي و العاملي  صاحب المدارك ، تسقط آلاف الروايات عن الحجية ، ( 254 ، 399 )  و كنت أتمنى لو يوضح كيف تعامل هذان العلمان  مع هذا الوضع و هل انعكس بهذه القوة على آرائهما .

الخوئي و البروجردي : لم يتضح سبب تقديم الخوئي على البروجردي خلافا للتاريخ الزمني لهما . ( 392، 413)
أشار الكتاب بأن الاتجاه الموروث – حسب تعبيره – الذي أصل له السيد الخوئي من نقده لعدد من القواعد الرجالية في مجال توثيق الرواة حسب مبنى الوثاقة السندية التي انتصر لها السيد الخوئي ،  يتعرض للتحول نحو مبنى الوثوق الخبري و المضموني و الاطمئنان الشخصي  من جراء المخاوف و المحاذير على التراث الحديثي و حفظ الهوية . ( 410) و أشار الكاتب الى ما أسماه بمظلومية السيد الخوئي بعدم وجود دراسات أو مؤتمرات علمية حوله على الرغم من جهوده و اسهاماته الكبيرة في العلوم الحوزوية . ( 412) و قد بدى لي طغيان الطابع الإنشائي  و الأسلوب الخطابي العاطفي  هنا . فلم يقدم أمثلة واضحة على ذلك ، و قدم تفسيرا سريعا له . مع ان مبنى الوثوق ليس جديدا بل له جذوره في الفكر الإمامي ، و هو أقرب الى الاتجاهات البحثية الحديثة التي  لا تعول كثيرا على التوثيقات السندية .  ثم ان هناك نقد غير قليل تعرض له مبنى الوثاقة و أساليب التوثيق السندي ، حتى ان ابن خلدون ذكر بأنه أسلوب لا يتناسب مع البحث التحليلي في تاريخ العمران البشري . نعم  كنت أتمنى لو ان الكاتب ذكر أبرز نقاط القوة و الضعف لكليهما ، و بحث في تاريخيهما و ذكر  كيف يمكن تفادي نقاط ضعفهما معا .
لم يشر الى بعض الأعمال من قبيل العتب الجميل على أهل الجرح و التعديل للعلامة عقيل و كذا الى كتاب ثقاة الرواة  للاصفهاني  ، على الرغم من رصده و تتبعه الواسعين .
توقعت ان يرصد الكتاب تطور أدبيات التعديل و التجريح و التوثيق و ألفاظها و مصطلحاتها و كيفية التعامل معها في كل دور و مرحلة ، و التطور الحاصل في كل مرحلة ، و العوامل التي أدت الى ظهورها او انكفائها او اختفائها .

و على كل حال  ، فالكتاب  بشكل عام  جهد مقدر للكاتب ، وقد  اعتمد على تتبع و استقراء واسعين و قدم صورة موجزة و بلغة واضحة عن  نشأة العلم و أصوله و رموزه  و  تطوره  حتى يومنا هذا  . أتمنى للمؤلف و المقرر كل التوفيق و التسديد ، سائلا المولى ان يوفقهما للمزيد من الأعمال العلمية المفيدة.

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً