أحدث المقالات

جولة في معطيات الكتاب والسنّة

 

أ. جلال وهابي همابادي(*)

د. كاظم قاضي زاده(**)

ترجمة: نظيرة غلاب

 

مقدّمة

الإسلام رسالة عالميّة شاملة، خاطب بها الله البشريّة جمعاء دون أيّ استثناء إلى يوم الدين. في إطاعة تعاليمه يصعد الإنسان درجات الرشد، وينقل نظرته من الأرض عالم المادّة إلى السماء عالم الجواهر والعقول، فيبلغ مقامات الكمال، وينال السعادة الحقيقيّة.

وقد شمل القرآن الناطق بالأحكام والتعاليم الإلهيّة ما يفسِّر عالميّة الإسلام بشكل مفصَّل في العديد من الآيات. فقد تكلَّم القرآن عن الأديان السابقة، فإبراهيم ومَنْ قبله من الأنبياء والرسل ومَنْ بعده هم مبعوثون من الله حقّاً، ورسالتهم صدقٌ، واعتبر الإيمان بهم واجباً شرعيّاً لا يكتمل إسلام الفرد إلاّ به، فقال: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة: 136). ودعا القرآن جميع المؤمنين بالرسالات السماويّة السابقة أن يلتحقوا بالإسلام، ويكملوا إيمانهم باتّباع خاتم الأنبياء والمرسلين، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ﴾ (النساء: 47)، وقال أيضاً في دعوتهم إلى الإسلام: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ﴾ (آل عمران: 19)، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾ (آل عمران: 85). ولم تكن دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام منحصرة في القرآن وحده، بل لقد دعا الأنبياء السابقون أتباعهم إلى الإيمان بالنبيّ الخاتم|، فقد قال عيسى× مخاطباً قومه: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ (الصف: 6). وليست هناك قطيعة بين الأديان وبين الكتب السماويّة، فهم جميعاً من عند الله، وقد جعل الله القرآن مهيمناً على الكتب السماويّة التي سبقته، وجعله آخر العهد، به اكتملت رسالات السماء إلى الأرض، وبه اختتمت: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ (المائدة: 48)، بل لقد مدح وأشاد بإيمان أهل الكتاب الذين آمنوا به؛ لأنّ كتبهم قد بشَّرتهم به، وآمنوا به لأنّه الحقّ: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ﴾ (الأعراف: 157)، ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (الأعراف: 158).

ورغم تعدُّد الآيات القرآنيّة التي دعا فيها الله سبحانه وتعالى أهل الكتاب إلى الإيمان بدين الإسلام واتّباع تعاليمه فإنّ هذه الدعوة لم تخرج عن نطاق الخطاب والحوار، بحيث كانت الدعوة إلى الإسلام دعوة سلميّة، ليس فيها أيّ نوع من الجبر والإكراه؛ لأن الاعتقاد والإيمان مسألة قلبيّة، وليست من جنس الأفعال المادّيّة، لذا فإنّ الاختيار الذي جعله الله للإنسان قاطبة يتجلّى أكثر في مساحة حرّيّة الإيمان والاعتقاد، فقد قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ (النحل: 93). فالإيمان لا يكون بالإكراه واستعمال القوة: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾ (البقرة: 256). وقد ذكر العلاّمة الطبرسيّ في تفسير هذه الآية أن اختيار الإيمان أو الكفر مسألة تعود للفرد نفسه، حيث قال: «إنّ المراد بيانه من خلال هذه الآية أنّ الله لم يُكرِه عباده على الدين، وإنّما ترك لهم الاختيار؛ لأنّ الإيمان من أفعال القلب، ولا يعتدّ بما كان تحت الإكراه والإجبار»([1]). وهو نفس رأي السيد الطباطبائي حيث قال في الميزان: «وهذه إحدى الآيات الدالّة على أنّ الإسلام لم يبتنِ على السيف والدم، ولم يفتِ بالإكراه والعنوة، على خلاف ما زعمه عدّة من الباحثين من المنتحلين وغيرهم، أنّ الإسلام دين السيف. استدلّوا عليه بالجهاد، الذي هو أحد أركان هذا الدين.

وقد تقدَّم الجواب عنه في ضمن البحث عن آيات القتال، وذكرنا هناك أنّ القتال الذي ندب إليه الإسلام ليس لغاية إحراز التقدُّم وبسط الدين بالقوّة والإكراه، بل لإحياء الحقّ والدفاع عن أنفس متاع للفطرة، وهو التوحيد»([2]).

من خلال هذه المقدّمة، ونظراً لأهمّيّة هذا الموضوع بالنسبة إلى طبقةٍ من المجتمع، والتي تشكِّل من خلال معتقدها أهل الكتاب، فقد ارتأينا أن نقسِّم البحث إلى ثلاثة أقسام. وقد كان عنصر خصوصيّات تعاليم الإسلام في كيفيّة وحدود التعامل مع أهل الكتاب، والتي تجد نفسها معنيّةً بالخصوصيّات الاجتماعيّة للإسلام من منطلق كونه ديناً شاملاً ولكلّ البشر، وما أصبح يطرحه على طرف النقيض من أفكار واعتقادات منحرفة، والتي ابتعدت نظريّاً وعمليّاً عن الدين الحقيقيّ، وكذا ما يروِّجه جمعٌ من المستشرقين من شبهات وأفكار تحريضيّة، كلّ هذه العوامل فرضت أن تكون الأقسام بالشكل التالي:

الأوّل: يعرض للمبادئ الأساسيّة التي تحكم علاقة المسلم بغيره من أهل الكتاب والأديان السماويّة السابقة، انطلاقاً من القرآن والسيرة النبويّة الشريفة.

الثاني: أهل الكتاب في العرف اللغويّ والاصطلاحيّ، مع ذكر مصاديق لهذه الفئة.

الثالث والأخير: يناقش الجانب الفقهيّ والحقوقيّ في شأن التعامل مع أهل الكتاب، وذلك من خلال الآيات القرآنيّة.

سماحة وعدل الإسلام تجاه الأديان الأخرى

إنّ نظرةً متفحِّصةً وبعيدةً عن روح التعصُّب لآيات القرآن ولسيرة النبيّ الأكرم| والأئمّة من أهل بيته في منابعها الأصيلة والصحيحة تبيِّن أنّ الدين حمل الاطمئنان الروحيّ والفعليّ في الدنيا، وحسن العاقبة في الآخرة، لكلّ مَنْ أحسن التمسُّك والإيمان به، بل إنّ رحمته وخيره فاض ليشمل حتّى غير المسلمين، من أهل الكتاب وأصحاب الديانات الأخرى، فضمن لهم حقوقاً، وقنَّن للمجتمع الإسلاميّ قوانين في التعامل الإنسانيّ والشرعيّ مع هذه الفئة.

فالإسلام، سواءٌ نُعت بكونه ديناً أو فكراً أو مذهباً أو حتّى أيديولوجيا، هو الوحيد الذي نظر إلى الإنسان بعيداً عن التحيُّز العرقيّ أو القوميّ، فخطابُه موجَّهٌ لكلّ الإنسان النوع بدعوتهم إلى الإيمان، إلى العدل والمساواة، دعوة تتلخَّص مبادئها في كونه كتاب هداية ورحمة. وقد تجسَّدت نظريّته في حسن التعامل مع غير المسلمين في سلوك الذين آمنوا به واعتقدوه ديناً ومنهجاً، وهو السلوك الذي أذعن له المؤرِّخون، واعترفوا به في كتاباتهم. فهذا ويل دورنت يقول معترفاً: «خلال حكم بني أميّة ـ ورغم انحرافهم القويّ عن الدين ـ لوحظ مدى التسامح والرحمة التي سادت علاقة المسلمين بغيرهم من المسيحيّين والزردشتيّين واليهود والصابئة وغيرهم من أهل الذمّة، والذي كان من بين أركانه وجود مجموعة من التشريعات والقوانين والحقوق الخاصّة بكلّ هؤلاء الأفراد وأصحاب الديانات الأخرى»([3]). وكتب البطريق عيثويابه قائلاً: «إنّ العرب الذين أعطاهم الإسلام القدرة على التسلُّط على كلّ العالم كانوا يتعاملون معنا من منطلق أنّهم لا يرَوْن أنفسهم قاهرين، أو أعداءً للمسيحيّين، فقد كانوا يحترمون ديننا، وكان سلوكهم وأخلاقهم كلّها لطفاً ورحمة مع كلّ مكوِّنات ديننا، بدءاً بالقساوسة والرهبان، ومدّوا يد العون لكلّ الكنائس والأديار»([4]).

فكثرة الشواهد التاريخيّة واختلافها باختلاف ظروف الحرب والسلم وتنوُّع الأزمنة والأمكنة توضِّح أنّ مسألة التسامح وحسن المعاملة ليست مسألة عارضة اقتضتها الظروف والأمكنة، لكنّها ركنٌ في هذا الدين، وتشريع قرآنيّ ثابت لا يتغيَّر؛ وذلك لأن الإسلام كدين له نظرة كونيّة شاملة يقوم على مبدأين: الأوّل: حفظ كرامة الإنسان النوع؛ والثاني: حرّيّة الاعتقاد.

كرامة الإنسان وحرّيّة المعتقد ركنان في الإسلام

حفظ كرامة الإنسان وإنسانيّته

لقد تعدَّدت الآيات القرآنيّة التي تحدَّثت عن تساوي البشريّة في الخلقة والمكانة. فقد فضَّل الله الإنسان على كثيرٍ ممّا خلق، وسخَّر له الكون في خدمته. وقد تساوى في هذا الحقّ كلّ الناس، أعمّ من المسلم وغيره. قال تعالى مخاطباً البشريّة جمعاء بكلّ أطيافها وأديانها: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ (الإسراء: 71). بل الأعظم والأجلّ أنّ الله نفخ في الإنسان من روحه المقدَّسة، ولهذا أمر الله ملائكته المقرَّبين الذين لا يعصون ما أمرهم ويفعلون ما أُمروا بأن يسجدوا لآدم أبو البشريّة جمعاء؛ تعظيماً له وإقراراً بمكانته: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى…﴾ (البقرة: 34).

ولم يكن هذا التعظيم والقدر مقتصراً على الجانب النظريّ والكلاميّ، بل لقد تحقَّق في أنّ الله سبحانه وتعالى سخَّر ما في السماوات وما في الأرض لهذا الإنسان، ووهبه نعماً كثيرة: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الجاثية: 13).

فكانت كرامة الإنسان منشأ الاحترام والتقدير، ولا يلاحظ فيها الجنس أو اللون أو الاعتبارات المادّيّة أو المعنويّة. لهذا اختلف الإسلام عن باقي الأيديولوجيّات والأفكار التي سعت في قوانينها إلى ضمان حقّ فئة؛ إمّا لاعتبارات عرقيّة أو قوميّة أو دينيّة أو حتّى مذهبيّة. وكان تأكيد الإسلام على وحدة المنشأ بالنسبة إلى كلّ البشريّة. لذا لا يوجد سببٌ ذاتيٌّ في تقديم فرد على آخر، وتفضيل إنسان على آخر، وحدها التقوى هي الميزان الذي يفضَّل به إنسان على آخر، التقوى باعتبارها فضاءً أخلاقيّاً وسلوكيّاً يتنافس في ظلّه الأفراد في التدرُّج نحو الكمال الإنسانيّ، والقرب الحقيقيّ من الله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13).

وفصَّل النبيّ| هذا المبدأ في خطبته المشهورة بخطبة حجّة الوداع. وكان أمر النبيّ| للمسلمين بأن لا يكذِّبوا ما عند أهل الكتاب من الكتاب، سواء التوراة أو الإنجيل، وكان يقول لهم|: «لا تصدِّقوا أهل الكتاب ولا تكذِّبوهم، وقولوا آمنا بالله وما أُنزل إلينا»([5]).

التأكيد على حرّيّة الاعتقاد

إنّ حرّيّة الاعتقاد مسألة ضمنها القرآن لكلّ الناس، فلم يحصرها في فئة دون أخرى. قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس: 99). وهذه الآية تبيِّن أنّ الإيمان مسألة اختياريّة، ولا يمكن أن تكون بالإجبار، لكنّ مفهومها يفنِّد قول المشركين الذين قالوا بأنّهم أجبروا على الشرك، وليسوا يملكون من أمرهم شيئاً، فالإيمان والكفر مؤسَّس على اختيار الإنسان نفسه، والله سبحانه وتعالى أراد أن تكون للإنسان حرّيّة اختيار معتقده وانتخابه بنفسه، فلم يستعمل قدرته القاهرة ليجبر الناس على الإيمان أبداً([6]). وهذه الآية إنّما تبيِّن هذه الحقيقة، فالنبيّ الأكرم؛ ومن منطلق الرحمة وحبّ الخير، كان يطمع ويجتهد في أن يؤمن كلّ الناس، لكنّ الله سبحانه وتعالى أجاب بأن الإيمان الذي نريده منهم هو ما كان عن حسن الاختيار، لا ما كان عن إكراه وإجبار. كذلك جاء التأكيد على حرّيّة اختيار المعتقد من خلال قوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾ (البقرة: 256). فهذه الآية تنفي الدين الذي يكون عن طريق الإجبار؛ لأن الدين في حقيقته سلسلة من المعارف، وتحتاج إلى مقدّمات علميّة وعمليّة. وبما أنّ الدين في عالم التكوين مسألة قلبية فهو يحتاج إلى علل وأسباب حتّى يحصل التصديق، وبالتالي يحصل الاعتقاد. فالآية تنهى عن الحمل على الاعتقاد، وتترك الأمر للفرد نفسه كي يختار بحسب ما حصل له من اليقين، هذا اليقين الذي يقوم على البراهين والأدلة العقليّة، وقد يحتاج إلى أدلّة حسّيّة، كالمعجزات، ولهذا بعث الله الأنبياء والرسل ليزيل الحجب عن الطريق الصحيح؛ لأنّهم مرشدون وهداة. لذلك يقول القرآن للكفّار حين وقفوا ضدّ الدين، وادَّعَوْا الصدق: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (البقرة: 111)، فـ «كيف يمكن القول بإكراه الناس على قبول الإسلام؟»([7]). وقال أدوين كالغري، وهو أمريكيّ، في خصوص الآية: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾: «في القرآن آية تنمّ عن الحكمة والاستقامة، كلّ المسلمين يعرفونها، ويجب على غير المسلمين جميعاً أن يتعرَّفوا عليها، ويؤمنوا بحقّانيتها»([8]). وقال الواحدي في كتابه (أسباب النزول): كان لرجلٍ من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان، فتنصَّرا قبل أن يبعث النبيّ|، ثم قدما المدينة في نفرٍ من النصارى يحملون الطعام، فأتاهما أبوهما، فلزمهما، وقال: واللهِ، لا أدعكما حتّى تسلما، فأبيا أن يسلما، فاختصموا إلى رسول الله|، فقال: يا رسول الله، أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾، فخلى سبيله…([9]).

قال الله تعالى: ﴿وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً…﴾ (الكهف: 29). فهذا الركن الأساسيّ في الدعوة إلى الإسلام هو ما جعل المسلمين عبر التاريخ في تعاملهم مع الآخر يسلكون مسلك الدعوة في تبليغهم لهذا الدين، بعيداً عن أجواء الإكراه والجبر.

ويمكن إدراك المعنى الحقيقيّ لحرّيّة الاعتقاد من خلال السلوك العمليّ للنبيّ الأكرم| في تعامله مع باقي الذين لم يقبلوا الإسلام، فلم يثبت أنّه استخدم القوّة والإكراه لإرغام الناس على قبول دعوته، وهي الحقيقة التي شهد بها القاصي والداني، فالمفكِّر المسيحيّ غوستاف لوبون يقرّ هذه الحقيقة قائلاً: «لم تكن القوة واستعمال الغلبة عاملاً في انتشار الإسلام… والحقّ يقال: إنه لم توجد أمّة فاتحة أرحم وأكثر عفواً وتسامحاً من المسلمين…»([10]). وأمّا توماس كاريل فهو يعتقد «أنّ اتّهام نبيّ الإسلام بأنّه أرغم الناس بقبول الإسلام تحت قوّة السيف كلام سخيف ولا دليل له»([11]).

وخلاصة القول: إنّ ما يُدعى له اليوم من أفكار تتَّهم الإسلام والمسلمين بانتهاك حقوق الأقلّيّات الدينيّة في المجتمعات المسلمة هي دعوات في حقيقتها إمّا ناتجة عن الجهل بحقيقة مبادئ هذا الدين التي تحكم العلاقات بين المسلمين ببعضهم البعض أو تحكم علاقات المسلمين بغيرهم من أهل الكتاب، وهو جهلٌ لا يحتاج إلاّ إلى قليل من البحث العلميّ والتحقيق الموضوعيّ البعيد عن إرهاصات التعصُّب، أو ربما كان من وراء هذه الدعوات الباطلة حكومات وأفراد براغماتيّون همّهم حفظ مصالحهم الفرديّة أو القوميّة، فسعوا جاهدين لتغطية حقيقة هذا الدين، بإظهاره في مظهر الإرهاب والتسلُّط والمتعطِّش للدماء، حتّى يزرعوا الرعب منه في قلوب الشعوب، وبالتالي تبقى هذه الأخيرة بعيدةً عنه، وإلاّ فليس هناك أيّ تفسير آخر لكلّ هذه الحملات المغرضة والدعوات العنصريّة التي تُحاك ضدّ هذا الدين. وصدق القرآن حين قال: ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 30).

تعريف «أهل الكتاب» لغةً واصطلاحاً

إنّ المعنى الحقيقيّ لهذه المادّة هو تحقُّق الأنس مع الاختصاص والتعلّق بالشيء المنسوب إليه([12]). فكلّما ازداد التعلُّق اشتدَّت الأهليّة، وأهل الرجل خاصّته من أهله، وأهل البيت أصحابه.

أمّا لفظ الكتاب فالمراد بهم على الأعمّ الكتب السماويّة، التوراة والإنجيل، ليصبح معنى لفظ أهل الكتاب المتعلِّقين بالكتب السماويّة والمؤمنين بها.

أمّا في اصطلاح القرآن فالمراد بها أتباع الديانات السماويّة السابقة على الإسلام، وهو لفظٌ عامّ يُراد به في القرآن اليهود والنصارى.

أمّا في الاصطلاح الفقهيّ فالمراد بها كلّ أهل الكتب السماويّة، أعمّ من اليهود والنصارى من مجوس وصابئة وغيرهم ممَّنْ يحتمل أنّ لهم كتباً سماويّة، كما يُقال عن البوذية وغيرها([13]).

ورغم كون القرآن كتاباً سماويّاً فإنّ إطلاق أهل الكتاب لا يشمل المسلمين. وقد استعمل هذا المصطلح لأوّل مرّة في القرآن([14]) حتّى يبيِّن أن الكتاب هو القسط المشترك بين جميع الأديان السماويّة، مغلقاً بذلك الباب أمام الوثنيّة وغيرها من الأديان الوضعيّة.

الاستعمال الاصطلاحيّ لأهل الكتاب في القرآن الكريم

لقد استعمل مصطلح «أهل الكتاب» واحداً وثلاثين مرّة، في واحدة وثلاثين آية، وذلك في تسع سور من القرآن. وكان أكثر ما استعمل في سورة آل عمران([15]).

إلاّ أنّ أهل الكتاب لم يكن الاستعمال الوحيد في القرآن، فهناك استعمالات أخرى منها: «الذين أوتوا الكتاب»، «الذين آتيناهم الكتاب»، «الذين أوتوا نصيباً من الكتاب»، «اليهود والنصارى». وأهل الذمّة، وإنْ كان يُراد به اليهود والنصارى، إلاّ أنّه اصطلاحٌ فقهيّ يطلق فيراد به المعاهدون من اليهود والنصارى، الذين يقيمون وفق معاهدة أو شروط خاصّة في دار الإسلام([16]).

وقد اختصّت الآيات التي ورد فيها لفظ «أهل الكتاب» بخطابهم أو الحديث عنهم دون غيرهم. وقد يكون المراد في الآية النصارى أو اليهود أو هما معاً. وقد يُشار إليهم بالكفر؛ نظراً لإنكارهم رسالة الإسلام ونبوّة النبيّ الخاتم محمّد|، أو لتلطيخ الديانة الأصيلة بمعتقدات الشرك، كما في قوله تعالى: ﴿مَا يَوَدُّ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ…﴾ (البقرة: 105)، وكذلك قوله تعالى: ﴿لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ﴾ (البينة: 1). مع الإشارة إلى أن القول بكفر أو شرك أهل الكتاب قد جرى فيه نقاش عريض طويل. ويُطلق لفظ «المشرك» في القرآن فيُراد به الوثنيين، إلاّ أنّ بعض المفسِّرين يرون أنّ الشرك يشمل كذلك اليهود والنصارى والمجوس؛ لأنّ كلّ واحد من هؤلاء قد ابتدع في الدين ما ليس منه، كالقول بالتثليث، والتثنية، والقول بأن عزيراً ابن الله، وكلُّها شركٌ في الألوهية، والشرك كفر. إلاّ أنّ استعمال القرآن للشرك أتى منفصلاً عن أهل الكتاب، وخصّ به الوثنيّون دون غيرهم، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ (الحج: 17)، وكذلك جاء في (المائدة: 69)، و(البقرة: 62). ولعل ما يثبت هذا الرواية المرويّة عن النبيّ الأكرم| يأمرهم بتنقية الجزيرة العربيّة (مكّة والمدينة) من المشركين. فهذه الرواية تبيِّن أنّ اليهود والنصارى لم يكونوا مشركين في العرف الإسلاميّ، لذلك بقوا في الجزيرة العربيّة كأقلّيّات دينيّة، وفي ظل الحكومة الإسلاميّة، وطبق قانون الجزية([17]).

 

مصاديق أهل الكتاب

استعمل لفظ «أهل الكتاب» في قبالة «الأمّيّ» حين دعوتهم جميعاً إلى دين التوحيد، فقد كان كلاهما ساكناً الجزيرة العربيّة أثناء البعثة المحمّديّة الشريفة، وشكَّل كلّ واحدٍ منها مجموعة وتجمُّعاً خاصّاً. فقد قال تعالى مشيراً إلى هذه التركيبة: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ…﴾ (آل عمران: 20).

وقد عُرف أهل الكتاب في الجزيرة العربيّة قبل البعثة بأنّهم الذين يتَّبعون الكتاب، التوراة والإنجيل؛ نظراً لذلك. وهي إشارة إلى معرفتهم بتعاليم الدين، وضمناً هي دليلٌ على اطّلاعهم على فنّ الكتابة والقراءة، وامتلاكهم لنوعٍ خاصّ من الثقافة، الشيء الذي جعلهم يتمتَّعون بمرتبة أعلى ومقام أشرف في مقابل الأمّيّين. ويعتبر هذا ضمناً سبباً وجيهاً في قبول الوثنيّين لمرجعيّتهم وإقرارهم بمقامهم العلميّ. ومراجعة أسباب نزول بعض الآيات المتعلِّقة بأهل الكتاب تبيِّن أنّ اليهود والنصارى أصحاب التوراة والإنجيل كانا المصداق الواقعيّ لأهل الكتاب دون غيرهم. فمثلاً: قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ (آل عمران: 65). وهذه الآية تتحدَّث عن جدل اليهود والنصارى حول إبراهيم×، ومحاولة كلٍّ منهما إثبات أنّ إبراهيم كان واحداً من اليهود أو واحداً من النصارى، بينما كتاباهما لم ينزلا إلاّ بعد إبراهيم×.

والدليل الآخر على أن المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى ما جاء في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ (المائدة: 6). فنسبة التوراة والإنجيل إلى أهل الكتاب إشارةٌ بالملزَم على الملزِم، فالملتزمين بالتوراة والإنجيل هم اليهود والنصارى، فخرج بذلك الصابئة والمجوس([18]). وإلى جانب اليهود والنصارى هناك من الفقهاء مَنْ ألحق المجوس بأهل الكتاب، وجعلهم مشمولين بأحكام أهل الكتاب في الحقوق والمعاملات([19]). لكنّ مجرَّد ورود اسم المجوس والصابئة إلى جانب اليهود والنصارى ليس دليلاً قاطعاً على أنّهم من أهل الكتاب، فقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، كما ذهب البعض، إنّما يتحدَّث عن أنّ الله سيحكم بينهم كلّ واحد لوحده يوم القيامة، وليست دليلاً على إلحاق الصابئة والمجوس باليهود والنصارى، وأنّهم معنيّون بإطلاق أهل الكتاب([20]).

تاريخ ظهور المجوسيّة والصابئة وما كانت عليه عقائدهم مسألة لا يعرف عنها شيء؛ لانعدام الأدلّة التاريخيّة الكافية، اللهم إلاّ من بعض المستندات التاريخيّة المتفرِّقة، وبعض الروايات التي يحاول الفهم منها إلحاق المجوس والصابئة بأهل الكتاب. ففي رواية عن الإمام الصادق× أنّه سُئل: هل كان للمجوس كتاب؟ فأجاب: ألم يصل إليكم أنّ رسول الله| قال لأهل مكة: إمّا أن تسلموا وإما أن تدفعوا الجزية مكرَهين، فطلب منه أهل مكّة أن يأخذ منهم الجزية ويتركهم على دينهم، لكنّ الرسول| قال لهم: إنّ الجزية إنّما تؤخذ من أهل الكتاب، فسألوه: لماذا أخذها من المجوس؟ فأجابهم النبيّ|: إنّه كان للمجوس نبيّ لكنَّهم قتلوه، وكان لهم كتاب أحرقوه بالنار، وكان كتابهم على جلد البقر([21]).

الأحكام الفقهيّة والحقوقيّة الخاصّة بأهل الكتاب

لم تقتصر الأحكام الفقهيّة والحقوقية الخاصّة بالتعامل مع أهل الكتاب باليهود والنصارى الذين يقيمون في دار الإسلام، بل اتَّسعت رقعتها لتشمل الذين يقيمون خارج دائرة الحكم الإسلاميّ؛ نظراً لاتّساع مساحة التعامل التجاريّ وغيره. وهو بحث على أهمّيّة جادّة اليوم، وخصوصاً في ظلّ انتشار الارتباطات المتعدِّدة التي كفلتها الثورة التكنولوجيّة ووسائل الاتّصال. فقد أصبح العلماء في الحوزات الدينيّة والدوائر العلميّة ملزمين بتحديد هذه الأحكام الفقهيّة والحقوق في كلّ أبعاد التعامل التي تجمع المسلمين بأهل الكتاب في الاقتصاد، والسياسة، والثقافة، وتبادل المعرفة. ومن البحوث التي ترتبط بالموضوع، وطُرحت بشكلٍ علميّ من طرف علماء المسلمين، والشيعة بالخصوص:

 

 1ـ أهل الكتاب بين الطهارة والنجاسة

أدرج هذا المبحث ضمن الأولويّة نظراً لتفرُّع مواضيع في الفقه عليه، وقيام مباحث في التعامل مع أهل الكتاب على أثرها.

لكنّنا نجد القرآن قد أجاب عن هذه المسألة بصورةٍ لا تحتمل تردُّداً، فقال بنجاسة الكفّار. وبالتالي فإن حكم منعهم من دخول المسجد ينشأ عنه أحكامٌ أخرى شخّصها الفقهاء في كتبهم ورسائلهم. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ (التوبة: 28).

إلاّ أنّ التعامل العلميّ مع هذه الآية يفرض التحقيق في مَنْ هم المقصودون بوصف المشركين؟ هل أهل الكتاب أحد مصاديقه، ليكون كلّ أهل الكتاب مشركين على الإطلاق، أو أنهم لا يشملهم هذا الوصف، وبالتالي ليسوا معنيّين بالحكم؟

المسألة الثانية: ما هو المراد بالنجاسة هنا؟

أمّا في ما يخصّ المسألة الأولى فإنّ الحكم بالنجاسة يشمل أهل الكتاب قطعاً؛ بلحاظ قولهم بالتثليث، وبأنّ عزيراً ابن الله. لكنّ هذا الحكم قائمٌ على سبيل الموجبة الجزئيّة، بحيث إنّ هذا الحكم خاصٌّ بالمشركين منهم. وقد نظر الإسلام إلى أهل الكتاب من زاويتين: الأولى: كونهم أتباع كتاب سماويّ، فهم يشتركون والمسلمين في هذا الوصف؛ ومن زاوية أخرى هم يشتركون مع المشركين في قولهم بالشريك في الألوهية. لذا فقد خصّ أهل الكتاب بأحكامٍ تراعي نقطة الاشتراك، وتأخذ بعين الاعتبار نقطة الانفصال. لذا فقد فصلهم القرآن عن المشركين بقوله: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ (البقرة: 105). ومن جهة أخرى حين انتشر الإسلام في الجزيرة العربيّة، وحُطِّمت آخر قلاع الوثنية، أمر القرآن بقطع كل العهود والمواثيق مع المشركين، وإلغاء كل اتفاقات السلام التي أُبرمت معهم ـ وقد كانوا ينقضون أيْمانهم مع الرسول| في كلّ حين ـ، وإعلان الحرب عليهم، لكنْ لم يكن هذا سلوكه مع أهل الكتاب، فهو لم يُجِزْ قتلهم، وقد أجاز قتل المشركين الذين يتصدّون للإسلام، و«يسمح بالعيش مع أهل الكتاب في صورة ما لو احترم أهل الكتاب الإسلام، ولم يتآمروا ضدّه، أو يكون لهم إعلان مضادّ. والعلامة الأخرى لموافقتهم على الحياة المشتركة السليمة مع المسلمين هي أن يوافقوا على دفع الجزية للمسلمين، بأن يعطوا كلّ عام الحكومة الإسلاميّة مبلغاً قليلاً من المال»([22]).

أمّا في ما يخصّ لفظ «نجس» فلابدّ من معرفة المراد به هنا، هل هي النجاسة الظاهريّة، كالبول والدم وباقي الأقذار والنجاسات التي عيَّنها الشارع، أم هي النجاسة الباطنيّة؟

«نجس» مصدر، ويراد به الوصف بالنجاسة، مع المبالغة والتأكيد. أمّا الراغب الأصفهاني فقال: إنّ «النجاسة القذارة، وهي ضربان: ضرب يدرك بالحاسّة؛ وضرب يدرك بالبصيرة»([23]). وذهب الشيخ الطبرسي إلى أنّ النجس «تطلق على كلّ شيء يتنفَّر منه الطبع الإنسانيّ»([24]). فيلاحظ تعدُّد الاستعمالات للفظ «نجس»، وعدم حصرها في النجاسات المادّيّة والظاهريّة. بل نجد أنّ العرب كانت تطلق النجس على بعض الأمراض التي يستعصي علاجها. وكذا كان الشخص الساقط أخلاقيّاً يعتبر في عرفهم نجساً، إلى غيرها من الاستعمالات. لذا فلا يمكن القول: إنّ نجاسة المشركين من جنس نجاسة القاذورات والبول وغيرهما، ولا أن المراد بالنجاسة النجاسة الباطنية؛ لعبادتهم الأوثان. إذاً فلابدّ من البحث عن قرائن داخليّة أو خارجيّة تجعل أحد المرادات هو مراد الشارع الجدّيّ ([25]).

والمشهور عند فقهاء الإماميّة أنّه فقط الذين ثبت شركهم من أهل الكتاب هم الذين يسري عليهم الحكم بالنجاسة([26])؛ وذهب فريق ثانٍ منهم إلى القول بنجاسة أهل الكتاب مطلقاً([27])؛ وأمّا الفريق الثالث فقد نفى أن يكون حكم النجاسة سارياً إلى أهل الكتاب، ودليلهم في هذا أنّ الله سبحانه وتعالى قد فصَّل بين المشركين والكفّار عبدة الأوثان، وذلك في الآيات 105 من سورة البقرة، و186 من سورة آل عمران، و82 من سورة المائدة، و17 من سورة الحج، حيث وصف عبدة الأوثان بالنجاسة، ولم يتعدّاهم إلى أهل الكتاب.

وأمّا الروايات التي تحدَّثت عن نجاسة أهل الكتاب فقد قالوا: إنّما المراد بها النجاسة العارضة، وليس النجاسة الذاتيّة. وهناك مَنْ قال بأنّ مسألة نجاسة أهل الكتاب ليست نجاسة ذاتيّة، وإنّما هي نوعٌ من السلوك السياسيّ حتّى يبتعد المسلمون عن معاشرة أهل الكتاب، وبالتالي يكونون في مأمن من التأثُّر بأفكارهم وأخلاقهم([28]). كذلك فإنّ أغلب فقهاء مدرسة السنّة قد أفتوا بالطهارة الذاتيّة لأهل الكتاب.

 

2ـ حكم طعام أهل الكتاب

لقد تحدَّثت الآيات القرآنيّة عن حلّيّة طعام أهل الكتاب والمسلمين بعضهم لبعض، قال تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ (المائدة: 5). وقد اختلف في نوعيّة الطعام المشمول بحكم الحلّيّة؛ فذهب بعض فقهاء أهل السنّة إلى أنّ كلّ الطعام هو حلالٌ للمسلمين، فهو حكمٌ عامّ يشمل حتّى ذبائحهم، لكنّ ما عليه فقهاء الإماميّة أنّ المراد بالطعام ما سوى ذبيحتهم، فإنها ليست حلالاً. وقد استند فقهاء الشيعة الإماميّة في استثناءهم هذا إلى روايات كثيرة عن أئمّة المذهب، منها: ما روي عن الإمام الصادق× في ما يخص الآية السابقة: «أنّ المراد بالطعام الحبوب والفواكه، وليس ذبائحهم؛ لأنّهم لا يذكرون اسم الله عليها»([29]).

وبنظرة تحليليّة لهذه الروايات، وللآيات التي تحدَّثت عن أهل الكتاب، يتبيَّن أنّهم لا يقومون بالعديد من الأعمال التي تشترط في الذبائح، كذكر اسم الله عليها أثناء الذبح، وتوجيهها نحو الكعبة، وغيرها من الشروط. لذا يكون لحم ذبائح أهل الكتاب معفى من حكم الحلّيّة، ويبقى للمسلمين الاستفادة من الحبوب، كالقمح والأرزّ وأجناسها ومن كلّ الفواكه، فإنّ الرأي المشهور بين الفقهاء حرمة لحم ذبيحتهم، حتّى لو ذكروا اسم الله عليه([30]).

 

3ـ الزواج من أهل الكتاب

لقد أعلن القرآن حرمة الزواج من الكافر والمشرك مطلقاً، لا فرق بين الرجل والمرأة، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ (البقرة 221). وكذا ورد نفس الحكم في سورة الممتحنة. أمّا في قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ…﴾ (المائدة: 5) فقد ذهب بعض الفقهاء؛ واستناداً إلى الآية الأولى، إلى أن الحكم بالحرمة عامّ، فيكون المراد بأهل الكتاب في الآية الثانية اللواتي اخترن الإسلام ديناً لهنّ بعد كفرهنّ، وأنّ السبب في إيراد الحكم الثاني هو لكون بعض المسلمين ممَّنْ تزوَّجوا بالكتابيّات قبل نزول الآيات أصبحوا كارهين لهنّ بعد نزول آية التحريم، فنزلت الآية الثانية لترفع هذا الضيق، ويصبح زواجهم منهنّ حلالاً طيِّباً([31]).

وعموماً فقد وقع اختلاف بين الفقهاء في مسألة الزواج من الكتابيّة، سواء في ما يخصّ الزواج المنقطع «زواج المتعة» أو الزواج الدائم؛ ففي حين ذهب علماء وفقهاء أهل السنّة إلى القول بجوازه مطلقاً، رأى علماء الشيعة الإماميّة حلّيّة الزواج منهنّ في الزواج المؤقَّت، ويستندون في مذهبهم هذا إلى روايات عن أئمّة أهل البيت^، فقد فصَّل الإمام الصادق في الأمر حين قال بأنّ زواج الرجل المسلم من المرأة الكتابيّة في الزواج المؤقَّت لا إشكال فيه([32]).

و المتَّفق عليه لدى علماء المدرستين حرمة زواج المرأة المسلمة من الكافر مطلقاً، سواء كان من أهل الكتاب أو غيره، وسواء ثبت شركه أو لم يشرك ما دام ليس مسلماً([33]). كذلك فإنّ زواج المسلم من الكافرة غير الكتابية غير جائز، بينما دار زواجه من الكتابيّة بين الجواز والإباحة؛ فقد قال بعض الفقهاء: إنّ الزواج الدائم من الكتابيّة في حالة الاضطرار حلال، وربما يكون هذا الحكم لترغيب الكتابيّة في الإسلام وإعانتها على إدراك حقيقته، وكذا لخلق نوعٍ من المعاشرة والألفة بين أهل الكتاب والمسلمين، لكنّ الحكم بالحلّيّة مقيَّدٌ بشروطٍ موضوعيّة وأخرى ذاتيّة لابد من تحقيقها:

القيد الأوّل: لابدّ من اليقين بأنّها من أهل الكتاب، فلا يكفي الاتّكاء على كون والداها كتابيّين؛ لأنّ ما يعيشه الغرب من تشتُّت بين مذاهب وأيديولوجيّات مختلفة، من اشتراكية إلحاديّة وماسونيّة صهيونيّة، يستبعد إطلاق أهل الكتاب على الغرب، إلاّ على النزر القليل.

القيد الثاني: لابدّ من التأكُّد من عفّتها وطهارتها وتقواها، طبقاً لما جاء في قوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾. إلاّ أنّ الوقوع على مثل هذه الذرّة المكنونة في الغرب أصبح شبه مستحيل؛ وذلك لأنّه في الغرب لم تَعُدْ العفّة والطهارة والتقوى من مستلزمات العصر الأخلاقيّة، بل عُدَّ مَنْ يتمسَّك بها خارجاً عن روح العصر، ومخالفاً للحرّيّات الاجتماعيّة.

القيد الثالث: أن لا تكون المرأة الكتابيّة من الذين يكيدون للإسلام أو يحملون الأحقاد قولاً وفعلاً ضدّ الإسلام. وربما هذا هو السبب الذي دفع ببعض الفقهاء إلى إجازة الزواج من الذمّيّة فقط، دون غيرها من أهل الكتاب.

القيد الرابع: أنْ لا يكون الزواج من الكتابيّة باعثاً على إيجاد الفتنة أو الضرر القطعيّ والظنّيّ، وهو قيدٌ في كلّ المباحات بأن لا تؤدّي إلى الضرر والفساد والخسارة([34]).

فيلاحظ أنّ الإسلام لم يترك الإجازة بالزواج من الكتابيّة مفتوحة، بل قيَّدها بقيود وشروط، أهمّها: التزامها بما جاء في كتابها؛ وأن تلتزم بقواعد الشرف وأخلاقه؛ وأن تعيش تحت سقف الزوجيّة، ملتزمة باحترام دين الإسلام، بل أن تعيش في مجتمع مسلم شرط موضوعيّ في هذه الإجازة، حتّى تتأثَّر بالمجتمع المسلم، وتتَّبع خطواته في الأخلاق الاجتماعيّة، وعلى العكس فالعيش مع الكتابيّة في مجتمعها كثيراً ما يكون سبباً في التأثير على عقيدة الزوج المسلم؛ وكذا أن يؤمَن منها عدم التأثير على أولاده منها في عقيدتهم وأخلاقهم.

4ـ القضاء بينهم

لقد خُيِّر القاضي المسلم في الحكم بين أهل الكتاب إذا عرضوا عليه اختلافاتهم واحتكموا إليه بين القبول والرفض، قال تعالى: ﴿فَإِنْ جَاؤُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ (المائدة: 42). إلا أنّ هذا التخيير في حالة إذا لم يكن أهل الكتاب المتنازعين من أهل الذمّة، أمّا إذا كانوا كذلك، ويعيشون تحت مظلّة الحكومة المسلمة، فإن الإسلام أوجب على القاضي المسلم الفصل في خلافاتهم والقضاء بينهم. ويكون القضاء والفصل بينهم طبق قوانين وأحكام القرآن والسنّة، وليس طبق قوانين كتابهم: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾.

 

 5ـ الحرب وأخذ الجزية

سُمّي المال الذي يؤخَذ من أهل الذمة بالجزية، وسُمّيت الجزية من الجزاء مقابل الخدمات الأمنيّة التي تقدِّمها الحكومة المسلمة لهم، من حفظ أموالهم وأنفسهم. وكذلك عرَّفها الراغب الأصفهاني حين قال: «والجزية ما يؤخَذ من أهل الذمّة، وتسميتها بذلك للاجتزاء بها عن حقن دمهم»([35]).

في حالة تولّي المسلمين السلطة وتسيير شؤون البلاد المسلمة فإنّ لهم تخيير أهل الكتاب الذين لم يقبلوا الدخول في الإسلام بين ثلاثة أمور: الحرب؛ أو الهجرة ومغادرة أرض الإسلام؛ أو أن يدفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، وهي أموال مقابل حفظ النفس والممتلكات.

وفي حالة امتناعهم عن إعطاء الجزية، ومخالفتهم للمعاهدات التي عقدوها مع الحكومة الإسلاميّة، فإنّ لهذه الحكومة بقيادة النبيّ الأكرم| أو أحدٍ من الأئمّة المنصوص عليهم^ أن تعلن الحرب عليهم كآخر خطوة في ردعهم وإرجاعهم إلى الالتزام بمواثيقهم التي عقدوها ووثَّقوها، فآخر الدواء الكيّ.

وليس في دفع الجزية مخالفة لحقوق الإنسان، كما يحاول البعض التشهير به، بل هو عين العدالة. فحفظ المجتمع المسلم من حالات الخروج عن القوانين، والمساس بوحدته وعقيدته، وإظهار عقيدة الحقّ والعدل على كلّ الأفكار الباطلة والعقائد المنحرفة التي تختلف في عمقها عن دين الإسلام الذي يحكم تلك الحكومة التي يعيش أهل الذمة تحت رايتها، يستدعي كلّ هذا التزام أهل الذمّة بما عاهدوا عليه، فهم يدفعون قدراً من المال سنويّاً مقابل احتفاظهم بعبادتهم، ومقابل ضمان أمنهم وأمن أعراضهم وأموالهم، بحيث إنهم يعيشون في المجتمع المسلم كواحدٍ من أفراده، لكنْ بعقيدةٍ مختلفة، ويستفيدون من الخدمات الأمنيّة، وهم غير مطالبون بالاشتراك في حفظ الثغور أو ردّ العدو. «على أنّ المتدبِّر في المقاصد العامّة الإسلاميّة لا يشكّ في أنّ قتال أهل الكتاب حتّى يعطوا الجزية ليس لغرض تمتُّع أولياء الإسلام ولا المسلمين من متاع الحياة الدنيا… وإنّما غرض الدين في ذلك أن يظهر دين الحقّ وسنّة العدل وكلمة التقوى على الباطل والظلم والفسق، فلا يعترضها في مسيرها اللعب والهوى، فتسلم التربية الصالحة المصلحة من مزاحمة التربية الفاسدة، حتّى لا تنجرّ إلى أن تنجذب هذه إلى جانب وتلك إلى جانب، فيتشوَّش أمر النظام الإنسانيّ، إلاّ أن لا يرتضي واحد أو جماعة التربية الإسلاميّة لنفسه أو لأنفسهم فيكونون أحراراً في ما يرتضونه لأنفسهم من تربية دينهم الخاصّة، على شرط أن يكونوا على شيء من دين التوحيد، وهو اليهوديّة أو النصرانيّة أو المجوسيّة، وأن لا يتظاهروا بالمزاحمة. وهذا غاية العدل والنصفة من دين الحقّ الظاهر على غيره»([36]).

وقد ذهب البعض إلى تحليل فلسفة الجزية، فقالوا: إنّها إسهامٌ من أهل الذمّة في تقوية الجانب العسكريّ والأمنيّ للحكومة المسلمة([37]).

لكنّ الفلسفة الأصليّة لهذا الفعل هي كما سبقت الإشارة إليه، من أنّ مسألة الدفاع عن حدود وأمن الحكومة المسلمة مسؤوليّةٌ تقع على عاتق كلّ أفراد الحكومة. وما دام هناك فئةٌ مذهبيّة قد رفع عنها هذا الواجب فهي؛ ولكي تعوِّض مشاركتها الفعليّة، ملزمة بدفع قدر من المال كمساهمة منها في حفظ الوطن والديار، وليس هناك مقدارٌ معيَّنٌ لهذه الجزية، بل هو ناظرٌ إلى القدرة الماليّة لكلّ ذمّيّ. وهو كما سبق سهم خاصّ منهم مشاركةً في حفظ البلد وتأمين أمنه الذي هو ضمناً أمنهم واستقرارهم، فقد سقط عنهم واجب الجهاد؛ باعتبارهم غير مكلَّفين بالشرع الإسلاميّ، ولكن لم يسقط عنهم المشاركة الماليّة في الجهاد.

الهوامش:

(*) طالبٌ في مرحلة الدكتوراه، في قسم علوم القرآن والحديث، في جامعة آزاد الإسلاميّة في طهران.

(**) أستاذٌ مساعد في قسم العلوم والدراسات في جامعة آزاد الإسلاميّة في طهران.

([1]) الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 1: 364.

([2]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 2: 343.

([3]) ويل دورانت، تاريخ التمدّن 13: 130 ـ 131، ترجمة: أحمد آرام وهمكاران، طبعة 2، طهران، سازمان انتشارات آموزش إنقلاب إسلامي.

([4]) تريتون، أهل الذمة في الإسلام: 158، ترجمة: الدكتور حسن حبشي، القاهرة، دار إحياء الكتب العربيّة، 1956م.

([5]) رواية البخاري (كتاب الشهادات)، نقلاً عن صالح بن حسين عيد، حقوق غير المسلمين في الدول المسلمة 1: 39، ترجمة: داود ناروئي، طهران، نشر إحسان.

([6]) قرائتي، تفسير النور 5: 267.

([7]) قرائتي، تفسير النور 1: 413 ـ 412.

([8]) بالنقل عن كويلر يونغ، الشرق الأدنى: مجتمعه وثقافته: 163 ـ 164، ترجمة: عبد الرحمن محمّد أيّوب، القاهرة، دار النشر المتحدة.

([9]) الواحدي، أسباب النـزول: 114 ـ 116.

([10]) غوستاف لوبون، الحضارة العربيّة: 145 ـ 146، ترجمة: عادل زعيتر، ط3، القاهرة، دار إحياء الكتب العربيّة.

([11]) عبّاس محمود العقّاد، حقائق الإسلام وأباطيل خصومه: 227.

([12]) مصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم 1: 169، مادة أهل.

([13]) جواهر الكلام 21: 228 ـ 231.

([14]) دائرة المعارف الشيعيّة 2: 616.

([15]) دائرة معارف القرآن الكريم 5: 143، مركز فرهنگ ومعارف القرآن، قم، انتشارات مكتب تبليغات إسلامي، الحوزة العلميّة.

([16]) هاشمي رفسنجاني، تفسير راهنما 5: 339.

([17]) مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل 2: 134.

([18]) خرمشاهي، دانشنامه قرآن كريم 1: 325 ـ 326.

([19]) دائرة المعارف الشيعيّة 1: 610 ـ 619.

([20]) دائرة معارف القرآن الكريم 5: 144.

([21]) الكلينيّ، الكافي 3: 567.

([22]) تفسير الأمثل: 7: 412 ـ 416.

([23]) الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن 1: 791.

([24]) مجمع البيان في تفسير القرآن 10: 351.

([25]) مقتبس عن تفسير الأمثل 10: 413.

([26]) جواهر الكلام 6: 41 ـ 44.

([27]) ترجمة تحرير الوسيلة 1: 211، باب النجاسات.

([28]) عميد الزنجاني، حقوق الأقلّيّات: 245.

([29]) تفسير القمّي 1 : 163؛ تفسير نور الثقلين 1: 593 ـ 762، وروايات أخرى ذكرها صاحب وسائل الشيعة في الوسائل 16: 371، الباب 15من أبواب الأطعمة والأشربة.

([30]) محمود هاشمي الشاهرودي، فرهنگ فقه: 773.

([31]) مجمع البيان في تفسير القرآن 3: 251.

([32]) تهذيب الأحكام 7 : 300، نقلاً عن تفسير الميزان 5: 349.

([33]) فرهنگ فقه 1: 772.

([34]) القرضاوي، نظريّات حديثة في الفقه 1: 583 ـ 595.

([35]) مفردات ألفاظ القرآن 1: 195، مادة جزى.

([36]) الميزان في تفسير القرآن 9 : 247.

([37]) كلانتري، الجزية وأحكامها: 11.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً