أحدث المقالات

السيّد منذر الحكيم(*)

السيّد محمد حسن الحكيم(**)

 

 

المطلوب في منهجيّة الاستنباط

بعد الإيمان بضرورة التعرّف على أحكام الشريعة الإسلاميّة في كل وقائع الحياة، وبعد الإيمان بالحاجة الماسّة إلى البحث العلميّ والدراسة المتخصّصة ـ للوصول إلى أحكام اللّه تعالى بالاستدلال الصحيح([1])، من خلال دراسة مصادر التشريع الإسلاميّ، المتمثِّلة بالكتاب والسنّة، تبلورت عمليّة الاستدلال للوصول إلى هذه الأحكام بالتدريج، وسُمّيت عمليّة الاستدلال هذه بالاستنباط وبالتفقُّه في الدين. كما عُرفت بالاجتهاد، حيث يتمّ فيها استخراج الحكم الشرعيّ من مصادره المقرّرة له، ويتفقّه الدارس في أحكام اللّه تعالى مستنداً إلى الأدلّة الدالة عليها. ويبذل جُهده وطاقته ويستفرغ وسعه للوصول إلى أحكامه سبحانه وتعالى، فيكون مستنبطاً ومتفقّهاً ومجتهداً.

إن العلم الذي يتولّى رفع الغموض عن الموقف العمليّ تجاه الشريعة في كلّ واقعة من وقائع الحياة، بإقامة الدليل على تعيين الموقف العمليّ، هو علم الفقه، حيث يتمّ في هذا العلم تحديد الموقف العمليّ الشرعيّ تحديداً استدلاليّاً. وهذا التحديد الاستدلاليّ هو ما يسمى بعمليّة الاستنباط، أو الاجتهاد، أو التفقُّه في الدين.

وللاستنباط تبعاً لتعقّد عمليّة الاستنباط مراتب ومستويات تختلف باختلاف مستوی وضوح النصوص وغموضها أو تعارضها، وتبعاً لما يريد الفقيه أن يصل إليه من حكم واقعة معيّنة أو نظريّة فقهيّة معيّنة أو نظام اقتصاديّ أو سياسيّ أو اجتماعيّ متكامل يعبِّر عن رأي الإسلام وموقف الشريعة تجاه مفردات السلوك في حياة الإنسان الفرد أو تجاه المجتمع الإنسانيّ أو الإسلاميّ.

وعمليّات الاستنباط التي يشتمل عليها علم الفقه، بالرغم من تعدّدها وتنوّعها من حيث التعقيد، تشترك في عناصر موحّدة وقواعد عامّة تدخل في جميع أو في كثير من عمليّات الاستنباط.

وهذه العناصر المشتركة تطلّبت وضع علم خاصّ بها لدراستها وتحديدها وإعدادها لعلم الفقه، فكان (علم الأصول)، الذي ولد في أحضان علم الفقه بالتدريج. وفي علم أصول الفقه يتمّ تحديد مصادر الاستنباط والحجج التي يمكن الاعتماد عليها أوّلاً، كما يبحث عن موقع ودرجة الاعتماد على كلٍّ منها ثانياً، كما يتمّ تحديد القواعد أو العناصر المشتركة في عمليّات الاستنباط ثالثاً([2])، بالإضافة إلى منهجة عمليّة الاستنباط نفسها لضرورة تحديد «منهج الاستنباط» من خلال تعيين مورد استعمال كلّ مصدر ومجری كلّ قاعدة من القواعد التي تبلورت بالبحث والدراسة في علم الأصول([3]).

قال الشهيد السيّد محمد باقر الصدر: «ولا يحدد علم الأصول العناصر المشتركة فحسب، بل يحدّد أيضاً درجات استعمالها في عمليّة الاستنباط، والعلاقة القائمة بينها. وبهذا يضع للعمليّة الاستنباطيّة نظامها العامّ الكامل»([4]).

غير أنّ الاقتصار على العناصر المشتركة في الاستنباط ـ وهي التي عبّر عنها بالقواعد الممهّدة للاستنباط ـ هو المتداول في الأوساط الدراسيّة. ولكن يمكن أن نتوسّع في مصطلح العناصر المشتركة فنريد منها مصادر الاستنباط والمنهج الذي ينبغي اتّباعه في استخدام قواعد الاستنباط أيضاً، باعتبار أن «المصادر» و«المنهج» و«القواعد» كلّها تعدّ عناصر مشتركة في عامّة عمليّات الاستنباط.

إذاً يمكن أن نقول: إنّ العلم بمنهج الاستنباط أو كيفية استخدام قواعد الاستنباط ربما غاب عن عامّة الدارسين لعلم الأصول. وهذا هو ما اهتمّ ببيانه بعض الأصوليّين، بينما تركه البعض الآخر؛ اعتماداً على إرشادات الفقهاء المستنبطين للأحكام، وتعليمه لطلاّب التفقُّه في الدين من خلال ممارسات التطبيق.

إن تقنين حركة الاجتهاد والكشف عن طبيعة العلاقات بين النصوص الشرعيّة للوصول إلى الحكم الشرعيّ من خلالها وفي كل واقعة من وقائع الحياة تعدّ واحدة من الاهتمامات الأساسيّة لعلماء مدرسة أهل البيت^.

ويمكن القول: إن من الضروري في مجال الاستنباط في عصرنا هذا تكامل وتسريع مسيرة الاجتهاد من خلال خفض العامل الزمنيّ في مجال تعلُّم ما هو لازم لاكتساب القدرة على الاجتهاد وتحصيل ملكة الاستنباط، وفقاً لنظام يراعي الحدّ الأدنى من الوقت، والحدّ الأعلى في القوّة العلميّة.

 

بذور منهجيّة الاستنباط عند القدماء

إن هذا الاهتمام بمنهجيّة الاستنباط موجود لدی الفقهاء، وهم يمارسون الاستنباط والتفقُّه في دين الله جيلاً بعد جيل، إلاّ أنهم لم يؤلِّفوا كتباً مستقلّة حول مناهج الاستنباط والطرق الموصلة إلى الأحكام الشرعيّة. ولكنهم ذكروا ضمن كتبهم الفقهيّة أو الأصوليّة كيفية الاستنباط ومنهجه بشكل موجز جدّاً.

فقد قال المفيد في مقدّمة كتابه «التذكرة بأصول الفقه»: «الطرق الموصلة إلى علم المشروع في هذه الأصول ثلاثة: أحدها: العقل، وهو السبيل إلى معرفة حجّيّة القرآن ودلائل الأخبار؛ والثاني: اللسان، وهو السبيل إلى المعرفة بمعاني الكلام؛ وثالثها: الأخبار، وهي السبيل إلى إثبات أعيان الأصول من الكتاب والسنّة، وأقوال الأئمّة^»([5]).

وأشار إليه «المحقِّق الحلّي» في الفائدة الثانية من مقدمات «المعارج» بقوله: «الفائدة الثانية: إذا عرفت أن أصول الفقه إنّما هي طرق الفقه على الإجمال، وكان المستفاد من تلك الطرق إمّا علم، أو ظن من دلالة، أو أمارة بواسطة النظر، لم يكن بدّ من بيان فائدة كلّ واحد من هذه الألفاظ. فالنظر هو ترتيب علوم، أو ظنون، أو علوم وظنون، ترتيباً صحيحاً ليتوصّل به إلى علم أو ظنّ. والعلم هو الاعتقاد المقتضي سكون النفس، مع أنّ معتقده على ما تناوله، والأقرب أنه غني عن التعريف لظهوره. والظنّ هو تغليب أحد مجوزين ظاهريّ التجويز بالقلب. والدلالة هي ما كان النظر الصحيح فيها يفضي إلى العلم. والأمارة هي ما كان النظر الصحيح فيها يفضي إلى الظنّ»([6]).

وقد وردت بحوث مرتبطة بماهية الاجتهاد في ضمن الكتب الأصوليّة، ولكن من دون نظرة شاملة إلى نظام الاجتهاد ومنهجيّته، كما ورد في نهاية الوصول ـ للعلامة الحلّي ـ مبحث خاصّ حول مجال الاستنباط بعنوان «ما فيه الاجتهاد»، وقال العلامة الحلي: «الاجتهاد في كلّ حكم شرعيّ ليس فيه دليل قطعيّ»([7]).

كما نظم «الفاضل المقداد» في مقدّمات كتابه «نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الإماميّة»، الذي ألّفه على أساس كتاب أستاذه «الشهيد الأول»([8])، فتعرّض لأمور هامّة من مباني الشهيد الأول، منها: ما ذكره في المقدمة الرابعة عند تعريف مدارك الأحكام والقواعد الحاكمة على الاستنباط من المدارك، فذكر خمسة قواعد عامّة ترجع إليها عامّة الأحكام، وهي:

1ـ البناء على الأصل([9]).

2ـ العمل بحسب النية.

3ـ المشقّة سبب للتيسير.

4ـ تحكيم العرف والعادة عند فرض انتفاء النصّ اللغويّ والشرعيّ([10]).

5ـ نفي الضرر([11]).

ومن المعلوم أن ذكر هذه الموارد وتبيين هذه الأمور لا تغني الطالب، ولا يُعطي جواب السائل حول ماهية الاجتهاد ومنهجيّته الكاملة. ولكنّها تعتبر بذرة بدأت بها فكرة لزوم البحث عن ماهية الاجتهاد ومجالاته ومنهجيّة الاستنباط.

 

منهجيّة الاستنباط عند المحقِّق الكركي

وأمّا ما بعد «المقداد السيوري» فقد عثرنا على بحث شامل حول منهجيّة الاستنباط قد كتبه «المحقِّق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي(940هـ)»([12])، بعنوان «رسالة طريق استنباط الأحكام». وهي من أحسن وأجمع ما كُتب في منهج الاستنباط.

وفي هذه الرسالة جعل الأدلّة الأربعة محوراً، وبيَّن كيفية عملها، ومراتب الدليل في كل طريق من الطرق الأربعة للوصول إلى الحكم الشرعيّ، يعني: الكتاب؛ والسنّة؛ والإجماع؛ والعقل، ودرس بدقّة كيفية الاستنباط وسبل الخوض فيه، والترخيصات الشرعيّة في مسيرة التفقُّه في الدين.

ويعتقد المحقِّق الكركي أن المجال الحقيقيّ للاستنباط هو عندما يفتقد النصّ الشرعيّ الصريح من الكتاب والسنّة، ولم يعقد عليه الإجماع، ولم يطرقه الفقهاء السابقون في ممارسة فقهيّة. مثل ذلك هو المجال للعمل الفقهيّ واكتشاف الحكم من باطن الدين؛ وذلك أن الأحكام المصرَّح بها في النصوص لا تحتاج بطبيعة الحال إلى استنباط، ويتمّ استكشافها استناداً إلى الظاهر. وبهذا الترتيب سائر الموارد المشتملة على الإجماع، أو المشتملة على الحكم القطعيّ العقليّ.

ومن جهة أخرى فإنّ المسائل المستكشفة والمستنبطة من قبل فقهاء سابقين لاحاجة لها بالطبع إلى استنباط وتفقّه جديد، حيث يمكن دركها وتطويرها باستعراض وبحث بسيط لجهود الماضين.

قام المحقِّق الكركي بتخطيط عامّ حول الاستنباط ومراتب الأدلّة بنحو تامّ لم يسبقه أحد، كما تراه في المخطّط التالي:

1ـ الطرق الموصلة إلى الأحكام عندنا أربعة:

أـ الكتاب:

الأمور الكلّية([13]): نصٌّ؛ وظاهرٌ، وهما معاً دليلان، ويحتاج في ذلك إلى:

1ـ معرفة دلالات الألفاظ؛ 2ـ المحكم والمتشابه؛ 3ـ الحقيقة والمجاز؛ 4ـ الأمر والنهي؛ 5ـ العامّ والخاصّ؛ 6ـ المطلق والمقيد؛ 7ـ المجمل والمبين؛ 8ـ الظاهر والمؤوّل؛     9ـ الناسخ والمنسوخ.

الأمور الجزئيّة([14]): ويكتفى فيها بأحد الكتب الثلاثة التي عملت لتلك([15])، وهي: كتاب الراوندي؛ كتاب الشيخ البارع أحمد بن متوج (منهاج الهداية)؛ كتاب الشيخ المقداد (كنز العرفان)([16]).

ب ـ السنّة([17]):

وهي: متواترة([18])؛ وآحاد. وتنقسم الآحاد إلى: مشهور([19])؛ وغير مشهور([20]). وينقسم غير المشهور إلى: صحيح([21])؛ حسن؛ موثّق([22])؛ ضعيف([23]).

و لا يعمل أصحابنا من المراسيل إلاّ بما عرف أنّ مرسِلَه لا يرسل إلاّ عن ثقة([24]).

فإذا تعارضت هذه الأخبار قدِّم الصحيح، فإذا لم يكن فالحسن، وبعده الموثَّق، ولا يعمل بالضعيف([25]).

ج ـ الإجماع([26]):

وأمّا معرفة وقوعه على الأحكام أو عدم وقوعه فإنّ ذلك لابدّ منه([27]).

والذي سمعناه بالمشافهة الاكتفاء في معرفته إما بالبحث والتفتيش([28])؛ أو بالوقوف على رواية بعض العلماء المشهورين([29]). وكذلك هذا طريق معرفة المشهور من الروايات والفتاوى، وكون الحكم مثلاً ممّا قال به الأكثر، فإنه أيضاً من جملة المرجِّحات في باب أحوال الترجيح.

د ـ أدلّة العقل:

أمّا أدلة المنطوق، ثمَّ تتبعها دلالة مفهوم الموافقة، وبعدها مفهوم المخالفة على القول بالعمل بدليل الخطاب.

ومنها: البراءة الأصليّة، يعتمد عليها ما لم يجد ما ينقل عنها من الأدلة السمعية.

ومنها: الاستصحاب ـ على القول بحجّيته ـ والتمسُّك بالبراءة، فإنّه يستصحب الحال الأول ما لم يجد من الأدلة ما تحيل عنه.

ومنها: اتحاد طريق المسألتين، وهو فرع من فروع الاستصحاب يخالفه في بعض الأحكام، كما هو مقرَّر في الأصول.

ومنها: تعدية الحكم من المنطوق إلى المسكوت، الذي هو القياس. وقد وقع فيه الخلاف؛ فمتقدِّمو أصحابنا لا يعملون بشي‏ء منه؛ والمتأخِّرون عملوا بما نصّ على علّة حكم الأصل؛ إما بنصّ؛ أو إيماء، على ما تقرَّر في الأصول([30]).

ودليلنا على العمل بهذه الأدلّة ما روي صحيحاً عن الصادق×، رواه الشيخ المقداد في (تنقيحه)، أنه قال: «علينا أن نلقي إليكم الأصول، وعليكم أن تفرِّعوا». وهو دليلٌ على وجوب الاجتهاد أيضاً.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد يقع لبعضٍ عدم معرفة الفرق بين ما هو محلّ الرواية وما هو محلّ الفتوى، الذي نهي عن التقليد فيه للأموات في قول العلماء: «إن الميت لا قول له»، فنقول:

أـ كلّ ما هو نصّ([31]) في الكتاب؛ أو في السنّة المتواترة؛ أو الآحاد الصحيحة.

ب ـ كلّ ما هو مشهور بين علماء الطائفة من الروايات؛ والفتوى التي قال بها أكثرهم([32]).

ج ـ كلّ ما هو مجمع عليه إما عند مجموع الأمّة؛ أو عند الطائفة المحقّة([33]).

فلا يكون من المنهيّ عن أخذه من الأموات.

د ـ و ما سوى ذلك، ممّا وقع النزاع فيه بين المجتهدين من المسائل الخلافية([34])؛ أو كان من‏ الفروع التي فرّعها مَنْ تأخَّر عن العلاّمة من المجتهدين بعده([35])، فإنّه محل الفتوى الذي نهي عن العمل به.

وروايته([36])، باعتبار معرفة مذاهب المجتهدين فيه، ليحكي أقوالهم، ويعرف كيفية تصرّفهم في الحوادث، ويتفطن في معرفة كيفيات الاستنباط والاستعانة بالسلوك في طرقهم على الاستدلال، فلم يمنع منه أحدٌ، وإنّما منعوا من رواية ذلك ليعمل به، فإنّ الواجب على العامّي في هذه الحوادث في العمل بها الرجوع إلى المفتي([37])؛ أو أخذ الحكم عن الدليل([38]).

وأما كيفيّة التصرف في الحوادث التي هي محلّ الفتوى على ما سمعناه مشافهة:

إن الحادثة المبحوث عنها إمّا أن تكون من الحوادث التي حدثت في الأزمنة السالفة، وبحث المجتهدون فيها، فيكتفي الباحث فيها بالاطّلاع على أقوال المجتهدين فيها وأدلّتهم([39])، ويرجّح منها ما يظهر له فيه المرجّح، بأن يظهر له سلامة بعضها من السؤال، وورود السؤال على البعض الآخر؛ أو يرد له السؤال على كل واحد منها، ولا يظهر له وجه مرجّح، ولا يقوم له دليل على وجه مخالف لما ذهبوا إليه، وهو محلّ الوقف الذي استعمله أكثر المجتهدين في كثير من المسائل حتّى يظهر له مرجّح؛ إما لواحد من تلك الأقوال؛ أو دليل على وجه آخر.

وإنْ كانت من الحوادث الواقعة في زمانه؛ فإن كانت من الجزئيّات الداخلة تحت كلّيات المسائل التي وقع البحث فيها من المجتهدين فعليه أن يدخل تلك الجزئيّات تحت ذلك الكلّي([40])، وهو([41]) محلّ الاجتهاد، الذي لا يصحّ التصرّف فيه لغير الجامع لشرائطه؛ وإنْ لم تكن داخلة تحت شي‏ء من الكلّيات المبحوث فيها من المتقدّمين، واختصّت بالوقوع في زمانه، بحث فيها، وتصرَّف فيها كتصرُّف المجتهدين في الحوادث المتقدِّمة([42])، فيستنبط حكمها من ذلك الدليل، وإلى هذا القسم الإشارة في قولهم: يشترط أن يكون ذا قوّة يتمكَّن بها من استخراج الفروع من الأصول.

بناءً على هذا التخطيط الجامع والمنهجيّة الكاملة التي طرحها المحقِّق الكركي يمكن القول بأنّه أوّل فقيه([43]) أدرك ضرورة تبيين المنهج في عمليّة الاستنباط، وكشف عن النظام الحاكم على عمليّة الاستنباط، وبيـَّن بنحو دقيق وجامع، مراتب الاجتهاد في مختلف الحالات، كما بيَّـن المنزلة الدقيقة للتفقه والممارسة العلميّة بين يدي النصوص الشرعيّة والمصادرالفقهيّة.

ونؤكّد أن المنهجيّة في الاستنباط أصل مفروغ عنه عند الفقهاء، وهي موجودة في ضمن تصنيفاتهم الفقهيّة والأصوليّة، كما يذكره المحقِّق الكركي في خاتمة رسالته الاستنباطيّة، فيقول: «هذا آخر ما أردنا الإشارة إليه من كيفية الطرق الموصلة إلى استنباط الأحكام، ومعرفة الحوادث على ما سمعناه مشافهةً من أساتذتنا (رضوان اللّه عليهم وجزاهم أفضل الجزاء)، وهو الطريق المشهور في كتب الأصحاب»([44]).

والذي يبدو للمتتبّع أن المحقّق الكركي هو أوّل مَنْ كتب رسالة مستقلّة في هذا الحقل. وأما بعد المحقق الكركي أيضاً فقلَّما بحث الفقهاء هذا الموضوع بنحو مفصّل. فقد تعرّض «الفاضل التوني» إلى مراتب الأدلة عند البحث عن التعارض، ولكنه حصر ذلك عند كونها متعارضة، لا بنحو تعيين مراتب الدليل في نظريّة شاملة للاستنباط([45]).

من هذا التخطيط يبدو أن المحاور الأساسيّة التي أدرك المحقّق ضرورة تبيينها، وقام لها بتأليف هذه الرسالة، هي كما يلي:

1ـ ضرورة تبيين مشروعية الاجتهاد، بل وجوبه. ولم يكتفِ بها، وقال بوجوب الاستنباط على أساس النصوص الوادة في الفكر الفقهيّ الإماميّ.

2ـ تبيين الطريق للوصول إلى الاستنباط، ولكنه اقتصر على الأدلة الأربعة بعنوان الطريق للاجتهاد. وفي ضمن الأدلة قام بتبيين الطرق للوصول إلى الحكم. كما ذهب إليه عامّة الفقهاء ولم يفرِّقوا بين المصادر والطرق.

3ـ ثمّ ضرورة تبيين مراتب الاستنباط، ودرس مختلف مراتب الاستنباط، بين ما هو نصّ أو مشهور أو مجمع عليه، وبين المسائل الخلافية بين المجتهدين والفروع التي فرّعها المجتهدون السابقون من جهة أخرى، وبين الحوادث الواقعة والمسائل الحادثة من جهة ثالثة، واعتبر الحوادث الواقعة هي مجال الاستنباط.

 

منهجيّة الاستنباط عند المحقِّق القزويني

وثاني مصنّف مستقلّ ومهمّ في هذا المجال كتاب «الاستعداد لتحصيل ملكة الاجتهاد»، تأليف العلاّمة المحقق الإمام «السيد مهدي القزويني»، من علماء وشيوخ الإسلام في عهد الدولة الصفوية.

سعى القزويني في هذا الكتاب لجمع النصوص المتعلِّقة بظاهرة التفقه في الدين، واستجلائها لكشف منظومة القواعد والشروط الحاكمة على الاجتهاد في الفكر الفقهيّ الشيعيّ.

وتصدّى لتعريف الاجتهاد، ودراسة غايات هذا العلم، ومراتبه، كما بحث المحاور الأربعة: الاستعداد؛ والمستعد؛ والمستعد له؛ وكيفية الاستدلال بواسطة الملكة.

وقد خطّط الأمور الأساسيّة المرتبطة بالاستنباط، ونظمها في نظام عامّ يشمل جوانب هذا الموضوع بنحو تامّ، كما رسمناه تالياً:

1ـ الاجتهاد موضوعه وغايته:

أـ الاستعداد لغة واصطلاحاً.

ب ـ اختلاف مراتب الاستعداد.

2ـ في الاستعداد:

أـ ارتباط تصفية النفس في حصول الاستعداد.

ب ـ شروط الاستعداد.

3ـ في المستعدّ:

أـ شروط المستعدّ.

ب ـ في الملكة.

ج ـ اختلاف مراتب العلماء.

4ـ في المستعدّ له:

أـ في جواز تجزّؤ الملكة وعدمه.

ب ـ موهبيّة الملكة (التسديد الإلهيّ).

ج ـ من الشرائط الراجعة إلى الاستعداد والمستعدّ.

د ـ تعلّق الاجتهاد في مقام التكليف.

هـ ـ الحقّ والباطل، وأيهما ينقدح أولاً؟

5ـ في بيان كيفية الاستدلال بواسطة الملكات:

أـ تكامل علم الفقه وتزايده بتزايد الأفكار.

ب ـ معرفة حصول الملكة.

ج ـ الالتباس في دعوى حصول الملكة.

 

الاجتهاد

تعريفه: هو العلم بالقواعد الممهّدة لتحصيل مراتب استعداد المواد الإنسانيّة الموجبة لحصول ملكة النفسانية في استنباط الأحكام الشرعيّة الفرعيّة من أدلّتها التفصيلية.

موضوعه: الاستعداد. وهو قابلية النفس الناطقة في الكمال إلى تحصيل العلوم من ملكات الأحوال.

غايته: تحصيل الاجتهاد الموجب للوصول إلى المراد.

 

الاستعداد

حقيقة الاستعداد: الاستعداد من الكيفيات الاستعدادية التي تتفاوت حقائقها بحسب الحال اختلافاً حقيقيّاً، لا تشكيكياً، في الشدّة والضعف فقط.

 

مراتب الاستعداد

لا إشكال في اختلاف مراتب القابليات، وإلا لاتّحدت الحقائق والماهيات في الذاتيّات والعرضيات.

أقل مراتب الاستعداد في تحصيل درجة الاجتهاد ما يصدق معه الاسم، ويترتب عليه الحكم.

لا إشكال في أن لقوّة النفس الناطقة وتصفيتها وتخلّقها بالأخلاق الجميلة دخلاً في حصول الاستعداد وتحصيله.

 

وجود الأسباب

1ـ اعتداله: وهو راجعٌ إلى قطع العلائق الدنيويّة بالكلّية أو استعمال حالة الزهد على القصد.

2ـ الأسباب المترتّب عليها تحصيل العلم من الكتب العلميّة و…

3ـ الأسباب الموجبة للكفاية في طلب المعيشة.

4ـ اختيار أستاذٍ ماهر محقّق مدقّق، نقّاد، سليم الطريقة، معتدل السليقة، غير متّبع للأهواء، ولا متعصّب للآراء، جيد الإنصاف، غير مرتكب لطريق الاعتساف، ولا محبّ للخلاف.

5ـ مناظرة العلماء، وكثرة المباحثة مع أرباب العلم من القرناء والأساتذة والفضلاء.

 

شروطه

1ـ التدريس والبحث في العلوم الموجبة لتحصيل الاستعداد لملكة الاجتهاد، من العلوم الفقهيّة ومقدّماته من العلوم.

2ـ الكتابة في العلوم لحصول التثبت في المطالب العلميّة من المسائل الجزئيّة والكلّية.

3ـ العلم بجملة من العلوم الإلهيّة:

أـ علم اللغة:

1ـ علم اللغة التشريعيّة الجارية على ألسن العرب المنزل على لغتهم القرآن.

2ـ معرفة اللغة الشرعيّة: الحقائق الشرعيّة؛ والمجازات الشرعيّة؛ و…

ب ـ علم النحو.

ج ـ علم الصرف.

د ـ علما المعاني والبيان.

هـ ـ علم الميزان (المنطق).

و ـ علم الكلام.

ز ـ أصول الفقه: ومعرفته أهمّ الأشياء بالنسبة للفقيه.

ح ـ علم الرجال.

ط ـ علم التفسير: وخصوصاً في ما يتعلَّق من الآيات بالأحكام الشرعيّة([46]).

ي ـ علم الحديث: وخصوصاً الأحاديث المتعلّقة بالأحكام الشرعيّة والفروع الفقهيّة.

ك ـ علم الفقه.

4ـ الإحاطة بالقواعد الفقهيّة والأصول الشرعيّة الثانويّة([47]).

5ـ معرفة جملة من العلوم الرياضيّة والطبيعيّة؛ لحصول الربط له في جملة من المطالب الفقهيّة:

أـ علم الهيئة.

ب ـ علم الطبّ.

ج ـ علم الهندسة.

د ـ معرفة الصناعة: وذلك لمعرفة الأحجار والمعادن وما خرج عن اسم الأرضيّة.

6ـ معرفة ضروريات الأديان والمذاهب:

أـ ضروريات الإسلام.

ب ـ ضروريات المذاهب.

ج ـ معرفة موارد الإجماع واستقرار الخلاف.

7ـ معرفة العرفيّات:

أـ معرفة الموضوعات العرفيّة.

ب ـ معرفة الألفاظ العرفيّة، فمنها ما يرجع إلى: العرف العامّ؛ أو عرف المتعاقدين؛ أو ما يصدق عليه الاسم.

8ـ الإحاطة بسيرة المسلمين وسيرة الإماميّة من أرباب الشريعة والمتشرِّعة بالنظر إلى الأحكام التشريعيّة، وما عليه الغالب من العقلاء والمتديّنين وسيرتهم في الأفعال والأقوال.

9ـ الإحاطة بمعرفة مشتركات العبادات والعقود والإيقاعات والأحكام من الشرائط والأسباب والأجزاء والموانع والأحكام واللوازم، والإحاطة بنظائر الأحكام وأشباهها، وأدلّتها، وفحوى دلالات بعضها على بعض؛ لأجل حصول الاستئناس للفقيه بالمناسبات والتقريبات والمؤيّدات للأدلّة الموصلة إلى مراد الشارع.

10ـ معرفة طبع الفقاهة ومذاقها: وهو معرفة مذاق الشارع في مشروعية الأحكام لابتناء مشروعية الأحكام عند الشارع على أساسات هي العلّة العظمى في مشروعيتها.

11ـ الإحاطة بإشارات رموز أدلّة الشرع، وفحوى دلالتها، ولحنه بأنواع الخطابات واقتضائها وتنبيهاتها.

12ـ تحصيل جزئيّات أدلّة كلّ حكم بخصوصه، والنظر في دليله، وفي صحته وفساده، وصحة إنتاجه صورة ومادّة.

 

في شرائط المستعدّ

1ـ صفاء الذهن: ليتيسر له العمل بموجب الاستعداد، ويتوصل إلى معرفة الاجتهاد، ويدرك حقائق المراد.

2ـ النظر في الأحكام الشرعيّة الفرعية، وأدلتها المأمور بالدخول منها إليها: العقليّة؛ والنقلية، وجميع ما يتوقّف عليه فهم مداليلها من جميع مقدّماتها الموضوعيّة والحكميّة، ونتائجها، وردّ كل حكم إلى دليله واستنباطه منه؛ فإن مجرد حصول الاستعداد القويّ وحصول الملكة لا يجدي من دون النظر في أدلّة جزئيّات الأحكام، وحصول القرار منها والثبات؛ لأن الاستعداد الكلّيّ والقويّ إنّما يوجب الظنّ بموجب كلّيات الأدلة، والمطلوب الجزم والقطع بالمكلَّف به وإنْ كان مظنوناً، وهو لا يحصل إلاّ بالقطع بحصول الأمارات الظنّية المعتبرة من الشارع على ذلك الحكم أو موضوعه. ولهذا نقول: إن المفتي إنّما يعمل بعلمه الحاصل له من مقدّمتين علميّتين:

1ـ هذا ما أدى إليه ظنّي، وهي وجدانيّة.

2ـ كلّ ما أدى إليه ظنّي فهو حكم الله في حقّي وحقّ مقلِّدي، وهذه قطعيّةٌ، كتاباً وسنّة وإجماعاً.

3ـ أن يكون فقيهاً.

4ـ حسن الاختيار: والمراد منه إذا تعارضت الأدلة وتواترت عليه الوجوه والاحتمالات كان ذهنه أقرب إلى الصواب، وأعرف بمداخل الترجيح.

5ـ الاستقامة([48]):

أـ أن لا يكون معوجّ السليقة والفهم والإدراك، بحيث يفهم ما لا يفيد الدليل، ويزعم أنه مدلول.

ب ـ أن لا يكون لجوجاً عنوداً.

ج ـ أن لا يكون في حال قصوره مستبدّاً برأيه.

د ـ أن لا يكون بحّاثاً، في قلبه محبة البحث والاعتراض.

هـ ـ أن تكون له حدّة فهم متجاوزة إلى حدّ الإفراط.

و ـ أن لا يكون بليداً لا يتفطَّن للمشكلات والدقائق.

ز ـ أن لا يكون جزّاماً قطّاعاً بكلّ شيء.

ح ـ أن لا يكون مدّة عمره متوغِّلاً بالعلوم الكلاميّة والحكميّة والرياضيّة والطبيعيّة وغير ذلك.

ط ـ أن لا يكون له أنس بالتوجيه والتأويل وتكثير الاحتمالات في الآيات والروايات إلى حدّ تصير عنده المؤوّلات كالظواهر.

ي ـ أن لا يكون كثير الشكّ والتشكيك بكلّ حكم أو دليل.

ك ـ أن لا يكون جريّاً على الفتوى في الغاية، معوّلاً على كلّ ظنّ في البداية.

ل ـ أن لا يكون مفرطاً في الاحتياط في مقام العمل لنفسه، ولا في مقام الفتوى لغيره.

م ـ أن لا يكون متعصِّباً للآراء.

ن ـ أن لا يكون سريع الإنكار إلى ما لا يصل إليه فهمه أو يدركه عقله، فيحكم بكذبه إنْ كان رواية، وببطلانه إنْ كان قولاً أو دراية.

س ـ أن لا يكون سريع الوثوق بكلّ أحد.

ع ـ أن لا يكون مسبوقاً بشبهة تقليد دليل أو موضوع أو حكم أو قاعدة، فإنه لا يعي إلى الصواب.

ف ـ أن لا يكون متوغِّلاً في علم الحديث، بحيث يعوِّل على كلّ رواية مسطورة ولو كانت شاذّة سنداً وعملاً، ويقتصر على مواردها و…

ص ـ أن لا يكون متوغِّلاً في علم الأصول، بحيث لا ينظر إلى أحاديث الأئمّة المعوّل عليها في ردّ كلّ شبهة.

6ـ النظر إلى ما قيل لا إلى مَنْ قال؛ فإن الحقّ حقيقٌ بأن يتَّبَع، والتعويل على كلّ أحدٍ حماقة.

7ـ عدم الميل إلى الحكم قبل الدليل.

8ـ عدم الرغبة في الشيء لجلب الاعتبار.

9ـ عدم الأخذ بالأقوال الشاذّة والمذاهب النادرة.

10ـ عدم الاستئناس بدليل أو قاعدة، بحيث إنه كلما رأى فرعاً مندرجاً تحت تلك القاعدة و… جزم به، وحكم بموجبه، من غير التفات إلى خصوصيات المقام.

11ـ عدم الاستئناس بالحكم لسبق التقليد.

12ـ أن يقول الحقّ ويفتي به، وإن ثقل التكليف به على نفسه أو على غيره.

13ـ الاستئناس بالحقّ وإن استوحش منه الخلق.

14ـ الاستيحاش من الجهل وممَّنْ يتكلَّم بغير علم ومن مدَّعي العلم بغير استعداد ولا وصول إلى مرتبة الاجتهاد.

15ـ أن لا يكون مضيِّعاً لجوهرة عمره في العلوم الأخر.

16ـ وجوب أن يروي كلّ ما خطر لديه من حكم أو فرع أو قاعدة أو دليل كلّيّ أو جزئيّ إلى الأئمّة الهداة؛ لأن في الإيمان شرائط ثلاثة([49]):

أـ تحكيم الأئمّة^ في كلّ مقام قام النزاع فيه بين الأمم.

ب ـ أن لا يكون في النفس من الردّ إليهم حرجٌ ممّا قضوا عليه، من مشقة أو ثقل أو إرادة غيره، والميل إليه، ومنه الظنّ بخلاف أدلّة الأحكام المعتبرة.

ج ـ التسليم لهم.

17ـ كمال العقل([50])؛ لتوقّف صحة تمييزه بصفاء ذهنه وحسن اختياره للأحكام الشرعيّة وفرقه بين الحق والباطل.

في المستعدّ له

1ـ في الملكة:

أـ ما هي([51])؟:

وهي قد تطلق ويراد بها ما قابل الأعدام من الموجودات، فكل موجود ملكة بالنسبة إلى نقيضه، وهي أعمّ مما تطلق عليه من صفات الأعراض؛ وتطلق كما هي محلّ المبحوث عنه ويراد بها الكيفية النفسانية الراسخة الحاصلة من ممارسة الأشياء أو الأعمال، كالعلم، ويقابلها من هذه الصفات الأحوال القابلة للزوال.

ب ـ هل الملكة لدنية أو كسبية([52])؟:

صريح الأكثر، ومنهم الشهيد والعلامة البهبهاني والمحدّث البحراني، أنها لدنية وقوّة قدسيّة؛ وظاهر جماعة منهم وصريح آخرين أنها كسبية.

ولا إشكال أنّ اللدني والوهبي هو ما لا يتوقَّف على تحصيل سبب علميّ ولا عمليّ، ولا ننكر أن يكون للتوفيقات الإلهيّة مدخل في تحصيل العلم بالنسبة إلى أهل الأنفس القدسيّة، ولكن ليس كل مَنْ اكتسب علماً كان من أهل هذه الرتبة؛ لأن العلم بالوجدان يعطى للعدل والفاسق، وللمؤمن والمخالف، وإنْ كان يعدّ بالنسبة إلى الأخير شيطنة؛ لأن العلم ما ترتَّب عليه العمل. ولهذا إن مَنْ ادّعى كون الملكات موهبية قال: إن للجِدّ في العلوم والتكسب مدخلاً عظيماً في تحصيل الملكات، كما صرح به الشهيد في الروضة وجماعة.

ج ـ تفاوت الملكات([53]):

1ـ الاختلاف باعتبار المورد؛ لقصور في المحلّ؛ أو لتقصير باعتبار الأسباب والمقتضيات والشرائط الموجبة للاستعداد.

2ـ الاختلاف باعتبار المتعلَّق؛ من جهة التقصير أو القصور الحاصلين من جهة المورد؛ أو من جهة الموانع الذاتيّة أو العرضيّة.

والمعتبر في الجميع صدق اسم حصول الملكة، ومعه يصدق اسم الاجتهاد، وتترتب عليه الثمرات.

د ـ اختلاف مراتب العلماء: وقد جاز به اعتبار قابلية الاستعداد واجتماع شرائطها وفقد موانعها؛ وجاز باعتبار الملكات؛ وجاز ترتّب الأحكام على جميع مراتب العلم من العلماء؛ لصدق الاسم على الجميع.

هـ ـ هل الأفضل الأقوى ملكة في الفقه أو الأكثر اطلاعاً؟:

الأقوى الأفضل مَنْ كان أقوى ملكة واستعداداً في الفقه. نعم، كثرة الاطلاع من شرائط الاستعداد لتحصيل ملكة الاجتهاد، لا حصول القوّة التي تختلف حسب مراتب القابليات في الاستعداد.

و ـ في جواز تجزّؤ الملكة وعدمه:

اختلف العلماء في جواز تجزّؤ الملكات وعدمه على قولين:

1ـ تحرير محلّ النزاع:

الأول: إن الملكات العلميّة من الكيفيات، والكيف لا يقتضي قسمة ولا نسبة في حد ذاته، وإنّما ينقسم باعتبار المحل واختلاف قابليته.

الثاني: الملكة يمكن أن يصدر منها بعض الآثار، ويمتنع تأثير مقتضاها في الباقي على وجهين:

أحدهما: إن الامتناع لرفع قابلية المقتضي بالنسبة إلى الآثار، والآخر عن الاقتضاء.

ثانيهما: لوجود المانع من تأثيره. وهذا يتصوّر على وجهين:

الأول: باعتبار المانع الذاتيّ.

الثاني: من جهة المانع العرضيّ.

الثالث: إنّ الملكات هل هي قابلة للتجزّؤ باعتبار الاجتهاد الفعلي، بعنى أنه هل للمجتهد الاجتهاد في بعض الأحكام دون بعض، أم لا؟

الرابع: إنه على تقدير الاجتهاد في بعض الأحكام دون بعض فهل ظنه بالنسبة إلى ما اجتهد فيه حجّة لنفسه أم لا؟

الخامس: على تقدير كونه حجّة لنفسه هل هو حجّة لغيره أم لا؟

2ـ البحث:

النزاع في المعنى الثالث والرابع والخامس لا يتعلق لنا غرض فيه في هذا الفنّ، وإنّما يتعلق به غرض الأصوليّ والفقيه.

وأمّا النزاع الأوّل فالذي يظهر أنّ الملكات قابلة للتجزّؤ بالمعنى الذي ذكرناه.

وأمّا النزاع بالمعنى الثاني باعتبار الوجه الأوّل فهو مبنيّ على أن العرضي الضعيف هل يمايز القوي بفصل من سنخه أم لا؟ إنْ قلنا بالأول جاز القول بالتجزّؤ على هذا الوجه؛ وإن قلنا بالثاني فالملكات من الأمور البسيطة التي لا تقبل التجزّؤ.

وأمّا النزاع بالمعنى الثاني باعتبار الوجه الثاني بمعنيَيْه فالذي يظهر وقوعه بالنسبة إلى المجتهد المطلق؛ لعدم اشتراط الإطلاق بفعلية الوصول إلى جميع الأحكام، فإن جملة من الفروع الخفية والأحكام الدقيقة يقصر أكثر المجتهدين عن الوصول إلى إدراكه.

ز ـ موهبية الملكة (التسديد الإلهيّ): إنّا وإنْ قلنا بأنّ ملكة الاجتهاد حصولها كسبيّ فيه وفي سائر العلوم، إلا أن موهبيتها وكونها من عطاء الله تعالى لا تنكر.

 

الخاتمة

1ـ من الشرائط الراجعة إلى الاستعداد والمستعدّ: وقد أشرنا إلى تفاصيل ما فيها في الأبواب المتقدّمة، وبقي الكلام في أمور ذكرها:

أـ ذكر من جملة الشرائط الحكمة.

ب ـ ذكر من جملة الشرائط العمل الصالح.

ج ـ ذكر من جملة الشرائط التقوى.

د ـ ينبغي لطالب الاستعداد والمستعدّ أن يشتغل بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق.

هـ ـ تعلّق الاجتهاد في مقام التكليف: اعلم أنّه لا يتعلَّق الاجتهاد من صاحب الملكة إلاّ في مقام التكليف. إنّما الكلام والإشكال في ما يعرف به حدّ الوسع، ويقطع بسببه في براءة ذمته من وجوب الطلب:

هل القطع بعدم دليل آخر واجب؛ أو يكفي الظن بالعدم؟

فيه وجهان:

1ـ يحتمل الأوّل؛ ليقين الشغل بالتكليف…

2ـ يحتمل الأخير؛ لأنّ المتيقَّن من التكليف ما وصل إليه من الأدلّة، واحتمال وجود غيره منفيٌّ بالأصل، فالأصل براءة الذمّة منه؛ لأنه شك في التكليف، لا المكلف به.

إنّ القطع بالحكم لا يحصل إلاّ في قليل من الأحكام، على أنه يلزم من ذلك أن يكون التكليف بالأحكام الواقعيّة، على أن يكون المراد من الواقع ما هو في نفس الأمر، وليس كذلك… بل المراد من الواقع واقع الدليل. ولا إشكال أنّنا مكلَّفون بواقع ما وصل إلينا في الأدلة.

إنّ الاستفراغ يختلف بحسب الأحكام الشرعيّة والاستعداد والمستعدّ والقدرة على التحصيل حسب اختلاف الأزمان والتمكّن من الآيات والكتب الاستدلاليّة وما يحتاج إليه من المقدّمات المتوقّف عليها الاستدلال.

و ـ الحقّ والباطل أيهما ينقدح أوّلاً؟: اعلم أنه بعد النظر في الحكم، والنظر في الدليل، والفهم من الدليل، هل الذي ينقدح أوّلاً في بادئ الرأي والنظر من الأحكام هو الحقّ، والذي ينقدح أخيراً هو الباطل، أو بالعكس؟

البناء على أحد الوجهين يمكن أن يكون أحد المرجِّحات لابتناء الترجيح على الأمارات الظنية مطلقاً؛ لفتح باب الظنّ فيها، بخلاف الأدلة، وإلاّ فالتعويل على أحد القولين في إصابة الحقّ محل إشكال، بل مخالف للضوابط ولسيرة الفقهاء. وليس في أدلّة الطرفين ما يوجب القطع بأحدهما، حتّى أنه يوجب العمل بموجبه فهو إثبات أصل أو مرجِّح بدليل ظنّي لم يقم على حجّيته قاطع. نعم، القول بفتح باب الظنون في الأحكام أو في الأدلة ربما أن يجعل أحد الوجهين موجباً لحصول الظنّ، فيعتبر ولا إشكال في فساده.

ز ـ تكامل علم الفقه وتزايده بتزايد الأفكار: إن علم الفقه كسائر العلوم النظريّة من العقليّة والنقليّة، لم يزل؛ لقوّة الملكات، يتزايد بتزايد الأفكار، ويتكامل في الأدلّة والأحكام بتكامل الأنظار.

ح ـ معرفة حصول ملكة الاجتهاد، وذلك من خلال:

1ـ عرض فهمه على أفهام العلماء من المتقدّمين والمتأخّرين.

2ـ إقرار أهل الفضل والمعرفة من العلماء المميّزين لتحصيل الملكات.

3ـ إجازة العلماء المعلومين الاجتهاد من ذوي الفضل والعدالة والسداد له بالفتوى والحكومة.

ط ـ الالتباس في دعوى حصول ملكة الاجتهاد.

من هذا التخطيط يبدو أن المحاور الأساسيّة في البحث عند السيّد القزويني قياساً إلى بحث المحقّق الكركي كما يلي:

1ـ التبيين الكامل لمقدّمات الاستنباط: وهذا من الأمور الهامة التي تؤثر على الاستنباط، ولم يتبين ذلك من قبل بهذا الشمول. وقد درس الإمام القزويني ما يحتاج إليه الفقيه في الاستنباط، وكيفية حصوله. ويمكن عدّ هذا من المحاور الأساسيّة لتطوّر البحث عن المناهج بين الكركي والقزويني، وفيه بدائع هامّة ذكرناها في التخطيط. وهو بحثٌ شامل حول المستعدّ ومَنْ فيه قابلية للاستنباط، وقد بحث فيه كل شؤون المستنبط ومَنْ تصدّى للاستنباط، ولكنّه أكثر ممّا يحتاجه الباحث في البحث عن الاجتهاد، وفي تبيين المنهجيّة.

2ـ التبيين الواضح حول ماهية الاجتهاد: تصدّى القزويني لتبيين ماهية الاجتهاد بعنوان «الملكة»، ودرسها مفهوماً، وقام بتعيين أقسامها، وتشخيص مراتبها، والفارق بين المراتب، كما قدمناه في التخطيط. وهذا الأمر من المباحث الهامّة والدقيقة في هذا الكتاب.

على الرغم من أن الكتاب قد بحث بتفصيل هذه الموضوعات، ولكنّ اهتمامه بالحواشي في بعض البحوث والتوسّع الزائد عن الحاجة وقف سدّاً دون أن ينال موقعاً محوريّاً وأساسيّاً في مسيرة تطوير الاهتمام بماهية الاجتهاد والكشف عن مباني الاستنباط وأنظمته.

والحقيقة أن الدقائق والظرائف العلميّة المطروحة في هذا الكتاب ذات قيمة عالية، وتسترعي الانتباه، كما أن تطوّر المباحث قياساً إلى رسالة المحقّق الكركي يعدّ أمراً واضحاً لا تنكره العين.

 

منهجيّة الاستنباط والنهضة الأصوليّة للشيخ الأعظم الأنصاري

إن النهضة العلميّة للشيخ الأعظم «الأنصاري» في مجال الفكر الأصوليّ أسَّست المنهج الفكريّ الحاكم على المنهج الاستنباطيّ لفقهائنا حتّى المرحلة الحاضرة.

إنّ الشيخ الأنصاري يعتبر صاحب مدرسة فقهيّة متميزة؛ وذلك لأنّه يتفرّد بمنهجيّته العلميّة الراقية، وعمقه واستيعابه، وما سواها من الامتيازات التي تجعله في موقع الريادة العلميّة، بحيث يعتبر «خاتمة الفقهاء المجتهدين»، كما قيل عنه بأنّه: «أنسى مَنْ قبلَه، وأتعب مَنْ بعدَه».

وقد تجلّت هذه النقطة في ما أبدعه من ترتيب جديد للبحوث الأصوليّة على أساس تثليث حالات المكلَّف، من القطع والظنّ والشكّ، والتي تترتَّب بشكل طبيعيّ في كيفية تنظيم الأدلّة الشرعيّة التي كان يتعامل معها الفقهاء طيلة القرون السالفة.

كما تجلّت في استقصائه للفروض والحالات التفصيلية في كلٍّ من هذه الأقسام الثلاثة.

وانسجمت وتلاحمت بحوثه الأصوليّة على هذا الأساس حتى أنّنا نلمس تأثير هذا الإبداع على بحوثه في تعارض الأدلّة، حيث عُرف عنه بأنّه هو مبدع مصطلحَيْ: الحكومة؛ والورود.

فيكون الشيخ الأعظم& قد عالج تجديد منهج الاجتهاد بكلّ ثقله العلميّ، حتى انعكست منهجيّته التي تفرّد بها على كلّ كتاباته الأصوليّة أوّلاً، وكتاباته الفقهيّة ثانياً، وارتضاها من بعده الفقهاء من تلامذته وتلامذة تلامذته ثالثاً.

لقد اتّجه الشيخ الأعظم إلى التنظير الفقهيّ بعد انسجام فكره الأصوليّ، وتجلّت سمة الانسجام الفكريّ لديه في عامّة بحوثه الفقهيّة، بالرغم ممّا عُرف عنه بالكرّ والفرّ في البحوث الفقهيّة، كما يلاحظه الدارس لتراثه الفقهيّ لأوّل مرّة، وقبل أن يتعمّق في بحوثه.

وهيّأت هذه المدرسة الفقهيّة الحديثة الأجواء والأدوات اللازمة لخروج البحوث الفقهيّة من الساحة الفرديّة إلى الساحة الاجتماعيّة، والارتقاء بالفقه الإسلاميّ الإماميّ إلى مستوى فقه النظريّة والنظم الإسلاميّة قبل خوض التجربة الاجتماعيّة على مستوى الحكم الإسلاميّ، حتى تجلّت هذه الميزة في تراث أحد نوابغ هذه المدرسة الفقهيّة العملاقة، وهو «الشهيد السيّد محمد باقر الصدر&»، حيث أبدع في اكتشاف النظام السياسيّ والنظام الاقتصاديّ الإسلاميّين، كما مهّد لاكتشاف النظام الاجتماعيّ بما طرحه من رؤى وأفكار فذّة أعطت للمدرسة الفقهيّة الإماميّة زمام المبادرة، وبذلك حازت قصب السبق على سائر المدارس الفقهيّة الإسلاميّة([54]).

وتصدّى السيّد محمد باقر الصدر في مجال الفكر الأصوليّ، وفي كتبه: «المعالم الجديدة للأصول»، و«دروس في علم الأصول»، بنحو دؤوب لتبيين ماهية الاجتهاد وضرورته ومنزلته([55]).

ربما لا يوجد مَنْ لا يعترف اليوم بضرورة البحث للكشف عن مفهوم الاستنباط والتفقّه، وربما يمكن القول بأن واحداً من الهموم الأساسيّة للفقهاء المعاصرين هو الكشف عن القواعد الحاكمة على استنباط الأحكام الشرعيّة وتنظيمها، وقد بحثت بتعابير متنوعة وفي مجالات فكريّة مختلفة، من قبيل: المباحث الأصوليّة، وفلسفة الأحكام، وبعض الفروع الفقهيّة، و…

كما أن مبحث الاجتهاد والتقليد اليوم من البحوث الأساسيّة في درسي الأصول والفقه لمرحلة البحث الخارج.

منهجيّة الاستنباط عند العلاّمة السيّد محمد تقي الحكيم

وقد تطوّر البحث عن ماهية الاجتهاد ونظامه العامّ تطوّراً شاملاً عند العلاّمة المحقّق «السيّد محمد تقي الحكيم» في أصوله العامّة للفقه المقارن.

وقد بحث عن نظام الاستنباط في مقدّمات كتابه، وفي اللواحق بعنوان «خاتمة المطاف في الاجتهاد»، كما رسمناها في التخطيط التالي:

1ـ تحديد المنهج ضرورة لـ:

أـ تشخيص الأصول واستنباطها من مصادرها.

ب ـ وضع هيكلها العامّ من حيث التبويب وتقديم بعضها على بعض.

ج ـ طريقة دراستها وتقييمها، والأسس التي ترتكز عليها في مجال التقييم.

2ـ المناهج لتشخيص الأصول هي:

أـ منهج الأحناف: ركَّز على أساس اعتبار الفروع الفقهيّة لإمام المذهب.

ب ـ منهج المتكلِّمين: تجريد قواعد الأصول عن الفقه، والميل إلى الاستدلال العقليّ ما أمكن، فما أيَّدته العقول والحجج أثبتوه، وإلاّ فلا، دون اعتبار لموافقة ذلك للفروع الفقهيّة، فهدفهم ضبط القواعد لتكون دعامة للفقه، ضابطة للفروع، من غير اعتبار مذهبيّ.

وليس للمقارن أن يستغني بإحدى الطريقتين عن الأخرى من الوجهة المنهجيّة.

3ـ مراحل البحث لدى المجتهد:

أـ البحث عن الحكم الواقعيّ في الكتاب؛ والسنّة؛ والاجماع؛ ودليل العقل.

والأصول التي يرجع إليها، هي: القياس؛ الاستحسان؛ المصالح المرسلة؛ سدّ الذرائع؛ العرف؛ مذهب من قبلنا؛ مذهب الصحابيّ.

ب ـ البحث عن الحكم الواقعيّ التنزيلي، وأهمّها: الاستصحاب.

وأصوله: أصالة الصحّة؛ قاعدتا التجاوز والفراغ.

ج ـ البحث عن الوظيفة الشرعيّة:

1ـ البراءة الشرعيّة، وأصولها: الاحتياط الشرعيّ؛ والتخيير الشرعيّ.

د ـ البحث عن الوظيفة العقليّة: وأصولها: البراءة العقليّة؛ الاحتياط العقليّ؛ التخيير العقليّ.

هـ ـ تعقد المشكلة، وعدم التمكن من العثور على أدلّة الحكم أو الوظيفة بأقسامها: والأصول التي يرجع إليها عادةً هي القرعة، بعد تمامية دليلها ودلالتها.

4ـ المقياس في الجمع بين الأدلّة:

أـ التخصيص: وهو إخراج من الحكم مع دخول المخرج موضوعاً.

ب ـ التخصُّص: وهو الخروج الموضوعيّ الوجدانيّ.

ج ـ الحكومة: وهي أن يكون أحد الدليلين ناظراً إلى الدليل الآخر، موسِّعاً أو مضيِّقاً له.

د ـ الورود: الدليل النافي للموضوع وجداناً، ولكن بتوسُّط تعبُّد شرعيّ.

5ـ ضرورة التعرف على القضايا الأوّليّة للمقارنة، وهي:

أـ مبدأ العلية والمعلولية، بما فيها من امتناع تقدم المعلول على العلة، وتأخّرها عنه أو مساواتها له في الرتبة، ثم امتناع تخلفه عنها، فحيثما توجد العلة التامة يوجد المعلول حتماً.

ب ـ مبدأ استحالة التناقض اجتماعاً وارتفاعاً، مع توفُّر شرائط الاتحاد والاختلاف فيه.

ج ـ مبدأ استحالة اجتماع الملكة وعدمها وارتفاعهما، مع توفّر قابلية المحلّ.

د ـ مبدأ امتناع اجتماع الضدين.

هـ ـ مبدأ استحالة الدور.

و ـ مبدأ استحالة الخلف.

ز ـ مبدأ استحالة التسلسل في العلل والمعلولات.

6ـ ضرورة تبيين مفهوم الحجّة:

أـ الحجّة عند اللغويّين: هي حجّة لأنّها تحجّ أي تقصد؛ لأن القصد لها وإليها. ومن لوازمها المعذّرية والمنجّزية.

ب ـ الحجّة عند المناطقة: الوسط الذي به يحتجّ لثبوت الأكبر للأصغر من نحو علقة وربط ثبوتي بنحو العلية والمعلولية أو التلازم.

ج ـ الحجّة عند الأصوليّين: هي الأدلة الشرعيّة من الطرق والأمارات التي تقع وسطاً لإثبات متعلقاتها بحسب الجعل الشرعيّ، من دون أن يكون بينها وبين المتعلقات علقة ثبوتية بوجه من الوجوه.

7ـ أقسام الحجّة:

أـ الحجّة الذاتيّة: وهي التي لا تحتاج إلى جعل جاعلٍ، وتختصّ بخصوص القطع.

ب ـ الحجّة المجعولة: وهي التي لا تنهض بنفسها في مقام الاحتجاج، بل تحتاج إلى مَنْ يسندها من شارع أو عقل.

والعلم مقوِّم للحجّيّة، والشكّ في الحجّيّة كافٍ للقطع بعدمها.

 

الاجتهاد

1ـ تعريف الاجتهاد لغةً واصطلاحاً:

أـ في اللغة: مأخوذ من الجهد، وهو بذل الوسع للقيام بعمل ما، ولا يكون إلا في الأشياء التي فيها ثقل، فيقال: اجتهد فلان في رفع حجر ثقيل، ولا يقال: اجتهد في حمل ورقة مثلاً.

ب ـ في الاصطلاح: وهو في الاصطلاح مختلف في تحديده، والذي يبدو أنّ لهم فيه اصطلاحين مختلفين، أحدهما أعمّ من الآخر.

الاجتهاد بمفهومه العامّ:

1ـ أخذ الظنّ في تعريفه ومناقشته: استفراغ الوسع في طلب الظنّ بشيء من الأحكام الشرعيّة على وجه يحسّ من النفس العجز عن المزيد عليه.

2ـ أخذ العلم فيه ومناقشة التعريف: بذل الفقيه وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة.

الاجتهاد بمفهومه الخاصّ: بذل الجهد للتوصل إلى الحكم في واقعة لا نصّ فيها؛ بالتفكير واستخدام الوسائل التي هدى الشرع إليها للاستنباط بها في ما لا نصّ فيه.

2ـ أقسامه ومعدّاته:

بلحاظ طبيعة حججه: أـ الاجتهاد البياني؛ ب ـ الاجتهاد القياسي؛ ج ـ الاجتهاد الاستصلاحيّ.

مناقشتها:

1ـ إنه غير جامع لشرائط القسمة المنطقيّة؛ لعدم استيعابه لأقسام المقسم.

2ـ إن القياس ليس في جميع أقسامه قسيماً للاجتهاد البياني.

3ـ تفرقته بين طريقة الاجتهاد البياني والطريقتين الأخريين باعتباره الأولى بياناً للأحكام والثانية والثالثة وضعاً لها.

بلحاظ الحجّيّة:

أـ الاجتهاد العقليّ: وهو ما كانت الطريقية أو الحجّيّة الثابتة لمصادره عقليّة محضة غير قابلة للجعل الشرعيّ.

وينتظم في هذا القسم كلّ ما أفاد العلم الوجدانيّ بمدلوله، كالمستقلاّت العقليّة؛ وقواعد لزوم دفع الضرر المحتمل؛ وشغل الذمة اليقيني يستدعي فراغاً يقينياً؛ وقبح العقاب بلا بيان؛ و…

ومعدات الاجتهاد العقليّ هي: المنطق؛ والفلسفة.

ب ـ الاجتهاد الشرعيّ: وهو كلّ ما احتاج إلى جعل أو إمضاء لطريقيته أو حجيته من الحجج السابقة.

ويدخل ضمن هذا القسم: الإجماع؛ والقياس؛ والاستصلاح؛ والاستحسان؛ والعرف؛ والاستصحاب وغيرها من مباحث الحجج والأصول العمليّة، ممّا يكشف عن الحكم الشرعيّ أو الوظيفة المجعولة من قبل الشارع عند عدم اكتشافه.

ومعدات الاجتهاد الشرعيّ هي:

أـ ما يتّصل منها بنسبة النصّ لقائله:

1ـ أن يكون على علم بفهرست كلّ ما يرتبط بهذه النصوص وتبويبها، ومعرفة مظانها في كتبها الخاصّة، أمثال: الصحاح؛ والمسانيد؛ والموسوعات الفقهيّة.

2ـ أن تكون له خبرة بتحقيق النصوص، والتأكد من سلامتها من الخطأ أو التحريف.

3ـ التأكد من سلامة رواتها ووثوقهم في النقل، بالرجوع إلى الثقات من أرباب الجرح والتعديل.

4ـ التماس الحجّيّة لها من قبل الشارع، باعتبارها من أخبار الآحاد التي توجب قطعاً بمضمونها.

5ـ أن تكون لنا خبرة بالمرجِّحات التي جعلها الشارع أو أمضاها عند التعارض بينها.

ب ـ ما يتّصل منها بمجالات الاستفادة:

1ـ أن تكون لنا خبرة لغويّة تؤهِّلنا لأن نفهم مواد الكلمات ونؤرِّخ لها على أساس زمنيّ، لنتمكن من أن نضعها في مواضعها الطبيعيّة لها، ونفهمها على وفق ما كانوا يفهمون من معانيها في زمنها.

2ـ أن نكون على علم بوضع قسم من الهيئات والصيغ الخاصّة، كهيئات المشتقات، وصيغ الأوامر، والنواهي، والعموم، والخصوص، والإطلاق، والتقييد، والهيئات الدالّة على بعض المفاهيم، وما إليها من الهيئات.

3ـ أن نحيط معرفة بمسائل النحو والتصريف، بالمقدار الذي يؤهِّلنا لتمييز حركات الإعراب، وما تكشف عنه من اختلاف المعاني.

4ـ أن نكون على درجة عالية في فهم أساليب العرب من وجهة بلاغيّة وتقييمها وإدراك جملة خصائصها.

5ـ أن تكون لنا إحاطة تاريخيّة بالأزمان التي رافقت تكوّن السنّة وما وقع فيها من أحداث، لنستطيع أن نضع النصوص التشريعيّة في موضعها الزمنيّ، وفي أجوائها وملابساتها الخاصّة.

6ـ ان تكون لنا خبرة بأساليب الجمع بين النصوص، كتقديم الناسخ على المنسوخ، والخاصّ على العامّ، والمطلق على المقيد، وكالتعرُّف على موارد حكومة بعض الأدلّة على بعض، أو ورودها عليها.

7ـ أن نكون على ثقة ـ بعد اجتياز المرحلة السابقة وتحصيل ظهور النصّ ـ بحجّيّة مثل هذا الظهور.

 

تجزّؤ الاجتهاد وعدمه

1ـ ملكة الاجتهاد ومنشؤها: وقد تبيّن لنا ممّا تقدم أن ملكة الاجتهاد إنّما تنشأ من الإحاطة بكلّ ما يرتكز عليه قياس الاستنباط، سواء ما وقع منه موقع الصغرى لقياس الاستنباط، كالوسائل التي يتوقَّف عليها تحقيق النصّ وفهمه، أو كبراه، كمباحث الحجج والأصول العمليّة. وسالك طريق الاجتهاد لا يمكن أن يبلغ مرتبته حتّى يمرّ بها جميعاً، ليكون على حجّة فيما لو أقدم على إعمال هذه الملكة.

2ـ الاجتهاد المطلق: وهو ما يقتدر به على استنباط الأحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلاً أو نقلاً في الموارد التي يظفر فيها بها.

3ـ الاجتهاد المتجزئ: وهو ما يقتدر به على استنباط بعض الأحكام.

4ـ الخلاف في تجزّؤ الاجتهاد وعدمه:

أـ استحالة الاجتهاد المطلق: وكأنّ وجهة نظر هؤلاء ما يلاحظونه من قصور البشر، بما له من طاقات متعارفة، عن استيعاب جميع الأحكام المجعولة لأفعال المكلَّفين على اختلاف مواضعها، حتّى المستجدّة منها، ومثل هذا الاستيعاب ممتنع عادة على البشر.

ب ـ إمكان الاجتهاد المطلق: إنّه من قبيل الملكة، التي توفّر له القدرة على استنباط الأحكام، وهي غير ممتنعة عادة.

ج ـ إمكان التجزّؤ ووقوعه: فالأكثر ـ في ما يبدو من العلماء ـ هو القول بإمكانه ووقوعه.

د ـ لزوم التجزّؤ: وقد تفرّد صاحب الكفاية ـ في ما نعلم ـ بالقول بلزوم التجزّؤ، فضلاً عن إمكانه ووقوعه.

هـ ـ القول بعدم الإمكان وسببه: ولعل وجهة نظر القائلين بعدم إمكان التجزّؤ هو أخذهم الملكة أو الاستنباط في تعريفه، والتزامهم ببساطتهما وعدم إمكان التجزئة فيهما.

و ـ أقربيّة القول بعدم الإمكان: لا لما ذكروه من بساطة الملكة وعدم بساطتها…، بل لما قلناه في مدخل البحث من أن حقيقة الاجتهاد هو التوفُّر على معرفة تلكم الخبرات أو التجارب على اختلافها، فمع توفرها جميعاً توجد الملكة، ومع فقد بعضها تنعدم، لا أنها توجد ضيقة أو يوجد بعض مصاديقها.

وخلاصة ما انتهينا إليه من رأي هي أنّ التوفّر على معدات الاجتهاد جميعاً هو الذي يكوّن الاجتهاد كملكة، ومع فقد بعضها والتقليد في البعض الآخر فإن صاحبها لا يخرج عن كونه مقلِّداً؛ لاتباع النتائج أخسّ المقدمات بالضرورة. فملكة الاجتهاد إذاً إما أن توجد مطلقة؛ أو لا توجد أصلاً.

 

مراتب المجتهدين

1ـ الاجتهاد ومراتب المجتهدين:

أـ الاجتهاد المطلق: وهو أن يجتهد الفقيه في استخراج منهاج له في اجتهاده على نحو يكون مستقلاًّ في منهاجه، وفي استخراج الأحكام على وفق هذا المنهاج، أو هو ـ كما يعبِّر العلماء ـ مجتهد في الأصول وفي الفروع.

ب ـ الاجتهاد في المذهب: ويريدون به أن يجتهد الفقيه المنتسب إلى مذهب معين في الوقائع على وفق أصول الاجتهاد التي قرَّرها إمام ذلك المذهب… وقد أطلق الأستاذ أبو زهرة على الفقيه من هذا القسم اسم (المجتهد المنتسب).

ج ـ الاجتهاد في المسائل التي لا رواية فيها عن إمام المذهب وفق الأصول المجعولة من قبله، وبالقياس على ما اجتهد فيها من الفروع، كالخصاف والطحاوي والكرخي من الحنفية، واللخمي وابن العربي وابن رشيد من المالكية، والغزالي والإسفراييني من الشافعية.

د ـ اجتهاد أهل التخريج: وهو الاجتهاد الذي لا يتجاوز تفسير قول مجمل من أقوال أئمتهم أو تعيين وجه معين لحكم يحتمل وجهين، فإليهم المرجع في إزالة الخفاء والغموض الذي يوجد في بعض أقوال الأئمّة وأحكامهم، كالجصاص وأضرابه من علماء الحنفية.

هـ ـ اجتهاد أهل الترجيح: ويراد به الموازنة بين ما روي عن أئمتهم من الروايات المختلفة، وترجيح بعضها على بعض من جهة الرواية أو من جهة الدراية.

2ـ مناقشة هذا التقسيم:

1ـ خروجه على أصول القسمة المنطقيّة؛ لخلطه بين قسم من الأقسام وبين مقسمها بجعلها قسيماً لمقسمها، والأنسب توزيعها ـ من وجهة منطقيّة ـ إلى قسمين: مطلق ومقيّد، والمقيّد إلى الأقسام الأربعة الأخرى؛ لوجود قدر جامع بينهما، وهو الاجتهاد ضمن إطار مذهب معين.

2ـ إن تسمية هذه الأقسام الأربعة بالاجتهاد، وجعلها قسماً منه في مقابل الاجتهاد المطلق، لا يلتئم مع الواقع الذي سبق أن ذكرناه من أن الاجتهاد ملكة لا توجد لصاحبها إلاّ بعد حصوله على تلكم الخبرات والتجارب…

3ـ إن جميع ما ذكروه للاجتهاد من تعاريف لا ينطبق على أيّ قسم من أقسام المقيد؛ لأخذهم العلم أو الظنّ بالحكم الشرعيّ أو الحجّة عليه على اختلاف في وجهة النظر في مفهومه…

3ـ اجتهاد الشيعة مطلق أو منتسب:

رأى أبو زهرة أنّ اجتهاد الشيعة ليس من قبيل الاجتهاد المطلق، وإنّما هو من قبيل الاجتهاد المنتسب.

ويَرِدُ على هذا الرأي أن الأستاذ أبا زهرة كان يرى في أئمّة أهل البيت أنهم مجتهدون في كلّ ما يأتون به من أحكام، وحسابهم حساب بقية أئمّة المذاهب، مع أن الشيعة لا يرون في أئمتهم ذلك، وإنّما يرونهم مصادر تشريع يرجع إليها لاستقاء الأحكام من منابعها الأصيلة، ولذلك اعتبروا ما يأتون به من السنّة… فأقوال أهل البيت إذاً مصدرٌ من مصادر التشريع لديهم، وهم مجتهدون في حجّيتها، كسائر المصادر والأصول.

على أن أدلة الشيعة على الحجج ـ على اختلافها ـ لم تقتصر على أحاديث أهل البيت ـ وهم عدل الكتاب ـ، بل تجاوزتها إلى الكتاب العزيز، والسنّة النبويّة، والسيرة القطعيّة، وبناء العقلاء، وحكم العقل، وغيرها، على اختلاف في صلاح بعضها للاستقلال بالدليليّة، أو الانتظام ضمن غيره من الأصول.

 

الاجتهاد بين الانسداد والانفتاح

1ـ سدّ باب الاجتهاد: وأرادوا به حصر الاجتهاد بعد أن تمّ غلق أبوابه ـ على يد بعض السلطات ـ على جميع المكلَّفين، وحصر الرجوع إلى خصوص المذاهب الأربعة.

2ـ بواعثه وعوامله:

1ـ انقسام الدولة الإسلاميّة إلى عدّة ممالك.

2ـ انقسام المجتهدين إلى أحزاب، لكل حزب مدرسته التشريعيّة وتلامذتها.

3ـ انتشار المتطفِّلين على الفتوى والقضاء، وعدم وجود ضوابط لهم.

4ـ شيوع الأمراض الخلقيّة بين العلماء والتحاسد والأنانيّة.

5ـ عند الشيعة الإماميّة، وبالخصوص في القرن الخامس الهجري، صهرت عظمة مكانة الشيخ الطوسي، وقوّة شخصيته، تلامذته في واقعها، وأنستهم أو كادت شخصيّاتهم العلميّة، فما كان أحد منهم ليجرؤ على التفكير في صحة رأي لأستاذه الطوسي أو مناقشته.

3ـ أدلّة حجّيّته:

أـ الاستدلال بالإجماع: وقد نسب ابن الصلاح هذا الإجماع إلى المحقِّقين، لا إلى المجتهدين، وهذا طبيعيٌّ لافتراضه قيام الإجماع بعد انسداد باب الاجتهاد.

وقد ناقش الشيخ المراغي (وهو من دعاة حرّيّة الفكر) هذا الإجماع:

من وجهة صغروية: فقد شكَّك في إمكان تحصيل هذا الإجماع.

ومن وجهة كبروية: فقد انصبّت على إنكار الدليل على حجّيّة مثل هذا الإجماع.

وخلاصة الرأي في ذلك أنّا قد استقرأنا في ما سبق في (مبحث الإجماع) أدلة العلماء على حجّيّة الإجماع فلم نجد فيها ما يشير إلى حجّيّة إجماع المحقّقين. فالاستدلال إذاً بالإجماع في غير موضعه؛ لعدم قيام الدليل على حجّيّة مثله، على أن الشكّ في الحجّيّة كافٍ للقطع بعدمها.

ب ـ انضباط المذاهب وكثرة الأتباع: وهاتان العلّتان ـ سواء أراد بهما التعليل لأصل الحكم أم للإجماع ـ غريبتان عن الأدلة جدّاً.

4ـ الشيعة وفتح باب الاجتهاد: فالحق ـ كما ذهب إليه الشيعة ـ هو فتح باب الاجتهاد المطلق، وهو الذي تقتضيه جميع الأدلة التي ذكروها على وجوب المعرفة، عقليّة ونقلية. وهذه الاعتبارات التي ذكروها لعدم الحجّيّة لا تصلح لإيقاف تلكم الأدلة ونسخها.

وكما ترى فإنّ السيد الحكيم يطرح الأمور على النحو الذي يتم بالمقارنة والتماس الحجّة، باعتباره المقوم الأساسيّ للاستنباط. وتطوّر البحث في هذا الكتاب بالنسبة لمَنْ سبقه واضح ومشهود.

كما يمكن الإشارة إلى مميزاته الأساسيّة بالنحو التالي:

1ـ ارتقاء منهجيّة البحث الشاملة.

2ـ تبيين ضرورة البحث عن المناهج، وتبيين مراحل البحث عند المجتهد.

3ـ مقياس الجمع بين الأدلة وتبيينها.

4ـ الاتّكاء على القضايا الأساسيّة والأوّليّات.

5ـ محوريّة بحث الحجّة.

6ـ التعريف بأقسام الاجتهاد وتبيين معداته.

7ـ بيان مراتب المجتهدين.

وأكثر هذه المحاور فيها حداثة في المحتوى، أو الصياغة، أو في المحتوى والصياغة معاً.

 

منهجيّة الاستنباط عند العلاّمة عبد الهادي الفضلي

وأما كتاب «الوسيط في قواعد فهم النصوص الشرعيّة»، للعلامة المحقِّق «عبد الهادي الفضلي»، فهو كتابٌ مميّز في بابه.

وقد رسم العلامة الفضلي أطروحة متميّزة حول منهجيّة الاجتهاد ومراتب البحث في مجال الاستنباط، وهي كما يلي:

1ـ أهمّيّة الاجتهاد.

2ـ تعريف الاجتهاد:

في اللغة: بذل الوسع والطاقة.

في الفقه والأصول: البحث في النصّ الشرعيّ لاستنباط الحكم منه.

3ـ مشروعية الاجتهاد: لا قول عند أصحابنا الإماميّة بحرمة الاجتهاد. وما نسب إلى الإسترآبادي خلاف في نهج الاجتهاد.

4ـ أهداف الاجتهاد:

أـ معرفة الأحكام.

ب ـ استمرارية الدين الإسلاميّ مع هذه الحياة إلى نهايتها.

5ـ تاريخ الاجتهاد.

6ـ تقسيم الاجتهاد:

أـ المشهور: المطلق؛ المتجزئ.

ب ـ ما يستفاد من واقع تطبيقات الاجتهاد: المقارن؛ الخلاف؛ المذهبيّ؛ التخصيصيّ.

ج ـ تقسيمات أخرى: فرديّ؛ جماعيّ.

7ـ وسائل الاجتهاد:

أـ دراسة مناهج البحث.

ب ـ معرفة مصادر البحث.

ج ـ دراسة علوم اللغة العربيّة التي لها مدخلية في فهم النصّ.

د ـ دراسة علم المنطق.

هـ ـ دراسة علوم القرآن.

و ـ دراسة علوم الحديث.

ز ـ دراسة علم أصول الفقه.

ح ـ دراسة القواعد الفقهيّة.

ط ـ دراسة التاريخ الاجتماعيّ لعصور التشريع الإسلاميّ.

ك ـ الاطلاع على الحياة الاجتماعيّة المعاصرة.

ل ـ دراسة مبادئ علم الفقه (متن فقهيّ).

م ـ دراسة تطوّر الفكر الفقهيّ.

س ـ دراسة تطوّر الفكر الأصوليّ.

ع ـ دراسة مبادئ العلوم الإنسانيّة.

ف ـ دراسة مبادئ العلوم الطبيعيّة.

ص ـ دراسة مبادئ علم الرياضيّات.

8ـ مجال الاجتهاد:

أـ الأحكام الظنية.

ب ـ الموضوعات الشرعيّة المستنبطة.

ج ـ الموضوعات العرفيّة اللغويّة.

د ـ الموضوعات المستحدثة.

9ـ مواد الاجتهاد: ولاحظ «الفضلي» فيه جميع الشؤون اللازمة لاستنباط الحكم ولوازمه. وقد جعل البحث عن كيفية التعامل مع النصّ أساساً في المنهج.

ومن المحاور الجديدة لديه في البحث عن المنهج في مجال الاستنباط يمكن الإشارة إلى المباحث التالية: أهداف الاجتهاد؛ تاريخ الاجتهاد؛ وسائل الاجتهاد؛ مجال الاجتهاد.

 

منهجيّة الاستنباط عند العلامة السيّد عبد الكريم فضل الله

وتصدّى العلاّمة «السيّد عبد الكريم فضل الله» لمنهجيّة الاستنباط في رسالة كتبها بعنوان «منهجيّة ومراحل الاستنباط». وذكر فيها ضرورة تبيين منهجيّة الاستنباط لكلّ طالب من طلاب الاجتهاد، قائلاً: «إن عمليّة استنباط الأحكام الشرعيّة ومنهجيّتها وترتيب مراحلها… نجدها كلّها في كتب الأصول، إلاّ أني شعرت أن تلخيصها ضرورة لفهم الطالب لها»([56]).

وفي توضيح الفكرة يقول: «نعلم أن قليلاً من الأحكام معلومٌ على نحو القطع، ومعظم الأحكام تدخل في دائرة الشك والجهل، ولذا كان لابدّ لمعرفتها من استخدام قواعد عامّة كلية، حيث تسالم الفقهاء على أنّ لكل واقعة حكماً، ومن هنا نشأ علمٌ آخر هو علم الأصول الذي يبحث عن هذه القواعد… ولكن السؤال الأساسيّ هو: إذا واجهنا مسألة فقهيّة من أين نبدأ؟ وإلى أين ننتهي؟… أعتقد أوّل خطوة هي أن نعرف أين نضع الشبهة وفي أية خانة»([57]).

وعلى هذا الأساس يقوم بتحديد الشبهات وتعيين أقسام الشبهة، فيقول: «إن أبعاد الاشتباه لا تخلو عن هذه الثلاثة: إمّا الحكميّة؛ أو المفهوميّة؛ أو المصداقيّة…، وأعتقد أن هذا التقسيم الثلاثي هو أفضل التقسيمات»([58]).

وفي هذه المنهجيّة يرسم الخطوط العامّة للاستنباط، ويرسم باختصار ما يحتاج إليه الفقيه في مسيرته لاستنباط الحكم الشرعيّ، بمعنى أنه يلاحظ الفقيه بما هو فقيه، ويهيئ له ما يحتاجه في عمليّة الاستنباط، ولكنه بنحو ملخَّص، كما هو واضح في الرسم التالي من المنهجيّة:

الشبهات ثلاث لا رابع لها: حكميّة؛ مفهوميّة؛ مصداقيّة.

أولاً: الشبهة الحكميّة: هي اشتباه الحكم بما هو.

أسبابها: 1ـ فقدان الدليل؛ 2ـ إجمال الدليل؛ 3ـ تعارض الدليلين.

معالجتها: البحث عن علم؛ فعلميّ؛ فأصل لفظيّ من دليل عامّ؛ فأصل عمليّ.

ثانياً: الشبهة المفهوميّة: هي اشتباه الحكم بسبب اشتباه مفهوم لفظ المتعلَّق.

أسبابها: عدم فهم اللفظ.

معالجتها: نطرق باب الشارع؛ فالعرف؛ فاللغة؛ فالقدر المتيقن؛ وإلاّ عاد الدليل مجملاً؛ فنبحث عن دليل آخر.

ثالثاً: الشبهة المصداقيّة: هي اشتباه الحكم لاشتباه المصداق الخارجيّ.

أسبابها: خارجيّة لا تحصى.

معالجتها: نبحث عن قطع؛ فإن لم نجد فأمارة معتبرة في إثبات الموضوعات، مثل: البينة؛ وإلاّ فقواعد عامّة، مثل: قاعدة اليد؛ وإلا فأصل موضوعيّ، كالأصول العدميّة؛ وإلاّ عادت الشبهة حكميّةً.

وفي ضمن هذه المنهجيّة ينظم الدور الأصوليّ وما يحتاج إليه الفقيه من المباني والأدلة، وهو يقول: «هذه هي الهيكليّة العامّة لكيفية الاستنباط، المراحل والبرمجة»([59]).

ويمكن أن نقول: إن السيد عبد الكريم فضل الله قام بتبيين مرتبة من البحث عن المناهج، وهي مرتبة ترتيب الأدلّة وتعيين الأولويات في البحث الفقهيّ عن حكم الحوادث الواقعة أو المسائل المستحدثة التي هي موضع الاستنباط في الحقيقة. وتنظيم هذه المراتب بالدقّة والنظرة الجزئيّة له أثرٌ كبير في تعليم الاستنباط ويوفِّر على الطالب وقتاً كثيراً.

كما يمكننا أن نقول: إنّ من أهمّ وأدقّ المباحث في منهجيّة الاستنباط التي يليق الاهتمام بها والمشي على طريقتها، بعد النقد والتكميل لها، ما كتبه «السيد محمد تقي الحكيم»؛ لما فيه من الدقة والشمول في التوجه لمتطلّبات البحث الفقهيّ، مع مراعات المتطلبات العصريّة في بحثه.

كما جاء بحث الفضلي منقَّحاً ومكمّلاً له.

وإن هذا المشروع مشروع حيّ، قد تركزت عليه جهود الفقهاء إلى يومنا هذا، وهو من المباحث الرئيسة اللازمة قبل البدء بأيّ بحث فقهيّ.

والمقترح في هذا المجال هو الالتفات إلى أنّ منهجيّة الاستنباط جزء من نظام متكامل للاستنباط، ينبغي أن يؤخذ فيه بنظر الاعتبار ما قدمه أستاذنا ـ في محاضراته بعد استقرائه لما عرضناه ـ من ضرورة عرض نظام شامل للاستنباط، يمكن اقتراحه كما يلي:

1ـ نظام الاستنباط:

أـ تعريف الاستنباط.

ب ـ أهداف الاستنباط.

ج ـ مباني الاستنباط.

د ـ عناصر الاستنباط:

1ـ المنابع (المصادر): وهي الحجج الشرعيّة.

2ـ القواعد الأصوليّة الدخيلة في عمليّة الاستنباط.

3ـ المنهج اللازم اتّباعه في تطبيق القواعد على المصادر.

هـ ـ مراتب (مستويات) الاستنباط:

1ـ الاستظهار من الأدلة غير المتعارضة.

2ـ الاستظهار من الأدلة المتعارضة.

3ـ استنباط الحكم حال فقدان النصّ.

4ـ استنباط النظريّة.

5ـ استنباط النظام.

و ـ مراحل الاستنباط وخطواته في كلّ مستوى من المستويات الخمسة.

ز ـ العلوم المقدّمية.

ح ـ الأرصدة اللازمة للاستنباط: وهي كلّ ما يؤثر على فهم الفقيه للنصوص الشرعيّة، مثل:

1ـ الإحاطة والأنس بجميع النصوص الشرعيّة (الآيات والروايات).

2ـ المنظومة العقائديّة.

3ـ منظومة السنن الإلهيّة.

4ـ النظريّة الاجتماعيّة للإسلام.

5ـ خصائص الإسلام ومميزاته الأساسيّة.

6ـ النظريّة والنظام الأخلاقيّ الإسلاميّ (الخطواط العامّة والتفصيلية).

7ـ النظريّة والنظام الحقوقي الإسلاميّ (الخطواط العامّة والتفصيلية).

8ـ النظريّة والنظام التربويّ الإسلاميّ (الخطواط العامّة).

9ـ الخطوط العريضة للنظام الاجتماعيّ الإسلاميّ.

10ـ تأريخ المجتمع الإسلاميّ (سياسيّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً).

11ـ تأريخ التشريع الإسلاميّ.

12ـ تأريخ تطوّر المسائل الفقهيّة.

وهذه جولةٌ سريعة حول منهجيّة الاستنباط، بعد الفراغ عن ضرورة إحاطة الفقيه بكل ما يحيط به وبمجتمعه من ظروف وخصائص، تجعله قادراً على تطبيق الأحكام على مصاديقها بشكل دقيق.

نرجو أن نكون قد وفّقنا لعرضها بشكل مثمر لطلاب الاجتهاد؛ عسى أن تكون خطوة على الطريق. وما توفيقي إلاّ بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب.

الهوامش:

(*) أستاذ الدراسات العليا في جامعة المصطفى| العالميّة.

(**) باحثٌ في الحوزة العلميّة، من العراق.

([1]) إذ الأحكام الشرعيّة ليست كلّها واضحة وبديهية لكلّ أحد، ومن هنا احتاج المسلم بعد عصر التشريع إلى البحث والاستدلال الصحيح للوصول إليها والعلم بها بنحو يبرئ الذمة، وتتمّ له وعليه الحجّة الشرعيّة.

([2]) وهي مباحث الألفاظ وجملة من القواعد العقليّة التي تدخل في تقنين عمليّة الاستنباط.

([3]) لقد اعتنى بعض الأصوليّين بهذا الموضوع في أبحاثهم الأصوليّة، وربما تركوه ليستوعبه الطالب من خلال عمليّات الاستنباط نفسها، كما عليه سيرة السلف الصالح في مجالس الاستفتاء. وحين يتولّى علم الأصول هذه المهمة تبلغ المحاور الأساسيّة للبحث الأصوليّ أربعة محاور، هي:

1ـ تحديد مصادر الاستنباط.

2ـ تحديد موقع كل مصدر في عمليّة الاستنباط، وتحديد مستوی الاعتماد عليه.

3ـ تحديد القواعد المشتركة في عمليّات الاستنباط.

4ـ تحديد منهج الاستنباط من المصادر بواسطة القواعد التي يتمّ تطبيقها علی النصوص، وكيفية التعامل مع كل نصّ، وكيفية ربطه بسائر النصوص، حتی الانتهاء إلی المحصله النهائيّة، واكتشاف ما يريده المشرِّع من خلال المصادر الواصلة إلی المكلَّفين.

([4]) المعالم الجديدة للأصول: 12.

([5]) التذكرة بأصول الفقه: 28.

([6]) معارج الأصول: 48.

([7]) نهاية الوصول إلی علم الأصول 5: 192.

([8]) يقول المقداد السيوري في مقدمة كتابه: «وكان شيخنا الشهيد قدس الله سرّه قد جمع كتاباً يشتمل على قواعد وفوائد في الفقه؛ تأنيساً للطلبة بكيفية استخراج المعقول من المنقول، وتدريباً لهم في اقتناص الفروع من الأصول، لكنه غير مرتب ترتيباً يحصله كل طالب، وينتهز فرصة كل راغب، فصرفت عنان العزم إلى ترتيبه وتهذيبه وتقريبه، وسمّيته (نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الإماميّة) وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب». (انظر: نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الإماميّة: 4).

([9]) ويقول في توضيحه: «ويعبر عنها بأن اليقين لا يرفع بالشك، وهو راجع إلى الدليل العقليّ، أعني أصالة عدم الحكم السابق».

([10]) يقول في توضيحه: «فإنه يحمل الخطاب على الحقيقة العرفيّة وإلا لزم الخطاب بما لا يفهم».

([11]) نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الإماميّة: 13ـ 17.

([12]) الشيخ الجليل علي بن عبد العالي العاملي الكركي: أمره في الثقة والعلم والفضل وجلالة القدر وعظم الشأن وكثرة التحقيق أشهر من أن يذكر، ومصنفاته كثيرة مشهورة، منها شرح القواعد (ستّة مجلدات إلى بحث التفويض من النكاح)، والجعفرية، ورسالة الرضاع، ورسالة الخراج، ورسالة أقسام الأرضين، ورسالة صيغ العقود والإيقاعات، ورسالة سمّاها (نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت)، وشرح الشرائع، ورسالة الجمعة، وشرح الألفية، وحاشية الإرشاد، وحاشية المختلف، ورسالة السجود على التربة، ورسالة السبحة، ورسالة الجنائز، ورسالة أحكام السلام، والنجمية، والمنصورية، ورسالة في تعريف الطهارة، وغير ذلك… وكانت وفاته سنة 937هـ، وقد زاد عمره على السبعين… وقد أثنى عليه الشهيد الثاني في بعض إجازاته فقال عند ذكره: «الشيخ الإمام المحقق المنقح، نادرة الزمان ويتيمة الأوان». ويروي عن الشيخ علي بن هلال الجزائري، عن الشيخ أحمد بن فهد الحلي. وقد مدح الشيخ علي بن هلال المذكور الشيخ علي بن عبد العالي بقصيدة مذكورة في كتاب مجالس المؤمنين (راجع: أمل الآمل 1: 121ـ 122، الرقم 129؛ معجم رجال الحديث 13: 77، الرقم 8258).

([13]) ويرجع في معرفة هذه العوارض إلى علم الأصول، فإنّه مستوفى فيه بالنسبة إلى الأمور الكلية.

([14]) وبالنسبة إلى الجزئيّات المستنبطة يراجع الآيات المشهورة بالخمسمائة، التي هي مدار الفقه.

([15]) فإن أريد التوسع فليراجع كتب التفسير المطوّلة، وإن اكتفي بما ذكره في كتابه فهو طريق للمبتدئ هنا.

([16]) وهو أحسن الثلاثة؛ لاشتماله‏ على المباحث المذكورة بالنسبة إلى كل آية. وما ذكر فيه من اختلاف أقوال المفسرين يحتاج الناظر فيها إلى قوة الترجيح لبعضها، ومعرفة الأقرب منها إلى المعنى الذي يقتضيه وضع اللفظ.

([17]) وأمّا السنّة: فيحتاج الاستنباط منها، ومعرفة دلالتها على الأحكام، إلى معرفة عوارض الألفاظ المذكورة، ويراجع فيها علم الأصول، كما قلنا.

([18]) فالمتواتر منها طريق ضروري، وتختلف أحواله بالنسبة إلى الأشخاص باختلاف وصول التواتر إليهم وعدمه.

([19]) وهو ما زاد رواته على الثلاثة، ويسمّى المستفيض. وحكمه كالمتواتر في وجوب العمل. ويختلف أيضاً حاله كاختلاف المتواتر، ويكتفي بمعرفة المشهور هنا بمراجعة الكتب والمصنفات الفقهيّة والحديثيّة.

([20]) وهو عند أصحابنا أربعة أقسام.

([21]) وهو ما رواه العدل المعلوم العدالة الصحيح المذهب، بطريق عدول، هكذا متصلاً إلى المعصوم×.

([22]) وهو ما رواه العدل غير المرضي في دينه المأمون تعمد الكذب، أو كان في الطريق من هو كذلك.

([23]) هو مروي الإماميّ غير الموثّق أو الفاسق.

([24]) كابن أبي عمير، وأبي بصير، وابن بزيع، وزرارة بن أعين، وأحمد بن‏ أبي نصر البزنطي، ونظرائهم ممَّن نصّ عليه علماء الأصحاب. والذي أخذناه بالمشافهة في مراسيل المتأخِّرين من أصحابنا: العمل بمراسيل الشيخ جمال الدين، وولده، ومراسيل الشيخ المقداد، والشيخ أحمد بن فهد، لا مراسيل الشهيد، ولا الشيخ نجم الدين.

([25]) وكيفية معرفة هذه الصفات بمراجعة الروايات، والاطلاع على أحوال رجالها، وهو ممّا يصعب على المبتدئ، وإن كان العلماء قد نصّوا على الاكتفاء في الجرح والتعديل بما نصّ من تقدمنا من المجتهدين، كما أشار إليه في (الخلاصة) وابن داوود في كتابه. وهنا طريق أسهل منه، وهو أن الشيخ جمال الدين قد ألّف‏ في ذلك، واستعمل في كتبه خصوصاً (المختلف) أن يذكر الصحيح بوصفه، والحسن بوصفه، والموثّق كذلك، ويترك الضعيف بغير علامة، وهو علامة ضعفه. وذكر في الخلاصة: أن الطريق في كتاب (الاستبصار) و(التهذيب) و(من لا يحضره الفقيه) إلى فلان صحيح، وإلى فلان حسن، وإلى فلان موثّق، وإلى فلان ضعيف. وجعل ذلك دستوراً يرجع إليه، فيكتفي المبتدئ في معرفة صفات هذه الروايات الأربع بالرجوع إلى هذا الدستور الذي اعتمده. ومن تأخَّر عنه كلهم اعتمدوا على هذا الطريق، كالشيخ فخر الدين في (الإيضاح)، والسيد ضياء الدين في شرحه للقواعد، والشهيد في كتبه‏، خصوصاً (الذكرى)؛ و(شرح الإرشاد). والشيخ أحمد بن فهد في (مهذّبه)، والشيخ المقداد في (تنقيحه).

([26]) فلابدّ فيه من معرفة شرائطه وأحكامه على ما بحث فيه أهل الأصول.

([27]) وهو الذي أشاروا إليه في قولهم: إن من جملة شرائط الاجتهاد معرفة مسائل الخلاف والوفاق لئلاّ يعتنى بما يخالفه.

([28]) في كتب العلماء في الحوادث التي وقع البحث فيها في تصانيفهم. فإن وجد أقوالهم متضافرة على حكم الحادثة حكم به، وإلاّ حكم بالاختلاف.

([29]) بوقوع الإجماع على حكم الحادثة، فيكون الإجماع عنده منقولاً بخبر الواحد، وهو حجّة في الأصول.

([30]) فالعامل به يحتاج إلى معرفة هذا النوع من القياس، ومعرفة الخلاص عن المبطلات للعلة فيه، والتخلص من الأسئلة الواردة عليه على ما بيّن في الأصول. ومَنْ لا يعمل به لا يحتاج إلى ذلك، على ما أشاروا إليه في كتبهم.

([31]) فهو مأخوذ بالرواية، وليس هو محل الفتوى المحتاج إليه إلى التقليد، فلا يكون من المنهي عن أخذه من الأموات.

([32]) وإن وقع فيها خلاف شاذ، فإنه أيضاً مأخوذ بالرواية، وليس هو محل الفتوى المنهي عن أخذه عن الأموات.

([33]) ممّا عرف وقوع الإجماع فيه بالطريقين المذكورين منا، فإنه يؤخذ أيضاً بالرواية، وليس هو محل الفتوى المنهي عن أخذه من الأموات.

([34]) التي هي كالأصول بالنسبة إلى فروع الفقه التي حاصلها وأكثرها مضبوط في (مختلف) العلاّمة، وهي وإن كان بعض الخلافيات المذكورة فيه ممّا يعدّ في الشذوذ؛ لاشتهار الفتوى بخلافه، ويعرف باستقراء مصنفات الأصول من كتب الأدلة، وكتب الفروع المجردة.

([35]) كالشهيد ومَنْ تأخَّر عنه.

([36]) العلاّمة الحلّي.

([37]) ولا يصدق على الميت أنه مفتٍ، لا حقيقة ولا مجازاً، ولم يكلف العامي شيئاً سوى ذلك.

([38]) على رأي من أوجب الاجتهاد على الأعيان. ولا طريق ثالث بإجماع الإماميّة.

([39]) التي جعلها كل واحد منهم حجّة على مذهبه، فينظر فيها.

([40]) ويكون البحث فيها راجعاً إلى البحث في ذلك الكلي، ويتصرف فيها كتصرفه في الحوادث المتقدمة المبحوث فيها.

([41]) إدخال هذا الناظر تلك الجزئيّات تحت ذلك الكلي، وإجراء البحث فيها على ما أجرى في ذلك الكلي.

([42]) بمراجعته للأصول، بأن ينسبها إلى أحد الأدلة المقرّرة.

([43]) يمكن أن يكون عند الفقهاء مَنْ سبق المحقق في بعض شؤون البحث، كما طرح الفاضل المقداد في مقدمة كتابه «نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الإماميّة»، ولكنه ليس بنظام عام وفكرة كاملة حول الاستنباط، بل هذه المبحاث كجذور نشأت منها الأطروحة الأساسيّة عند المحقّق الكركي وغيره، والله العالم.

([44]) رسائل الكركي: 3: 52.

([45]) انظر: الوافية: 321 ـ 337.

([46]) المعروف أنها خمسمائة آية. والأقرب عدم الانحصار، بل الاستدلالات بالكتاب والسنة تتزايد باختلاف الأفهام والأنظار على مرّ الدهور والأعصار.

([47]) من القواعد اللفظيّة الثانية من الشارع بالتواتر أو بالكتاب أو بالسنة أو بالإجماع، كالعمومات النبويّة والعمومات الصادرة من الأئمّة^، والجارية مجرى القاعدة، والقواعد المستنبطة من كلام الفقهاء من موارد الأدلة المتفرقة.

([48]) المراد منها النمط الأوسط بين الإفراط والتفريط.

([49]) ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ (النساء: 65).

([50]) المراد بكمال العقل ما كملت به جنوده، من أفعال الطاعات وترك المحرمات.

([51]) هي في العلوم كيفية نفسانية حاصلة من ممارسة المسائل، وفي الاجتهاد القوة القدسيّة أو الكيفية الكسبية الحاصلة من جامعية شرائط الاستعداد التي يقتدا بها على إستنباط الأحكام الشرعيّة من أدلتها التفصيلية، أو من ردّ الفروع إلى الأدلة والأصول.

([52]) اختلف العلماء في أن ملكة الاقتدار، التي هي من شرائط الاجتهاد، هل هي لدنية أو كسبيّة؟

([53]) لا إشكال في أن الملكة، كما عرفتَ، من الكيفيات النفسانية. والكيف تنقسم باعتبار المحل وتتصف بالقوة والضعف و…، حسب اختلاف المحل للقبول، فتوصف بالتواطي والتشكيك، كسائر العرضيات.

([54]) راجع: مقالة مراحل تطور الاجتهاد في الفقه الإماميّ، للسيّد منذر الحكيم، مجلّة فقه أهل البيت^، العدد 17.

([55]) قد تقدّم في بداية المقال النصّ عن الشهيد الصدر، الذي عبَّر فيه عن ضرورة التوجُّه إلی منهجيّة الاستنباط ضمن نظام كامل للاستنباط.

([56]) منهجيّة ومراحل الاستنباط: 5.

([57]) المصدر السابق: 6 ـ 7.

([58]) المصدر السابق: 7.

([59]) المصدر السابق: 42.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً