أحدث المقالات

د. مجيد معارف(*)

السيد جعفر صادقي(**)

ترجمة: حسن مطر

1ـ بيان المسألة

يمكن اعتبار أخبار المغيّبات من أهم وأكثر الأخبار والروايات الدينية التي طالها الوضع والتحريف. وبعبارةٍ أخرى: إن دائرة روايات المغيّبات التي تتحدث عن أخبار المستقبل، والتي يتمّ الحديث عنها في النصوص الدينية بعناوين من قبيل: «الملاحم» و«الفتن»، هي من أكثر المراتع خصوبةً لاختلاق الأحاديث. ويعود السبب في ذلك إلى أن الحديث عن الوقائع والأمور التي لم تحدث بَعْدُ تجتذب الناس إليها بطبيعة الحال. ولكن حيث إن التنبّؤ بأحداث المستقبل من المسائل التي لا يطالها العقل، ولا يمكن إثباتها بالحسّ أو التجربة، وإن الوصول إلى هذا النوع من الأخبار الغيبية يتوقَّف على الاتصال بعالم الغيب، من هنا فإن الحديث عن المستقبل دون الاستناد إلى مصدر سماوي ـ أعمّ من أن يكون هذا المصدر هو القرآن الكريم أو الروايات المعتبرة عن الأئمة الأطهار^ ـ لن يكون له أساسٌ من الصحة. إن الأخبار المتعلّقة بالإمام المهدي بشكل خاصّ، والمتعلّقة بآخر الزمان بشكل عامّ، تشكِّل جزءاً كبيراً من الروايات المتعلقة بالملاحم والفتن. وإن أخبار الإمام المهدي بالتحديد لم تستهوِ الناس لمجرّد غرابتها وجاذبيتها، ولم تتعرَّض للتحريف والاختلاق لمجرّد أنها من نوع الروايات الغيبية فحَسْب، بل لارتباطها بمصير المسلمين على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وهكذا وجدت الروايات الضعيفة والمختلقة طريقها لتجاور الروايات المعتبرة والصحيحة في الموسوعات المشتملة على الأخبار المهدوية. ومن بين تلك الروايات الضعيفة في هذا الشأن روايات نجد الآثار الإسرائيلية باديةً عليها.

ومما قاله بعض المحقّقين في هذا الشأن: «إن الوجه الآخر لعملة نشر الإسرائيليات هو إيجاد الجاذبية في المطالب المختلقة في إطارٍ قصصي أو أسطوري، ورواية الأمور العجيبة والغريبة، وما يتعلّق بأمور الخلق والطبيعة وما إلى ذلك. وحيث يجد الناس انجذاباً من أنفسهم إلى هذا النوع من الأمور؛ بسبب حداثتها وغرابتها، ولبُعْدهم عن مدرسة أهل البيت^ في ما يتعلَّق بالاهتمام بأسانيد وأسس رواية هذا النوع من الأحاديث، فقد أدّى ذلك كلّه إلى اتساع دائرة الإسرائيليات»([1]).

إن تسلُّل الإسرائيليات إلى النصوص الدينية حقيقةٌ لا يمكن التشكيك فيها. وعلى الرغم من أن تسلُّل الإسرائيليات قد حدث بشكلٍ أكبر في المصادر الروائية السنّية، إلاّ أن علماء أهل السنّة لم يتساهلوا في غربلة وتمحيص الروايات الإسرائيلية المتسلّلة إلى النصوص الدينية، وكانت هناك الكثير من الجهود في هذا الشأن، منذ بداية المرحلة المتأخّرة وصولاً إلى المرحلة المعاصرة. ومن الذين قاموا بهذا الجهد ـ على سبيل المثال ـ القرطبي، حيث نجد منه محاولات في التعريف بالروايات الإسرائيلية من وجهة نظره([2]). كما يمكن الإشارة إلى ابن كثير أيضاً، حيث أبدى اهتماماً بإسرائيلية بعض الروايات في مؤلّفاته وأعماله، ومن بينها: (تفسير القرآن العظيم)([3]). وفي المرحلة المعاصرة أخذ عددٌ من العلماء والمفكِّرين يبدي حساسيةً تجاه الإسرائيليات. بَيْدَ أن أغلب هذه الجهود في هذه المرحلة لا تصبّ في خصوص الدائرة المهدوية، وإنما يتمّ التطرّق إليها عَرَضاً وفي سياق البحث، ومع ذلك كانت دائرة التقييم أحياناً تطال الأحاديث المهدوية بشكل خاصّ. وعلى سبيل المثال: يمكن لنا أن نشير في هذا الشأن إلى كتابين، هما: (المهدي المنتظر× في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة وأقوال العلماء وآراء الفرق المختلفة)؛ و(الموسوعة في أحاديث المهدي× الضعيفة والموضوعة)، حيث ألَّفهما الدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي، وسعى من خلالهما إلى إعادة اعتبار عددٍ من روايات المهديّ الموعود# من وجهة نظره، وكان من ثمار بحثه في هذين الكتابين تصريحه وتأكيده على إسرائيلية بعض الروايات المهدوية. كما أنه انتقد رؤية بعض علماء أهل السنّة في اعتبار إسرائيلية أصل موضوع المهدوية، ودافع في الحقيقة عن أصل المهدوية ومفهومها([4]). ومن الجدير بالذكر أن الأبحاث التي قام بها مؤلِّف ه‍ذين الكتابين تدور في الغالب حول المحور السندي، وفي بعض الموارد يكتفي بمجرّد الإشارة إلى إسرائيلية الرواية، دون تقديم دليلٍ أو تحليل على ذلك([5]).

لم تشتمل المصادر الروائية لدى الشيعة إلاّ على الشيء اليسير من الإسرائيليات، قياساً إلى حجم الإسرائيليات الكثيرة الواردة في مصادر أهل السنّة؛ إذ إن أصحاب الأئمة الأطهار^ قد حصَّنوا أنفسهم من هذه الأخبار في الأعمّ الأغلب، بتوجيهٍ وإرشاد من الأئمة^([6]). وعلى الرغم من ذلك لم يتهاون علماء الشيعة في التعريف بالروايات الإسرائيلية الواردة في النصوص الدينية لدى الفريقين، بَيْدَ أنه لم يتمّ تأليف كتاب جامع ومستقلّ في موضوع الإسرائيليات في الروايات المهدوية حتّى الآن، ومع ذلك هناك في بعض المؤلَّفات، ومن بينها: (المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي#)، الخاصّ بالروايات المهدوية، إشارةٌ من المؤلّف في بعض الموارد إلى إسرائيليتها([7]).

ومن هنا فإن موقع التحليل والتقييم العامّ لموضوع تتبُّع آثار الإسرائيليات في الروايات المهدوية لا يزال خالياً؛ إذ إن التعرُّف على الإسرائيليات من بين الكمّ الكبير من الأحاديث المهدوية يحتاج إلى بحثٍ واسع وشامل، كما تمسّ الحاجة ـ في ما يتعلق بموضوعاتٍ من قبيل: الدجّال، وبيت المقدس، وما إلى ذلك ـ إلى نقدٍ سندي ودلالي لآحاد الروايات، وعرض النتائج الدقيقة نسبياً على أساس الأدلة القطعية. وعلى أيّ حال فإننا عند التقييم العام للروايات المهدوية نحصل على معالم تشير إلى آثار الإسرائيليات الظاهرة عليها. وفي هذه المقالة نسعى إلى تقديم الشواهد التي تثبت تأثير الإسرائيليات على الروايات المهدوية، وبعبارةٍ أخرى: الكشف عن آثار الإسرائيليات في الروايات المهدوية.

2ـ مقدّمة في مفهوم الإسرائيليات والمهدوية

لقد اقتضت منعة الإسلام المتزايدة أن ينتشر هذا الدين الإلهي في شبه الجزيرة العربية، وأن يستقرّ في بيوت القاطنين في هذه المنطقة. وكانت أولى معالم العدوان ـ وربما أكثره وأشدّه ـ قد سدّدت سهامها إلى كبد هذا الدين الفتيّ، وقد انطلقت من أقواس يهودية، وكان من بين تلك السهام الكثيرة تسريب الروايات التلمودية بين تضاعيف نصوص هذا الدين الحنيف([8]). وبعد أن اشتدّ ساعد الإسلام، وقويت شوكته، وصلب عوده، وثبت لأحبار اليهود عجزهم عن مواجهة هذا الدين المنيع، عمدوا إلى انتهاج خطّةٍ بديلة، تمثّلت بقيام بعضهم بالتظاهر بالإسلام، وإظهار الورع والتقوى؛ للحصول على ثقة المسلمين بهم واطمئنانهم إليهم؛ كي يتمكَّنوا بذلك من التآمر على الإسلام ونخره من الداخل، وذلك من خلال تسريب الأساطير والخرافات والأوهام بين النصوص الإسلامية الأصيلة. وحيث استعصى عليهم التلاعب في نصّ القرآن الكريم لم يجدوا بدّاً من الاقتصار على تلاعبهم بالأحاديث والسنّة([9]). وبذلك فقد انتشرت الروايات والقصص الخاطئة من قِبَل الرواة، دون عرضها على أصول الحديث وقواعده([10]). وقد ذهب التصوُّر ببعض المسلمين إلى الاعتقاد بأن هذه الأحاديث التي يرويها هؤلاء الأحبار منقولةٌ من الكتب السماوية السابقة والعلم المكنون لدى هؤء الأشخاص. وإن جانباً من هذه الأحاديث قد نُسبت إلى النبيّ الأكرم| كذباً([11]). وقد تحدَّث بعض العلماء والمحقّقين، بعد رصد هذه الظاهرة، قائلاً: لقد سمح الخلفاء الثلاثة للقصّاصين من أهل الكتاب، الذين أسلموا حديثاً، بالترويج للإسرائيليات بين المسلمين، وقد أخذ بعض الصحابة هذه الإسرائيليات، ونشروها بين المسلمين. بَيْدَ أن أصحاب وشيعة الأئمة الأطهار^ كانوا بشكلٍ عامّ ينقلون الروايات من المصدر والمرجع الحقيقي للسنّة النبوية. وبذلك يمكن لنا أن نشاهد اختلافاً ظاهراً بين مرويّات مدرسة أهل البيت^ ومرويّات مدرسة الخلفاء([12]).

وعليه فإن الإسرائيليات في المصطلح الديني تطلق على القصص والأساطير والروايات المأخوذة من التوراة وغيرها من المصادر اليهودية، والتي يرويها [في الغالب] علماء اليهود ـ ولا سيَّما الذين أسلموا حديثاً ـ، وأدخلوها في المصادر الإسلامية. كما يتمّ تعميم هذا المصطلح أحياناً، ومن باب التغليب، على النصرانيات، وسائر الموضوعات التي تفوح منها الرائحة الإسرائيلية واليهودية([13]).

أما «المهدوية» فهي مصدرٌ من الهداية؛ فالمهدوية في مفهوم التدخُّل الإلهي في تاريخ البشرية ـ من طريق تعيين مهدي (أو فردٍ مهتدٍ)؛ لتخليص الناس وتحريرهم من الظلم والجور الذي سيقع عليهم في آخر الزمان ـ تمثِّل خصوصيةً هامّة لبحث النجاة والفلاح في الإسلام. وإن الأمل والانتظار المرتبط بالمهدوية يمثِّل جانباً من اعتقاد المسلمين بمحمد| بوصفه نبيّ آخر الزمان([14]). وإن المصدر الأوّل لهذه العقيدة هي الروايات النبوية، التي يشهد علماء الفريقين على طول التاريخ الإسلامي أنها مروية عن النبيّ من طريق العشرات من الصحابة والتابعين، بالإضافة إلى روايتها من طرق الأئمة الأطهار^، وقد وردت في مختلف الكتب، على اختلاف مشاربها([15]).

3ـ الشواهد الدالة على نفوذ الإسرائيليات في الروايات المهدوية

إن التحديد والتشخيص الدقيق واليقيني لمصاديق الإسرائيليات في الكمّ الهائل من روايات المهدوية أمرٌ في غاية التعقيد والصعوبة. كما لا يمكن إصدار حكم قاطع في هذا الشأن من خلال تقييم بعض الروايات. وعلى الرغم من ذلك هناك دوالّ في طائفةٍ من الروايات يمكن اعتبارها شواهد مؤثّرة في احتمال تسلُّل الإسرائيليات إليها. وبعبارةٍ أخرى: إن الشواهد المذكورة تعبّر في الجملة عن وجود آثار للإسرائيليات في الروايات المهدوية. إن هذه الشواهد يمكن ملاحظتها من خلال متن الروايات، حيث تربطها من الناحية الدلالية بالإسرائيليات، كما يمكن ملاحظتها في سند الروايات، الأمر الذي يقوّي الظنّ بإسرائيليّتها. ويمكن بيان أهمّ الشواهد الدالة على تأثير الإسرائيليات في جانبٍ من الروايات المهدوية كما يلي:

3ـ 1ـ تقديس الأماكن والبقاع التي يقدِّسها أهل الكتاب

إن وجود العناصر والرموز اليهودية والمسيحية في الروايات المهدوية يكشف أحياناً عن نفوذ الإسرائيليات فيها. وإن هذه العناصر والرموز تنظر في الغالب إلى مقدّسات أهل الكتاب.

ويمكن أن نشير من بين هذه العناصر إلى الأماكن والبقاع المقدّسة:

أـ بيت المقدس

لقد كان بيت المقدس من بين المواضع التي حرص رواة الإسرائيليات بشكلٍ مفرط على إضفاء هالة التقديس عليه. وفي ذلك يقول الشيخ محمود أبو رية: «وقد صنّف طائفة من الناس مصنّفات في فضائل بيت المقدس وغيره من البقاع التي بالشام، وذكروا فيها من الآثار المنقولة عن أهل الكتاب وعمَّن أخذ عنهم ما لا يحلّ للمسلمين أن يبنوا عليه دينهم. وأمثل مَنْ نقل عنه تلك الإسرائيليات كعب الأحبار، وكان الشاميون قد أخذوا عنه كثيراً من الإسرائيليات»([16]). وقد رُوي عن كعب الأحبار أنه قال: «إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كلّ غداة». وعن زرارة [في ذلك] قال: «كنتُ قاعداً إلى جنب أبي جعفر [الباقر]× وهو محتبٍ مستقبل الكعبة، فقال: أما إن النظر إليها عبادة؛ فجاءه رجلٌ من بجيلة، يُقال له: عاصم بن عمر؛ فقال لأبي جعفر×: إن كعب الأحبار كان يقول: إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كلّ غداة، فقال أبو جعفر×: فما تقول في ما قال كعب؟ فقال: صدق، القول ما قال كعب؛ فقال أبو جعفر×: كذبتَ، وكذب كعب الأحبار معك، وغضب، قال زرارة: ما رأيته استقبل أحداً بقول: كذبت غيره، ثمّ قال: ما خلق الله ـ عزَّ وجلَّ ـ بقعةً في الأرض أحبّ إليه منها، ثم أومأ بيده نحو الكعبة…»([17]).

إن بيت المقدس مدينةٌ في فلسطين تمّ بناؤها فوق ربوة ومرتفع من الأرض، ولذلك كانت وعرةً. وقيل: إن النبي سليمان بن داوود× هو الذي بناها، وفيها يقع المسجد الأقصى أيضاً. وقد كان بيت المقدس مدينة كبيرة محاطة بسورٍ حجري، وترتوي من ماء المطر. وتحتوي هذه المدينة على أبنيةٍ عالية وأسواق جميلة([18]). كما أن بيت المقدس من البلدان التي تحظى باحترام الإسلام أيضاً؛ حيث بدأ معراج رسول الله| من المسجد الأقصى الذي يتوسط هذه المدينة([19]). بَيْدَ أن التقديس المفرط لهذه المدينة هو من فعل الوضّاعين ورواة الإسرائيليات، ولا سيَّما في عهد معاوية، حيث شهدت هذه الروايات لنفسها مساحةً أكبر([20]). وقال القاري: «وقد أكثر الكذّابون من الوضع في… فضائل بيت المقدس»([21]). وقال بعض المحقّقين: «كانت الأحاديث الصحيحة أول الأمر في فضل المسجد الحرام ومسجد رسول الله|، ولكن بعد بناء قبّة الصخرة ظهرت أحاديث في فضلها وفضل المسجد الأقصى»([22]). فمن ناحيةٍ عمد كعب الأحبار ـ ممثِّل اليهود الذين تظاهروا بالإسلام ـ إلى نشر هذا النوع من الإسرائيليات المفعمة بالأكاذيب في عهد خلافة معاوية([23])؛ ومن ناحيةٍ أخرى حدث في واقعة ثورة عبد الله بن الزبير على الأمويين أن استولى على مكّة، فما كان من عبد الملك بن مروان إلاّ أن منع أهل الشام من الذهاب إلى الحجّ، وطلب منهم الطواف حول صخرة بيت المقدس، وأقام لذلك قبّةً فوقها. وقد استمرّ الطواف حول بيت المقدس سنّةً قائمة حتّى بعد موته، إلى سقوط دولة بني أمية. ومن الواضح أن هذه المسائل كان لها الأثر الأكبر في انتشار الروايات الموضوعة في بيت المقدس والصخرة، ومن هنا كثر اختلاق الأحاديث في باب التقديس المفرط لبيت المقدس([24]).

وعليه لا يبعد أن تكون هذه المسائل من جهةٍ؛ ودوافع اليهود والمسيحيين الذين أسلموا حديثاً من جهةٍ أخرى، قد أنتجت تعريف بيت المقدس بوصفه عاصمةً للإمام المهدي، كما ورد في روايةٍ منسوبة إلى رسول الله| أنه قال: «يخرج من أهل بيتي، يقول بسنّتي، يُنزل الله له القطر من السماء، وتخرج له الأرض من بركتها، تملأ الأرض منه قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، يعمل على هذه الأمة سبع سنين، وينزل بيت المقدس»([25]). في حين أن الروايات الأخرى المشتملة على ذات المضمون تخلو من عبارة بيت المقدس بوصفها عاصمة للإمام المهدي× مدّة حكمه([26]).

أما الرواية الأخرى التي تتحدَّث عن نزول الإمام المهدي الموعود# في بيت المقدس فهي: «ينزل المهدي بيت المقدس، ثم يكون خلف من أهل بيته بعده، تطول مدّتهم ويجبرون، حتّى يصلي الناس على بني العبّاس، فلا يزال الناس كذلك حتى يغزو القسطنطنية، وهو رجلٌ صالح، يسلِّمها إلى عيسى بن مريم، ولا يزال الناس في رخاءٍ ما لم ينتقص ملك بني العباس، فإذا انتقص ملكهم لم يزالوا في فتنٍ حتّى يقوم المهدي»([27]). إن هذه الرواية ـ بالإضافة إلى اشتمالها على مضمون يمالئ بني العباس ـ تحتوي على مهديّين اثنين. وهذا يتعارض مع الروايات المتواترة الدالّة على خروج مهديٍّ واحد من ولد فاطمة([28]). وإذا استثنينا بيت المقدس فإن وجود عناصر أخرى، من قبيل: القسطنطنية وعيسى بن مريم’، يتجه في الغالب نحو الارتباط بأهل الكتاب. ثم إن موضوع تسليم مقاليد الحكم إلى عيسى× إنما نجدها في الروايات التي يبدو عليها الوضع والاختلاق والتحريف من قبل العبّاسيين([29]).

ب ـ أنطاكية

ومن بين المدن التي حظيت باهتمام أهل الكتاب يمكن الإشارة إلى أنطاكية. وهي مدينة جميلة تبهر الأبصار. وقال الإدريسي في وصفها: «أما أنطاكية فبلدة حسنة الموضع، كريمة البقعة، ليس بعد دمشق أنزه منها، داخلاً وخارجاً، كثيرة المياه، منخرقة في أسواقها وطرقها وقصورها وسككها، ولها سور دائر، وبساتينها اثنا عشر ميلاً، وعليها سور عجيب حصين منيع من حجر، يحيط بها وبجبلٍ مشرف عليها، وفي داخل السور أرحاء وبساتين وجنات البقول وسائر المرافق، وبها أسواق عامرة ومبان زاهرة وصناعات نافقة ومعاملات مرفقة وخير كثير وبركات ظاهرة، ويعمل بها من الثياب المصمتة الجياد والعتابي والتستري والإصبهاني وما شاكلها»([30]). كما وصفها ابن العديم ـ نقلاً عن صفة الأقاليم ـ بأنها مدينةٌ جميلة، تكثر فيها الأشجار والمزارع والمراتع([31])، بحيث إنك لا تجد نظيراً لها في بلاد الإسلام، ولا في بلاد الروم. وقال ابن الجوزي في وصف هذه المدينة: «أفضل مدينة بالشام»([32]). وكان أنطيخس هو الذي بنى أنطاكية([33]).

لقد كانت أنطاقة تحظى بأهمّيةٍ خاصّة بالنسبة إلى المسيحيين. يشهد لذلك كلامٌ قاله تميم الداري، وقد أسلم بعد أن كان نصرانياً، واتُّهم بنشر الإسرائيليات، ممّا يؤكِّد شدّة تعلُّقه بهذه المدينة. ومن ذلك قوله: «ما دخلتُ مدينةً من مدائن الشام أحبّ إليّ من مدينة أنطاكية»([34]). وكان النصارى يسمّون هذه المدينة «أمّ المدن» و«مدينة الله»([35]). ومن ناحيةٍ أخرى هناك مَنْ يرى أن أنطاكية هي أوّل مدينة تظهر فيها الديانة النصرانية([36]). وهناك في واحدٍ من جبال هذه المدينة، حيث يتوسّطها، مذبحٌ يعود تاريخه إلى ما قبل دخول الإسلام إليها، حيث كان الناس يقدّمون فيه قرابينهم، ويقدّسونه كثيراً([37]). وقد كانت هذه المدينة واحدةً من آخر مناطق الشام التي استولى عليها المسلمون في حرب اليرموك، الأمر الذي مهَّد إلى محاصرة بيت المقدس من قبل الجيوش الإسلامية، فلم يجد الإمبراطور الرومي هرقل بُدّاً غير التراجع نحو القسطنطنية. وينقل عن هرقل ـ الملك البيزنطي المسيحي ـ أنه قال، عند تركه لأنطاكية: «عليك يا سورية السلام! ونعم البلد هذا للعدوّ»([38]).

وعلى الاتجاه الآخر كان الحفاظ على أنطاكية في غاية الأهمّية بالنسبة إلى خلفاء المسلمين. فبعد فتح هذه المدينة؛ وللحيلولة دون استعادتها من قبل الروم، كتب الخليفة الثاني إلى أبي عبيدة يأمره بأن يضع جماعةً من المسلمين على ثغرها، وأن لا يبخل عليهم في العطاء([39]). وعلى الرغم من ذلك فقد ورد في الروايات التاريخية أن أنطاكية ظلّت لسنواتٍ طويلة تتعاقب عليها أيدي الرومان والمسلمين([40]). ومن هنا كانت أنطاكية من بين المدن التي وُضعت الأحاديث في فضائلها. وقد أفرد ابن الجوزي في موضوعاته باباً بهذا الشأن([41]).

كما يمكن للرؤية التي قدَّمها أحد المحقّقين أن تؤيِّد إسرائيلية قسمٍ من الروايات المرتبطة بأنطاكية؛ إذ يرى أن سكان أنطاكية في القرون الأولى من الهجرة كانوا من النصارى، ويبدو أن الذين اختلقوا الأحاديث الإسرائيلية كانوا في الغالب من اليهود الذين أسلموا حديثاً، وكانوا يسعَوْن لحثّ المسلمين وتشجيعهم على مهاجمة هذا النوع من المناطق([42])؛ لأن العلاقة بين اليهود والنصارى في تلك المرحلة كانت متشنّجة، وكانت الإمبراطورية الرومانية المسيحية قد تغلَّبت على اليهود. وهو ما سوف نبحثه بمزيدٍ من التفصيل لاحقاً. إن فكرة المهدوية؛ لماهيتها السياسية ـ الاجتماعية، وارتباطها بمصير الأمة الإسلامية من جهةٍ؛ وتمتُّعها بخصوصية الكشف عن المستقبل وغيبية الأخبار المرتبطة بها من جهةٍ أخرى، قد شكَّلت أرضية مناسبة لكي تلعب عناصر اختلاق الأحاديث دورها في هذا المضمار. ولا يمكن استبعاد هذا الاحتمال عن هذا الموضوع؛ بحيث يمكن للحديث التالي أن يكون من الإسرائيليات المختلقة في هذا الشأن: «المهدي يُبعث بقتال الروم، يعطى معه [فقه] عشرة، يستخرج تابوت السكينة من غار أنطاكية»([43]). إن الحديث عن وجود عشرة رجال مع الإمام المهديّ× في الحرب على الروم حديثٌ شاذّ، ولا أساس له من الصحة، ولم يَرِدْ مثل هذا المضمون في أيّ روايةٍ أخرى. وقد ورد في فتن ابن حمّاد، نقلاً عن كعب [الأحبار] أنه قال: «إنما سُمّي المهدي؛ لأنه يهدي لأمرٍ خفي، ويستخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها: أنطاكية»([44]). وأما نصّ الحديث الآخر فهو: «المهديّ يخرج التوراة غضة ـ يعني طرية ـ من أنطاكية»([45]). في حين ورد بيان سبب تسمية الموعود في آخر الزمان بالمهديّ في الروايات الأخرى الواردة في مصادر أهل السنّة بمضمونٍ آخر، ولم يَرِدْ فيها ذكر لأنطاكية، من قبيل: الحديث الذي رواه المقدسي، حيث قال: «وإنما سمّي المهدي؛ لأنه يهدي إلى أمرٍ خفيّ»([46]). وقد صرّح بعض المحقّقين من أهل السنّة بإسرائيلية هذا النوع من الروايات([47]). وعليه يمكن لأنطاكية أن تكون من بين المصاديق الإسرائيلية التي يمكن مشاهدة آثارها في روايات المهدوية أيضاً. وربما كانت سلسلة عناصر، من قبيل: الأهداف السياسية للخلفاء، أو الأهداف الدينية لأهل الكتاب، قد أدَّتْ في المجموع إلى التأثير في هذا النوع من الأخبار.

ج ـ بحيرة طبرية

كما يمكن الإشارة من بين آثار أهل الكتاب إلى بحيرة طبرية أيضاً. فإنها تمثّل بقعة اهتمّ بها اليهود والنصارى بشكلٍ خاص. فهي من الناحية الجغرافية تقع قريباً من الأردن، وتفصلها عن كلٍّ من: دمشق وبيت المقدس مسيرة ثلاثة أيام([48]). وإنما سمُِّيت بحيرة طبرية لكثرة وتدفّق مياهها، ومشابهتها البحر في مصبّها من النهر([49]).

والرواية اللاحقة تضاهي السابقة، مع اختلاف أنها تحدّد بحيرة طبرية بوصفها موضع استخراج تابوت السكينة؛ إذ تقول: «بلغني أنه على يدي المهديّ يظهر تابوت السكينة من بحيرة طبرية، حتّى يحمل فيوضع بين يديه ببيت المقدس، فإذا نظرت إليه اليهود أسلمت، إلاّ قليلاً منهم»([50]). طبقاً لهذه الرواية يتمّ نقل تابوت السفينة بعد اكتشافه في قصة المهديّ الموعود× إلى بيت المقدس، حيث يسلم أكثر اليهود عند رؤيتهم التابوت. وكما يتضح جليّاً فإن هذه الرواية زاخرةٌ بالمفاهيم اليهودية، من قبيل: تابوت السكينة، وبحيرة طبرية، وبيت المقدس، واليهود. وفي الوقت نفسه إن الرواية السابقة تحدّد موضع استخراج تابوت السكينة بغار أنطاكية، دون بحيرة طبرية، الأمر الذي يكشف عن وجود التعارض والتهافت بين هاتين الروايتين.

د ـ الشام

تمتاز منطقة الشام بشكلٍ عامّ في الروايات مورد البحث بخصوصيتين، وهما:

أوّلاً: إنها تشتمل على البقاع المقدّسة عند أهل الكتاب، من قبيل: بيت المقدس، طبرية، وأنطاكية، وما إلى ذلك.

وثانياً: إن هذا المنطقة حُكمت من قبل معاوية والأمويين لما يقرب من مئة سنة.

وعليه يمكن ملاحظة نقطة اشتراك هاتين الخصوصيتين في الروايات المختلقة بوضوحٍ؛ إذ إن تقديس الشام ورفع مكانتها إنما حصل في عهد معاوية بدعم وتشجيع منه، بحيث رفع منزلة هذه المنطقة حتّى على مكّة ومدينة الرسول| أيضاً، حتى بالغ في ذلك([51]). وفي هذه الروايات المختلقة من قِبَل كعب الأحبار ومَنْ على شاكلته من الإسرائيليين يُنظر إلى الشام بوصفها أرض المحشر والمنشر وأرض الأبدال([52]). وقد نُقل عن كعب الأحبار قوله: «إني وجدت في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله من أرضه، وبها كنزه من خلقه»([53]). وقد ورد ذكر أصحاب المهديّ الموعود× بوصفهم «أبدال أهل الشام» أيضاً. وقد رُوي عن كعب الأحبار في هذا الشأن قوله: «الأبدال بالشام…»([54]). كما ورد في روايةٍ أخرى أن أصحاب المهديّ الموعود× الذين يبايعونه هم من أهل الشام أيضاً، كما في قوله: «…وأنصاره من أهل الشام، عدّتهم ثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً، عدّة أصحاب بدر، يسيرون إليه من الشام حتّى يستخرجوه من بطن مكّة، من دار عند الصفا، فيبايعونه كرهاً…»([55]).

ومن بين الروايات التي تأتي في سياق بيان وجه تسمية المهديّ× رواياتٌ تعتبر إخراج التوراة من جبال الشام هو الوجه في تسمية المهديّ×، ومن ذلك قول كعب الأحبار: «إنما سُمّي المهديّ؛ لأنه يهدي إلى أسفار من أسفار التوراة، يستخرجها من جبال الشام، يدعو إليها اليهود، فيسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة، ثم ذكر نحواً من ثلاثين ألفاً»([56]). وبعد بيان الضعف السندي لهذه الرواية في (الموسوعة في أحاديث المهديّ× الضعيفة والموضوعة) تمّ اعتبار متن الحديث من الإسرائيليات أيضاً([57]).

3ـ 2ـ تفصيل وتحريف المفاهيم الإسلامية ـ الإسرائيلية المشتركة

ليس هناك من شكٍّ في وجود الكثير من المشتركات بين الإسلام واليهودية والمسيحية، بوصفها من الأديان الإبراهيمية التي يربطها بالسماء حبلٌ واحد. وعلى الرغم من ذلك فإن التحريف الذي طال الكتب السماوية في الأديان السابقة، وما أدّى إليه ـ جرّاء ذلك ـ من تسلُّل التحريف إلى التعاليم والأحكام اليهودية والمسيحية، على ما ورد التصريح به في القرآن الكريم، قد أفضى إلى ملاحظة عدم التطابق بينها وبين الإسلام في الكثير من جزئيات وتفاصيل هذه المفاهيم. ومع ذلك فقد عمد بعض أهل الكتاب من الذين أسلموا لاحقاً إلى تسريب المفاهيم المحرَّفة في دينهم السابق إلى النصوص الإسلامية، وقد لا تكون تلك الإسرائيليات المسرَّبة مأخوذةً من تعاليمهم الدينية أحياناً، بل قد تكون منبثقةً عن الأوهام والخرافات، لا أكثر([58]). وقد يكتفى أحياناً بذكر مجرّد أسماء المظاهر والمفاهيم المشتركة، من قبيل: الكلام المنقول عن وهب بن منبه، في قوله: «أول الآيات: الروم، ثمّ الثانية: الدجّال، والثالثة: يأجوج، والرابعة: عيسى ابن مريم×»([59]). وتارةً يكون مضمون الرواية بحيث يشتمل على مفاهيم تفصيلية، بَيْدَ أن هذه التفصيلات لا تحتوي على ما يؤيّدها في الروايات الإسلامية المشهورة، من قبيل: قول كعب الأحبار: «إذا انصرف عيسى ابن مريم والمؤمنون من يأجوج ومأجوج إلى بيت المقدس، فلبثوا سنوات ببيت المقدس، رأوا كهيئة الهرج والغبار من الجوف، فيبعثون بعضهم في ذلك؛ لينظر ما هو؟ فإذا هي ريح قد بعثها الله لقبض أرواح المؤمنين، فتلك آخر عصابة تُقبض من المؤمنين، ويبقى الناس بعدهم مئة عام، لا يعرفون ديناً ولا سنّة، يتهارجون تهارج الحمير، عليهم تقوم الساعة، وهم في أسواقهم، يبيعون ويبتاعون وينتجون ويلحفون، فلا يستطيعون توصيةً ولا إلى أهلهم يرجعون»([60]).

أـ خروج الدجّال وخصائصه

يعتبر خروج «الدجال» من المفاهيم الإسلامية والإسرائيلية المشتركة. وقد ورد في لسان العرب أن الدجّال يعني الكذّاب([61]). ولم يَرِدْ ذكر الدجّال بلفظه في العهد العتيق، بَيْدَ أن ـ الباب السابع والباب الحادي عشر ـ من كتاب دانيال ينطوي على إشارات إلى رجلٍ شرير هو عدوّ الله. وهناك من المحقّقين مَنْ يرى أن هذا الكتاب ليس من تأليف دانيال، وإنما يرجع انتشاره إلى حوالي سنة 168 للهجرة([62]). إلاّ أن إنجيل يوحنا يشتمل على مفردة الدجال (antichrist). فقد ورد في هذا الإنجيل، على سبيل المثال: «يا أبنائي الصغار، جاءت الساعة الأخيرة. سمعتم أن مسيحاً دجّالاً سيجيء»([63]). لا شَكَّ في وجود أصل الدجّال، طبقاً لروايات الفريقين، فقد اشتملت الروايات الواردة في المصادر الشيعية القديمة على ذكر الدجّال، بَيْدَ أنها في الغالب مجملة، وأكثرها يكتفي بذكر أصل خروج الدجّال أو اسمه فقط([64]). وهناك الكثير من الروايات الواردة في مصادر أهل السنّة بشأن الدجّال، من قبيل: الرواية المنسوبة إلى رسول الله|، من طريق جابر بن عبد الله: «مَنْ كذّب بالدجّال فقد كفر، ومَنْ كذّب بالمهديّ فقد كفر»([65]).

هناك الكثير من الآراء المطروحة بشأن الدجّال، ومنها: إن الدجّال يمثّل شخصاً بعينه؛ ومنها ما يقول: إنه رمزٌ لكيان أو تيار خاصّ؛ وهناك مَنْ قال: إن الدجّال هو السفياني؛ وما إلى ذلك من الأقوال. بَيْدَ أن القبول بأيٍّ من هذه الآراء دونه مشاكل جمّة، ولا سيَّما أن هذه الآراء تقوم على رواياتٍ وردت في سياق الحديث عن الدجّال بأسلوبٍ قصصي مسهب([66]).

وفي ما يلي نذكر بعض الإشكالات المطروحة في هذا المجال؛ إذ يشتمل بعضها على مضامين لا تنسجم مع صريح القرآن الكريم والسنّة الإلهية وحكمة الله الحكيم، ويبدو أنها مأخوذة من التفكير الديني عند أهل الكتاب.

ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: إن الدجال قادرٌ على إحياء الموتى: «…وإنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى…»([67]).

وفي بعض هذه الروايات انتقاصٌ من شأن الأنبياء^، فقد ورد في بعضها أن الدجال يحاجج نبيّين اثنين من أنبياء الله، فيسألهما: أليس هو ربّهما الذي يحيي ويميت؟! فينكر ذلك أحدهما؛ بينما يصدِّقه الآخر: «…فيقول الدجّال للناس: ألست بربّكم أحيي وأميت؟ ومعه نبيّان من الأنبياء ـ إني لأعرف اسمهما واسم آبائهما، لو شئتُ أن أسمّيهما سمَّيتهما ـ؛ أحدهما عن يمينه؛ والآخر عن يساره، فيقول: ألست بربّكم، أحيي وأميت؟ فيقول أحدهما: كذبت، فلا يسمعه أحدٌ من الناس إلاّ صاحبه، ويقول الآخر: صدقتَ، ويسمعه الناس»([68]).

وفي روايةٍ أخرى: إن الناس سيبقون بعد الدجّال إلى فترةٍ محدّدة. ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة: «يمكث الناس بعد الدجّال أربعين سنة»([69]). ويبدو من ظاهرها أن الناس بعد قتل الدجّال سيعرفون الوقت الدقيق ليوم القيامة، في حين يصرِّح القرآن الكريم بأن ساعة قيام القيامة لا يعلمها إلاّ الله، فلا علم لأحدٍ بها من الناس حتى الأنبياء، وأنها تحدث بغتةً([70]).

يُضاف إلى ذلك أننا نجد في أسانيد الكثير من الروايات التي تحدّثت عن الدجّال بإسهاب أسماءَ مشاهير رواة الإسرائيليات، من أمثال: كعب الأحبار، وتميم الداري، وأبو هريرة الدوسي، ووهب بن منبه([71])، ممّا يشكّل قرينةً على قوّة احتمال أن تكون هذه الروايات من الإسرائيليات.

ويبدو من وجهة نظر الشيخ محمود أبو رية أن الروايات التي تحدَّثت بالتفصيل عن خروج الدجّال في آخر الزمان، وذكرت له صفات وخصائص خارقة ومذهلة، إنما هي من أوهام القصّاصين الذين كانوا مولعين بنقل الإسرائيليات والنصرانيات([72])، وأن هذا النوع من الأخبار قد تبلور على أساس ذكر الدجّال في الكتاب المقدّس.

وقد ذهب الشيخ محمد ناصر الدين الألباني إلى أبعد من ذلك، حيث قال: لا يوجد لهذه الروايات ـ تقريباً ـ أيّ سندٍ معتبر يمكن الركون إليه([73]).

ويذهب الشيخ معرفت إلى الاعتقاد بأن بعض الإسرائيليات يوافق الشريعة الإسلامية، إلاّ أن البعض الآخر يخالفها، وهناك ما هو مسكوتٌ عنه. وإن المنقول من الإسرائيليات مشافهةً هو في الغالب ـ إذا لم نقل بأجمعه ـ لا أساس له من الصحّة([74]).

وعلى هذا فإن تفصيل أوصاف وأفعال الدجّال الموجود في المصادر الإسلامية لا وجود له حتّى في النصوص الدينية لأهل الكتاب أيضاً. وعليه لا بُدَّ من القول ـ بالالتفات إلى وجود أصل موضوع الدجّال في الكتاب المقدّس ـ: إن الأخبار التفصيلية عنه ناشئةٌ من الوَهْم والخيال الجامح لرواة الإسرائيليات؛ فحيث لم يكن رواة الإسرائيليات على شيءٍ من العلم كانوا يختلقون القصص والأساطير الخرافية، مستندين في ذلك إلى المسائل المذكورة في كتب العهدين، وينقلون إلى الناس بعض الأمور الكاذبة([75]).

من هنا، فإنه على الرغم من أن بعض علماء أهل السنّة، من خلال إصرارهم على التمسّك بأصل قصة الجسّاسة والدجّال، قد اعتبروا نقل هذه القصّة للمرة الأولى عن تميم الداري منقبةً وفضيلة له([76])، بَيْدَ أن الاحتمال القويّ جدّاً هو أن يكون هذا النوع من الروايات ناتجٌ عن أوهام ومختلقات رواة الإسرائيليات، وهي الروايات التي تتحدَّث بالتفصيل عن صفات وخصائص الدجّال في ما يتعلّق بأحداث آخر الزمان، ونسبت إليه أموراً مذهلة وخارقة للعادة، ممّا ينسجم بعضها مع معتقدات أهل الكتاب، ويعارض نصّ القرآن والعقل السليم.

ب ـ الحرب والسلم مع الروم وفتح القسطنطينية

يمكن العثور على الكثير من الإسرائيليات المرتبطة بتفسير القرآن الكريم([77]). ومن ذلك: الرواية المنسوبة إلى السدّي في تفسير الآية 114 من سورة البقرة، فهي من الروايات التفسيرية التي تعكس من جهةٍ رغبة الأمويين في الاستيلاء على القسطنطينية؛ وتحمل من جهةٍ أخرى مؤشّرات تقوّي احتمال أن تكون من الإسرائيليات. ومن بين تلك المؤشّرات تطابقُها مع رغبة اليهود بالقضاء على الروم.

وإليك نصّ الرواية: عن السدّي، في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾ (البقرة: 114)، قال: «هم الروم، كانوا ظاهروا بخت نصر على خراب بيت المقدس. وقال في قوله: ﴿أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ﴾ (البقرة: 114): «فليس في الأرض روميّ يدخله اليوم إلاّ وهو خائفٌ أن تضرب عنقه، أو قد أُخيف بأداء الجزية، فهو يؤدّيها». وفي قوله تعالى: ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾ (البقرة: 114) قال: «أما خزيهم في الدنيا فإنه إذا قام المهديّ، وفتحت القسطنطينية، قتلهم، فذلك الخِزْي»([78]).

وقال السمعاني: «إن الآية نزلت في المشركين الذين منعوا رسول الله| من دخول مكّة عام الحديبية»([79]). وعن الإمام الصادق×: «إنهم قريش، حين منعوا رسول الله| دخول مكة والمسجد الحرام»([80]). وكما يبدو من ظاهر السياق إن المراد من هؤلاء الظَّلَمة هم كفّار مكّة، وإن الحادثة تعود إلى ما قبل الهجرة؛ لأن هذه الآيات نزلت على رسول الله| في بداية هجرته إلى المدينة المنوّرة([81]). بَيْدَ أن أكثر الأقوال المنقولة عن الصحابة والتابعين تشير إلى الروم والقسطنطينية([82]). ويحتمل أن تكون هذه المسألة معبّرة عن نفوذ الأفكار الإسرائيلية بينهم؛ حيث كانوا في تلك المرحلة يتمنَّوْن فتح القسطنطينية. وربما كانت رواية كعب الأحبار تصبّ في ذات السياق، حيث قال في تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ (الفتح: 16): «هم الروم»([83]). في حين ذهب الأغلب إلى القول بأن المراد من هذه الآية: قوم فارس، أو هوازن، أو ثقيف، أو بنو حنيفة، أو أهل اليمامة([84]).

وفي ما يتعلّق بالفتوحات ـ ولا سيَّما فتح المدن الرومية والقسطنطينية، وسائر المناطق المسيحية ـ يمكن العثور على حلقة وصل بين الخلفاء والحكّام المسلمين واليهود الذين أسلموا لاحقاً في القرون الهجرية الأولى؛ إذ يحدث أحياناً من خلال ذمّ بعض المدن الرومية الهامة تشجيع الجيوش الإسلامية على تدميرها وفتحها([85]). وتعود جذور المسألة إلى طبيعة العلاقة بين النصارى واليهود قبل الإسلام، حيث كان الأمر بينهما محتدماً على مدى قرون من الزمن. فبعد اعتناق قسطنطين ـ الملك الرومي ـ للديانة المسيحية، أعلن عن الديانة المسيحية بوصفها الديانة الرسمية الوحيدة، وفرض حظراً على الديانة اليهودية بوصفها دين الأقلّية، وتعرّض اليهود إلى الكثير من العذاب والأذى، وكلّ هذه الأمور تعود إلى ما قبل عصر ظهور الإسلام. من هنا فقد ساءت أوضاع اليهود في الإمبراطورية الرومية إلى حدٍّ كبير. وقد سام المسيحيون اليهود بألوان العذاب([86]). ويروي (ول ديورانت)، صاحب كتاب قصة الحضارة، أن المسيحيين قد تمكّنوا في العصور الوسطى من بسط هيمنتهم على أوروبا والمناطق الخاضعة للإمبراطورية الرومانية، وكانوا أبداً يسيئون الظنّ باليهود، ويشدّدون الضغط عليهم أحياناً، وتتراوح هذه الضغوط ما بين الاقتصادية والاجتماعية إلى الإكراه على التخلّي عن دينهم، وحتّى طردهم وإخراجهم من المناطق المسيحية([87]). ويتّضح من تقرير المسعودي أن عدداً من اليهود قد هربوا أثناء تأليفه لكتابه سنة 332هـ من روما أرض النصارى([88]). كما سبق لقبائل اليهود من بني النضير وبني قريظة وبني بهدل أن هاجروا من الشام إلى شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، بعد انتصار الروم عليهم، ومنذ ذلك الحين استقر اليهود الهاربون من الشام في منطقة الحجاز([89]). وفي المقابل وجد اليهود لأنفسهم في مرحلة الفتوح الإسلامية وبداية العصر العباسي مناخاً مناسباً في البلدان الإسلامية، وقد ساعدتهم الثورة التجارية في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين في ممارسة تجارتهم ومضارباتهم الربوية على المستويين المحلّي والعالمي. وقد بلغ الأمر بالمؤسّسات المالية اليهودية في كلٍّ من: بغداد والقاهرة خلال القرن العاشر الميلادي حدّاً أخذوا معه يقدِّمون القروض إلى الدولة. ومن ناحيةٍ أخرى كان التجار المسلمون بدورهم أثرياء جدّاً، ومن هنا لم يتمّ استشعار الخطر من نفوذهم، فواصل التجّار اليهود أعمالهم وأنشطتهم المالية بهدوء بالٍ، ولم يتعرّض لهم أحد([90]).

وعليه فإن جذور إثارة المسلمين وتشجيعهم على مواجهة الروم وفتح الأراضي الخاضعة للإمبراطورية الرومية تعود إلى العصبية الدينية. وبعبارةٍ أخرى: إن العداوة بين المسيحيين واليهود من سكّان المناطق الخاضعة لسلطة الدولة البيزنطية من التجذُّر والعمق بحيث كان حتّى اليهود من المقيمين في المناطق الإسلامية يدركون الأهمّية المحيطة بمصير دينهم في روما وأوضاع اليهود في تلك المناطق، ومن هنا كانوا يجدون في توسيع رقعة الفتوحات الإسلامية في أوروبا نقطة اشتراك بينهم وبين الخلفاء المسلمين، وتبعاً لذلك توفّرت لديهم الدوافع الدينية والقومية لاختلاق الأحاديث ذات الصبغة الإسرائيلية. من هنا لا يبعد أن يكون حثّ اليهود للمسلمين وتشجيعهم على فتح مناطق مثل: الروم والقسطنطينية قد أفضى إلى تسلّل الروايات الإسرائيلية إلى النصوص الدينية في الدائرة المهدويّة. ومن ذلك: الرواية المنسوبة إلى رسول الله، والتي تقول: «بينكم وبين الروم أربع هدن، يوم الرابعة على يدي رجل من أهل هرقل، يدوم سبع سنين، فقال له رجلٌ: يا رسول الله، مَنْ إمام المسلمين يومئذٍ؟ قال: المهديّ من ولدي، ابن أربعين سنة، كأنّ وجهه كوكبٌ دُرّي، في خدّه الأيمن خالٌ أسود، عليه عباءتان قطوانيتان، كأنّه من رجال بني إسرائيل، يستخرج الكنوز، ويفتح مدائن الشرك»([91]). هناك الكثير من الروايات التي تقول: إن المهديّ الموعود× يحكم العالم كله([92])، في حين أن الرواية المتقدّمة تتحدَّث عن أربع هدن تقع بين المهدي× وملك الروم، وأن رابع تلك الهدن تمتدّ لسبع سنين، في حين تذهب أكثر الأحاديث إلى أن فترة حكم الإمام المهديّ تمتدّ لما يقرب من سبع سنين([93]). وعليه كيف سيتمكّن الإمام المهدي ـ والحال هذه ـ من فتح العالم بأسره؟! من هنا لا يمكن بالالتفات إلى هذه التعارضات القبول بهذه الرواية. كما أنها تعاني من ضعفٍ في سندها([94]). يمكن لنصّ الرواية أن ينسجم مع بعض الأخبار التاريخية التي تحدَّثت عن الحرب والصلح بين المسلمين وحاكم الروم في المرحلة الأموية، ولا سيَّما في فترة معاوية. فقد ورد في تاريخ اليعقوبي ـ على سبيل المثال ـ بعض المسائل بشأن اندحار الروم على يد المسلمين، واقتراح الصلح من قبلهم، وقبول أبي عبيدة ـ قائد المسلمين في المنطقة ـ لهذا الاقتراح بشرط دفع الجِزْية([95]). وقال ابن عساكر: «إن معاوية أغزى عبد الرحمن ابن أمّ الحكم أرض الروم، وكان فيها. ووفد ابن هرقل خصياً له يريد معاوية على الصلح على أن تجعل له ضواحي أرض الروم على أن يكفّ الجنود ولا يغزيهم، فأجابه معاوية إلى ذلك»([96]).

من ناحيةٍ أخرى تشتمل هذه الرواية على عناصر تشير إلى البصمات الإسرائيلية. ومن بينها: (القطواني) نسبة إلى القطوان (بتحريك الطاء)، وهو اسم موضع في الكوفة، ومحلّ في سمرقند([97]). أما العباءة القطْوانية (بسكون الطاء) فهي عباءة بيضاء قصيرة من المخمل([98]). ومن الواضح أن هذا المعنى هو المراد في هذه الرواية، دون الموضع المنسوب إلى ناحية قطوان في الكوفة أو سمرقند؛ إذ ورد في رواية بشأن النبي موسى×: «حجّ موسى على تور أحمر عليه عباءة قطوانية»([99]). كما ورد في المصادر الشيعية رواية أخرى عنه تقول: أنه مرّ بمنطقة صفاح، وكان «عليه عباءتان قطوانيتان»([100]). إن العباءة البيضاء القصيرة ليست من الصفات الثابتة والملازمة للأشخاص، وبطبيعة الحال حيث يكون ثوب الإنسان قابلاً للتغيير والتبديل لا يمكنه أن يعبِّر عن أوصاف الأفراد، ولكنْ يمكن للمهديّ الموعود× أن يظهر على تلك الهيئة مرتدياً مثل هذه العباءة. ومهما كان لا يبعد احتمال تأثير الإسرائيليات، ولا سيَّما أن الروايات المتقدّمة بشأن النبي موسى× تبيِّن أنه كان يتّخذ من العباءة القطوانية رداءً له، وربما كان هذا النوع من الثياب شائعاً بين بني إسرائيل، وإنْ كنا لا نستطيع البتّ في هذا الشأن بضرسٍ قاطع.

كما أن هناك مجالاً للتأمّل في تشبيه العظمة الجسدية للإمام المهدي الموعود× بأجساد بني إسرائيل. وربما كان من هذا القبيل الرواية الواردة من طريق أبي هريرة بشأن فتح القسطنطنية على يد رجلٍ من أهل بيت النبيّ|([101]).

وهكذا الأمر بالنسبة إلى الرواية المنقولة عن عبد الله بن عمرو بشأن فتح الروم على يد المهديّ×، على أن هذا المهدي سيحكم بعد المنصور. وإليك نصّها: «بعد المهديّ الذي يخرج أهل اليمن إلى بلادهم، ثمّ المنصور، ثم من بعده المهديّ الذي تفتح على يديه مدينة الروم»([102]). وجاء في روايةٍ عن كعب الأحبار تحمل ما يشبه هذا المضمون؛ إذ تقول: «يكون بعد المهدي خليفة من أهل اليمن من قحطان، أخو المهدي في دينه، يعمل بعمله، وهو الذي يفتح مدينة الروم، ويصيب غنائمها… قال كعب: ويلي الناس رجلٌ من بني هاشم ببيت المقدس…»([103]). وهناك روايةٌ أخرى عن كعب الأحبار تقول: إن الحرب بين المهديّ والروم تمتدّ لعشرين سنة، وهي تعارض الروايات القائلة بأن فترة حكم الإمام المهديّ تمتدّ لسبع سنين. وإليك نصّ هذه الرواية: «المنصور مهديّ يصلي عليه أهل السماء والأرض وطير السماء، يبتلي بقتال الروم والملاحم عشرين سنة، ثم يقتل شهيداً في الملحمة العظمى، هو وألفين معه، كلّهم أمير وصاحب راية. فلم يُصَبْ المسلمون بمصيبةٍ بعد رسول اللهﷺ أعظم منها»([104]).

ويبدو أن بعض هذه الأخبار يعود إلى عصر العباسيين، وينتمي بعضها إلى عصر الأمويين، كما ورد في روايةٍ عن كعب الأحبار: «إن الله تعالى يمدّ أهل الشام إذا قاتلهم الروم في الملاحم»([105]).

إن هذا الصنف من الأخبار التي تتحدّث عن معركة مع الروم، وهزيمة الروم على يد المسلمين، والتي تنطوي في موارد كثيرة على التصريح بالملك أو الخليفة أو شخص المهديّ×، قد نقلت عن رواةٍ من أمثال: كعب الأحبار، أو كعب بن علقمة، ويمكن مشاهدة الكثير منها في الفتن، لابن حمّاد.

وهي، بالإضافة إلى تعارضها الداخلي، تخالف أحياناً المسلَّمات والبديهيات التاريخية أيضاً([106])، ولا سيَّما أن أخبار هذا المصدر التي تعود إلى عصر الأمويين ترتبط من الناحية المضمونية إلى حدٍّ ما بهذه الروايات([107]).

3ـ 3ـ النقل المباشر من المصادر المنسوبة إلى أهل الكتاب

إن نقل الروايات المهدوية من المصادر المنسوبة إلى أهل الكتاب يُعَدّ من قنوات تسلُّل الإسرائيليات إلى الروايات المهدوية. كما أن مضامين هذه الروايات تتعارض مع الروايات المعتبرة والمتواترة أيضاً. وهذا بطبيعة الحال إذا لم يكن أحد المعصومين^ واسطةً في هذا النقل. ويمكن الإشارة من بين هذه الأحاديث إلى الخَبَر الذي يرويه ابن المنادي مباشرةً عن كتاب دانيال؛ إذ يقول: «وفي كتاب دانيال: إن السفيانيين ثلاثة، وإن المهديين ثلاثة، فيخرج السفياني الأول، فإذا خرج وفشا ذكره خرج عليه المهديّ الأول، ثم يخرج السفياني الثاني فيخرج عليه المهديّ الثاني، ثم يخرج السفياني الثالث فيخرج عليه المهديّ الثالث؛ فيصلح الله به كلّ ما أفسد قبله، ويستنقذ الله به أهل الإيمان، ويحيي به السنّة، ويطفئ به نيران البدعة، ويكون الناس في زمانه أعزّاء ظاهرين على مَنْ خالفهم، ويعيشون أطيب عيش، ويرسل الله السماء عليهم مدراراً، وتخرج الأرض زهرها ونباتها، فلا تدّخر من نباتها شيئاً، فيمكث على ذلك سبع سنين، ثم يموت»([108]).

إن مفهوم الإنقاذ على يد الإمام المهدي الموعود× مقتبسٌ من روايات مستفيضة، يذهب العلماء الكبار والمحدِّثون البارزون من كلا الفريقين إلى عدم الشكّ في تواترها، ولا سيَّما علماء أهل السنّة، حيث يصرّحون بهذه المسألة([109]).

وفي هذا البين يمكن اعتبار الاعتقاد بالمهدوية في مقياسه الأدنى ـ بغضّ النظر عن نوعية أو شخصية المصداق ـ متماهياً مع الاعتقاد بظهور رجلٍ من ولد فاطمة في آخر الزمان، كما هو عليه الاعتقاد العام لدى الشيعة وأهل السنّة([110]).

إلاّ أن الذي يلاحظ في هذه الرواية هو التصريح بوجود ثلاثة مهديّين.

أما المصادر الروائية لدى الشيعة فقد تحدّثت عن المهديين في إشارةٍ إلى الأئمة الأطهار^. كالذي نراه في الزيارة الجامعة الكبيرة بشأن الأئمة الأطهار^، وهو المضمون القائل: «وأشهد أنكم الأئمة الراشدون المهديّون المعصومون المكرمون…»([111])، أو الحديث الذي يرويه الإمام عليّ×، عن النبيّ الأكرم|، أنه قال: «يا عليّ، الأئمة الراشدون المهديّون المغصوبون حقوقهم من ولدك، أحد عشر إماماً وأنت»([112]).

كما استعمل أهل السنّة هذه المفردة في بعض الموارد بشأن الخلفاء الراشدين أيضاً([113]).

إلاّ أن مراد هذا الخبر ليس هو أمثال الخلفاء الراشدين أو الأئمّة الأطهار^، إنما المراد من المهديين هنا هو الموعود المعروف في الإسلام، وهو المهديّ الذي تراه هذه الرواية مجسّداً في ثلاثة أشخاص، ولا يمكن أن نرى له مصداقاً آخر.

ومن جهةٍ أخرى إن وجود عناصر في هذه الرواية، من قبيل: الختام الزاخر بطيب العيش وكثرة الرفاه ونزول البركات من السماء، وتقدير مدّة حكم الإمام المهدي الموعود× بسبع سنين، يجعل نصَّ الرواية مقبولاً بحَسَب الظاهر. بَيْدَ أن مسألة تعدُّد المهدي تنطوي على مفهومٍ شاذّ، كما أنه يتعارض مع الروايات المتواترة التي تنصّ بأجمعها على ظهور مهديّ واحد في آخر الزمان من نسل فاطمة الزهراء÷.

وقد وصف مؤلِّف «الموسوعة في أحاديث المهدي× الضعيفة والموضوعة» هذه الرواية بأنها من الإسرائيليات([114]).

وفي الحقيقة يجب القول بهذا الوصف؛ إذ إن ابن المنادي قد نقله من كتاب دانيال دون أن يكون مرويّاً عن المعصوم. ومن الجدير بالذكر أن السيد أكبر نجاد ـ محقّق كتاب العرف الوردي في أخبار المهدي، للسيوطي ـ قال في هامش هذه الرواية: لم أعثَرْ على هذا النقل([115]).

وقد استنتج أحد المحقّقين، من خلال بحثه بشأن كتاب دانيال، أن ابن المنادي(337هـ) قد ادّعى أنه قد أخذ مسائل كتابه من كتاب دانيال، ومن هنا فقد وصف تلك المسائل بأنها من الوحي. وهي، بالإضافة إلى افتقارها إلى المصادر والأسانيد المعتبرة، تحتوي على قصص وحكايات يبدو أن القصّاصين هم الذين صاغوها في القرون الأولى، ووضعوا عليها اسم كتاب دانيال([116]).

وفي الحقيقة لا يمكن الاعتماد على كتاب الملاحم، لابن المنادي، كما اعتبره القرطبي من الإسرائيليات، وأنه زاخرٌ بالمتناقضات، وناشئاً عن الجنون والهوى، بل يرى أن النقل عن كتاب دانيال دون توسيط النبيّ الأكرم موجبٌ لزوال العدالة أيضاً([117]).

وعلى الرغم من عدّ كتاب دانيال جزءاً من العهد العتيق، إلاّ أنه يختلف عنه؛ فإن الأخبار التي تتحدَّث عن اعتباره هي من الصحابة والتابعين، الذين يتمتّع «كعب الأحبار» بينهم بمكانةٍ خاصّة. ولم يَرِدْ ذكرٌ لهذا الكتاب في الفهارس القديمة والكتب والمصادر الشيعية القديمة([118]). كما أن العلاّمة المجلسي، رغم نقله بعض الأخبار عنه، لم يعتمد على أسانيد سائر أخباره([119]).

ومن الجدير بالذكر أن هناك روايةً أخرى تتحدَّث عن ثلاثة مهديّين، يتعارض مضمونها مع الروايات المتواترة. عن الوليد قال: سمعتُ رجلاً يحدِّث قوماً، فقال: «المهديون ثلاثة: مهديّ الخير، وهو عمر بن عبد العزيز؛ ومهديّ الدم، وهو الذي يسكن عليه الدماء؛ ومهديّ الدين، عيسى بن مريم، تسلم أمته في زمانه»([120]). وقد حدَّد هذا الخبر مصاديق المهديّين، وقد ذكر عمر بن عبد العزيز بوصفه واحداً منهم.

وقد أخبر ابن حجر عن تصريح ابن المنادي بأخذ رواية أخرى عن كتاب دانيال. وإليك نصّ كلام ابن المنادي في هذا الشأن: «قد وجدنا في كتاب دانيال: إذا مات المهديّ ملك خمسة رجال، وهم من ولد السبط الأكبر ـ يعني ابن الحسن بن عليّ ـ، ثم يملك بعدهم خمسة رجال من ولد السبط الأصغر، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجلٍ من ولد السبط الأكبر، فيملك، ثم يملك بعده ولده، فيتمّ بذلك اثنا عشر ملكاً، كلّ واحد منهم إمامٌ مهديّ»([121]). كما يعترف كعب الأحبار صريحاً بأنه وجد صفات المهديّ× في أسفار الأنبياء؛ إذ يقول: «إني أجد المهديّ مكتوباً في أسفار الأنبياء، ما في عمله ظلمٌ ولا عيب»([122]).

هذا، وقد أصاب عبد الله بن عمر يوم اليرموك كتاباتٍ لأهل الكتاب، مشتملة على الكثير من الإسرائيليات، وعلى الرغم من اشتمالها على مسائل مشهورة مختلطة بالمنكر والمردود، إلاّ أنه مع ذلك كان يروي منها. ويقرّ ابن عمر في متن الرواية الآتية بهذا الأمر؛ إذ تشتمل هذه الرواية على ذكر المهديّ، وفي الوقت نفسه تحدّثت عن أمر الخلفاء والحكام السابقين واللاحقين للمهديّ، حيث نجد فيها مسائل تدعو إلى التأمّل. وإليك نصّ هذه الرواية: «وجدتُ في بعض الكتب يوم غزونا يوم اليرموك: أبو بكر الصديق أصبتم اسمه، عمرالفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، عثمان ذو النورين أوتي كفلين من الرحمة؛ لأنه قتل مظلوماً أصبتم اسمه، ثم يكون سفّاح، ثم يكون منصورٌ، ثم يكون مهديّ، ثم يكون الأمين، ثم يكون سيفٌ وسلام ـ يعني صلاحاً وعافية ـ، ثم يكون أمير العُصَب، ستّة منهم من ولد كعب بن لؤي، ورجل من قحطان، كلّهم صالح، لا يرى مثله»([123]). يكفي إقرار ابن عمر بأنه وجد هذا الخبر في واحد من مصادر أهل الكتاب لتضعيفه واعتباره مختلقاً على أساس الإسرائيليات. ثم إن متن الرواية قد اشتمل على الأخذ من منزلة علي بن أبي طالب× واعتباره سفاحاً بعد عثمان بن عفان. من هنا لم يشكك مؤلف «الموسوعة في أحاديث الإمام المهدي× الضعيفة والموضوعة» في كونها من الإسرائيليات([124]).

3ـ 4ـ وجود أسماء رواة الإسرائيليات في سند الرواية

إن من بين الشواهد التي يمكن على أساسها مشاهدة بصمات وآثار الإسرائيليات وجود أسماء رواة الأحاديث الإسرائيلية في أسانيدها. ولا ننكر أن هذه الشواهد لا تشكِّل دلالةً قطعية على إسرائيلية هذه الأخبار، ولكنها تؤدّي مع الشواهد الأخرى إلى تعزيز وتقوية احتمال تسلّل الإسرائيليات إلى هذا النوع من الروايات. وبعبارةٍ أخرى: إن مجرّد وجود أحد هؤلاء الرواة لا يستلزم كونها من الإسرائيليات حتماً، بل من الضروري أن يؤيَّد ذلك ببعض الشواهد الموجودة داخل المتن أيضاً.

يرى الباحث السيد معروف الحسني أن رواة الإسرائيليات هم في الأصل من الزنادقة الذين تظاهروا بالإسلام؛ كي يقبل المسلمون مروياتهم. وهكذا فقد اعتمد الصحابة على هؤلاء الأشخاص، ثم وجدت الخرافات طريقها إلى النصوص الدينية، بما في ذلك الأخبار والفتن والبعث([125]). ولم تقتصر رواية الإسرائيليات على مجموعة من الصحابة فقط، بل استمرّت هذه الظاهرة إلى عصر العبّاسيين على ذات الوتيرة([126]). تحتوي أسانيد أكثر الروايات المتقدّمة على أسماء أشخاص نأتي في ما يلي على التعريف بهم على نحو الإجمال:

أـ كعب الأحبار الحميري

اسمه كعب بن مانع([127])، أو ماتع، وكنيته أبو إسحاق([128]). أدرك عصر النبيّ|، ولم يَرَه([129]). وهناك مَنْ قال: أسلم كعب الأحبار في عهد أبي بكر([130]). بَيْدَ أن احتمال إسلامه في عهد الخليفة الثاني هو الأقوى([131]). وقد ذهب أبو رية إلى القطع بأن إسلام كعب الأحبار كان في عهد عمر بن الخطّاب([132]).

مكث كعب الأحبار مدّةً من الزمن في المدينة المنوّرة، ثم انتقل إلى الشام، ليسكن هناك، ويموت فيها أثناء خلافة عثمان بن عفان([133]). وكان يُعَدّ من كبار علماء أهل الكتاب، وكان بعض الصحابة يأخذون منه([134]). وقالوا: إن بعض الصحابة كانوا يتردّدون عليه ويجتمعون به، وكان يحدِّثهم من الكتب الإسرائيلية([135]). وقد روى كذلك أحاديث عن النبيّ| بشكلٍ مرسل([136]).

لقد كان كعب الأحبار هو المتَّهم الأول في نشر الإسرائيليات بين المسلمين، كما كان أبو هريرة كتلميذ له في أخذ الإسرائيليات منه. وهكذا فقد انتشرت الكثير من الروايات عن طريق هذين الرجلين في المجتمع الإسلامي، وهي روايات زاخرة بالخرافات والأساطير. قال الشيخ محمود أبو رية: لقد أحدث كلٌّ من: كعب الأحبار وأبو هريرة الدوسي الكثير من الفساد؛ بسبب نشر الخرافات والأوهام في الإسلام([137]). وقد ذهب طه حسين إلى القول بأن كعب الأحبار لم يسلم في عهد النبيّ|، رغم ما شاهده من صفات وخصائص النبيّ الدالة على نبوته، وظلّ مصرّاً على يهوديته. ثم جاء إلى المدينة المنورة على عهد عمر بن الخطاب، وأعلن إسلامه، مدَّعياً أنه وجد صفات المسلمين في الكتب السابقة. وبذلك فإنه كان يثير شغف المسلمين، حتّى بلغ الأمر أن سأله عمر يوماً: هل رأيتَ اسم عمر في التوراة؟ فقال له في الجواب: إنه لم يَرَ اسمه، ولكنّه رأى صفاته([138]). فاختار عمر بن الخطّاب كعب الأحبار ليكون مستشاراً له، وأمره أن يقصّ في أرض الشام([139]). وقد سمع الإمام الباقر رواية من كعب الأحبار بشأن التقديس المفرط لبيت المقدس، فبان الغضب عليه، ونعته بالكذّاب([140]).

إن روايات كعب الأحبار في دائرة المهدوية كثيرة جدّاً، حيث يمكن مشاهدة اسم كعب الأحبار بشكلٍ خاصّ في سلسلة أسانيد الروايات ذات الطابع الإسرائيلي، بغضّ النظر عن اعتبارها أو عدم اعتبارها من الناحية الدلالية، من قبيل: الروايات المتعلّقة ببيت المقدس([141])، والروم([142])، والشام([143])، ونزول عيسى ابن مريم×([144])، والقسطنطينية([145])، والدجّال([146]). ومن الجدير بالذكر أن بعض هذه الروايات يشتمل على اسم كعب، دون أن يكون المراد منه كعب الأحبار، بل هو كعبٌ آخر، وعليه كلما ذكر اسم كعب مفرداً كان المراد منه (كعب بن علقمة)، وهو من التابعين، ولكنّه لم يكُنْ يختلف عن كعب الأحبار في رواية الإسرائيليات، وكان من المقرِّين بالرجوع إلى الكتب اليهودية ـ المسيحية([147]). وبالإمكان التفريق بينهما في هذه الروايات من خلال التدقيق في رجال أسانيدها إلى حدٍّ كبير.

ب ـ أبو هريرة

لقد ذكروا لأبي هريرة الكثير من الأسماء([148])، ومن بينها: عبد الله بن عامر، وبرير بن عشرقة، وسكين بن دومة، وأحمد بن زهير، وغيرها([149]). ومع ذلك كلّه لا يعتمد على أيّ واحد من هذه الأسماء، وعليه لم يكن هناك بُدٌّ من الإشارة له في الحدّ الأدنى بكنيته، وهو ما اتّفقت عليه كلمة الجميع([150]). وقد اعترف أبو هريرة قائلاً: ليس في الصحابة مَنْ يجاريه في كثرة الرواية عن رسول الله| غير عبد الله بن عمرو بن العاص، ثم علَّل ذلك بأن عبد الله كان يكتب كلّ ما يسمعه، أما هو فلم يكن يكتب([151]). وقد أسلم في السنة السابعة للهجرة([152])، ولم يدرك النبيّ| بعد إسلامه إلاّ قليلاً. إن أكثر روايات أبي هريرة تعود إلى مسموعاته من الصحابة والتابعين، وإلى مختَلَقاته، وأما ما يرويه عن رسول الله| مباشرةً فهو قليلٌ للغاية، ولا يكاد يذكر. ويرى العلماء أن أبا هريرة هو أوّل مَنْ بدأ برواية الإسرائيليات، ولا سيَّما عندما التحق بمعاوية في الشام، حيث وفَّر له أسباب العيش الرغيد([153]). وعن الإمام الصادق× أن أبا هريرة هو أحد الكذّابين الثلاثة على رسول الله|([154]). ودخل مسجد الكوفة برفقة معاوية، وحدّث بحديثٍ كاذب في ذمّ الإمام عليّ×، فكافأه معاوية على ذلك، واستعمله على المدينة المنوّرة([155]). ونرى اسم أبي هريرة في أسانيد أكثر من 110 أحاديث في معجم أحاديث الإمام المهديّ×، حيث نجد اسمه ـ على سبيل المثال ـ في أسانيد الأحاديث ذات الصلة بالإسرائيليات، ضمن مفهوم اليهود([156])، والروم([157])، والشام([158])، ونزول عيسى ابن مريم×([159])، والدجّال([160])، والقسطنطينية([161])، وغير ذلك.

ج ـ عبد الله بن عمرو بن العاص

يكفي إقرار عبد الله بن عمرو برؤيته خبراً مرتبطاً بالمهدويّة في بعض كتب أهل الكتاب للاطمئنان بإسرائيلية الروايات مورد البحث. وقد كان عبد الله ـ كما يقول علماء أهل السنّة ـ من الذين أخذوا الإسرائيليات عن علماء أهل الكتاب([162]). وبعد أن روى عنه ابنُ كثير روايةً، قال: إن هذه الرواية من الراويتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو بن العاص يوم اليرموك، مع اشتمالهما على الكثير من الإسرائيليات، والأمور المعروفة والمشهورة المختلطة بالمنكر والمردود([163]). فعلى سبيل المثال: نقلت عنه رواية ذكر في نصّها أسماء الخلفاء الثلاثة الأوائل، ثم ذكر اسم السفّاح، مع حذف اسم الإمام عليّ× من هذا التسلسل، ثم جاء على ذكر المنصور والأمين ثم المهديّ الموعود×، ليذكر بعد ذلك أسماء أخرى([164]). وفي العديد من مروياته نشهد حضوراً للرموز اليهودية ـ المسيحية أيضاً، من قبيل: اليهود([165])، والروم([166])، ونزول عيسى ابن مريم×([167])، والقسطنطينية([168])، والدجّال([169]).

د ـ تميم بن أوس الداري

هو تميم بن أوس بن خارجة الداري([170])، من النصارى الذين اعتنقوا الإسلام في السنة التاسعة من الهجرة([171]). وبعد مقتل عثمان بن عفان انتقل تميم بن أوس إلى الشام، حيث يحكم معاوية، واستوطن بيت المقدس. وهو يُعَدّ من العلماء بالتوراة والإنجيل([172]). وقيل: إنه توفي في فلسطين([173]). إن تميم بن أوس هو الذي تنسب إليه رواية الدجّال والجساسة، وقد ادّعى أنه رواها لرسول الله|، وبيّن النبي بدوره حديثها للناس([174]). كما رُويت عن طريقه رواياتٌ أخرى تحتوي على رموز إسرائيلية، من قبيل: الأخبار بشأن الروم([175])، والدجّال([176]).

هـ ـ وهب بن منبه

وهب بن منبه اليماني، من أهل فارس أو هرات في خراسان، نفاه كسرى إلى اليمن. أسلم في زمن النبيّ الأكرم|، ومع ذلك يُعَدّ من التابعين([177]). ويذهب السيد العسكري إلى الاعتقاد بأنه أسلم في زمن الخلفاء([178]). وقد زعم وهب بن منبه أنه قرأ ثلاثين كتاباً من الكتب السماوية التي نزلت على ثلاثين نبيّاً([179]). ويُعَدّ وهب من أشهر وأهمّ رواة الإسرائيليات([180]). كما اعتبر من أسوأ رواة الإسرائيليات، وأكثرهم تلبيساً وخداعاً للمسلمين، حيث أسلم بعد رحيل رسول الله|، وأخذ الصحابة يعتمدون على مروياته الإسرائيلية([181]). كما عرَّفه الذهبي بوصفه واحداً من القصّاصين([182]). كان وهب بن منبه يتقرَّب من الخلفاء، ويتزلَّف لهم، وكان الخلفاء في المقابل يغدقون عليه ويفتحون له المجال لينشر الإسرائيليات بين المسلمين([183]). وقد رُوي في فضل وهب بن منبه حديثٌ مرفوع إلى رسول الله|، يقول: «رجلان في أمتي: أحدهما يُقال له: وهب، يؤتيه الله تعالى الحكمة…»([184]). وقيل: إن وهب كان يختلق الأحاديث في فضائل الأعمال([185]). كما يحتوي عددٌ من الروايات المهدويّة المرويّة عنه أو التي يقع في طريقها على رموز إسرائيلية، من قبيل: الروم([186])، والدجّال([187]).

الاستنتاجات

1ـ ليس هناك من شكٍّ لدى المسلمين في تأثير الإسرائيليات في النصوص الدينية، حتى أننا نجد سعياً حثيثاً من العلماء إلى تنقية النصوص الإسلامية من هذه المرويات الضعيفة. فعلى إثر عزل أهل البيت^ عن مسرح الأحداث، وفرض الإقامة الجبرية وتضييق الخناق عليهم، وفتح المجال أمام النشاط المحموم والواسع لبعض أحبار وعلماء اليهود والنصارى الذين أسلموا حديثاً في تلك المرحلة المبكرة من عصر الإسلام، ولا سيَّما في عصر معاوية بن أبي سفيان، حيث بلغ نشاط أهل الكتاب ذروته، تسلَّل الكثير من الروايات ذات الطابع الإسرائيلي في إطار الأحاديث المحرَّفة والمختلقة في مختلف الموضوعات، لتجد طريقها إلى دائرة النصوص الإسلامية. ومع ذلك فقد كان أكثر تسلّل للروايات الإسرائيلية قد حدث بين مصادر أهل السنّة، أما المصادر الشيعية فقلّما تأثرت بالإسرائيليات؛ بفضل توجيه وإشراف الأئمة الأطهار^.

2ـ إن من بين المجالات التي يمكن أن نعثر فيها على شواهد لنفوذ وتأثير الإسرائيليات في الروايات الإسلامية هو مجال المهدوية. إن الروايات المهدوية ترتبط بالمغيبات وأحداث المستقبل؛ ومن جهةٍ أخرى ترتبط بالمجال السياسي والاجتماعي. ومن هنا فإن هذه الأمور تشكّل أرضية خصبة لاختلاق وتحريف الأخبار المرتبطة بهذا الأمر، ومن هنا لا يبعد تسلّل الإسرائيليات إلى هذه الدائرة.

3ـ هناك بعض الشواهد التي ترفع من احتمال تأثير الإسرائيليات في الروايات المهدوية، من قبيل: تقديس البقاع والمدن اليهودية والمسيحية، مثل: بيت المقدس، وأنطاكية، وبحيرة طبرية، والشام بشكلٍ عام، حيث تعتبر هذه الظاهرة من أهم الشواهد في مجال متون الروايات.

كما يمكن لنا أن نضيف إلى هذه المسألة: التفصيل والتحريف في المفاهيم المشتركة بين الإسلام واليهودية، من قبيل: خروج الدجّال، والفتوحات الإسلامية في مناطق الشام وأوروبا والحرب والسلام مع الروم أيضاً.

كما يمكن لنا أن نعدّ من ذلك نقل الروايات المنسوبة إلى أهل الكتاب، من قبيل: نقل بعض الروايات من كتاب دانيال، أو أسفار الأنبياء، أو ما عثر عليه عبد الله بن عمرو بن العاص في حرب اليرموك، فهي بدورها تشكّل شاهداً ناظراً على متون الروايات الواردة في هذا الشأن.

وأما في مجال أسانيد الروايات فإن وجود أسماء بعض رواة الإسرائيليات، من أمثال: كعب الأحبار، وأبي هريرة الدوسي، وعبد الله بن عمر بن العاص، وتميم بن أوس الداري، ووهب بن منبّه، يمثِّل شاهداً صريحاً على تأثُّر عددٍ من الروايات المهدوية بالإسرائيليات، إلاّ أن هذا الأمر لوحده لا يمكن أن يكون شاهداً على إسرائيلية هذا النوع من الأخبار، بل لا بُدَّ معه من وجود شواهد أخرى تعضده ضمن متون الروايات، بوصفه من العوامل المساعدة للوصول إلى النتيجة الموضوعية في هذا الشأن.

4ـ على الرغم من أن هذه الشواهد لا تشكّل دليلاً قاطعاً على إسرائيلية الأخبار والروايات المشتملة عليها، بَيْدَ أنها تمثّل ـ بالجملة ـ شواهد على تأثُّر العديد من الروايات المهدوية بالإسرائيليات.

الهوامش

(*) أستاذٌ وعضو الهيئة العلميّة في جامعة طهران، ومسؤول الدراسات والتحقيق في كلِّية الإلهيّات والمعارف الإسلاميّة. باحثٌ متخصِّصٌ في تاريخ الحديث الإسلامي. من إيران.

(**) باحثٌ على مستوى الدكتوراه في مجال علوم القرآن والحديث.

([1]) ناصر رفيعي محمدي، أنگيزه ديني وفرهنگي در وضع حديث (الدافع الديني والثقافي إلى اختلاق الأحاديث)، مجلة طلوع، العدد 2: 18 فما بعد، صيف عام 1381هـ.ش (مقال باللغة الفارسية).

([2]) انظر مثلاً: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 9: 68؛ 11: 200؛ 14: 273، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ ـ 1985م.

([3]) انظر مثلاً: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 1: 316؛ 2: 570، تحقيق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1412هـ ـ 1992م.

([4]) انظر: عبد العليم عبد العظيم البستوي، المهدي المنتظر× في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة: 36، المكتبة المكّية، مكّة المكرّمة، 1420هـ ـ 1999م.

([5]) انظر: عبد العظيم البستوي، الموسوعة في أحاديث الإمام المهدي× الضعيفة والموضوعة: 157، المكتبة المكّية، مكّة المكرّمة، 1420هـ ـ 1999م.

([6]) انظر: مرتضى العسكري، معالم المدرستين 2: 352، مؤسسة النعمان للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1410هـ ـ 1990م.

([7]) انظر: علي الكوراني العاملي، المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهديّ#: 50، مكتبة أهل البيت^، 1426هـ ـ 2006م.

([8]) انظر: الأميني، الوضّاعون وأحاديثهم: 46، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، 1420هـ ـ 1999م.

([9]) انظر: محمود أبو ريّة، أضواء على السنّة المحمدية: 145، نشر البطحاء، ط5، القاهرة.

([10]) مقدّمة ابن خلدون 1: 9، دار إحياء التراث العربي، ط4، بيروت.

([11]) انظر: أبو ريّة، أضواء على السنّة المحمدية: 147.

([12]) انظر: العسكري، معالم المدرستين 2: 352.

([13]) انظر: محمد حسين الذهبي، الإسرائيليات في التفسير والحديث: 19 ـ 20، دار الحديث، ط2، دمشق، 1405هـ.

([14]) انظر: عبد العزيز ساشادينا، مهدويت، مجلة انتظار، العدد 15: 167، ربيع عام 1384هـ.ش (ترجمه إلى الفارسية: بهروز جندقي).

([15]) انظر مثلاً: السيوطي، العرف الوردي في أخبار المهدي، تحقيق وتصحيح: مهدي أكبر نجاد، هستي نما، ط1، طهران، 1387هـ.ش.

([16]) أبو ريّة، أضواء على السنّة المحمدية: 167.

([17]) الكليني، الكافي 4: 239، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365هـ.ش.

([18]) ناصر خسرو القبادياني، سفر نامه: 56، تحقيق: يحيى الخشاب، دار الكتاب الجديد، ط3، بيروت، 1983م.

([19]) انظر: الإسراء: 1.

([20]) انظر: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 2: 75.

([21]) الملاّ علي القاري، الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (الموضوعات الكبرى): 436، تحقيق: محمد بن لطفي الصباغ، المكتب الإسلامي، ط3، بيروت، 1983م.

([22]) أبو ريّة، أضواء على السنّة المحمدية: 169.

([23]) انظر: ابن عساكر، تاريخ دمشق 70: 119 ـ 120، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1419هـ ـ 1998م.

([24]) انظر: محمد بن أبي بكر (ابن قيّم)، المنار المنيف في الصحيح والضعيف: 91، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، ط2، حلب، 1403هـ ـ 1983م.

([25]) السيوطي، العرف الوردي في أخبار المهدي: 38، ح41.

([26]) انظر مثلاً: المتقي الهندي، كنـز العمال 14: 264 ـ 266، تحقيق: الشيخ بكري حياتي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1409هـ ـ 1989 م؛ يوسف بن يحيى المقدسي، عقد الدرر في أخبار المنتظر: 17 ـ 33، تحقيق: عبد الفتّاح محمد الحلو، مكتبة عالم الفكر، القاهرة، 1399هـ ـ 1979م.

([27]) السيوطي، العرف الوردي في أخبار المهدي: 95، ح206.

([28]) انظر مثلاً: المصدر السابق، الكتاب كلّه.

([29]) للمزيد من الاطلاع انظر: السيد جعفر الصادقي، پژوهشي در زمينه جعل وتحريف در روايات مهدويت: 84 ـ 88، 192 ـ 220، الناشر: المؤلف، طهران، 1392هـ.ش.

([30]) شريف الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق 2: 645، عالم الكتب، بيروت، 1409هـ ـ 1989م.

([31]) انظر: عمر بن أحمد العقيلي الحلبي (ابن العديم)، بغية الطلب في تاريخ حلب 1: 86، تحقيق: سهيل زكّار، مؤسسة البلاغ، بيروت، 1408هـ ـ 1988م.

([32]) انظر: ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 2: 135، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، 1312هـ ـ 1992م.

([33]) انظر: ابن الأثير، الكامل في التاريخ 1: 294، دار صادر، بيروت، 1386هـ ـ 1966م.

([34]) النعمان بن محمد التميمي المغربي، شرح الأخبار 3: 386، تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة.

([35]) انظر: المسعودي، التنبيه والإشراف: 109، دار صعب، بيروت.

([36]) انظر: ابن العديم، بغية الطلب في تاريخ حلب 1: 82.

([37]) انظر: المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر 2: 232، منشورات دار الهجرة، إيران ـ قم المقدّسة، 1404هـ ـ 1363هـ.ش ـ 1984م.

([38]) البلاذري، فتوح البلدان 1: 162، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1956م.

([39]) انظر: ابن الأثير، الكامل في التاريخ 2: 494.

([40]) انظر: ابن كثير، البداية والنهاية 7: 15؛ 9: 95؛ 13: 251، مكتبة التعارف، بيروت.

([41]) انظر: ابن الجوزي، الموضوعات 2: 51، 56، 57، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، ط1، المدينة المنورة، 1386هـ ـ 1966م.

([42]) انظر: محمود كريمي، وسعيد طاووسي مسرور، أنگيزه هاي سياسي در جعل روايات مدح وذم بلاد، مجلة دانش سياسي، الدورة السادسة، العدد 11: 85 فما بعد، بتاريخ: شهر أرديبهشت، 1389هـ.ش. (مصدر فارسي).

([43]) السيوطي، العرف الوردي في أخبار المهدي: 80، ح151.

([44]) عبد الرزّاق الصنعاني، المصنَّف 11: 372، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي؛ نعيم بن حمّاد المروزي، الفتن: 220، تحقيق: سهيل زكّار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1414هـ ـ 1980م.

([45]) ابن العديم، بغية الطلب في تاريخ حلب 1: 519.

([46]) يوسف بن يحيى المقدسي، عقد الدرر في أخبار المنتظر: 40، تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو.

([47]) انظر: عبد العظيم البستوي، الموسوعة في أحاديث الإمام المهدي× الضعيفة والموضوعة: 185.

([48]) انظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان 4: 17، دار الفكر، بيروت.

([49]) انظر: ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 1: 156، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا.

([50]) السيوطي، العرف الوردي في أخبار المهدي: 105، ح232.

([51]) انظر: أبو ريّة، أضواء على السنة المحمدية: 126 ـ 127.

([52]) انظر: المصدر السابق: 129.

([53]) علي الكوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهدي× 1: 277، تحقيق وإشراف: الشيخ علي الكوراني العاملي، مؤسسة المعارف الإسلامية، ط1، قم المقدسة، 1411هـ.

([54]) المصدر السابق: 284.

([55]) المقدسي، عقد الدرر في أخبار المنتظر: 123.

([56]) الكوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهدي× 1: 344.

([57]) انظر: عبد العظيم البستوي، الموسوعة في أحاديث الإمام المهدي× الضعيفة والموضوعة: 214.

([58]) انظر: محمد هادي معرفت، تفسير ومفسّران 2: 117 ـ 121، مؤسسه التمهيد الثقافية، ط1، قم، 1380هـ. (مصدر فارسي).

([59]) نعيم بن حمّاد المروزي، الفتن: 316.

([60]) المصدر السابق: 363.

([61]) انظر: ابن منظور، لسان العرب 11: 236، دار صادر، بيروت، 1405هـ.

([62]) انظر: علي أكبر دهخدا، لغت نامه (معجم لغوي فارسي)، مفردة دجّال، مؤسسة انتشارات دانشگاه طهران، طهران، 1372هـ.ش.

([63]) الكتاب المقدّس، العهد الجديد، يوحنا الأولى، الإصحاح الثاني، الفقرة 18.

([64]) انظر مثلاً: الكليني، الكافي 5: 260 ـ 296؛ الطوسي، تهذيب الأحكام 6: 384؛ 7: 236، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365هـ.ش.

([65]) السيوطي، العرف الوردي في أخبار المهدي: 105، ح230.

([66]) انظر مثلاً: صادقي، پژوهشي در زمينه جعل وتحريف در روايات مهدويت (مصدر فارسي): 301 ـ 305.

([67]) انظر: مسند أحمد بن حنبل 5: 13، دار صادر، بيروت.

([68]) الطبراني، المعجم الكبير 7: 84، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، دار إحياء التراث العربي. بَيْدَ أن نصّ الحديث الذي وجدته في نسخة أخرى من المعجم الكبير يشتمل على صيغة مغايرة، وذلك على النحو التالي: «معه ملكان من الملائكة، يشبهان نبيّين من الأنبياء، أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، وذلك فتنة الناس، يقول: ألستُ بربّكم، أحيي وأميت؟ فيقول أحد الملكين: كذبتَ، فما يسمعه أحدٌ من الناس إلا صاحبه، فيقول له صاحبه: صدقتَ، ويسمعه الناس، فيحسبون أنه صدّق الدجّال». والفرق بين الصيغتين كبيرٌ، (المعرِّب).

([69]) ابن أبي شيبة، المصنَّف 7: 84.

([70]) انظر: الأعراف: 187.

([71]) انظر: الكوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهدي× 2: 5 فما بعد.

([72]) انظر: أبو ريّة، أضواء على السنة المحمدية: 182.

([73]) انظر: محمد ناصر الدين الألباني، قصة المسيح الدجّال: 4 فما بعد، المكتبة الإسلامية، عمان، الأردن.

([74]) انظر: معرفت، تفسير ومفسّران (مصدر فارسي) 2: 121.

([75]) انظر: المصدر السابق: 117.

([76]) انظر: محمد بن أحمد الذهبي، تاريخ الإسلام 3: 611، تحقيق: عمر عبد السلام التدمري، دار الكتاب العربي، ط1، بيروت، 1407هـ ـ 1987م.

([77]) انظر: السيد محمد باقر الحكيم، علوم القرآن: 293، مجمع الفكر الإسلامي، قم، 1417هـ.

([78]) السيوطي، العرف الوردي في أخبار المهدي: 16، ح1.

([79]) تفسير السمعاني 1: 128، تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم، دار الوطن، الرياض، 1418هـ ـ 1997م.

([80]) الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 1: 361، انتشارات ناصر خسرو، ط3، طهران، 1372هـ.ش.

([81]) انظر: السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 258، نشر جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية في قم المقدّسة، قم، ط5، 1417هـ.

([82]) انظر مثلاً: السيوطي، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 1: 108، مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1404هـ.

([83]) حسين بن مسعود البغوي، معالم التنـزيل في تفسير القرآن 4: 192، تحقيق: خالد بن عبد الرحمن العكّ، دار المعرفة، بيروت.

([84]) انظر: المصدر السابق.

([85]) انظر: محمود كريمي وسعيد طاووسي مسرور، أنگيزه هاي سياسي در جعل روايات مدح وذم بلاد، مجلة دانش سياسي، الدورة السادسة، العدد 11: 85 فما بعد.

([86]) انظر: حسين نقوي، يهوديان در سرزمين هاي إسلامي، مجلة معرفت أديان، السنة الثانية، العدد 1: 73 ـ 105، شتاء عام 1380هـ.ش. (مصدر فارسي).

([87]) انظر: وِل ديورانت، تاريخ تمدّن (قصّة الحضارة) 7: 206، انتشارات علمي وفرهنگي، طهران، 1378هـ.ش (الترجمة الفارسية).

([88]) انظر: المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر 1: 201.

([89]) انظر: أبو الفرج الإصفهاني، الأغاني 22: 344، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

([90]) انظر: حسين نقوي، يهوديان در سرزمين هاي إسلامي، مجلة معرفت أديان، السنة الثانية، العدد 1: 73 ـ 105.

([91]) السيوطي، العرف الوردي في أخبار المهدي: 54، ح78.

([92]) انظر مثلاً: المصدر السابق: 43، ح54.

([93]) انظر مثلاً: المصدر السابق: 18، ح3.

([94]) انظر: عبد العظيم البستوي، الموسوعة في أحاديث الإمام المهدي× الضعيفة والموضوعة: 121.

([95]) انظر: تاريخ اليعقوبي 2: 141، دار صادر، بيروت.

([96]) ابن عساكر، تاريخ دمشق 61: 221، تحقيق: علي شيري.

([97]) انظر: الحموي، معجم البلدان 3: 417؛ ابن منظور، لسان العرب 15 189.

([98]) انظر: ابن منظور، لسان العرب 15: 189؛ المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار 13: 11، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1404هـ؛ الكوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهدي× 1: 160.

([99]) الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 3: 221، دار الكتب العلمية، بيروت، 1408هـ ـ 1988م.

([100]) انظر: الكليني، الكافي 4: 214.

([101]) انظر: السيوطي، العرف الوردي في أخبار المهدي: 24، ح13.

([102]) نعيم بن حمّاد المروزي، الفتن: 244.

([103]) المصد السابق: 245.

([104]) المصدر السابق: 279.

([105]) المصدر السابق: 286.

([106]) انظر: المصدر السابق: 243 فما بعد.

([107]) انظر: المصدر السابق: 63 فما بعد.

([108]) السيوطي، العرف الوردي في أخبار المهدي: 111، ح248 أ.

([109]) انظر: محمد شمس الحقّ عظيم آبادي، عون المعبود 11: 308، دار الكتب العلمية، ط3، بيروت، 1415هـ.

([110]) انظر: الكوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهدي× 1: 39؛ القندوزي، ينابيع المودة لذوي القربى 3: 345، تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني، دار الأسوة للطباعة والنشر، ط1، طهران، 1416هـ.

([111]) الصدوق، عيون أخبار الرضا× 2: 272، انتشارات جهان، 1378هـ.ش.

([112]) الطوسي، الغيبة، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، 1411هـ.

([113]) انظر مثلاً: ابن عبد البرّ، الاستذكار 5: 435، تحقيق: سالم محمد عطا ومحمد علي معوض، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 2000م.

([114]) انظر: عبد العظيم البستوي، الموسوعة في أحاديث الإمام المهدي× الضعيفة والموضوعة: 383.

([115]) السيوطي، العرف الوردي في أخبار المهدي: 111.

([116]) انظر: هادي صادقي، كتاب دانيال، مجلة كتاب ماه دين، العددان 97 ـ 98: 17، شهرا آبان وآذر سنة 1384هـ.ش. (مصدر فارسي).

([117]) انظر: القرطبي، التذكرة: 695، دار الكتب العلمية، بيروت.

([118]) انظر: هادي صادقي، كتاب دانيال، مجلة كتاب ماه دين، العددان 97 ـ 98: 15 ـ 17.

([119]) انظر: المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار 55: 335.

([120]) نعيم بن حمّاد المروزي، الفتن 1: 359؛ السيوطي، العرف الوردي في أخبار المهدي: 88، ح178.

([121]) ابن الجوزي، كشف المشكل من حديث الصحيحين 1: 454، تحقيق: علي حسين البواب، دار الوطن للنشر، الرياض، 1418هـ ـ 1997م.

([122]) نعيم بن حمّاد المروزي، الفتن: 221.

([123]) السيوطي، العرف الوردي في أخبار المهدي: 106، ح237.

([124]) انظر: عبد العظيم البستوي، الموسوعة في أحاديث الإمام المهدي× الضعيفة والموضوعة: 158.

([125]) انظر: هاشم معروف الحسني، دراسات في الحديث والمحدِّثين: 92، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1398هـ ـ 1978م.

([126]) انظر: العسكري، معالم المدرستين 2: 49.

([127]) انظر: محمد بن أحمد الذهبي، المغني في الضعفاء 2: 148، تحقيق: أبو الزهراء حازم القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418هـ ـ 1997 م؛ يوسف المزّي، تهذيب الكمال 24: 189، تحقيق: بشّار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، ط1، بيروت، 1400هـ ـ 1980م.

([128]) انظر: ابن الأثير، أسد الغابة 4: 274، دار الكتاب العربي، بيروت.

([129]) انظر: المصدر السابق.

([130]) انظر: الذهبي، المغني في الضعفاء 2: 148؛ المزّي، تهذيب الكمال 24: 189.

([131]) انظر: ابن الأثير، أسد الغابة 4: 274.

([132]) انظر: أبو ريّة، أضواء على السنّة المحمدية: 147.

([133]) انظر: المزّي، تهذيب الكمال 24: 190 ـ 191.

([134]) انظر: محمد بن أحمد الذهبي، تذكرة الحفّاظ 1: 52، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

([135]) انظر: محمد بن أحمد الذهبي، سير أعلام النبلاء 3: 489، تحقيق: إبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة، ط9، بيروت، 1413هـ ـ 1993م.

([136]) انظر: محمد بن أحمد الذهبي، تهذيب التهذيب 8: 393.

([137]) انظر: أبو رية، شيخ المضيرة أبو هريرة: 89، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.

([138]) انظر: المصدر السابق: 92 ـ 93، نقلاً عن: د. طه حسين.

([139]) انظر: أبو ريّة، أضواء على السنّة المحمدية: 147.

([140]) انظر: الكليني، الكافي 4: 239.

([141]) انظر: الكوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهدي× 1: 217.

([142]) انظر: المصدر السابق: 344 ـ 371.

([143]) انظر: المصدر السابق: 410 ـ 417.

([144]) انظر: المصدر السابق: 523 ـ 561.

([145]) انظر: المصدر السابق 2: 49 ـ 50.

([146]) انظر: المصدر السابق: 62 ـ 93.

([147]) للمزيد من الاطلاع انظر: صادقي، پژوهشي در زمينه جعل وتحريف در روايات مهدويت (مصدر فارسي): 31.

([148]) انظر: أحمد بن علي (ابن حجر)، الإصابة في تمييز الصحابة 7: 425 فما بعد، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، ط1، بيروت، 1412هـ.

([149]) انظر: ابن عبد البرّ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3: 104، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، ط1، بيروت، 1412هـ.

([150]) انظر: المصدر السابق.

([151]) انظر: صحيح البخاري 1: 36، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401هـ ـ 1981م.

([152]) انظر: أحمد بن علي (ابن حجر)، الإصابة في تمييز الصحابة 1: 67.

([153]) انظر: هاشم معروف الحسني، دراسات في الحديث والمحدِّثين: 92.

([154]) انظر: الصدوق، الخصال 1: 191، نشر جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية بقم، قم المقدّسة، 1403هـ.

([155]) انظر: ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة 4: 67، انتشارات مكتبة المرعشي النجفي، قم المقدّسة، 1404هـ.

([156]) انظر: الكوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهدي× 1: 312 ـ 313.

([157]) انظر: المصدر السابق: 333 ـ 360؛ 2: 56.

([158]) انظر: المصدر السابق 1: 406.

([159]) انظر: المصدر السابق: 518 ـ 562.

([160]) انظر: المصدر السابق 2: 29 ـ 41.

([161]) انظر: المصدر السابق 2: 49 ـ 51.

([162]) انظر: الشوكاني، نيل الأوطار 8: 295، دار الجيل، بيروت، 1973م.

([163]) انظر: ابن كثير، البداية والنهاية 1: 24.

([164]) انظر: السيوطي، العرف الوردي في أخبار المهدي: 106، ح237.

([165]) انظر: الكوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهدي× 1: 312.

([166]) انظر: المصدر السابق: 350.

([167]) انظر: المصدر السابق: 517 ـ 562.

([168]) انظر: المصدر السابق 2: 49 ـ 57.

([169]) انظر: المصدر السابق 2: 62 ـ 112.

([170]) انظر: ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب 1: 143، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، ط2، بيروت، 1415هـ ـ 1995م.

([171]) انظر: ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب 1: 193.

([172]) انظر: محمد بن أحمد الذهبي، تهذيب التهذيب 1: 449.

([173]) انظر: خير الدين الزركلي، الأعلام 2: 78، دار العلم للملايين، ط5، بيروت، 1980م.

([174]) انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء 2: 442.

([175]) انظر: الكوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهدي× 1: 345 ـ 346.

([176]) انظر: المصدر السابق 2: 77.

([177]) انظر: الذهبي، تهذيب التهذيب 11: 148.

([178]) انظر: العسكري، معالم المدرستين 2: 49.

([179]) انظر: المزّي، تهذيب الكمال 31: 145.

([180]) انظر: ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة 8: 314.

([181]) انظر: هاشم معروف الحسني، دراسات في الحديث والمحدِّثين: 92.

([182]) انظر: الذهبي، المغني في الضعفاء 2: 505.

([183]) انظر: العسكري، معالم المدرستين 2: 49.

([184]) انظر: الذهبي، تهذيب التهذيب 11: 148.

([185]) انظر: ابن الجوزي، الموضوعات 1: 8، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان.

([186]) انظر: الكوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهدي× 1: 350.

([187]) انظر: المصدر السابق 2: 159.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً