أحدث المقالات

مطالعة في الأحاديث والموقف الفقهي

 

الشيخ أحمد عابديني(*)

 

بحث حول آلة الذبح

هل يلزم أن تكون آلة الذبح حديداً، بمعنى أنّها إذا كانت من الألمينيوم أو الفولاذ لا يصحّ الذبح بها، أو أنّ الحديد يعمّهما؟ وفي الصورة الثانية هل يعمّ النحاس والرصاص وأمثالها أو لا؟

قبل الدخول في البحث ينبغي أن يعرف ما قاله الإمام الخمينيّ& كمتن للبحث:

مسألة 3: «لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار، فإنْ ذبح بغيره مع التمكُّن منه لم يحلّ، وإنْ كان من المعادن المنطبعة، كالصفر والنحاس والذهب وغيرها. نعم، لو لم يوجد الحديد، وخيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها، أو اضطرّ إليها، جاز بكلّ ما يفري أعضاء الذبح، ولو كان قصباً أو ليطة أو حجارة حادّة أو زجاجة أو غيرها. نعم، في وقوع الذكاة بالسنّ والظفر مع الضرورة إشكال…»([1]).

في هذه المسألة فصّل& بين الحديد وغيره من النحاس والرصاص وغيرهما، ولم يفصّل بين الحديد بالمعنى الذي نعرفه الآن، وهو الذي يكون مختلفاً عن الألمينيوم والفولاذ وغيرهما. ولكنْ في جواب المسائل التي سألوه بأنّه هل يصحّ الذبح بالسكين الذي صنع من فولاذ؟ أجاب: لا؛ لأنه ليس من الحديد.

فعلينا أن نبحث عن حقيقة الحال، حتّى نرى هل يمكن أن نساعد الإمام الخمينيّ& في هذا المجال أو لا؟

فينبغي أن نذكر أقوال الفقهاء، ثم الروايات الواردة في هذا الموضوع، ثم نصل إلى النتيجة.

1ـ قال الصدوق في (المقنع): وإذا لم يكن معك حديدةٌ تذبحه بها فدَعْ الكلب يقتله، ثم كُلْ منه([2]).

2ـ وقال الشيخ الطوسي في (النهاية): ولا يجوز الذباحة إلاّ بالحديد، فإنْ لم يوجد حديدة، وخيف فوت الذبيحة، أو اضطر إلى ذباحتها، جاز له أن يذبح بما يفري الأوداج من ليطة أو قصبة أو زجاجة أو حجارة حادّة الأطراف([3]).

3ـ وقال السيد ابن زهرة في (الغنية): ولا تكون الذكاة صحيحةً مبيحةً للأكل إلاّ بقطع الحلقوم والودجين والمري على الوجه الذي قدّمناه، مع التمكُّن من ذلك بالحديد أو ما يقوم مقامه في القطع عند فقده، من زجاج أو حجر أو قصب، مع كون المذكّي مسلماً، ومع التسمية، واستقبال القبلة؛ بدليل ما قدَّمناه([4]).

أقول: مقصوده من لفظ «بدليل ما قدَّمناه» هو الإجماع، وطريقة الاحتياط الذي أشار إليه سابقاً.

4ـ وقال الشيخ الطوسي في (المبسوط): كلُّ محدَّد يتأتّى الذبح به ينظر فيه، فإنْ كان من حديد أو صفر أو خشب أو ليطة ـ وهو القصب ـ أو مروة ـ وهي الحجارة الحادّة ـ حلّت الذكاة بكلّ هذا، إلاّ ما كان من سنٍّ أو ظفر فإنّه لا يحلّ الذكاة بواحدة منهما، فإنْ خالف وفعل به لم يحلّ أكله، سواء كان متَّصلاً أو منفصلاً. وقال بعضهم في السن والظفر المنفصلين: إنْ خالف وفعل حلّ أكله، وإنْ كان متَّصلاً لم يحلّ. والأوّل مذهبنا، غير أنّه لا يجوز عندنا أن يعدل عن الحديد إلى غيره مع القدرة عليه([5]).

5ـ وقال المحقِّق في (الشرائع): وأمّا الآلة فلا يصحّ التذكية إلاّ بالحديد، ولو لم يجده وخيف فوت الذبيحة جاز بما يفري أعضاء الذبح، ولو كان ليطة أو خشبة أو مروة حادّة أو زجاجة. وهل تقع الذكاة بالظفر أو السنّ مع الضرورة؟ قيل: نعم؛ لأن المقصود يحصل، وقيل: لا؛ لمكان النهي، ولو كان منفصلاً([6]).

6ـ وقال الشهيد الثاني في (المسالك): المعتبر عندنا في الآلة التي يذكّى بها أن يكون من حديد، فلا يجزي غيره مع القدرة عليه، وإنْ كان من المعادن المنطبعة كالنحاس والرصاص والذهب وغيرها، ويجوز مع تعذُّرها والاضطرار إلى التذكية ما فرى الأعضاء من المحدَّدات([7]).

7ـ وقال الفاضل الهنديّ في (كشف اللثام)، ملفّقاً بالمتن([8]): المطلب الثاني [الآلة ولا يصحّ التذكية] اختياراً [إلاّ بالحديد] اتّفاقاً… [فإنْ تعذَّر وخيف فوت الذبيحة جاز بكلّ ما يفري الأعضاء] اتّفاقاً([9]).

8ـ وقال ابن قدامة الحنبليّ في (المغني): أمّا الآلة فلها شرطان: أحدهما: أن تكون محدَّدة تقطع أو تحرق بحدّها، لا بثقلها؛ والثاني: أن لا يكون سنّاً ولا ظفراً، فإذا اجتمع هذان الشرطان في شيءٍ حلّ الذبح به، سواء كان حديداً أو بلطةً أو خشباً؛ لقول النبيّ|: « ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكُلَوا، ما لم يكن سنّاً أو ظفراً»([10]).

وقال الشافعي: أحبّ الذكاة بالحديد، وأن يكون ما ذكّى به من الحديد موحياً أخفّ على المذكى([11]). وقال أيضاً: «وكذلك كلّ ما ذكّي به من شيءٍ أنهر الدم وفرى الأوداج والمذبح، ولم يثرد، جازت به الذكاة، إلاّ الظرف والسنّ([12]).

أقول: الأقوال في هذه المسألة متشتِّتة، ويمكن جمعها بسهولة، هذا أوّلاً.

وثانياً: هذه الأقوال، وكذا أكثر الأمثلة، أُخذت من الروايات. فالإجماع المذكور في بعض العبارات مدركيّ لا يُعتنى به.

وثالثاً: هذه المسألة ليست خلافيّة بيننا وبين غيرنا، ولذا لم يذكر المسألة في الخلاف الذي دُوِّن لنقل المسائل الخلافيّة. وبملاحظة ما كان يصرّّ عليه أستاذنا الشيخ منتظري& ـ تبعاً لأستاذه السيد البروجرديّ& ـ من أنّ فقهنا يكون كالتعليقة والحاشية على فقههم؛ لأنّه كان رائجاً في تلك الأعصار، فترك المسألة على حاله من دون نقل خلاف أو تعليقة يدلّنا على اتّحادنا معهم في تلك المسألة.

فالحاصل ممّا ذكرنا من عبارات فقهائنا في مسألة آلة الذبح هو ما يقوله فقهاؤهم. فالحقيقة واحدةٌ، والألفاظ مختلفة، وسنشير إلى هذه الحقيقة الواحدة بعد نقل الأخبار.

وأمّا بعض الخلاف الموجود في مسألة الذبح بالسنّ والظفر فبحثه موكولٌ إلى محلّه إنْ شاء الله.

الروايات الواردة حول آلة الذبح

1ـ صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألتُ أبا جعفر× عن الذبيحة بالليطة وبالمروة فقال: لا ذكاة إلاّ بحديدة([13]).

2ـ صحيحة الحلبيّ، عن أبي عبدالله×، قال: سألتُه عن الذبيحة بالعود والحجر والقصبة؟ قال: فقال عليّ بن أبي طالب×: لا يصلح الذبح إلاّ بالحديدة([14]).

3ـ حسنة أبي بكر الحضرميّ، عن أبي عبدالله× قال: لا يؤكَل ما لم يذبح بحديدة([15]).

4ـ موثَّقة سماعة بن مهران قال: سألتُه عن الذكاة؟ فقال: لا يُذكَّى إلاّ بحديدة، نهى عن ذلك أمير المؤمنين×.

أقول: هذه أربع روايات من طرقنا، وأكثرها صحيحة، ودلالتها على اشتراط الحديد في الذبح صريحة.

هذا كلّه في حالة الاختيار، وعدم خوف فوت الذبيحة، ووجدان الحديد، ولكن مع فقد واحد من هذه الحالات يجوز بكلّ ما يهريق الدمّ، ويدّل عليه أخبار كثيرة([16]).

5ـ صحيحة زيد الشحّام قال: سألتُ أبا عبدالله× عن رجلٍ لم يكن بحضرته سكين أفيذبح بقصبة؟ قال: فقال: اذبَحْ بالحجر وبالعظم والقصبة والعود إذا لم تُصِبْ الحديد، إذا قطع الحلقوم وخرج الدمّ فلا بأس([17]).

6ـ صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال: سألتُ أبا إبراهيم× عن المروة والقصبة والعود يذبح بهنّ إذا لم يجدوا سكيناً؟ قال: إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك([18]).

7ـ صحيحة محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر×: الذبيحة بغير حديدة إذا اضطررتَ إليها، فإنْ لم تجد حديدة فاذبحها بحجر([19]).

8ـ صحيحة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله× أنّه قال: لا بأس بأنْ تأكل ما ذبح بحجرٍ، إذا لم تجد حديدة([20]).

9ـ في قرب الإسناد عن عليّ× أنّه كان يقول: لا بأس بذبيحة المروة والعود وأشباهها، ما خلا السنّ والعظم([21]).

10ـ زيد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ× قال: أتى إلى رسول الله| راعٍ بأرنب مشويّة، قال: فقال رسول الله|، حيث أتاه: أهديّة أم صدقة؟… قال: يا رسول الله، فإنّي أرعى غنم أهلي، فتكون العارضة أخاف أن تفوتني بنفسها، وليست معي مدية، أفأذبح بسنّي؟ قال: لا، قال: فبظفري؟ قال: لا، قال: فبعظمٍ؟ قال: لا، فبعودٍ؟ قال: لا، قال: فبِمَ يا رسول الله؟ قال بالمروة، والحجرين تضرب أحدهما على الأخرى، فإنْ فرى فكُلْ، وإنْ لم يَفْرِ فلا تأكل، فقال الراعي: يا رسول الله|، إنّي أرمي بالسهم…([22]).

أقول: إنْ ثبت إسناد هذا الكتاب إلى زيد بن عليّ× بطريقٍ صحيح فالخبر يصبح صحيحاً، وإلاّ نحسبه مرسلاً. وعلى أيّة حال صدر هذا الخبر يدلّ على حلّيّة لحم الأرنب. وذيله يدلّ على عدم جواز الذبح بالسنّ والظفر المتَّصلين، لعلّه لأجل عدم كونه ذبحاً، بل افتراس. والمنع عن الذبح بالعود لعلّه لعدم حدّة العود وإخراج الدم. وذيله كسائر أخبارنا وأخبار أهل السنّة يدلّ على الحلّيّة بما يفري الأوداج، ولو كان ما يفري به الحجران يضرب أحدهما على الآخر حتّى يفري.

11ـ عن رافع بن خديجة أنّه قال لرسول الله|: إنّا لنرجو أو نخشى أن نلقى العدوّ وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب؟ فقال رسول الله|: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه، إلاّ السنّ والظفر([23]).

12ـ في صحيح مسلم: إنّا لاقو العدوّ غداً، وليست معنا مُدى؟ قال|: أَعْجِل أو أَرِني ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكُلْ، ليس السنّ والظفر، وسأحدِّثك؛ أمّا السنّ فعظمٌ؛ وأمّا الظفر فمدى الحبشة([24]).

أقول: لم يظهر لي لِمَ علَّق سؤاله على ملاقاة العدو وفقدان المُدى، مع أنّ الإنسان حين ملاقاة العدوّ له سيف يمكن أن يذبح به؟ وأيضاً لا ربط بين ملاقاة العدو والذبح؟ وأجد في شرح النووي لصحيح مسلم شيئاً يحلّ مشكلتي، فعجالةً يمكن أن يقال: في الحرب كانت بعض الخيول والجمال والبغال وغيرها تُجرح وتُترك، فالمسلمون كانوا يذبحونها؛ كي يستفيدوا من لحمها، وبعد الفتح والنصر كانوا يتركون السيف ويبدؤون بجمع الغنائم، فحينئذٍ لم يكن عندهم مُدىً، وكانوا يجدون حيواناً جريحاً، والسؤال وقع عن مثل هذا المورد، فتدبَّرْ.

13ـ عن عديّ بن حاتم قال: قلتُ: يا رسول الله|، إنّ أحدنا إذا أصاب صيداً وليس معه شفرة أيذكّي بمروة أو شقّة العصا؟ قال: أَمْرِر الدم بما شئت، واذكر اسم الله عزّ وجلّ([25]).

أقول: هذا الخبر عندهم مستفيضٌ، نقلوه بطرق مختلفة عن عديّ بن حاتم، ولكنّ جواب المنقول عن رسول الله| في كلّ الطرق واحد.

14ـ عبدالله بن عمر، عن أبيه أخبره أنّ جاريةً لهم كانت ترعى بسلع، فرأتْ شاةً من غنمها بها موت، فكسرتْ حَجَراً فذبحتها به، فقال لأهله: لا تأكلوا منها حتى آتي النبيّ| فأسأله ـ أو قال: أُرسل إليه مَنْ يسأله ـ، فأتى النبيّ|، فسأله عن ذلك ـ أو رسوله ـ، فقال: يا نبيّ الله|، إنّ جارية لنا كانت ترعى بسلع، فأبصرتْ شاةً من غنمها بها موت، فكسرت حَجَراً فذبحتها به، فأمره النبيّ| بأكلها([26]).

15ـ عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني حارثة، أنّه كان يرعى لقحة بشعب من شعاب أُحُد، فأخذها الموت، فلم يجدْ شيئاً ينحرها به، فأخذ وتداً، فوجأ به في لبّتها، حتّى أهريق دمها، ثم جاء إلى النبيّ|، فأخبره بذلك، فأمره بأكلها([27]).

16ـ أقول: ومثله خبر آخر عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ، أنّ ناقة كانت لرجل من الأنصار في جبل أُحُد، فعرض لها، فنحرها بوتدٍ، فسأل النبيّ| عن أكلها، فأمره بأكلها. والظاهر اتّحاده مع الخبر السابق([28]).

ونقل في السنن الكبرى، بعد ذكر الخبرَيْن، عن جرير بن حازم أنّ الوتد كان من الخشب، لا من الحديد. وذكر خبراً آخر مضمونه أنّ كلّ شيء أفرى الأوداج، من عود أو حجر، بعد أن يفريها فهو ذكيّ. ولم أنقلها بلفظها؛ لأنّ فيها ألفاظاً غريبةً يطول شرحها.

17ـ في سنن ابن ماجة عن محمّد بن صفوان أنّه مرّ على النبيّ| بأرنبَيْن مُعَلِّقهما، فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت هذين الأرنبين، فلم أجد حديدةً أذكّيهما بها، فذكّيتهما بمروةٍ، أَفَآكُل؟ قال: كُلْ([29]).

أقول: دلالة الخبر على حلّيّة الأرنب أوضح من دلالته على شرطيّة الحديد، ولهذا ذكره في باب الأرنب، دون باب آلة التذكية. ولهذا الأخذ به مشكل جدّاً.

وهناك أخبار أُخر تُراجع في كنز العمال 6: 260 ـ 265.

18ـ عن شدّاد بن أوس، قال: حفظتُ من رسول الله| خصلتين، قال: إنْ الله تبارك وتعالى كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته وليُرِحْ ذبيحته([30]).

19ـ عن سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، قال: أمر رسول الله| بحدّ الشفار، وأن توارى عن البهائم، ثم قال: إذا ذبح أحدكم فليُجْهِز([31]).

 

طريق الجمع بين الأخبار

إلى هنا ذكر تسعة عشر خبراً؛ تسعة من طرقنا؛ وواحد من الزيديّة؛ وسائرها من أهل السنّة.

أمّا التي هي من طرقنا فأربعةٌ منها تدلّ على لزوم أن يكون الذبح بالحديد، والخمسة الأخر كانت تدلّ على جواز الذبح بغير حديدة في حال الضرورة أو خوف فوت الذبيحة.

قال الشهيد الثاني: المعتبر عندنا في الآلة التي يذكَّى بها أن تكون من حديد، فلا يجزي غيره مع القدرة عليه، وإنْ كان من المعادن المنطبعة، كالنحاس والرصاص والذهب وغيرها، ويجوز مع تعذُّرها والاضطرار إلى التذكية ما فرى الأعضاء من المحدَّدات، ولو من خشب أو لَيطة ـ وهي القشر الظاهر من القصبة ـ أو مروة ـ وهي الحجر الحادّ الذي يقدح النار ـ أو غير ذلك، عدا السنّ والظفر؛ إجماعاً، وفيها قولان.

أمّا عدم إجزاء غير الحديد مع القدرة عليه فدلّ عليه أخبار كثيرة منها… وأمّا إجزاء غير الحديد عند الضرورة فيدلّ عليه رواية عديّ بن حاتم…([32]).

أقول: أمّا الآلة فسيأتي بحثه، وسيظهر أنّ الحديد يمكن أن لا يكون اسماً لفلزٍ خاصّ، بل يحتمل أن يكون هو شيء له الحِدّة. ولو سُلِّم أنه اسمٌ خاصّ فله ثلاث استعمالات؛ فمرّة يستعمله أهل الكيمياء في مقابل الألمينيوم مثلاً؛ وأخرى يستعمله العرف في مقابل النحاس والرصاص؛ وثالثة يستعمله العرف في مقابل الحجر والخشب، فحينئذٍ يشمل النحاس والرصاص. وهذا هو الذي في الأخبار.

وأمّا قوله إجماعاً فمعتمد الإجماع فيه هو «عدا السنّ والظفر»؛ بدليل قوله: «وفيهما قولان»، فيدلّ على أنّ في ما عدا السنّ والظفر قولٌ واحد، وهو الذي فصّله بين القدرة على الحديد وعدمها. فيظهر منها أنّ هذا التفصيل إجماعيّ. كما أن قوله: «المعتبر عندنا» أيضاً يشعر بالإجماع. وأشار صاحب الجواهر إلى هذا، دون الأوّل، بقوله: بل في المسالك: «عندنا»، مشعراً بدعوى الإجماع عليه([33]).

وكيف كان فالإجماع مدركيّ، ومرتبطٌ بفهمهم لمعنى الحديد، ولم يكن شيئاً ورد فيه نصّ أو تصريح لم يصل إلينا، بل إنّهم كانوا يفهمون من الحديد ما يقابل النحاس والصفر. وسيأتي التصريح بالمدركيّة في عبارة (كشف اللثام).

وأمّا التفصيل بين القدرة على الحديد وعدمها فهو أحد وجوه الجمع بين الأخبار. ويمكن أن نجد وجوهاً أخرى، كما سيأتي. وفي (الرياض) في ذيل قول المصنِّف: «لا تصحّ إلاّ بالحديد مع القدرة عليه» قال: فلا يجزي غيره، وإنْ كان من المعادن المنطبعة، كالنحاس و…، بلا خلاف بيننا، بل في ظاهر المسالك وغيره أنّ عليه إجماعَنا، وهو الحجّة، مضافاً إلى أصالة الحرمة، مع اختصاص الإطلاقات كتاباً وسنّة بحكم التبادر والغلبة بالحديدة، مع أنّها واردةٌ لبيان أحكام أخر غير حكم الآلة. والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة…. وفي ذيل قوله: «ويجوز بغيره ممّا يفري الأوداج عند الضرورة» قال: بالاضطرار إلى الأكل، أو الخوف من فوت الذبيحة([34]).

أقول: الوجه الذي ذكر لجمع الأخبار قريبٌ لما ذكر الشهيد في (المسالك)، وسرد أدلّة ثلاثة لعدم الصحّة بغير الحديد من المعادن المنطبعة: أوّلها: الإجماع؛ ثانيها: أصالة الحرمة؛ ثالثها: الأخبار.

أقول: الإجماع مدركيّ، والأصل دليلٌ حيث لا دليل، فإنْ وجدنا أدلّةً أو إطلاقاً دلّت على الصحّة بغير الحديد فلا يبقى مجال للأصل.

الهوامش:

(*) باحثٌ وأستاذ الدراسات العليا في الحوزة العلميّة في إصفهان، وعضو الهيئة العلميّة لجامة آزاد ـ نجف آباد.

([1]) تحرير الوسيلة: 2: 146 مؤسسة إسماعيليان.

([2]) الجوامع الفقهيّة، المقنع: 34.

([3]) الجوامع الفقهيّة، الغنية: 556.

([4]) الجوامع الفقهيّة، النهاية: 374.

([5]) المبسوط 6: 263.

([6]) شرائع الإسلام 3: 204.

([7]) مسالك الأفهام 2:226.

([8]) كشف اللثام (شرح للقواعد). فالمتن يكون للعلاّمة الحلّي، والشرح لبهاء الدين محمّد بن الحسن، الملقَّب بالفاضل الهنديّ.

([9]) كشف اللثام 2: 258.

([10]) المغني والشرح الكبير 11: 43.

([11]) كشف اللثام 2: 258.

([12]) الأمّ 2: 236.

([13]) الكافي 6: 227؛ وسائل الشيعة 16: 307، الباب 1 من أبواب الذبائح؛ تهذيب الأحكام 9: 51.

([14]) المصدر نفسه.

([15]) المصدر نفسه.

([16]) المصدر نفسه.

([17]) تهذيب الأحكام 9: 51، 213؛ وسائل الشيعة 16: 308، الباب 2 من أبواب الذبائح؛ الكافي 6: 228.

([18]) المصدر نفسه.

([19]) الكافي 6: 228؛ تهذيب الأحكام 9: 52؛ وسائل الشيعة 16: 309، الباب 2 من أبواب الذبائح.

([20]) من لا يحضره الفقيه 3: 326؛ وسائل الشيعة 16: 308.

([21]) وسائل الشيعة 16: 309.

([22]) مسند الإمام زيد: 223 (دار الكتب العلميّة، بيروت).

([23]) البيهقيّ، السنن الكبرى 9: 281.

([24]) صحيح مسلم (مع شرح النوويّ) 13: 123.

([25]) السنن الكبرى 9 : 281.

([26]) المصدر نفسه.

([27]) المصدر نفسه.

([28]) المصدر نفسه.

([29]) سنن ابن ماجة 2: 1080، باب 17 من أبواب الصيد، ح3244.

([30]) السنن الكبرى 9: 280.

([31]) المصدر نفسه.

([32]) مسالك الأفهام 2: 226.

([33]) جواهر الكلام 36: 100.

([34]) رياض المسائل 2: 272.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً