أحدث المقالات

د. السيد صادق حقيقت(*)

ترجمة: السيد حسن الهاشمي

المدخل

إن من بين أهمّ الأبحاث الموجودة في الفلسفة السياسية هو أصل العدالة. ورُبَما أمكن القول: إن جميع فلاسفة السياسة قد تعرَّضوا لبحث العدالة بنحوٍ من الأنحاء. إن الجذور التاريخية لهذا البحث تمتدّ إلى الأفكار السياسية في العصر القديم إلى يومنا هذا. إن أهمّ مسألةٍ في بحث العدالة جعل العلاقات غير المتوازنة في المجتمع مسألةً يمكن الدفاع عنها. من الناحية الحقوقية يتمّ التعبير عن العدالة بالقرارات القانونية المنصفة. ومن زاوية الفلسفة السياسية تعتبر العدالة صفةً للمؤسسة الاجتماعية، دون الأفراد.

يقوم الأصل الأوّلي على وجوب تنظيم الحقوق بين الأفراد في المجتمع بنحوٍ ما. وبعبارةٍ أخرى: بعد إثبات ضرورة بناء المجتمع، ودخول الفرد بوصفه واحداً من أعضاء هذا المجتمع، يجب القبول بتوزيع الثروة والسلطة بين الناس بنحوٍ من الأنحاء. إن البحث في ما هي المنظومة الاقتصادية والاجتماعية؟ أو ما هي المؤسّسة والقانون العادل أو غير العادل؟ يستدعي بحثاً عميقاً في مجال الفلسفة السياسية. وهناك إجابات مختلفة عن هذا السؤال من قِبَل كلٍّ من: أرسطو([1])، والقديس أوغسطين([2])، وإيمانوئيل كانط([3])، وكارل ماركس([4])، وجون رولس([5])، ويورغن هابرماس([6])، في أبحاث الفلسفة السياسية، ويمكن التدقيق في علل وأسباب الاتجاه الذي يسلكه كلّ واحد من المفكِّرين في اختياره تعريفاً مختلفاً عن العدالة.

كما توجد هناك اتجاهاتٌ مختلفة في تعريف وتفسير العدالة أيضاً، ومن أهمّها: الاحترام الدقيق للشخص وحقوقه([7])، وإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقَّه، والمساواة في النِّعَم الطبيعية والإمكانات الاجتماعية، والمساواة بين الأفراد بما يتناسب مع العمل والاستعداد، والمساواة في الاستفادة من الإمكانات الأوّلية، والمساواة في الاستهلاك.

يمكن طرح بحث العدالة في مجال مباحث فلسفة السياسة. كانت «العلوم السياسية» حتّى القرن التاسع عشر الميلادي تمثِّل عبارةً عامّة تشمل حتّى الفلسفة السياسية أيضاً. في علم السياسة يكون مبنى الاستدلال شكلاً علمياً، ويتغذّى على أساليب العلوم التجريبية. وفي الفلسفة السياسية يكون لمبنى الأبحاث شكلٌ عقليّ. إن الفيلسوف السياسي يتصوّر وقائع مستقبل المجتمعات في إطار الزمن الراهن بشكلٍ عقليّ، ويعطي رأيه في أفضلية نظام بعينه. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن هيجل([8]) لا يستنتج الدولة المطلقة على أساس خطوات محدّدة في العلوم التجريبية، وإنما على أساس مسارٍ عقلاني.

من بين أهمّ المسائل التي يمكن إخضاعها للبحث والتحقيق في الفلسفة السياسية يمكن الإشارة إلى بحث العدالة، وفهم ظاهرة الدولة، والارتباط بين الفرد والمجتمع، وكيفية أداء الحكّام، وتوزيع أو احتكار السلطة والثروة، وأسس المشروعية. إن الخوض في هذا النوع من المسائل يتحقّق عند هيجل وأفلاطون([9]) من الطريق القياسي والعقلي، وعند رولس بطريقةٍ فردية وغير قياسية. ومنذ أن أثبتت الأساليب العلمية والكمّية تأثيرها في العلوم الإنسانية والعلوم السياسية تمّ الفصل والتفكيك بين القضايا الأخلاقية والتجريبية على أساس الأصول الثمانية للثورة السلوكية. وفي هذه المرحلة وصلت الفلسفة السياسية إلى أدنى مستوياتها، وفقدت اعتبارها عند المختصّين في علم السياسة. في الثورة ما بعد السلوكية، التي بدأت منذ عام 1968م، ظهر اهتمامٌ جديد بالفلسفة السياسية، والعمل على إحيائها مجدّداً. وفي مثل هذه الشرائط تكتسب «نظرية العدالة» لجون رولس مكانتها الخاصّة. وقد تمكن من إحياء الفلسفة السياسية في القرن العشرين بشكلٍ لائق.

لا يمكن تفسير العدالة وأصولها في مجال الفلسفة السياسية دون امتلاك رؤيةٍ واضحة وصحيحة بشأن المفاهيم المماثلة، من قبيل: الحرّية، والمساواة، واللوجوس([10])، والفضيلة المدنية، والمصلحة العامة. إن هذه المسائل ترتبط فيما بينها ارتباطاً عضوياً، وإنْ كان من الممكن أن يكون لبيان أحدها أولويّةٌ وتقدُّمٌ ذاتيّ على الآخر.

في هذه الدراسة ستكون لدينا في الوقت الراهن جولةٌ عابرة على تطوُّر مفهوم ومفاد العدالة في المرحلة الكلاسيكية، والعصور الوسطى، وعصر النهضة، وعصر التنوير، والقرن العشرين، لنعمل بعد ذلك على بيان موضوعنا الأصلي، وهو أصول العدالة من وجهة نظر جون رولس، ونعمل على نقده بشكلٍ إجمالي.

أـ المسار التاريخي لبحث العدالة

العدالة في الفكر السياسي التقليدي

يعود اهتمامنا بالفكر السياسي التقليدي وما بعده ـ ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين ـ أوّلاً: إلى أن الكثير من المشاكل المعاصرة، ولا سيَّما تلك الكامنة في الفلسفة السياسية إنما تعود إلى تلك الحقبة، وإن التعرّف على مسار تطوّر ومساحة بحثٍ ما يمكنه أن يأخذ بأيدينا إلى التعرّف على حقائق جديدة.

وثانياً: إن فهم النظريات الجديدة رهنٌ بالفهم الصحيح للفكر الكلاسيكي. وبعبارةٍ أخرى: ليس هناك من طريق أمام فهم النظريات الجديدة إلاّ من خلال دراسة وإدراك الفلسفة الكلاسيكية. يذهب وليام تي بلوم([11]) ـ في ما يتعلَّق بتأليف كتب مثل: «نظريات النظام السياسي» ـ إلى القول: «إن دراسة التراث القديم والكتب الكلاسيكية تساعد على فهم النظريات السياسية المعاصرة، ويمكن للباحث من خلال الرجوع إلى الفلسفة الكلاسيكية أن يعثر على الكثير من الإرشادات الأخلاقية والسياسية. إن الغاية من دراسة التراث الكلاسيكي ليست هي العودة إلى الحقيقة الفلسفية والتقاليد الكلاسيكية، بل هي العثور على جذور الحقيقة في الفلسفة التقليدية والفلسفة المعاصرة. إن الفلسفات تدّعي امتلاكها لكامل الحقيقة ـ وهو أمرٌ مجانب للصواب ـ، ولكنْ كلُّ فلسفةٍ ـ على كلّ حالٍ ـ تعكس لنا جانباً من الحقيقة»([12]).

وعلى أيّ حال فإن هذه الأسباب هي التي تدعونا إلى طرح مسار تطوُّر مفهوم العدالة ـ بوصفه واحداً من أهمّ مفاهيم الفلسفة السياسية ـ بشكلٍ عابر.

إن العدالة من وجهة نظر أفلاطون عبارةٌ عن الاستعدادات المنسجمة والمتناغمة، والأصول، والمعتقدات الأخلاقية، والفضيلة الإنسانية، والربط بين أواصر الدول. إنه يقول: إن القوة والسلطة تلعب دَوْراً أهمّ من العدالة، ولكنْ ما هو قائمٌ هو وجوب أخذ «الحسن في المجموع» بنظر الاعتبار. إن العدالة تقتضي أن يكون الحكم للفلاسفة، ويجب أن لا يُسْمَح لكلّ طبقةٍ بممارسة الحكم. يرى أفلاطون أن العدالة ترتبط بالنظم الاجتماعي ارتباطاً وثيقاً. يجب على الناس أن يتمكّنوا من إحداث تحوُّل في المؤسسات الاجتماعية، بحيث يتمّ تنظيم الحياة بشكلٍ جيّد ومنظَّم؛ من أجل إقرار السلم المدني والداخلي.

إن أفلاطون، في حوار منزل سيفالوس، في البداية يرى العدالة أمراً فردياً أو خصوصياً. ثم بعد بيان مواطن النقص في هذا النوع من التفكير، يتمّ عرض النظريات السفسطائية. يقول ثراسيماخوس: إن العدالة هي مطلب الأقوياء. فهو يتحدَّث عن الأخلاق العامة، دون الأخلاق الفردية، ويرى الأقوياء هم المسيطرون على مسارات المجتمع. إن أفلاطون يُشْكِل على التعريف السفسطائي، ويراه تعريفاً غائياً للحكم. يعمد أرسطو إلى تعريف العدالة من خلال الاستفادة من العلاقة بين المجتمع والفرد، وينقل البحث في الحقيقة إلى أنواع الحكومات([13]). إن العدالة الاجتماعية من وجهة نظر أفلاطون أن تقوم كلّ مؤسّسةٍ بمهامّها في المدينة الفاضلة، بتنسيقٍ متكامل مع الآخرين([14]).

ومن هنا يمكن لنا أن ندرك أن للعدالة عند أفلاطون حالةً محورية، وهي على صلةٍ بمفاهيم من قبيل: الحكومة الصالحة، وفضيلة ضبط النفس، والعقل والشجاعة. كما أنه يشرح حتّى العلاقة بين الحكومات من خلال أصل العدالة أيضاً.

إن العدالة عند أرسطو ـ كما هي عند أفلاطون ـ أمرٌ فطري ناشئ من الحسّ والإدراك المشترك. إن السفسطائيين لم يكونوا لينكروا ضرورة وجود العدالة والأصول الأخلاقية، بل كانوا يرفضون أن تستوجب استعلاء البشر. لقد عمد أرسطو إلى طرح العدالة التوزيعية في مقابل العدالة التبادلية. في العدالة التبادلية تكون المساواة الرياضية المطلقة هي الحاكمة، بحيث يمكن مبادلة كلّ واحد من طرفي المبادلة بشيءٍ ثالث. وفي العدالة التوزيعية([15]) تقوم الفرضية الأولى على عدم المساواة بين الناس في المسائل الاجتماعية والإمكانات. ومن هنا يمكن لنا أن ندرك أن الملاك الجوهري في العدالة هو الاستحقاق، وعليه فإن عدم المساواة هذا يُعَدّ أمراً بديهياً ومسلَّماً. إن العدالة التوزيعية ترتبط بمفهوم الندرة([16])، فحيث تكون المصادر في كلّ مجال محدودة، وكلّ شخص يحصل على استحقاق بمقدار استعداده، يجب علينا القبول بعدم المساواة. إن الخير السياسي عند أرسطو يطرح بوصفه كمالاً ومفهوماً للعلل الأربعة. إن محور الفكر عنده ـ كما هو عند أفلاطون ـ هو الدولة المدنية. وإن النظام الجمهوري من وجهة نظره يضمن أفضل أنواع النظم. يقول أرسطو على أساس فرضيته الطبقية: حيث لم يُخْلَق الناس متساوين فإن كلّ شخصٍ يندرج ضمن طبقة خاصّة. إن أرسطو كان يؤمن ـ مثل أفلاطون ـ بنظام الرقّ الأسري. لقد كان التفكير اللاتيني متأثِّراً بأرسطو إلى حدٍّ كبير، ومن ذلك فإن سيشرون ـ على سبيل المثال ـ آمن بالعدالة التوزيعية.

العدالة في العصور الوسطى

لقد كان القانون في العصور الوسطى مولوداً سماويّاً كلّي الوجود([17]). وحيث كان الملك يحكم على طبق القانون فإنه يكون محكوماً بحكم القانون. وسادت فرضية غلاسيان، المعروفة بمذهب السيفين، في القرن الرابع عشر الميلادي. ونالت الكنيسة استقلالها كنتيجةٍ لنزاع القرن الحادي عشر وأفكار أوغسطين. ويبدو أن الرؤية القائلة بأن السلطة السياسية الناشئة من السلطة الروحية قد ظهرت أول مرّة على يد أوتوريوس سنة 1123م([18]).

إن الأصول الثلاثة المنظورة للكاثوليكيين في هذه المرحلة هي:

1ـ إن كلّ سلطة إنما تنشأ عن الله.

2ـ يجب الفصل بين ما لله وما لقيصر.

3ـ وجوب التَّبَعية للحكام.

إن أوغسطين، من خلال شرحه لهذه الأصول الثلاثة، وبيان وظائف مدينة الله في الدنيا، يستنتج السلام والعدالة. لقد كان أوغسطين واقعياً، ويرى أن عدم العدالة لا محيص عنه. وكانت نتيجة هذا الكلام هي نسبية العدالة، والإفراط في الواقعية. فقد كان يفسِّر العدالة بأنها مطابقةٌ للنظم، وكان يؤمن بعدم إمكان إصدار أمرٍ خاصّ في مدينة الدنيا.

يقول بلوم: «إن أوغسطين يُنزل النظام المطلوب في هذا العالم إلى حدّ النظم المحدود بالنفعية. إن هذا النظام لا شأن له بالروح والمعنويات. يبدو أن أوغسطين قد بنى فرضيته على الظلم الفاحش من قِبَل الحكام، وهو بصدد الاستفادة من هذه السلطة لتحقيق المصالح. وإن واقعيته قد أدّت ـ على حدّ تعبير (راينهورد نيبور)([19]) ـ إلى التطرُّف، ولم يَعُدْ بالإمكان التفريق بين الدولة المشتركة المصالح وبين طغمة من قطّاع الطرق»([20]).

إن بلوم يرى أن واقعية راينهولد نيبور، ومورغنثاو([21])، وتامبسون([22])، وكيسنجر([23])، تأتي في إطار الواقعية الأوغسطينية([24]).

كان توما الأكويني([25]) يرى أن الدولة ـ مثل المجتمع ـ أمرٌ طبيعيّ. إن الدولة قائمةٌ بالفضيلة الأخلاقية ـ بالمفهوم الأرسطي ـ، وإن المفهوم الجوهري للعقل العملي هو الخير والصلاح. يمكن مشاهدة جذور الواقعية والنفعية في اكتشاف مفهوم العدالة في أفكار توما الأكويني؛ وذلك لأنه يقول: لا تكمن الأهمّية في مقدار جودة القانون، إنما المهمّ هو مقدار ما يحصل عليه القانون من الحظّ في التطبيق. لقد حدَّد الله أفضل نوعٍ للحكم، وهو النظام المَلَكي الذي يكون للناس دَوْرٌ فيه (المَلَكية الدستورية). وبشكلٍ عام يمكن القول: إن العدالة في العصور الوسطى كان يتمّ توجيهها من خلال القانون الطبيعي والوحي الإلهي.

 

العدالة في عصر النهضة

في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي ـ حيث بلغت سلطة البابا ذروتها، واشتدّ الخلاف بين الطبقة الأرستقراطية والبرلمان والكنيسة ـ عمد السلاطين إلى الاستفادة القصوى من أجل تعزيز فرضية الدولة الوطنية. وفي هذه المرحلة ظهرت التحوُّلات الأخير المتمثِّلة بانتعاش البرجوازية، وأفول الإقطاعية، وترسيخ الاشتراكية في الفكر الميكافيلي. تقوم الفرضية الأولى لميكافيلي([26]) على الأنانية المطلقة للإنسان. ومن هنا فإنه يرى ضرورة الاستبداد من أجل إقامة الحكم والدولة. وهو يرى أن التاريخ دَوْريّ، إلاّ أن الأقوياء يحقِّقون الانتصار مؤقَّتاً، ويخرقون ذلك الدَّوْر «على أساسٍ من الحظّ». وقد كان يرى خير المدينة الأرضية في القوّة والعظمة والرفاه المادي، وإذا تحدَّث عن «الفضيلة» فإنما يعني بذلك هذه الأمور.

إن العدالة في فكر ميكافيلي مرتبطةٌ بالفضيلة، بمعنى السلطة السياسية. إن الأخلاق عند ميكافيلي تنفصل عن السياسة، ويظهر على تعريف العدالة نوعٌ من النسبية. إن العدالة لا تشتمل على أصول محدّدة في عالم الواقع، بل إن المصالح والفضيلة هي التي تحدِّد كيفية العدالة. لا أهمّية لسخاء وأمانة وتديُّن الحاكم، بل يكفيه أن يتظاهر باتّصافه بهذه الصفات!

ومن بين المفكِّرين المتأثِّرين بميكافيلي يمكن لنا أن نسمّي كلاًّ من: باريتو([27])، وهوبز([28])، وموسكا([29])، وميشيلز([30])، والمفكِّرين في مدرسة شيكاغو. لم يكن ميكافيلي فيلسوفاً سياسياً، ولكنّه ترك تأثيراً كبيراً على الفلاسفة السياسيين وعلم السياسة.

العدالة في عصر التنوير

إن من بين أولى خصائص القرن السابع عشر الميلادي تحرُّر الفلسفة السياسية من الثيولوجيا. وفي هذه المرحلة حدث تطوّر في العلم بشكلٍ عامّ، وفي السياسة بشكلٍ خاص. ذهب غروتيوس([31]) ـ من خلال تأليفه كتاب «حقوق الحرب والسلم» ـ إلى الادّعاء بأن الحقوق الفردية تقوم على أساس الحقوق الطبيعية، ولكنْ حيث اختار الإنسان أن يعيش ضمن المجتمع فإن هذه الحقوق يتمّ تحديدها. إن الحقوق الدولية يجب أن تنفكّ بالمرّة عن الثيولوجيا. وبذلك يتمّ إعداد الظروف والشرائط لطرح نظرية العقد الاجتماعي. تتحوّل العدالة في هذه النظرية إلى أرضيّةٍ وبشريّة في حدود الإمكان.

اصطدم هوبز مع رجال الكنيسة عملياً، وكانت نتيجة عقده الاجتماعي الليبرالية الحديثة في إنجلترا، والفردية (والديمقراطية الغربية)، وحلول السلطة الحقوقية محلّ السلطة الإلهية والأخلاقية والطبيعية والدينية([32]). مع توماس هوبز انتقل المفهوم المحوري للفلسفة السياسية من «الفضيلة» إلى «الحرّية»، ولا يزال هذا الوضع باقياً على ما هو عليه حتّى الآن([33]). كان هوبز يرى في عدم الاتفاق على «الخير» و«الفضيلة» أصل الحروب في عصره. إن النزعة الطبيعية لدى جون لوك([34]) وجان جاك روسو([35]) أخفّ بكثيرٍ منها عند هوبز. يتحدَّث روسو عن مشاركة الشعب الحرّ على أساس الإرادة العامة. وكان يطرح مفهوم الفضيلة في إطار مفهوم الحرّية. وعلى كلّ حال فإن العدالة في هذه المرحلة لها تفسيرٌ بشري وأرضي، ولا تقوم على الحقوق الإلهية والطبيعية والدينية أبداً. إن العدالة ـ من وجهة نظر هوبز ـ عبارةٌ عن العمل بالالتزامات التي يرضخ لها الفرد استجابةً للمصلحة الشخصية. كما كان ديفد هيوم([36]) يرى العدالة في إطار ضمان المصالح المتبادلة.

يعمد كانط إلى طرح بحث الفضيلة باستدلالٍ أقوى. إن الإنسان الكانطي مطيعٌ للقانون والحقّ المطلق، ولا يمكن أن لا يكون مؤمناً. إن مثل هذا الإنسان يؤمن بالحياة مع الآخرين على أساس الاحترام المتبادل، ويطبِّق القانون حتّى على نفسه أيضاً. إن الأصل القاطع والأمري بالنسبة إلى كانط هو أنه يجب أن يكون هناك شيءٌ نؤمن بأنه هو الأرجح، بحيث لو كان هناك أيّ شخصٍ آخر في موضعي لتوصّل إلى نفس النتيجة. يرى كانط أن الأصول الأخلاقية موضوع الانتخاب العقلائي، ويقول: إن القانون والسلطة التشريعية ليست سوى الأصول الأخلاقية. وفي المجتمع يجب أن تكون الأصول الأخلاقية موضع اتفاقٍ من قِبَل الجميع. كما أن أصل المساواة والحرّية يجب أن تكون موضع اتّفاق جميع الناس، أو أن تحظى باحترامهم في الحدّ الأدنى. إن العدالة الكانطية مفهومٌ يتوصَّل إليه الإنسان بوصفه كائناً عقلانياً، وليس لها صبغة إلهية وسماوية.

في المجتمع الذي يرسمه جان جاك روسو لا يزال هناك وجودٌ لعدم المساواة، الأمر الذي يجعلنا نشعر بأن المجتمع قد أخفق في تلبية مصالح الناس على المدى البعيد: «إنه [أي: الثريّ الذي يسعى إلى الاحتيال على الضعفاء] كان يقول: تعالوا ندعم الضعفاء في مواجهة الظلم.، ونقف بوجه الطامعين، ونحافظ على أموال وممتلكات الأشخاص. تعالوا نضع قواعد الصلح والسلام، ونجعل الجميع ـ دون استثناء ـ تابعين للقوانين التي تعمل ـ إلى حدٍّ ما ـ على التقليل من مفاسد الثروة، وتعمل على تعديلها»([37]).

ثم استطرد روسو يقول: «إن الضعفاء قبلوا بذلك، وتطوَّعوا بأجمعهم، ووضعوا الأغلال على أقدامهم». ومن هنا فإن عدالة روسو مهما كانت جذّابة، إلاّ أنها على المستوى العملي لم تُرْضِ حتّى روسو نفسه. وبطبيعة الحال لا يمكن أن ننكر أن نظرية العقد الاجتماعي التي وضعها روسو قد جعلت السلطات المطلقة دستوريةً على أيّ حالٍ، ورفعت من مستوى مشاركة الناس في الأمور السياسية والاجتماعية. إن الديمقراطية الأمريكية وفلاسفة، من أمثال: جون ديوي([38])، مدينون لجون لوك وجان جاك روسو.

الاشتراكية وأصل العدالة

إن أهمّ مسألة في البحث الراهن هي العلاقة بين الحرّية والمساواة. في الأنظمة الليبرالية والرأسمالية تطغى الحرّية على المساواة، في حين تكون كفّة المساواة في الاشتراكية والماركسية راجحةً على الحرّية.

إن الإنسان الماركسي كائنٌ نوعي. إن هذه الرؤية منسجمةٌ مع تفكير أفلاطون، وغير منسجمة مع «أصل الفردية» في عصر الحداثة. وفي هذا الإطار تبتعد الحرّية في التفكير الماركسي عن الحرّية الحداثوية. إن الإنسان؛ بوصفه كائناً حرّاً وكلّياً، يعتبر منتجاً مبدعاً وخلاّقاً، حيث يتّحد بشكلٍ منسجم من طريق العمل الخلاّق والحرّ مع الطبيعة، ومع سائر أبناء جلدته، ومع نفسه، وبذلك تكون الحياة المنتجة هي حياة الأنواع. إن الإنسان الغنيّ في هذا التفكير يمثِّل وحدةً إنسانية. إن نفي النفي يعني العبور والانتقال من الملكية الجماعية والاشتراكية إلى شكلٍ جديد للمنظمة الاجتماعية الاشتراكية في الكثرة والوفرة([39]). ولكنْ ما هو السبب الذي دعا كارل ماركس إلى الاعتراض على تقسيم الثروة على نحو ما هو سائد في البلدان الرأسمالية؟ لقد أجاب ماركس نفسه عن هذا السؤال من خلال هذا المقطع الساخر، قائلاً: «يمكن للنقود أن تزيل آثار القبح؛ إذ يمكن لي أن أشتري بنقودي ملكة جمال العالم. أنا شخصٌ أعرج، ولكنْ عندي من النقود ما يجعلني قادراً على شراء عشرات الأرجل والأطراف الصناعية، وعليه لا يمكن أن يكون بي عَرَجٌ! .. أنا رجل سيِّئ ووضيع وغير جدير بالثقة، وبالإضافة إلى ذلك أنا غبيّ جدّاً، ولكنّ النقود التي أمتلكها تجلب لي المكانة والشرف وحُسْن السمعة. وعليه ألا يمكن القول بأن النقود قد قلبت صفاتي السيّئة ونقاط ضعفي رأساً على عقب؟!»([40]).

وعليه إن العدالة من وجهة نظر الماركسيين مرتبطةٌ بتوزيع الثروة، ونفي الملكية، والتقدّم على الحرّية، وأصالة الكلّ. إذا أردنا استعمال الاشتراكية بمعناها العامّ([41])يمكن الحفاظ على التوزيع العادل للثروة، مع إلغاء الملكية بشكلها المطلق.

إن العدالة ـ طبقاً للاشتراكية العلميّة لبرودون([42]) ـ ليست مفهوماً مجرّداً، ولها وجودٌ في القانون والطبيعة والمجتمع. إن العدالة الاشتراكية تقع في مقابل العدالة التوزيعية التي كانت مطروحةً منذ عصر أرسطو فصاعداً. إن الفرضية الأولى في العدالة التوزيعية تقوم على عدم المساواة في الطاقات والاستحقاقات. ونتيجة هذا الافتراض تقبُّل عدم المساواة في التوزيع.

الاشتراكية ـ الديمقراطية والعدالة

تسعى الاشتراكية ـ الديمقراطية إلى حلّ التضادّ القائم بين الحرّية والمساواة من خلال التقاط الرأسمالية والاشتراكية. ومن هنا فإنها تؤكّد على الديمقراطية في جميع المجالات، وفي الوقت نفسه تضع بعض الآليّات من أجل ضمان التوزيع العادل للثروات، من قبيل: فرض الضرائب على الأرباح، وتوفير الحدّ الأدنى من المعيشة لعامة الناس. وفي الحقيقة إن الاشتراكية في هذا المذهب ترتبط بالاقتصاد، والديمقراطية ترتبط بالسياسة. إن الاشتراكية ـ الديمقراطية قد تمّ القبول بها في الدول الإسكندينافية ضمن إطارٍ مفهوميّ خاصّ. «إن السويد بواسطة امتلاكها للنظام الاشتراكي ـ الرأسمالي قد صادقت على إلغاء النظام الرأسمالي»([43]). كما نشاهد هذه الاتجاهات لدى الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في البلدان الغربية أيضاً.

«إن الاشتراكية الديمقراطية تمثِّل نوعاً من النهضة في الماركسية، كما تشتمل على تجلّيات من الأفكار الديمقراطية أيضاً. ويمكن اعتبار نظام الضرائب المرتبطة بالتجارة والصناعة ضامناً لتطبيق العدالة. يمكن لدولة الرفاه أن تحمل معها التوزيع المجدّد، ولكنّها لا تضمن المساواة. إن اقتصاد الدول الإسكندينافية خليطٌ من الرأسمالية والاقتصاد الوطني. وبطبيعة الحال فإن الغلبة فيه لأصل المساواة وتوزيع الثروة»([44]).

وبطبيعة الحال إن الاشتراكية والاشتراكية ـ الديمقراطية تشتمل على إبهامٍ خاصّ: «لو أردنا تعريف الاشتراكية بالنظرية السياسية التي تهدف إلى امتلاك أو إشراف المجتمع على وسائل الإنتاج أو الثروة والأرض وما إلى ذلك، وإدارتها لمصلحة عامّة الناس، فإن الكثير من الأنظمة الاشتراكية لن تكون مشمولةً لهذا التعريف. ليس بالإمكان تقديم تعريفٍ واحد للاشتراكية. إن أهمّ عنصر في الاشتراكية هو تقديم المصالح العامة على مصالح الفرد. إن الاشتراكية ـ الديمقراطية تجنح نحو تأميم الصناعات الحيوية، ولا تعارض الملكية الخاصّة في المجالات الأخرى»([45]).

في النظام الرأسمالي أصبحت الفواصل الطبقية، واعتماد عددٍ من الناس في حياتهم على تحصيل الأجور اليومية، وسيادة رؤوس الأموال، وسيطرة الرأسماليين على الشؤون السياسية، أمراً بنيوياً. إن العدالة الاقتصادية في مثل هذه الأنظمة غير مضمونة، ويمكن للفواصل الطبقية أن تستمرّ إلى ما لا نهاية. إلاّ أن النظام الاقتصادي في السويد ـ بوصفه واحداً من أنجح الأنظمة الاشتراكية الديمقراطية ـ قد تمكَّن من التغلُّب على هذه المشكلة. وإن الأداتين الهامّتين في اقتصاد هذا البلد عبارةٌ عن: الضرائب التصاعدية؛ والضمان الاجتماعي للناس.

ب ـ أصول العدالة عند جون رولس

قمنا حتّى الآن بجولةٍ عابرة على تحوُّل مفهوم وأصل العدالة منذ العصر الكلاسيكي وصولاً إلى القرن العشرين. لقد عمد جون رولس ـ بوصفه باعث الفلسفة السياسية في النصف الثاني من القرن العشرين ـ إلى تقديم أفضل بحث تفصيلي حول العدالة، في كتابٍ له يحمل عنوان: «نظرية العدالة»([46]). وقد قام في كلماته، التي ألقاها على مدى ما يزيد على عقد من الزمن (منذ عام 1978 إلى عام 1989م) ـ والتي طُبعت عام 1993م في كتابٍ بعنوان: «الليبرالية السياسية»([47]) ـ، إلى الإقرار بأنه أجرى الكثير من التعديلات على آرائه السابقة.

يعتبر جون رولس ـ الأستاذ في جامعة هارفارد ـ من أكبر المنظِّرين في هذا القرن. وقد تحدَّث روبير دال([48]) عنه قائلاً: لقد تمكّن رولس من اكتشاف نقطة ارتكاز أرخميدس([49]) في ما يتعلَّق بالعدالة والفلسفة السياسية.

إن كتاب «فلاسفة السياسة المعاصرون»([50]) قد اعتبر بحقٍّ نظرية رولس حول العدالة معقّدةً وعظيمة وسلطوية. في عام 1972م صدحت شهرة رولس في العالم، حتّى رفعه البعض إلى مستوى أفلاطون وكانط. وقامت مجلة نيويورك تايمز الأسبوعية بتعريف كتابه بوصفه واحداً من أهمّ خمسة كتب في عام 1972م([51]).

أهمّية «نظرية العدالة» عند رولس

لقد عملت الثورة السلوكية والأصول الثمانية السلوكية([52]) في أواسط القرن العشرين على تقوية علم السياسة في مقابل الفلسفة السياسية، وعملت على تسرية أساليب العلوم التجريبية إلى العلوم الإنسانية. إن الفلسفة السياسية، التي كانت تواجه على الدوام قضايا متناغمة، أخذت تواجه أفولاً وانهياراً خاصّاً في هذه المرحلة. وعادت الحياة إلى الفلسفة السياسية من جديدٍ في مرحلة ما بعد السلوكية ـ التي بدأت بالتزامن مع خطاب (ديفيد إيستون)([53]) في مؤسّسة العلوم السياسية تقريباً ـ سنة 1968م.

يُعَدّ جون رولس من أهمّ العلماء الذين عملوا على إحياء نظرية العدالة والفلسفة السياسية في هذه المرحلة. إن كتابه «نظرية العدالة»، الذي سبق له أن صدر على شكل مقالاتٍ متفرّقة، طبع عام 1972م، وذهبت مجلة نيويورك تايمز الأسبوعية إلى القول بأن اللوازم السياسية لهذه الكتاب سيكون لها تأثيرٌ بالغ على حياتنا. إن هذا الكتاب يهدف إلى تقديم أساسٍ منسجم لمفهوم العدالة. إن المفاهيم الجديدة المطروحة في هذا الكتاب تقف بشكلٍ صريح إلى الضدّ من (مذهب المنفعة)([54]) لـ (جيريمي بينثام)([55]).

يقول روبرت دال: فور صدور كتاب «نظرية العدالة» أُضْفِيَ عليه عنوان أساس الفلسفة السياسية. لقد توفّرت لديه نقطة انطلاقة جيّدة للبحث. كان أرخميدس يقول: قدّموا لي عتلة طويلة إلى ما لا نهاية، على أن تكون لها نقطة ارتكاز صحيحة، وسوف أحرِّك لكم العالم. وقد عثر رولس على نقطة ارتكاز أرخميدس؛ ليضع عليها عتلة الفلسفة السياسية([56]).

لكي ندرك مدى أهمّية كتاب رولس يمكن لنا ملاحظة أوضاع الفلسفة السياسية في القرن العشرين الميلادي. فحتّى النصف الأول من القرن العشرين وبداية النصف الثاني منه لم تكن هناك فلسفةٌ سياسية أو نظرية سياسية بالمعنى المعاصر (البحث والتحقيق حول المفاهيم والنظريات السياسية)، وما كان يطلق عليه مصطلح النظرية أو الفلسفة السياسية إنما كان يُراد منه شرح ونقد آراء فلاسفة السياسة منذ عصر السفسطائيين إلى بداية القرن العشرين الميلادي. لقد كانت الفلسفة السياسية في هذه المرحلة معياريةً إلى حدٍّ كبير، وكانت تجيب عن الأسئلة المتعلِّقة بأهداف الحكومات والدول، وآليات الوصول إلى هذه الأهداف. إن الأصول التي تمّ التعريف بها في إطار «الضرورات» و«المحظورات» الأخلاقية بوصفها من المرجعيات هي على الترتيب التالي:

1ـ الوحي الإلهي، من قبيل: الوصايا العشر التي نزلت على النبيّ موسى×.

2ـ الوحي الإلهيّ بشكلٍ غير مباشر، من قبيل: التوراة والإنجيل وأمثالهما.

3ـ الوعي الذي يتمّ الحصول عليه بسبب الاتّحاد الخفيّ مع الكون في حالة استثنائية (من قبيل: المكاشفة).

4ـ الحدس (الشهود) العقلاني.

5ـ المشاعر والأحاسيس([57]).

6ـ التجارب الشخصية أو العامة.

7ـ العقل البشري السليم([58]).

8ـ العقل.

حيث يمكن أن يستند الحكم الأخلاقي إلى واحدٍ من المصادر والمراجع المتقدّمة قد يكون إقناع المخالفين أمراً مستحيلاً أو مستغرباً.

لقد عمد رولس ـ بالالتفات إلى شيوع النزعة التجريبية في العلوم الإنسانية، ولا سيَّما في عقد الخمسينات والستّينات من القرن العشرين ـ إلى تقديم المنهج العقلي والإقناعي؛ من أجل العثور على أصول العدالة في الفلسفة السياسية. وإن الركائز الثلاثة الهامّة في كتابه عبارةٌ عن:

1ـ إثبات الأصول الأخلاقية، والردّ على مذهب المنفعة.

2ـ تقديم منهج للوصول إلى أصول العدالة.

3ـ تقديم أصلٍ عامّ وأصليّ العدالة، بوصفهما تفكيراً حديثاً في الفلسفة السياسية.

قال الفيلسوف السياسي (جون تشابمن) في صحيفة سياسية تصدر في الولايات الأمريكية المتحدة: «إن نظرية العدالة لرويس تُعَدّ نتاجاً من الدرجة الأولى؛ إذ تكمن أهمّيتها في تناغمها مع الأصول الليبرالية المتمثِّلة بالحرّية والإخاء والمساواة. إن هذا الكتاب يمثِّل المعيار الأسمى لليبرالية. ويمكن القول: إن التشريع قد ظهر بيننا من جديد»([59]).

وعلى الرغم من أن كتاب جون رولس قد حظي بترحيبٍ واسع من الليبراليين، حتّى كانوا يتحدَّثون عنه بوصفه من أهمّ الكتب الليبرالية، بعد أعمال جون ستيوارت ميل([60])، بَيْدَ أن هذه النظرية تحتوي في الوقت نفسه ـ كما سنرى ـ على بعض العناصر الاشتراكية أيضاً.

منهج الوصول إلى «أصول العدالة»

لقد تعرَّض رولس في بداية الأمر إلى بيان كيفية تشكيل الهيئة الاجتماعية. في العقد الاجتماعي يمكن تصوُّر الأفراد بمعزلٍ عن القيود ذات الصلة. وليس المراد من ذلك أن تدوين واكتشاف أصول العدالة متقدِّم من الناحية الزمانية على العقد الاجتماعي. يتمّ افتراض الأفراد حين وضعهم في العقد الاجتماعي وكأنّهم ماكثون خلف حجابٍ من الجهل([61]). بالالتفات إلى خلوّ الذهن من قيود العقد الاجتماعي علينا أن نرى كيف نصل إلى أصول العدالة. إن الأصول التي يتمّ استخراجها بهذه الطريقة يتمّ تضمينها في صُلْب العقد الاجتماعي، وبذلك يتمّ الحفاظ على أصالة الفرد، كما يحصل الأفراد على علاقاتٍ طيّبة فيما بينهم([62]). إن التوافق الحاصل في هذه المرحلة يعتبر عادلاً، إنه يرفض جميع أنواع الأحكام القطعية قبل العقد الاجتماعي.

إن «الحالة الأولى» لرولس قد تمّ اتّخاذها من «الحالة الطبيعية لكانط، وهي حالةٌ افتراضية. وعلى هذا الأساس ليس هناك تقدّمٌ زماني في «الحالة الأولى»، وقد عمد رولس إلى نقل نموذج العقد الاجتماعي من بحث تأسيس المجتمع إلى بحث العدالة.

أصول العدالة

يذهب جون رولس إلى الاعتقاد بأن العقل في الحالة الأولى يمكنه أن يكتشف أصلاً عامّاً حول العدالة، بالإضافة إلى أصلين خاصين في هذا الباب:

أما الأصل العامّ للعدالة فهو: «إن جميع القِيَم الاجتماعية الأولى والأساسية (مثل: الحرّية، والمساواة في الإمكانات، والثروة، والمكاسب، ومباني احترام الذات) إما أن يتمّ توزيعها بشكلٍ متساوٍ؛ أو مراعاة مصالح الجميع ـ في الحدّ الأدنى ـ عند عدم وجود المساواة».

إن رولس ينكر «مصالح الجميع» على النحو الذي يراه النفعيّون. فهو ليبراليٌّ، ويقبل الحصول على المزيد من الربح للأفراد، كما يقبل عدم المساواة، شريطة اشتمال ذلك على ربحٍ متدارك لجميع الأشخاص، ولا سيَّما الطبقات المحرومة في المجتمع، بما يضمن تحسين أوضاعهم. كما أنه يضيف شرط الفُرَص المتكافئة أيضاً.

الأصل الأوّل في العدالة: يجب أن يحظى كلّ شخصٍ بحقٍّ متساوٍ في أوسع الحرّيات الأساسية التي لا تتنافى مع الحرّيات المماثلة للآخرين. إن هذا الأصل يضمن الحقوق الأصلية للمواطنين في النظام السياسي الليبرالي ـ الديمقراطي (أصل المساواة للأفراد في الحقوق والوظائف الأساسية).

الأصل الثاني في العدالة: يجب ترتيب عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية بحيث تشتمل على مصالح الجميع، وتضمن إمكانية الوصول إلى المناصب للجميع بشكلٍ واحد. إن هذا الأصل مغايرٌ لما عليه الواقع الراهن في العالم الغربي، إذ تطغى عليه الصيغة الاشتراكية على نحوٍ أكبر. ومن هذه الناحية تعرَّض رولس لانتقاد فون هايك([63]) وروبرت نوزيك([64]). لقد عرض رولس أصوله في العدالة من أجل تعديل أصل «عدم التدخُّل»([65]) ونظرية العدالة الطبيعية، وسعى إلى إزالة نقاط ضعف الليبرالية.

«إن الأصل الأول من العدالة يرتبط بالمساواة في تعيين الحقوق والتكاليف الأساسية، وأما الأصل الثاني فيرتبط بعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية. ومن ذلك مثلاً أن عدم المساواة في الثروة والسلطة إنما تكون عادلة إذا اشتملت على ضمانة التدارك لعددٍ من الناس، ولا سيَّما المحرومين في المجتمع… فإذا تمتَّع عددٌ بمصادر كبيرة، وتمّ بها إصلاح أوضاع المحرومين أيضاً، لا يكون هناك انعدامٌ للعدل في البين»([66]).

وبذلك يسعى رولس إلى التوفيق بين المساواة والحرّية والجدوائية الاقتصادية والملكية الخاصّة. لقد تمّ تقديم نظرية العدالة على أساس الأنظمة الديمقراطية القائمة على القانون، والتي تقوم ـ من الناحية الاقتصادية ـ على أساس السياسات النسبية في التوزيع. ولهذا السبب فإنه يُسمّي نظريته بـ «العدالة بمنزلة الإنصاف» أو «العدالة والإنصاف». إن هذه النظرية تمثِّل توجيهاً لدولة الرفاه، ولا تختلف عنها كلّياً. وقد ذكر رولس في هذا الشأن مثالاً قال فيه: لو أقَمْنا مقارنةً بين ثلاث حالات فإن الحالة الأنسب بالعقل وأصول العدالة ستكون هي تلك الأقرب، والتي يمكن لها الحفاظ على المساواة على أفضل نحوٍ ممكن([67]).

إن الرفاه في تزاحمٍ مع المساواة. وإن أفضل حالةٍ يمكن انتخابها من بين هذين الأمرين يكون فيها (س3) أقرب إلى أصول العدالة من (س1 وس2).

إن أدوات العدالة في المجتمع الليبرالي ـ الديمقراطي من وجهة نظر رولس عبارةٌ عن: إشراف الدولة على الاقتصاد الحرّ، وفرض الضرائب، وانتقال الأرباح، والاستخدام الكامل للمصادر، وتوزيع الثروات، وضمان الحدّ الأدنى من المعيشة، وتكافؤ الفُرَص (ومن بينها: التعليم العامّ)، والحدّ من تمركز السلطة([68]).

رولس و مذهب المنفعة ومذهب الحَدْسية([69]) (الشهودية)

يذهب رولس إلى الاعتقاد ـ مثل كانط ـ بأن القِيَم ذاتية، وأن كلّ فعلٍ يحظى في حدّ ذاته بقيمةٍ إيجابية أو سلبية، بمعزل عن النتائج والفوائد والأضرار المترتِّبة عليه. إن هذا الأصل يقف بشكلٍ صريح في مقابل مذهب المنفعة ومذهب الحَدْسية (الشهودية). لقد كان النفعيّون يقيِّمون كلّ فعلٍ وشيء بحَسَب النفع والضَّرَر المترتِّب عليه. وإن النفعيين التقليديين يؤكِّدون على ناتج المجموع الكلّي، بينما يذهب التقليديون المحدثون إلى التأكيد على الحدّ الوسط([70]).

يذهب أصحاب المذهب الحَدْسي (الشهودي) إلى الاعتقاد بعدم وجود ملاكٍ عام وكلّي لتحديد وتشخيص العدالة، وأن العدالة يجب الحصول عليها بواسطة الشهود الفردي. وقد اختار رولس هذا المصطلح لبيان المفهوم المتقدِّم.

يذهب أصحاب المذهب النفعي ـ في ما يتعلَّق بالعثور على «الحسن» ـ إلى الاعتقاد بضرورة أخذ معايير، من قبيل: الفرح، والمتعة، والربح، والرضا، بالحُسبان في مورد كل فعلٍ من الأفعال.

ويقول رولس في الردّ عليهم: إن بعض الأشياء صحيحةٌ، وإنْ لم تكن تنطوي على الربح أو الرضا الأكبر لأكثر عددٍ من الأفراد([71]). عندما تكون هناك حقوق طبيعية لا يمكن الإشكال عليها، يجب عدم اتباع معايير مذهب المنفعة. إن العدالة لا تعطي مثل هذا الحقّ الذي يقضي بالتضحية بحرّية بعضٍ من أجل توفير الرضا والسعادة لآخرين. إن الأرجحية المطلقة لبعض أصول العدالة أمرٌ حتميّ. لا يتمّ أخذ شيءٍ مستقلاًّ عن الحقّ بنظر الاعتبار، وإن الحقّ لا يتمّ تفسيره في إطار إيصال الحدّ الأقصى من النفع والمصلحة. إن التوازن الذي يأتي من وراء حجاب الجهل لا يمكن الإشكال عليه أو الخَدْشة فيه([72]).

إن الحقّ ـ من وجهة نظر رولس ـ مقدَّمٌ على الخير([73]). إن لتقدُّم الحقوق الفردية على الخيرات الاجتماعية ناحيةً أنطولوجية (وجودية) وناحيةً أبستيمولوجية (معرفية). وهناك ثلاثة اختلافات جوهرية بين الحقّ والخير:

1ـ إن الاتفاق بشأن أصول العدالة و«الحقّ» (في الوضعية الأولية) أمرٌ ممكن.

2ـ إن فهم الأشخاص في ما يتعلَّق بـ «الخير» العائد إلى كلّ واحدٍ منهم مختلف.

3ـ إن الحقّ وأصول العدالة تتعرَّض للمحدودية؛ بسببٍ من حجاب الجهل([74]).

رولس وكانط

يمكن تلخيص نقاط الاشتراك بين جون رولس وإيمانوئيل كانط.

ففي النقطة الأولى كان كلّ واحدٍ منهما يؤمن بالقيمة الذاتية للأشياء، في مقابل القائلين بمذهب المنفعة، والقائلين بالمذهب الحَدْسي (الشهودي).

وأما نقطة الاشتراك الثانية بينهما فتكمن في خوضهما في الفلسفة السياسية، في مقابل الأساليب السلوكية. كما أنهما ـ مثل هيجل ـ لا يدَّعيان إثبات شيءٍ على أساس الأصول العقلائية، بل يمكن الادّعاء أن ما تصوَّره وشاهده هيجل في إطار فلسفة التاريخ، وفلسفة الطبيعة، والروح المطلقة، ومفهوم الدولة، يعمل على إحالته إلى الآخرين. وإن أحد أسباب تعقيد فلسفة هيجل يكمن في هذه النقطة.

يعمل كانط ـ خلافاً لهيجل ـ على إثبات كلّ مسألةٍ بواسطة الأصول العقلائية أو المفروضة، وعلى أساس الأبحاث السابقة. يمكن مشاهدة مسار أسلوب كانط في الفلسفة (والفلسفة السياسية) في الفلسفة السياسية لجون رولس. يسعى رولس ـ من خلال ردّ مذهب المنفعة لستيوارت ميل وبينتهام ـ إلى إحياء الناحية الاجتماعية للأخلاق الوظيفية لكانط.

ونقطة الاشتراك الأخرى هي تشابه «الحالة الأولى» و«حجاب الجهل». يذهب رولس تَبَعاً لكانط ـ قبل العقد الاجتماعي ـ إلى تصوُّر حالةٍ أوّلية وطبيعية للأفراد، وفي هذه الحالة قد عمل على بيان أصول العدالة، وأدرجها ضمن العقد الاجتماعي.

إن أهمَّ نقطةٍ يشترك فيها رولس وهيجل تكمن في القول بالفردانية والحقوق الفردية. وإن المفهوم الأكثر جوهريةً في نظرية العدالة لرولس هو (الأفراد المتساوون والأحرار)([75]).

رولس وألان وويليام بلوم

لقد عمد ويليام بلوم ـ بعد ذكر هذه المسألة، وهي أن جون رولس في بيان الأصل الأوّل من العدالة كان أكثر نجاحاً منه في بيان الأصل الثاني ـ إلى القول: «كما أن المنتقدين المخالفين لنظرية العدالة بدَوْرهم ليسوا قليلين بطبيعة الحال. يعمد ألان بلوم إلى توجيه اللوم إلى رولس؛ لأنه لم يستطع الدفاع عن أصوله الأولى، ولا سيَّما فرض إمكان التعيين العقلاني للقِيَم. لم يتمكَّن رولس من أخذ النقد الماركسي والنيتشوي للعقلانية في الفلسفة السياسية بالحُسْبان، فحتّى إذا كان الحقّ مع هؤلاء المنظِّرين كان يتعيَّن عليه الردّ عليهم من خلال توجيه اتّهامهم بالاحتيال واختلاق الأساطير… إن رؤية ألان بلوم رؤيةٌ صحيحة؛ لأن نقطة انطلاق رولس تكمن في الشعور العامّ تجاه العدالة في المجتمع الأمريكي المعاصر، حيث يرى فيها رولس خصوصية كانطية. ينطوي عمل رولس على جاذبية من وجهة نظر الليبرالية الأنجلوساكسونية، ولكنْ هل يحمل هذا المفهوم ذات المعنى بالنسبة إلى شخصٍ ينتمي إلى ثقافةٍ أخرى؟ وعلى أيّ حال إنه لم يعيِّن حدّاً مشخّصاً لتوزيع الثروة والسلطة، ويعتبر مبرّراً للفردانية والارستقراطية»([76]).

كما يذهب دوغلاس روي بدَوْره إلى الاعتقاد بأن رولس قد جاء بما يحتاج إليه المجتمع الليبرالي تماماً. إن علينا الكفّ عن التظاهر بالعدل. إن نظرية رولس قد مُنيت بالفشل. وفي الحدّ الأقصى إن العدالة غير حساسةٍ في مورد استحقاق الكثير من المواقف الاجتماعية. بالالتفات إلى منظومة جون رولس هناك إمكانيةٌ لتعمل بعض الخيارات على زيادة عدم المساواة الاجتماعية([77]).

جون رولس وروبرت نوزيك

يُعَدّ جون نوزيك وزميله في الدراسة جون رولس من أهمّ المنظِّرين في الفلسفة السياسية بعد الحرب العالمية الثانية. وهما يدافعان عن الأصول الليبرالية، ومن المخالفين بشدّةٍ لمذهب المنفعة. وكان نوزيك أشد وفاءً من رولس للأصول الليبرالية. وقد صدر مؤلَّفه الهامّ بعنوان: «اللاسلطوية([78]) والدولة واللامكان» عام 1974م. إنه صاحب نزعة فردية بالكامل، ويعارض النزعة الاجتماعية وبناء الدولة والتوجُّه الشمولي. فهو يعتقد بالدولة في حدودها الدنيا؛ من أجل الحفاظ على حقوق الأفراد. إن مهمّة الدولة تقتصر على حفظ الأمن. إن نظريته في الملكية تشبه ما يذهب إليه جون لوك في هذا الشأن، مع فارق أنها لا تحتوي على التوجيه الإلهي. ومن بين نقاط افتراق روبرت نوزيك عن جون رولس الملكية المطلقة في نظرية نوزيك([79]).

يقدّم نوزيك، في مقابل مطالبة جون رولس بالمساواة، جواباً اختيارياً([80]). لقد خصَّص نوزيك ما يقرب من خمسين صفحةً من كتابه للردّ على نظريات جون رولس، وذهب في ذلك إلى الاعتقاد بأن كلّ مشروعٍ توزيعي يتجاوز حدّ إقامة الصلح والنظم والأمن لن يكون عادلاً. إن استدلال جون رولس لا يبدأ بحقوق الفرد، بل بالتعهُّد الاجتماعي، ويذهب في تسويغ عدم المساواة في القوّة والسلطة إلى الحدّ الذي يؤدّي إلى تدارك مزايا كلّ فردٍ، ولا سيَّما أكثر طبقات المجتمع حرماناً([81]). يذهب نوزيك إلى الاعتقاد بأن رؤوس الأموال إذا كانت حرّةً، وتمّ ضمان المنافع الجماعية، فسوف يتمّ ضمان العدالة أيضاً. وعلى هذا الأساس فإنه لا يأخذ مصلحة أكثر الأفراد حرماناً بنظر الاعتبار. في ظلّ هذا المجتمع يتمّ تنظيم الأيدي الخفيّة لسوق التوزيع. إن لإمكانيّات الإنسان أوجهاً متعدّدة، ولا تحصى. إنه يتحدث عن شرائط المواجهة في مجتمعٍ يدخل كافّة أفراده إلى السوق([82]).

 

جون رولس ويورغن هابرماس

يذهب يورغن هابرماس من الناحية الأبستيمولوجية إلى مخالفة النزعة الإثباتية، ويوافق الديالكتيكية. إننا في المعرفة نعمل في الفكر والعمل على خلق العالم واكتشافه. وإن المعرفة تنقسم من ناحية العلاقات القائمة عليها إلى: معرفة تجريبية؛ تاريخية ـ تأويلية؛ وعلاقات تحرّرية. وفي المعرفة الثانية يجب إحلال الرؤية الهرمنيوطيقية محل الأسلوب الإثباتي. إن المجتمع المتطوِّر ينطوي على أزمةٍ، كما هو واقع المجتمع الرأسمالي، رغم أن التشيُّؤ ليس شاملاً. إن طريق الخلاص من التشيّؤ يكمن في الوضعية الكلامية المثالية، وليس هناك مناصٌ إلاّ باستبدال العلاقات الخاصّة بالعلاقات العامّة، والتشجيع على العلاقات الحوارية بين الجماعات المختلفة. يجب تقديم عقلانية المجتمع المدني. إن أبعاد التكامل الاجتماعي عبارةٌ عن: تكامل القوى المنتجة، وتنظيم الارتباط والتفاهم الاجتماعي، والتعليم التحرُّري والنشاط نحو الحقيقة.

وفي الواقع هناك اختلافٌ بين الحقيقة والاعتبار؛ فإن الاعتبار ناشئٌ من الاتفاق حول الأُطُر العينية للاختلاف، إلاّ أن الحقيقة تحتاج إلى المشاركة الفكرية من قِبَل جميع المتنازعين بالقوّة. إن القواعد الحقيقية يجب أن تكون مقبولةً من قِبَل الجميع، وإن الحقيقة هي نتاج الوضعية الكلامية المثالية.

إن رؤية هابرماس في مجال السياسة رؤيةٌ هيجلية. فهو يرى أن مهامّ الدولة هي مهامّ المجتمع المدني. إن المجتمع المدني يمثِّل دائرة العلاقات الخاصّة، والدولة تمثِّل حلقة العلاقات العامة والكلّية، وإن طريق الوصول إلى العلاقات العامّة يكمن في الحوار والارتباط التفاهمي والكلامي([83]).

في المقارنة بين يورغن هابرماس وجون رولس يمكن القول: إن أصالة الفرد محفوظةٌ في رؤية رولس، وهو يُعَدّ واحداً من مفكِّري المجتمع الليبرالي الغربي. وأما هابرماس فإنه يعمل على نقد مرحلة الحداثة، ويروم في «العقلانية الارتباطية» حلّ ضرورة إيجاد الارتباط بين الأفراد المستقلّين والأحرار. إن الهوية الجماعية لا تلغي الهوية الفردية. يعمل هابرماس على إنقاذ نفسه من شباك العقلانية الآلية لـ (ماكس فيبر)([84])، ويدعو إلى العقلانية الأخلاقية والقِيَميّة. في مرحلة الحداثة كانت للعقلانية الآلية سلطةٌ، ولذلك فإنها واجهت مشكلةً. ومضافاً إلى ذلك فإنه يعتبر موانع العقلانية الارتباطية من قبيل: الأيديولوجيا بالمعنى الخاصّ، ويقترب من الأبحاث اليوطوبية. وهو يرى أن التلاحم الاجتماعي مقدَّمٌ على الحقوق الفردية.

ج ـ تحليل بحث العدالة

يمكن أن يكون لنا في هذا القسم من البحث تحليلٌ لأصل العدالة:

في البداية علينا تحديد الموضع الذي ينبغي طرح بحث العدالة فيه. لا شَكَّ في أن بحث العدالة يندرج ضمن مجال الفلسفة السياسية. إن مبنى وقاعدة الفلسفة السياسية هي الأدلة العقلية، ويتمّ البحث فيها عن القضايا المعيارية. إن بيان ماهية النظام السياسي والاقتصادي العادل، وكيفية تنظيم حقوق الفرد والمجتمع، يندرج ضمن مجال الفلسفة السياسية.

وعلى هذا الأساس يمكن القول: إن الفلسفة السياسية في ذورة السلوكية واشتداد مباحث علم السياسة([85]) قد وصلت إلى حضيضها. إن بحث العدالة إذا أُريد له أن يُطرَح في علم السياسة ـ وهو ليس موضعه ـ فسوف ينطوي على نوعٍ من المغالطة. إن عالِم السياسة (وليس الفيلسوف السياسي)، بعد الحفاظ على هذه الحيثية، لا يستطيع البحث عن العدالة، كما لا يجب على عالِم الاقتصاد أو عالِم الاجتماع أن يأتي على ذكر القضايا المعيارية. وبعد طرح ما فوق السلوكية، وإعادة إحياء الفلسفة السياسية، من البديهيّ أن يبدو طرح بحث العدالة أمراً معقولاً. والحقيقة هي أن العلوم الإنسانية كانت على الدوام ممتزجةً بالقضايا القِيَميّة والأخلاقية بشكلٍ مكنون.

«يتّهم ليو شتراوس([86]) أصحاب النزعة السلوكية بأنهم يسعون إلى تأسيس علم سياسة خالٍ من القِيَم. إن العلم الذي يخلو من المسائل الأخلاقية يفسِّر الأحداث السياسية وكأنّها جزء من المسار الميكانيكي للطبيعة. وهو يذهب إلى الاعتقاد بأن العالم الإنساني لا يمكن استنباطه بواسطة المقولات الخالية من القِيَم. إن جوهر الأمور السياسية يقتضي أن لا تلزم الحياد.

إن ذات العمل السياسي يهدي إلى معرفة الخير والصلاح، والاتجاه نحو حياةٍ صالحة أو مجتمعٍ صالح. إن علم السياسة الحقيقي هو الفلسفة السياسية التي يتمّ إدراكها على شكل حقيقةٍ أخلاقية. إن القائل بالنزعة الطبيعية، حتّى إذا تمكَّن من تحقيق التغيير المطالب بالمساواة، لن يكون قادراً على مَلْء الخلأ الأخلاقي الناتج بفعل تجاهل المفاهيم الأخلاقية الموجودة منذ البداية. يذهب شتراوس إلى الادّعاء بأن علم السياسة الذي يجعل من العلوم الطبيعية أسوةً ومثالاً يحتذى به في دراسة الأمور السياسية لا ينسجم مع الفلسفة السياسية. وهو يرى أن أيّ تحقيقٍ سياسي لا يأخذ الأهداف والمسارات بنظر الاعتبار، أو لا يأخذ بالحُسْبان الحدّ الأدنى من الحاجة إلى التحليل الغائيّ، لن يكون ممكناً من الناحية المنطقية. إن العلم مجرّد وسيلة لفهم عالم السياسة»([87]).

إن أهمّ منجز لجون رولس في البين تقديم أسلوب يتمكَّن كلّ شخص بواسطته من الوصول إلى «أصول العدالة». إن رولس، حيث يذهب في هذا الشأن إلى الاعتقاد بالنسبية والتعدّدية، يقول: أنا لا أفرض هذه الأصول، وإنما أتوقَّع أن الفرد إذا تخلّى عن المنافع الفردية فإنه سيصل إلى هذه الأصول. وعلى هذا الأساس لو أشكل أحدٌ بأن «أصول العدالة» ليست سوى أمورٍ افتراضية، وأنه في العمل ليس هناك مَنْ يضع نفسه خلف حجاب الجهل، ولن يصل إلى هذه الأصول، فإن رولس سيقول في جوابه: إن الذي استنتجته لا يعدو أن يكون مجرَّد نوعٍ من التوقُّع، لا أكثر. وبطبيعة الحال يَرِدُ هذا السؤال أيضاً: إذا كانت أصول العدالة تستمدّ مشروعيّتها من العقد الاجتماعي فمن أين كانت الأمور قبل العقد الاجتماعي تستمدّ مشروعيتها وأحقّيتها؟

إن الإشكال القديم الذي كان يَرِدُ على الليبرالية منذ القِدَم يَرِدُ على جون رولس أيضاً. ومن ذلك، على سبيل المثال: إنه يُشكَل على بوبر([88]) بأن أبستيمولوجيته وفلسفته السياسية غير متناسقة؛ إذ إنه يرحِّب بعدم القطعية في العلم، ولكنّه يذهب إلى الاعتقاد بأن الأصول الليبرالية هي الحاكمة في الحياة العامّة([89]). يرى بوبر أن عدم القطعية لا يتسلَّل إلى البنية السياسية الليبرالية، وهنا يتعرَّض للتناقض. يَرِدُ على رولس ما يُشبه هذا الإشكال أيضاً. إنه حيث يتبجَّح بالنسبية والليبرالية، ويرى إمكانية الوصول إلى أصولٍ أخرى خلف حجاب الجهل أيضاً، لا يمكنه أن يكون مدافعاً شرساً عن ليبراليته المستصلحة. وقد ارتضى في الحقيقة أن أصول العدالة هذه إنما ترتبط بالعالم الأوّل الذي يعيش فيه، وليس للبلدان التي تتمثَّل مشاكلها الرئيسة في حصولها على ما يسدّ الرَّمَق. لا شَكَّ في أن الذي يعاني مشكلةً غذائية لا تكون الحرّية والمساواة على سلّم أولويّاته.

يذهب جون رولس إلى الاعتقاد بأن العقل الآليّ إذا تخلّى عن المصالح الفردية فإنه سيصل إلى أصول عدالته. وعلى الرغم من أنه لم يَزِدْ على التوقُّع، ولكنْ يبقى هذا السؤال على حاله: ألن يتمّ التعريف بـ «الفرضيات» الأوّلية لجون رولس بديلاً عن «أصول العدالة» بشكلٍ من الأشكال؟ إنه يقول: إن العقل يحكم بضرورة لحاظ مصلحة أكثر الأفراد حرماناً أيضاً. ويقول نوزيك في المقابل: إن العقل يحكم بأن المصلحة الجماعية (وعدم تحديد الثروات وعدم عرقلة مسار التنمية) في المجموع أفضل. إن العقل الآلي (وليس الفلسفي) قد يحكم بكلا هذين القولين. وفي الحقيقة إن فلاسفة السياسة يسعَوْن في هذا الشأن إلى إحالة سائر الناس إلى الأصول المقبولة، وتوجيه المخاطبين إلى فطرتهم. إن العقل الآلي إذا تمّ طرحُه على شخصٍ أو مجتمع تسوده الاتجاهات الاشتراكية فإن مصلحة أكثر الأفراد حرماناً سوف تكون ملحوظةً، حتّى إذا أدّى ذلك إلى إبطاء مسار التنمية الاقتصادية. وعلى هذا النحو فإن العقل الآلي في المجتمع الليبرالي (وعدم التدخُّل) أو النظام الفاشي يحكم بشكلٍ آخر. وفي الحقيقة إن فرضيات واتّجاهات وحاجات العصر والتأثيرات البيئية هي التي تتجلّى في إطار «العقل». لقد كانت «أصول العدالة» من قِبَل رولس تلبيةً لحاجة العصر والتطرُّف الليبرالي.

يمكن من خلال التحليل المتقدِّم أن نستنتج أن «أصول العدالة» لا تحتوي على شكلٍ عامّ وعالمي، وأن المفروضات والتأثيرات النفسية والبيئية يمكنها التدخُّل من وراء حجاب الجهل بشكلٍ من الأشكال. في البحث عن «أهمّية نظرية رولس حول العدالة» تمّ التعريف بثمانية مصادر لـ «الضرورات» و«المحظورات» الأخلاقية، وتوصّلنا إلى نتيجةٍ مفادها أنه رُبَما لا يمكن إقناع المخالفين بشكلٍ دقيق. ويحتمل أن يكون السبب في ذلك عائداً إلى أن كلّ شخصٍ يتبنّى فرضيةً خاصّة في الفلسفة السياسية وبحث العدالة. ولهذا السبب لم تحْظَ أصول العدالة عند رولس بالقبول من قِبَل الاشتراكيين، وحتّى الليبراليين، من أمثال: روبرت نوزيك، وفون هايك.

وبطبيعة الحال لا بُدَّ من الالتفات إلى أن لازم الادّعاء المتقدِّم هو نسبية المعرفة وأصول العدالة. إن العدالة في هذه الرؤية لها هويّةٌ واقعية، وعلى الرغم من اختلاف الآراء حولها في عالم الإثبات، إلاّ أنها ثابتةٌ ولا تتغيَّر في عالم الواقع والثبوت.

هناك الكثير من التعاريف بشأن «العدالة». وقد أشَرْنا إليها في بداية هذا المقال. وعلى الرغم من الكلمات الكلّية والعامة والاختلافات في تعاريف العدالة، إلاّ أننا قلَّما نجد توافقاً في تعيين مصاديق العدالة. وعلى حدّ تعبير شتراوس: نحن في حياتنا اليومية نتحدّث بكلّ أريحيةٍ عن «الحُسْن» و«القُبْح»، ونصدر الأحكام بسهولةٍ»؛ وذلك لأننا نعتبر ما نعتقده غير قابلٍ للنقاش. ولكنْ ما إن تخضع رؤيتنا للبحث والنقاش حتّى يظهر غموضها وعدم دقّتها إلى السطح([90]). إن الكلام الكلّي في تعريف العدالة لن يحلّ المشكلة. وقد تحدَّث الإمام عليّ× عن سعة مفهوم «الحقّ»، وضيق مصاديقه، قائلاً: «الحقّ أوسع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف»([91]).

إن العدالة وإنْ كانت مفهوماً مبهماً وكلّياً، إلاّ أن تحديد مصاديقها مشكلٌ للغاية، سواء حكمنا بماهيتها الواقعية أم لا. إذا كانت للعدالة واقعية سوف يقع الخلاف في تحديد مصاديقها، وإذا اعتقد البعض أنها لا تمتلك عالماً ثبوتياً مع ذلك قد لا يحصل التوافق بشأن التفاسير المختلفة. ومن الثابت أن شهادة الإمام عليّ× لم تَرِدْ للدفاع عن تلك العدالة المبهمة والكلّية!

يمكن لنا أن نستنتج ممّا تقدم أن العقل البشري في العثور على مصاديق العدالة ـ ولا سيَّما بالالتفات إلى التأثُّر بالبيئة والمسائل النفسية وأمثالها ـ قد يتعرَّض للخطأ، وحيث لا يمتلك العقل حكماً يقينياً في هذا الشأن لا يمكن الاستفادة هنا من قاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع. ومن هنا تتّضح الحاجة إلى الوحي في بيان المصاديق والأُطُر الاجتماعية للعدالة. ورُبَما كانت العدالة في النظام السياسي والاقتصادي للإسلام بحاجةٍ إلى تفسيرٍ مفتوح في مجال السياسة، وتفسيرٍ مغلق في مجال الاقتصاد. ويجب التماس تفصيل هذا البحث في موضعٍ آخر([92]).

الهوامش

(*) باحثٌ بارز في الشؤون الدينيّة والفكر السياسي، وأستاذٌ مُشْرِف وعضو الهيئة العلميّة في جامعة المفيد في إيران.

([1]) أرسطو أو أرسطوطاليس (384 ـ 322ق.م): فيلسوفٌ يوناني. تلميذ إفلاطون ومعلِّم الإسكندر الأكبر. واحدٌ من عظماء المفكِّرين. تغطّي كتاباته مجالات عدّة، منها: الفيزياء والميتافيزيقا والشعر والمسرح والموسيقى والمنطق والبلاغة واللغويات والسياسة. المعرِّب.

([2]) القديس أوغسطين (354 ـ 430م): كاتبٌ وفيلسوف من أصل نوميدي / لاتيني. تعتبره الكنيستان (الكاثوليكية والإنجيليكانية) قدّيساً، وأحد آباء الكنيسة البارزين، وشفيع المسلك الرهباني الأوغسطيني. كما يعدّه العديد من البروتستانتيين ـ ولا سيَّما الكالفانيون ـ أحد المصادر اللاهوتية لتعاليم الإصلاح البروتستانتي حول النعمة والخلاص. المعرِّب.

([3]) إيمانوئيل كانط (1724 ـ 1804م): فيلسوفٌ ألماني. يعتبر آخر الفلاسفة المؤثِّرين في الثقافة الأوروبية الحديثة، وأحد أهمّ الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية، وهو آخر فلاسفة عصر التنوير في أوروبا. من أشهر أعماله: (نقد العقل المجرّد)، و(نقد العقل العملي). المعرِّب.

([4]) كارل هانريك ماركس (1818 ـ 1883م): فيلسوفٌ واقتصادي وعالم اجتماع ومؤرِّخ وصحفي واشتراكي ثوري ألماني. لعبت أفكاره دَوْراً هامّاً في تأسيس علم الاجتماع، وفي تطوير الحركات الاشتراكية. من بين أهمّ أعماله: (بيان الحزب الشيوعي)، و(رأس المال). المعرِّب.

([5]) جون رولس (1921 ـ 2002م): فيلسوف أخلاقي وسياسي أمريكي. من منظِّري ومؤسِّس الليبرالية الاجتماعية، حيث اهتمّ بالعدالة الاجتماعية. من أعماله: (العدالة كإنصاف)، و(قانون الجماعات البشرية). المعرِّب.

([6]) يورغن هابرماس (1929 ـ ؟م): فيلسوفٌ وعالم اجتماع ألماني معاصر. يُعَدّ من أهمّ منظِّري مدرسة فرانكفورت النقدية، وهو صاحب نظرية الفعل التواصلي. المعرِّب.

([7]) انظر: موسوعة السياسة 4: 18.

([8]) جورج فيلهلم فريدريتش هيجل (1770 ـ 1831م): فيلسوفٌ ألماني. يعتبر أحد أهمّ الفلاسفة الألمان؛ إذ يعتبر مؤسِّس المثالية الألمانية في الفلسفة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. طوّر المنهج الجَدَلي الذي أثبت من خلاله أن مسار التاريخ والأفكار يتمّ من خلال الطريحة والنقيضة، ثم التوليف بينهما. وكان لفلسفة هيجل أثرٌ عميق في معظم الفلسفات المعاصرة. المعرِّب.

([9]) أفلاطون أو أرستوكليس بن أرستون (427 ـ 347ق.م): فيلسوفٌ يوناني كلاسيكي ورياضياتي وكاتب لعدد من الحوارات الفلسفية. مؤسِّس أكاديمية أثينا، التي هي أوّل معهد للتعليم العالي في العالم الغربي. تلميذ سقراط ومعلِّم أرسطو. المعرِّب.

([10]) اللوجوس (logos): العقل الكوني والمبدأ المهيمن في الكون (في الفلسفة اليونانية القديمة). المعرِّب، نقلاً عن: منير البعلبكي، المورد الحديث.

([11]) ويليام بلوم (1933 ـ 2018م): مؤرّخٌ وكاتب وصحفي أمريكي. من أعماله (قتل الأمل). المعرِّب.

([12]) لقد تمّ طبع هذا النصّ على ظهر الكتاب أيضاً؛ وذلك لأهميته وإجابته عن الأسئلة التي قد تخطر على ذهن كلّ قارئٍ. انظر: وليام تي. بلوم، نظريه هاي نظام سياسي (نظريات النظام السياسي)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد تديُّن، نشر آران، طهران، 1373هـ.ش.

([13]) انظر: المصدر السابق: 89 ـ 91.

([14]) انظر: المصدر السابق: 106.

([15]) Distributive Justice.

([16]) Scarcity.

([17]) omnipresent.

([18]) انظر: بهاء الدين بازارگاد، تاريخ فلسفه سياسي (تاريخ الفلسفة السياسية) 1، الفصل العاشر، نشر زوار، طهران، 1334هـ.ش. (مصدر فارسي).

([19]) راينهولد نيبور (1892 ـ 1971م): عالمٌ لاهوتي أمريكي. المعرِّب.

([20]) انظر: وليام تي. بلوم، نظريه هاي نظام سياسي (نظريات النظام السياسي): 6 ـ 282، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد تديُّن، 1373هـ.ش.

([21]) هانز يواخيم مورغنثاو (1904 ـ 1980م): أحد روّاد القرن العشرين في مجال دراسة السياسة الدولية. شغل منصب مستشار وزارة الخارجية الأمريكية، أمضى معظم حياته المهنيّة ناقداً أكاديمياً لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية، وعارض التدخُّل الأمريكي في فيتنام. المعرِّب.

([22]) فريد طومسون (1942 ـ 2015م): سياسيٌّ أمريكي. عضو مجلس الشيوخ عن ولاية تينيسي، ومرشَّح الانتخابات الرئاسية لعام 2008م. المعرِّب.

([23]) هنري ألفرد كيسنجر (1923 ـ ؟م): باحثٌ وسياسي أمريكي، ألماني النشأة. بسبب أصله اليهودي هرب مع أسرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1938م؛ خوفاً من النازيين الألمان. شغل منصب وزير الخارجية الأمريكية في عهد جيرالد فورد، المعرِّب.

([24]) انظر: وليام تي. بلوم، نظريه هاي نظام سياسي (نظريات النظام السياسي): 308.

([25]) توما الأكويني (1225 ـ 1274م): قسّيسٌ وقديس كاثوليكي إيطالي من الرهبانية الدومينيكانية، وفيلسوف لاهوتي مؤثِّر ضمن تقليد الفلسفة المدرسية وأحد معلِّمي الكنيسة الثلاثة والثلاثين، وهو أبو المدرسة التوماوية في الفلسفة واللاهوت. المعرِّب.

([26]) نيقولاي ميكافيلي (1469 ـ 1527م): مفكِّرٌ وفيلسوف وسياسي إيطالي في فترة عصر النهضة. عُرِف بوصفه مؤسِّساً للتنظير السياسي الواقعي، الذي أصبح لاحقاً عصب دراسات العلم السياسي. أشهر كتبه على الإطلاق كتاب (الأمير)، الذي كان صورةً مبكرة للنفعية الواقعية السياسية. المعرِّب.

([27]) فيلفريدو فريتز باريتو (1848 ـ 1923م): عالمُ اقتصادٍ واجتماعي فرنسي شهير. صاحب مبدأ باريتو المعروف في علم الإدارة. وهو صاحب المقولة الشهيرة: (التاريخ هو مقبرة الطبقات الأرستقراطية). المعرِّب.

([28]) توماس هوبز (1588 ـ 1679م): أحد أكبر فلاسفة القرن السابع عشر الميلادي في إنجلترا، وأكثرهم شهرةً، ساهم في التأسيس للكثير من المفاهيم التي لعبت دَوْراً كبيراً على مستوى الفعل والتطبيق، وعلى رأسها: مفهوم العقد الاجتماعي. وقد وضع كتابه (لوياثان) الأساس لمعظم الفلسفة السياسية الغربية من منظور نظرية العقد الاجتماعي. المعرِّب.

([29]) غيتانو موسكا (1858 ـ 1941م): عالمٌ ومحامٍ وكاتب إيطالي. المعرِّب.

([30]) روبرت ميشيلز (1876 ـ 1936م): عالمُ اجتماعٍ ألماني. كتب في السلوك السياسي للنخبوية الفكرية. كان تلميذاً لماكس فيبر. التحق في أواخر حياته بالفاشية الإيطالية. المعرِّب.

([31]) هوغو غروتيوس (1583 ـ 1645م): قاضٍ وفيلسوفٌ ولاهوتي وكاتب مسرحي ومؤرِّخ وشاعر هولندي. وضع مع فرانشيسكو دي فيتوريا وألبريكو غنتيلي القانون الدولي اعتماداً على الحقّ الطبيعي. المعرِّب.

([32]) انظر: بهاء الدين بازارگاد، تاريخ فلسفه سياسي (تاريخ الفلسفة السياسية) 1، الفصل الثاني والعشرين. (مصدر فارسي).

([33]) انظر: وليام تي. بلوم، نظريه هاي نظام سياسي (نظريات النظام السياسي) 2: 503.

([34]) جون لوك (1632 ـ 1704م): فيلسوف وطبيب تجريبي ومفكِّر سياسي إنجليزي. تولّى العديد من المناصب الحكومية. المعرِّب.

([35]) جان جاك روسّو (1712 ـ 1778م): كاتب وأديب وفيلسوف وعالم نبات جنيفي / فرنسي. يُعَدّ من أهمّ كتاب عصر التنوير. ساعدت فلسفته على تشكيل الأحداث السياسية التي أدّت إلى الثورة الفرنسية، حيث أثرت أعماله في التعليم والأدب والسياسة. المعرِّب.

([36]) ديفد هيوم (1711 ـ 1779 م): فيلسوفٌ واقتصادي ومؤرِّخ إسكتلندي. يعتبر شخصية هامة في الفلسفة الغربية وتاريخ التنوير الإسكتلندي. المعرِّب.

([37]) See: J. J. Rousseau, A Discourse on origion of Inequality (New York: Duton Co, Inc, 1946). P. 205.

([38]) جون ديوي (1859 ـ 1952م): تربويٌّ وفيلسوف وعالم نفس أمريكي، وزعيم من زعماء الفلسفة البراغماتية، ومن أوائل المؤسِّسين لها. وقد استفادت الولايات المتحدة الأمريكية من أفكاره في موضوع التربية وجذب العقول واستقطاب كلّ علماء الأرض. ويعتبر أن الفلسفة تمثِّل سلطة تشريعية مهمتها نقض القِيَم الحاضرة، واقتراح قِيَم جديدة تواكب التغيُّرات الحاصلة في الحياة. المعرِّب.

([39]) انظر: وليام تي. بلوم، نظريه هاي نظام سياسي (نظريات النظام السياسي) 2: 820 ـ 834.

([40]) انظر: المصدر السابق: 826.

([41]) انظر: علي بابائي، فرهنگ علوم سياسي (معجم العلوم السياسية) 1: 382 ـ 385. (مصدر فارسي).

([42]) بيير جوزيف برودون (1809 ـ 1865م): فيلسوفٌ وسياسي فرنسي. مؤسِّس الفلسفة التشاركية. المعرِّب.

([43]) انظر: مجلة راهبرد، العدد: 7: 189. (مصدر فارسي).

([44]) See: David Robertson, “The Penguine Dictionary of Politics”. P. 302 – 303.

([45]) انظر: علي بابائي، فرهنك علوم سياسي (معجم العلوم السياسية) 1: 382 ـ 385. (مصدر فارسي).

([46]) A Theory of Justice.

([47]) Political Liberalism.

([48]) روبير دال (1915 ـ 2014م): عالمٌ سياسي واجتماعي أمريكي. عضو في الأكاديمية الوطنية للعلوم، والجمعية الأمريكية للفلسفة، كما كان عضواً في الأكاديمية البريطانية أيضاً. المعرِّب.

([49]) أرخميدس أو أرشميدس (287 ـ 212ق.م): عالمٌ طبيعي ورياضياتي وفيزيائي ومهندس ومخترع وعالم فلك يوناني. يعتبر واحداً من أكبر العلماء في العصور القديمة الكلاسيكية. المعرِّب.

([50]) See: Contemporary philosophy philosophers, p. 272 – 289.

([51]) انظر: وليام تي. بلوم، نظريه هاي نظام سياسي (نظريات النظام السياسي) 2: 758.

([52]) Behaivoralism.

([53]) ديفيد إيستون (1917 ـ 2014م): أستاذٌ في العلوم السياسية من الولايات المتحدة الألمريكية، يُعَدّ من أبرز المفكِّرين السياسيين في مجال البحوث والتحليلات السياسية. قام بتعريف السياسة على أنها تعني التوزيع السلطوي للقيم المختلفة في المجتمع. المعرِّب.

([54]) مذهب المنفعة (utilitarianism): مذهبٌ يقول بأن تحقيق أعظم الخير لأكبر عددٍ من الناس يجب أن يكون هدف السلوك البشري، وهو مذهبٌ يقول بأن الأعمال تكون صالحة إذا كانت نافعة. المعرِّب، نقلاً عن: منير البعلكي، المورد الحديث (قاموس إنجليزي ـ عربي).

([55]) جيريمي بينثام (1748 ـ 1832م): عالمُ قانون وفيلسوف إنجليزي ومصلح قانوني واجتماعي. اشتهر بدعواته إلى النفعية وحقوق الحيوان وفكرة سجن (بانوبتيكون). كما شملت مواقفه الحجج المؤيّدة للفرد، والحرّية الاقتصادية، والفصل بين الكنيسة والدولة، وحرّية التعبير، والمساواة في الحقوق للمرأة، كما طالب بإلغاء الرقّ وعقوبة الإعدام وإلغاء العقوبات الجسدية. المعرِّب.

([56]) See: Robert Dahl. Modern Political Analysis, 1991, p. 118 – 135.

([57]) Feelings.

([58]) Common Sense.

([59]) انظر: وليام تي. بلوم، نظريه هاي نظام سياسي (نظريات النظام السياسي) 2: 758.

([60]) جون ستيوارت ميل (1806 ـ 1873م): فيلسوفٌ واقتصادي بريطاني. وقف مع جيرمي بينثام ضد النـزعة اليقينية وكلّ ما كان يقاوم مسيرة العقل والتحليل والعلم التجريبي، وكان يمقت ضيق الأفق وسحق الأفراد من قِبَل السلطة أو العادة أو الرأي العام. المعرِّب.

([61]) The veil of Ignorance.

([62]) See: John Rawls. A Theory of Justice (Eng: oxford uni. 1972), p. 98, 303.

([63]) فريدريش فون هايك (1899 ـ 1992م): عالمُ اقتصاد ومنظِّرٌ سياسي نمساوي ـ بريطاني. اشتهر بدفاعه عن الليبرالية الكلاسيكية والرأسمالية القائمة على أساس السوق الحرّ، ونقده للفكر الاشتراكي والجماعي خلال أواسط القرن العشرين. المعرِّب.

([64]) روبرت نوزيك (1938 ـ 2002م): فيلسوفٌ سياسي أمريكي. تحوَّل إلى اليمين في الأحداث التي أدّت إلى تطرُّف الحرم الجامعي، وأصبح الخصم المحافظ بشدّةٍ لنوع الليبرالية التي يمثِّلها زميله (جون رولس). المعرِّب.

([65]) عدم التدخّل من العبارة الفرنسية (Laissez – faire)، بمعنى: (دَعْه يعمل، أو دعه يمرّ): مصطلح اقتصادي يُشير إلى ترك الحكومة التجارة دون التدخّل فيها، وهو مبدأٌ رأسمالي تدعمه الليبرالية الاقتصادية، حيث ترفض التدخل الحكومي في السوق. المعرِّب.

([66]) See: Rawls, Loccit, p. 15.

([67]) See: Opcit, P. 153.

([68]) انظر: حسين بشيريه، فلسفه سياسي جان رالز (الفلسفة السياسية لجون رولس)، صحيفة: اطلاعات سياسي ـ اقتصادي، العددان 109 ـ 110. (مصدر فارسي).

([69]) الحَدْسية (intuitionism): نظريةٌ تقول بأن الحقائق الأساسية تدرك بالحَدْس، وأن القِيَم والواجبات الأخلاقية يمكن إدراكها بالبداهة. المعرِّب، نقلاً عن: منير البعلبكي، المورد الحديث.

([70]) من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن النفعيين، من أمثال: بيتنام، كانوا يعتقدون أن السكان يمكن أن يزيد عددهم بنسبة 100%، في حين أن الناتج الوطني يزيد إلى مقدار 20%؛ إذ إن هؤلاء ينظرون إلى ناتج المجموع الكلّي. أما النفعيون المحدثون فيرَوْن أن الحالة الثابتة للسكّان والناتج الوطني أفضل من الحالة المتقدّمة؛ وذلك لأنهم ينظرون إلى المعدّل والحدّ الوسط.

([71]) See: Opcit, P. 22, 27.

([72]) Reflective Equlibrieum.

([73]) جاء بحث (المواجهة بين الحقّ والخير) لرولس في كتاب الليبرالية ومنتقدوها. وقد تمّت الإشارة في هذه المقالة إلى ثلاثة أنواع من التقابل بين المنفعة والعدالة بوصفها أمراً حيادياً.

([74]) انظر: المصدر السابق: 4 ـ 80.

([75]) Equal and free Individuals.

([76]) انظر: وليام تي. بلوم، نظريه هاي نظام سياسي (نظريات النظام السياسي): 754 ـ 760، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد تديُّن، 1373هـ.ش. (باختصارٍ).

([77]) انظر: المصدر السابق: 764.

([78]) اللاسلطوية (anarchism): وتعرف أيضاً باسم الأناركية (وتترجم خطأً بالفوضوية). فلسفةٌ سياسية ترفض التسلسلات الهَرَمية التي يرَوْنها غير عادلة. يدعو أنصار اللاسلطوية إلى مجتمعات من دون دولةٍ، تقوم على أساس جمعيات تطوّعية غير هَرَمية. المعرِّب.

([79]) David Robertson, Loccit, p. 238 – 240.

([80]) Liberarian.

([81]) انظر: وليام تي. بلوم، نظريه هاي نظام سياسي (نظريات النظام السياسي): 754 ـ 760، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد تديُّن.

([82]) انظر المصدر السابق: 625 ـ 632 (باختصارٍ).

([83]) انظر: حسين بشيريه، بحث هابرماس، صحيفة اطلاعات سياسي ـ اقتصادي، العددان 73 ـ 74. (مصدر فارسي).

([84]) ماكس فيبر (1864 ـ 1920م): عالمُ اقتصاد وسياسة ألماني، وأحد مؤسِّسي علم الاجتماع الحديث ودراسة الإدارة العامة في مؤسّسات الدولة، وهو مَنْ أتى بتعريف البيروقراطية. وعمله الأكثر شهرةً هو كتاب (الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية)، و(السياسة كمهنة). المعرِّب.

([85]) Politics.

([86]) ليو شتراوس (1899 ـ 1973م): فيلسوفٌ أمريكي يهودي من أصلٍ ألماني. يَعُدُّه البعض الملهم لأيديولوجيا المحافظين الجدد التي تسود الحزب الجمهوري الأمريكي. المعرِّب.

([87]) انظر: وليام تي. بلوم، نظريه هاي نظام سياسي (نظريات النظام السياسي): 754 ـ 760، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد تديُّن. (باختصارٍ).

([88]) كارل ريموند بوبر (1902 ـ 1992م): فيلسوفٌ نمساوي / إنجليزي، من أصول يهودية، ولكنه يتبنّى اللاأدرية. متخصِّص في فلسفة العلوم. يعتبر من بين أهم وأغزر المؤلِّفين في فلسفة العلم في القرن العشرين، وكتب بشكلٍ موسَّع عن الفلسفة الاجتماعية والسياسية. المعرِّب.

([89]) انظر: حسين بشيريه، ليبراليسم، ايدئولوجي ومعرفت علمي / جمع بندي (الليبرالية والأيديولوجية والمعرفة العلمية / الخلاصة)، صحيفة اطلاعات سياسي ـ اقتصادي، العددان 113 ـ 114.

([90]) انظر: شتراوس: 138.

([91]) نهج البلاغة، الخطبة رقم 216.

([92]) انظر: سيد صادق حقيقت، نگاهي به فلسفه سياسي در إسلام (إطلالةٌ على الفلسفة السياسية في الإسلام)، مجلة حكمت إسلامي، العدد 2: 5 ـ 80، شتاء عام 1375هـ.ش. (مصدر فارسي).

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً