أحدث المقالات

الشيخ يوسف الصانعي(*)

ترجمة: مرقال هاشم

المقدّمة

قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة: 222).

إن باب الطهارة أحد الأبواب الهامّة في الفقه، حيث وردت فيه الكثير من الروايات المأثورة عن المعصومين^، الأمر الذي أدّى إلى الكثير من الاختلاف والتضارب في الآراء بين الفقهاء، وهذا إنْ دلّ على شيءٍ فإنما يدلّ على عمق اهتمام الإسلام بموضوع «الطهارة» و«النظافة».

إن الطهارة من الأمور التي تُعَدّ وسيلةً لتقرُّب العباد من الله سبحانه وتعالى. وإن عبادية «الوضوء» و«الغُسْل» و«التيمّم»، وكذلك الأوامر الوجوبية والاستحبابية في ما يتعلق بمراعاة النظافة والطهارة في حقّ الميت، يؤكّد اهتمام الشريعة الإسلامية المقدّسة بالنظافة، وتخليص الجسم من الأدران والأوساخ، ممّا يُشكّل مقدّمة للتقرّب من الله والطهارة الروحية.

إن تمسّك الفقهاء ببيان أمورٍ من قبيل: الوضوء، والغسل، قد أدّى إلى اشتمال الكتب الفقهية على أبحاث متنوّعة في ما يتعلّق بهذا الموضوع. وإن الغسل هو أحد الأحكام العبادية للشرع المقدَّس. وهو ينقسم في الفقه الإسلامي إلى: واجب؛ ومندوب. وعلى الرغم من عدم معرفتنا بجميع العلل التشريعية لأحكامٍ من قبيل: الغسل والوضوء ـ التي هي أحكامٌ تأسيسية وعبادية ـ، إلاّ أن بعض الروايات، من قبيل: الأحاديث الواردة بشأن «غسل الجمعة» وعلل تشريعها، قد اشتملت على حِكَمٍ يمكن الإشارة من بينها إلى إزالة الروائح الكريهة من البدن والتطهُّر([1]).

كما يمكن للإنسان الواعي أن يتوصّل إلى الحكمة من تشريع الأغسال المستحبة، من قبيل: غسل الزيارة والإحرام؛ وذلك لأنه سيراعي بذلك حقوق الله تعالى، وحقوق جسمه عليه، وحقوق الآخرين عليه؛ إذ إن الشخص في مثل هذه الموارد يسجّل حضوره في المجتمع، وبذلك سوف يحتكّ بالكثير من الناس، وعليه لا بُدَّ أن يلتقيهم بظاهرٍ جميل، وباطنٍ متطهّر، فلا يتسبّب لهم بالانزعاج والنفور([2]). ولا بُدَّ بطبيعة الحال من الالتفات إلى أن هناك عللاً أخرى للأمر بالغسل لا يمكن للعقل أن يدركها؛ بحكم كونها من الأمور العبادية، أو أن يحول عجزُه دون وصوله إلى إدراكها؛ إذ يقول الله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ (الإسراء: 85).

الأمر الآخر الذي يجب الالتفات له هو أن الإسلام دينٌ يرى أهمّية بالغة للحياة الفردية. وقد وضع الكثير من القوانين الخاصة والعامة في هذا الشأن. إلاّ أن هذه القوانين لا تضرّ أبداً بيُسْر الشريعة وسماحتها. وبعبارةٍ أخرى: إن القوانين الإلهية لا تعرّض الفرد للوقوع في العَنَت والمشقّة. قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: 185).

ومن هنا صرّح النبيّ الأكرم| بأن بعثته تقوم على أساس التيسير على العباد في أداء التكاليف الإلهية؛ إذ يقول: «بُعثتُ بالحنيفية السمحة»([3]).

وعليه فإن الشريعة عندما تأمر بـ «الغسل» أو «الوضوء» فإنما يُلاحَظ في ذلك الشرائط الخاصة المشار إليها في الكتب الفقهية. وإذا كان هناك من شرطٍ يؤدّي إلى وقوع المكلف في المشقّة فإن الشارع سوف يتدارك ذلك بتشريعٍ أيسر، كما هو الحال عند فقدان الماء أو الخوف منه؛ بسبب مرضٍ أو غيره، فيسقط وجوب أو استحباب الغسل، ويُصار منه إلى التيمّم. وهكذا الأمر بالنسبة إلى المسائل الفقهية الأخرى المبحوثة في مظانّها.

تقرير موضع البحث

إن «غسل الجنابة» من الأغسال التي تجزي ـ بموجب الأحاديث والروايات الواردة في هذا الشأن ـ عن الوضوء، بل ادّعى الكثير من علماء الشيعة الإجماع على ذلك، بل يجب القول: إن هذا الحكم من ضروريات الفقه الشيعي، بل الفقه الإسلامي بأَسْره. بَيْدَ أن الذي وقع مورداً للخلاف بين الفقهاء هو إجزاء سائر الأغسال الأخرى عن الوضوء. فالمشهور من الفقهاء أن الأغسال الأخرى لا تجزي عن الوضوء؛ وفي مقابل المشهور هناك من الفقهاء مَنْ ذهب إلى إجزاء جميع الأغسال ـ الواجبة والمندوبة ـ عن الوضوء. وعليه، فإننا في هذه الدراسة نسعى إلى بيان أدلّة الفريقين، والإشكالات المطروحة عليهما، مع بيان التحقيق في هذه المسألة الفقهية.

ولكنْ قبل الدخول في صُلْب البحث لا بأس بالإشارة الإجمالية إلى أدلّة إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء، لننتقل بعد ذلك إلى دراسة أدلة الطرفين في موضوع إجزاء أو عدم إجزاء سائر الأغسال الأخرى عن الوضوء.

أدلة إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء

1ـ إجماع الفقهاء

ورد ذكر الإجماع في كلمات الفقهاء بوصفه واحداً من الأدلّة على إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء. وفي ما يلي نكتفي بالإشارة إلى نموذجين في هذا الشأن:

أ ـ قال الشيخ الطوسي في (الخلاف): «غسل الجنابة يجزي في الوضوء… دليلنا: … إجماع الفرقة»([4]).

ب ـ وقال الشهيد الثاني في (روض الجنان): «كلّ الأغسال لا بُدَّ معها من الوضوء… إلاّ غسل الجنابة، فإنه لا وضوء معه عندنا، وجوباً، إجماعاً»([5]).

2ـ روايات المعصومين^

ولكثرة الروايات الواردة في هذا الشأن لا يَسَعُنا غير الاكتفاء بذكر بعضها:

أ ـ عن عمر بن أذينة، عن زرارة، عن أبي عبد الله×، وذكر كيفية غسل الجنابة؛ فقال: «ليس قبله ولا بعده وضوء»([6]).

ب ـ عن الحسين بن سعيد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألتُ أبا الحسن الرضا× عن غسل الجنابة؟ فقال: «تغسل يدك اليمنى…، ولا وضوء فيه»([7]).

ج ـ عن حريز أو عمَّنْ رواه، عن محمد بن مسلم قال: قلتُ لأبي جعفر×: إن أهل الكوفة يروُون عن عليٍّ× أنه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة؟ قال: «كذبوا على عليٍّ×، ما وجدوا ذلك في كتاب عليٍّ×، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا﴾ (المائدة: 6)»([8]).

د ـ عن حمّاد بن عثمان، عن حكم بن حكيم قال: سألتُ أبا عبد الله× عن غسل الجنابة…؟ ـ إلى أن قال ـ قلتُ: إن الناس يقولون: يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل، فضحك، وقال: «وأيّ وضوء أنقى من الغسل وأبلغ»([9]).

وحيث إننا نسعى في هذه الدراسة إلى إثبات كفاية وإجزاء جميع الأغسال عن الوضوء لا مندوحة لنا في القسم الأوّل من مناقشة أقوال وأدلة القائلين بعدم إجزاء سائر الأغسال عن الوضوء، لننتقل بعد ذلك في القسم الثاني إلى البحث في أقوال وأدلة الذاهبين إلى إجزاء جميع الأغسال عن الوضوء.

ومن الجدير بالذكر أن الشيخ يوسف الصانعي (حفظه الله) هو أحد القائلين بإجزاء جميع الأغسال عن الوضوء. وإن الأبحاث التالية تتضمّن نظريات سماحته الفقهية في هذا الشأن أيضاً.

القسم الأوّل: أقوال وأدلة القائلين بعدم إجزاء سائر الأغسال عن الوضوء

إن مشهور فقهاء الشيعة في ما يتعلق بإجزاء سائر الأغسال عن الوضوء هو الحكم بعدم الإجزاء.

وفي ما يلي نستعرض أقوال بعضهم، ثم نعمل على مناقشة هذه الأقوال والأدلة المطروحة من قبلهم.

الفصل الأول: أقوال الفقهاء

من بين المتقدِّمين القائلين بعدم إجزاء سائر الأغسال عن الوضوء يمكننا تسمية الشيخ الصدوق&؛ إذ يقول: «مَنْ اغتسل لغير جنابة فليبدأ بالوضوء، ثمّ يغتسل. ولا يجزيه الغسل عن الوضوء؛ لأن الغسل سنّة، والوضوء فرضٌ، ولا يجزي السنّة عن الفرض»([10]).

ويحتمل قوياً أن استدلاله بالقول: «الغسل سنّة، والوضوء فرض، ولا يجزي السنّة عن الفرض» ناظرٌ إلى الحديث المأثور عن الإمام موسى بن جعفر×، ونصّه: «عبد الرحمن بن أبي نجران، أنه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر’ عن ثلاثة نفر كانوا في سفر: أحدهم جنب؛ والثاني ميت؛ والثالث على غير وضوء، وحضرت الصلاة، ومعهم من الماء قَدْر ما يكفي أحدهم، مَنْ يأخذ الماء؟ وكيف يصنعون؟ فقال: يغتسل الجنب، ويدفن الميت بتيمّم، ويتيمّم الذي هو على غير وضوء؛ لأن الغسل من الجنابة فريضة، وغسل الميت سنّة، والتيمّم للآخر جائز»([11]).

وعليه فإن كلام الشيخ الصدوق يعني أن وجوب الوضوء أمرٌ مذكور في القرآن الكريم، فهو «فرضٌ»؛ أما الغسل في حالة الوجوب والندب (غير غسل الجنابة) فهو مذكورٌ في الروايات «السنّة». وعليه فإن الوجوب المستفاد من الروايات وسنّة النبي| لا يجزي عن الأمر المستفاد وجوبه من القرآن.

ومن كبار الفقهاء القائلين بعد الإجزاء: الشيخ المفيد في (المقنعة)([12])، والشيخ الطوسي في (النهاية)([13])، وابن إدريس الحلّي في (السرائر)([14])، وكذلك ابن حمزة في (الوسيلة)([15]).

كما أن بعض كبار الفقهاء، من أمثال: المحقّق الحلي& في (المختصر النافع)، تردَّد في حكم المسألة، إلاّ أنه أفتى لاحقاً بعدم الإجزاء، قائلاً: «ويجزي غسل الجنابة عن الوضوء. وفي غيره تردُّدٌ، أظهره أنه لا يُجزي»([16]).

وقد ذكر المقداد السيوري وجه التردّد، عند شرح هذا الكلام من المحقّق الحلّي، قائلاً: «فقد تردَّد المصنِّف؛ لتعارض الروايات، واختلاف الأصحاب»([17]).

الفصل الثاني: مناقشة أدلة القائلين بعدم الإجزاء

لقد تمسّك القائلون بعدم إجزاء سائر الأغسال عن الوضوء بعدة أدلة، وهي: آية من القرآن الكريم؛ وبعض الروايات؛ وأصالة الاستصحاب. ويبدو من ظاهر كلام بعضهم أن شهرة القول بعدم الكفاية ترفع التعارض بين أدلة المشهور وأدلة القائلين بالإجزاء، وبعبارةٍ أخرى: إنهم جعلوا من الشهرة دليلاً لهم.

أـ الآية، وكيفية الاستدلال بها

قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ (المائدة: 6)؛ حيث استند القائلون بعدم إجزاء سائر الأغسال عن الوضوء إلى عموم هذه الآية الكريمة، بتقريب أن الله يأمر بالوضوء للصلاة، وعليه كلما أراد المكلّف أن يقيم الصلاة وجب عليه الوضوء. وبعبارةٍ أخرى: إن عموم هذه الآية يشمل المكلّف المغتسل وغيره، ولم يستَثْنِ من ذلك غير المغتسل من جنابةٍ؛ حيث تمّ تخصيص عموم هذه الآية في ما يتعلَّق بالجنب بآيةٍ أخرى، وهي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا…﴾ (النساء: 43).

كما تمّ تخصيصها بذيل الآية المذكورة (التي استدلّ بها)؛ إذ يقول تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا﴾ (المائدة: 6).

وأما بالنسبة إلى سائر أفراد الاغتسال فتبقى الآية على عمومها.

وقد قرَّر العلاّمة الحلّي هذا الاستدلال على النحو التالي: «أمَرَ مريد القيام للصلاة مطلقاً بالوضوء، وهو عامٌّ في مَنْ اغتسل وغيره، خرج الجنب بقوله تعالى: ﴿حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾، وبقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا﴾؛ فإنه يفهم منه أن الأمر الأوّل لغيره، وبالإجماع، فيبقى الباقي على عمومه»([18]).

 

ردّ الاستدلال بالآية

يُقال في ردّ هذا الاستدلال: إن المراد من ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ﴾ ـ كما قال بعض المفسِّرين ـ هو: «إنْ كنتم مُحْدِثين»([19]).

وعلى هذا الأساس إذا قام المكلَّف بالاغتسال لن يبقى هناك حَدَثٌ يجب إزالته. وبعبارةٍ أخرى: إن الآية إنما توجب الوضوء إذا كان هناك حَدَث، وفي حالة الاغتسال لا يكون هناك معنى للحَدَث، لكي يجب الوضوء.

وقد أشكل بعض الفقهاء على الاستدلال بهذه الآية. وهي قابلةٌ للنقاش. وفي ما يلي نشير إلى هذه الإشكالات، ومناقشتها.

قال المحقق السبزواري في ردّ هذا الاستدلال: «…فلأن الآية وإنْ كانت عامّة، لكنها تتخصّص بالأدلة الآتية؛ جَمْعاً بين الأدلة. وممّا يضعف الاستناد إليه ما نقل المصنف في المنتهى إجماع المفسّرين على أن المراد إذا قمتم من النوم([20])، ونسبه في الخلاف إلى المفسّرين، ويدلّ عليه بعض الروايات المعتبرة. وقد مرّ في بحث نواقض الوضوء. وقد يناقش في عمومها؛ لعدم اشتمالها على شيء من أدوات العموم»([21]).

وقال المحقّق الخوانساري& في الإشكال على دلالة هذه الآية: «والجواب: أما أوّلاً فيُمنع العموم؛ لأن كلمة «إذا» ليس من أدواته، بل للإهمال؛ وأما ثانياً فلوجود المخصّص ممّا أوردنا من الروايات»([22])، بمعنى أن الآية يتمّ تخصيصها بهذه الروايات.

كما أن المحقّق الأردبيلي([23]) وصاحب «مدارك الأحكام»([24]) لم يقبلا مثل هذا الاستدلال بشأن الآية الكريمة. ويشيران إلى الإشكالات المذكورة. ويعتبرانها مانعةً من الاستناد إلى عموم الآية.

وخلاصة القول: إن الاستدلال بالآية يَرِدُ عليه من قِبَل الفقهاء ثلاثة إشكالات:

أوّلاً: إن الآية لا عموم لها؛ إذ لم تشتمل على أيٍّ من أدوات العموم، وإنّ كلمة «إذا» تستعمل للإهمال.

وثانياً: إن الآية خاصّة بالاستيقاظ من النوم، كما تدلّ على ذلك بعض الروايات، وذهب المفسّرون إلى تفسيرها بذلك.

وثالثاً: إن عموم وإطلاق الآية يُخصَّص بالروايات الدالة على إجزاء كلّ غسل عن الوضوء.

ولكنْ يبدو أن هذه الإشكالات لا تخلو من النقاش؛ وذلك لما يأتي:

1ـ على الرغم من أن كلمة «إذا» ليست من ألفاظ العموم، ولكنْ حيث يكون القرآن الكريم في مقام بيان الحكم، دون الإهمال والإجمال، ولا قرينة على الاختصاص في الآية، يكون إطلاق كلمة «إذا» مفيداً للعموم والشمول المتقدّم.

2ـ إذا قيل بأن الآية تختصّ بحالة «الاستيقاظ من النوم» نقول: إن الآية قد بيّنت واحداً من مصاديق الحكم، وليس الحكم العامّ في ما يتعلّق ببعض المصاديق.

3ـ يَرِدُ على تخصيص الآية بالروايات الدالّة على إجزاء الغسل عن الوضوء إشكالٌ مبنائي، بمعنى أن تخصيص هذه الآية بتلك الروايات إنما يتمّ على مبنى أولئك الذين يقولون بدلالة الروايات على الإجزاء، وأما على مبنى الذين لا يقولون بدلالة هذه الروايات على إجزاء الغسل عن الوضوء فلا يكون التخصيص المذكور تامّاً.

ولكنْ حيث يكون المراد في الآية: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا…﴾ ـ على كلّ حال ـ هو حالة عدم الطهارة قطعاً، وحيث إن أدلة غسل الجنابة، وكذلك سائر روايات إجزاء جميع الأغسال عن الوضوء، تثبت الطهارة للمكلَّف، يكون لهذه الأدلة والروايات ورودٌ على الآية، وتعمل على نفي موضوع «عدم الطهارة»، ولا يكون هناك مع غسل الجنابة وسائر الأغسال الأخرى حاجةٌ إلى الوضوء الذي تشير إليه الآية؛ لأن عدم الطهارة الذي تريده الآية قد زال بهذه الأغسال، ولم يَبْقَ هناك من موضوع لتحصيل الطهارة.

ب ـ الروايات

1ـ مرسلة ابن أبي عمير

عن ابن أبي عمير، عن رجلٍ، عن أبي عبد الله× قال: «كلّ غسل قبله وضوء، إلاّ غسل الجنابة»([25]).

كيفية الاستدلال

إن الاستدلال بهذه الرواية على عدم الإجزاء واضحٌ؛ لأن الإمام أوجب الوضوء صراحةً بعد كل غسل، إلاّ غسل الجنابة.

ردّ الاستدلال

لا يمكن الاستدلال بهذه المرسلة؛ لوجود الإشكال فيها، من حيث السند، ومن حيث الدلالة.

أما الإشكال في السند فالرواية مرسلة؛ إذ على الرغم من رواية ابن أبي عمير لها، واعتبار الأصحاب مراسيله من المقبولات، ولكنْ حيث لا نعلم مَنْ الذين يروي عنهم، وحيث نحتمل روايته عن ضعيفٍ، يكون ذلك مانعاً من قبول روايته.

ومن الفقهاء الذين ذكروا هذا الإشكال المحقّقُ الأردبيلي&، حيث قال: «في قبول المُرْسَل بحثٌ، كما ذكر في محلّه. نعم، لو علم أنه لم يرسل إلاّ عن عَدْلٍ، وعلم ذلك العَدْل فهو مقبولٌ. واعترض عليه بأنه خارجٌ عن الإرسال، ولا يضرّ ذلك؛ لأن الكلام في ما هو مرسل بحَسَب الظاهر. ولو علم أنه عدل لا بعينه ففي قبول مثله بحثٌ في كتب أصول الحديث، فإنهم قالوا: لم يقبل قوله لو صرَّح وقال: أروي عن عَدْل ولم يسمِّه؛ لأنه قد يكون عَدْلاً عنده، فاسقاً عندنا، فلو ظهر اسمه لجرَّحناه. وهذا مذكورٌ في الكتب من غير ردٍّ… »([26]).

وقد ذكر ذات هذا الإشكال في كتاب «مشارق الشموس»([27])، و«مفاتيح الشرائع»([28]) أيضاً.

أما الإشكال في الدلالة فيحتمل حمل الرواية على الاستحباب؛ إذ لا تشتمل على صيغة تدلّ على الوجوب. وسنبين كيفية الحمل على الاستحباب، والوجه في ذلك، في معرض الحديث في الرواية التالية، وهي (حسنة حمّاد بن عثمان).

2ـ حسنة حمّاد بن عثمان

عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان أو غيره، عن أبي عبد الله× قال: «في كلّ غسل وضوء، إلاّ الجنابة»([29]).

كيفية الاستدلال

إن الاستدلال بهذه الرواية يَرِدُ عليه عين ما ورد على مرسلة ابن أبي عمير من الإشكالات.

ردّ الاستدلال

لا يمكن الاستدلال بهذه الرواية؛ لوجود الإشكال فيها، من حيث السند، ومن حيث الدلالة.

الإشكال في السند: إن ضعف سند هذه الرواية واضحٌ جداً؛ إذ إن ذكر حمّاد فيها لا يخرجها عن الإرسال؛ وذلك لوجود الاشتباه بين حمّاد وشخصٍ آخر. كما أن ابن أبي عمير تردَّد في المنقول عنه. وهناك مَنْ قال: إن هذا الحديث هو ذات الخبر السابق، أي مرسلة ابن أبي عمير. وحتّى لو قلنا بأنهما روايتان مختلفتان يبقى إشكال الإرسال ـ الذي يُسقط الرواية عن الاعتبار ـ على حاله. ومع وجود إشكال الإرسال لا يخلو القبول بالحَسَنة من إشكالٍ. إلاّ أن العلاّمة الحلّي في كتاب «المختلف» و«المنتهى» قد حذف عبارة «أو غيره» عند ذكره لسلسلة السند، واعتبر الرواية حَسَنةً. ولكنْ ينبغي الالتفات إلى أن صاحب «التهذيب» قد ذكر هذه الرواية في موضعين، وقد ذكر عبارة «أو غيره» في كلا الموردين. ولم نفهم وجه حذف العلاّمة لهذه العبارة في «المختلف» و«المنتهى»، في حين أن العلاّمة نفسه في «المختلف» يذكر هذه الرواية في بحث عدم وجوب الوضوء للميت في غسل الميت، وقد ذكر فيها عبارة «أو غيره»، ومع ذلك عدّها حَسَنة أيضاً([30]).

الإشكال في الدلالة: وقع البحث في ظهور هذه الرواية في الوجوب، بل ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن الاستحباب هو الأقوى؛ فقد ذهب المحقّق الحلّي في بحث وضوء الميت، في مورد الرواية المذكورة، إلى احتمال الاستحباب، وقال: «لا يلزم من كون الوضوء في الغسل أن يكون واجباً، بل من الجائز أن يكون غسل الجنابة لا يجوز فعل الوضوء فيه، وغيره يجوز، ولا يلزم من الجواز الوجوب، فإذن الاستحباب أشبه»([31]).

كما يؤيّد هذا الاحتمال بأنه لو تمّ حمل الرواية على الوجوب لوجب القول بوجوب الوضوء قبل الغسل أيضاً، في حين أن القائلين بوجوب الوضوء في سائر الأغسال لم يُفْتوا بوجوب الوضوء قبل الغسل.

الشاهدُ الآخر على تأييد هذا الاحتمال أن بعض الفقهاء، من أمثال: أبي الصلاح الحلبي([32])، ذهب في بحث غسل الميت إلى القول بوجوب الوضوء للميت قبل تغسيله؛ مستدلاًّ بهذه الرواية. إلاّ أن فقهاء من أمثال: الشهيد الثاني ـ وهو من القائلين بعدم الإجزاء ـ قال بأن هذه الرواية لا تدلّ على الوجوب؛ إذ ليس من الضروري أن يكون معنى «في كلّ غسل وضوء» هو الوجوب، بل بمعنى عدم جواز الوضوء في غسل الجنابة، ويجوز في سائر الأغسال، وإن ذهابنا إلى القول بوجوب الوضوء في سائر الأغسال إنما هو لأجل دليلٍ خارجيّ، لا لأجل هذه الرواية([33]).

وقد ذكر المحقق الأردبيلي هذه المسألة كما يلي: «وأيضاً أكثر القائلين لا يقولون بالوجوب في غسل الميت؛ فعُلِم أنه غير محمولٍ على الوجوب عندهم. فظهر أنه لو قيل بالوجوب لهذه الرواية لوجب القول بوجوب التقديم، وهو نادرٌ عندهم»([34]).

 

3ـ رواية عليّ بن يقطين

عن سليمان بن الحسن، عن عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن الأول× قال: «إذا أردْتَ أن تغتسل للجمعة فتوضّأ واغتسل»([35]).

قيل بأن الاستدلال بهذه الرواية مع القول بعد الفصل تامّ؛ إذ ليس هناك بين الفقهاء مَنْ قال بإجزاء الأغسال المستحبة عن الوضوء، إلاّ في غسل الجمعة.

ردّ الاستدلال

على الرغم من عدم الوقوف على الاستدلال بهذه الرواية للقول المشهور في كتب المتقدّمين إلاّ في ما نَدَر، ولكننا نرى ذلك في كتب متأخّري المتأخّرين، من أمثال: المحقّق السبزواري في «ذخيرة المعاد»([36])، وصاحب الجواهر في «جواهر الكلام»([37]). وعلى كل حال فإن الاستدلال بهذه الرواية مشكلٌ، من الناحية السندية، ومن الناحية الدلالية.

أما الإشكال في السند فتعتبر هذه الرواية ـ لوجود سليمان بن حسين في سندها ـ مجهولةً؛ لعدم وضوح توثيقه أو تضعيفه.

أما الإشكال في الدلالة:

أـ هناك من الفقهاء مَنْ احتمل حمل الرواية على الاستحباب، كما نجد ذلك من المحقّق الخونساري في كتاب (مشارق الشموس)؛ إذ يقول: «وفيه ـ مع القدح في السند ـ الحملُ على الاستحباب، مع أنه مخصوصٌ بغسل الجمعة»([38]).

إلا أن هذا الاستدلال قابلٌ للمناقشة؛ إذ مع وجود الألفاظ الواردة بصيغة الأمر، من قبيل: «فتوضّأ» و«اغتسل»، لا وجه لحمل الرواية على الاستحباب؛ إذ إن ظهور الأمر في الوجوب ممكنٌ.

ولو قيل: حيث إن الأمر بالاغتسال للجمعة استحبابي فإنّ وحدة السياق تشكِّل قرينةً على حمل الرواية في سائر الموارد على الاستحباب أيضاً.

قلنا في الجواب: إن وجوب الوضوء لغسل الجمعة وجوبٌ مشروط، يتناسب مع الاستحباب المشروط بالنسبة إلى غسل الجمعة، كما أن الوضوء والطهارة وجوبٌ شرطيّ للصلاة المستحبة.

ب ـ يمكن حمل هذه الرواية على التقية؛ إذ يذهب أبناء العامّة إلى القول باستحباب الوضوء قبل غسل الجنابة([39])، وفي بعض فتاواهم القول بوجوب الوضوء مع غسل الجنابة([40]).

وقال المحقّق البحراني في كتابه «الحدائق الناضرة»: «والأظهر عندي حمل الأخبار المذكورة، وكذا كلامه× في الفقه الرضوي([41])، على التقية»([42]).

في ختام البحث عن هذه الطائفة من الروايات يجب الالتفات بشكلٍ خاصّ إلى كلام صاحب «الوسائل»، من حيث إنه يذكر الروايات التي يستدلّ بها القائلون بعدم الإجزاء في بابٍ تحت عنوان: «باب استحباب الوضوء قبل الغسل في غير الجنابة»، ولم يستفِدْ من هذه الروايات وجوب الوضوء في سائر الأغسال. كما ذهب العلاّمة في «المنتهى»([43]) إلى اعتبار هذه الرواية مؤكّدة لدليلٍ عقلي.

من هنا نذكر نصّ عبارة صاحب (الوسائل) في هذا الشأن؛ لأهمّيتها، إذ يقول: «أقول: هذان الحديثان (رواية عليّ بن يقطين ورواية حمّاد بن عثمان أو غيره)، مع موافقتهما للتقية، لا تصريح فيهما بالوجوب، بل حملهما على الاستحباب قريبٌ جدّاً؛ لما مرّ. ويحتمل الحمل على التقية. ويحتمل الأوّل الاستفهام الإنكاري، ويُراد أنه ليس في غير غسل الجنابة أيضاً وضوء؟! نصّاً على غير غسل الجنابة؛ لأنه لا يحتاج إلى نصٍّ؛ لما علم من مذهبهم فيه»([44]).

 

ج ـ عموم الأخبار الدالة على وجوب الوضوء لكلّ حَدَث

الدليل الآخر الذي تمسّك به المشهور هو عموم الأخبار الدالة على وجوب الوضوء عند عروض «الحَدَث»([45]). وبعبارةٍ أخرى: يستفاد من عموم هذه الروايات أن الحَدَث يوجب الوضوء، ولا يمكن لشيءٍ آخر أن يحلّ محلّ الوضوء في رفع الحَدَث.

الإشكال على هذا الاستدلال

أوّلاً: إن هذا الدليل إنما يتمّ إذا قبلنا بأن الغسل ليس رافعاً للحَدَث. ولكنْ من خلال الأدلة التي سنأتي على ذكرها يتّضح أن الغسل يرفع الحَدَث، ومعه لا تكون هناك حاجةٌ إلى الوضوء.

وثانياً: إن الأدلة التي ستذكر في القسم الثاني تخصِّص هذه العمومات.

د ـ أصالة الاستصحاب

وقد ذهب بعضهم ـ من أمثال: العلاّمة الحلّي ـ إلى ذكر دليلٍ آخر، وهو عبارةٌ عن استصحاب حرمة الدخول في الصلاة من دون وضوءٍ بعد الغسل، حيث قال العلاّمة الحلّي في (مختلف الشيعة): «إنه قبل الغسل ممنوعٌ من الدخول في الصلاة، فكذا بعده؛ عملاً بالاستصحاب»([46]).

نقول في الجواب: إن الاستصحاب إنما يصحّ فيما إذا لم يقُمْ دليلٌ على إجزاء الغسل عن الوضوء، في حين:

أوّلاً: نرى أن أدلة عدم إجزاء الغسل عن الوضوء مردودةٌ، وفي المقابل فإن أدلة القائلين بإجزاء جميع الأغسال عن الوضوء تتمتَّع بإتقانٍ وإحكامٍ أكبر.

وثانياً: بعد رفع الحَدَث بواسطة الغسل لا يبقى موضعٌ للاستصحاب. وبعبارةٍ أخرى: بعد القيام بالغسل ورفع الحَدَث لا يبقى هناك من شكٍّ يدعو إلى استصحاب الحكم المتيقَّن (وهو حرمة الدخول في الصلاة من غير وضوء). وعليه عندما نتيقن برفع الحدث يكون هذا اليقين ناقضاً لليقين السابق.

وقد ذكر المحقّق السبزواري& هذا الجواب على النحو التالي: «إن الاستصحاب يرتفع بالأدلة»([47]).

كما قال الشيخ رضا الهمداني& في هذا الشأن: «إن الاستدلال بالعمومات ـ كاستصحاب الحَدَث وقاعدة الشغل ـ إنما يتمّ على تقدير الخدشة في أدلة السيد وأتباعه»([48]).

هـ ـ الشهرة

ذهب بعض الفقهاء، من أمثال: الشهيد الأول، ـ بعد نقل أدلّة الطرفين ـ إلى القول: «الحقّ أن الترجيح باعتبار الشهرة بين الأصحاب، ويكاد يكون إجماعاً، والروايات معارَضةٌ بمثلها، وبما هو أصحّ إسناداً منها»([49]).

وبعد مواجهته للتعارض ذهب إلى اعتبار الشهرة مرجّحة، وعمل في ضوئها.

ومن الفقهاء، مثل: المحقّق الخوانساري في «مشارق الشموس»([50])، والشيخ النراقي في «مستند الشيعة»([51])، مَنْ ذهب إلى اعتبار الشهرة من بين الأدلة، أو اعتبرها مرجِّحة في مقام التعارض.

قال المحقّق الخوانساري: «قد عرفْتَ ما هو الأظهر من القولين، لكنّ مقتضى الاحتياط أن لا يترك الوضوء مع هذه الأغسال؛ للشهرة بين الأصحاب»([52]).

الإشكال على الشهرة

يُقال في الجواب عن هذا الدليل: إن الشهرة إنما تكون حجّةً إذا كانت في الرواية؛ وأما الشهرة الفتوائية فلا يمكنها أن تجدي الفقيه بوصفها حجّةً ومرجّحة.

قال المحدّث البحراني بعد نقل كلام الشهيد الأول: «فإن الترجيح بالشهرة في الفتوى لم يدلّ عليه دليل، وإنما الشهرة الموجبة للترجيح بين الأخبار هي الشهرة في الرواية، كما اشتملت عليه مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها، وهو ثابتٌ في جانب روايات القول الثاني»([53])؛ حيث يتمّ التصريح في كتب الأصول والقواعد الفقهية ـ عادةً ـ بأن الذي يُعَدّ مرجّحاً هو الشهرة الروائية، دون الشهرة القولية([54]).

وبذلك يتّضح أن تمسُّك بعض الأصحاب بالقول المشهور ـ اعتماداً على الشهرة بين الأصحاب ـ غير صحيحٍ. وكما سيتّضح في الأبحاث الآتية فإن أحاديث القائلين بالإجزاء هي الأكثر، الأمر الذي يُثبت أن نقلها أو الاستناد له بين الأئمة^([55]) كان هو الأشهر، وإن ما أفتى به الفقهاء وإنْ كان هو المشهور، إلاّ أن ذلك لا يَعْدو الشهرة في الفتوى التي لا تستوجب ترجيحاً.

وبطبيعة الحال هناك علماء كبار، من أمثال: السيد الخميني، يقولون بحجّية الشهرة الفتوائية، وأن الشهرة الروائية لا يمكنها أن تكون من المرجِّحات([56]). وهي مسألةٌ قابلة للنقاش من وجهة نظر الشيخ الصانعي([57]).

و ـ الدليل العقلي

لقد ذكر المحقّق الحلّي& دليلاً مستمدّاً من العقل؛ وذلك إذ يقول: «إن كل واحد من الحَدَثين لو انفرد لأوجب حكمه، ولا منافاة، فيجب ظهور حكمهما، لكنْ تُرك العمل بذلك في غسل الجنابة، فيبقى معمولاً به هنا»([58]).

وبالالتفات إلى كَوْن الشيخ البحراني صاحب (الحدائق الناضرة) من الأخباريين فقد أجاب عن هذا الاستدلال بجوابين:

الجواب الأوّل: إن الأحكام الشرعية توقيفية، ليس للعقول فيها مسرح، كما حقّقناه في مقدّمات الكتاب، بل المرجع فيها إلى الكتاب العزيز والسنّة المطهّرة.

الجواب الثاني: إنه من الجائز الممكن أنه وإنْ كان كلٌّ من الحَدَثين لو انفرد لأوجب حكمه، إلاّ أنه بالاجتماع يندرج الأصغر تحت الأكبر، كما في الجنابة. وكما خرجت الجنابة بالدليل ـ كما اعترف به ـ كذلك غيرُها بالأدلة التي قدّمناها([59]).

وعليه، فإن الأدلة التي أقامها القائلون بالإجزاء، وقد ذكرناها في القسم الثاني من هذا المقال، تثبت أن سائر الأغسال تجزي عن الوضوء أيضاً، كما هو الحال في غسل الجنابة.

القسم الثاني: أدلة القائلين بإجزاء سائر الأغسال عن الوضوء

سوف نتناول في هذا القسم دراسة أدلة القائلين بإجزاء سائر الأغسال عن الوضوء.

الفصل الأول: أقوال الفقهاء

نتعرَّض في هذا الفصل إلى التعريف ببعض الفقهاء الذين قالوا بإجزاء جميع الأغسال عن الوضوء. ومن هؤلاء الفقهاء: السيد المرتضى علم الهدى&. قال العلامة الحلي& في هذا الشأن: «اختلف علماؤنا في غير غسل الجنابة؛ فقال المرتضى: إنه كافٍ عن الوضوء، وإنٍْ كان الغسل مندوباً»([60]).

كما ذهب ابن الجنيد إلى القول بالإجزاء أيضاً([61]). وهكذا المحقّق الأردبيلي([62])، والسيد العاملي([63])، والمحقّق السبزواري([64])، والمحدّث البحراني([65])، والفيض الكاشاني([66])، من بين الفقهاء الكبار الذين قالوا بإجزاء جميع الأغسال عن الوضوء. وقد اختار الشيخ يوسف الصانعي هذا القول أيضاً.

وبعد ذهاب كبار الفقهاء، من أمثال: السيد المرتضى، وابن الجنيد، لا يمكن ادّعاء الإجماع من قبل المخالفين. وحتّى لو تمّ الاستناد إلى ما ادّعاه الشيخ الصدوق يبقى هناك مجالٌ للإشكال بالقول: إن هذا النوع من الإجماعات؛ حيث يكون مدركياً، لا يكون معتبراً.

الفصل الثاني: أدلة القائلين بالإجزاء

إن الذي يجب قوله في ما يتعلّق بأدلة القائلين بالإجزاء هو أن أدلتهم من حيث عدد الروايات أكثر من الروايات التي يستدلّ بها للرأي المشهور. وكما تقدّم أن ذكرنا فإن هناك من الفقهاء مَنْ استند إلى هذا الدليل (أي كثرة الأحاديث) للقول بأن الإجزاء أرجح وأظهر. ولكنهم مع ذلك قالوا بما قال به المشهور؛ تمسُّكاً بالشهرة.

وعليه، يشتمل هذا الفصل على بيان أدلّةٍ على رأي السيد المرتضى ومختار الأستاذ الصانعي. وعمدة هذه الأدلة هي الروايات.

أـ الروايات

إن الروايات التي يُستدلّ بها للقول بإجزاء الغسل عن الوضوء تنقسم إلى طائفتين؛ فبعضها يدلّ على ذلك بشكلٍ انفرادي، وبعضها يدلّ على ذلك بشكلٍ جمعي.

1ـ الأخبار المنفردة

1ـ صحيحة محمد بن مسلم: عن عبد الحميد بن عواض، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر× قال: «الغسل يجزي عن الوضوء، وأيُّ وضوءٍ أطهر من الغسل؟!»([67]).

إن كيفية الاستدلال بهذه الصحيحة واضحٌ؛ حيث أكّد فيها الإمام× صراحةً على أن الغسل أفضل من الوضوء في إيجاد الطهارة.

بَيْدَ أن القائلين بعدم الإجزاء أشكلوا على هذه الرواية بعدّة إشكالات:

الإشكال الأوّل

طرح هذا الإشكال من قبل المحقّق الحلّي في (المعتبر)، إذ قال: «فإن احتجّ المرتضى ـ رضي الله عنه ـ بما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر× قال: «الغسل يجزي عن الوضوء، وأي وضوء أطهر من الغسل؟!»، وما رُوي من طرقٍ عن الصادق× أنه قال: «الوضوء بعد الغسل بدعةٌ»، فجوابه: إن خبرنا يتضمن التفصيل، والعمل بالمفصّل أَوْلى»([68])، بمعنى أن الأخبار التي استدلّ بها مشهور الفقهاء تفرِّق بين غسل الجنابة وغيره، وقد ذكرت حكم كلّ موردٍ بالتفصيل، بَيْدَ أن الأخبار التي تستدلّون بها لا تحتوي على مثل هذا التفصيل. ومع الالتفات إلى رجحان العمل بالأخبار المفصّلة على الأخبار غير المفصّلة يجب ترجيح العمل بالأخبار المفصّلة.

جواب الإشكال

إن الإجابة عن هذا الإشكال واضحةٌ؛ إذ إن الروايات التي يستدلّ بها السيد المرتضى لا تنحصر بهاتين الروايتين، وإنما هناك روايات أخرى، مثل: مكاتبة الهمداني: «لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة»([69])، أو رواية حمّاد بن عثمان، عن رجلٍ، عن أبي عبد الله×، في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك، أيجزيه الوضوء؟ فقال أبو عبد الله×: «وأيّ وضوءٍ أطهر من الغسل؟!»([70])؛ إذ تمّ بيان الحكم بالتفصيل، حيث صرّح المعصوم× بعدم الحاجة إلى الوضوء في مطلق الغسل. وعليه يمكن العثور من بين الروايات التي يستدلّ بها السيد المرتضى على روايات مفصّلة أيضاً، حيث تحمل عليها روايات مثل: رواية محمد بن مسلم، التي تخلو من التفصيل، طبقاً لمدّعاكم.

الإشكال الثاني

إن هذه الرواية مجملةٌ؛ إذ يحتمل أن تكون «الألف واللام» فيها للعهد، دون الجنس. وعليه يَرِدُ في الرواية احتمالان، الأمر الذي يؤدّي إلى إجمالها، ومع الإجمال يبطل الاستدلال، ولا يمكن الأخذ بعمومها.

جواب الإشكال

يتّضح الجواب عن هذا الإشكال من الجواب عن الإشكال السابق؛ إذ نقول: حتّى لو سلّمنا إجمال هذه الرواية، إلاّ أن دليلنا لا ينحصر بها، بل إن رواياتٍ مثل: رواية حمّاد ومكاتبة الهمداني المتقدِّم ذكرهما، لا تشتمل على إجمالٍ، وإن «الألف واللام» فيها ليست «الألف واللام» العهدية، وإنما هي لاستغراق الجنس. ويُستفاد من هذه الروايات أن «الألف واللام» الوارد في رواية محمد بن مسلم لاستغراق الجنس أيضاً.

الإشكال الثالث

إن الإشكال الثالث يطرح من قِبَل العلاّمة على نحوين:

النحو الأوّل: ما ذكره في «منتهى المطلب»، إذ يقول: «إن الألف واللام لا يدلّ على الاستغراق، فلا احتجاج فيه؛ إذ يصدق بصدق أحد جزئياته. وقد ثبت هذا الحكم لبعض الأغسال، فيبقى الباقي على الأصل. وأيضاً: يحمل الألف واللام على العهد؛ جمعاً بين الأدلة»([71]).

ومراده من العهد: غسل الجنابة.

كما عمد الشهيد الثاني إلى بيان وتقرير هذا الإشكال على النحو التالي: «فإنه [أي السيد المرتضى] اكتفى بالغسل مطلقاً؛ استناداً إلى صحيحة محمد بن مسلم…، بناءً على أن هذه اللام للجنس، وأن لام الجنس إذا دخل على اسمه أفاد العموم. والمقدّمتان ممنوعتان؛ لإمكان حمل اللام على العهد، ويُراد به غسل الجنابة؛ جمعاً بينها وبين ما سيأتي من الأخبار الدالّة على اختصاص الحكم بغسل الجنابة نصّاً»([72]).

وفي الحقيقة فإن هذا الإشكال يعتبر الأهمّ من بين الإشكالات التي أثيرت حول رواية محمد بن مسلم والروايات التي سنلاحظها قريباً.

وحاصلُ هذا الإشكال والإشكال السابق عدمُ استفادة العموم من عبارة: «الغسل يجزي عن الوضوء» الواردة في صحيحة محمد بن مسلم، مع فارق أن عدم الاستفادة هذا في الإشكال الثاني كان من حيث الإجمال في الصحيحة، وفي هذا الإشكال من طريق الحكم بعهدية «الألف واللام» في كلمة «الغسل». وبعبارةٍ أخرى: إن المشكل لا يقول في هذا الإشكال: إن الرواية مجملة، وإنما يقول: إن «الألف واللام» في كلمة «الغسل» للعهد، والمراد منه غسل الجنابة، وليس جميع الأغسال التي هي مورد ادّعائكم.

ويُقال في الجواب عن هذا الإشكال: أوّلاً: إن «الألف واللام» هنا لا يمكن أن تكون للعهد؛ إذ لم يَرِدْ ذكرٌ لغسل الجنابة في كلام الراوي وكلام الإمام×؛ كي يتمّ حمل الألف واللام عليه. ومن الواضح أن لا فائدة من حملها على العهد الذهني؛ وذلك لمنافاة العهد الذهني لبيان الغرض وإفادة الكلام. وثانياً: إن العلّة المذكورة في كلام الإمام×: «وأيّ وضوء أطهر من الغسل؟!» فيه ظهورٌ في عموم واستغراق «الغسل يجزي عن الوضوء»؛ إذ لو قلنا بأن المراد من «الغسل» في العلّة المذكورة هو غسل الجنابة فقط وجب أن يكون لغسل الجنابة في وصف الأطهرية خصوصية خاصة بالقياس إلى سائر الأغسال، في حين ليس هناك أيّ قولٍ أو دليل على وجود خصوصية خاصّة في غسل الجنابة؛ كي يتّصف بالأطهرية من بين سائر الأغسال الأخرى. مضافاً إلى أن مرسلة حمّاد بن عثمان تشتمل على سؤالٍ عن إجزاء غسل الجمعة عن الوضوء، ولم يَرِدْ فيها ذكرٌ لغسل الجنابة، لا في سؤال السائل، ولا في جواب الإمام×؛ إذ اكتفى الإمام في جوابه عن ذلك السؤال بالقول: «أيّ وضوء أطهر من الغسل؟!»([73]).

النحو الثاني: ما ذكره العلاّمة الحلّي في «مختلف الشيعة» من القول: المتبادر من لفظ «الغسل» غسل الجنابة، فحيث يُستعمل هذا اللفظ بشكلٍ مطلق يُراد منه غسل الجنابة([74]). وبعبارةٍ أخرى: إنه قد تمسَّك بتبادر لفظ «الغسل» في غسل الجنابة، وبالتالي لا يكون لكلمة «الغسل» دلالة على شمول جميع الأغسال.

وفي معرض الإجابة عن مثل هذا الادّعاء نكتفي بما قاله المحقّق البحراني؛ إذ قال في جواب العلاّمة: «فإن غسل الحيض والاستحاضة لا يقصران في التكرار والشيوع عنه، فالحملُ عليه بعد ما عرفْتَ تحكُّمٌ مَحْض»([75]).

وفي الختام نذكر جواباً مشتركاً، يصلح للردّ على جميع هذه الإشكالات، وهو الجواب القائل: إن العموم المستفاد من عبارة: «الغسل يجزي عن الوضوء» عمومٌ عرفي، وليس عموماً لفظياً، بمعنى أن العُرْف كلما واجه هذا النوع من العمومات فهم منه الشمول والعموم، من قبيل: الفهم العُرْفي لقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ (البقرة: 275) بالنسبة إلى جميع العقود والمعاملات؛ إذ لو لم تدلّ هذه العمومات على العموم لأدّى ذلك إلى إجمال كلام الشارع الحكيم الوارد في مقام التشريع وبيان الأحكام، ولا يخفى أن هذا على خلاف التشريع والحكمة.

2ـ صحيحة حكم بن حكيم: عن حمّاد بن عثمان، عن حكم بن حكيم قال: سألتُ أبا عبد الله× عن غسل الجنابة…؟ ـ إلى أن قال ـ قلتُ: إن الناس يقولون: يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل، فضحك، وقال: «وأيّ وضوء أنقى من الغسل وأبلغ؟!»([76]).

كيفية الاستدلال، ومناقشة النقود

إن جواب الإمام× ظاهرٌ في العموم، وعليه يكون شاملاً لجميع الأغسال.

ولو أُشكل بأن الجواب إنما كان عن سؤالٍ يخصّ الجنابة، فيكون جواب الإمام× مرتبطاً بالجنابة أيضاً.

قلنا في الجواب: لقد ثبت في محلّه أن المورد في السؤال لا يمكنه أن يخصّص العامّ الوارد في جواب الإمام×. وحيث يقوم الإمام ـ بَدَلاً من جواب السائل حول خصوص غسل الجنابة ـ بتقديم جوابٍ عامّ، مع ذكر دليلٍ لا يمكن أن يكون خاصاً بغسل الجنابة، يحكي هذا عن شمولية الحكم لجميع الأغسال.

وبعبارةٍ أخرى: إن السؤال وإنْ كان بشأن غسل الجنابة، إلاّ أن الاعتبار يكمن في شمولية جواب الإمام×. كما يمكن القول: إن المتبادر من الغسل في مثل هذه الموارد ماهيته، لا خصوص غسل الجنابة. وبعبارةٍ أوضح: إن المورد غير مخصّص، ولا يمكن تخصيص العامّ لمجرد كون السؤال عن موردٍ خاص.

3ـ مرسلة حمّاد بن عثمان: عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن حمّاد بن عثمان، عن رجلٍ، عن أبي عبد الله× في الرجل يغتسل للجمعة، أو غير ذلك، أيجزيه من الوضوء؟ فقال أبو عبد الله×: «وأيّ وضوء أطهر من الغسل؟!»([77]).

إن هذه المرسلة بالالتفات إلى كون السؤال الوارد فيها عن غسل الجمعة، وجواب الإمام× فيها عامّ، تدلّ على المطلوب بوضوحٍ؛ حيث تصرّح بإجزاء جميع الأغسال عن الوضوء؛ إذ إن السؤال في الأساس لم يكن عن غسل الجنابة، كي يُقال: إن جواب الإمام× ناظرٌ إلى غسل الجنابة، فلا يدلّ على العموم. إنما السؤال عن غسل الجمعة، ولم يقُلْ فقيهٌ بإجزاء خصوص غسل الجمعة والجنابة عن الوضوء فقط. وعليه يكون حكم إجزاء جميع الأغسال عن الوضوء في هذه المرسلة بلا إشكالٍ.

4ـ مكاتبة عبد الرحمن الهمداني: عن الحسن بن عليّ بن إبراهيم بن محمد، عن جدّه إبراهيم بن محمد، أن محمد بن عبد الرحمن الهمذاني كتب إلى أبي الحسن الثالث× يسأله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة؟ فكتب: «لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة، ولا غيره»([78]).

وهناك إشكالٌ في سند هذه الرواية من جهتين:

الإشكال الأوّل: من جهة توثيق سلسلة السند؛ والإشكال الثاني: من جهة البحث في أن المكاتبة حجّة أم لا؟

أما في ما يتعلَّق بالجهة الأولى فنشير إلى كلام العلاّمة الحلّي؛ إذ يقول: «الحسن بن عليّ بن إبراهيم بن محمد، عن جدّه إبراهيم. ولا يحضرني الآن حالهما. ومحمد بن عبد الرحمن الهمداني لا أعرف حاله»([79]).

وبالالتفات إلى كلام العلاّمة يتّضح أن هذه الرواية تعاني من ضعف في السند. أو بعبارةٍ أخرى: مجهولة. إلاّ أن ضعف السند لا يضرّ بالمتن؛ لكونه يُعْضَد بروايات أخرى.

وأما من جهة الإشكال في المكاتبة فلا بُدَّ من الالتفات إلى أن الذي يمنح الحجّية لخبر الواحد هو بناء العقلاء، وهذا البناء لا يفرِّق بين ما إذا كان الخبر مشافهةً أو مكاتبةً. فكما أن العُرْف يعمل بمضمون الخبر المسموع يعمل كذلك بمضمون الخبر المكتوب أيضاً.

وقد يُشْكَل بأن الإمام يريد بقوله: «لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة» فترة ما قبل دخول وقت صلاة الظهر.

ونقول في الجواب: أوّلاً: إن هذا التقييد مخالفٌ للظاهر من كلام الإمام×؛ إذ لا يوجد أيّ دليلٍ على هذا التقييد، بل الدليل على خلافه. وثانياً: إن الإمام لم يعتبر عدم الحاجة إلى الوضوء منحصراً بغسل الجمعة، بل بيَّن شمولية عدم الحاجة إلى الوضوء في سائر الأغسال أيضاً، وذلك بقوله: «ولا غيره».

5ـ موثّقة عمّار الساباطي: عن مصدق بن صدقة، عن عمّار الساباطي قال: سئل أبو عبد الله× عن الرجل إذا اغتسل من جنابته، أو يوم جمعة، أو يوم عيد، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال: لا، ليس عليه قبل ولا بعد، قد أجزأه الغسل، والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حَيْضٍ، أو غير ذلك، فليس عليها الوضوء لا قبل ولا بعد، قد أجزأها الغسل»([80]).

إن الإشكال السندي الوحيد في هذه الرواية يكمن في فطحية عمّار الساباطي، بَيْدَ أن علماء الرجال قد وثَّقوه([81]).

ومضافاً إلى الإشكال السندي، يرى العلاّمة الحلّي& ورود إشكالين آخرين على هذه الموثَّقة أيضاً، وهما:

الإشكال الأوّل: قال العلاّمة الحلّي: «لا نسلِّم أن السقوط عن المصلّي، بل لِمَ لا يجوز أن يكون المراد: لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة إذا لم يكن وقت الصلاة. لا يقال: الحديث عامّ، فتقييده بغير وقت الصلاة يخرجه عن حقيقته؛ لأنا نقول بمنع العموم لدليلٍ آخر، وهو ما يدلّ على وجوب الوضوء لكلّ صلاة»([82]).

والجواب: أوّلاً: لا يمكن هنا المنع من انعقاد العموم، سواء بواسطة لفظ «الغسل» أو بعموم الرواية الشاملة لعددٍ من أنواع الأغسال.

وثانياً: إن العموم الدالّ على وجوب الوضوء لكل صلاة قابلٌ للتخصيص؛ إذ إن هذا العامّ قد خصّص بغسل الجنابة. وفي هذه الموثّقة نجد الإمام× في الجواب عن غسل الجمعة أو يوم العيد ـ حيث جاءا على مستوى غسل الجنابة ـ يجعلهما يغنيان عن الوضوء. وبعبارةٍ أخرى: كما أن غسل الجنابة رافعٌ لحكم وجوب الوضوء فإن هذين الغسلين يساويان غسل الحنابة في الحكم المذكور.

وعليه، رغم أن وجوب الوضوء عامّ، ويشمل كلّ صلاة، بَيْدَ أنه يُخصّص بالأدلة المذكورة من قِبَل القائلين بالإجزاء.

الإشكال الثاني: لقد بيَّن العلاّمة الحلّي& الإشكال الثاني على الموثَّقة، قائلاً: «معنى إجزاء الغسل إسقاط التعبُّد به مع فعله، أما أنه يجزئ عن الوضوء في الصلاة فلا»([83]).

والجواب: إن عبارة «قد أجزأها الغسل»، الواردة بعد قوله: «لا، ليس عليه قبل ولا بعد»، تدلّ على كفاية الغسل عن الوضوء بشكلٍ مطلق، سواء للصلاة أو غيرها؛ إذ لو كانت هناك حاجة للوضوء في الصلاة لأمر الإمام× بالوضوء بعد الغسل. إلاّ إذا قيل: إن سؤال السائل في مورد الحاجة إلى الوضوء مع الغسل، وهل يجب الوضوء مع الغسل أم لا؟ فقال الإمام×: لا حاجة إلى الوضوء مع الغسل مطلقاً، سواء قبله أو بعده. وأما بشأن الصلاة، وهل يجب الوضوء أم لا؟ فهذه الرواية لا يمكنها نفي أو إثبات ذلك. بَيْدَ أن هذا الإشكال ـ كما قال صاحب «مستند الشيعة» ـ غيرُ واردٍ؛ لأن الحكم بالإجزاء إنما يكون في موضع الأمر بالوضوء، وعليه عندما يقول الإمام×: «يجزئ عن الوضوء» يعني بذلك أن هذا الغسل يجزي عن الوضوء في الموضع الذي يكون فيه المكلَّف مأموراً بالوضوء.

6ـ مرسلة الكليني: قال الشيخ الكليني&: ورُوي: «أيّ وضوء أطهر من الغسل؟!»([84]).

إن هذه الرواية ـ كما هو الحال بشأن ما تقدَّم في صحيحة ابن مسلم، وصحيحة حكم، ومرسلة حمّاد ـ بصدد بيان تعليلٍ يقضي بظهورها في العموم، بمعنى أن العلة المذكورة في هذه الروايات تشمل جميع أنواع الأغسال.

2ـ الأخبار المنضمّة

1ـ الروايات الواردة في بحث الحيض والنفاس والاستحاضة

أـ عن حريز، عن زرارة قال: قلتُ له: النفساء متى تصلّي؟ فقال: «تقعد بقدر حيضها، وتستظهر بيومين، فإنْ انقطع الدم، وإلاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت، فإنْ جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت، ثم صلّت الغداة بغسلٍ، والظهر والعصر بغسلٍ»([85]).

ب ـ عن النضر، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله× قال: «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر، وتصلي الظهر والعصر، ثم تغتسل عند المغرب، فتصلي المغرب والعشاء، ثم تغتسل عند الصبح، فتصلّي الفجر»([86]).

ج ـ عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمان بن الحجاج قال: سألتُ أبا إبراهيم× عن امرأة نفست، فمكثت ثلاثين يوماً أو أكثر، ثم طهرت وصلّت، ثم رأت دماً أو صفرة؟ قال: إنْ كانت صفرةً فلتغتسِلْ ولتصلِّ ـ إلى قوله: ـ وإنْ كان دماً ليس بصفرة فلتمسِكْ عن الصلاة أيام قرئها، ثم لتغتسِلْ ولتصلِّ»([87]).

د ـ عن الحسن بن محبوب، عن الحسين بن نعيم الصحّاف قال: قلتُ لأبي عبد الله× ـ إلى أن قال ـ: «…فإنْ انقطع عنها الدم قبل ذلك فلتغتسِلْ ولتصلِّ»([88]).

هـ ـ عن حمّاد بن عيسى وابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله× قال: «…فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر ـ إلى قوله: ـ وإنْ كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ودخلت المسجد وصلّت كلّ صلاةٍ بوضوء»([89]).

و ـ الحسين، عن عليّ بن يقطين قال: سألتُ أبا الحسن الماضي× عن النفساء، وكم يجب عليها ترك الصلاة؟ قال: «تَدَع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوماً، فإذا رقّ وكانت صفرةً اغتسلت»([90]).

ز ـ عن الفضل، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن×، قال: قلتُ له: إذا مكثت المرأة عشرة أيام ترى الدم…؟ قال×: «لا، هذه مستحاضةٌ، تغتسل وتستدخل قطنة، وتجمع بين صلاتين بغسلٍ»([91]).

حيث يُستَدَلّ بهذه الروايات على النحو التالي: إن أكثر هذه الروايات قد صدرت في مقام البيان، ولو كانت هناك حاجةٌ إلى الوضوء في الصلاة لوجب على الإمام× بيان ذلك. وهذا الأمر في صحيحة معاوية بن عمّار هو الأظهر من بين الروايات المذكورة؛ وذلك لأن الإمام× قد حكم في مورد ما لو ثقب الدم الكرسف بالغسل والصلاة، وإذا لم يثقب الدم الكرسف حكم بالوضوء والصلاة، وعليه لو كان الوضوء واجباً في المورد الأول لبيَّنه حتماً.

وهكذا الأمر بالنسبة إلى صحيحة صفوان أيضاً؛ لكونها صريحةً في بيان الحكم؛ لأن أمر الإمام× في الجمع بين صلاتين بغسلٍ واحد يدلّ صراحةً على عدم الحاجة إلى الوضوء.

الإشكال على الاستدلال بهذه الروايات

قال الفاضل النراقي& في مقام الإشكال على هذه المجموعة من الروايات: «إن الظاهر من سياقها الحاجة إلى معرفة الرافع للأحداث الثلاثة وبيانه، لا بيان غيره، ولذا لم يذكر فيها سائر شرائط الصلاة، من ستر العورة والاستقبال وغيرهما»([92]).

 

الإجابة عن صاحب «مستند الشيعة»

يجب القول في الجواب عن إشكال صاحب (المستند): إن هذه الروايات ـ ولا سيَّما صحيحة معاوية بن عمّار ـ فيها من الظهور الواضح بحيث لا يترك مجالاً للشكّ في أن الإمام× في مقام بيان جميع أحكام الأحداث الثلاثة. صحيحٌ أن سياقها بحاجة إلى معرفة رافع الحَدَث (الدماء الثلاثة)، بَيْدَ أن الإمام× بعد بيان رافع الحدث ينتقل مباشرةً إلى الأمر بالصلاة، دون الإشارة إلى الوضوء.

إشكالان مشتركان

قام العلاّمة الحلّي في «منتهى المطلب»([93]) ـ بعد ذكر الإشكال في صحيحة محمد بن مسلم ـ بذكر إشكالين على سائر الروايات الأخرى:

1ـ الإشكال السندي: إن جميع هذه الروايات ـ باستثناء رواية محمد بن مسلم ـ تعاني من ضعف السند.

2ـ الإشكال الدلالي: لا دلالة في هذه الروايات على أن الغسل في بعض الموارد، من قبيل: «غسل الجمعة» و«غسل الحيض»، يرفع جميع أنواع الحَدَث، دون حاجةٍ إلى ضمّ الوضوء إليه في الصلاة. نعم، خرج «غسل الجنابة» بدليلٍ خاص، فيكون الوضوء ساقطاً في هذا المورد بالتحديد. وبعبارةٍ أخرى: إن الغسل بما هو غسلٌ لا يحتاج إلى الوضوء في تحصيل المقصود، وأما بالنسبة إلى الصلاة فلا بُدَّ معه من الوضوء.

وقد أجاب صاحب «الحدائق الناضرة»([94]) عن هذين الإشكالين، حيث قال في مورد الإشكال الأوّل: أما طعنه في الأخبار الباقية بضعف السند فهو ضعيفٌ عندنا غير معمول عليه ولا معتمد، على أنه متى ألجأته الحاجة إلى الاستدلال بأمثالها من الأخبار الضعيفة باصطلاحه استدلّ بها وأغمض عن هذا الطعن، كما لا يخفى على مَنْ راجع كتبه وكتب غيره من أرباب هذا الاصطلاح. ولو أنهم يقفون على هذا الاصطلاح حقّ الوقوف، ولا يخرجون عنه، لما استطاعوا تصنيف هذه الكتب، ولا تفريع هذه الفروع؛ إذ الصحيح من الأخبار باصطلاحهم لا يفي لهم بعُشْر معشار الأحكام التي ذكروها، كما لا يخفى على مَنْ تأمّل بعين الإنصاف,

وعلينا أن نضيف إلى جواب المحدِّث البحراني& القول: إن في هذه الروايات ما هو موثَّقٌ أيضاً، فيكون الاستدلال بها كافياً. فليس كلّ الروايات تعاني من ضعف السند، كما أشرنا سابقاً.

وأما بشأن الإشكال الثاني فقد قال المحقّق البحراني: فيه: إن مكاتبة الهمداني، التي هي إحدى الروايات التي نقلها، قد تضمَّنت أنه لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة ولا غيره. وعليه يمكن القول: إن ما ذهبتُم إليه لا يعدو أن يكون اجتهاداً في مقابل النصّ.

2ـ رواية أبي الصامت في باب غسل الزيارة

عن جابر المكفوف، عن أبي الصامت قال: سمعتُ أبا عبد الله× وهو يقول: مَنْ أتى قبر الحسين× ماشياً كتب الله له بكلّ خطوةٍ ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة، ورفع له ألف درجة، فإذا أتيتَ الفرات فاغتسِلْ وعلِّقْ نعلَيْك، وامْشِ حافياً، وامْشِ مشي العبد الذليل، فإذا أتيتَ باب الحائر فكبِّرْ أربعاً، ثم امْشِ قليلاً، ثم كبِّرْ أربعاً، ثم ائْتِ رأسه، فقِفْ عليه، فكبِّرْ أربعاً، وصلِّ عنده، وسَلِ الله حاجتك»([95]).

إن غسل الزيارة من الأمور التي تمّ التأكيد على استحبابها. وقد ورد في هذه الرواية أنه مجزٍ عن الوضوء؛ إذ أوّلاً: أمر الإمام× بالغسل والصلاة، ولم يأتِ على ذكر الوضوء؛ وثانياً: لو لم يكن الغسل رافعاً للحَدَث لما جاز الأمر بالصلاة.

قد يُقال: إن وجود أبي الصامت وجابر المكفوف في سند هذه الرواية يضعِّفها؛ وذلك لأنهما مجهولان.

ولكنْ يُقال في الجواب: لقد وقع هذان الراويان في سلسلة أسانيد كتاب «كامل الزيارات». وقد عمد ابن قولويه& في مقدّمة هذا الكتاب إلى توثيق جميع رواته. وبذلك يخرج هذان الراويان عن الجهالة.

وإليك عبارة ابن قولويه في توثيق رواة الأحاديث المنقولة في كتاب «كامل الزيارات»، إذ يقول: «ولم أخرّج فيه حديثاً رُوي عن غيرهم إذا كان في ما روينا عنهم من حديثهم ـ صلوات الله عليهم ـ كفاية عن حديث غيرهم. وقد علمنا أنا لا نحيط بجميع ما رُوي عنهم في هذا المعنى، ولا في غيره، لكنْ ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا ـ رحمهم الله برحمته ـ، ولا أخرجتُ فيه حديثاً رُوي عن الشذّاذ من الرجال»([96]).

وقد وقع الكلام في الكتب الرجالية حول أمثال هذه التوثيقات ـ ولا سيَّما الصادرة من قبل المتقدّمين من علماء الشيعة ـ وما إذا كانت على مستوى التوثيقات الخاصة الصادرة عن علماء الرجال، من أمثال: النجاشي والشيخ ـ رحمهما الله تعالى ـ. وقد ذهب كبار الرجاليين من المتأخِّرين، مثل: المحدِّث النوري، في هذا الشأن ـ من خلال نقله كلام ابن قولويه ـ إلى كفاية هذا النوع من التوثيقات؛ إذ قال في ذلك: «فتراه& نصّ على توثيق كلّ مَنْ رواه عنه فيه، بل كونه من المشهورين بالحديث والعلم. ولا فرق في التوثيق بين النصّ على أحد بخصوصه أو توثيق جمع محصورين بعنوان خاصّ، وكفى بمثل هذا الشيخ مزكّياً ومعدّلاً»([97]).

3ـ الروايات الواردة في باب صلاة الحاجة

كما يمكن الإشارة إلى روايةٍ شبيهة بهذه الروايات، وهي الرواية الواردة بشأن صلاة الحاجة، حيث اكتفت بالغسل لأداء الصلاة. ولا يخفى أن هذا الوجه وسائر الوجوه الأخرى التي ذكرها صاحب «ذخيرة المعاد» إنما تذكر بوصفها مؤيّدات لما نحن فيه، وليست أدلة؛ إذ إن بعضاً من هذه الوجوه يحتوي على إشكالات من حيث الدلالة. وفي ما يلي نشير إلى بعض هذه الروايات؛ للتيمُّن والبركة:

أ ـ عن معاوية بن وهب، عن زرارة، عن أبي عبد الله× قال، في الأمر يطلبه الطالب من ربّه، قال: تصدَّق في يومك على ستين مسكيناً، على كلّ مسكين صاعاً بصاع النبيّ|، فإذا كان الليل اغتسلت في الثلث الباقي، ولبست أدنى ما يلبس مَنْ تعول من الثياب، إلاّ أن عليك في تلك الثياب إزاراً، ثمّ تصلّي ركعتين»([98]).

ب ـ عن زياد القندي، عن عبد الرحيم القصير قال: دخلتُ على أبي عبد الله×، فقلتُ: جُعلت فداك، إني اخترعتُ دعاءً، قال: دَعْني من اختراعك، إذا نزل بك أمرٌ فافْزَعْ إلى رسول الله|، وصلِّ ركعتين تهديهما إلى رسول الله|، قلتُ: كيف أصنع؟ قال: تغتسل وتصلّي ركعتين…، الحديث([99]).

ج ـ عن عليّ بن دويل، عن مقاتل بن مقاتل قال: قلتُ للرضا×: جُعلت فداك، علِّمني دعاءً لقضاء الحوائج، فقال: إذا كانت لك حاجةٌ إلى الله مهمّة فاغتسِلْ، والبس أنظف ثيابك، وشمّ شيئاً من الطيب، ثمّ ابرز تحت السماء، فصلِّ ركعتين…، الحديث([100]).

د ـ عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل قال: كنتُ عند أبي عبد الله×، فدخلَتْ عليه امرأة، فذكرَتْ أنها تركت ابنها وقد قالت بالملحفة على وجهه ميتاً، فقال لها×: لعلّه لم يمُتْ، فقومي فاذهبي إلى بيتك، فاغتسلي وصلّي ركعتين…، الحديث([101]).

إن الاستدلال بهذه الروايات مثل الاستدلال بروايات الدماء الثلاثة، حيث ورد الأمر فيها بالصلاة بعد الأمر بالاغتسال مباشرةً.

ورُبَما أشكل بأن هذا الغسل إنما هو خاصٌّ بصلاة الحاجة، وهي صلاة مستحبة.

ولكننا نقول في الجواب: إن عمومات من قبيل: صحيحة زرارة، عن الإمام الباقر×، التي يقول فيها: «لا صلاة إلاّ بطهور»([102])، تشمل الصلوات الواجبة والمستحبة. وصلاة الحاجة وإنْ كانت مستحبة، ولكنّ هذا العموم الوارد في رواية زرارة يشملها أيضاً.

ب ـ رافعية الغسل للحَدَث

إن الدليل الآخر الذي يمكن إضافته إلى سائر الأدلة التي ساقها القائلون بإجزاء الأغسال جميعها عن الوضوء يُصاغ على النحو التالي: إن تشريع الغسل هو من قبيل: تشريع الوضوء، بمعنى أنه كما يعتبر الوضوء رافعاً للحَدَث كذلك الغسل يرفع الحَدَث أيضاً. ولا فرق في ذلك بين غسل الجنابة وغيره من الأغسال الأخرى. وبعبارةٍ أخرى: إن الشارع المقدَّس قد شرّع الوضوء والغسل، بحيث يكون كلّ واحدٍ منهما مجزياً عن الشيء الذي شُرِّع لأجله، دون أن تكون هناك حاجةٌ إلى ضمّ أحدهما إلى الآخر.

ويؤيِّد ذلك الأغسال المستحبة التي تنتقض بالنوم أو مطلق الحَدَث، من قبيل: «غسل الإحرام»، و«دخول مكّة»، أو «غسل الزيارة»؛ إذ لو لم تكن هذه الأغسال رافعة للحَدَث لما نُقضت بالحَدَث.

وقد قال العلاّمة الحلّي& في مورد نقض الغسل بالحَدَث: «لو اغتسل للإحرام ثم نام قبله استحبّ له إعادته»([103]).

وقال الشيخ مفلح الصيمري: «الأغسال المستحبّة للفعل على قسمين: أحدهما: يستحبّ الغسل قبله، كالإحرام والطواف وزيارة المعصوم ـ دون غيره ـ وصلاة الحاجة والاستخارة والاستسقاء وقضاء الكسوف مع استيعاب القرص والترك تعمّداً. هذه السبعة الأغسال يستحبّ الغسل قبل الفعل. ولو أحدث بعد الغسل وقبل الفعل انتقض غسله واستحبّ إعادته»([104]).

النتيجة

اتّضح مما تقدَّم أن أدلة القائلين بإجزاء جميع الأغسال عن الوضوء، من أمثال: السيد المرتضى& والشيخ يوسف الصانعي، أقوى دلالةً وأكثر عدداً من أدلة المشهور (القائل بعدم الإجزاء). كما أن هذا الرأي أكثر انسجاماً وتناغماً مع ما بلغنا عن النبيّ الأكرم| إذ يقول: «جئتكم بالشريعة السهلة السمحة»، وقيام الدين على اليُسْر. ولكنْ يجدر بنا التذكير بأنه طبقاً للرأي الذي يختاره الشيخ الصانعي وما يفتي به مقلِّديه من إجزاء جميع الأغسال عن الوضوء ـ سواء في ذلك الأغسال الواجبة والمستحبة ـ فإنه في ما يتعلّق بالأغسال المستحبة يجب الاقتصار في الإجزاء على الأغسال المسنونة المنصوصة فقط، والتي وردت الروايات في استحبابها.

وبعبارةٍ أخرى: لو اغتسل المكلَّف للجمعة أو لزيارة الإمام الرضا× ـ مثلاً ـ أجزأه ذلك عن الوضوء؛ لورود النصّ باستحباب هذين الغسلين؛ وأما لو اغتسل الشخص ليكون طاهراً بشكلٍ مطلق، دون أن ينوي غسلاً واجباً أو غسلاً مستحبّاً بعينه، لم يُجْزِه هذا الغسل عن الوضوء([105]).

الهوامش

(*) أحد مراجع التقليد في إيران اليوم. تلميذ الإمام الخميني والسيد البروجردي، وعضوٌ سابق في مجلس خبراء القيادة. له آراءٌ فقهيّة عديدة مخالفةٌ لمشهور العلماء، ولا سيَّما في فقه المرأة.

([1]) نقل الشيخ الصدوق، في كتابه (مَنْ لا يحضره الفقيه)، عن الإمام الصادق× أنه قال، في بيان علة استحباب غسل الجمعة: (إن الأنصار كانت تعمل في نواضحها وأموالها، فإذا آن يوم الجمعة حضروا المسجد، فتأذّى الناس بأرواح آباطهم وأجسادهم، فأمرهم رسول الله| بالغسل، فجَرَتْ بذلك السنّة). الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 112، ح230؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 3: 315، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 6، ح15.

([2]) روى الحسن بن الفضل الطبرسي، في مكارم الأخلاق، حديثاً نبوياً بشأن أهمّية الطهارة والنظافة، قائلاً: (عن النبيّ| أنه كان ينظر في المرآة، ويرجّل جمّته، ويمتشط، وربما نظر في الماء وسوّى جمته فيه. ولقد كان يتجمّل لأصحابه فضلاً على تجمّله لأهله، وقال: إن الله يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيّأ لهم ويتجمّل). الطبرسي، مكارم الأخلاق: 34؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 5: 11، أبواب أحكام الملابس، الباب 4، ح2.

([3]) انظر: الكليني، الكافي 5: 494، باب كراهية الرهبانية وترك الباه، ح1، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1407هـ؛ الطوسي، الأمالي: 528، ضمن ح1، دار الثقافة، قم المقدسة، 1414هـ؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة 8: 116، أبواب بقية الصلوات المندوبة، الباب 14، ح1، مؤسسة آل البيت^، قم المقدّسة، 1409هـ؛ مسند أحمد بن حنبل 5: 266، دار صادر، بيروت؛ الطبراني، المعجم الكبير 8: 170، دار إحيار التراث العربي، القاهرة.

([4]) الطوسي، الخلاف 1: 131، المسألة 74، دفتر انتشارات إسلامي، قم المقدسة، 1407هـ.

([5]) الشهيد الثاني، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 1: 138، بوستان كتاب، قم المقدسة.

([6]) انظر: الطوسي، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة 1: 148، ح422؛ وسائل الشيعة 2: 246، الباب 34 من أبواب الجنابة، ح2.

([7]) انظر: الطوسي، تهذيب الأحكام 1: 131، ح363؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 230، الباب 26 من أبواب الجنابة، ح6.

([8]) انظر: الطوسي، التهذيب 1: 139، ح389؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 247، الباب 34 من أبواب الجنابة، ح5.

([9]) انظر: الطوسي، التهذيب 1: 139، ح392؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 247، الباب 34 من أبواب الجنابة، ح4.

([10]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 81، دفتر انتشارات إسلامي، قم المقدسة، 1413هـ.

([11]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 108، ح223؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 3: 375، الباب 18 من أبواب التيمم، ح1.

([12]) انظر: المفيد، المقنعة: 53، ألفية الشيخ المفيد، قم المقدسة، 1413هـ.

([13]) انظر: الطوسي، النهاية: 23، دار الكتاب العربي، 1400هـ.

([14]) انظر: ابن إدريس الحلّي، السرائر 1: 112 ـ 113.

([15]) انظر: ابن حمزة الطوسي، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 56، مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم المقدسة، 1408هـ..

([16]) انظر: المحقّق الحلّي، المختصر النافع 1: 9، مؤسسة مطبوعات ديني، قم المقدسة، 1418هـ.

([17]) انظر: المقداد السيوري، التنقيح الرائع في شرح المختصر النافع 1: 99، مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم المقدسة، 1414هـ..

([18]) العلاّمة الحلّي، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة 1: 178، المسألة 124، مؤسسة بوستان كتاب، قم المقدسة، 1413هـ.

([19]) انظر: المقداد السيوري، كنـز العرفان 1: 8، ط1، قم المقدسة؛ أحمد الأردبيلي، زبدة البيان: 19، المكتبة الجعفرية، ط1، طهران؛ محمد الأسترآبادي، آيات الأحكام 1: 30، كتابفروشي معراجي، طهران.

([20]) مثل: رواية ابن أذينة، عن ابن بكير قال: قلتُ لأبي عبد الله× قوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ﴾ ما يعني بذلك؟ قال: «إذا قمتم من النوم»، قلتُ: ينقض النوم الوضوء؟ فقال: «نعم، إذا كان يغلب على السمع، ولا يسمع الصوت». التهذيب 1: 7، ح9؛ وسائل الشيعة 1: 254، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، ح7.

([21]) محمد باقر السبزواري، ذخيرة المعاد في شرح إرشاد الأذهان: 48، مؤسة آل البيت^.

([22]) حسين الخوانساري، مشارق الشموس في شرح الدروس 1: 234.

([23]) انظر: المحقّق الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 1: 126 ـ 127.

([24]) انظر: محمد بن عليّ الموسوي العاملي، مدارك الأحكام 1: 359، مؤسسة آل البيت^، بيروت، 1411هـ.

([25]) الكليني، الكافي 3: 45، باب صفة الغسل والوضوء قبله وبعده، ح13؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 248، الباب 35 من أبواب الجنابة، ح1.

([26]) المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 1: 127.

([27]) انظر: حسين الخوانساري، مشارق الشموس في شرح الدروس 1: 235.

([28]) انظر: محمد محسن الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع 1: 40، مجمع الذخائر الإسلامية، قم المقدسة، 1407هـ.

([29]) الطوسي، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة 1: 143، ح403؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 248، الباب 35 من أبواب الجنابة، ح2.

([30]) انظر: العلاّمة الحلّي، مختلف الشيعة 1: 178، المسألة 124.

([31]) المحقّق الحلّي، المعتبر في شرح المختصر 1: 178، المسألة 124، مؤسسة سيد الشهداء×، قم المقدسة، 1407هـ.

([32]) انظر: أبو الصلاح الحلبي، الكافي في الفقه: 134.

([33]) انظر: الشهيد الثاني، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 1: 275.

([34]) المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 1: 127 ـ 128.

([35]) الطوسي، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة 1: 142، ح401؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 249، الباب 35 من أبواب الجنابة، ح3.

([36]) انظر: محمد باقر السبزواري، ذخيرة المعاد في شرح إرشاد الأذهان: 48، مؤسسة آل البيت^.

([37]) انظر: النجفي، جواهر الكلام 3: 242.

([38]) حسين الخوانساري، مشارق الشموس في شرح الدروس 1: 239.

([39]) انظر: عبد الله بن قدامة، المغني 1: 218، دار الكتاب العربي، بيروت؛ عبد الرحمن بن قدامة، الشرح الكبير 1: 225، دار الكتاب العربي، بيروت؛ مالك بن أنس، المدوّنة الكبرى 1: 28، نشر السعادة، القاهرة.

([40]) من قبيل: الشافعي في بعض أقواله (المغني 1: 218)، ورواية عن أحمد (المغني 1: 217)، وكذلك داوود وأبو ثور (نيل الأوطار 1: 306، فيض القدير 5: 120).

([41]) فقه الرضا: 82: (لا يجزيه سائر الغسل عن الوضوء؛ لأن الغسل سنّة، والوضوء فريضة).

([42]) يوسف البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 3: 126، مؤسسة انتشار إسلامي، 1405هـ.

([43]) انظر: العلاّمة الحلّي، منتهى المطلب في تحقيق المذهب 2: 241، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، 1412هـ.

([44]) الحُرّ العاملي 2: 249، الباب 35 من أبواب الجنابة، هامش ح3.

([45]) انظر: المصدر السابق 1: 245، الأبواب 1 ـ 4 من أبواب نواقض الوضوء.

([46]) العلاّمة الحلّي، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة 1: 178، المسألة 124.

([47]) محمد باقر السبزواري، ذخيرة المعاد في شرح إرشاد الأذهان: 48.

([48]) الشيخ رضا الهمداني، مصباح الفقيه 4: 171 ـ 172، المؤسسة الجعفرية، قم، 1416هـ.

([49]) محمد بن مكّي العاملي، ذكرى الشيعة 1: 204، مؤسسة آل البيت^.

([50]) انظر: حسين الخوانساري، مشارق الشموس في شرح الدروس 1: 239 ـ 240.

([51]) انظر: أحمد النراقي، مستند الشيعة في أحكام الشريعة 2: 363، مؤسسة آل البيت^، قم، 1415هـ.

([52]) حسين الخوانساري، مشارق الشموس في شرح الدروس 1: 239 ـ 240.

([53]) البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 3: 122.

([54]) انظر: أصول الفقه 2: 151 ـ 152.

([55]) لأن مبنى الأصحاب في بيان الفتوى مقرونٌ بالاستناد إلى الروايات.

([56]) انظر: السيد الخميني، التعادل والترجيح: 177، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، 1384هـ.ش.

([57]) انظر: تقرير دروس سماحته، بحث التعادل والتراجيح.

([58]) المحقّق الحلّي، المعتبر في شرح المختصر 1: 196.

([59]) البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 3: 123.

([60]) العلاّمة الحلّي، تذكرة الفقهاء 1: 245، مؤسسة آل البيت^، قم المقدسة.

([61]) انظر: العلاّمة الحلّي، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة 1: 178، المسألة 124.

([62]) انظر: المحقّق الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 1: 132.

([63]) انظر: محمد بن عليّ الموسوي العاملي، مدارك الأحكام 1: 361.

([64]) انظر: محمد باقر السبزواري، ذخيرة المعاد في شرح إرشاد الأذهان: 49.

([65]) انظر: البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 3: 120.

([66]) انظر: محمد محسن الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع 1: 40.

([67]) الطوسي، التهذيب 1: 139، ح390؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 244، الباب 33 من أبواب الجنابة، ح1.

([68]) المحقّق الحلّي، المعتبر في شرح المختصر 1: 196.

([69]) الطوسي، التهذيب 1: 141، ح397؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 244، الباب 33 من أبواب الجنابة، ح2.

([70]) الطوسي، التهذيب 1: 141، ح399؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 245، الباب 33 من أبواب الجنابة، ح4.

([71]) العلاّمة الحلّي، منتهى المطلب في تحقيق المذهب 2: 242.

([72]) انظر: الشهيد الثاني، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 1: 138. ومن الجدير ذكره أننا عمدنا في بداية البحث إلى ذكر روايات القول المشهور، وهي عبارة عن: مرسلة ابن أبي عمير، ورواية حمّاد، وما إليهما.

([73]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 245، الباب 33 من أبواب الجنابة، ح4.

([74]) انظر: العلاّمة الحلّي، مختلف الشيعة 1: 179، المسألة 124.

([75]) البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 3: 124.

([76]) الطوسي، التهذيب 1: 141، ح392؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 247، الباب 34 من أبواب الجنابة، ح4.

([77]) الطوسي، التهذيب 1: 141، ح399؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 245، الباب 33 من أبواب الجنابة، ح4.

([78]) الطوسي، التهذيب 1: 141، ح397؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 244، الباب 33 من أبواب الجنابة، ح2.

([79]) العلاّمة الحلّي، منتهى المطلب في تحقيق المذهب 2: 242.

([80]) الطوسي، التهذيب 1: 141، ح398؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 244، الباب 33 من أبواب الجنابة، ح3.

([81]) انظر: رجال النجاشي: 290، رقم 779، مؤسسة انتشارات إسلامي، قم المقدسة، 1427هـ.

([82]) انظر: العلاّمة الحلّي، مختلف الشيعة 1: 180، المسألة 124.

([83]) العلاّمة الحلّي، مختلف الشيعة 1: 180، المسألة 124.

([84]) الكليني، الكافي 3: 45، باب صفة الغسل والوضوء قبله وبعده، هامش ح13؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 245، الباب 33 من أبواب الجنابة، ح8.

([85]) الكليني، الكافي 3: 99، باب النفساء، ح4؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 373، الباب 1 من أبواب الاستحاضة، ح5.

([86]) الطوسي، التهذيب 1: 171، ح487؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 372، الباب 1 من أبواب الاستحاضة، ح4.

([87]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 393 ـ 394، الباب 5 من أبواب النفاس، ح3.

([88]) الطوسي، التهذيب 1: 167، ح482؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 284، الباب 5 من أبواب الحيض، ح6.

([89]) الطوسي، التهذيب 1: 106، ح277؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 283، الباب 5 من أبواب الحيض، ح2.

([90]) الطوسي، التهذيب 1: 174، ح497؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 388، الباب 3 من أبواب النفاس، ح16.

([91]) الطوسي، التهذيب 1: 170، ح486؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 2: 372، الباب 1 من أبواب الاستحاضة، ح3.

([92]) أحمد النراقي(1245هـ)، مستند الشيعة في أحكام الشريعة 2: 362.

([93]) انظر: العلاّمة الحلّي، منتهى المطلب في تحقيق المذهب 2: 242.

([94]) انظر: البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 4: 144.

([95]) جعفر بن محمد بن قولويه، كامل الزيارات: 254، ح4، نشر الفقاهة، قم المقدّسة، 1428هـ؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 14: 440، الباب 41 من أبواب المزارات، ح3.

([96]) جعفر بن محمد بن قولويه، كامل الزيارات: 4.

([97]) حسين النوري، خاتمة المستدرك 3: 252، مؤسسة آل البيت^، قم المقدسة، 1416هـ.

([98]) الكليني، الكافي 3: 478، باب صلاة الحوائج، ح8؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 8: 128، الباب 28 من أبواب بقية الصلوات المندوبة، ح1.

([99]) الكليني، الكافي 3: 476، باب صلاة الحوائج، ح1؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 3: 333، الباب 20 من أبواب الأغسال المسنونة، ح2.

([100]) الطوسي، التهذيب 1: 117، ح306؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 3: 333، الباب 20 من أبواب الأغسال المسنونة، ح2.

([101]) الكليني، الكافي 3: 479، باب صلاة الحوائج، ح1؛ النوري، مستدرك الوسائل 6: 318، الباب 24 من أبواب بقية الصلوات المندوبة، ح1.

([102]) الطوسي، التهذيب 2: 140، ح544؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 1: 315، الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة، ح1.

([103]) العلاّمة الحلّي، مختلف الشيعة 4: 75، المسألة 35.

([104]) الشيخ مفلح بن حسن الصيمري، كشف الالتباس: 342، ط1، قم المقدسة، 1417هـ.

([105]) انظر: السيد محمد كاظم الطباطبائي، العروة الوثقى 1: 542، المسألة 20؛ 549، المسألة 4؛ 550، المسألة 5، منشورات ميثم التمّار، قم المقدّسة، 1429هـ.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً