أحدث المقالات

حيدر حبّ الله([1])

تحرير وتنظيم: الشيخ سعيد نورا

بين يدي البحث

يعتبر الاختلاف من الأزمات التي تواجهها البشريّة، منذ أن هبط الإنسان إلى الأرض إلى يومنا هذا، حيث ينقل القرآن الكريم قصّة ابنَي آدم، عندما اختلفا في موضوع القربان: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا ولَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إنّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وذٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ (المائدة : 27 ـ 30).

ويستمرّ هذا الخلاف عبر التاریخ إلى يومنا هذا، وصولاً إلى خلافات كثيرة في الأمّة الإسلاميّة نفسها بين التیّارات الدينيّة المتعدّدة، وهي الخلافات التي قد يكون الدين نفسه أحد موضوعاتها.

والسؤال المهمّ في هذا الصدد، هو أنّه كيف يمكننا أن ندير الاختلافات التي تقع داخل الدائرة الإسلاميّة، أو داخل الدائرة الإيمانيّة؟ وكيف يمكننا أن نختلف معاً، في الوقت الذي نشعر فيه بأنّ الموضوعات التي نختلف عليها، هي موضوعاتٌ أساسيّة في الدين، وقد تُبعد بيننا وبين الطرف الآخَر مسافاتٍ ومسافات؟

هل يمكن أن نسمح للطرف الآخَر أن يطرح ما يريد من الأفكار ونكتفي بالردّ عليه ردّاً علميّاً، باستخدام كلّ الوسائل العلميّة والبحثيّة والتثقيفيّة والتوعويّة والتعبويّة، أو أنّ هناك طرقاً أخرى للخلاف في الداخل الإسلامي، بإمكاننا أن نستخدمها أيضاً؟

سوف نحاول هنا الإجابة على هذه الأسئلة المهمّة قدرَ استطاعتنا، أملاً في أن يُكمل الآخرون هذا الطريق للوصول إلى الغاية المنشودة.

سوف نركّز في هذه الدراسة بالدرجة الأولى على القرآن الكريم؛ إيماناً منّا بدوره الكبير في الدراسات الفقهيّة، ولهذا خصّصنا الفصل الأوّل لتقديم إشارة عابرة عن الفقه القرآني ودور القرآن في الدراسات الفقهيّة، محيلين على ما درسناه مفصّلاً في كتابنا المتواضع «دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر»([2])، حيث بحثنا هناك عن الفقه القرآني ومعالمه.

وفي الفصل الثاني، سوف نحاول أن نكتشف البنيات التحتيّة لفكرة إدارة الاختلاف في القرآن الكريم؛ لنرى ما هي المبادئ الأساسيّة التي يفرضها هذا الكتاب الكريم، لتنظيم العلاقات بين المؤمنين؟ لأنّ هذه الأسس سوف تشكّل عنصراً محوريّاً، لتكوين صورةٍ مكتملة عن رؤية القرآن الكريم للخلافات الداخليّة في المجتمع الإسلامي، حتى نستطيع أن نضع في ظلّ هذه المبادئ العامّة حلولاً مناسبة لهذه الخلافات المتنوّعة، ولهذا سندرس هذه المبادئ في الفصل الثاني تحت عنوان «المبادئ الأساسيّة القرآنية لتنظيم العلاقات بين المؤمنين»، ونقصد بالمؤمنين هنا، الذين آمنوا بالله ورسوله بمختلف مذاهبهم وطرق تفكيرهم.

ثم ننتقل للحديث عن الحالات الاستثنائيّة التي تخرج عن هذه المبادئ العامّة، وهي حالة البغي والظلم.

بعد ذلك سوف نخصّص قسماً من الحديث يمثّل مرحلة التطبيق العملي لهذه المبادئ العامّة على أرض الواقع، عبر عرض الخطوط العامّة لإدارة الاختلاف، حيث نقوم بدراسة الاتجاهات المختلفة، ونقدها على أساس تلك المبادئ العامّة لنميّز الاتجاه الصحيح عن غيره.

أوّلاً: دور القرآن الكريم في الاجتهاد والمعرفة الدينيّة

نتحدّث هنا عن إطلالة سريعة عن موقع القرآن المكريم في التوجيه العملي للإنسان، وذلك على شكل نقاط مختصرة وموجزة:

بدايات التوجّه القرآني العامّ

قبل أن نشرعَ بالحديث عن دور القرآن الكريم في الدراسات الفقهيّة، من المناسب أن نمهّد لذلك بالحديث عن الاهتمام القرآني الكبير والمتزايد في العالم الشيعي في السبعين سنة الأخيرة، حيث شهد العالم الإسلامي توجّهاً شيعيّاً كبيراً نحو القرآن الكريم، وحدثت نهضةٌ يمكن أن يقال في حقّها: إنّها نهضةٌ تاريخيّةٌ بكلّ ما للكلمة من معنى، نهضةٌ كبيرة في مختلف شؤون القرآن الكريم من علوم القرآن وتفسيره وقراءته وحفظه.

وقد ساهم في إيجاد هذه النهضة العظيمة مجموعةٌ من العلماء، من بينهم:

1 ـ العلّامة محمد حسين الطباطبائي.

2 ـ السيد محمود الطالقاني.

3 ـ السيد محمد باقر الصدر.

4 ـ السيد محمّد حسين فضل الله.

5 ـ الشيخ محمد الصادقي الطهراني.

6 ـ السيّد علي الحسيني الخامنئي.

وغيرهم من العلماء.

شهدنا في هذه الفترة الدعوة إلى حضور القرآن الكريم، في صدر الأبحاث العلميّة والدراسات الفقهيّة والأصوليّة بعد أن كان غائباً عن الدراسات العلميّة غياباً نسبيّاً.

وفي هذا الإطار، بدأ العلماء يتحدّثون عن اجتهاداتٍ جديدة في فهم القرآن، وفي الفقه، وفي فهم الشريعة، وتنوّعت الآراء فيما بينهم واختلفوا في طرق فهم الكتاب، لكن كانت هناك فكرةٌ تشتدّ يوماً بعد يوم في الساحة العلميّة، وهي فكرةُ مرجعيّة القرآن في الاجتهاد الديني عموماً، فأيّ اجتهاد نريد أن نقوم به دينياً، لابدّ أن نعرضه على القرآن الكريم لنرى هل يوافقه أو لا؟

إنّ هذه الفكرة ليست جديدة، بل نجد جذورها في عصر الأئمّة عليهم السلام، حيث كانوا يأمرون أتباعهم بلزوم عرض الأحاديث على الكتاب الشريف لمعرفة مدى موافقتها له، بل هناك نصوص عن النبيّ يأمر فيها بهذا الأمر، وقد تضاعف الاهتمام بمثل هذه النصوص خلال القرن الأخير.

فكرة مرجعيّة القرآن في الاجتهاد الديني

فكرة الرجوع إلى القرآن في تقويم الأحاديث، نشأت عن الروايات الواردة عن رسول الله‘ والأئمّة عليهم السلام، تأمر بالرجوع إلى القرآن الكريم لمعرفة مدى صحّة الروايات، ونشير هنا إلى بعض هذه الروايات إشارةً عابرة:

1 ـ خبر السكوني، عن أبي عبد الله× قال: «قال رسول الله|: ‏ إنّ على كلّ حقّ حقيقة، وعلى كلّ صوابٍ نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه»([3]).

2 ـ خبر هشام بن الحكم وغيره، عن أبي عبد الله×، قال: «خطب النبي| بمنى، فقال: أيّها الناس، ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف‏ كتاب‏ الله‏ فلم أقله»([4]).

3 ـ خبر أيوب بن راشد، عن أبي عبد الله× قال: «ما لم يوافق من الحديث القرآنَ فهو زخرفٌ»([5]).

وقد بحثنا هذا الموضوع مفصّلاً في كتابنا المتواضع «حجيّة الحديث»، فليراجع([6]).

موافقة الكتاب بين الحرفيّة والمضمونيّة

ثمّة جدلٌ كبير بين العلماء ـ خاصّةً المتأخرين ـ في معنى موافقة الكتاب ومخالفته؟

أ ـ الرأي المدرسي القائم على النسب الأربعة

إنّ الكثير من الفقهاء والأصوليّين تعاملوا مع هذه الروايات بذهنيّةٍ فلسفيّة ـ منطقيّة، ولذلك نجد فكرة النسب الأربعة حاضرةً في کلمات الكثير منهم([7])، وعلى سبيل المثال نشير إلى كلام بعضهم في هذا الصدد، وهو ما ذكره السيّد الحكيم في تعريف هذه الموافقة: «ويراد بموافقة الكتاب أن يكون الحكم داخلاً ضمن إطار أحكامه العامّة أو الخاصّة، وبالمخالفة أن يصادمها على نحو التباين أو العموم والخصوص من وجه، أي في المواضع التي لا يمكن فيها الجمع العرفي أصلاً»([8]).

ويبدو لي أنّ هذا النوع من التفسير للنصوص الدينيّة، كان أحد الآثار السلبيّة لدخول الفلسفة اليونانيّة إلى الإسلام، حيث أثّر على كيفيّة الفهم العرفي للنصوص، وحوّلهَا إلى فهم تقعيدي أشبه بحلّ المعادلة الرياضيّة منه إلى فهم النصوص العرفيّة.

ب ـ الموافقة مع مزاج القرآن ومضمونه وروحه

ظهر اتّجاهٌ جديد في القرن الأخير، يرى أنّ المقصود بموافقة الكتاب، ليس الموافقة الحرفيّة، وإنّما هي الموافقة مع المزاج العامّ والروح العامّة للقرآن الكريم. ومن أبرز شخصيّات هذا الاتجاه السيّد محّمد باقر الصدر، وهو يذكر مثالاً للمخالفة وآخر للموافقة:

أما مثال المخالفة، فهو خبر الكليني بسنده([9]) إلى أبي الربيع الشامي، قال: قال لي أبو عبد الله×: «لا تشترِ من السودان أحداً فإن كان لابدّ فمن النوبة([10])، فإنّهم من الذين قال الله عز وجل: ﴿ومن الذين قالوا إنّا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكّروا به﴾،‏ أما إنّهم سيذكرون ذلك الحظّ وسيخرج مع القائم× منّا عصابة منهم، ولا تنكحوا من الأكراد أحداً فإنّهم جنسٌ من الجنّ كشف‏ عنهم‏ الغطاء»([11]).

تنهى هذه الرواية عن شراء السودان من ناحية، ومن ناحية أخرى تمنع عن مناكحة الأكراد، وتصفهم بأنّهم جنسٌ من الجنّ كشف عنهم الغطاء. إنّ السيّد الصدر يقول: «فمثلاً لو وردت روايةٌ في ذمّ طائفة من الناس وبيان خسّتهم في الخلق أو أنّهم قسم من الجنّ‏، قلنا: إنّ هذا مخالفٌ مع الكتاب الصريح في وحدة البشريّة جنساً وحسباً ومساواتهم في الإنسانيّة ومسؤوليّاتها مهما اختلفت أصنافهم وألوانهم»([12]).

إذن، ليست هناك آية في القرآن الكريم تخالف هذه الرواية مخالفةً حرفية، لكنّ المزاج العامّ للقرآن الذي يستفاد من خلال الآيات التي تتحدّث عن تساوي نوع البشر، أو تجعل معيار الإكرام هو التقوى أو العلم وغيرها من الآيات التي يستوحى منها تساوي الإنسان في الحقوق والوظائف.. يخالف هذه الرواية، فنطرح هذه الرواية جانباً أو نكِل علمها إلى أهلها. والآيات التي يستوحى منها هذا المزاج العام هي مثل قوله تعالى: ﴿ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ..﴾ (الإسراء: 70)، وكذلك قوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات : 13).

وأما مثال الموافقة، فهي خبر الكليني بسنده([13]) إلى أبي عبد الله×، قال: «أنّه كان إذا أهلّ‏ هلال‏ شهر رمضان، قال: اللّهم أدخله علينا بالسلامة والإسلام واليقين والإيمان والبّر والتوفيق لما تحبّ وترضى»([14]).

فهذه الرواية تحثّ على الدعاء عند رؤية الهلال، وهنا يقول الصدر: «وأمّا مجي‏ء رواية تدلّ على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال مثلًا فهي ليست مخالفةً مع القرآن الكريم، وما فيه من الحثّ على التوجه إلى اللّه، والتقرّب منه عند كلّ مناسبة، وفي كلّ زمان ومكان»([15]).

إذن، نحن نشاهد خلال العقود السبعة الأخيرة، أنّ العلماء بدأوا يتّجهون نحوَ تأسيس مدرسة جديدة ومعمّقة، تؤصّل لمرجعيّة القرآن الكريم، دون أن تلغي قيمة المصادر المعرفيّة الأخرى كالسنّة والعقل وما شابه ذلك.

ثانياً: المبادئ القرآنيّة في تنظيم العلاقات بين المسلمين

ما نريد أن نفعله هنا، هو تأصيل مرجعيّة القرآن فيما يتعلّق بالقواعد الأساسيّة في علاقات المؤمنين ببعضهم؛ لنرى كيف يصوّر لنا العلاقات الداخل ـ إيمانيّة، أي بين المؤمن والمؤمن، سواءً كان المؤمنان من جماعتين أو تيارين أو حزبين أو عشيرتين أو قوميّتين أو لغتين أو مذهبين أو ما شابه ذلك؟

من هنا يجب أن نجمع كلّ ـ أو على الأقلّ أغلب ـ الآيات القرآنيّة التي تلتقي حول هذا الموضوع، ثمّ نحاول أن نفهمها فهماً عرفيّاً بعيداً عن التعقيدات، ونستخلص منها القواعد القرآنيّة في علاقات المؤمنين ببعضهم، ثم نذهب إلى سائر الأدلّة، من الحديث أو السيرة المتشرعيّة أو أيّ شيء آخر، وفاءً لحقّ تقدّم القرآن على سائر المصادر الدينيّة.

وسأحاول أن استكشف المبادئ العامّة التي يفرضها القرآن لعلاقات المؤمنين ببعضهم، لنخرج بتصويرٍ واضح عن المزاج القرآني في قضيّة الاختلاف في الأمّة، ثمّ نعرض حياتنا على القرآن، لنرى هل نحن سائرون على نهج القرآن أو لا؟

المبدأ الأوّل: مبدأ عدم التنازع، والاحتكام إلى الله ورسوله

هذا المبدأ يؤصّله القرآن في قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ولاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ واصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال : 46)، وهناك الكثير من الآيات القرآنيّة الأخرى، تؤكّد على هذا المبدأ، نشير إلىها لاحقاً.

أ ـ التنازع في اللغة، وعدم شموله لمجرّد الاختلاف

حسب ما يستفاد من كتب اللغة، فإنّ أصل التنازع، هو التجاذب، ويُستخدم بمعنى التخاصم، وإليك نصّ كلماتهم في هذا السياق، حيث جاء في لسان العرب: «التنازُع: التخاصُمُ. وتنازَعَ القومُ: اخْتَصَمُوا»([16]). وفي المصباح: «و(نَازَعْتُهُ) فِي كَذَا مُنَازَعَةً ونِزَاعاً خَاصَمْتُهُ و(تَنَازَعَا) فِيهِ»([17]). وفي تاج العروس: «والتَّنازُعُ فِي الأَصْلِ: التَّجاذُبُ، كالمُنَازَعَةِ، ويُعَبَّرُ بِهِمَا عن التَّخاصُمِ والمُجَادَلَةِ، ومِنْهُ قَوْلُه عَزَّ وجَلَّ: ولٰا تَنٰازَعُوا فَتَفْشَلُوا، وقَوْلُه تَعالَى: فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّٰهِ»([18]).

إذن، مجرّد الاختلاف في الآراء لا يسمّى تنازعاً في اللغة، فلو قال مجتهدٌ: يجوز النكس في مسح الرِجلين للوضوء، وقال الآخر: لا يجوز، فلا يكون هذا تنازعاً؛ لأنّ التنازع في اللغة يعني التخاصم، وهذا يتضمّن نوعاً من التصارع والقسوة المتبادلة.

وممّا يؤيّد هذا المعنى الذي ذكرناه، تعليل الآية لحظر التنازع بأنّه يؤدّي إلى الفشل وإلى ذهاب السلطة والقوّة؛ لأنّ هذا التعليل يترتّب على التخاصم لا على الاختلافات العلميّة التي تدفع عجلة التقدّم إلى الأمام.

ب ـ التنازع وفشل الأمّة وذهاب ريحها

قد نفهم من هذه الآية الشريفة، أنّ ذهاب الريح هي الغاية من وراء تحريم النزاع في المجتمع الإيماني؛ حيث علّلت: ﴿فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾، وذهاب الريح كنايةٌ عن زوال القدرة والعزّة، وهذا أمر طبيعي؛ لأنّ النزاع يوقِع الفرقة والاختلاف بين أبناء الأمّة الإسلاميّة، حيث ينشغلون بالقضايا الداخليّة ويغفلون عن الأعداء، وبالتالي تضعف قواهم فيطمع الأعداء بهم.

فالنزاع يسبّب فشل الأمّة الإسلاميّة وضعفها، ويوجب زوال قدرتها وعزّتها، وكما هو المعروف، فإنّ العلّة تعمّم وتخصّص، فكلّ فعلٍ يؤدّي إلى هذين العنصرين، أمرٌ مرفوضٌ من قِبل الشريعة الإسلامية، وكذلك أيّ خلاف لا يؤدّي إلى هذين، لا يشمله هذا النهي.

ج ـ مرجعيّة الله ورسوله في حلّ المنازعات

يقدّم القرآن الكريم بعد النهي عن تحقّق النزاع، حلاً لفكّ النزاعات الداخل ـ إيمانيّة، وهو الرجوع إلى الله ورسوله‘، حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأمر مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ والرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ (النساء : 59).

فإذا حصل التنازع في أيّ موضوع كان، يجب الرجوع إلى القرآن والسنّة والاحتكام إليهما؛ لنرى لمن أعطيا الحق، وعلى من فرضا واجباً وتكليفاً، فيعرف كلّ شخص المسؤوليّات التي عليه أن يقوم بها والحقوق التي له.

والنتيجة: إنّ المبدأ الأول في علاقات المؤمنين هو حظر التنازع؛ لأنّه سوف يؤدّي إلى فشل الأمّة وذهاب قوّتها، فأيّ خلافٍ فكري أو عقائدي أو سياسي أو اجتماعي في الداخل الإيماني، مهما بلغ، يجب أن لا يصل إلى حدّ التنازع المُفضي إلى فشل الأمّة وذهاب قوّتها ﴿فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ وإن كان الخلاف خلافاً حقّاً.

المبدأ الثاني: مبدأ الاعتصام الديني وعدم التفرّق

يُستلهم المبدأ الثاني من آيةٍ كريمة تأمر المؤمنين بعدم التفرّق معتصمين بحبل الله جميعاً، وهي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ولاَ تَفَرَّقُوا واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (آل عمران: 102 ـ 103).

تتحدّث هذه الآية عن مشهدٍ رائع، وكأنّ هناك حبلٌ ممدودٌ من السماء، وأبناء المجتمع الإيماني يتمسّكون بهذا الحبل، فالقاسم المشترك الذي يربط المؤمنين ببعضهم، هو حبل الله سبحانه وتعالى.

وقوله تعالی: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ولاَ تَفَرَّقُوا﴾ ینهى المؤمنين عن التفرّق والتمزّق، فمن حقّنا أن نختلف، لكن يجب أن تبقى الهويّة الجمعيّة أقوى من الهويّة الفئويّة، مهما اشتدّت الهوية الفئوية، يجب أن تكون الهوية الجمعيّة مستحكمة وقويّة بل هي الأقوى. ثمّة آيات كثيرة تتناول موضوع التفرّق من زوايا متعدّدة، وسوف أشير إلى بعضٍ منها:

أ ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ظلّ النهي عن التفرّق

يتحدّث القرآن الكريم بعد النهي عن التفرّق مباشرةً، عن مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث قال: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وأُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 104).

إنّنا نستوحي من هذا الترتيب أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يجب أن يجتمع مع وحدة الأمّة والمؤمنين، إذاً، لا ينبغي أن يكون إصلاح حال المسلمين قائماً على أساس تمزيق المسلمين وتفريقهم.

ب ـ العذاب العظيم للذين تفرّقوا واختلفوا

والآية التي تليها تنهی المؤمنين أن یكونوا مثل الذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البيّنات، واصفةً إيّاهم بالذين لهم عذابٌ عظيم: ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا واخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وأُولٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ (آل عمران: 105 ـ 106)، فهذه الآية أيضاً تؤكّد على الاعتصام الديني وعدم التفرّق بين المؤمنين.

ج ـ القطيعة التامّة بين النبيّ الأكرم والذين فرّقوا دينهم

من الآيات التي تؤكّد على مبدأ عدم التفرّق، قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إنما أَمْرُهُمْ إلى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (الأنعام : 159).

إنّ عبارة ﴿لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ كنايةٌ عن البراءة منهم، يعني ليس هؤلاء من أمّة محمد‘ ـ إذا صحّ التعبير ـ لا هم من النبي‘ ولا هو منهم، وهذا تعبیرٌ عن تمام القطيعة بينهم وبين النبي، فكلّ من يعمل على أن يفرّق بين المؤمنين، ويجعلهم شيَعاً، فليس من رسول الله في شيء.

د ـ هدم المسجد الذي يفرّق بين المؤمنين

إنّ الإسلام اهتمّ بالمساجد كثيراً، ولذلك وضع ضوابطَ كثيرة لحفظ حرمتها، لكن نرى في قضيّة مسجد ضرار الذي أراد المنافقون تفريق المؤمنين من خلاله موقفاً ملفتاً، يفتقد فيه المسجد أهميّته في مقابل وحدة المسلمين وحفظ دينهم، فقد شبّهه القرآن الكريم قائلاً: ﴿..أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ..﴾ (التوبة: 109)، ويأمر نبيّه بأن لا يقوم فيه أبداً ﴿لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً﴾.

وقد وردت قضيّة مسجد ضرار في سورة التوبة هكذا: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وكُفْراً وتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ ورَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ولَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى واللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا واللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ ورِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ واللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ (التوبة: 110 ـ 117).

هـ ـ التفريق نفسه يعتبر عذاباً عظيماً

عندما أراد الله سبحانه وتعالى أن يبيّن قدرته على أنواع العذاب، قال: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ويُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ وكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ (الأنعام: 65 ـ 66).

تشير هذه الآية الكريمة إلى أنواع العذاب:

1 ـ ﴿مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ كناية عن العذاب النازل من السماء مثل الصاعقة.

2 ـ ﴿مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ كناية عن عذاب الأرض مثل الخسف والزلازل.

3 ـ ﴿يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ويُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ أن يتحاربوا في ما بينهم، ويقتل بعضهم بعضاً، هذا عذابٌ اختاره الله لبعض الأمم.

تجعل هذه الآية تفريق الأمّة وتمزيقها، أحد أنواع العذاب، بحيث يعتدي بعضهم على بعض، وتنشأ الحروب الدامية بينهم، فالفرقة عذاب والوحدة نعمة، وقد يفوق هذا العذاب في آثاره السلبية أكثرَ الزلازل شدةً كما رأيناه في الحروب العالميّة، حيث أدّت إلى قتل الملايين من البشر، وخلّفت آثاراً شنيعة نجد بقاياها إلى الآن، فاختار الله سبحانه وتعالى لبعض الأمم هذا النوع من العذاب كما اختار لبعضٍ من الأمم السابقة عذاباً من السماء أو الأرض كقوم نوح وهود وصالح وغيرهم.

و ـ تفريق الدين عملُ المشركين

من الآيات التي تركّز على مفهوم الاعتصام الديني وعدم التفرّق بين أبناء المجتمع الإيماني، قوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ولٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ واتَّقُوهُ وأَقِيمُوا الصَّلاَةَ ولاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ (الروم: 30 ـ 32).

حيث تصف المشركين بالذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً، ففي مجتمع المشركين كلّ فئة تفرح بالمنجزات الصغيرة التي تحقّقها بنفسها، وتنسى المجتمع الكبير الذي تعيش فيه وتتجاهله، فعلى أبناء الأمّة الإسلاميّة أن يهتمّوا بالأمّة بأكملها، ولا تنحصر اهتماماتهم بالمصالح الفرديّة أو الفئويّة، بل عليهم أن يفكّروا بعقليّة الأمّة ويسعوا لتحقيق أهدافها.

ز ـ عدم التفرقة هي شريعة ثابتة من نوح إلى النبي الخاتم

من الآيات التي تكرّس مفهوم عدم الفرقة بوصفها شريعة ثابتة للأديان السماوية، قوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً والَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ومَا وَصَّيْنَا بِهِ إبراهيم ومُوسَى وعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ ويَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ومَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ولَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ (الشورى: 13 ـ 14).

تقول هذه الآية القرآنيّة الشريفة: إنّ الحكم بإقامة الدين وعدم الفرقة، شريعة في الإسلام وهي ما أوصى به الله سبحانه وتعالى أنبياءه السابقين من نوح وإبراهيم وموسى وعيسى^. وهم أولوا العزم، وهذا ما يخبر عن مدى أهميّة هذا المبدأ في الأديان السماويّة بأجمعها.

فعلى أبناء الأمّة الإسلاميّة أن يتمسّكوا بهذا المبدأ المهمّ، ويقيموا الدين ويتحرّزوا من الفرقة فيه، لا أن يجعلوا الدين نفسه مادّة للفرقة، كما نجده خلف الكثير من الخلافات في المجتمع الإسلامي، بينما وفق هذه الآية الكريمة يجب أن يكون الدين موجباً للالتئام والوحدة في الأمّة الدينيّة.

ثم تبيّن الآية أسباب هذه الفرقة، حيث تقول: ﴿ومَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾، فمنشأ الفرقة إنّما هو البغي، استناداً إلى الحصر الموجود في الآية، وإن أخفى نفسه خلف أقنعة مختلفة دينيّة أو سياسيّة أو غير ذلك، إذاً ينحصر منشأ الخلافات بمختلف أنحائها في الانحراف الأخلاقي، الذي سمّاه القرآن الكريم بالبغي، فالأخطاء الفكريّة والمعرفيّة لا تسبّب الفرقة في المجتمع الإيماني.

إذن، كلّ نشاط يسبّب الفرقة بين المؤمنين لابدّ أن يكون أصله وسببه البغي والانحراف الأخلاقي عن الصراط المستقيم، وعليه فيمكن أن نختلف في الاجتهادات الدينيّة والعلميّة؛ لأنّ الخطأ في الاجتهاد لا يبرّر التفرّق، أمّا الفرقة فهي ناتج البغي الذي يُخفي نفسه تحت عناوين متعدّدة، فعلى أبناء الأمّة الإيمانيّة أن يهذّبوا نفوسهم وأخلاقهم، كي لا يقعوا في شراك الشيطان من حيث لا يشعرون.

ح ـ سكوت هارون عن فعلة السامري حذراً من التفرّق

أشيرُ إلى قصّة ذكرها القرآن الكريم ربّما لا يُلتفت إليها كثيراً في هذا المجال، وهي قصّة هارون والسامري، حيث قال تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولاَءِ عَلَى أَثَرِي وعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ولٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هٰذَا إِلٰهُكُمْ وإِلٰهُ مُوسَى فَنَسِيَ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً ولاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً ولاَ نَفْعاً ولَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمٰنُ فَاتَّبِعُونِي وأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ولَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وانْظُرْ إِلَى إِلٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً﴾ (طه: 83 ـ 97)([19]).

لمّا ذهب النبي موسى× إلى جبل الطور، لميقات ربّه تبارك وتعالى، وترك هارون مكانه، قال له: ﴿وأصلح ولا تتّبع سبيل المفسدين﴾ ثمّ حصل ما حصل في قصة السامري وعبادة العجل، فلمّا رجع النبي موسى× كأنّما اندهش من الحالة حتى أخذ بلحية أخيه هارون وقال:﴿ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي؛ لأنّ موسى× وصّاه بأن يصلح ولا يتّبع سبيل المفسدين، وهنا يجيب هارون: ﴿ يَا ابْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ولَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾.

في هذه القصّة يَعتبر هارون خشية الفرقة بين الأمّة أهمّ من المخالفة الجادّة مع السامري وعبادة العجل، الأمر الذي يوحي لنا بأنّ السكوت والإغماض عن الأخطاء قد تكون ضرورةً حيث تتزاحم مع حفظ الجماعة والأمّة، كما فعل الأئمّة^ خلال 250 سنة حفظاً لوحدة المسلمين، فقد نحتاج إلى أن نغضّ الطرف أو نستخدم سياسةً غير مباشرة لمواجهة بعض الانحرافات الموجودة في المجتمع خشية حصول الفرقة بين المسلمين، وهذا ما يعلّمنا إيّاه القرآن الكريم في قصّة بني إسرائيل؛ لأنّ أيّ سياسة مباشرة كانت ستؤدّي إلى تمزّق بني إسرائيل، فبيّن لنا القرآن، كيف أنّ وصيّة موسى× حُفظت فيما فعله هارون، وأنّ ما فعله من عدم التفرّق كان في الحقيقة إصلاحاً وعدم اتّباعٍ لسبيل المفسدين.

ولعلّ هذه القصّة تُفهمنا أنّ الأمّة الموحِّدة إذا صدرت بعض مظاهر الشرك من بعض أبنائها، فإنّ وحدة الأمّة أولى من تمزّقها، لأجل تطهير الشرك العملي الخفيف الذي صدر هنا وهناك، ولعلّ في ذلك ما ينفع في تصحيح مسار وسلوكيّات بعض التيارات السلفيّة المعاصرة في تعاملها مع من تعتبرهم تورّطوا هنا وهناك في سلوكيات شركيّة مع انتمائهم لأمّة التوحيد.

ط ـ التفريق عمل المستكبرين مثل فرعون

من الآيات التي يمكن أن نستوحي منها نهي القرآن عن التفرّق، قوله تعالى: ﴿نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الْأَرْضِ وجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ويَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ (القصص: 3 ـ 4)، حيث يندّد فيها بفرعون؛ لأنّه علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً، الأمر الذي يشي بأنّ الله سبحانه وتعالى لا يرضى بالتفريق بين أفراد الأمّة، وأنّ سياسة التفريق هي سياسة المستكبرين في الأرض.

والنتيجة: هناك آياتٌ كثيرة تؤكّد على لزوم التماسك الإيماني بين المؤمنين بتعابيرَ مختلفة، قد أشرنا لبعضها، فعلى المؤمنين جميعاً الاهتمام بهذا التماسك والاحتراز عن التفرقة بين الأمّة.

المبدأ الثالث: مبدأ وحدة الأمّة

من المبادئ التي أصّلها القرآن الكريم في آياته الشريفة، مبدأ وحدة الأمّة.

يرى القرآن الكريم هذه الأمّة أمّةً واحدة تتمسّك بحبل الله المتين، حيث قال: ﴿إِنَّ هٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: 92)، وقال: ‏﴿وَإِنَّ هٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ (المؤمنون: 52)، فهذه الآيات تقدّم أمّةَ الرسل أمّةً واحدة، لكنّ أبناء هذه الأمم هم الذين اختلفوا فيما بينهم، وصار كلّ حزبٍ بما لديه فرِح، فابتعدوا عن رحمة الله تبارك وتعالى ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ﴾ (المؤمنون: 53 ـ 54).

إنّ اختلاف اللغات، أو القوميّات، أو العشائر، أو القبائل، أو البلدان، إنّما هي امتيازات اعتباريّة، نرضى بها ما لم تمزّق وحدة الأمّة المؤمنة، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ (الحجرات: 13).

المبدأ الرابع: مبدأ الولاية المتبادلة

تتحدّث بعض الآيات الكريمة عن علاقة خاصّة بين المؤمنين نسمّيها بالولاية المتبادلة، حيث قال تبارك وتعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ويُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ويُطِيعُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أُولٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 71)، وقال في موضع آخر: ‏﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وهَاجَرُوا وجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ والَّذِينَ آوَوْا ونَصَرُوا أُولٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ والَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ واللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (الأنفال: 72).

هذه الآيات تؤصّل مفهوماً جديداً في علاقات المؤمنين ببعضهم، حيث تثبت ولايةً متبادلة فيما بينهم، فيكون الكلّ مسؤولاً عن الكلّ. وفي مثل هذا المجتمع الإيماني تهمّني هموم الآخرين كما تهمّهم همومي اهتماماً ناشئاً عن محبّة ومودّة راقية كما هي الحال بين الإخوة.

لا يوجد أروع من هذا التعبير في بيان العلاقة بين المؤمنين، والذي يشير إلى شدّة تلاحم الأمّة المؤمنة، وتبادل الحقوق والواجبات فيما بينهم.

المبدأ الخامس: مبدأ الألفة الإسلاميّة والرحمة الإيمانيّة

لا يغفل القرآن الكريم الجانب القلبي والعاطفي إضافةً إلى الجانب القانوني، فيركّز على الألفة الإسلاميّة والرحمة الإيمانيّة في المجتمع، كما يركّز على الولاية المتبادلة التي تمثّل الجانب القانوني، ويرى تأليف قلوب المؤمنين نعمةً إلهيّةً ينبغي الاهتمام بها، ويعتبر الرحمةَ بين المؤمنين من صفات أصحاب رسول الله‘ الحقيقيّين.

تأليف قلوب المؤمنين نعمة إلهية

﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ (الأنفال: 62 ـ 63).

تقع هذه الآية في سياق بيان نعم الله تبارك وتعالى لنبيه‘، حيث يصف الله نفسه في البداية بـ: ﴿الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبِالْمُؤْمِنِينَ﴾، كما يصرّح بذلك في سورة آل عمران حيث يقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ولاَ تَفَرَّقُوا واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (آل عمران: 103).

إنّ هذه العلاقة أعمق بكثير ممّا نراه اليوم في التكتّلات الإسلاميّة على الصعيد الدولي كجامعة الدول العربيّة أو منظمة المؤتمر الإسلامي؛ لأنّها في غاية الأمر اجتماعٌ لأجل المصالح المشتركة، بينما يؤكّد القرآن الكريم على الجانب العاطفي والقلبي بين المؤمنين.

الرحمة بين المؤمنين من صفات أصحاب رسول الله

قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ والَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ ورِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ومَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وأَجْراً عَظِيماً﴾ (الفتح: 29).

لقد أعطانا القرآن الكريم ثنائيّة الرحمة والشدّة في العلاقة بين المؤمنين والكفّار، لكن للأسف قد ننسى هذه الثنائية ونتعامل بالشدّة فيما بيننا، ونتعامل بالرحمة مع الكفّار!

الودّ نعمة من الرحمن على العباد‏

قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمٰنُ وُدّاً﴾ (مريم: 96)، حيث تعتبر هذه الآية الشريفة المودّة عطية إلهيّة يعطيها للذين آمنوا وعملوا الصالحات، الأمر الذي يخبر عن مدى أهميّتها.

المبدأ السادس: الأخوّة الإسلاميّة

يركّز القرآن الكريم على مفهوم الأخوّة لتوصيف العلاقة بين المؤمنين في آيات عدّة، منها قوله تعالى: ﴿إنّما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات: 10)، وكذلك في النهي عن الغيبة يستخدم القرآن التعبيرَ نفسه، حيث يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ولاَ تَجَسَّسُوا ولاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ واتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ (الحجرات: 12).

وعندما أراد أن يتحدّث عن أحكام اليتامى والاهتمام بهم وصفهم بالإخوان، حيث قال: ﴿فِي الدُّنْيَا والْآخِرَةِ ويَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ واللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ولَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (البقرة: 220).

وكذلك عندما يتحدّث عن توبة المشركين ودخولهم في المجتمع الإيماني يعتبرهم إخواناً في الدين، حيث قال: ﴿فَإِنْ تَابُوا وأَقَامُوا الصَّلاَةَ وآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ونُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (التوبة: 11).

وكذلك عندما تحدّث عن الأدعياء وعدم كونهم أبناءً حقيقةً، يصف آباءهم بالإخوان في الدين، حيث قال: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ومَوَالِيكُمْ ولَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ ولٰكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ (الأحزاب: 5).

ويستخدم نفس التعبیر في قضية العفو عن القصاص أيضاً، فیقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ والْعَبْدُ بِالْعَبْدِ والْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ ورَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (البقرة: 178).

والظريف أنّ القرآن الكريم يركّز على مفهوم الأخوّة بدلاً من مثل علاقة البنوّة أو الأمومة، فلم يقل: إنّما المؤمنون أبناء وآباء أو أمّهات، لماذا؟

یقول بعض العلماء ـ مثل الشیخ جعفر السبحاني ـ فی الجواب عن هذا السؤال: لأنّ مفهوم الأخوّة يتضمّن التساوي، صحيحٌ أنّ علاقة الأمومة أو الأبوّة فيها محبّة وتواصل، لكنّ علاقة الأخوّة بالإضافة إلى المحبّة والمودّة تتضمّن التساوي بين الطرفين، فلا یشعر أحدهم بأنّه دون الآخر أو فوقه، هذا يعني أنّهم متساوون بينهم في الحقوق والواجبات.

ثمّ يستخدم القرآن الكريم أداة الحصر (إنّما)، لبيان هذه العلاقة بين المؤمنین، وكأنّه لا علاقة أخرى بينهم، فلا يوجد في المجتمع الإيماني إلا الأخوّة.

المبدأ السابع: مبدأ الإصلاح

قال تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إنما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات: 9 ـ 10).

وقال سبحانه: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وأَطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (الأنفال: 1).

وقال عزّ من قائل: ﴿لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ومَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ (النساء: 114).

المبدأ الثامن: مبدأ التعاون

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ولاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ ولاَ الْهَدْيَ ولاَ الْقَلاَئِدَ ولاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ ورِضْوَاناً وإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ولاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتَّقْوَى ولاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ والْعُدْوَانِ واتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (المائدة: 2).

ثالثاً: الحالات الطارئة والعناوين العارضة

في مقابل كلّ ما تقدّم من الأخوّة والمحبّة، ثمّة مبدأ واحد يستدعي عكس ذلك، لكنّه في إطار محدود جدّاً وهو مبدأ البغي، حيث قال تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إنما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات: 9 ـ 10).

يأمرنا الله تبارك وتعالى في هذه الآية بلزوم الإصلاح بين طائفتين من المؤمنين إذا اقتتلوا فيما بينهم، ففي البداية علينا أن نقوم بالإصلاح، لكن إذا بغت طائفة على الأخرى، علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا إلى أمر الله تبارك وتعالى، فالإسلام مع شدّة اهتمامه بوحدة المؤمنين، لكنّه لا يرضى بالظلم، فيأمرنا بنصرة المظلوم.

واللطيف أنّ الله تبارك وتعالى بعد الحديث عن قتال الباغين، يتحدّث مباشرةً عن أخوّة المؤمنين، ويقيّد قتالهم بالرجوع والفيء إلى الله، ممّا يشير إلى عرَضيّة هذا الحكم.

والنتيجة: إنّه بعد استقراء الآيات القرآنيّة نستنتج أنّ المزاج القرآني العام هو: الأخوّة الإسلاميّة، والرحمة بين المؤمنين، والمودّة، والإصلاح في الأمّة الواحدة، ورفض التفرّق والتمزّق. فالنصّ القرآني من أوّله إلى آخره يؤسّس لبناء أمّة مؤمنة تعمّها الأخوّة والرحمة والمودّة مع حفظها لحقّ المظلوم إذا اعتدي عليه.

رابعاً: استراتيجيات إدارة الاختلاف في ضوء المزاج القرآني العامّ

بعد أن رسمنا المبادئ العامّة في العلاقة بين المؤمنين في ضوء قراءة النصّ القرآني، ننتقل إلى السؤال الآتي: كيف ندير الاختلاف بين المؤمنين وفقاً لهذا المزاج القرآني العامّ؟ كيف نستطيع أن نحافظ على هذا المزاج القرآني العامّ في تلاحم المؤمنين وتواصلهم ومن ثمّ نتعامل مع ظاهرة الاختلاف والتعدّد؟

إنّ الاختلاف أمرٌ طبيعي في الحياة، سواء على صعيد الأبدان واللغات أم على صعيد العقائد والأفكار، من هنا يصبح السؤال الأهمّ: كيف نستطيع أن نجمع بين هذا التشدّد في تلاحم الأمّة الذي يستفاد من القرآن الكريم وبين هذا الاختلاف الطبيعي بين أبنائها؟

ثمّة اتجاهان في واقعنا المعاصر على مستوى التعاطي مع هذه القضيّة:

الاتجاه الأول: وأسمّيه «اتجاه القطع والتخاصم».

الاتجاه الثاني: وأسمّيه «اتجاه الوصل والتلاقي».

الاتجاه الأول: اتجاه القطع والتخاصم

يرى هذا الاتجاه نتيجةَ قناعته، أنّ الحلَّ الوحيد للخروج من هذا المأزق، هو القطع والتخاصم، فإذا واجهنا في واقعنا الإيماني انحرافاً سلوكيّاً، أو اجتماعيّاً أو فكريّاً أو ثقافيّاً أو سياسيّاً، فعلينا أن نستخدم معه في البداية الأسلوب الحسن، فإذا لم ينفع هذا الأسلوب فعلينا أن نرفع الوتيرة، فنستخدم أسلوب قطع الاتصال بينهم، فلا نفتح علاقات مع هذه الفئة الاجتماعيّة أو السياسيّة أو الفكريّة. إذاً، أول خطوة نخطوها هي قطع التواصل؛ لأنّ فيه حماية لنا، ومحاولة لإصلاح حالها.

فإذا اختلفنا مع أيّ تيار فكري أو سياسي أو ثقافي أو..، يجب علينا أن نستخدم معه أسلوب الحصار بكلّ الوسائل الممكنة، فنقوم بإقصاء أيّ شخصٍ نختلف معه، إلى حدّ عدم ذكره في المباحث العلميّة ووسائل الإعلام كلّها، معتبرين ذلك الطريقة المثلى في مواجهة الخلاف وإدارة الأزمة، حالنا في ذلك حال باحث معاصر قدّم اُطروحة دكتوراه في موضوع «الدولة الإسلامية»، لكنّه لم يذكر لا في الهوامش ولا في المصادر إسم الإمام الخميني! هل يعقل تدوين مصنّف كبير في هذا الموضوع مع تجاهل هذا الاسم/الرمز؟ نعم، إنّه منهج القطع والإقصاء والإلغاء من الوجود، بدل منهج الحوار. فلماذا لا أذكر آراء الخميني وأناقشها وأنتقدها إذا لم أكن موافقاً معها بدل سياسة الإقصاء والنفي هذه؟!

وهكذا تصبح صورة الآخر المؤمن الذي أختلف معه في عقلي مشوّهة جدّاً، وذلك لأنّي لا أتواصل معه، وربّما إذا جلست معه مرّة أو مرّتين زال سبعون بالمئة من تلك الصورة البشعة الموجودة لديّ عنه.

نحن اليوم في لحظة تاريخية حَرِجة، وينبغي أن نعي أنّ أيّ قرار نتخذه في هذه اللحظة التاريخية سوف يترك تأثيراً على الأجيال اللاحقة، فكيف علينا أن ندير هذه الأزمة وكلّ يوم يظهر فريقٌ جديد وتيّار جديد؟ علماً بأنّنا لا نستطيع منعه من الظهور؛ لأنّ الدنيا صارت مفتوحة اليوم. فما العمل؟

هذا الاتجاه يقول: أحمي ذاتي، وأرفض المخالف وأحاربه بأيّة طريقة ممكنة، وهذا ما أمرني به الله والرسول|، وهناك روايةٌ يُستند إليها في هذا السياق وهي ما أورده الكليني في «الكافي» عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله×، قال: «قال رسول الله|: ‏إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي، فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا مِن سبّهم، والقول فيهم، والوقيعة وباهتوهم‏؛ كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام، ويحذرهم الناس، ولا يتعلّموا من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة»([20]).

يجب أن ندرس هذه الرواية بموضوعيّة تامّة بعيداً عن العواطف والأحاسيس تجاهها أو ضدّها، تقول هذه الرواية: «أكثروا من سبّهم» و«باهتوهم»، أي تقول ـ وفقاً لبعض تفاسيرها ـ: عليكم بالبهتان والافتراء.

لقد استفاد هذا الفريق من هذه الرواية منهجَ القطع والتخاصم إلى درجة السبّ والبهتان مسندين إيّاه إلى الدين، لمواجهة كلّ التيارات العلمانيّة واليساريّة، بل والإسلاميّة التي يختلفون معها؛ لقطع مادّة الفساد في الأمّة.

أمّا هذه الرواية من حيث السند فهي روايةٌ صحيحة نُقلت عن الرسول‘، لكنّ بعض العلماء ـ مثل السيد السيستاني ـ يقول بأنّها تعارض القرآن الكريم، حيث قال تعالى: ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: 8)، فهذه الآية تصرّح بعدم الخروج عن جادّة العدالة في الخلاف مع الآخرين، فلا يحقّ لنا أن نسبّه أو نتّهمه بما لم يفعل، ونُسقطه من أعين الناس.

على أيّة حال، هذه وجهة نظر مطروحة للخروج من أزمة الاختلاف في الأمّة الإسلاميّة، وننتقل الآن إلى الاتجاه الثاني، وهو اتجاه الوصل والتلاقي.

الاتجاه الثاني: اتجاه الوصل والتلاقي

الاتجاه الثاني في مواجهة الاختلاف في الأمّة هو اتجاه الوصل والتلاقي، فلطالما يفتخر المذهب الإمامي بفتح باب الاجتهاد في مختلف العلوم الإسلاميّة من التفسير وعلم الحديث والفقه والأصول والتاريخ والعقيدة والفلسفه والتصوّف والعرفان. إنّ أحد الأعمدة الأساسيّة التي يفتخر بها المذهب الإمامي هو أنه يعلن فتح باب الاجتهاد ضمن معايير الاجتهاد الموضوعي والبحث العلمي.

إذن، ينبغي أن نعرف أنّ باب الاجتهاد مفتوحٌ، والاختلاف في الاجتهاد أمر طبيعي جدّاً، وهذا الاختلاف ليست نقمة، وإنّما هو نعمةٌ مَنّ الله بها علينا؛ لأنّه بالاجتهاد يتمّ إثراء العلوم الإسلامية، وهو أمرٌ ضروري لنهضة الحياة الفكريّة والعلميّة ولنهضة الوعي في الأمّة. في البداية لم تكن الأمور على هذا الشكل الذي نراه اليوم من المكتبات الضخمة في مختلف العلوم الإسلاميّة وإنّما صارت كذلك نتيجة التحاور والنقد المتبادل عبر مئات السنين.

فسدّ باب الاجتهاد كارثة حقيقيّة على الفكر الإسلامي، كما حلّ بأهل السنّة لمدّة قرون إلى أن اشتغلوا على إعادة فتحه مجدّداً منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. طبعاً ليس هذا بمعنى إلغاء الضوابط والمعايير في العمليات الاجتهاديّة، بل هناك ضوابط محدّدة ضماناً لموضوعيّتها وسلامتها.

إنّ مبدأ الاجتهاد يجرّنا إلى مبدأ ثانٍ وهو «معذوريّة الإنسان الخاطئ»، فإذا قبلنا بمشروعيّة الاجتهاد، نعلم أنّ المجتهد قد يخطأ أحياناً، وهذا أمرٌ طبيعي جداً، لكنّه معذور في خطئه إذا لم يكن مقصّراً، وهذا ما يتبنّاه جمهور علماء المسلمين، فإذا خرج المجتهد بنتيجة فقهيّة معيّنة، ثمّ بعد فترة تبيّن أنّه أخطأ، فليس هو بالمذنب ولا الذين اتّبعوه في هذه النتيجة؛ لأنّ إمكانات الإنسان في الفهم محدودةٌ، وقد يخطأ وقد يصيب، فمادام المجتهد لم يخرج من المعايير الموضوعيّة في البحث العلمي، ولم يقصّر، فهو معذورٌ عند الله.

كذلك الأمر في سائر المجالات الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة، فإنّ الاختلاف أمرٌ طبيعي، والمخطئ معذورٌ، فإذا اختلفنا مع الآخر يجب أن نحترم خطأه هذا، وفي الوقت نفسه نختلف معه في هذا الخطأ.

سأستشهد بنصٍّ للإمام الخميني لرفع الاستغراب عن بعض الأفكار، حيث يؤسّس به ـ رحمه الله ـ رؤيةً مختلفة في معذوريّة الإنسان الخاطئ. ثمّة بحث في مطاوي مباحث المكاسب المحرّمة حول الإعانة على الإثم، فإذا بعتَ شخصاً عِنباً وتعلم أنّه سيقوم بعصره ليجعله خمراً، هل يجوز أن تبيعه له؟ هناك بحث طويل في هذه القضيّة.

يبحث الإمام الخميني هذا الموضوع، وفي سياق الجواب على الاستدلال بسيرة المسلمين في بيع المطاعم من الكفار، يقول: «..لا لكون الكفّار غير مكلّفين بالفروع، فإنّ الحقّ أنّهم مكلّفون ومعاقبون عليها، بل لأنّ أكثرهم ـ إلّا ما قلّ وندر ـ جهّال قاصرون لا مقصرون. أمّا عوامّهم فظاهر؛ لعدم انقداح خلاف ما هم عليه من المذاهب في أذهانهم، بل هم قاطعون بصحّة مذهبهم، وبطلان سائر المذاهب، نظير عوام المسلمين، فكما أنّ عوامنا عالمون بصحّة مذهبهم وبطلان سائر المذاهب، من غير انقداح خلاف في أذهانهم لأجل التلقين والنشوّ في محيط الإسلام، كذلك عوامهم من غير فرق بينهما من هذه الجهة، والقاطع معذورٌ في متابعة قطعه، ولا يكون عاصياً وآثماً ولا تصحّ عقوبته في متابعته. وأمّا غير عوامّهم فالغالب فيهم أنّه بواسطة التلقينات من أوّل الطفوليّة والنشوء في محيط الكفر صاروا جازمين ومعتقدين بمذاهبهم الباطلة، بحيث كلّ ما ورد على خلافها ردّوها بعقولهم المجبولة على خلاف الحقّ من بدو نشوئهم. فالعالم اليهوديّ والنصرانيّ كالعالم المسلم، لا يرى حجّة الغير صحيحة وصادر بطلانها كالضروري له، لكون صحّة مذهبه ضروريّة لديه لا يحتمل خلافه. نعم فيهم من يكون مقصّراً لو احتمل خلاف مذهبه وترك النظر إلى حجّته عناداً أو تعصّباً، كما كان في بدو الإسلام في علماء اليهود والنصارى من كان كذلك. وبالجملة: إنّ الكفّار كجهّال المسلمين منهم قاصر، وهم الغالب، ومنهم مقصّر. والتكاليف أصولاً وفروعاً مشتركة بين جميع المكلّفين عالمهم وجاهلهم، قاصرهم ومقصّرهم. والكفّار معاقبون على الأصول والفروع لكن مع قيام الحجّة‌ عليهم لا مطلقاً، فكما أنّ كون المسلمين معاقبين على الفروع ليس معناه أنّهم معاقبون عليها سواء كانوا قاصرين أم مقصّرين، كذلك الكفّار طابق النعل بالنعل بحكم العقل وأصول العدليّة»([21]).

يعتبر الإمام الخميني في هذا النصّ أن أغلب الكفّار قاصرون، أمّا عوامهم؛ فلأنّهم يتربّون منذ نعومة أظفارهم على تعليمات مذهبهم، فلا يحتملون خطأها، ثم يشبّههم بعوام المسلمين، حيث يقطعون بصحّة مذهبهم من غير انقداح خلافها في أذهانهم، لأجل التلقين والنشوء في محيط الإسلام، فهم معذورون في اعتقادهم كمعذوريّة عوام المسلمين.

وأما غير عوامهم فهم أيضاً ـ في الغالب ـ لا يحتملون بطلان مذهبهم، وصاروا جازمين به بحيث كلّ ما ورد على خلاف مذهبهم يردّونه بعقولهم المجبولة على خلاف الحقّ منذ نشوئها. نعم فيهم من يكون مقصّراً لكنّها ليست الحالة الغالبة.

يبدو أنّ الإمام الخميني في نصّه هذا ينطلق من ذهنيّة فلسفيّة عرفانيّة أكثر من كونها فقهيّة أو تفسيريّة؛ لأنّه كان يسلك مسلك الفلاسفة والعرفاء، وهم كثيراً ما يؤمنون بهذا الاتجاه كالشيخ البهائي حيث كان يرى الرأيَ نفسه، ويقول: إذا بحث شخصٌ ولم يقصّر بينه وبين الله، ثم أخطأ، فهو معذور حتى في الاعتقادات.

هذا الكلام بالنسبة إلى غير المسلم، فكيف بنا إذا دخلنا دائرة المؤمنين، إذا اختلفوا فيما بينهم نتيجةَ فضائهم الاجتماعيّ أو السياسي، أو نتيجةَ العناصر التربويّة أو اختلاف الأعراف أو غير ذلك؟!

من وجهة نظر الاتجاه الأوّل علينا أن نستخدم لغة البهتان، ونَصِف المخالف بأهل الضلال وأهل الغواية، أمّا من وجهة نظر الاتجاه الثاني فعلينا أن نتفهّم الآخر ونحترمه. هذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي، لا نفعل شيئاً، بل لابدّ من الإصلاح، لكن يجب أن نتعامل معه من منطلق الرحمة والعطف متفهّمينه، دون أن يغيب عن بالنا أنّنا بأنفسنا من الممكن أن نكون مخطئين.

حسب التعبير المنقول عن السيد الصدر: نحن اليوم نعيش في عصرٍ يعمّه الشكّ النوعي، فلو جاء شابّ وشكّ في الإسلام، فهذه حالة طبيعيّة في ظلّ الغزو الثقافي من أقصى العالم إلى أدناه، فمن الطبيعي أن يقوم الشباب بنقاشات في قضايا فكريّة أو فقهيّة. لذلك نرى السيد الصدر يقول ـ فيما ينقل عنه ـ: هل إذا ارتدّ أحدهم يقام عليه الحدّ؟ إنّنا في عصر شكّ، ولسنا في عصر وضوح البيّنة، فهناك بعض الأمور بيّنة، لكنّ أموراً أخرى ملتبسة غامضة في ظلّ تسارع وتائر الحياة الفكرية والثقافيّة وغيرها.

إنّنا نجد اليوم في جامعاتنا، العديد من التيّارات الفكريّة والثقافيّة المختلفة، فكيف نستطيع أن نكلّف الشباب بعدم الخطأ؟ نعم، هناك فرقٌ بين أن أتعايش مع الخطأ، بأن أقبله وأرضى به، وبين أن أتفهّمه وأسعى لإصلاحه متفهّماً له، هذان مفهومان مختلفان تماماً.

خلافاً للاتجاه الأوّل الذي كان يتمسّك برواية السبّ والبهتان، يتمسّك أصحاب هذا الاتجاه الثاني بالنصّ القرآني، الذي هو محور الاجتهاد وعليه تعرض النصوص الحديثيّة كما قلنا مطلع كلامنا هنا، حيث يؤصّل القرآن لمبدأ الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، كما في قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (الإسراء : 282).

يمكن أن نضيف إلى ذلك، المبدأ الذي تكلّمنا عنه في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو مبدأ «حمل الهمّ الديني بطريقة وَسطيّة» دون غضبٍ أو انفعال. فهذا ما أكّد عليه القرآن الكريم أيضاً في أكثر من موضع، وهو في الحقيقة قاعدة استراتيجيّة عامّة لإدارة الخلاف في الأمّة.

ليس المهمّ ردّة الفعل نفسها، بل الأهمّ من ذلك كيف تكون ردّة الفعل هذه؟ ما هو الأسلوب الذي يكون أكثر تأثيراً؟ يرجّح أصحاب الاتجاه الأوّل أن يُبعَد الاختلاف عبرَ الضجيج والطرد، بينما الاتجاه الثاني يرى لزوم دراسة الموضوع بالتأنّي والسعي لوضع حلول أكثر منطقيّة.

المشاريع الكبرى، بدل المساجلات، طريقاً للحوار المذهبي

أوّل خطوة علينا أن نقوم بها هو أن لا نخشى من طرح الأفكار، ضمن سياسةٍ هادئةٍ متوازنةٍ، هذا لا يعني أن نرضى بالأخطاء أو نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل على العكس تماماً علينا أن نتشدّد جدّاً في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنّ هذا لا يعني أن نستخدم أسلوب القمع والطرد، بل علينا أن ندرس المسائل من جميع الزوايا، ونختار أفضل الحلول الممكنة، والتي منها العمل على المشاريع الكبرى.

وأعرّج هنا ـ لتقديم بعض الأمثلة ـ على ذكر أنموذجين من هذه المشاريع الكبرى التي قام بها علماء الإماميّة، للجواب عن الإشكاليّات التي وجّهت إليهم من طرف الآخر المذهبي، وهما مشروع السيّد محسن الأمين العاملي (1952م)، والآغا بزرك الطهراني ( 1970م)، ومشروع النهضة القرآنيّة بعد السيد عبدالحسين شرف الدين (1377هـ).

الأنموذج الأوّل: مشروع السيد محسن الأمين والآغا بزرگ الطهراني

قبل ثمانين سنة تقريباً كتب شخصٌ من علماء السنّة في الهند كتاباً وجَّه فيه تهمةً إلى الشيعة بأنّهم لا مصنَّف لهم ولا مصنِّف، شبهة كانت تثار سابقاً وإلى يومنا هذا تلوكها الألسن، ففكّر بعض العلماء في النجف، للردِّ على هذه التهمة.. لقد كان بإمكانهم الظهور إعلاميّاً للإنكار عليهم، لكن بدلاً من ذلك قرَّروا استخدام الردّ الاستراتيجي:

حيث تكفّل الآغا بزرگ الطهراني بتأليف كتابٍ يجمع فيه أسماء مؤلّفات الشيعة من القرن الهجري الأوّل، وربّما لا يوجد في تاريخ الشيعة كتاب أطول منه تأليفاً، حيث بقي في تأليفه حوالي خمسين عاماً، كتابٌ سمّاه بـ «الذريعة إلى تصانيف الشيعة»، وهو أكبر كتاب يجمع أسماء كتب الشيعة (عشرات الآلاف)، وليس فقط أسماءها، بل يتحدّث أحياناً عن مخطوطاتها، وعلى سبيل المثال يقول: «وقد رأيت مخطوطة هذا الكتاب في مكتبة كذا».

لقد بذل جهوداً مضنيةً لتأليف هذا المشروع وسافر إلى مختلف بقاع الأرض، إلى الهند ومكّة والمدينة والعراق وإيران ليحصل على نسخ مخطوطات، وكان يجلس أحياناً في مكتبات الهند لأيّام وليالي فقط ليسجّل كلّ كتاب يرى أوّله ويرى آخره، لم يكن يستطيع أن يطبع الكتب؛ لأنّه يحتاج إلى أموال كثيرة وهو لم يكن مدعوماً من قبل الدولة أو.. وإنّما كان لوحده مع اثنين أو ثلاثة ممّن يعاونونه.

هل يجرؤ أحد اليوم بعد وجود هذا الكتاب الذي أعطى جواباً استراتيجيّاً بعيد المدى أن يقول: لا توجد مؤلّفات للشيعة أو..؟

أمّا السيد محسن الأمين، فألَّف كتاب «أعيان الشيعة»، وبقي فيه سنينَ طويلة، ورحل إلى مختلف البقاع، وجمع فيه سيرة وأسماء عشرات الآلاف من علماء الشيعة من القرن الأوّل حتى وفاته عام 1952م.

هذه أجوبه استراتيجيّة بعيدة المدى، ونحن اليوم بحاجة لمثل هذه المشاريع، ليس فقط مشاريع تعليقيّة بأن نعلّق على ما حصل، بل مشاريع من هذا القبيل تستطيع أن تُثبت وجودنا.

الأنموذج الثاني: مشروع النهضة القرآنية بعد السيد عبد الحسين شرف الدين

هناك تهمة أخرى يوجِّهها السنّة إلى الشيعة بالنسبة إلى القرآن الكريم، بأنّهم لا يهتمّون بالقرآن ويقولون بتحريفه ولا يقرؤونه ولا يحفظونه، والسيد شرف الدين في كتابه «أجوبة مسائل موسى جار الله» ردّ على هذه الشبهة، محاولاً جمع أسماء بعض قرّاء القرآن من الشيعة المعروفين في العالم.

أمّا اليوم، فالسيد عبد الحسين شرف الدين ليس حيّاً ليرى عشرات الآلاف من حفّاظ القرآن في المشاريع الرائعة التي اُطلقت ببركة الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، وهذا جوابٌ عمليّ عن هذه الشبهة بأنّ الشيعة لا يهتمّون بالقرآن، حيث نجد خلال الستين أو السبعين سنة الأخيرة، عشرات الآلاف من حفّاظ القرآن وعشرات الآلاف من البرامج القرآنيّة ومئات من التفاسير الجديدة.

هذا النوع من الأجوبة العمليّة الدامغة أفضل بكثير من الادّعاءات أو الاتّهامات المتبادلة، عندما أقوم بتعريف نفسي للآخرين بطريقةٍ من هذا النوع، أستطيع أن أملك السّاحة على المدى البعيد.

كلمة أخيرة

نحن اليوم في لحظة تاريخيّة حَرِجة، حيث خرجنا من مرحلة الضعف إلى مرحلة القوّة، لكن ليس الخروج من مرحلة الضعف إلى مرحلة القوّة نهاية المشوار، وإنّما هي بدايته، هذا الخروج يضاعف المسؤولية على الإنسان. عندما نكون ضعافاً سنكون أقرب إلى الله ـ كما ذكر القرآن الكريم في قضيّة السفينة([22]) ـ ولكنّه عندما نخرج من الضعف نبتعد عن الله؛ لأنّ هناك عناصر دنيويّة تتدخّل في حياتنا وتبعدنا عن الله، وهذا هو الإنسان كما شرحه لنا القرآن الكريم.

ورد في قصّة موسى وبني إسرائيل، أنّهم قالوا لنبيّهم موسى×: ﴿قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أن تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ (الأعراف: 129).

﴿فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ هي مركز التحدّي والمسؤوليّة، سوف تدور الدائرة لكم وستملكون حرّية العمل، والقدرة، لنرى ماذا سيفعل بنو إسرائيل؟

نحن اليوم في مرحلة عزّة وقوّة وهيبة في العالم، نحن اليوم مطالبون بقوله تعالى: (فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) فعلينا أن نعي هذه اللحظة التاريخيّة، ونعرف كيف نعمل، ونبتعد عن الانفعالات والعصبيّات؛ لنقدّم تجربةً فريدة للعالم في كيفيّة تعاملنا مع بعضنا وإدارة اختلافنا، يمكن لها أن تكون أنموذجاً حيّاً إن شاء الله تعالى.

المحتويات

([1]) اُلقيت هذه المحاضرة في جامعة الزهراء في إيران، بتاريخ: 21 ـ 4 ـ 2013م، وقد قام الشيخ سعيد نورا بتقريرها وتحريرها، ثم راجعها المحاضرُ (الشيخ حبّ الله)، مجرياً عليها بعض التعديلات والتوضيحات.

([2]) راجع: حيدر حب الله، دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 5: 7 ـ 185، بحث (المدخل إلى الفقه القرآني).

([3]) الكليني، الكافي 1: 69.

([4]) المصدر نفسه.

([5]) المصدر نفسه.

([6]) راجع: حيدر حبّ الله، حجيّة الحديث: 279 ـ 213.

([7]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: لطف الله الصافي، بيان الأصول ‏1: 511، قم، الطبعة الأولى، 1428هـ.

([8]) محمد تقي الحكيم، الأصول العامة في الفقه المقارن: 354، قم، إيران، الطبعة الثانيّة، 1418هـ.

([9]) والسند هو: علي بن إبراهيم، عن إسماعيل بن محمد المكي، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن الحسين بن خالد، عمّن ذكره.

([10]) النوبُ والنُوبَةُ أيضاً: جِيلٌ من السودان، الواحد نُوبِيّ (إسماعيل بن حمّاد الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ‌1: 229، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1410هـ).

([11]) الكافي 5: 352.

([12]) محمّد باقر الصدر، بحوث في علم الأصول 7: 334، بقلم: محمود الهاشمي، قم، الطبعة الثالثة، 1417هـ.

([13]) والسند هو: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله×.

([14]) الكافي 4: 74.

([15]) الصدر، بحوث في علم الأصول 7: 334.

([16]) محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي، لسان العرب 8: 352، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ دار صادر، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1414هـ.

([17]) أحمد بن محمد الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي 2: 600، منشورات دار الرضي، قم، إيران، الطبعة الأولى.

([18]) محبّ الدين الواسطي الزبيدي الحنفي، السيد محمّد مرتضى الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس 11: 476، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1414هـ.

([19]) كذلك وردت هذه القصة في سورة الأعراف، حيث قال تبارك وتعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وأَصْلِحْ ولاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ولَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي ولٰكِنِ انْظُرْ إلى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وإِنْ يَرَوْا كُلَّ آية لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا وإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ولِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ واتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ ولاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وكَانُوا ظَالِمِينَ ولَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ورَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا ويَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ولَمَّا رَجَعَ مُوسَى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ ولاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ولِأَخِي وأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (الأعراف: 142 ـ 151).

([20]) الكافي 2: 375.

([21]) روح الله الخميني، المكاسب المحرّمة ‌1: 200 ـ 201، قم، إيران، الطبعة الأولى، 1415هـ.

([22]) وهي ما ورد في قوله تعالى: ﴿وَإِذٰا مَسَّكُمُ اَلضُّرُّ فِي اَلْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّٰ إِيّٰاهُ فَلَمّٰا نَجّٰاكُمْ إِلَى اَلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وكٰانَ اَلْإِنْسٰانُ كَفُوراً﴾ (الإسراء: 67)، وقوله سبحانه: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمٰاتِ اَلْبَرِّ واَلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجٰانٰا مِنْ هٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ اَلشّٰاكِرِينَ﴾ (الأنعام: 63).

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً