أحدث المقالات

مقدمة :

قبل سنين قليلة فقط لم يصعب على أي سلطة ذات نفوذ أن تدلي بمواقف بعينها , وتحجب أخرى , أن تمررأفكارا محددة , منتقاة بعناية دون سواها , أن تفرض توجهات خاصة على مجتمعها وكان حينها من السهولة لعب دور الأبوية والوصاية على المجتمع والسيطرة على ما يُقال ومالا يُقال في وسائل الإعلام , وفجأة وبلا إذن مسبق تفجّر بركان ثورة إعلامية غيّرت من حدود وسائل الإعلام شكلًا ومضمونًا أصبح من المستحيل بعدها حجب التوجهات الأخرى أو المعتقدات المخالفة أو الأيديولوجيات المضادة , بل بدلًا من ذلك , وبفضل هذه الثورة الإعلامية, حلّ محل هذه الوصاية, شيئًا فشيئًا أسلوب الحوار والانفتاح والإعلام المضاد.

الاتجاهات :

تعريف الاتجاه :

يُعرّف العالِم النفسي جوردن ألبورت الاتجاه على أنه إحدى حالات التهيؤ والتأهب العقلي والعصبي التي تنظمها الخبرة وما يثبته الاتجاه فإنه يكون مؤثرًا وموجها لاستجابات الفرد للأشياء والمواقف المختلفة , فهو عملية ديناميكية .

أما نيو كامب فعرّفه بعتباره الاستعداد للتنبه لحافز ما .

أما الدكتور عبد الحليم محمود السيد : بأنه عبارة عن مفهوم يعبر تنظيم لمشاعر الشخص ومعارفه وسلوكه , أي مدى استعداده للقيام بأعمال معينة ويتمثل في درجات من القبول والرفض .

تصنيفات الاتجاه:

من حيث القوة :

1-  الاتجاه القوي : يحدث حينما يكون موقف الفرد من الاتجاه موقفًا حادًا , لا يمكن المساومة عليه .

2- الاتجاه الضعيف : وهو يحدث عند من يقف من هدف الاتجاه موقفًا ضعيفًا , وذلك لأنه لا يشعر بشدة الاتجاه كما هو شعور الذي يقف في الاتجاه القوي .

من حيث الايجابية والسلبية :

الاتجاه الموجب : هو الاتجاه الذي يدفع الفرد نحو شيء ما . أما السالب : هو الاتجاه الذي يُبعد الفرد عن شيء ما .

وقد تكون الاتجاهات علنية , بحيث يتحمس حاملوها للافصاح عنها والجهر بها , وقد تكون سرية بحيث يكون الافصاح عنها يجلب الحرج أو المضايقات . وهناك أيضا أنواع أخرى في تصنيف الاتجاه , فهناك الجماعي والفردي : فالجماعي هو الاتجاه المشترك بين عدد كبير من الناس , وأما الفردي وهو الاتجاه الذي يميّز شخص عن آخر .
وأيضًا الاتجاه العام والنوعي : فالاتجاه العام هو الاتجاه المتعلّق بالكليات والعموميات , كالاتجاه نحو مذهب سياسي معيّن , وأما الاتجاه النوعي فهو الاتجاه الذي ينصب على النواحي الذاتية وتعتمد الاتجاهات النوعية على الاتجاهات العامة وتشتق الدوافع منها .

*وظائف الاتجاه:

1/ وظيفة المنفعة : أي تحقيق الاتجاه لمردود ايجابي للفرد وتقوم هذه الوظيفة على أساس سعي الإنسان نحو إيجاد اللذة والابتعاد عن الألم .

2/  وظيفة الدفاع عن الذات : يوظف الاتجاه لحماية الذات وذلك بأن يظهر الشخص أنواعًا من التصرفات والآراء التي تعبر عن اتجاه المجتمع ويخفي اتجاهه الحقيقي نحوها , التي ربما يواجه حين الإفصاح عنها الضرر أو العقاب , فالاتجاه المزيف يستخدم كنوع من الهروب الذي يساعد الفرد على حماية ذاته .

3/ التبرير : يقوم الفرد بابتداع معتقدات أو أسباب ليبرر بها اتجاهاته .

4/  التعبير عن القيم والمثل : قد يبتدع الفرد قيمًا ومُثلًا , ليستخدمها كمبررات لاتجاهاته في الحياة .

5/ الوظيفة المعرفية : تقوم هذه الوظيفة على الحاجة لرؤية الأمور في شكل نسقي ومنظم .

*مراحل تكوّن الاتجاهات :

المرحلة الأولى / المرحلة الإدراكية : يكون الاتجاه في هذه المرحلة ظاهرة إدراكية , يتعرف من خلالها الفرد على بعض العناصر الموجودة في البيئة الطبيعية أو الاجتماعية , فلذلك فإن الاتجاه في البداية يتبلور حول أشياء مادية كالبيت والسيارة والتلفزيون , وحول نوع خاص من الأفراد كالأخوة والأصدقاء , وحول نوع محدد من الجماعات كالأسرة , وحول نوع محدد من القيم كالشرف والتضحية .

المرحلة الثانية / مرحلة تكون الميل نحو شيء معين : وفي هذه المرحلة يبدأ الفرد بالميل نحو أشياء بعينها كأن يحب الفرد نوع معين من الأفلام , وقد يميل لمشاهدة الأفلام في أوقات وأماكن محددة , وفي هذه المرحلة يكون الاتجاه نتج عن خليط من المنطق الموضوعي والمشاعر والأحاسيس الذاتية.
المرحلة الثالثة / مرحلة الثبوت والاستقرار : إن الثبوت والميل بمختلف درجاته , يستقر في النهاية ويثبت على شيء ما , وإذا ما ثبت واستقر ذلك الميل فإنه يتحول إلى أحد الاتجاهات النفسية.

*بعض العمليات المرتبطة بالاتجاهات :

1/ الانقياد : ويتمثل في قبول الشخص بالتأثيرات الاجتماعية على المستوى السطحي من أجل تلقي ردود أفعال ايجابية من الآخرين .

2/ التقمّص : ومعنى التقمّص هو أن يشعر الفرد بأنه يشبه الطرف الآخر تمامًا , وعكسه الإسقاط (أي أن يشعر بأن الطرف الآخر يشبهه تمامًا) , ومثال على ذلك أن يعجب الشخص بشخصية من الشخصيات فيقوم بلبس نفس اللباس الذي يلبسه (القدوة) .

*تغيير الاتجاهات : يتغيّر الاتجاه بحسب عوامل اجتماعية كحدوث تغير جوهري في طبيعة التركيبة السكانية , أو تغير طبيعة الوضع الاقتصادي أو نتيجة لتلاقح ثقافي بين المجتمعات وبعضها البعض , وقد يكون هذا التغيّر ناتج عن تجربة فردية محضة , فيتغيّر الاتجاه أحيانًا نتيجة لما يسمى بالخبرة الانفعالية الحادة , كأن يتعرض الانسان لصدمة عميقة حينما ينتبه إلى وجود قيم عالية , أو مبادئ انسانية , أو مواقف مشرّفة , لدى أصحاب الاتجاهات التي يقف محاربًا إياها , إن التعرف المباشر لمثل هذه الحقائق بعد تغييب طويل , قد يدخل الانسان فيما يسمى بالخبرة الانفعالية الحادة , وقد يؤدي في كثير من الأحيان إلى الدخول لمرحلة تأييد الإتجاه المضاد , وليس بالضرورة أن تؤدي مثل هذه الخبرة إلى الدخول في مرحلة التأييد التام بل قد ينتج إثر ذلك أو لغيره من الأسباب , الدخول في حالة من الحيرة حول الاتجاهات المتصارعة مما يؤدي إلى حدٍ قد يصل فيه الفرد إلى مناقضة نفسه , وهذا ما يُعرف بحالة التأرجح  .

*ظاهرة التأرجح تعريف التأرجح :

عُرّف التأرجح بطرق عدة ومنها :

* أن  التأرجح هو نتيجة لتصارع أفكار ومشاعر ايجابية وسلبية داخل الفرد اتجاه الشيء موضع الاتجاه , فالتأرجح يجعل من الشيء في نفس الفرد جيدا ورديئا في الوقت عينه .

* التأرجح هو أن يكون لدى الأفراد العديد من الأفكار المتصارعة اتجاه القضايا المهمة.
* التأرجح هو وجود متزامن لمشاعر متصارعة.

أسباب التأرجح:

1/  الصراع في المعتقدات الجوهرية : إن الصراع الذي قد يشعر به الفرد حيال معتقداته الجوهرية , سيؤدي إلى تأرجحه في تشكيل اتجاها إزاء المعتقد .
2/  عدم وجود بناء أيديلوجي صارم وراسخ لدى الفرد يعينه على ضبط اتجاهاته.
*معايير قوة الاتجاه التي ترتبط سلبيا (عكسيًا) بظاهرة التأرجح:
1/ الأهمية : كلما شعر الفرد بأهمية قضية من القضايا , فإنه يعطيها كما كبيرًا من التفكير مما يتيح له تشكيل توجها واضحا نحوها .
2/ اليقين : وهي مدى ثقة الفرد بصحة آراءه , فكلما ازداد مستوى اليقين , كلما ازداد امتناع الفرد عن تقبل الرسائل المضادة.
3/ إعمال العقل : وهو عبارة عن مستوى وحجم التفكير الذي يوليه الفرد لقضية ما , فكلما زاد التفكير بهدف تأييد قضية معينة كلما كان الاتجاه نحوها أكثر استمرارية ومقاومة للتغيير
4/ التطرف : وهي درجة انحراف الاتجاه عن الوسطية , فكلما ازداد الاتجاه تطرفًا كلما كان أكثر تبلورًا وتماسكًا وبالتالي كان أكثر مقاومة واستمرارًا.
5/  الشدة : وهي درجة توهج الانفعالات العاطفية تجاه قضية ما , فالاتجاهات التي تدعمها مشاعر قوية تكون أكثر مقاومة للتغيّر.
6/  الالتزام : وهي مدى نية الفرد للعمل لصالح قضية ما – أو العمل ضدها – مع اعتقاده بعدم احتمالية تغيير اتجاهه , وكلما زاد الالتزام اتجاه قضية ما كلما كان الاتجاه نحوها أكثر مقاومة .
7/ المعرفة السياسية العامة : هذا الافتراض ينص على أن الفرد كلما كان أكثر معرفة بقضية ما , كلما كان أقدر على تفنيد الرسائل المضادة , وأوضحت بعض الدراسات أن مستوى المعرفة يرتبط ايجابيا بمستوى ثبات إجابات المبحوثين .

*نظريات تغيير الاتجاهات :

1/  نظرية التعلم : بما أن الاتجاهات في عمومها مكتسبة ومُتعلَمة , فإنه يمكن توظيف قوانين التعلم الشرطي والحواري بعناية في عملية تغيير الاتجاهات.
2 / نظرية التفاعل مع عناصر المعرفة : حيث تؤكد هذه النظرية على أن عملية تغيير الاتجاه تحدث عند حصول الفرد على معلومات جديدة ومن ثم يقوم بإدراكها, فتدخل في عملية تفاعلية مع معلوماته ومعتقداته السابقة .
3 /  أسلوب وضع القدم في الباب : وهو تعبير عن ترك باب الحوار والجدال مفتوحًا بلا هوادة , حتى لو تحوّل إلى جدل بيزنطي مع الشخص المراد تغيير اتجاهه , وليس الحوار وحسب , وليس الهدف من الحوار هو الوصول من لنتيجة خلاله , بل الهدف الحقيقي من الجدال الدائم معه هو اقناعه لا شعوريًا بأنه في موضع اتهام , بل يكون القاء التهم الجزاف عليه مجانيًا وبلا انقطاع عند استخدام تقنية (القدم على الباب) إن هذا العامل يعتبر من العوامل المهمّة والحيوية في تغيير اتجاه الفرد أو الجماعة , لأنه كلما شعر بأنه قد تم شيطنته , أو ازدراءه فإنه سيستجيب لا إراديًا ليكون في رحلة لا نهاية لها من محاولة اثبات البراءة , بل تتحول محاولة تحسين الصورة إلى هدف بحد ذاته ولو على حساب اتجاهه الذي يتمسك به .
4 /  استغلال مشاعر الخوف والقلق .
5 / أسلوب التوريط : وهذا النوع يعتمد على توريط الشخص المراد تغيير اتجاهه في موقف ما أو علاقة معينة , كما تقوم بعض الدول في توريط الدول المعادية بعلاقات اقتصادية حيوية , وتشبيكها بعقود ضخمة , ومن ثم يتم توظيف هذا الموقف في فرض اتجاه جديد عليها , أو تعديل وتغيير اتجاهاته السابقة .
6 / الإعلام :  يلعب الإعلام دورًا هامًا في تكوين الاتجاهات وتغيير السلوكيات كوسيلة من الوسائل الاجتماعية ويساهم أيضًا في النمو النفسي للفرد ,وترسيخ العقائد والقيم , أو محاولة نقدها وتصحيحها .

* نماذج الاتصال الجماهيري : بعد اهتمام الأبحاث بمسألة الاتصال ووسائل الاتصال وتعددها الذي أدى لزيادة تعقيدها , كان من الضروري تحليل هذه الوسائل ودراستها ، ومعرفة مدى تأثيرها ، وأساليب تأثيرها أيضًا , ومن هنا شرع كل باحث بالانطلاق من مدرسة معينة وانتماء علمي مختلف , مما أدى لاحتياج الباحثين إلى خلق نموذجٍ مبسّط لعملية الاتصال , لأجل أن يبني عليها تصوره ونظرياته .
إن النموذج عبارة عن الآلة الفكرية تزود الباحث بإطار الافتراضات وتشخيص المتغيرات الأساسية .
أو قُل هو ذلك البناء الشكلي للعلاقة بين العناصر والمتغيرات في الظاهرة المبحوثة لمساعدة الباحث على تفسير هذه الظاهرة .
ونماذج الاتصال تعرف بأنها النماذج التي تشرح عملية الاتصال وتفسرها وتبين كيفية حدوثها .
والنماذج المذكورة في هذا البحث هي فقط أهم وسائل الاتصال الجماهيري مع شرحها باختصار وأما التفاصيل فتُطلب من مواردها .
1/  نموذج الخبرة المشتركة : ينظر نموذج الخبرة المشتركة إلى الجمهور على أساس أنهم عبارة عن تجمعات , ووسائل الاتصال نادرًا ما تؤثر على الجمهور بشكل مباشر , ويكون تأثير وسائل الاتصال أكبر إذا ما غذّت المجموعات الصغيرة بالأفكار والمعلومات عبر(قادة الرأي) وهم يقومون ببث تلك الرسائل إلى الأفراد الآخرين .
وتؤكد هذه النظرية على وجوب وجود خبرة مشتركة بمعنى وحدة المواقف والأفكار والرموز بين المرسل والمستقبل , وأن فاعلية الاتصال تتحدد بذلك .
وطبقا لهذا النموذج فإن المرسل يقوم بوضع أفكاره في شيفرة على شكل بيان علني , ثم يفسرها , فتصل الرسالة للمستقبل ويفك الشيفرة لقراءة الأفكار الواردة في البيان .
وأبسط مثال على ذلك هو عندما يريد أحد إيصال فكرة ما فهو يحتاج إلى لغة يفهمها المستقبل ليعبر بواسطتها عن فكرته , ففي حال عدم امتلاك صاحب الفكرة للشيفرة (اللغة) المشتركة بينه وبين المستقبل فعملية الاتصال لا يمكن أن تتم . وليحدث الاتصال أثرا بناءا على هذا النموذج يجب أن يحقق الشروط التالية  :
أ – أن تكون الرسالة جديرة بالانتباه .
ب – أن تحمل علاماتها خبرة مشتركة , وتجارب مشتركة مع المتلقي .
ج – يجب أن تكون ذات صلة باحتياجات المتلقي .
د – يجب أن تحتوي الرسالة على وسيلة لتحقيق هذه الاحتياجات .

2/  نموذج الفعل الاقناعي : بحسب هذا النموذج فعملية الاتصال تتم بالأسئلة التالية :
أ – من يقول ؟ (من هو المرسل)
ب – ماذا يقول ؟ (ما هي رسالته)
جـ –  بأي وسيلة ؟ (وسيلة الاتصال مع المتلقي , هل هي كتاب أم مذياع أم تلفزيون أم اعلان عابر ؟!)
د – لمن يقول ؟ (طبيعة اتجاه الجمهور المستهدف وتصنيفاته من الناحية الثقافية والعمرية والجنسانية والتعليمية)
هـ – بأي تأثير ؟
ومن عيوب هذا النموذج هو أنه يسير في خط مستقيم , أي انه يفترض بأن عملية الاتصال هي عملية ديناميكية آلية عبارة عن فعل واستجابة فقط , أي أنه لا ينظر للاتصال باعتباره عملية ذات تغذية مرتدة بين المرسل والمستقبل  .

3 / نموذج حارس البوابة :
يفترض هذا النموذج أن تدفق المعلومات من خلال وسائل الإعلام يمر بعدة بوّابات , وكل بوابة تسيطر عليها جهة ما يشبه دورهم دور حارس البوابة , إذ أنهم يمررون من المعلومات ما يتوافق مع مصالحهم ويساهم في تأييدهم وتأييد الأيدلوجية التي ينطلقون منها ويمنعون مالا يتماشى مع مصالحهم وذوقهم .

4 / نموذج الوسيلة هي الرسالة :
ينظر هذا النموذج إلى أن الوسيلة التي يستخدمها الناس في الاتصال هي أهم من المضمون الإعلامي نفسه , إذ أن الوسيلة هي التي تشكل مدركات الإنسان وتؤثر في اتجاهاته , لأن الوسيلة هي التي تحدد كيفية تلقي الفرد للمضمون الإعلامي .

*نظريات تأثير الاتصال :

أولا نظريات التأثير المباشر :

أ- نظرية الحقنة تحت الجلد :

تشبه هذه النظرية وسائل الإعلام من حيث سرعة تأثيرها على المتلقي بالحقنة التي يأخذها المريض .

وتقوم هذه النظرية على خمسة افتراضات وهي :

1 – أن الرسالة الإعلامية تُفهم بشكل متقارب في المجتمع الجماهيري .

2 – أن وسائل الإعلام لها من المنبهات والمؤثرات ما يُمَكنها من التأثير على المشاعر والعواطف بشكل كبير .

3 – أن الاستجابة التي تحدث نتيجة لتلك المنبهات والمؤثرات متقاربة إلى حد كبير بين الأفراد , مما يعني أن التغييرات التي تحدثها تكون بمستوى متماثل في المجتمع .

4 – يرجع قوة تأثير الوسائل الإعلامية إلى ضعف وسائل الضبط الاجتماعية  كالتقاليد والأعراف .

5 – أن الفرد يحصل على المعلومات بشكل فردي من وسائل الإعلام بلا وسيط , وكذلك فإن ردة فعله تكون فردية , ولا تعتمد على تأثير المتلقين على بعضهم البعض .

ثانيا نظريات التأثير الانتقائي :

أ – نظرية الاختلافات الفردية :

تقوم هذه النظرية من منطلق أن الأفراد يختلفون في بنائهم النفسي , وعليه فإن الاستجابة الناتجة عن الرسالة الإعلامية تختلف من شخص لآخر , إذ أن هذه النظرية تحجّم من دور وسائل الإعلام في التغيير وتعديل الاتجاهات , وتنظر لوسائل الإعلام على أنها وسائل ضعيفة التأثير وغير مباشرة والاستجابة لها يكون انتقائيا .

قد قام العالم ملفين ديلفير بتلخيص الخطوات النظرية لنظرية التأثير الانتقائي كالتالي:

1 – بالرغم من وحدة الرسالة التي تقدمها وسيلة الإعلام إلا أن تفسيرها يختلف بين الأفراد بطريقة انتقائية .

2 – يرجع سبب هذه الانتقائية في التفسير إلى اختلاف الوعي الإدراكي بين أفراد المجتمع.

3 – يرجع الاختلاف في الإدراك إلى اختلاف البنية الثقافية والفكرية لدى الفرد واختلاف الأفراد في معتقداتهم وتوجهاتهم وحاجاتهم وقيمهم .
4 – بما أن الإدراك يتم بطريقة انتقائية , فيتبع ذلك أن الاستجابة للرسالة تتم بطريقة انتقائية أيضًا .

2 – نظرية الفئات الاجتماعية : تقوم نظرية الاختلافات الفردية على الاختلافات بين الأفراد , بينما تقوم نظرية الفئات الاجتماعية على الاختلاف بين الجماعات , حيث تفترض هذه النظرية أن أفراد الجماعة الواحدة يختارون نفس المضمون الاتصالي , ويجري عليهم نفس التأثير تقريبا , ويرجع السبب في ذلك كما تقول بعض البحوث إلى تأثير الأفراد على بعضهم داخل المجموعة الواحدة .

ثالثا نظريات التأثير غير المباشر :

أ – نظرية النموذج :

وتهتم هذه النظرية بدراسة كيفية اكتساب الأفراد لسلوكياتهم من خلال خلق النماذج ، سواء كانت هذه النماذج على هيئة (نجم) ، او من خلال اصطناع نمط معيشة معيّن  بحيث يتم اظهاره كالنموذج الأمثل .

بحيث تتم عملية النمذجة هذه  بالمراحل التالية :

1 – يلاحظ الفرد أن هناك شخصا أنموذجا يظهر في المحتوى الإعلامي .

2 – يقوم الملاحظ بالتعرف على النموذج والتماثل والاندماج معه , بحيث يعتقد أنهما متشابهان , أو أنه يرغب بأن يكونا كذلك مثل هذا النموذج ,لكونه يراه أهل للتقليد (عملية تقمّص).
3 – يستنتج الملاحظ (بوعي أو بدون وعي) أن سلوكيات هذا النموذج مفيدة , أو ستؤدي بنتائج يرغب بها ويطمح إليها .
4 – يتذكر الشخص سلوكيات يقوم بها النموذج في بعض الظروف ” ” , فيقتبسها ويقتنع أنها الوسيلة المناسبة للاستجابة لذلك الموقف .
5 – عندما يقوم الفرد بهذا السلوك في مواجهة موقف التأثير فإنه يشعر ببعض الرضا أو الراحة أو القناعة , فتتكون لديه رابطة بين هذه المؤثرات ويزداد تدعيمها .
6 – يزيد الدعم الإيجابي من احتمال استخدام الفرد لهذا السلوك باستمرار كوسيلة يراها مناسبة للاستجابة لموقف مشابه .

2 – نظرية تحديد الأولويات :
تدور فكرة هذه النظرية حول أن هناك علاقة وثيقة بين الطريقة التي تتطرق بها وسائل الإعلام الإخبارية للموضوعات وبين ترتيب أهمية هذه الموضوعات كما يراها متابعوا الأخبار.
مما يعني أن وسائل الإعلام كلما اهتمت بقضية من القضايا وركّزت على طرحها فإنه من المفترض – بحسب هذه النظرية – أن تكون تلك القضية من أكثر ما يهتم به المتابع لهذه الوسيلة الإعلامية .
إلا أن هذا التأثير لا يكون بمعزل عن الواقع الاجتماعي والمتغيرات الأخرى التي تحدد أجندة الجمهور .
ومن المتغيرات الهامة في هذا المجال , درجة التجانس بين الجمهور , ووسيلة الاتصال المفضلة لديهم , والخبرة المشتركة بالقضايا المطروحة بين الوسيلة والجمهور .
ويجدر بالذكر أن معظم البحوث التي قامت في إطار نظرية الأجندة ذهبت إلى تفوّق الصحافة في وضع الأجندة .
3 – نظرية الاعتماد على وسائل الاتصال :
تتلخص هذه النظرية في أن قدرة وسائل الإعلام على التأثير العاطفي والمعرفي والسلوكي سيزداد إذا ما تمكنت من نقل المعلومات بشكل مميز ومكثف , وأن احتمال زيادة التأثير سيزداد في حال وجود حالة من عدم الاستقرار في المجتمع بسبب الصراع أو التغيير .
ويمكن أن ترتد عملية التأثير لتغير كلا من المجتمع ووسائل الإعلام أيضا .
وأما بالنسبة للحديث عن كيفية التأثير في ظل هذه النظرية , فالتأثير المعرفي سيكون عبر إمداد المتلقي بالمعلومات حول أحد المواضيع التي يكتنفها الغموض ثم تقدم له التفسيرات اللازمة لتلك القضية, وقد يكون أيضًا عبر المساهمة في توعية المتلقي للأهمية النسبية لبعض القضايا . أما التأثير الوجداني فيكون عبر إثارة المشاعر والعواطف في نفسه, كالحب والكره والخوف والطمأنينة اتجاه قضية من القضايا . وأما التأثير السلوكي – بالفعل أو الامتناع عن السلوك –  فهو تأثير مترتب عن التأثير المعرفي والوجداني .

4 – نظرية الغرس الثقافي :
قد ركّزت بحوث المؤشرات الثقافية على ثلاث قضايا متداخلة وهي :
أ – دراسة الرسائل والقيم والصور الذهنية التي تعكسها وسائل الإعلام .
ب – دراسة الهياكل والضغوط والعمليات التي تؤثر على العمل الإعلامي .
ج – دراسة المشاركة المستقلة للرسائل الجماهيرية على إدراك الجمهور للواقع الاجتماعي .

وتعتبر هذه النظرية تصورًا تطبيقيًا للأفكار الخاصة بعمليات بناء المعنى , وتشكيل الحقائق الاجتماعية , والتعلم من الملاحظة , وتؤكد هذه النظرية على قدرة الوسائل الإعلامية على التأثير على معارف الأفراد وإدراكهم لما يحيط بهم , وخصوصًا أولئك الذين يتعرضون لتلك الوسائل بكثافة كبيرة .

* تطبيقات إعلامية في تغيير التوجهات :

أ – الدعاية :

تعريف الدعاية :

1 – تعريف bogart : هي فن يتطلب موهبة خاصة فهي ليست عملية آلية بل عمل علمي , إذ أن التأثير في الاتجاهات يتطلب خبرة ومعرفة واسعة لدى رجال الدعاية الذي يجب أن يكون لديه حس ومعرفة لما يفكر فيه الجمهور .

2 – تعريف بورجارديس :الدعاية في معناها الحديث هو عرض فكرة أو برنامج واحد باعتباره حقيقة أساسية كبرى .

3- تعريف البروفيسورة جيهان رشتي : هي محاولة متعمدة باستخدام وسائل الإعلام لتكوين الاتجاهات أو السيطرة عليها , أو تعديلها عند الجماعات , لتحقيق هدف ما .

من الملاحظ أن أول تعريفين يتفقان في أن الدعاية تهدف إلى خلق الميول لدى الرأي العام .

ولكن تعريف جيهان رشتي , ينظر إلى أن الهدف أساسًا من الدعاية هو التحكم في الاتجاهات والسيطرة عليها بطريقة متعمدة ومدروسة ومخطط لها , وذلك باستخدام الإقناع بشتى الوسائل .

أقسام الدعاية :

أقسام الدعاية من حيث الموضوع :

أ – دعاية سياسية .
ب – دعاية اجتماعية .
ج- دعاية اقتصادية .
د – دعاية حربية (الحرب النفسية) .

أقسام الدعاية من حيث المضمون :

أ – دعاية بيضاء : وهي الدعاية المكشوفة الهدف حيث تهتم بتوعية الشعب بمختلف جوانب الحياة .

ب- دعاية سوداء : وهي الدعاية التي لا يُعرف مصدرها الحقيقي وتنمو بطرق سرية , وتهدف عادة لإثارة البلبلة والتحريض وتغرق الرأي العام بالأخبار الزائفة والإشاعات .

ج – الدعاية الرمادية : وهي التي لا تخشى من أن يقف الرأي العام على مصدرها الحقيقي ولكنها تختفي وراء هدف معين وتعمل بطريقة غير مباشرة خلال مصادر متنوعة .

أقسام الدعاية من حيث الأهداف :

أ – دعاية إثارة وتهييج الرأي العام .

ب – دعاية تسعى لتحقيق الترابط بين المجتمع .

ج – دعاية تهدف لتغيير المجتمع .

د – دعاية تعزيز وترسيخ الاتجاهات القائمة داخل المجتمع .

أساليب الدعاية :

تتبع الدعايات أساليب كثيرة جدا لكل أسلوب منها خصائصه وظروفه الخاصة ومن هذه الأساليب : الصورة الذهنية , التلقين , الكذب , التشويه بالحذف أو الإضافة ,التكرار , المبالغة , الإثارة , التشكيك في الذات أو في الآخر , التلاعب بالمشاعر أو التكتيكات العاطفية , الارتباط الزائف , أسلوب التكرار أو الملاحقة , أسلوب الإثارة العاطفية وأفضل استخدام لهذا الأسلوب عندما يكون من الصعب إقناع الرأي العام عن طريق الأدلة والحقائق والمنطق السليم إذ أن الدعاية تعتمد على الإثارة العاطفية لا على المناقشة والإقناع , أسلوب عرض الحقائق , أسلوب تحويل انتباه الجمهور ,أسلوب افتعال الأزمات حيث تستغله وسائل الإعلام كأسلوب حديث في تأجيج الرأي العام وتغيير توجهاته عن طريق افتعال أزمات على خلافات بسيطة أو أن تكون هذه الخلافات مختلقة أصلا , ومن الأساليب أسلوب إثارة الرعب والفوضى , وهذا الأسلوب يستخدم عادة في الحروب النفسية التي تحدث لكسر معنويات شعب من الشعوب أثناء دخوله في حرب مع دولة أخرى , وهو في الواقع من أقدم الأساليب الحربية وأكثرها فاعلية , وكمثال يبين مدى قوة الحرب النفسية ما كان يستخدمه القائد المغولي جنكيز خان حيث كان من المنتشر والشائع بين الناس أن لهذا القائد أعدادا لا تنتهي من الجنود ولا يمكن لأي قوة أن توقفهم لكثرتهم , ولكن قد تحدثت بعض الدراسات – ويا للعجب – أنه لم يكن من الممكن أن يكون لجنكيز خان ذلك العدد المهول الذي اعتقده الناس حينها إذ أن الأراضي في أواسط آسيا لم يكن من الممكن أن تعيل هذا العدد الهائل الذي توهموه لجيش جنكيز خان , فكل ما في الأمر أنه كان يعتمد على تكتيكات حربية قوية وفاعلة , وإلى جانب ذلك كان يواجه جنودًا محطمين معنويًا لكثرة ما سمعوا عن هذا الجيش الذي لا يمكن مواجهته والصمود أمامه ! .

ومن الأساليب كذلك خلق التعصب , عرض الآراء كحقائق , النسب الاحصائية المتحيزة , انتقاء المعلومات , العناوين المضللة, الصور غير المحايدة  حيث أنهم يستخدمون صورة تظهر جانبا واحدا من القضية التي تصب في صالح الأيدلوجية التي تنطلق منها وسيلة الإعلام دون وضع الحقيقة الكاملة بيد المشاهد , ومن الأساليب المهمة كذلك  التكرار , الاحتكام إلى المراجع أو المصادر , الخيال .

ب – تلفزيون الواقع :
يبدو أن السخط على فكرة تلفزيون الواقع لا تنبع فقط من المجتمعات المتدينة والمحافظة بل يشترك في السخط عليها أيضا أكثر المجتمعات تحررا وليبرالية , ففي عام 2001 قامت القناة السادسة الفرنسية بعرض برنامج من برامج تلفزيون الواقع تكمن فكرته في أن يعيش مجموعة من الشباب والفتيات في شقة بعيدين عن أهاليهم لمدة سبعين يوما , فيقوم المتابعون بالتصويت على أفضل الشخصيات الموجودة في تلك الشقة ومن يحصل على عدد الأصوات الأقل يتم استبعاده إلى أن يصل في النهاية صاحب عدد الأصوات الأكثر إلى المرتبة الأولى , ولا شك أن مثل هذا البرنامج المثير للانتباه والجدل معا , قد جذب الآلاف من المشاهدين والمعجبين , ولكن في المقابل يبدو أن الرأي العام الفرنسي لم يكن لينظر إلى مثل هذه البرامج بقدر كبير من الاحترام إذ تظاهر عدد كبير من المحتجين والغاضبين أمام مبنى تلفزيون القناة السادسة ويصمونها بـ (قناة النفايات) وطبعًا لم يكتف هؤلاء الغاضبين بإطلاق تلك الصفة عليها بل لجأوا لتصرف أكثر توضيحا لموقفهم من القناة  , حيث رموا كمية كبيرة من النفايات أمام القناة كإشارة رمزية للاسم الذي أطلقوه عليها , هذه الاحتجاجات لم تنبع بالتأكيد من وازع ديني أو أخلاقي , إذ أن ما يعرض في سواها من القنوات أشد تفسخا وانحلالية , فمالذي دعا الشارع الفرنسي أن يعبر عن سخطه الشديد اتجاه هذا البرنامج ويسمي القناة الفرنسية بسبب أحد برامج تلفزيون الواقع بقناة النفايات ؟
في الحقيقة لا يمكن أن يكون هناك شيء يجلب السخط على مثل هذه البرامج أكثر من وحشية القواعد التي تؤسس لها ولقبولها في المجتمع , وإلى تعزيز القيم اللا إنسانية لدى المشاهد , ولو تأمل الناظر قليلا , فمالذي يدعو في مثل هذه البرامج لاستبعاد أحدهم وإبقاء الآخر ؟ أليس تفضيل المشاهدين للمتسابقين سيكون على أساس الجمال والعرق والصوت واللون ؟ أليست هذه هي عينها الفلسفة التي خرجت من رحمها الفاشية والنازية , اللهم أنها جاءت بأسلوب مستحدث وناعم ومتلبس بلبوس الحضارة والحياة العصرية ؟  ولعل تلفزيون الواقع على ما فيه من تسويق للعنصرية , وما فيه من ترسيخ لمبدأ حياة الغابة (البقاء للأقوى) , إلا أنه لا يظهر ذلك بذات الوضوح كما هو في برامج الشعر النبطي التي تقام بشكل كبير على شاشات التلفزيون هذه الأيام , وتحظى بحفاوة كبيرة.
وإذا ما تم إمعان النظر قليلا إلى هذه المسابقات التي تقيمها القنوات الخليجية تحديدًا وتصرف عليها الملايين, ألا يُلاحظ أن التقييم يراد منه تعزيز العصبيات القبيلة والعرقية والجغرافية ؟ وكل ذلك يجري لأسباب تجارية بحتة ؟

ج – الأفلام السينمائية :

لم تغفل الولايات المتحدة الأمريكية , أهمية السينما منذ بداية ظهورها , فأفلام هوليود وما يُعرض فيها لم يسر قط في اتجاه يتقاطع مع السياسة الأمريكية , فعلى سبيل المثال لم يُذكر على طول قرن من الزمان العرب بأي خير ومعروف , فالعربي في سينما هوليود دائما ما يكون ذلك الجشع , الثري , الشرير , الجاهل , الشرس , الذي يهوى القتل والصراخ بكلمات غير مفهومة , إلى هذا اليوم تصوّر السينما العرب على أنهم بدو رُحّل يسكنون الخيام ويتنقلون بالإبل ويمتلكون الجواري والعبيد .

وتصوير العربي على أنه يعيش في هذا المستوى من التخلف , كان من المسببات الرئيسة التي جعلت الرأي العام العالمي يتأثر ويبكي لقتل القطط والكلاب أكثر من تأثره بالمجازر التي حدثت للعرب الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين .

من الملاحظ من منتجي أفلام هوليود إذا ما أرادوا نقد ظاهرة ما , أو غرس اتجاه ما لدى المشاهد , فأبرز وسيلة يستخدموها هي الكوميديا , فالكوميديا تحتوي على سحر عجيب لتمرير الأفكار , وتغيير التوجهات , ونقد الآراء .
ونذكر بعض الأمثلة لهذه الـ (الكوميديا)

قام الممثل  الكوميدي الكندي الشهير Jim Carrey بتمثيل فيلم كوميدي عام 2003 بعنوان (Bruce Almighty)
(بروس تبارك وتعالى)  , تدور أحداث الفيلم حول مراسل لقناة إخبارية يعيش حياة كئيبة , فيصل إلى قمة السخط على الله عز وجلّ , فيقرر الإله مقابلته فإذا هو – أي الإله – رجل أسود هادئ وديع , فيهب للصحافي بروس كل قدراته الإلهية ويتحداه بأن يدبر شأن العالم بنحو أفضل منه .

قد تبدو فكرة تجسد الإله في إنسان مقبولة من حيث المبدأ, عند بعض الديانات التي تعتقد بالتجسد, إلا أن عرض موضوع التدبير الإلهي بطريقة ساخرة ومحاولة جعلها مسألة تبعث على الضحك , فهي بلا شك ليس ضحكا بريئًا , بل تهدف لتقبل فكرة مفادها أن هذا العالم أكثر تعقيدًا من أن يدار من طرفٍ واحد .

وتقوم أفلام هوليود أحيانا بالغرس في ذهن المشاهد على أن شتم الذات الإلهية مسألة اعتيادية في حال الغضب والانفعال, ولا يخفى دور الأفلام والمسلسلات في زرع الألفاظ التي تُنطق عفويًا لدى المتلقي لها . ففي أحد الأفلام يُبحر الممثل فيُفاجأ بعاصفة , وكلما أراد أن يجد وسيلة للنجاة , يجدها تبوء بالفشل , فيشعر بأن ما يمر فيه هو سخط الله عليه , ولما وصل إلى حد اليأس من النجاة , قرر أن يستفز غضب الله تعالى , فينظر إلى السماء ويصرخ متهكمًا: (أهذا كل ما تستطيع أن تفعله ؟! ) .

وتَتَبُّع إساءة أفلام هوليود للذات الالهية , أكثر من أن تعد وتحصى إلا أن أسوأها فيما يبدو هو الفيلم الأمريكي الذي ظهر عام 2009 year one ))

يمثل دور البطولة ممثلين صاعدين حديثا في عالم كوميديا هوليود وهما Jack Black و Michael Cera ,  يتحدث هذا الفيلم عن التصور التوراتي لظهور الإنسان على الأرض بطريقة ساخرة, وللأسف قاموا بتقديمها بطريقة كوميدية احترافية , وما أخطر الاحتراف حينما يكون في خدمة قيم هدّامة , وقد تصل لحد أن تجبر حتى من يؤمن بتلك الأديان أن يضحك لا إراديًا في بعض المواقف , حيث يقوم الفيلم بتقديم إهانات وبالجملة لأنبياء الله عليهم السلام كآدم وإسحاق وإبراهيم والاستهزاء بقصة قابيل وهابيل , وغيرها من الأمور, ويخلص في نهاية الفيلم إلى أن يشكك حتى بوجود الإله ذاته وأن الإيمان بإله يُصلى إليه ويُدعى في الشدائد فكرة مضحكة من الأساس !! .

خطورة الكوميديا , تنبع بأنها ليست طرحًا فكريًا , يتم مناقشته والرد عليه منطقيًا وعقليًا , كما هو حال جميع المذاهب الفكرية , بل هي نوع من تخدير الوعي وتمرير الأفكار حتى لو كانت غير منطقية , أو حتى تتعارض مع المنطق بشكل صريح , خطورة الكويميديا أنه تشعر المتلقي لها بأن النُكتة كلما كانت أكثر اضحاكًا , كلما كان ذلك أكثر إشعارًا بسخافة الفكرة التي يتناوله الطرح الكوميدي , وقد تم استثمار هذا التأثير إيجابيا في المتجمع الأمريكي من قبل الأقلية السوداء المضطهدة , حينما اخترقوا الحاجز الموجود في عقلية الشعب الأمريكي اتجاه السود لا من بوابة التراجيديا , بل من بوابة الكوميديا , إذ قدموا معاناتهم , والعنصرية التي يتعرضون لها في قالب كوميدي مضحوك عليه , , كنوع من السخرية على الواقع , وهي من المحاولات الجريئة في التاريخ حينما يقوم أصحاب قضية بالسخرية من معاناتهم أمام الناس بهدف صنع التغيير , وقد أحدث ذلك نجاحًا مدويًا .

وعلى كلٍ فحتى لو لم تنجح الكوميديا بجعل الفرد يتنكر للفكرة المُنتقدة, أو يكفر بعقيدته , أو يغير اتجاهه , فلا نقاش بأن قدسية هذه العقيدة وصلابتها في نفسه ستأخذ بالزوال التدريجي والتفكك شيئًا فشيئًا .ولهذا – والله أعلم – كان للقرآن الكريم موقف حاسم وشديد من الاستهزاء بالدين تحت أي مسمى أو أي عذر

(قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ ,لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) .

د – أفلام الكارتون (والت ديزني مثالًا) :

لا تختلف طبعًا أفلام والت ديزني وأعماله , عن الإطار العام للسينما الأمريكية , اللهم أنها أكثر إغرقًا في أدلجتها , إلا أنها تعطي انطباعًا لدى المشاهد بأنها أكثر براءة لكونها مخصصة للأطفال , وتقدم للمشاهدين في كل موسم شخصيات ظريفة وبريئة , فمحتواها البريء في الظاهر الذي يدعو الآباء للتصور بأنه يُمكن أن يُترك الأطفال يشاهدون أعمال والت ديزني بأمان , والحقيقة أن كثير مما يُنتج لدى والت ديزني , يحتوي على قيم عنصرية وتبرر للظلم والقتل , كل ذلك مزروع في شخصيات جميلة الصورة ظريفة المظهر , بل قد ثبت أن أعمال والت ديزني , المخصصة للأطفال , تستخدم في بعض المقاطع ايحاءات جنسية أو تستعرض رموزًا ايحائية للأعضاء التناسلية , بل وحتى إظهار صور “مثيرة” لعراة أو عاريات بطريقة سريعة وخفية لا تثير الانتباه فيها إلا بعد التدقيق , وأما سبب ذلك فيحتاج إلى دراسة متخصصة .

هـ – ألعاب الفيديو :

من المستغرب أن في الكثير من بحوث وسائل الاتصال , بل في جميع الأبحاث الذي تمكن الباحث من الرجوع إليها قد تم إهمال ألعاب الفيديو , مع فاعليتها الكبيرة وانتشارها الواسع بين  فئة الأطفال والمراهقين خصوصًا , وبملاحظة التطور الكبير الذي طرأ على مفهوم ألعاب الفيديو فقد دخلت فيها القصص ، بل وأصبح لها دور في تطوير نظريات السرد ،وحتى المعتقدات أحيانًا , إلى جانب أنها أصبحت ألعابًا تفاعلية خصوصًا بعد ارتباطها بشبكة الانترنت حيث أصبح من الممكن تشكيل مجموعات واللعب معهم بل حتى التواصل الصوتي أيضًا .

سيتناول هذا البحث لعبتين من أشهر ألعاب الفيديو التي انتشرت على جهاز ال Play station  , والتنويه على ما فيهما من أفكار ومفاهيم يتفاعل معها الأطفال والمراهقين .

اللعبة الأولى تسمى (GTA) وهي لعبة ظهرت للمرة الأولى علىPlay station 1 , ثم 2 Play station , وأخيرًا 3 Play station , إن إصدار العديد من الأجزاء لهذه اللعبة يدل على انتشارها واقبال الشباب عليها , وتأثرهم بها , ومن المؤسف أن هذه اللعبة من أولها إلى آخرها لا يوجد بها ولا قيمة واحدة سامية , فهي تحكي عن زعيم عصابة أمريكية يرغب بأن يفرض سيطرته على بقية العصابات عن طريق أعمال القتل , والاختطاف , والمتاجرة بالمخدرات , والبطل هو أمريكي من أصل أفريقي يمثل الصورة النمطية الذي أظهره الاعلام الأمريكي للرجل الأسود (مجرم , وعصبي, وبذيء اللسان) , يتفوه طوال اللعبة بأنواع الشتائم وأشكالها , وأكثر من ذلك فإنه يمكن لمن يلعب باللعبة أن يستدعي أحد فتيات الهوى عن طريق منبه السيارة , فتركب السيارة التي يقودها اللاعب ليمارسا الدعارة !!!

اللعبة الثانية وهي call of duty هذه اللعبة انتشرت على 3Play station وتشهد اقبالًا منقطع النظير , ومن الناحية التقنية والفنية ودقة الرسومات فهي أرقى لعبة في هذا المستوى بالوقت الراهن , وأمّا من حيث المضمون فهي لعبة حرب , بعدة أجزاء , في كل جزء يتناول حقبة زمنية معينة , لحروب حقيقية أو حروب متوقع حدوثها .

وهناك بعض الملاحظات تم استخلاصها هذه اللعبة ومنها :

1 – قامت اللعبة بإساءة كبيرة لليابانيين , حيث أظهرتهم في لعبة الحرب العالمية الثانية كوحوش عديمي الرحمة , وفي حين الهجوم يهجمون بأعداد كبيرة وبطريقة همجية ويظهرون من كل مكان إشارة لسوء التخطيط ويمكن قتلهم بسهولة كالفئران  , وهذا يعاكس تماما الواقع المر الذي وقع فيه الأمريكان في الحرب العالمية الثانية لما لم يستطيعوا إيقاف الحرب إلا بمأساة هيروشيما وناجا زاكي .

2 – تتحدث اللعبة في أكثر من مرة عن معارك تحدث في الشرق الأوسط ، مثلا قد تنبأت في إصدار لها عام ٢٠٠٧ بحدوث حرب أهلية كبيرة سوريا ، تتحوّل فيها الشوارع إلى ساحات قتل وإعدام وسفك للدماء .

3 – في أحد أكثر المشاهد إثارة لامتعاض المستخدمين , يبدأ المشهد بتواجد فرقة سرية أمريكية في مصعد من مصاعد المطار الروسي مخبئين الأسلحة معهم , فما إن يُفتح باب المصعد حتى يشهرون أسلحتهم (ومن ضمنهم المستخدم الذي يلعب ويقومون بإحداث مجزرة بين المدنيين المتواجدين في المطار , دون تفريق بين امرأة أو طفل أو رجل مسن , عليك أن تطلق النار على الجميع دون تفريق حتى تواصل اللعبة بنجاح ,  ومن الغريب أن في هذا المشهد تحديدًا وبالرغم من التقنية العالية لهذه اللعبة وإتاحة الحرية الكاملة للاعب في عمل أي شيء , إلا أن هذا المشهد بالذات فإنه لا يتاح للاعب أن يطلق النار على زملائه الذين يمارسون مهمتهم في ذبح الأبرياء !! .

مراجع

بدر, أحمد أنور. (1998). الرأي العام : طبيعته وتكوينه وقياسه ودوره في السياسة العامة. دار قباء للطباعة والتوزيع.
شفيق, حسنين. (2008). سيكولوجية الإعلام : دراسات متطورة في علم النفس الإعلامي. دار فكر وفن.
القذافي, رمضان محمد ; الدويبي, عبد السلام بشير. (2010). علم النفس الإجتماعي. المكتب الجامعي الحديث للنشر والتوزيع.
الختاتنة, سامي محسن ; النوايسة, فاطمة عبد الرحيم . (2011). علم النفس الإجتماعي. عمّان: دار الحامد.
زغيب, شيماء ذو الفقار. (2004). نظريات في تشكيل اتجاهات الرأي العام. القاهرة: الدار المصرية اللبنانية.
مراد, كمال خورشيد. (2011). الاتصال الجماهيري والإعلام : التطور-الخصائص-النظريات . عمّان: دار المسيرة.
إسماعيل, محمود حسن. (2003). مبادئ علم الإتصال ونظريات التأثير. دار العالمية.
العبدالله, مي. (2006). الداعية وأساليب الإقناع. بيروت: دار النهضة العربية.

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً