أحدث المقالات

مشروع متكامل لأطروحة تقارب الحوزات والجامعات

 

الشيخ علي رضا الأعرافي(*)

ترجمة: صالح البدراوي

المقدمة ـــــــ

تمثّل النخب والكفاءات إحدى أهم العوامل التي تدلّ على حيوية المجتمعات البشرية وانسجامها وفعاليتها. وتعود وحدة النخب على المجتمع بفوائد كثيرة، منها الهدوء والسكينة والأمل والثقة بالنفس وبُعد النظر، كما تؤدّي إلى إطلاق الطاقات والجهود بأقصى إمكانياتها والمحافظة عليها من الهدر والاستنزاف، وتشمل النخب طيفاً واسعاً من العلماء والسياسيين والأُدباء والمبدعين والفنانين وأصحاب القنوات الإعلامية المختلفة.

من هنا، فإنّ إقامة الوحدة فيما بين هذه الرموز، يعدّ واحداً من حقوق المجتمع الذي يطمح إلى التطور والرُّقي.

والمصداق الأوضح والأشمل لوحدة النخب والكفاءات في إيران الإسلامية إنما يتجسّد في الوحدة بين الحوزة والجامعة، فقد استمرت الجهود التي بُذلت من أجل تحقيق هذه الوحدة، منذ بداية انطلاق الثورة الإسلامية للشعب الإيراني وحتى وقتنا الحاضر، ولم يبتعد هذا الهدف عن أنظار رجال الحوزة والجامعة إطلاقاً، على الرغم من كلّ الصعوبات والعراقيل التي ظهرت أمامهم في هذا المسار.

واليوم، فإنّ إلقاء نظرة سريعة  على التجارب السابقة، واستحضار القرآن العظيم للروّاد والناشطين في هذا الميدان، بإمكانها أن تساعدنا في فهم أبعاد هذه المسيرة بشكل أوضح، والإفصاح عن هذا الهدف بأُسلوب عصري، والوصول إلى السبل الكفيلة لإنجازه. وقد كان لمحاولات التقارب والتعاون التي حصلت بين الحوزويين والجامعيين نتائج قيّمة في الميادين الثقافية والسياسية بشكل أساس، وتجلّت في المؤسسات الحكومية.

وفي العقد الثالث للثورة، حظيت أعلى وأكثر مستويات الوحدة عمقاً باهتمام نخب الحوزة والجامعة، وبالأخص اهتمام ورعاية سماحة السيد القائد[الخامنئي] (~)إذ إنّ حركة إنتاج العلوم وحرية التفكير، تعبّر عن أهم مستوى من مستويات وحدة الحوزة والجامعة، وفي حال نجاح هذه الحركة فمن الممكن أن نشهد نجاحاً أوفر وأعمق وأكثر حيوية على المستويات الأخرى، وأن نتوقع تحقيق الوحدة بين النخب في جميع ميادينها الأُخرى وبمستوى أفضل مما هو عليه اليوم.

وبناءً على هذا الأساس ولغرض تحقيق هذه الوحدة السامية والشاملة، لاحظنا خلال السنوات التي سبقت انتصار الثورة الإسلامية بقيادة سماحة الإمام الخميني K أنّ اثنين من العلماء المثقفين والبارزين، وهما آية الله المطهري K وآية الله مفتح K يتوجهان إلى العاصمة طهران، ويعملان على تمهيد الأرضية المناسبة للتقارب بين الحوزويين والجامعيين، من خلال تواجدهم في أروقة الجامعات.

كان هدف هذين الرجلين الجليلين، يتمثّل بالتوصل إلى قراءة جديدة للحضارة العصرية والمناخات الجديدة وإحداث التأثير الإيجابي والفعّال في هذه الأوساط؛ ذلك أنّ الحوزة إنما يكون بوسعها أن تؤثر تأثيراً فاعلاً في الجامعة، عندما تنمو داخلها وتطّلع عليها بشكل صحيح وسليم. لقد استهدف هذان الفاضلان تحقيق المعرفة الأفضل والتأثير الموجّه والصحيح في هذا الوسط؛ وكان هدفهما الأساس والمهم يتمثل في ارتقاء هاتين المؤسستين إلى الوحدة والانسجام في تحقيق الأهداف الغائية والدينية والوطنية الكبيرة. ولهذا الغرض فقد كانا يعملان من أجل إحياء النزعة الدينية في الجامعات.

المراحل التاريخية للعلاقات بين الحوزة والجامعة ـــــــ

يقسم موضوع المسار التاريخي بين الحوزة والجامعة في العالم الاسلامي بشكل عام، وفي بلادنا على وجه الخصوص، إلى ثلاث مراحل، حيث يمكن تقسيم كل مرحلة إلى أقسام أُخرى أيضاً.

المرحلة  الأولى: مرحلة الاندماج التام ـــــــ

لا تختلف المراكز العلمية والتعليمية في نطاق العلوم الدينية والإنسانية فيما بينها من الناحية الأصولية، إذ إنّ العلوم الدينية والإنسانية وفي مختلف المواضيع، كانت تدرّس وتناقش في أماكن مشتركة. وخلال هذه المرحلة الطويلة لم يكن هناك أي تباين أصولي بين المراكز العلمية والتعليمية، وكانت جميع هذه المراكز تدار بنظام واحد تقريباً ولعدّة قرون.

وتجدر الإشارة هنا إلى وجود توجّهات مختلفة ومتباينة لدى الحوزات العلمية المختلفة، في الوقت الذي كانت تسير  فيه على نظام تعليمي واحد, وكمثال على ذلك، نلاحظ وجود اختلافات وتوجهات وميول متباينة بين الحوزة في شيراز وإصفهان وحوزات النجف وبغداد. وفي الوقت الذي كانت تسير فيه هذه المراكز على نظام إدراي ودراسي واحد ـ سواء الحوزات الشيعية في بغداد والنجف والحلّة وجبل عامل أو شيراز والري وطهران وقم أو في الحوزات السنية، مثل المدارس النظامية أو الأزهر في مصر ـ لكن اتجاهاتهم من الناحية الكلامية والفلسفية والحديثية والتفسيرية كانت تختلف فيما بينها. وعلى سبيل المثال كانت الفلسفة والطب متداولة بشكل أكبر في بعض المراكز، وفي المراكز الأُخرى كانت أقلَّ تداولاً.

وقد استغرقت هذه المرحلة عدة قرون، ويمكن تقسيمها إلى مرحلتين هما:

أ) المرحلة التي ظهرت في عصر الثقافة الإسلامية، والتي اتسمت بالطابع الديني على الأكثر.

ب) المرحلة التي وسّعت فيها هذه المراكز دائرة نشاطاتها.

وبشكل عام، فقد تميّزت هذه المرحلة بالوحدة.

المرحلة الثانية: ظهور النخب الجامعيّة في العصر القاجاري ـــــــ

بدأت هذه المرحلة خلال الثورة الدستورية حين اتسمت حوزتنا العلمية بقليل من الانحسار، والسبب في ذلك يعود في الواقع إلى التطورات التي حصلت في العالم الغربي والتي أدت إلى إلغاء أو توقف النشاطات العلمية والمعرفية في حوزتنا.

بدأت هذه القضية بالتحديد قبل الثورة الدستورية،وتفاقمت حدتها أثناء تلك  الثورة، وتعرّضت البلدان الإسلامية الأخرى إلى هذه الموجة أيضاً.

وتمثل التطور الذي حصل في هذا المجال بإيفاد الطلبة الجامعيين إلى خارج البلاد، فأصبح هؤلاء الأفراد نقطة البداية ونواة تأسيس الجامعات والذهنية الجامعية، ثم تأسست دار الفنون فيما بعد.

وتشكل خلال فترة الحكم القاجاري بالتحديد مركزان للعلم والمعرفة:

الأول: لغرض تيسير الأمور اليومية للناس وهو (الجامعة)، والثاني: هو مركز لدراسة المسائل المعنوية والفقهية والدينية والأُصولية، أي (الحوزة العلمية).

وقد ظهرت في هذا المرحلة مراكز تعليمة جديدة، ففي المراحل الدراسية الدنيا ظهرت المدارس الحديثة بإزاء الكتاتيب، وفي المراحل الدراسية العليا ظهرت الجامعات والمدارس العليا في مقابل الحوزات الدينية التي كانت تحظى بمكانة خاصة.

المرحلة الثالثة: عقب انتصار الثورة وعودة التقارب ــــــ

ظهرت هذه المرحلة بعد انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخمينيK، فحدثت تطورات كبيرة في البُنى والأسس الفكرية والاجتماعية والسياسية. من هنا، يمكن القول بأنّ البذرة الصغيرة التي زُرعت يوماً على يد العلامة الطباطبائي وبعض كبار رجال الحوزة والجامعة، قد آتت أكُلها، وبناءً على هذا الأساس أخذت الفئات المختلفة تشعر بالتقارب، لأنّ العامل الديني هو الذي تصدى لتحمل أعباء المسؤولية.

نظريات في وحدة الحوزة والجامعة ــــــ

عندما نصل إلى موضوع تعريف الحوزة والجامعة، تواجهنا ثلاثة آراء حول هذا التعريف، وهي: تعريف الحدّ الأعلى، تعريف الحدّ الأدنى، والفهم المتوازن لهذه القضية. وسوف نتناول هنا كل واحد من هذه الآراء الثلاثة بالتفصيل.

1ـ نظرية الحدّ الأعلى ومعضل الفشل الميداني ـــــــ

تتوجه الأنظار في تعاريف الحدّ الأعلى لمفهوم وحدة الحوزة والجامعة إلى وحدة هاتين المؤسستين العلميتين في جميع الميادين والشؤون المتمثلة بالأهداف والقضايا وأساليب البحث والتحقيق والنظام التعليمي وغيرها. ويستفاد من هذا الرأي أنّ أيّ مجتمع من المجتمعات تقوم فيه مؤسستان أو عدّة مؤسسات اجتماعية بأداء مجموعة من الأعمال والواجبات المشتركة سوف تظهر بينها حالة من التنافس والاختلافات، إلى أن تتمكن إحدى هذه المؤسسات من التفوق على بقية المؤسسات والإيفاء بأداء الواجب، فتتصدّى بمفردها لأداء تلك الواجبات؛ ولذلك طالما كانت للحوزة والجامعة واجبات وأعمال مشتركة كثيرة، فإنّ الاختلاف بينهما سوف لن يزول إلاّ عندما تتوصلان إلى تحقيق الوحدة الكاملة بشكلٍ من الأشكال بينهما.

وفي هذا الصدد، هناك فريق يسعى إلى تحقيق الوحدة بين الحوزة والجامعة عن طريق هضم الجامعة وذوبانها في قوالب النظام التعليمي والدراسي للحوزة، باعتبار أنّ الحوزات العلمية الشيعية، وعلى مرّ التأريخ كانت هي القدوة، وأنّ الحوزة ورجالاتها، تكفلت بتدريس مختلف العلوم الدينية وغير الدينية عبر التاريخ، هذا من جهة، وفي المقابل من الممكن اعتبار النظم التعليمية والدراسية التقليدية للحوزات العلمية غير علمية على الإطلاق، واستناداً إلى ذلك يمكن القول بأنه يجب على الحوزات العلمية أن تقوم بتنظيم نفسها من الناحية الهيكلية والنظام التعليمي والدراسي، وتظهر بمظهر الجامعات، لكي يتسنى لها التأقلم مع الأجواء العالمية المحيطة بنا، وتكون قادرة على حلّ القضايا المعاصرة.

والرأي الأكثر اعتدالاً في هذا السياق يقول: إنه بإمكان هاتين المؤسستين العلميتين التوحّد فيما بينها في إطار جديد. وبتعبير آخر، إنّ هذا الرأي يسعى ومن خلال إلغاء الأقسام الهيكلية الضعيفة في كلتا المؤسستين وتقوية الأقسام العملية فيها، وإنشاء مؤسسة جديدة… يسعى كي تكتسب الوحدة بين الحوزة والجامعة طابعاً عملياً على أرض الواقع.

إذن، أُطروحة الحدّ الأعلى كانت تهدف إلى تحقيق الوحدة المطلقة بين هاتين المؤسستين العلميتين على جميع الأصعدة، سواء في الأهداف والقضايا والأساليب، والنظام التعليمي والدراسي وغيرها، والتي ستؤول أخيراً إلى إلغاء هوية الحوزة أو الجامعة من الناحية العملية، ومن الطبيعي أنّ هذا الاتجاه المتطرّف لم يكن بوسعه الحصول على الموافقة الاجتماعية وتحقيق هذا الهدف على أرض الواقع.

2ـ نظرية الحدّ الأدنى وإعاقة القدرة على تحقيق منجزات ـــــــ

فكرة الحدّ الأدنى حول الوحدة بين الحوزة والجامعة، تُبقي على الهوية الحالية لكلتا المؤسستين بشكل كامل وتؤكّد على النقطة التالية فقط: تعمل كلتا المؤسستين على تهيئة الأرضية المناسبة أمام أفرادها لكي يتقبل أحدهما الآخر، ولا يضيّقا المجال أمام تبادل وجهات النظر فيما بينهم، وأن يعملا سوية على دراسة المسائل العلمية والاجتماعية ويبذلا ما في وسعهما من أجل نشر الوعي وتكامل المجتمع الإسلامي، كل من موقعه.

ومن هذا المنطلق، فقد تهيأت خلال العقدين الماضيين الأرضية المناسبة أمام الطلبة الجامعيين، لكي يطلعوا إلى حدٍّ ما على المعارف والأخلاق والعلوم الإسلامية، وبالمقابل فقد تهيأت الفرص أمام الحوزويين أيضاً للإطلاع على العلوم الجديدة، وبخاصة العلوم الإنسانية والاجتماعية، ثم تحقيق هذا الهدف عن طريق تواجد البعض من الطاقات الحوزوية في المحيط الجامعي وبالعكس.

وتبيّن خلفيات الحدّ الأدنى من الفهم لطبيعة الوحدة بين الحوزة والجامعة، على مدى العقدين الماضيين أنه على الرغم من كون مسألة التعرف على علوم الطرفين وإقامة الوشائج بينها ضرورية لإقامة الوحدة، لكنّ هذا المقدار من التعامل والتعاون لم ولن يكفي بأي شكل من الأشكال. وبتعبير آخر، إنّ هذا الحدّ الأدنى من العلاقة وبسبب عدم امتلاكه القدرة العملية الفاعلة في حلّ المعضلات التي تواجهها البلاد، وبخاصّة القضايا المتنوعة والمعقدة الحالية، لا يمكن تقديمه على أساس أنه الحل الأمثل والأنجح بأي شكل من الأشكال.

3ـ نظرية الوحدة الواقعية المتوازنة ـــــــ

بعد أن أصبح واضحاً أنّ النظريتين السابقتين لم تتمكنا من طرح رؤية جديدة شفافة ومنتجة عن وحدة الحوزة والجامعة، يبدو أنه من الضروري تقديم تصوّر ثالث، وينبغي أن تمتلك هذه الرؤية الواقعية صفتين أساسيتين هما:

أـ توفر إمكانية تحققه على أرض الواقع.

ب ـ أن يكون قادراً على إعطاء إجابة مناسبة عن المتطلبات المختلفة للمجتمع الإسلامي في جميع الأبعاد الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية والعلمية، وكذلك في الميادين الوطنية، والإقليمية، والعالمية.

ومن المناسب هنا أن نتطرق إلى دراسة مصطلحي (الوحدة) و (الاتحاد) وما نعنيه بهما. فهذان المصطلحان مفهومان مختلفان فلسفياً؛ فالوحدة تعني الشيء الواحد الذي لـه وجود في الواقع، والاتحاد يعني شيئين مختلفين مع بعضهما، ولكنهما في نفس الوقت يشتركان مع بعضهما من إحدى الجهات؛ من هنا فعندما نستخدم مصطلح الوحدة، فإننا لا نعني بذلك الوحدة والاندماج الفلسفي، بل نقصد بذلك مصطلح الاتحاد.

والملاحظة الأُخرى أنّ الوحدة بالمعنى الفلسفي لا مكان لها على الإطلاق، كما أنّ تأسيس المراكز التلفيقية أو المشتركة لا يعني أيضاً وحدة واندماج المؤسستين. بل هي محاولات لغرض تحقيق التقارب بين هاتين المؤسستين التعليميتين؛ بدون أن تتحقق الوحدة الهيكلية والوحدة المنهجية بينهما.

إذن، فالمقصود هو أنّ أهدافاً محددة، تحرّك الحوزة والجامعة باتجاه نقطة مشتركة، وفي ظلّ ذلك يتوصّلان إلى تحقيق وحدة الهدف من خلال التعاون والتنسيق.

إنّ حتمية الوحدة على نطاق الأهداف يعني الاندماج وبلوغ الأهداف العامة والمشتركة، ولا وجود للوحدة والاندماج فيما دون ذلك، ولا في النظام التعليمي والأُسلوب الدراسي.

ضرورة وحدة الحوزة والجامعة: المبررات والمسوّغات ــــــــ

لا يمكن أن نتصوّر في إيران الإسلامية انفصال المؤسستين العلميتين التعليميتين والدراسيتين الكبريتين، أعني الحوزة والجامعة، وبعبارة أُخرى انفصال نخب وكفاءات المجتمع؛ لأنّ انفصال النخب في أي مجتمع من المجتمعات ينطوي على الكثير من العواقب الوخيمة.

نريد أن نشير إلى جملة من النقاط المهمة التي تدلّ على ضرورة وحدة الحوزة والجامعة.

1 ـ وحدة الحوزة والجامعة حقٌ مجتمعي حتمي ــــــــ

إنّ وحدة الحوزة والجامعة والتعامل والتقارب والتلاحم بينهما، قبل أن يكون رسالة للنخب في هاتين المؤسستين العلميتين، هو حقٌ لكل المجتمع. وبتعبير آخر: إنّ المجتمع لـه الحق في أن يطالب رموزه العلمية بالتقارب والوحدة؛ لأنّ التأثير الذي ينطوي عليه التلاحم أو الانفصال على السلامة أو عدم التوازن الاجتماعي وعلى تطور المجتمع وانحطاطه، إنما ينعكس مباشرة على المجتمع. ومن هذا المنطلق، فإنّ تعامل الحوزة والجامعة والتنسيق والتواصل العملي والمفيد بينهما ليس مقولة نتداولها من باب التفنن بالكلام، بل بصفته حقاً من حقوق المجتمع ومسألة إستراتيجية لابد أن نهتم بها ونعمل من أجل تحقيقها.

2 ـ تحقيق الوحدة النخبوية للانسجام الاجتماعي ـــــــ

يحتاج المجتمع إلى الوحدة والانسجام من أجل المحافظة على ديمومته وبقائه، وهذه الوحدة والانسجام إنما تتحقق عن طريق التعامل والتعاون البنّاء بين المؤسسات الاجتماعية؛ ولهذا فإنّ هذين المركزين العلميين والثقافيين للمجتمع واللذين تتخرج منها أغلب النخب الاجتماعية، إذا لم يكونا متحدين في المسائل الكبيرة والإستراتيجية، فلا يمكن الوصول إلى تحقيق الإنسجام الاجتماعي المطلوب.

إنّ التجارب المستحصلة خلال التاريخ الطويل لبلادنا تشير بكل وضوح إلى أنّ التحولات التاريخية والاجتماعية والسياسية، قد تأثرت تأثراً عميقاً بتقارب أو تباعد وانفصال النخب الاجتماعية، وبالأخصّ الحوزويين والجامعيين، فالثورة الدستورية وتأميم النفط، والأهم من هذه وتلك، الثورة الإسلامية العظيمة في إيران، إنما هي نماذج عملية لهذه النظرية.

3 ـ انفصال النخب والصراع النفسي للمجتمع ـــــــ

إذا كانت نخب المجتمع وعلماؤه ـ وهم الذين يقفون على رأس الهرم الاجتماعي ـ في حال صراع وتضاد غير قابل للحل، فإنّ هذه المشكلة سينعكس تأثيرها على روح المجتمع ونفسيته، وتصيب المجتمع بحالة من الصراع النفسي، تماماً كالفرد الذي يعاني من مشكلة نفسية؛ لأنّ النخب تمثل أهمّ أفراد المجتمع وأكثرهم تأثيراً، ولذا فإنّ وحدتهم، وتعاونهم وانسجامهم يحافظ على سلامة المجتمع ويجعله صحيحاً معافى حسب رأي علم النفس الاجتماعي.

4 ـ القطيعة النخبوية والنفوذ الأجنبي ـــــــ

وحدة الحوزة والجامعة والتعاون بين هاتين المؤسستين المهمتين والمؤثرتين يمثل إستراتيجية بالغة الأهمية في سياق تطور البلاد وازدهارها. وقد بيّنت الدراسات التاريخية أنه متى ما امتلكت النخب في هاتين المؤسستين أهدافاً ودوافع مشتركة، وتعاونت بإجراءات وممارسات منسجمة لغرض إصلاح المجتمع، تحققت نجاحات واضحة، كما أنه من الناحية الأُخرى، فإنّ انفصال وتباعد هذه النخب يترك آثاراً مخزية وبشكل علني وواضح على جميع الميادين المعرفية والثقافية والنفسية والسياسية والاجتماعية. وفي هذه الحال، يفتح الطريق لتسلل الأجانب وهيمنتهم وسقوط البلاد أيضاً.

الوحدة النخبوية: الممهدات والمقدمات ـــــــ

وحدة الحوزة والجامعة، من المسائل الكبيرة والتي يمكن دراستها من عدّة جوانب ومن خلال عدة افتراضات مسبّقة ومقدمات لازمة؛ إذ من الطبيعي أن يكون لهذا الموضوع افتراضيات مسبّقة، وبدون الاعتراف بها من قبل الحوزويين والجامعيين، سوف لن يكون بالإمكان التحدث عن الأهداف والمبادئ المتوخاة من قيام الوحدة بين الحوزة والجامعة. وسوف نتطرق هنا إلى جملة من أهمّ المقدمات والافتراضات المسبقة لوحدة الحوزة والجامعة.

1 ـ خلق مناخات صحيّة للحوار والتعاون ـــــــ

إحدى المقدمات المطلوبة لمناقشة وحدة الحوزة والجامعة، هي الإقرار بأن الوحدة، تحتاج إلى التحاور والتعامل، إذ يجب أن توضع الأحكام المسبقة لكلا الفريقين جانباً، وأن تشكل لجنة استشارية لمناقشة الوحدة الهادفة بين الحوزة والجامعة.

2 ـ التخلي عن التعصب ومراعاة الأخلاق العلمية ـــــــ

أحد الشروط المسبقة لمناقشة وحدة الحوزة والجامعة، هو التخلّي عن التعصب وانتهاج الخُلق العلمي في الحوار. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الكثير من الاختلافات
في وجهات النظر حول المسائل العلمية في مجتمعنا لا جذور علمية لها، بل تنطلق من دوافع شخصية وغير أخلاقية، ولهذا عندما نرجع إلى الآيات الكريمة والروايات الخاصّة بطلب العلم والمعرفة، نرى أنها توصي كثيراً بالتخلّي عن التعصّب الأعمى والتمسك بالأخلاق العلمية.

إنّ الحوزة والجامعة بحاجة إلى أجواء بعيدة عن الإفراط والتفريط، لغرض تحقيق المزيد من التطور والازدهار، حيث تُزول في تلك الأجواء مشاعر سوء الظن والتشاؤم وضيق الصدر من جهة، والتكفير وقلّة الأدب والاعتداء من جهة أُخرى.

3 ـ وجود الهدف والهاجس المشترك ـــــــ

أحد المتطلبات التي تحتاجها مسألة الوحدة بين الحوزة والجامعة هو امتلاك الهدف، إلى جانب الهاجس المشترك، وطالما لم تتوصل الطبقة العلمية في البلاد إلى الوحدة والانسجام في مجال الأهداف والهواجس الكبيرة، فإنّ العمل على خلق الأجواء الفكرية المناسبة، سيبقى بعيداً عن الأذهان.

4 ـ الحاجة إلى اللغة المشتركة ــــــــ

من مقدمات الوحدة امتلاك اللغة المشتركة، أي امتلاك الفهم المتبادل عن المفاهيم والمسائل والأفكار المطروحة من قبل الحوزويين والجامعيين؛ إذ بدون فهم أي مشترك للمسائل وسبل الحل، لا يمكن فتح باب الحوار، والحصول على نتيجة علمية أو عملية إيجابية، حتى مع وجود الهدف والهاجس المشترك ومراعاة الأخلاق العلمية.

5 ـ إزالة التصورات الخاطئة عن الوحدة ـــــــ

تجدر الإشارة إلى أنّ المناقشة التي مرّت آنفاً، حول المقولات المتعددة المطروحة، حول وحدة الحوزة والجامعة، ومنها تعريفا الحدّ الأعلى والحدّ الأدنى، ما زال يلاحظ وجودها في صفوف بعض الحوزويين والجامعيين.

من هنا يجب العمل على إعطاء تعريف عملي مناسب عن موضوع الوحدة، لغرض إزالة هذا التصوّر الخاطئ لكي يصبح بالإمكان الانتقال إلى دراسة المواضيع الأساسية للوحدة الهادفة بين الحوزة والجامعة.

6 ـ مراعاة الإطار العلمي الخاص بالحوزة والجامعة ـــــــ

عند دراسة مسألة وحدة الحوزة والجامعة، يجب أن نعترف على أية حال بأنّ لكلِّ من هاتين المؤسستين أُطراً علمية خاصّة ودوراً خاصّاً بكل منهما في إدارة أُمور المجتمع وتدبير شؤونه. كما توجد أيضاً أُطرٌ علمية وتنفيذية خاصّة تجعل من مسألة التعاون بين الحوزة والجامعة وتبادل وجهات النظر فيما بينهما، من أجل الوصول إلى غاية مشتركة، أمراً ضرورياً.

أهداف الوحدة بين الحوزة والجامعة ـــــــ

تُرى ما هو الهدف من وحدة النخب في إيران الإسلامية؟ وما هي الأهداف التي يتوخاها الحوزويون والجامعيون من وراء هذه الوحدة؟.

1 ـ إحياء الحضارة الإسلامية ـــــــ

موضوع تجدّد الحضارة الإسلامية من المواضيع المهمة التي لم تتحقق لحدّ الآن، والتي لابدّ من الاهتمام بها بمختلف السبل. وأحد هذه السبل هو موضوع الوحدة بين الحوزة والجامعة. ومن الممكن تحقيق التطوّر والازدهار في مختلف الميادين من خلال الوحدة الهادفة بين هاتين المؤسستين، وتمهيد الطريق للوصول إلى تلك الحضارة الزاهرة والسامية.

2 ـ الإنتاج المعرفي وحرية التفكير ـــــــ

إحدى المسائل التي حظيت بتأكيد سماحة السيد القائد [الخامنئي] وركّز عليها بشكل دائم في السنوات الأخيرة، هي الاندفاع نحو إنتاج العلوم وحرية التفكير. ومن هذا المنطلق يتوجّب على النخب والرموز الحوزوية والجامعية في العقد الثالث لانتصار الثورة الإسلامية، التحرّك والاندفاع باتجاه الوحدة الهادفة للوصول إلى تحقيق أهمّ مستوى من مستويات الوحدة بين الحوزة والجامعة، والمتمثّلة بحركة إنتاج العلوم وحرية التفكير؛ لكي تتمكّن هذه النخب أخيراً من الإجابة على التطلعات المشروعة وما يعقده المجتمع من آمال على هاتين المؤسستين، وذلك انطلاقاً من هذه الحركة المباركة؛ من هنا فإنّ توسيع الآفاق العلمية مرهون بالاهتمام بهذه النشاطات.

3 ـ وحدة المناهج الدراسية والعلمية ـــــــ

أحد الأهداف الأُخرى التي ترمي إليها الوحدة بين الحوزة والجامعة، هو الوصول  إلى رؤية دراسية وعلمية واحدة. ولتوضيح ذلك نقول: ثبت اليوم أنه من الممكن أن نشاهد نوعاً من التقارب والوحدة بين المناهج الدينية والمناهج العلمية، بعد تنحّي المناهج التي كانت مهيمنة في القرن التاسع عشر الميلادي، والتي كانت تسودها النزعة التجريبية والوضعيّة، من هنا نقول: إنّ باستطاعة الحوزة والجامعة الوصول إلى الوحدة والتطابق في المنهج البحثي والعلمي، ومن ثَمَّ الوصول إلى الوحدة الهادفة بهذه الطريقة بعد التمهيد لها أولاً بتهيئة المقدمات اللازمة لذلك، مثل مراعاة الأخلاق العلمية في الحوار، وامتلاك اللغة المشتركة أيضاً، وبتعبيرٍ أوضح أن تتعرف الحوزة على متطلبات العصر الجديد والأساليب المعاصرة من جهة، وأن تمتلك الجامعة أيضاً انسجاماً أكثر مع الأُسس الدينية والثقافية للعلم والغايات التي يرمي إليها من جهة أُخرى.

4 ـ التعاون النخبوي في تطبيق الأهداف الكبرى للمجتمع الإسلامي ـــــــ

من أهم أهداف المخططين لمشروع الوحدة بين الحوزويين والجامعيين هو تحقيق المبادئ والأهداف الكبيرة للمجتمع، ومن هذا المنطلق، كان رأي الإمام الخميني K من موضوع الوحدة بين الحوزة والجامعة، يرمي إلى تحقيق هذا الهدف أيضاً، وهو أن يقوم العلماء في كلتا المؤسستين ـ وهم الذين يمتلكون في الحقيقة تأثيراً واضحاً في الشؤون الاجتماعية المختلفة ـ بدراسة المسائل الاجتماعية الكبرى وأن يعملوا على تقليل نسبة الاختلافات الموجودة بينهم إلى أقل حدّ ممكن، وذلك من أجل المصلحة العامّة.

5 ـ إضفاء الطابع المحلي على العلوم الإنسانية ، وأسلمة المعرفة ـــــــ

بما أنّ العلوم الإنسانية تتأثر بالأُسس المعرفية والأنثروبولوجيا، فإنّ أحد أهداف وحدة الحوزة والجامعة يتمثل في تلاقح الجهود واشتراك المساعي لإنجاز هذا المشروع الكبير، والمتمثل بإضفاء الطابع المحلي على العلوم الإنسانية وكذلك أسلمة المعرفة؛ بحيث تأخذ هذه العلوم بعين الاعتبار المسائل الواقعية للمجتمع الإسلامي وأن تكون الإجابات مبنية أيضاً على أساس الثقافة الإسلامية والمحلية الإيرانية.

6 ـ تأسيس الجامعة الإسلامية ـــــــ

من الأهداف المهمة للوحدة الهادفة للحوزة والجامعة، تشكيل الجامعة الإسلامية في المجتمع، يجب أن نعترف هنا بأنّ موضوع تأسيس الجامعة الإسلامية، لن يكفي فقط بالتزام منتسبي الجامعة ـ بمن في ذلك الأُستاذ والطالب والموظف وغيرهم ـ بالضوابط والتعليمات الإسلامية، بل هناك مفردات مختلفة أُخرى تؤثر في هذا الموضوع. وعليه سنضطر إلى الإشارة إلى مفردات الجامعة وتأثيراتها ومدارسة كيفية أسلمة كل منها بشكل مفصل:

أ ـ الهيكل المعماري للجامعة: لقد أصبح تأثير الأفكار الفلسفية والاعتبارية في الطُرُز المعمارية والفنية اليوم أمراً لا يمكن إنكاره، وبناءً على ذلك فعند مناقشة موضوع البناء المعماري للجامعة، من الممكن أن نناقشه مناقشة مفيدة بما يفضي إلى أسلمة البناء وجعله يحمل طابعاً دينياً.

ب ـ الهيكل الإداري وعمادة الجامعة: النظام العقائدي والاعتباري، لـه تأثيره الخاص على أُسلوب المدراء في العمل الإداري. ومن هذا المنطلق، من الممكن أيضاً إجراء دراسة مستفيضة لهذا المفهوم في سياق تأسيس الجامعة الإسلامية.

ج ـ أساتذة الجامعة: موضوع الأسلمة هنا أمرٌ مفيد أيضاً، فالتساؤل عن هدف الأُستاذ من التدريس؟ وإلى أي مدى يمكن أن نتمسك بأخلاقه المهنية؟ وغيرها من الأسئلة، لـه تأثير على تبلور الطابع الإسلامي وغير الإسلامي للجامعة.

د ـ الطلبة الجامعيون: إنّ مناقشة موضوع الهدف من الدراسة، والالتزامات الأخلاقية للطلبة الجامعيين في الدراسة وغيرها، هي الأُخرى مطروحة للنقاش في هذه النقطة أيضاً، ويمكن أن نضفي الصفة الدينية والإسلامية على هذا المواضيع.

هـ ـ الكتب الدراسية: ينبغي للطلبة أن يعرفوا وبأسلوب ممنهج أنّ ما هو مذكور من قبل العلماء في هذه الكتب، متأثر برؤيتهم الفكرية، وعند تغيير هذه الأُسس، من الممكن أن يؤدي ذلك إلى الحصول على أفكار جديدة.

و ـ طلب العلم: من أهم واجبات الجامعة طلب العلم، إذ من المؤكّد أنّ الدين الإسلامي المبين لـه موقف خاص في معرض إجابته على بعض التساؤلات من قبيل هذا التساؤل: ما هو العلم الذي يجب أن نتعلّمه؟ ما هو الهدف من طلب هذا العلم؟ وغيرها من التساؤلات، ومن خلال الالتزام بهذه التوجهات من الممكن إضفاء الطابع الإسلامي على طلب العلم في الجامعات.

ز ـ نشر العلم: من الممكن أن ندخل إلى مناقشة هذا الموضوع من الرؤية الإسلامية أيضاً، وأن نتساءل بالقول: ما هي العلوم التي يجب أن نقوم بنشرها؟ وبأيّ هدف؟ وعلى أي مستوى؟

ح ـ إنتاج العلوم: أحد المواضيع التي تواجه المجتمع اليوم، حركةُ إنتاج العلوم؛ إذ توجد أبحاث نظرية واسعة لدى الدين في هذا المجال أيضاً يمكن دراستها، فهناك مجموعة من التساؤلات في هذا المجال، ومن هذا القبيل: ما هي العلوم التي يمكن أن نقدم على العمل من أجل اختراعها؟ وهل يكون للدين بمعناه العام والإسلام بمعناه الخاص دورٌ في اختراع العلوم؟ فإذا ثبت لدينا أنه من الممكن إنتاج العلم الديني، فمما لا شك فيه أنّ أحد أهداف الجامعة الإسلامية يتمثل في ضرورة قيامها بالتحرك في مجال إنتاج العلم الديني.

ط ـ حلّ المسائل الاجتماعية: من المهام الأُخرى للجامعة في المجتمع القيام بوضع الحلول للمسائل والمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والصناعية المختلفة؛ لأنّ أي مجتمع من المجتمعات يواجه قضايا ومشاكل خاصّة به، إضافة
للمسائل الأُخرى الموجودة في كل أنحاء العالم، وهنا يمكن أن تصبح الجهود المبذولة فيه في حلّ هذا النوع من القضايا والمشاكل، من المهام الأُخرى التي تضطلع بها الجامعة الإسلامية.

والآن، وبعد أن تعرفنا وعرفنا العناصر والمهام التي تقوم بها الجامعة الإسلامية، يبدو أنّ النقاش حول إيجاد هذا النوع من الجامعات في المجتمع، يعدّ من المواضيع التي يمكن أن يكون للحوزة والجامعة تعاون حسن ونقاش بنّاء حوله. من هنا، فإنّ  نتيجة التعامل بين الحوزة والجامعة في ميدانٍ بمستوى تأسيس الجامعة الإسلامية، من الممكن أن يؤول إلى ظهور جامعة تمتلك من جهة مهمات جامعية شاملة وعلمية تُلاحظ عليها التوجهات الإسلامية بوضوح من جهة أُخرى.

ي  ـ تبادل الأساليب والطرق التعليمية والدراسية: أحد أهداف موضوع الوحدة بين الحوزة والجامعة، هو استفادة الطلبة الجامعيين من المناهج الشائعة في الحوزة العلمية، والتي لها نتائج جيدة؛ وبعض هذه النتائج المتحقّقة عبارة عما يلي:

1 ـ العلم في الحوزة له جو قدسي ومعنوي، وحتى العلوم الطبيعية أيضاً لها الصفة ذاتها.

2 ـ وجود العلاقات الودّية والأخلاقية بين الأُستاذ والتلميذ.

3 ـ وجود النقاش بين الطلبة الذين يحضرون الدروس.

4 ـ سيادة الأجواء المعنوية والأخلاق على أجواء الحوزة عادة.

5 ـ قيام الطلاب أثناء الدراسة بالتدريس أيضاً.

6 ـ أُسلوب الدراسة في دروس البحث الخارج وكيفية كتابة التقارير والأبحاث.

أوجه الوحدة بين الحوزة والجامعة ـــــــ

1 ـ أُطر الوحدة ـــــــ

أ ـ نطاق المعرفة: ويتم في هذا الإطار طرح موضوع العلاقة بين العلم والدين وخاصّة في نطاق العلوم الإنسانية. هذا الموضوع، من جملة المواضيع التي لها ماضٍ بعيد في التفكير البشري، وبخاصّة في القرون الأخيرة، حيث حظيت بالبحث الجادّ. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الحوزة والجامعة تمتلكان الكثير من نقاط التلاقي والاتصال في هذا الإطار، حيث إن توضيحها منوط بالتعاون الفكري للمفكرين وعلماء الدين وحملة العلوم الأُخرى.

ب ـ الإطار التنفيذي: المحور الأساس للنقاش في الإطار التنفيذي لوحدة الحوزة والجامعة، يتمثل في كيفية إدارة النظام الإسلامي. إذ إنّ الدين الإسلامي الحنيف والمذهب الشيعي بالخصوص، لم ولن يمنع الاستفادة الصحيحة وفي المكان المناسب من التجارب الإنسانية في ميدان إدارة المجتمع الإسلامي بأي شكل من الأشكال، لكن المهم في هذا الشأن بطبيعة الحال هو اطّلاع الحوزوي على الإنجازات العلمية الجديدة من جهة، ونمو مشاعر الحرص الديني لدى الجامعيين من جهة أُخرى. وبعبارة أُخرى يجب أن تتجلّى مشاعر الفهم المشترك وبشكل واضح لدى هاتين الشريحتين على طريق تحقيق المبادئ الإسلامية السامية.

ج ـ النطاق النفسي والتحفيزي: مسائل التخطيط والبرمجة، والقضايا التعليمية والثقافية والاجتماعية والسياسية من الميادين التي يمكن فيها تفعيل قضية الوحدة بين الحوزة والجامعة.

2 ـ الاتجاهات في موضوع الوحدة ـــــــ

أ ـ اتجاه النزعة الأخلاقية: يقول هذا الاتجاه: إنه على كل من الحوزة والجامعة العمل على إعداد الطاقات البشرية في إطار إسلامي، على خُطى التكامل الأخلاقي لطاقاتهما، ولكي تتيسر في ظل هذا التكامل الروحي والمعنوي الأرضية اللازمة للانسجام والتعامل والوحدة فيما بينهما، ومن ثم سيادة أجواء التعاون العلمي والعملي.

هذه النظرية، تعتبر ضرورية ومهمة كأسلوب وطريقة عمل، لكنها ليست كافية، حيث يفترض الأخذ بنظر الاعتبار جوانب أُخرى أكثر شمولاً فيما يتعلق بمسألة الوحدة والتعامل معها.

ب ـ اتجاه النزعة الهيكلية: اتجاه النزعة الهيكلية، ومن خلال تأكيده على تعريف الحدّ الأعلى للوحدة، يعتقد بأنّ وحدة الحوزة والجامعة، يمكن أن تتحقق عن طريق دمج هاتين المؤسستين هيكلياً فقط؛ أي استبدال الحوزة بالجامعة أو الجامعة بالحوزة، أو جعلهما في هيكل جديد.

وهذا الاتجاه، هو اتجاه متطرف؛ لأنّ وحدة الحوزة والجامعة من الممكن أن تكون أمراً معقولاً وذا معنى عندما تعترف كلتا المؤسستين بهوية الطرف الآخر الخاصّة به وإنجازاته بشكل رسمي.

ج ـ الاتجاه الأيديولوجي: يبين هذا الاتجاه أن منهج الجامعات ـ من حيث العلوم والأهداف والأساليب الدراسية وغيرها ـ مبنية على الأُسس العلمانية، وبالمقابل فإن الحوزات العلمية من حيث العلوم والأهداف والأساليب وغيرها، مستندة إلى الأيديولوجيا الإسلامية، فلا معنى للوحدة إلاّ إذا أحدثت الجامعات تغييراً بنيوياً من حيث الماهية في نفسها، وأجرت تغيرات أساسية في بنيتها على أساس الأيديولوجية الإسلامية، فهنا تتحقق الوحدة.

د ـ اتجاه الوحدة في القرارات: يعتقد البعض أنّ وحدة الحوزة والجامعة تعني وحدة هاتين المؤسستين في اتخاذ القرارات السياسية والاجتماعية والتنفيذية.

هذه النظرية، تشير أكثر إلى الهدف من الوحدة، ولا تتحدث عن مقدماتها المطلوبة، ويبدو أنّ تحقق الوحدة في هذا الميدان يتوقف على الوحدة أو على الأقل على تعاون هاتين المؤسستين في بعض المسائل الأكثر جدّية، مثل المواضيع المعرفية.

هـ ـ الاتجاه المعرفي: تستلزم وحدة الحوزة والجامعة وفقاً لهذا الاتجاه، تقديم منظومة معرفية جامعة؛ بحيث تكون قريبة من الدين ومعطيات الوحي من جهة، وأن توضع فيها مكانة ومنزلة واضحة ومحدّدة للإنجازات التجريبية والنتاجات الإنسانية من جهة أُخرى أيضاً.

ومن البديهي أنه لا يمكن الوصول إلى تحقيق هذا النظام المعرفي المتطوّر، إلاّ إذا تمكّنت الحوزة والجامعة من الوصول إلى تفاهم مشترك حول الميادين الأربعة والمتمثّلة بالمقدمات اللازمة، والمسائل والأساليب والأهداف. وبطبيعة الحال لا يعني التوافق في هذه الميادين الأربعة إلغاء أحدها والأخذ بالآخر، بل بمعنى توضيح وتحديد حدود كل منها في إطارٍ من الرؤية الكونية الشاملة. وهذه النظرية تمثل إحدى الطرق الأساسية المطروحة لموضوع الوحدة، والتي من الممكن أن تؤدي ـ إلى جانب الوحدة الأخلاقية ـ إلى الوصول إلى الوحدة في ميادين العمل السياسي والاجتماعي.

و ـ الاتجاه التركيبي: يبدو أنّ النظرية المناسبة لمسألة الوحدة بين الحوزة والجامعة، هي تركيب أو مزيج من الاتجاهات السابقة، بمعنى أنّه يُطلب فيها الوحدة الأخلاقية والمعرفية من جهة، وإلى جانب ذلك أن تقوم كلتا المؤسستين بالاستفادة من النظام البنيوي للأُخرى على طريق إصلاح البناء الهيكلي لكلّ منهما، والوصول في النهاية إلى الوحدة في ميدان العمل، ومن خلال ذلك مواصلة المسيرة السامية لتجديد الحضارة الإسلامية الأصيلة.

نتائج الوحدة بين الحوزة والجامعة ـــــــ

بشكل عام يمكن ملاحظة ثلاثة اتجاهات مختلفة، حول عمل المسؤولين فيما يخصّ الوحدة بين الحوزة والجامعة: مجموعة ترى أنّ السياسات والإجراءات المتبعة على مدى السنوات الأخيرة في موضوع الوحدة غير ناجحة تماماً. وهناك أقلية أُخرى أيضاً تعطي وجهة نظر متفائلة، ولها تقييم إيجابي لهذا الموضوع. ولكن الحقيقة أنّ الرأي المنصف في هذا الباب، هو القول بوجود بعض النجاحات النسبية وبعض الإخفاقات النسبية أيضاً، وسنشير هنا إلى بعض النتائج الحاصلة من الوحدة بين الحوزة والجامعة:

1 ـ إزالة الحواجز المعرفية والثقافية والنفسية التي كانت موجودة قبل الثورة بين الحوزة والجامعة، من قبيل تبادل الأساتذة، واقتراح وتنفيذ البرامج الدراسية المشتركة وتبادل المعلومات.

2 ـ تقليل الفوارق التي كانت تُلاحظ بين هاتين المؤسستين العلميتين بلحاظ الأساليب التعليمية ونوع الأبحاث والدراسات.

3 ـ تبادل الأساتذة والطلبة وبروز المجاميع التعليمية والبحثية الجديدة في كلتا المؤسستين.

4 ـ تبلور وظهور الاختصاصات العلمية الجديدة التي تسعى إلى تفسير المسائل العلمية المختلفة، وتقديم الحلول المناسبة في الميدان التنفيذي، استناداً إلى الرؤية العلمية والشاملة للنظريات المطروحة في الحوزة والجامعة.

5 ـ مشروع توسيع دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية في الحوزات العلمية وتوسيع الدراسات التطبيقية في نطاق الدين والعلوم الإنسانية.

6 ـ بلورة وإرساء قواعد المراكز التعليمية والجامعية والحوزوية التلفيقية والتركيبية.

7 ـ توسع الرؤية التطبيقية في نطاق خطّة الأبحاث العلمية في الجامعات.

8 ـ تنظيم المواد والمناهج التدريسية في كل من الحوزة والجامعة بالاستفادة من خيرات بعضهما في هذا المجال.

9 ـ السعي في إطار الإبداع الفكري ونشر المجلات والكتب، وتأسيس المراكز التعليمية والبحثية الجديدة، وتأسيس المؤسسات التلفيقية.

10 ـ تحقيق النجاحات في نطاق إدارة المجتمع والقضايا الحكومية وإرساء قواعد النظام التقنيني، والقضائي، والتنفيذي في الجمهورية الإسلامية على أساس التعامل والتعاون بين طلبة الحوزة والجامعة.

وحدة الحوزة والجامعة ؛ السُبُل وبعض المقترحات ـــــــ

لغرض الحؤول دون بروز الانفصام والشرخ الاجتماعي بين نخب المجتمع، هناك بعض السبل والمقترحات اللازمة لذلك، وهي كالتالي:

1 ـ تدوين خطّة عمل إستراتيجية وطموحة لمستقبل التعامل والتقريب بين الحوزة والجامعة.

2 ـ الإعلان عن النجاحات النسبية المتحققة في هذا المجال، والتعريف بها، وإثارة الرأي العام، وبخاصة أفكار الشباب في هاتين المؤسستين التعليميتين والدراسيتين.

3 ـ دراسة ومعرفة الأضرار الاجتماعية والسياسية التي تهدّد هاتين المؤسستين الاستراتيجيتين والسعي في إطار معالجتها.

4 ـ التأكيد على الضرورة والأهمية الشاملة لهذا التقارب في جميع شؤون وأبعاد حياة الناس في هذه البلاد.

5 ـ دراسة جميع المسائل الاجتماعية والسياسية من زاوية هذه المقولة وتنظيمها على أساس هذا المعيار الاستراتيجي والعملي.

6 ـ تقوية وتعميق وتطوير جميع مظاهر ورموز التلاحم بين الحوزة والجامعة في المجالات المختلفة.

7 ـ اعتبار مسألة الوحدة بين الحوزة والجامعة من قبل المخططين الحكوميين والناشطين السياسيين والاجتماعيين على أنّها منهجٌ واستراتيجية أصيلة والاهتمام بها في القرارات الكبرى للدولة.

8 ـ اهتمام جميع المؤسسات في المجتمع بجدّية الارتباط والتعامل بين الحوزة والجامعة، وإبعادها عن المظاهر والشكليات.

9 ـ مراعاة التواضع والآداب من قبل كلا الطرفين فيما يخصّ التعامل فيما بينهما.

10 ـ تشخيص القيود وآفاق العمل من قبل الحوزة والجامعة، والعمل على رفع قابلية التحمل إلى أقصى حدّ ممكن.

11 ـ السعي من قبل كلتا المؤسستين للوصول إلى خلق أجواء أدبية مبنية على أساس الحوار بين الطرفين.

12 ـ معرفة الأضرار الناجمة عن موضوع الوحدة بشكل جدي، والانتباه إلى النقطة التالية، وهي أنّ الوحدة بين هاتين المؤسستين يجب أن تكون نابعة من الأعماق، شاملة لجميع الميادين، غير منحازة، وطنية، متكافئة، وذات خُلق جيد.

13 ـ التساؤل عن السبب في عدم الاهتمام بموضوع الوحدة بين الحوزة والجامعة على مدى العشرين سنة الماضية، والعمل على حلّ هذه المعضلة من قبل المسؤولين.

أسباب عدم تحقق الوحدة بين الحوزة والجامعة ــــــــ

أحد المواضيع الأساسية في الوحدة بين الحوزة والجامعة هو هذا التساؤل: ما هي طبيعة هاتين المؤسستين؟ هل هي التباعد أم التقارب؟ يعتقد العلماء اليوم بأنّ تعدّد الاختصاصات في العالم المتطور أو المتطور جداً، هو السبب في التشتت والتفكك الاجتماعي. فإذا كان الأمر كذلك على صعيد العلاقة بين الحوزة والجامعة، فما هي الصيغة المناسبة التي يجب أن نتعامل بها مع هذا الموضوع؟ خاصّة أنه توجد ثلاثة آراء مختلفة بخصوص موضوع الوحدة، وهي كالتالي: (لا يقتضيان الانفصال ولا التقريب؛ يقتضيان الانفصال؛ كل منهما نوعٌ من العلم الذي ينتهي إلى نتيجة معينة).

ويبدو أنّ التعدد ليس هو السبب في التباعد، مع أنّه يُوجد بين طيات هذا البحث نوع من اقتضاء التباعد، لكن هذا الاقتضاء من النوع الذي يمكن تغييره إلى التقريب والوحدة من خلال التأنّي والتفكير والعمل الدؤوب.

وعلى أية حال، يمكن إحصاء عوامل ومسبّبات التباعد على النحو التالي:

1 ـ الحوزة والجامعة، مؤسستان علميتان منفصلتان، وتقتضي حالة التنوّع العلمي والأساليب حصول التباين والاختلاف والتباعد، واتساع الهوّة المعرفية والفكرية بينهما.

2 ـ المواضيع المطروحة للنقاش في المسائل السياسية والعلاقات بين الدين والسياسة، تترك تأثيراتها على مسألة التقارب والتباعد.

3 ـ لكون الحكومة حكومة دينية وعلاقتها متأصلة مع المرجعية الدينية، فإنّ بعض الاختلافات والمشاكل تُصبح في بعض الأحيان سبباً لبروز نوع من التباعد بين الحوزة والجامعة.

4 ـ ينبغي عدم التغافل عن الدراسات والتجارب التاريخية السابقة، إذ إنّ شبابنا الآن ـ سواء في الحوزة أم الجامعة ـ غير مطّلعين على عمق الانتصارات التي حصلت في ظلّ التقارب، والهزائم التي حدثت بسبب حالات التباعد والتنافر، والتي هي جزءٌ من هويتنا التاريخية.

5 ـ عدم وجود اللغة المشتركة لغرض التفاهم من العوامل الأُخرى لحصول التباعد، وعلى أية حال، هناك نوعان من الأجواء الفكرية يعملان بشكل منفصل ولهما لغات متباينة، فمن أجل حلّ هذه القضية، نحن بحاجة إلى التواصل المستمر بين الحوزويين والجامعيين لإيجاد لغة التفاهم هذه.

6 ـ عدم وجود التخطيط السليم، يؤدي إلى المزيد من التباعد، وإلى الآن لم يكن هناك تخطيط سليم، وإذا كان موجوداً، لم يكن عملياً بشكل جيد، أو لم يُعَد النظر فيه. وكنموذج على ذلك، دروس المعارف في المراكز التعليمية، فهي تحتاج بشكل مستمر إلى تعديل وتطوير، إذ قليلاً ما يلاحظ الاهتمام بهذا الجانب.

7 ـ من الأسباب الأُخرى للتباعد التطورات على الساحة الدولية، وبعض المؤتمرات التي تستهدف فصل هاتين المؤسستين عن بعضهما. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّه لا ينبغي اعتبار المؤتمرات والدسائس هي السبب الوحيد في هذا الانفصال؛ فهذا فهمٌ ساذج.

8 ـ بعض الأفكار الضعيفة داخل الحوزة والجامعة تعتبر من الأسباب المهمة للتباعد أيضاً. كمثال على ذلك، الرغبة في الميل نحو الانحراف والتهرب من الدين والموازين الدينية في الجامعة، أو الرغبة في التحجّر والقوقعة داخل الحوزة العلمية، هذه الأمور بإمكانها أن تصبح سبباً لابتعاد وانفصال هاتين المؤسستين العلميتين.

9 ـ اختلاف الشعارات والنظريات الاجتماعية المتباينة للحوزويين والجامعيين، تعدّ من عوامل التباعد فيما بينهما.

10 ـ تنوع واختلاف الأنظمة المعرفية والثقافية والتعليمية والدراسية في كل من الحوزة والجامعة يقتضي وجود نوع من التباعد بينهما.

11 ـ التفسيرات الخاطئة عن الوحدة بين الحوزة والجامعة، والتي أصبحت الأساس الذي تطرح في ضوئه المشاريع والسياسات التنفيذية، تُعدّ من العوامل الأُخرى لحصول التباعد.

12 ـ عدم وجود التوازن بين الحوزويين والجامعيين في الحصول على المواقع الاجتماعية، فهذا الإحساس بعدم التوازن، يُعَدّ من أسباب التباعد أيضاً.

13 ـ بعض المسؤولين ـ وأحياناً هاتان المؤسستان أنفسهما ـ لا يتعاملون مع موضوع الوحدة بين النخب الاجتماعية تعاملاً جدّياً. وهذا الأمر يُعدّ من الأسباب المهمة للتباعد.

14 ـ وفضلاً عن كل ما تقدّم، فإنّ أهم مانع أمام تحقق الوحدة الهادفة بين الحوزة والجامعة، هو عدم وجود جهة محدّدة تتولّى رسم السياسات  اللازمة، والتخطيط، والتوجيه والإشراف على الفعاليات والقرارات المتخذة بشأن الحوزة والجامعة.

المدوّنة المقترحة لعلاقات إيجابية بين الحوزة والجامعة ــــــ

بهدف إيجاد تحرك جديد في المساعي المبذولة على طريق الوحدة بين الحوزة والجامعة، يقترح الحوزويون والجامعيون الأسس العلمية لتوجيه الوحدة والتعامل بين الحوزة والجامعة في إطار الوثيقة المدونة أدناه، ويطالبون المخاطبين بجميع البنود المذكورة  في هذه الوثيقة، للعمل بهذه الأُسس كاتفاق مشاركة بينهم.

1 ـ ولادة الوحدة بين الحوزة والجامعة، حقٌ مشروع لجميع الإيرانيين، ومن مسؤولية الحوزويين والجامعيين.

2 ـ على السلطات الثلاث في الجمهورية الإسلامية، ومجمع تشخيص مصلحة النظام، واللجنة العليا للثورة الثقافية، أن ينظروا إلى الوحدة بين الحوزة والجامعة بمستوى السعي لاكتشاف النظريات المحلية لإدارة المؤسسات الحكومية، عند قيامهم برسم السياسات المستقبلية الطويلة الأمد، وإقرار الخطط والبرامج التنفيذية، وأن يجعلوا لها مكانة تليق بها في البرامج الحكومية.

3 ـ تقوم إدارات الحوزات العلمية ووزارة العلوم والأبحاث والتكنولوجيا، بوضع الخطط الملائمة للتعاون العلمي والثقافي المتبادل ووضعها موضع التنفيذ.

4 ـ اهتمام المؤسسات الحوزوية والجامعية، بالدراسات النظرية والعملية في الأبعاد السياسية والاجتماعية ـ الثقافية والعلمية لوحدة الحوزة والجامعة، بهدف توفير الأرضية المناسبة لوحدة هاتين المؤسستين بشكل أفضل.

5 ـ أن تجعل إدارات الحوزات العلمية ووزارة العلوم في برنامج أعمالها القيام بتنشئة الطاقات العلمية الجيدة؛ لغرض التنظير المتبادل وتلافي النقص الموجود للباحثين الجيدين في هذا المجال.

6 ـ أن تهتم المؤسسات الحوزوية والجامعية اهتماماً خاصاً بأسلمة العلوم الإنسانية وتطبيعها كإطار للنشاطات العلمية المشتركة والمؤثرة في إدارة البلاد، وأن توضع تحت تصرفها ميزانية كافية، وطاقات بشرية مؤهلة لتنفيذ برامجها، كما أنّ تعزيز مكانة وإمكانيات معهد أبحاث الحوزة والجامعة ضمن هذا الإطار يعدّ أمراً ضرورياً.

7 ـ تعامل الحوزة والجامعة في مجال خلق الثقافة الإسلامية وتأمين المتطلبات التربوية والدينية للجامعيين، بحاجة إلى رؤية شاملة، ورئاسة الحوزة العلمية ووزارة العلوم والأبحاث مطالبة بأن تقوم بسن القوانين الجامعية الشاملة لكي تهيّئ الظروف المناسبة لنشر وتعميق التعاون بين المؤسسة ووزارة العلوم.

8 ـ تبادل الأساتذة وإقامة الملتقيات والندوات، وورش العمل والدورات المهنية… يساهم في تقوية الآفاق الذهنية والثقافية في الحوزة والجامعة، ويستلزم تنفيذ برنامج كهذا على مستوى الطلبة الجامعيين والأساتذة والباحثين بعض التسهيلات القانونية والمالية، كما يتطلب اهتمام المسؤولين ذوي العلاقة بها أيضاً.

9 ـ إقامة المخيمات المشتركة للطلبة الجامعيين والحوزويين أُسلوب ملائم للتعارف المتبادل، وخلق أجواء الصداقة واللغة المشتركة بين الحوزة والجامعة، حيث يقتضي ذلك التخطيط من قبل المديريات الثقافية والتربوية والتعليمية للحوزة العلمية ووزارة العلوم والأبحاث والتكنولوجيا وبذل جهودها في هذا المجال.

10 ـ إيجاد اللغة الأدبية المشتركة، وتقوية اللغة المشتركة بين الحوزويين والجامعيين، شرط أساسٌ لتحقيق الوحدة بينها، فالتعاون في وضع الخطط وتأليف الكتب الدراسية، وإقرار الاختصاصات الدراسية وتدوين البرامج التعليمية، يمثل أُسلوباً ناجحاً لتوفير هذا الشرط الضروري.

11 ـ التلاحم الفكري وتعاون المؤسسات غير الحكومية للحوزويين والجامعيين، كالمجلات العلمية الخاصة، والاتحادات العلمية، والتشكيلات السياسية والثقافية والفنية، تمثل الأرضية الخصبة للوحدة بين الحوزة والجامعة.

إنّ أعضاء هذه المؤسسات والعاملين فيها عندما يبذلون هذه الجهود لإقامة وخلق هذا الانسجام الفكري إنما يقومون بأداء واجبهم الاجتماعي.

12 ـ الوسائل الإعلامية والفنانون والكتّاب؛ باعتبارهم المرآة العاكسة لمطالب الناس، ينبغي عليهم الاهتمام والمشاركة في استيفاء حقوق الناس في إقامة وإنجاز هذه الوحدة أكثر من أي وقت مضى.

مركز أبحاث الحوزة والجامعة ، أنموذج الوحدة المنشودة ـــــــ

1 ـ نبذة تاريخية عن مركز الأبحاث ـــــــ

بدأ معهد أبحاث الحوزة والجامعة نشاطاته في عام 1362 هـ. ش، 1982م، بتوجيه من الإمام الخميني وتعاون جامعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، تحت اسم (مكتب تعاون الحوزة والجامعة) وبرئاسة الشيخ مصباح اليزدي. وأقيمت في المرحلة الأولى العديد من الملتقيات والندوات المتخصصة في مختلف اختصاصات العلوم الإنسانية، والتي تمخضت عن إنجاز حوالي أربعمئة إلى خمسمئة رسالة بحثية، هي حصيلة الجهود المشتركة لجمعٍ من أساتذة الجامعات وفضلاء الحوزة في هذه الاختصاصات.

في عام 1366ش/1987م وبتوجيه من السيد القائد الخامنئي ـ رئيس الجمهورية آنذاك ـ ارتبط المركز بمركز دراسات وتأليف كتب العلوم الإنسانية المعروفة باسم (سمت) ([1]) وحصلت بعض التغييرات عليها بدعم من الدكتور أحمدي.

وفي عام 1371هـ. ش، 1992م خصص مجموعة من الطلبة الأفاضل وقتاً معيناً للتنسيق والتعاون مع مكتب التنسيق بين الحوزة والجامعة، وبرزت بعد ذلك تطورات متصاعدة فيها من خلال تزايد الاختصاصات والمجاميع، واستخدام المزيد من الإمكانيات. وفي أواخر عام 1377هـ. ش، 1998م، وأوائل عام 1378هـ . ش، 1999م تمت كتابة نظام داخلي جديد، وطبقاً لذلك فقد تغيرت تسمية مكتب التنسيق بين الحوزة والجامعة، إلى (معهد دراسات الحوزة والجامعة) وسمي بعد ذلك في عام 1383هـ . ش، 2004م باسم (مركز أبحاث الحوزة والجامعة).

يواصل مركز الأبحاث حالياً نشاطاته العلمية في مجال العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية برؤية إسلامية، من خلال معهدين للأبحاث وثلاث عشرة مجموعة بحثية، وقد تمّ لحدّ الآن طبع العديد من الكتب في هذه الاختصاصات، حيث حصلت ثلاثة كتب من بين هذه المؤلفات على جوائز في المهرجان العلمي والثقافي للبلاد.

2 ـ أهداف المركز ـــــــ

من أهم أهداف المعهد العالي لدراسات الحوزة والجامعة وبرامجه ما يلي:

ـ استنباط الأُسس والنظريات الإسلامية في مجال العلوم الإنسانية.

ـ توطيد أُسس الوحدة بين الحوزة والجامعة.

ـ التنظير في مجال العلوم الإنسانية برؤية إسلامية.

ـ تدوين المصادر والكتب الدراسية في مجال فلسفة العلوم الاجتماعية ومنهجية العلوم الإنسانية.

ـ إعداد وكتابة القواميس ودوائر المعارف في نطاق العلوم الإنسانية.

3 ـ المعهد والوحدة ـــــــ

حقق المعهد العالي لدراسات الحوزة والجامعة نجاحاً باهراً في مجال التعامل الفكري بين الرؤية الحوزوية والجامعية، وفي الوقت الحاضر يمتلك الباحثون وأعضاء الهيئة التدريسية للمركز شهادات الماجستير والدكتوراه الجامعية في أحد اختصاصات العلوم الإنسانية الاجتماعية، إلى جانب تحصيلاتهم الدراسية العليا في الحوزة العلمية في قم، وهذا الأمر هو الذي أدّى إلى أن تحظى الإنجازات العلمية لهذا المركز برضا واستحسان الحوزويين والجامعيين على حدٍّ سواء. وتستخدم الكثير من مؤلفات المركز في الوقت الحاضر ككتب دراسية أو كتب دراسية مساعدة في الجامعات، وهناك مجموعة من الكتب الدراسية والجامعية الأُخرى أيضاً قيد التأليف في المعهد بطلب من مؤسسة (سمت).

كما أصدر المركز عدّة مقالات بشأن موضوع وحدة الحوزة والجامعة. وقد طبع العديد من هذه المقالات في ثلاثة أجزاء من كتاب الحوزة والجامعة. وكمثال على ذلك، يمكن أن نشير إلى المقالات التالية، من قبيل (وحدة الحوزة والجامعة في فكر الإمام الخميني)، (الوحدة الاستراتيجية بين الحوزة والجامعة)، (وحدة الحوزة والجامعة في العقدين الأخيرين)، (الحوزة والجامعة من الانفصال إلى الوحدة)، (تفسير معنى وحدة الحوزة والجامعة) و(نظرة تأملية إلى موانع التقريب بين الحوزة والجامعة).

والبعض الآخر من برامج معهد أبحاث الحوزة والجامعة لمناقشة موضوع الوحدة بين هاتين المؤسستين كالتالي:

ـ الحضور المنتظم لأعضاء الهيئة التدريسية لمركز الأبحاث في الصفوف الدراسية والأوساط الجامعية والحوزوية الأُخرى.

ـ إقامة الندوات والمؤتمرات العلمية وتوجيه الدعوة لأساتذة الحوزة والجامعة لتبادل وجهات النظر في الموضوعات العلمية.

ـ تعاون الباحثين الحوزويين مع الأساتذة الجامعيين في تنفيذ البرامج العلمية.

ـ تنفيذ المشاريع البحثية من قبل الباحثين المطّلعين على الأساليب العلمية الجامعية والحوزوية في البحث والتحقيق.

ـ الاستفادة المتزامنة من أساتذة الحوزة والجامعة في تقييم المشاريع البحثية.

الهوامش

(*) رئيس جامعة المصطفى العالمية في إيران، ورئيس مركز دراسات الحوزة والجامعة، أستاذ الدراسات العليا في الحوزة العلمية، ساهم بشكل فعّال في تجويد النظام التعليمي في حوزة قم، لا سيما قسم الدراسات والأبحاث.

([1]) مختصر لـ (سازمان مطالعات وتدون كتب علوم إنساني).

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً