أحدث المقالات

المقدّمة

ظاهرة الربا من أبرز مصاديق الظلم والاقتصاد الخاطئ في المجتمع البشري؛ لذا كان دائماً مَحطـّاً للتوبيخ والمَلامة في الأديان الإلهية([1])؛ فقد كان المُرابون بين اليهود كثيرون رغم التحريم المستمرّ له في التوراة والدعوة للابتعاد عنه، وقد كان لليهود باعٌ طويل في الربا القرضي الذي كان شائعاً آنذاك.

كان الربا ممنوعاً في القوانين المسيحيّة حتى قبل الثورة الصناعية، لكن وبعد التطوّرات والتحوّلات السياسية والثقافية في القرن الخامس عشر إلى القرن الثامن عشر الميلادي، صار الربا جائزاً رسمياً في العالم المسيحي.

وقد سعى عدّةٌ من الاقتصاديين إلى مخالفة تحريم الفائدة الربوية، مقترحين عدّة طرق لتجويزه، يعود سبب ذلك إلى مجموعة عوامل، منها التغيّرات الأساسيّة في البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البلدان الأوروبية، وابتعاد الكنيسة عن السلطة، واكتشاف العالم الجديد (أمريكا)، وتوسّع العلاقات التجاريـّة بين الشرق والغرب، وبروز المذهب الاقتصادي القائل بأنّ المال أهمّ عامل لثروة الشعوب.

ونتيجةً للعلاقات القائمة بين الدول الإسلاميـّة والغربية، وللأصول الحاكمة آنذاك في انتقال العادات والتقاليد والقوانين من الدول الغربية إلى الدول الإسلامية، فقد انتقل أيضاً النظام البنكي القائم على الربا، وبين كلّ هذه المظاهر برز مجموعة من العلماء أرادوا توجيه الأحكام الدينيـّة بما يتلائم والعالم المتمدّن اليوم، وقالوا بالفصل بين الربا البنكي والربا القرضي الرائج قديماً، كما قالوا ـ بعد جهدٍ بليغ ـ بعدم السنخية بين الربا البنكي وغيره.

نسعى هنا للإجابة عن تساؤلات من نوع: هل المعاملات الدائرة في البنوك الربويـّة اليوم جائزة أم لا؟ وهل أن تعبير بعضهم عنها بالربا الاستثماري الذي قالوا بحلـّيته يغيّر من واقع الأمر شيئاً؟ فهل حقاً هي ظاهرة جديدة لم يسبق أن وجدت من قبل في زمان الجاهلية؟ ثم هل أن أدلّة تحريم الربا تختصّ بالاستهلاكي منه فقط، وهو الأكثر شيوعاً في ذلك الزمان أم تعمّ غيره، فتشمل حتى الاستثماري منه؟

ندرس هنا أقسام الربا، ونطلّ تاريخيّاً على ظاهرة الربا الاستثماري، وكيفيـّة طرحه في العصر الأخير، وندرسه من وجهة النظر الاقتصادية، ثم نبحث المسألة من وجهة النظر الفقهية، وأدلـّة القائلين بحليـّة ذلك والردّ عليهم، بعد ذلك نطرح نظرية سدّ الذرائع ثم نردّ عليها، وهي النظرية المعروفة بين فقهاء أهل السنـّة، لنصل أخيراً إلى أنّ رفع اليد عن عمومات النصوص والفتاوى، لا يمكنه حلّ هذه المشكلة، ونقترح ـ في النهاية ـ حلاً لهذه المُعضلة عبر تأسيس نظام بنكي إسلامي يقوم على نظام المساهمة.

الربا في الدين الإسلامي

يعتبر الربا في الإسلام من الذنوب الكبيرة، وهناك تأكيد شديد على حرمته لم نلحظه في غيره من الذنوب، فقد عبّر القرآن عنه بمحاربة الله ورسوله، وصرّح سبع مرات بحرمته كما في سورة البقرة، الآيات: 275، 276، 278، 279؛ وسورة آل عمران، الآيات: 130، 131؛ وسورة النساء، الآية: 161.

ومن النصوص القرآنية هنا، قوله تعالى: >يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ< (البقرة: 278 ـ 279)، كما أشارت السنّة الشريفة بشفافيةٍ ووضوح لهذه الحرمة؛ فقد قال الرسول الأكرم 2 لعلي B: «يا علي! درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية كلّها بذات محرم في بيت الله الحرام» ([2]). وقد صرّح علماء الفريقين في فتاواهم ونظرياتهم الفقهية بتحريم الربا في الجملة؛ مع وجود اختلاف في وجهات النظر في مسائله الفرعية وشرائط تحقّقه بينهم، فابن إدريس ينسب حرمة الربا إلى شريعة الإسلام، حيث يقول: الربا محظورٌ في شريعة الإسلام([3]).

والقدر المتيقن من حرمة الربا عند الفقهاء هو الربا في البيع والقرض؛ لكنّ هناك بعضٌ منهم خصّ الربا بالبيع، أمثال الشيخ الطوسي في الخلاف والمبسوط، وسلار في المراسم، وابن حمزة في الوسيلة؛ أمّا أكثر الفقهاء فقالوا بحرمته في القرض أيضاً، أما في غير البيع والقرض فقد جوّزوه على أساس قاعدة السلطنة.

أقسام الربا

يقسـّم الربا ـ عند الفقهاء ـ إلى قسمين: معاملي وقرضي؛ أما المعاملي فهو تبادل الأعيان (البضائع) ذات الجنس الواحد على شكل معاملة، وهناك شرطان كي يحرم الربا هنا:

1ـ أن يكون المال المتبادل في المعاملة من جنسٍ واحد.

2ـ أن يكون من المكيل أو الموزون([4]).

أمّا ربا القرض، فهو أن يـُعطي المُـقرض قرضاً للمُـقترض، ويشترط عليه الزيادة عند التسديد، والشرط كلّ نفع زائدٍ عن مقدار القرض؛ ففي الماضي كان الربا المشهور هو الربا المعاملي، فيما السائد في عصرنا الحاضر هو الربا القرضي، والمهيمن على العالم الآن هو النظام المصرفي الظاهر على شكل مؤسّسة ربويّـة ذات شبكة واسعة تـُدار من خلالها المعاملات الربوية.

وقد التجأ بعض مفكّري العالم الإسلامي للتفكير في نجاة المسلمين من الوضع الذي كان مهيمناً على النظام المصرفي آنذاك، أمثال الشهيد السعيد محمد باقر الصدر، حيث طرح فكرة تأسيس البنك الإسلامي، ومع الأسف لم يخرج طرحه إلى حيّـز التنفيذ. وهناك مجموعة أخرى من الباحثين دخلوا هذا المعترك عن طريق إبداء بعض النظريات والفرضيات والإصلاحات للنظام البنكي الإسلامي، فقد طرحوا قسمين للربا القرضي هما:

الربا الاستهلاكي: وهنا يكون المقترض مضطراً لأن يأخذ قرضاً لإدارة شؤون حياته، لكنّه لا يستطيع أن يفي به لعدم تمكـّـنه من ذلك، وبسبب هذا التأخير يُضاف عليه مبلغ زائد من المال بسبب التأخير، فيتضاعف عليه الدين، ويعتقد هؤلاء أنّ الربا المحرّم هو هذا النوع من الربا المسمّى بالربا الاستهلاكي؛ لأنّ هذا النوع ظلمٌ واضح للمُـقترض وإجحاف بحقـّه.

الربا الاستثماري: وهنا يأخذ المُـقترض المال لجعله رأساً للمال في عملٍ منتج، فيكون هدفه من القرض الربح، وفي الوقت عينه يشترط أن يُرجع إلى المُقرض بعض المال الإضافي بعنوان الفائدة، وتعتبر هذه المجموعة من العلماء هذا النوع من الربا حلالاً؛ لأنه ـ باعتقادهم ـ حالة جديدة من التعامل، لذا فهي غير مشمولة لأحكام الربا ومقرّراته، فهذا اللون من الربا لا ظلم فيه ولا إجحاف([5]).

وقبل الدخول في صلب البحث، ارتأينا رصد تاريخ هذا النوع من الربا.

تاريخ الربا الاستثماري

حسب المتوفر من الشواهد التأريخية؛ فإن ظاهرة الربا كانت متداولةً في الجزيرة العربيـّة عن طريق اليهود والنصارى الذين هاجروا إليها آنذاك؛ وبالتدريج أخذ العرب منهم هذه الظاهرة، لذلك عندما عقد الرسول2 الصّـلح مع نصارى نجران كان من ضمن مقرّرات الصّلح أن يتجنـّبوا الربا؛ لكنـّهم لم يفوا بهذا الشرط فكان عاقبة عملهم أن أجلاهم الخليفة الثاني من أرضهم([6])، وكان الربا رائجاً في المدن الكبرى مثل مكّة والمدينة والطائف يعبّرون عنه بالربا الجاهلي، وله أقسام مختلفة؛ حتى عدّوا له عشرة أقسام أو أكثر، من جملتها الربا الاستهلاكي والربا الاستثماري.

يؤخذ الربا الاستهلاكي عند الضرورة لرفع الحاجة، أمّا الربا الاستثماري فهو معاملة بين التاجر وصاحب المال، فالتاجر يأخذ المال من أجل أن يجعله رأساً للمال في أعماله التجاريّة.

وليس هناك شك في أن الربا الاستهلاكي كان رائجاً في الجاهلية، فإذا ما تعذر على المُـقترض دفع المال المستحقّ عليه فإنّ المُـقرض للمال يُـضاعف عليه المبلغ الذي في ذمّـته من أجل أن يؤجّـله سنةً أخرى لدفعه([7])، وهناك بعض الدراسات تقول: إنّ الربا الاستثماري كان موجوداً حتى في زمان الجاهلية؛ لذا فالمقولة التالية تـُشير إلى خلاف ما ذكر لدى بعضهم من «لكن هذه الأيام توجد هناك صورة أخرى للربا لا يمكن ان يُتـَـصَـوّر وقوعها في الماضي، وتعتبر من مختصّات زماننا الحالي المتطور، وهي أن الأثرياء لأجل أن يشغـّـلوا ثروتهم.. يحتاجون إلى رأس مال يُضاف إلى ثروتهم.. وهذا النوع من الربا يسمى الربا الاستثماري؛ وهو قابل للبحث و النقد، وبالخصوص ما قيل حول حلـّيته»([8])، وهناك شواهد دالـّة على ذلك في كتب التفسير والتاريخ يمكن العثور عليها:

1ـ العباس بن عبد المطلب وبنو المغيرة كانت بينهم معاملات ربويّـة واسعة مع بعضٍ من بني ثـقـيف قبل الإسلام، وعند ملاحظة هؤلاء الأشخاص وموقعيتهم الاجتماعية والأخذ بنظر الاعتبار القبائل التي كانوا ينتمون إليها نستنتج أن الربا الرائج فيما بينهم ليس من النوع الاستهلاكي، بل هو قطعاً من الربا الاستثماري([9]).

2 ـ نقلاً عن الطبري: إن أصحاب رؤوس الأموال الأثرياء في أيام الجاهلية كانوا يعطون الأموال على شكل قرض من أجل اتـّساع ثروة المقترضين، وهذا طريق لتشغيل الأموال الممنوحة كقرض إلى مَن يشتغل فيها([10]).

3 ـ العباس وخالد بن الوليد كانا شريكين في المعاملات الربويّـة، وقد جمعا ثروة طائلة عبر ذلك، ونقلاً عن جماعة من بني ثقيف أن وضعهم الاقتصادي كان عالياً جداً، وبعد بزوغ فجر الإسلام ونزول الآية 279 من سورة البقرة، قال رسول الله2: «إنّ كلّ ربا من ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضَعه ربا العباس بن عبد المطلب»([11]).

4 ـ وهناك روايات تـُشير إلى وجود الربا الاستثماري، حيث نَـقـَـلـَـت لنا بعض الروايات عن الأئمةE أنهم سُئلوا عنه، وأجابوا، كما في خبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن B قال: «سألته عن الرجل يكون له على رجل مال قرضاً فيعطيه الشيء من ربحه، فخافه أن يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير أن يكون شرطاً عليه، قال: لا بأس به ما لم يكن شرطاً» ([12])، فمن هذا الحديث يمكن استنتاج ما يلي:

أولاً: إن القرض الاستثماري كان رائجاً آنذاك.

ثانياً: إنّ استلام المنفعة في هذا النوع من القرض وعدم اشتراطه مسبقاً، يكون حلالاً.

ثالثاً: الشرط السابق للقرض في استلام المنفعة حرام، ويُعتبر أحد مصاديق الربا، وهذا الحكم الأخير يدلّ عليه مفهوم الشرط في الرواية.

وعلى أساس هذه الرواية، لا فرق في الحرمة بين الربا الاستهلاكي والاستثماري.

وقد أيّدت جامعة محمد بن سعود هذا الموضوع في مؤتمرها الاقتصادي؛ فقد كتبوا في تقرير المؤتمر: «وقد ذهب الغالبيّة في المؤتمر إلى أن قريشاً كانت تعرف القروض الاستثمارية على صورة الاشتراك في القوافل، وأن النصوص جاءت عامّةً في تحريم الربا فـتـشـتـمل هذه الصورة تلقائياً» ([13]).

تأمّلات في حلّية الربا الاستثماري في العصر الأخير

قسـّمَ بعض المحققين من أهل السنّة الربا القرضي إلى قسمين: استهلاكي واستثماري، معتقداً أنّ ما حرّمه الإسلام هو الربا الاستهلاكي فقط، لا الاستثماري، ومن جملة من أخذ بهذه النظرية العالم المصري رشيد رضا، فقد قال في هذا المجال: «قد علم ممّا تقدّم في تفسير الآيات أنّها إنّما نزلت في وقايع كانت للمُرابين من المسلمين قبل التحريم، فالمراد بالربا فيها ما كان معروفاً في الجاهلية من ربا النسيئة، أي ما يُؤخذ من المال بأجل الإنساء، أي التأخير في أجَل الدَّين.. فهذا ما ورد القرآن بتحريمه لم يحرّم فيه سواه، وقد وصفه في آية آل عمران التي جاءت دون غيرها بصيغة النهي: >يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة([14]).

وقد جاء في المجلات العلمية ما يشبه هذه النظرية مِن قـِبـَل بعض العلماء، أمثال معروف الدواليبي ومصطفى الزرقاء([15]). وأخيراً تبنّى بعض علماء الشيعة ـ وهو الشيخ يوسف الصانعي ـ هذه النظرية ودافعوا عنها، يقول أحدهم: «هل يمكن القول بأن أدلّة حرمة الربا شاملة لهذا المورد ـ أي الاقتراض من أجل الإنتاج والاستثمار مع الفائدة ـ مصاحباً للفائدة أم لا؟ مشهور الفقهاء وبالاستناد لعموم الآيات والروايات وإطلاقها حرّموا هذا النوع، لكن مدّعانا هو أنّ هذا القسم ليس حراماً، وأدلّة التحريم لا تشمله»([16])، فالربا الذي حرّمه الشارع المقدّس هو ذلك الربا الجاري بين الأشخاص الحقيقيين الذين طرحوا مسألة الاستثمار فيما بينهم.

وهنا تساؤل: هل الربا المتداول في البنوك يشمله عنوان الاستثمار أم لا؟

الربا الاستثماري من وجهة نظر حقوقيّة اقتصادية

رأس المال ثمرة العمل، مقولةٌ لعلماء الاقتصاد، تعني أنّ رأس المال هو العمل المادي المتجسـّم؛ لذا فمثلما يكون العمل نافعاً يكون رأس المال منتجاً ونافعاً، وهكذا كلما كان الإنسان يعمل بالوسائل والآلات فسيكون له حظ من المنفعة، وقسمٌ من المنفعة سوف يتعلّق برأس المال.

ونتيجةً لذلك، تغدو الضرورة والأولوية للموارد المنتجة أو المُربحة لعينيـّة رأس المال؛ يعني حقيقة وجوده الخارجي لا الاعتباري؛ فلو كان رأس المال اعتبارياً فلا يمكن أن يكون ذا منفعة؛ لذا فإن الشخص المُقرض سوف يخرج رؤوس الأموال من يده، أي يخرج عن نطاق العينية وتنتقل إلى المُقترض، فيصبح عين رأس المال له، ومن ثمّ تكون المنفعة له أيضاً، أما المُقرض فيكون دائناً بالمال الذي قدّمه قرضاً؛ من هنا قالوا بأن المال عقيم، وكلّما أعطي المال على شكل قرض يكون الضامن هو أصل هذا المال، لكن لا تتعلّق به المنفعة؛ لأن الضمان والمنفعة لا يمكن الجمع بينهما، وعندما يظهر هناك ضرر فسوف تتوجّه الخسارة لرأس المال، حاله حال عقد المضاربة الذي يكون فيه رأس المال ذا سهمٍ من الربح، لكنّه لا يُضمن.

بناءً على ذلك، فإن المُقرض يبدّل عين ماله إلى دَين؛ لذا كان على المُقترض ردّ مقدار المال، أما المُقرض فيكون ملكه لذلك المبلغ اعتبارياً، وبعبارة أخرى إن ماله محفوظ لكن لا يأخذ عليه ربحاً أو فائدة، لماذا؟ لأن الربح أو الفائدة تأتي من رأس المال العيني لا الاعتباري الذي ليس فيه إنتاج، ولا يترتـّب على الثروة الاعتبارية أيّ أثر، إلا أنّ المال مضمون ومؤمَّـن، فيما النفع يتعلـّق برأس المال العيني الذي هو عند المُقترض؛ من هنا، لم يكن هناك فرق بين الربا الاستهلاكي والربا الاستثماري، فالملاك المذكور واحدٌ في الحالات كافّة([17]).

لا يمكن للمال أن يكون مُنتجاً الاّ في حالات خاصّة، عكس البضائع أو السلع التي فيها خاصيـّة الإنتاج؛ وذلك لأن المال له ثلاث خاصيات:

1 ـ أنه مقياس القيمة.

2 ـ أنّه واسطة التبادل التجاري.

3 ـ أنّه ذخر الأشياء الثمينة.

أمّا الخاصيّة الأولى، فليست مُنتجةً، وهذا واضح جدّاً، وأمّا الثانية فلا تجلب المنفعة ولا تولـّد لنفسها اعتباراً إضافياً، وأما الثالثة فلا يمكن أن تكون منتجةً بنفسها، كما لا يمكنها أن تضيف لنفسها اعتباراً جديداً، إلا أن تكون على شكل بضائع؛ وهنا تـَنـْحو المسألة منحىً آخر، بدخول هذا المال تحت عنوان عقدٍ من العقود الشرعية أمثال المضاربة والشركة وغيره، ليمكن أن يغدو منتجاً؛ إذ في هكذا حالات تتبدّل حقيقة ملكية المال إلى ملكية السلع أو البضائع، وتقع هذه السلع ضمن نطاق المعاملات التجارية التي من شأنها القيام بعمليات إنتاج.

ونلاحظ هنا أن الاستثمار والانتفاع بالمال ـ بما هو مال ـ قد دخل في خانة الربا القرضي؛ لأن المُقرض هنا يكون مالكاً للمال في ذمّة المقترض منذ تسليمه إيـّاه حتى آخر المطاف، ومقابل ذلك يكون المُقترض مَديناً بهذا المال للمُقرض؛ هذا المال الذي لا يمكن أن يكون مـُنتجاً بالنسبة للمُقرض([18]).

ونتيجةً لذلك كلّه، فإن الفلسفة الاقتصادية لحرمة الربا هي أن المال بما هو مال لا يمكن أن يكون مُنتجاً؛ لأنه عقيم، و نستنتج عبر ذلك أنه لا فرق بين الربا الاستثماري والاستهلاكي.

نظرية الإجمال في آيات الربا

ذهب بعض الباحثين؛ لإثبات حلـّية الربا الاستثماري إلى القول بأن «الأدلة والشواهد على مدّعانا في حلية الربا الاستثماري، هي: الدليل الأول، الآيات القرآنية الذامّة للربا، والتي ذكرناها سابقاً، وهي تدلّ على أصل حرمة الربا، لكنّ فيها إجمالاً على مستوى بيان المصاديق والموارد.. إذاً فبعض الربا حرام؛ لكنّ هذا البعض الوارد في الآيات لم يكن واضحاً، والقدر المتيقّن من هذه الحرمة يمكن أن يكون الربا الاستهلاكي»، ثم أضاف: «إن آية >وأحلّ الله البيع وحرم الربا<، جملة استئنافية وليست حالاً من الجملة التي قبلها؛ فتكون بمثابة إحالة لحكم العقل والارتكاز العقلائي»([19]).

القدر المسلـّم من هذا الكلام أنّ كلمة ربا يفهمها العرب بمعنى الزيادة ـ الإضافة، وأنّ معناها الاصطلاحي هوالزيادة المعطاة في المعاملة القرضية، وبما أنّ القرآن نزل بلسان أولئك القوم؛ فإن الكلمات التي جاء بها معروفة ومألوفة لديهم؛ وعليه فآية >أحل الله البيع وحرم الربا< (البقرة: 275)، سواء كانت حالاً أو استئنافاً لا تـُغيـّر من أصل حكم الربا المعهود والواضح للمسلمين آنذاك شيئاً، وعلى أيـّة حالٍ فإن الآية لم تكن مُبيـّنـةً لحكم جديد أو ابتدائي للربا كي تكون حاليـّةُ الجملة أو استـئـنـافيـّتها مؤثرةً فيه([20])؛ بل الآية في مورد التأكيد على حكم معلوم ومعروف للمسلمين. ولو فرضنا أنّ الجملة مستأنفة فإنّ الظاهر منها أنّ الآية المباركة بصدد بيان حلـّية البيع وحرمة الربا من أجل تصحيح الاعتقاد الخاطئ للمُرابين الذين ساد بينهم الخلط بين البيع والربا؛ للمُشابهة بينهما.

وعليه، فالآية مطلقة في شمولها لحرمة الربا بأقسامه كافّة؛ وأمّا القول بأنّ الآيات القرآنية الواردة في الربا مجملة، والأخذ بالقدر المُتيقـّن، وهو حرمة الربا الاستهلاكي، فهو من الاجتهاد مقابل النص.

وأمّا القول بأنّ الآية إحالةٌ إلى العقل والمرتكز العقلائي عندهم آنذاك، فهو لا يفيد القائل بالاختصاص بالاستهلاكي هنا؛ إذ حتى لو فرضنا الأمر كذلك؛ لزمنا الرجوع إلى العقل، وهو يقضي بأن الربا له آثار مخرّبة ومُدمّرة، مثل الظلم وعدم الاستقرار الاقتصادي، وعدم العدالة في توزيع الثروة، وإيجاد الطبقية في المجتمع، وانحصار الثروات بالمتموّلين فقط([21]).

أمّا البيع مع أجَل؛ فإن قيمة السلعة فيه لا ترتفع؛ لأنّ المال فيه يقع مقابل السلعة، لا مقابل المال، هذا أولاً، كما أنّ المعاملة تتمّ برضا الطرفين ثانياً، على خلاف الحال في الربا؛ فإن المال أو المبلغ المُضاف على المعاملة ليس مقابل شيء؛ لهذا حرّمه الشارع المقدس([22]).

بناءً على ذلك، يمكن القول بأن هذه الخاصيّة للربا والتي لا يترتب عليها سوى المفاسد والمضار؛ ليس هناك فرقٌ منطقي بين أقسام الربا فيها، سواء كان استثماريّاً أو استهلاكياً؛ وأنّ الآية شاملةٌ لكلا القسمين صراحةً. والدراسة التاريخية لعصر صدر الإسلام تـُبيـّن أن كلا النوعين من الربا موجود ومتداول آنذاك، لذا فإنّ الآيات الحاكية عن حرمة الربا لها دلالة عموميـّة، وليست مجملةً و لا متشابهة، كي نأخذ بالقدر المتيقن من مدلولها.

نعم، ذكر الفقهاء بعض الموارد المُستـثـناة من حرمة الربا ([23])، لكنّ أحداً منهم لم يذكر الربا الاستثماري في مستثنيات الربا.

وعليه، فلا وجه لادّعاء الإجمال في الآيات، بل إنّ قوله تعالى: >وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ< (البقرة: 279) تعتبر دليلاً واضحاً على وجود الربا الاستثماري؛ إذ لا يعبّر عن القرض الاستهلاكي برأس المال، بل تستخدم كلمة قرض فيه، فيما استعمال كلمة رأس المال متداولٌ ورائج في الأموال التجارية والإنتاجية، علماً أن ذيل الآية >وإن كان ذو عُسرة فنـَظِرَةٌ إلى ميسرة< لا يمكن أن يكون دليلاً على اختصاص الحكم المذكور بالربا الاستهلاكي، بل إنّ هذا الحكم يشمل كلا القسمين من الربا الرائج في زمان الجاهلية؛ لأنه من الممكن أيضاً أن يحتاج التاجر (المقترض) إلى مهلة ليتمكّن من تسديد قرضه الذي في ذمّـته، وذلك إثر عوامل متعدّدة تجبره على ذلك، مثل المشكلات الاقتصادية كالضائقة المالية أو الخسران في صفقةٍ تجارية وغيرها.. وبالنتيجة يكون محتاجاً إلى مُهلةٍ لتسديد القرض؛ فليس هناك دليلٌ واضح من خلال الاستشهاد بهذه الآية على اختصاص هذا الحكم بالربا الاستهلاكي.

ألـَيسَ الربا الاستثماري من مصاديق الظلم؟

ويضيف الكاتب أيضاً: «تكملة الآية في سورة البقرة تتكلـّم عن علـّة حرمة الربا وتصفه بأنه ظلم: >يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ< (البقرة: 278 ـ 279).. بناءً على ذلك، فإنّ علة حُرمة الربا هو الظلم، وهذا الظلم مُتـَصَوّر في الربا الاستهلاكي، أما الربا الاستثماري فليس كذلك».

هل يُعقـَل أن لا تكون الزيادة الممنوحة على المال الذي استلمه المقترض في الربا الاستثماري من موارد الظلم؟ إذ لو كان ملاك الحكم في حرمة الربا هو الظلم؛ فحال المقترض حال ذلك الذي يُعطي مبلغاً اضافياً إلى البائع في الربا المُعاملي من دون أن يستلم شيئاً من الطرف المقابل، فالأمر واحد في كلتا الصورتين وهو ظلمٌ واضح وبيـّن لا يُمكن إنكاره؛ فإذا كان القصد في القروض الاستهلاكية أن يكون المُقرض آخذاً لمالٍ إضافي من الطرف المقابل والذي هو محتاجٌ ومضطرّ للقرض، أما في القروض الاستثمارية فليس كذلك؛ لأنّ المقترض قصده من أخذ المال (القرض) جعله رأس مال منتج فيُعطي عليه زيادة من المال، وهذا العمل يعود نفعه للمجتمع فيحرّك عجلة الاقتصاد للأمام.. فلا شك أن الهدف الأصلي في الاقتصاد الإسلامي هو إقامة العدالة الاجتماعية وتوازن الثروة وعدم تراكمها؛ لهذا نهى الإسلام عن اكتناز الثروات من جانب، فيما حث ـ من جانب آخر ـ على الإنفاق وأداء الفرائض المالية التي تقع على عاتق المكلـّفين، أمّا في الاقتصاد الرأسمالي القائم على الربا والفائدة، فإن الرأسماليين الكبار والمتموّلين قد سلكوا سبيلهم هذا دون أدنى عناء، فكانوا يحصلون على أكبر أرباح، فجمعوا ثروات طائلة بذلك وكنـزوا الملايين، وهكذا، ونظراً للضائقة الماليـّة لذوي الدخل المحدود وحكم القانون والظروف المحيطة بهم ترى أموالهم في نقصان، بينما تُضاف هذه الأموال إلى أموال المتموّلين وأصحاب الثروة على حساب طبقة المحرومين أو ذوي الدخل المحدود؛ فإذا كان الأمر كذلك، كيف يمكن القول بأن هذه الحالة ليست من مصاديق الظلم؟!

أضِف إلى ذلك أن على رأس هذه الشبكة من الرأسماليين والتجارة العالمية يقف المارد الصهيوني الذين يريد التهام العالم، فقد نفذ إلى داخل جسد الدول المتقدّمة، حتى وصل الأمر إلى أن يغدو انتخاب رئيس الجمهورية والسياسة الخارجية للدول الغربيـّة الكبرى بأيديهم وتحت تصرّفهم، فهل يمكن القول بعد ذلك: إنّ هذا النوع من الربا ومن يعمل به ليس من مصاديق الظلم؟ ألا يعتبر تحريم الربا من العوامل المهمّة في تأمين العدالة الاقتصادية؟

يحصل المُرابون اليوم على فوائد هائلة من الأموال جزافاً عن طريق المعاملات المصرفيـّة من البنوك، وأصحاب رؤوس الأموال أيضاً عن طريق الاعتماد (الثــّـقــة)، فيستلمون أموالاً طائلة من البنك، ويوظـّفونها في المشاريع الكبيرة الضخمة، لقد غدوا أصحاب ثراء من خلال الفائدة التي يحصلون عليها في المعاملات الربويـّة دون أن تتعرّض أموالهم لأيّ خسارة؛ وأيضاً أصحاب رؤوس الأموال يوظـّفون أموالهم التي يأخذونها من المصرف ـ البنك عن طريق الاعتماد ويضعونها في مشاريع ضخمة كبيرة ليحصلوا على أضعاف أرباح المشاريع الصغيرة؛ فإذا لم تكن هناك مصارف وبنوك ربويـّة آنذاك؛ فلا يمكن للمنتفعين من المرابين أن يكدّسوا الثروة على هذا المنوال، ولا كان بإمكان أصحاب رؤوس الأموال تهيئة فرص لجلب اعتماد البنك فيدخلوا في مشاريع كبيرة ضخمة تجعلهم رأسماليين بارزين..

لقد وقف الإسلام بوجه هكذا معاملات؛ لرفع الاختلاف الفاحش بين طبقات المجتمع([24])، وبناءً على هذا، وبغية تأمين العدالة الاجتماعية والاقتصادية نرى أنفسنا مضطرين لحذف هذه الظاهرة السيئة والمخرّبة من المجتمع الإسلامي، فنطرح البديل لها، وهو من العقود الشرعية الصحيحة في معاملاتنا البنكية والمصرفية، بهدف نشر الثـقافة المصرفية الإسلامية.

رأي العلامة الطباطبائي في الربا

ننـقل هنا كلام المفسّر الكبير السيد محمد حسين الطباطبائي P بخصوص إثبات أن الربا الاستهلاكي والاستثماري ظلمٌ بحق الآخرين؛ حيث يقول: «هذا في الربا المتداول بين الأغنياء وأهل العسرة، وأما الذي بين غيرهم كالربا التجاري الذي يجري عليه أمر البنوك وغيرها كالربا على القرض والاتـّجار به، فأقلّ ما فيه أنه يوجب انجرار المال تدريجياً إلى المال الموضوع للربا من جانب، ويوجب ازدياد رؤوس أموال التجارة واقتدارها أزيد ممـّا هي عليه بحسب الواقع، ووقوع التطاول بينها وأكل بعضها بعضاً، وانهضام بعضها في بعض، وفناء كلّ ما هو أقوى منه، فلا يزال يزيد في عدد المحتاجين بالإعسار، وتجتمع الثروة بانحصارها عند الأقلّين، وعاد المحذور الذي ذكرناه آنفاً»([25]).

ويقول الأستاذ الشهيد مرتضى المطهري أيضاً: «من خلال تعبير القرآن، نصل إلى أنه يَعتبر أخذ الفائدة (الربح) على القرض من مصاديق الظلم، أي أخذ شيء بدون حقّ وبدون مجوّز ظلمٌ.. وفي الواقع فإنّ العدل يعني إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، والظلم هو التجاوز على حقوق الآخرين، وقد عبـّر القرآن عن أخذ الربا بالتعدّي على حقوق المقترض، ونحن نقول بعدم شرعيـّتـه أصلاً»([26]).

جاء في الرواية: «أخذ الربا ظلمٌ وفناء للأموال» ويُقصد بفناء الأموال فيها سحب أموال الناس نحو المرابين، وكذلك هي فتوى الفقهاء في هذا المورد، إن الربا هو هكذا، وقد فرّقوا بين الربا من النوع الاستهلاكي أو النوع الاستثماري ([27]).

بناءً على ذلك، فان الربا الاستثماري بشكله الجزئي البسيط هو مُحصـّل الطبقة الكادحة وذات الدخل المحدود، فقد توجّـه أولئك صوب الرأسماليين المتموّلين والبنوك بكثافة؛ كي يودعوا أموالهم دون تحمـّل ألم وأذية مِن قِبَـلهم، وقد أقدموا على المجازفة بأموالهم مواجهين بذلك أخطاراً متنوّعة ومتزايدة، والمـقـترض رغم مسألة التضخـّم المالي، سيما في الدول التي ورثت اقتصاداً عليلاً لا قدرة فيه، لا يحصل سوى على نسبةٍ قليلةٍ من الربح أو الفائدة، فيجب أن لا نتوقـّع أن تُحلّ مشاكلنا الاقتصادية عبر ذلك، وأن هذه القوى المالية العملاقة في العالم هي الملجأ الوحيد لحلّ تلك المشاكل، وأنّها سوف تضع لنا قانوناً يضمن مصالحنا ويكون عادلاً في توزيع الثروة، بل من اللازم القلق من ظاهرة الربا والفائدة في البناء الاقتصادي للدول اليوم، حالها حال الآلات في يد المستـبدّين والمُترفين التي يرومون من خلالها تكبيل الإنسان بما يُـثـقل كاهله، فقد تجاوزوا وظلموا واستخدموا العنف وعدم الرحمة بالشعوب الواقعة تحت سلطة الأثرياء، فأبدوا الوجه القبيح، وكشّروا عن مخالب وأنياب مفترسة.

لذلك حرّم بعض الفقهاء كل أنواع الفرار من الربا؛ لأن فلسفة تحريمه والآثار المخرّبة للعمل به في حياة الفرد والمجتمع، المادية والمعنوية، لا تغيـّر من حقيقته وماهيـّته مهما جاؤوا بتوجيهات له؛ يقول الإمام الخميني K في هذا الصدد: «من أجل التخلـّص من الربا ذكروا أنّ هناك عدّة طرق لذلك، ولكنني بعد إعادة النظر في هذه المسألة توصـّلت إلى أن التخلـّص من الربا بأي وسيلة كانت ليس جائزاً، والمورد الوحيد الذي يمكن أن يكون جائزاً في الربا المعاملي هو في حالة التعامل بنفس الجنس بوزن أكثر، ولكن بضمّ صاحب الوزن الأقلّ إلى سلعته شيئاً آخر، ويمكنه أن يتعامل بوزن أكثر إذا فعل ذلك» ([28]).

الربا الاستهلاكي من وجهة نظر فقهية

من وجهة نظر الفقه الشيعي، إذا وقع عقد قرضٍ بين شخصين، لا يجوز اشتراط الزيادة فيه عند استرداد المبلغ؛ لأنّ هذا هو الربا المحرّم، وليس هناك فرق بين الموارد المختلفة لأهداف المُقترض، وهناك اتـّفاق في وجهات نظر الفقهاء الكبار حول هذه المسألة([29])، فصاحب الجواهر في شرح كلام المحقق الحلي يقول: «إذا اشترط الربح في القرض فهو حرام وربا»، ويقول: «ليس هناك خلاف في هذه المسألة، والإجماع على هذه المسألة موجود بكلا قسميه المُـحَصـّل والمنقول، بل قيل: إنّ عموم المسلمين مجمعين على هذه المسألة»([30])، بل يمكن القول: إنّ جميع فقهاء المسلمين ـ أعمّ من الشيعة والسنـّة ـ أجمعوا واتـّفقوا ها هنا([31]).

وبلا شك، فإن محلّ الإجماع هنا هو الربا الذي كان متداولاً آنذاك، ويسمّى الربا الجاهلي بقسميه: الاستهلاكي والاستثماري، وكما قلنا فإن الوثائق التاريخية تـُـثبت هذه الحقيقة، وهي أن الربا الاستهلاكي والاستثماري كانا رائجَين في ذلك العصر؛ وعليه، فإنّ الاجماع القطعي للفقهاء، له عمومٌ وشمول لكلا القسمين من الربا([32]).

كذلك الحال مع الآيات القرآنية النازلة في حرمة الربا؛ حيث تشمل كلا القسمين المذكورين، وبعبارة أخرى: كلمة الربا ذُكرت في الآيات من دون قيدٍ أو شرط، وهي مُـطلقة، فتشمل الربا في القرض الاستثماري أيضاً.

تحريم نصوص السنّة الشريفة للربا بأنواعه

يمكن الاستفادة من الروايات الواردة عن النبي الأكرم 2 والأئمةE في حرمة الربا القرضي بشكل كلّي؛ فقد قال رسول الله 2: «كلّ قرضٍ يجرّ منفعة حرام»([33])، وقال الباقر B: «كلّ قرض جرَّ منفعةً فهو ربا»([34])، وروي عن النبي الأكرم 2 في هذا المعنى حديثٌ قريبٌ من ذلك([35])، وجاء كذلك عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفرB، قال: «سألته عن رجلٍ أعطى رجلاً مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقلّ أو أكثر، قال: هذا الربا المحض»([36])، وجاء في بعض الروايات أن المُقرض إذا اشترط على المُقترض أن يُنجز له عملاً مقابل ما يعطيه من قرض، فيُعتبر هذا الشرط من مصاديق الربا؛ فقد قال الإمام الباقرB: «إذا أعطى شخصٌ لشخصٍ آخر قرضاً، فلا يشترط عليه غير ردّ المبلغ نفسه من دون زيادة، أما إذا أعطى المُقتـرض أكثر أو أحسن كهدية، يمكن للمُقرض أن يقبل منه، ولكن ليس
لأحدٍ منكم أن يركب مركب الآخر أو يأخذ منه أمانة ماليـّة لقاء ما أعطاه من قرض»([37]).

وفقاً لهذه الروايات، والتي سوف نتعرّض لقسم منها، إذا وُضع أيّ نوعٍ من أنواع الشروط في استرداد مبلغ إضافي عن أصل القرض، يُعتبر من مصاديق الربا القرضي المحكوم بالحرمة، وليس هناك فرق بين الربا الاستهلاكي والربا الاستثماري في هذه الحرمة؛ لأنّ العموم والإطلاق في هذه الروايات حاله حال الآيات القرآنية المطلقة والشاملة لكلا القسمين.

إضافةً إلى ذلك، نستنتج من بعض روايات القرض أنّ القرض الاستثماري كان رائجاً آنذاك؛ فقد سُـئل الإمام B عن حكمه: عن إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن B قال: «سألتـُهُ عن الرجل يكون له على رجل مال قرضاً فيعطيه الشيء من ربحه، فخاف أن يقطع ذلك عنه، فيأخذ ماله من غير أن يكون شرط عليه، قال: لا بأس به ما لم يكن شرطاً»([38])، فهذه الرواية جاءت صريحةً في القرض الاستثماري؛ لأن المُقترض أعطى للمُقرض مبلغاً إضافياً لما أخذ منه، ولكن من دون شرطٍ مسبق فيما بينهما، وقد صرّح الإمامB في هكذا حالات بعدم المانع. أما المفهوم المخالف لهذه الجملة فهو: كلّما كان هناك شرطٌ مسبق في أخذ النفع حَـرُمـَت المعاملة وصارَت ربَويةً([39]). كما أن دور الشرط المسبق في تحقق الربا قد ذُكر صراحةً في كثير من الروايات السابقة.

وعليه، فقد عبّرت بعض الروايات الخاصـّة بباب القرض عن حكم الربا الاستثماري، فلم يبقَ هناك شك وترديد في أن هذا النوع من الاستثمار للأموال موجودٌ في صدر الإسلام وزمان الأئمة E؛ وقد بيـّنوا أحكامه، وليس هناك فرقٌ بين الربا الاستهلاكي وغيره في الأحكام المترتـّبة على الربا.

الربا المعاملي وسدّ الذرائع

قسّـم بعض علماء السنـّة وفقهاؤهم الربا إلى قسمين:

1 ـ الربا الجليّ الواضح، أو ربا النسيئة؛ وهو عبارة عن عدم قدرة المُقترض على ردّ القرض في حينه، فيطلب من المُقرض مُهلةً إضافية لتسديد المبلغ، فيوافق الطرف الآخر على أن يُضاعَف عليه المبلغ مرّةً أو مرّتين.

وهذا النوع من الربا يسمّى الربا الجلي، ودليل حرمته الحديث النبوي الشريف «إنما الربا في النسيئة مسلـّم»([40]).

2 ـ الربا الخفي، وهو الربا المعاملي بصورة نقد، وهو المسمّى بربا الفضل، وهو عبارة عن التبادل بين شخصين بالمكيل أو الموزون، ومن الجنس نفسه، لكن مع الإضافة، ودليل حرمته حديثُ الرسول 2 الذي قال: «لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين، ولا الصاع بالصاعين، فإني أخاف عليكم الرما، أي الربا»([41]).

وقد عزا هؤلاء الفقهاء الربا الخفي إلى باب سدّ الذرائع، فقالوا: إنّ حرمته ترجع لربا النسيئة بشكل كامل.

والذرائع جمع ذريعة، بمعنى الوسيلة للوصول إلى شيء، وسدّ الذرايع بمعنى منع كل مورد يجرّ إلى الحرام([42])، «والذريعة الوسيلة وتذرّع بذريعة: توسّل، والجمع الذرايع»([43])، فعلى هذا الأساس؛ فالمحرّم أصالةً هو ربا النسيئة وحُرمَته ذاتيـّة، أمّا حرمة الربا النقدي فمقدّميّة لعدم ابتلاء الناس بربا النسيئة([44]).

بعد نقله لكلام ابن القيم يقول رشيد رضا: «وهذا التعامل من الربا الخفي الذي يمكن إدخاله في عموم روايات الآحاد في بيع أحد النقدين بالآخر ونحو ذلك، فهو محرم لسدّ الذرايع، كما قال ابن القيّم، لا لذاته، وهو من الربا المشكوك فيه، لا من المنصوص عليه في القرآن الذي لا شك فيه»([45]). هكذا أمضى رشيد رضا كلام ابن قيم الجوزية، وقال: إن تحريم الربا الفضلي إنّما هو من باب سدّ الذرايع، وأنه مصداقٌ للربا المشكوك. وقد ذكر ابن رشد لربا الذرائع تسع صور، وأضاف: إنّ هناك صورتان فقط وقع فيهما الاختلاف بين فقهاء أهل السنّة، أما البقية فهي مورد اتـّفاقهم، ومراعاةً للاختصار أعرَضنا عن ذكرها هنا([46]).

نقد نظرية سد الذرائع في مسألة الربا

أمّا رأيُ علماء الشيعة بالنسبة للتقسيم المذكور آنفاً ونظرية سدّ الذرايع، كما ذكر ابن القيم ورشيد رضا وأمثالهم، فهو الرفض؛ للأسباب التالية:

1 ـ لا يمكن إطلاقاً ادّعاء أن كلّ أو أكثر موارد الربا المعاملي ينجرّ إلى ربا النسيئة وبقيـّة الأقسام من الربا الجلي، وادّعاء أنه من أجل الوصول إلى هكذا نتيجة نقول: إن التحريم هو تحريم مقدّمي؛ فمن أجل سدّ باب الابتلاء النسيئي حرّمه الإسلام ووقف بوجهه، ولهذا كان التفاضل في الربا المعاملي بين الأجناس المختلفة جائزاً باعتقاد أكثر فقهاء أهل السنّة.

كما أنّ حديث الرسول 2: «لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين..» ـ على فرض صحـّة سنده ـ لا يمكن أن يكون حجة في إثبات مدّعاهم؛ لأن الحديث المذكور ليس له دلالة مطلقاً على الذريعة ـ الوسيلة ـ التي تجرّ للابتلاء بربا النسيئة، بل إن ظاهر كلام النبي2 الذي قال فيه: «فإني أخاف عليكم الرما، يعني الربا»، هو فرض مورد البحث والسؤال، بيع وشراء نوعين من نفس الجنس مع الإضافة، والذي هو من مصاديق الربا الوخيمة العاقبة؛ لأن الربا من الذنوب الكبيرة، لذلك قال2: أخاف عليكم من الربا.

وعليه، تكون حرمة الربا المعاملي تحت عنوان سد الذريعة مما لا دليل عليه، علاوة على هذا، فقد جاء في الحديث المنقول عن الإمام الرضا B حديثٌ عن علـّة تحريم الربا، وهو يُثبّت أن الحكم بالحرمة استقلالي، والحديث منحصرٌ بمورد الربا المعاملي، يقول الإمام الرضا B ـ لمّا سُئل عن علـّة تحريم الربا ـ : «لمـا نهى الله عز وجل عنه، ولما فيه من فساد الأموال؛ لأن الإنسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهماً، وثمن الآخر باطلاً، فبـَيْع الربا وشراؤه وَكسٌ على كل حال على المشتري وعلى البائع، فحرّم الله عز وجل على العباد الربا؛ لعلـّة فساد الأموال»([47]).

وبذلك يظهر أنّ احتمال حُرمة هذا النوع من الربا بعنوان كونه مقدّمةً للابتلاء بربا النسيئة ولسدّ الذرائع غير صحيحٍ أبداً.

2 ـ قاعدة وجوب مقدّمة الواجب، من القواعد التي بُحثت في أصول الفقه الإمامي، وتعني أن مقدّمة الواجب أو الحرام تكون واجبةً أو محرمة أيضاً؛ وعليه، فإذا فرضنا أن الربا المعاملي كان مقدّمةً للابتلاء بربا النسيئة يجب البحث في هذا المطلب وهو؛ هل أن مقدّمة كلّ عمل حرام مطلقاً محرّمة؟ أو أن حرمتها محدودة بشرائط خاصّة؟

ويمكن الجواب بأنّه كلّما كانت المقدّمة تجرّ إلى عمل محرم تكون محرّمةً أيضاً، والشخص المرتكب لأصل العمل ـ ذي المقدّمة ـ سوف يؤاخَذ، أما إذا قام شخصٌ بارتكاب المقدّمة نفسها التي تجرّ للحرام، ولكن ذي المقدّمة لم يتحقـّق، فلا يؤاخذ في ارتكاب المقدمة لوحدها، إلاّ اذا كان هناك دليل خاص على حرمةٍ نفسيّة وذاتيـّة أثبتها الدليل الخاص، وأصل هذا الحكم هو وجود المفسدة في ارتكاب نفس المقدمة.

3 ـ قاعدة سدّ الذرائع حالها حال الاستحسان والقياس، من الأدلّة المعتبرة عند كثير من فقهاء أهل السنّة، وقد أفتـَوا على طبقها الفتاوى، أمّا فقهاء الشيعة فيعتبرونها من الأدلـّة الظنية التي لا حجيّة لها عندهم، إلاّ إذا كان هناك دليل معتبر منقول أو معقول على حجيّتها، يقول الشيخ المظفر: «بقي من الأدلّة المعتبرة عند جملة من علماء أهل السنّة الاستحسان والمصالح المُرسلة وسد الذرائع، وهي إن لم ترجع إلى ظواهر الأدلّة السمعية أو الملازمات العقلية لا دليل على حجـّيتها، بل هي أظهر أفراد الظنّ المنهي عنه، وهي دون القياس من ناحية الاعتبار»([48]).

نتيجة البحث

يرى بعض الباحثين الأخذ بنظرية التمييز بين الربا الاستهلاكي والاستثماري؛ ليكون الأول حراماً والثاني حلالاً، وقد كان أخذ بذلك بعض العلماء المصريين من أهل السنّة أمثال رشيد رضا و.. وقد توصّلنا إلى إبطال ذلك، وأنّ هذا النوع من الربا ـ خلافاً لما ادّعي ـ كان موجوداً في زمان الجاهلية وصدر الإسلام؛ وأنّ حكم تحريم الربا يشمل النوعين معاً على حدّ سواء، بل هناك روايات وآيات دالـّة وبشفافيـّة على حرمتهما، بل الحكم بحلية الاستثماري من الربا يُعتبر خرقاً لإجماع الفقهاء.

إضافةً إلى هذا، لاحظنا عند دراسة فلسفة تحريم الربا من وجهة النظر الاقتصادية عدم وجود فرق بين القسمين من ناحية الإجحاف والظلم وإيجاد مجتمع طبقي، ومنع إجراء العدالة الاقتصادية. أما موارد الاستثناء فلا تخدش بالملاكات ولا الأحكام، وما جاء في نظرية سدّ الذرائع في فقه أهل السنّة في مورد الربا المعاملي غير مقبول عند فقهاء الشيعة، لا قاعدةً ولا بناءً.

ولحلّ هذه المشكلة الواسعة في الربا ونفعه، من الأفضل ان نلتجئ إلى نظام المساهمة، وتأسيس بنك ـ مصرف إسلامي يقوم على العقود الإسلاميـّة، ومن الطبيعي أن نسلـّم أمر تطبيق وإرساء هذه القوانين الإسلامية للبنك إلى المختصّين بالأمور المالية والمصرفيـّة لتأمين سلامة الإجراء والتنفيذ.

*     *     *

الهوامش



(*) أستاذ مساعد في جامعة طهران.



([1]) الكتاب المقدس، التوراة، سفر اللاوين، باب 25، 35، سفر الخروج، باب 23، 25، إنجيل متى، فصل: 5، 17، 19، وإنجيل لوقا، فصل: 6، 34، 35.

([2]) الحر العاملي، وسائل الشيعة 12: 426.

([3]) ابن إدريس، السرائر 2: 250.

([4]) المحقق الحلي، شرائع الإسلام 2: 297.

([5]) يوسف الصانعي، الربا الاستثماري: 31 ـ 32.

([6]) أبو عبيد القاسم بن سلام، الأموال: 202.

([7]) الطبري، تاريخ الطبري 4: 119.

([8]) الصانعي، الربا الاستثماري: 32.

([9]) رشيد رضا، المنار 3: 103.

([10]) القسم الثقافي في جامعة المدرسين، الربا: 91.

([11]) الكبرى 2: 392.

([12]) الحر العاملي، وسائل الشيعة 13: 104.

([13]) www.naralkira.com/book/d5n.htm

([14]) رشيد رضا، المنار 3: 113.

([15]) القسم الثقافي في جامعة المدرسين، الربا: 300.

([16]) صانعي، الربا الاستثماري: 33.

([17]) الشهيد مرتضى المطهري، مسألة ربا التأمين: 49.

([18]) المحمودي، الأسس الفقهية لنظام المساهمة في البنوك اللاربوية: 40.

([19]) صانعي، الربا الاستثماري: 33.

([20]) الطباطبائي، الميزان 2: 440.

([21]) المحمودي الكلبايكاني، الأسس الفقهية لنظام المساهمة في البنوك اللاربوية: 59.

([22]) الطبرسي، مجمع البيان 3: 389.

([23]) الموارد المستثناة من حرمة الربا هي: الربا بين الوالد وولده، والربا بين الرجل وزوجته، والربا بين المسلم والكافر الحربي، والذي يمكن للمسلم ان يأخذ إضافة منه فيه، أمّا العكس فغير جائز؛ لكن مشهور الفقهاء لم يجوّزوا أخذ المسلم الربا من الكافر الذمـّي؛ لأن مال الذمـّي محترم؛ أمّا الشيخ المفيد والسيد المرتضى فقالا بإمكان أخذ الربا من الذمي؛ لاعتقادهما أن الحديث الوارد في نفي الربا يشمل الكافر الذمـّي أيضاً، انظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 1: 160؛ والإمام الخميني، تحرير الوسيلة 1: 539؛ والمحقّق الحلي، شرائع الإسلام 2: 301؛ والسيد علي الطباطبائي، رياض المسائل 1: 546.

([24]) مكتب تعاون الحوزة مع الجامعة، أسس الاقتصاد الإسلامي: 426.

([25]) العلامة الطباطبائي، الميزان 2: 457.

([26]) مرتضى المطهري، مسألة الربا والتأمين: 50.

([27]) المصدر نفسه: 55.

([28]) الإمام الخميني، كتاب البيع 2: 538.

([29]) يقول المحقق الحلي: «فلو شرط النفع حرم، وصاحب الجواهر في شرحه له بلا خلاف فيه بل الاجماع منـّا بقسميه عليه، بل ربـّما قيل: إنه إجماع المسلمين».

([30]) الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 25: 5؛ والسيد علي الطباطبائي، رياض المسائل 1: 576؛ والأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 9: 60.

([31]) الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 25: 5؛ وابن قدامة، المغني 4: 354.

([32]) رشيد رضا، المنار 3: 103؛ والطبرسي، مجمع البيان 2: 392؛ والحر العاملي، وسائل الشيعة 13: 104.

([33]) البيهقي، السنن الكبرى 5: 350.

([34]) النوري، مستدرك الوسائل 2: 492.

([35]) الشوكاني، نيل الأوطار 5: 351.

([36]) الحر العاملي، وسائل الشيعة 12: 437.

([37]) المصدر نفسه.

([38]) الطوسي، تهذيب الأحكام: 2021، ح 7419.

([39]) هذا المطلب هو أحد مصاديق مفهوم الشرط، ومشهور الأصوليين يقول: إن دلالة الجملة الشرطية في الحكم معلـّقة على الشرط للمنطوق بموجب الوضع وعلى المفهوم بموجب اطلاق الشرط (مطلق)، وبعض المحققين قالوا: إن دلالة الشرط على المفهوم ليس فيها ترديد، انظر: الخوئي، محاضرات في الأصول 5: 85؛ ومحمد رضا المظفر، أصول الفقه 1: 108.

([40]) النيشابوري 5: 50.

([41]) ابن قدامة، المغني 4: 6.

([42]) الحسيني، قاموس اللغة والاصطلاحات الفقهية: 224.

([43]) الطريحي، مجمع البحرين 4: 32.

([44]) ابن القيم، أعلام الموقعين 1: 203.

([45]) رشيد رضا، المنار 3: 116.

([46]) ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2: 106.

([47]) الحر العاملي، وسائل الشيعة 12: 425.

([48]) المظفر، أصول الفقه 2: 180.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً