أحدث المقالات

د. ليلى هوشنگي(*)

أ. ريحانة غلاميان(**)

ترجمة: حسن الهاشمي

مقدّمةٌ

يعتبر «الدِّين» بوّابةً إلى عالم الملكوت، كما يُعَدّ «الفنّ» نافذةً تطلّ على هذا العالم. ومن هنا كان الدين والفنّ ـ منذ القِدَم ـ يلعبان دَوْراً هامّاً في إضفاء المعنى إلى حياة الإنسان. إن القِيَم الدينية تعمل ـ بوصفها ركناً أساسياً في الفنّ ـ على هداية الإنسان إلى بناء فضاءٍ يساعده على فهم عقائده بشكلٍ أفضل. وفي الحقيقة فإن الإنسان منذ أن تعرَّف على خالقه، وأخذ يعبده تقرُّباً إليه، عمد إلى توظيف الكلمات والأشكال والحركات، وإبداع الآثار الفنّية؛ من أجل التعبير عن مكنوناته القلبيّة وبلورة عقائده وآماله. وهكذا ظهرت وتجلّت أولى بوارق وشذرات الفنّ الديني([1]). وبناءً على رؤية المسيحيين الأُرثوذُكس يتمّ نقل التعاليم الدينية والتوحيدية والشعائر الدينية إلى الناظرين بواسطة تجسيد الذوات المقدّسة ورسمها([2]). تذهب هذه الطائفة إلى الاعتقاد بأن الأيقونات تؤخذ بوصفها أمارةً وعلامة على الحضور الإلهيّ في العالم، وتذكيراً بالارتباط الوثيق القائم بين الإنسان والله سبحانه وتعالى.

غالباً ما يبدو في هذه الرسوم عدم القيام بأيّ محاولةٍ في إطار الواقعية الأرضية؛ إذ الأيقونات والرسوم إنما تعكس واقعية العالم الإلهيّ([3]). في هذه الآثار الداخلة في الفنّ الديني يعمل عددٌ من الفنانين ـ من خلال تهذيب النفس، وفي ظلّ ظروفٍ خاصّة ـ على خلق وإبداع هذه الآثار. وعلى هذا الأساس فإن الأيقونات والرسوم في الغالب يُبدعها فنّانون قد أعدُّوا أنفسهم وهذَّبوها بواسطة العبادة والتقوى، قبل إبداعهم لهذه الرسوم وتصوير الأيقونات. والأهمّ هو أن هؤلاء الفنّانين والنحّاتين (في مجال الفنّ الديني) يسعَوْن إلى التأقلم مع كلّ عصرٍ وزمان؛ ليساعدوا الإنسان في الوصول إلى غايته الأصلية، وهي التألُّه أو التشبُّه بالله (God of Imitation)([4]).

ومن الجدير بالذكر أن الفرد كان في عصر أئمّة الدين، وسماعه لكلامهم الإلهيّ، ورؤيته لطلعاتهم النورانية، يشعر بطمأنينةٍ داخلية، ويحسّ بتجلّي الله سبحانه وتعالى في وجودهم. بَيْدَ أنه في المراحل اللاحقة، وفي ظلّ غيابهم، أخذت تماثيلهم وصُوَرهم تملأ الخلأ الرؤيويّ والسمعيّ لهم إلى حدٍّ ما. وكما يبدو من بعض الشواهد فإن الأولياء وأئمّة الدين لم يكونوا في حياتهم يجيزون لأحدٍ تصوير أشكالهم، ومن الناحية العمليّة لا يوجد مستندٌ أو مدركٌ يثبت خلاف هذا الأمر([5]).

ومن الجدير بالذكر أن الفنّ الإسلامي يمثِّل تجلّياً لجمال المعنى، وليس مجرّد صورةٍ وشكلٍ فارغ من المفهوم والمعنى. إن التصوير الإسلامي بوصفه تجلّياً للفنّ الإسلامي لا يسعى إلى تجسيم العالم المادّي كما يبدو بالنسبة إلى الحواسّ([6])؛ لأن هذه الأيقونات والصُّوَر هي من جهةٍ تجسّد عالم المثال؛ ومن جهةٍ أخرى تعمل على تصوير الهويّة الحقيقية المشهودة في الروح الشهودية للسالك والفنّان ـ وتُعَدّ جزءاً من تجاربه المتعذِّرة على البيان ـ، وإيصالها إلى الآخرين في إطار الأيقونات والصُّوَر. ومن هنا فإن لهذه الصُّوَر ناحيةً مادّية؛ وناحيةً معنوية([7]).

في ما يتعلّق بتوضيح مصطلح التصوير يجب القول: إن مصطلح «التصوير» يستعمل في الثقافة الإسلامية غالباً لتسمية التصاوير في مجال الفنّ الدينيّ. واليوم يطلق على فنّ التصوير في الكثير من الموارد مصطلح «المنياتور»([8]). في حين أن المنياتور يُطلق في الأصل على الرسوم والأعمال الدقيقة والظريفة للغاية، وبالخصوص تصوير مشاهد من الكتاب المقدَّس لدى المسيحيين، من قِبَل الفنّانين الذين هم في الغالب من رهبان الأديرة الكاثوليكية، وهم الفنّانون الذين كانوا يعملون على تزيين وتزويق ما يصوِّرونه من مشاهد الكتب المقدّسة، ويمنحون بذلك أكثر الأمّيين من الناس فرصة التعرُّف إلى مضامين تعاليم وأقوال السيد المسيح والأنبياء السابقين. وقد بلغ هذا النمط من الفنّ ـ الذي يراه الأوروبيون في الغالب مرادفاً لفنّ تزيين الكتاب ـ ذروة ازدهاره في القرن الحادي عشر الميلادي. وفي هذا السياق ـ ومن خلال الحضور المتزايد للمسؤولين الأوروبيين في البلاط الصفوي، وإثر ارتباط الفنّانين الغربيّين بالفنانين الإيرانيّين، حيث كانوا يرَوْن الرسم الإيراني، ولا سيَّما التصوير، موازياً لما كانوا ضليعين فيه من فنّ المنياتور، أخذت مفردة «المنياتور» تشقّ طريقها إلى الثقافة الإيرانية أيضاً([9]).

وفي آثار التصوير الإسلامي يمكن الإشارة إلى «الفنّ العاشورائي»، بوصفه فرعاً من الفنّ الإسلامي الذي تجلّى على شكل مشاهد مذهبيّة، وتصويرات في موضوعات دينيّة، ولا سيَّما في إطار التصاوير الإيرانية باسم «رسوم المقاهي» أو «السقاية». وفي الحقيقة؛ حيث إن الروايات التصويرية ذات أثرٍ أطول أمداً في نقل العقائد إلى عامّة الناس، وبشكلٍ خاصّ تأثير هذه التصاوير الدينيّة بين الشيعة ـ ولا سيَّما في إطار التأكيد على واقعة عاشوراء وتصويرها ـ في نقل المعتقدات والقِيَم الدينية إلى المؤمنين، فسوف نخضعها للبحث والتأمُّل في هذه المقالة.

الرسم والتصوير في التعاليم الإسلاميّة

يستند القائلون بحرمة الرسم في الغالب إلى الآية 90 من سورة المائدة. في حين يرى المفسِّر الشيعيّ الكبير، العلاّمة السيد الطباطبائي([10])، أن المراد من مفردة «الأنصاب» في هذه الآية الكريمة هي «الأحجار الكبيرة أو الأصنام»، التي كان العرب يعبدونها في العصر الجاهليّ، ويرفعون إليها الأضاحي والقرابين. ومن هنا فإن هذه الآية لا تنطوي على أيّ حكمٍ بشأن فنّ الرسم والتصوير([11]).

وفي الروايات تمّ ذكر موارد تتضمَّن حكم التحريم. ومن ذلك:

ـ ما ورد في المصادر الروائية لأهل السنّة، عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «إن أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة المصوِّرون»([12]).

كما جاء في الموسوعة المشتركة لأهل السنّة والشيعة: «إن الذين يصنعون هذه الصُّوَر يُعذَّبون يوم القيامة، يُقال لهم: أحيوا ما خلقتم»([13]).

وكذلك ورد في المصادر الشيعية، عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «إن جبرائيل أتاني، فقال: إنا معشر الملائكة لا ندخل بيتاً فيه كلبٌ، ولا تمثال جسد»([14]).

ومن الواضح أنه ليس كلّ ما ورد في المصادر الروائية هو من الأحاديث الصحيحة. ولو سلَّمنا بصحّتها فهناك متّسعٌ للتأويل والتفسير، من قبيل: احتمال أن يكون المراد من شجب التصوير والمصوّرين ما كان منحصراً بموارد يكون القصد منها ردع الناس عن عبادة غير الله، أو ما يكون مشتملاً على دعوة الناس إلى الشرك. وعليه يكون المراد من ذلك التصوير الذي تمّ التوعُّد عليه بعذاب الجحيم هو خصوص التصوير الذي تكون الغاية منه إضلال الناس، وحرفهم عن مسار الهداية الإلهيّة. وبناءً على الشواهد التاريخية فإن هذا التحريم كان بتأثيرٍ من عبادة الناس السابقة للأصنام، ومقتضيات ذلك العصر، حيث يُخشى من أن يؤدّي جواز التصوير إلى ميل قلوب الناس إلى معتقدات أسلافهم، وما كانوا قد ألفوه واعتادوا عليه لردحٍ من الزمن. وعليه فإن سبب تحريم الرَّسْم في الإسلام هو الخشية من ارتداد الناس. ومن هنا يمكن القول: إن هذا كان حكماً مؤقّتاً ومحدوداً بشرائط وظروف خاصّة، ولا يحتوي على إطلاقٍ لجميع الأزمنة والأمكنة؛ فإذا لم تكن هناك خشيةٌ على عبادة الله وتقديسه لن يكون هناك موضعٌ لهذا المنع والنهي أيضاً([15]).

ورُبَما أمكن القول بأن نظرة التعاليم الإسلامية إلى الرسم والتصوير لا تنطوي على نهيٍ، بل هي ناظرةٌ إلى الخشية من أن ينشغل الفرد (المصلّي) بشيءٍ يحرمه من التوجُّه والانقطاع التامّ إلى الباري تعالى، ويمنعه من حضور الذهن في الصلاة([16]).

رُوي أن عائشة كانت قد علَّقَتْ ستارةً في بيتها، تحتوي على نقوش وصور ـ وكما يروي أرباب السِّيَر والأخبار فإن نساء النبيّ كنّ يقتنين في العادة أقمشة وأثواب عليها نقوش بشرٍ أو حيوانات ـ، وحين دخل النبيّ الأكرم| إلى بيتها، وكان ينوي الصلاة، قال لها: ارفعي هذه الستارة من أمامي؛ كي لا أراها أثناء الصلاة([17]). تقول عائشة: إن رسول الله| أزال تلك الستارة من موضعها، وإنّي مزّقتُها وصنعتُ منها وسادتين يتّكئ عليهما رسول الله. وعليه فإن مفهوم هذه الرواية أن امتعاض النبيّ الأكرم من الرسم والتصوير لم يكن عامّاً، وإنما هو يختصّ بناحيةٍ منه تحول دون العبادة؛ فإنْ كان لمجرّد الزينة فلا كراهة([18]).

وقد كان هذا التقيُّد بالنسبة إلى الرسم والفنون المشابهة له قد نشأ من هذه الناحية؛ إذ يؤكّد الإسلام بشدّةٍ على عدم وجود ما يشغل النفس من النقوش والصُّوَر، ويحول دون العبد وبارئه. ومن هنا كانت المساجد في البداية تُبْنى بأساليب معمارية غايةٍ في البساطة، وكانت تخلو من جميع أنواع النقوش والتزاويق والألوان([19]). وفي الحقيقة إن هذا الشوق في المحافظة على نقاء وخلوص العلاقة بين العبد وخالقه، الناشئ من سيرة رسول الله|، هو الذي دفع بالمسلمين إلى التأسّي به في هذه الناحية. كما نجد لهذا الرأي بالنسبة إلى الصُّوَر بعض الأنصار والمؤيِّدين في الأديان الأخرى أيضاً([20]).

إن الكثير من الذين يخالفون التصوير إنما يستندون في مقام تبرير مخالفتهم لتصوير ذوات الأرواح في الإسلام إلى نقطتين، وهما: أوّلاً: إن هذا المنع يحافظ على الوقار والهَيْمنة الأزلية للإنسان؛ ليبقى مخلوقاً على صورة الله، فلا يتمّ رسم صورته أو الاستفادة منها في أثرٍ فنّي هو محدودٌ وناقصٌ بالضرورة؛ وثانياً: يجب ـ من ناحيةٍ أخرى ـ أن لا يكون هناك شيءٌ ـ وإنْ كان على نحوٍ نسبيّ أو مؤقّت ـ يحول دون الإنسان وخالقه اللامرئي([21]).

ورُبَما أمكن القول: إن الذي كان يمنع الرسّامين في بداية الأمر من رسم مختلف أنواع الصُّوَر ـ ولا سيَّما رسم صورة النبي ّالأكرم| ـ هو الاحترام والتوقير الذي كانوا يبدونه تجاه مقام رسول الله. لقد أدّى هذا التحريم إلى المنع من تصوير ورسم النبيّ الأكرم|.

والدليل على هذا المدَّعى ما نجده من رسم هالةٍ من نور حول الرأس الشريف لرسول الله في أواخر القرن الثامن الهجريّ / القرن الرابع عشر الميلاديّ، وإسدال النقاب على وجهه الشريف في نهاية القرن التاسع الهجريّ / القرن الخامس عشر الميلاديّ، كعلامةٍ على توقيره وتمييزه من سائر الناس([22]). وعليه لا ينبغي التوهُّم أن المسلمين لم يكونوا مطّلعين على هذا الفنّ بشكلٍ مطلق.

وفي المرحلة المعاصرة تمّ إبداء مختلف الآراء في هذا الشأن، ومن بينها: ما ذكره الشيخ محمد عَبْدُه؛ إذ يقول ما مضمونه: «إنك إذا سألْتَ المفتي في ذلك فإنه سوف يجيبك؛ فإنْ أوردْتَ عليه حديث: «إن أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة المصوِّرون»… فالذي يغلب على ظنّي أنه سيقول لك: إن الحديث جاء في أيّام الوثنية، وكانت الصُّوَر تُتَّخذ في ذلك العهد لسببين: الأوّل: اللهو؛ والثاني: التبرّك بمثال مَنْ ترسم صورته من الصالحين. والأول ممّا يبغضه الدين؛ والثاني ممّا جاء الإسلام لمَحْوه. والمصوَّر في الحالين شاغلٌ عن الله، أو ممهِّدٌ للإشراك به. فإذا زال هذان العارضان، وقُصدَتْ الفائدة، كان تصوير الأشخاص بمنزلة تصوير النبات والشجر من المصنوعات»([23]).

كما أشار الإمام الخميني& إلى ضرورة رعاية مناسبة الحكم والموضوع في خصوص هذا الحديث، وقال: «إن ظاهر طائفةٍ من الأخبار؛ بمناسبة الحكم والموضوع، أن المراد بالتماثيل والصُّوَر فيها هي تماثيل الأصنام التي كانت مورد العبادة، كقوله: مَنْ جدَّد قبراً أو مثَّل مثالاً فقد خرج عن الإسلام؛ وقوله: مَنْ صوَّر التماثيل فقد ضادّ الله. وفيه احتمالٌ آخر ينسلك به في الطائفة الثانية؛ وقوله: أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة رجلٌ قتل نبيّاً أو قتله نبيٌّ؛ ورجل يضلّ الناس بغير علمٍ؛ ومصوّر يصوّر التماثيل؛ وقوله: إن من أشدّ الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصوّرون؛ وأمثالها، فإن تلك التهديدات والتشديدات لا تناسب مطلق عمل المجسّمة أو نقش الصُّوَر؛ ضرورة أن عملها لا يكون أعظم من قتل النفس المحترمة أو الزِّنا أو اللواط أو شرب الخمر وغيرها من الكبائر. والظاهر أن المراد منها تصوير التماثيل التي هم لها عاكفون. مع احتمال آخر في الأخيرة، وهو أن المراد بالمصوّرين القائلين بالصورة والتخطيط في الله تعالى، كما هو مذهبٌ معروف في ذلك العصر. والمظنون الموافق للاعتبار وطباع الناس أن جَمْعاً من الأعراب، بعد هدم أساس كفرهم وكسر أصنامهم بيد رسول الله| وأمره، كانت علقتهم بتلك الصور والتماثيل باقيةً في سرّ قلوبهم، فصنعوا أمثالها؛ حفظاً لآثار أسلافهم، وحبّاً لبقائها، كما نرى حتّى اليوم علاقة جمعٍ بحفظ آثار المجوسيّة وعبدة النيران في هذه البلاد؛ حفظاً لآثار أجدادهم. فنهى النبيّ| عنه بتلك التشديدات والتهديدات التي لا تناسب إلاّ الكفّار ومَنْ يتبعهم؛ قمعاً لأساس الكفر ومادّة الزندقة؛ ودفعاً عن ساحة التوحيد. وعليه تكون تلك الروايات ظاهرةً أو منصرفةً إلى ما ذُكر»([24]).

الجذور التاريخيّة للتصوير في الإسلام

يمكن العثور على القليل من المدارك والشواهد التي تشير إلى موقف العرب قبل الإسلام من الرسم والتصوير، أو ما يدلّ على أمرٍ خاصّ في هذا الشأن؛ فإن نقوش قصر الحير، وكذلك أشعار بعض العرب، تثبت أن رسم الإنسان والحيوان كان معروفاً عند المسلمين. بَيْدَ أن المسلمين الصالحين؛ حيث وجدوا أن النبيّ الأكرم| كان مخالفاً لهذه الرسوم، وأنه قد أنكره في مرحلة المواجهة مع الشرك والوثنيّة، كانوا يقولون بكراهة ذلك([25]). وبطبيعة الحال يمكن العثور؛ طبقاً لما ورد في كتاب «أخبار مكّة»، على مستنداتٍ تؤكّد وجود الصُّوَر والرسوم قبل ظهور الإسلام، بل في صدر الإسلام أيضاً. ففي عصر الجاهلية كانوا يقومون بتزيين السُّقُف والجدران والأعمدة الداخلية من الكعبة، وكانوا يرسمون صور الأنبياء والأشجار والملائكة على الأعمدة والجدران، ومن تلك الصُّوَر صورة السيّد المسيح× وأمّه السيدة مريم العذراء÷، وحتّى الملائكة مرسومة داخل الكعبة([26]). والدليل على صحّة هذه الرواية أن هذه الصُّوَر ظلّت على حالها إلى حين حكم عبد الله بن الزبير في المدينة، في السنة الثالثة والستّين من الهجرة([27]).

وبذلك فإن الرسم لم يشهد ازدهاراً كبيراً في صدر الإسلام؛ خلافاً لما كان عليه الاتّجاه في الديانة البوذية والمسيحية، حيث ازدهر فنّ الرسم، وتمّ توظيفه في إطار الأهداف التعليمية والتبشيرية والعبادية([28]). وفي القرون اللاحقة عمل الصنّاعون ـ والفنّانون في البلدان التي تمّ فتحها على يد المسلمين ـ على إعداد المصادر والموارد اللازمة لإقامة وتزيين أولى العمارات الدينية وغير الدينية في الإسلام. ويمكن لنا مشاهدة وتشخيص تأثير هذه الثقافات ـ ومن بينها: الثقافة البيزنطية والقبطية والساسانية، وكذلك آسيا الوسطى أيضاً ـ في آثار المراحل اللاحقة بشكلٍ واضح. وفي الحقيقة فقد تشكَّل من الاختلاط والامتزاج بين هذه العناصر الخارجية أسلوبٌ جديد ترك تأثيره على الفنّ في جميع أرجاء العالم الإسلامي([29]).

وفي هذا الشأن يذهب الكثير من خبراء الفنّ إلى أن الرسوم الدينيّة بعد ظهور الإسلام لم تذهَبْ إلى أبعد من تصوير القصص المرتبطة بالشخصيات المقدَّسة([30]). ولكنْ منذ أواخر القرن الثالث عشر الميلادي (القرن السابع الهجري) ظهرت بعض الموضوعات الدينية والشخصيات المقدّسة في مجال الرسم، حيث بدأ الرسّامون يهتمّون برسم شخصيّة النبيّ الأكرم|. وإن النُّسَخ المصوَّرة لكتاب «جامع التواريخ»، لرشيد الدين فضل الله، و«الآثار الباقية» التي تعود إلى بداية القرن الرابع عشر الميلادي (القرن الثامن الهجري)، هي من أوائل الكتب المشتملة على رسومٍ لشخصية الرسول الأعظم|. وبحَسَب الآثار الموجودة فإن وضع النقاب على الوجه الشريف لرسول الله لم يكن مرسوماً قبل العصر الصفويّ([31]).

ومن الجدير بالذكر أنه يمكن لنا، بالالتفات إلى النُّسَخ المصوَّرة، تشخيص تجلِّيات أخرى غير الرسوم الدينية في العالم الإسلامي([32]). وطبقاً للشواهد المتوفِّرة كان هناك الكثير من الرسوم في الحمّامات والمسارح، وحتى في بيوت الإيرانيين أيضاً. وكذلك، على الرغم من الموقف الديني المخالف للتصوير في تاريخ الإسلام، لم يصدر حكمٌ قطعي بالتحريم، بل تمّ الكشف عن رسومٍ جدارية تعود إلى العصر الأمويّ؛ إذ تنتمي إلى أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني الهجريّ (أوائل القرن الثامن الميلادي). ومن ذلك، على سبيل المثال: في قُصير عمرة([33]) في شرق الأردن هناك حمّامٌ تظهر على جدرانه صورٌ بالألوان المائية على طبقةٍ من الجصّ، وهي تجسِّد صوراً لستّ شخصياتٍ من البلاط. وفي قصر الحير الغربي([34])، الذي تمّ نقل بقاياه إلى متحف دمشق، توجد أيضاً صُوَرٌ ونقوش مثل تلك التي تمّ العثور عليها في قصير عمرة([35]).

بالالتفات إلى هذه الخلفيّات في تحريم فنّ الرسم والتصوير في العالم الإسلامي على طول التاريخ، بالإضافة إلى المجموعات الواسعة والمتعدّدة لشرح حال بعض العلماء والفنّانين المؤثّرين، قلَّما ورد الحديث عن الرسّامين، والقليل من كتب الطبقات قد اختصَّتْ بهم، ومنها: كتاب «ضوء النبراس وأنس الجلاّس في إخبار المزوّنين من الناس»، الذي أشار إليه المقريزي في خططه([36]). وكذلك ينبغي الاعتراف بأنه لم يكن هناك حكمٌ قاطع بشأن تحريم التصوير. وإن موقف العالم الإسلامي من فنّ الرسم والتصوير لم يكن في جميع المراحل على وتيرةٍ واحدة؛ ففي إيران بشكلٍ عام رُبَما لم يكن هناك إحجامٌ عن رسم بعض الموضوعات الدينيّة، ولا سيَّما سيرة النبيّ الأكرم|. وقد رسموا الكثير من الأحداث والوقائع في سيرة رسول الله| أو سيرة بعض الأنبياء الآخرين. وهذه الرسوم لا يقتصر وجودها على المخطوطات من الكتب، بل يمكن العثور عليها ومشاهدتها في الأعمال الخَزَفية والفسيفساء والسجّاد والآثار الإيرانية الأخرى، وأحياناً في المساجد والأضرحة، مثل: مسجد جامع هارون «وليّ عهد» في إصفهان؛ إذ يشتمل هذا المسجد على رسمٍ وتصويرٍ محفور لملَكَين محلّقين. كما يمكن العثور على تصوير بالحجم الطبيعيّ للإمام الرضا× في مرقده الشريف في مشهد المقدّسة([37]).

الجذور التاريخيّة لفنّ الرسم عند الشيعة الإماميّة

بالنظر إلى العظمة والتقديس الشامل الذي يكنّه الشيعة لمناسبة عاشوراء فقد أوجد ذلك ثقافةً حيوية، بحيث تشكّلت مجموعةٌ من السلوكيات الدينية حول محور واقعة عاشوراء؛ فتناغم تاريخ الثقافة الدينية للشيعة مع القِيَم العاشورائية من الناحية العملية، وجعلها متميّزةً من غيرها. لقد كانت هذه الملحمة الحماسية على الدوام مُلْهِمةً للفنانين في مختلف المراحل التاريخية. وفي مجال فنّ التصوير قام المصوِّرون الشيعة، من خلال تصويرهم لأشكال صنّاع الملحمة العاشورائية، بفتح طريقٍ إلى العالم العلوي، وتسليط الضوء على تاريخ عاشوراء. وإن الرسوم الجدارية في المقاهي والسقاء، والمساجد، وأضرحة السادة الأشراف، ومياه الآبار القديمة، تُعَدّ بأجمعها من تجلِّيات الثقافة العاشورائية([38]).

وفي العصر الصفوي تجلّى تجسيد هذه الواقعة الفجيعة في إطار الرسم والتصوير([39]). وفي الحقيقة فإن الحقبة الصفوية منذ عام 1540م (947هـ) أحدثَتْ نقلةً نوعية في البِنْية الفنّية لإيران. وعلى هذا الأساس فإن مذهب التشيُّع قد ترك تأثيره في جميع أبعاد الحياة الاجتماعية لأتباعه، وكان سبب هذا التأثير يعود إلى غلبة الأبعاد العرفانية لمذهب التشيُّع في الفنّ الإيراني([40]).

ومع ذلك كلّه فإن الاهتمام بالفنّ العاشورائي قد اتَّخذ في العصر القاجاري بُعْداً آخر، واكتسب شكلاً رسمياً منسجماً بشكلٍ أكبر، وانتشر في إطار تجلّيات مسرحية، والرسوم الحجرية، والرسم على الزجاج، والرسوم الجدارية، وحتّى الرسم على وسائط الحمل والنقل الخفيفة والثقيلة، وفي الكثير من الموارد في تخطيط وصنع أشياء مثل: البيارق والرايات والأدوات المتنوّعة، إلى يومنا هذا. وكانت هذه المشاهد تعرض في التكايا ومجالس العزاء، وكانت تستثير العواطف والأشجان مقرونةً بقراءة المراثي والنياحة. وبذلك تحوَّلت مجالس العزاء إلى مدارس سمعية وبصرية، وكان المعلِّم والمربّي الكبير في هذه المدرسة هو شخص الإمام الحسين×([41]).

ومن هنا يجب علينا أن لا نغفل عن الفنّ العاشورائي بوصفه فرعاً من الفنّ الإسلامي الذي تمّ توظيفه في المسرحيات الدينية والتصويرات الخاصّة بالموضوعات الدينية، ولا سيَّما في إطار النقوش الإيرانية، التي تُعَرْف باسم «رسوم المقاهي» أو «رسوم السقاية»؛ وذلك لأن واقعة عاشوراء كان لها تأثيرٌ محرّك في صُلْب حياة الشيعة.

وفي هذا الشأن يمكن الإشارة إلى المصادر الأدبية والأحاديث والروايات المعتبرة، من قبيل: تصوير كتاب «روضة الشهداء»، لمؤلِّفه الواعظ الكاشفي، الذي انتشر بين المسلمين الشيعة منذ بداية القرن العاشر الهجري فما بعد([42]). وبالإضافة إلى تأثير النصوص الأدبية المكتوبة فإن الروايات المأثورة والأحاديث المنقولة، ولا سيَّما في إطار مسرحة التعزية، كان لها وقعٌ مؤثِّر في إيجاد المسارح والرسوم الجدارية ذات الموضوعات الدينية أيضاً. وبذلك كان الرسّام يستمع إلى الموضوع الخاصّ بما يتطابق مع نقل الراوي أو قارئ التعزية أو المرثية، ويعمل على تصويرها، كما هي مرتسمة في أذهان عامّة الناس([43]). وفي نهاية المطاف أدّى مجموع هذه العناصر إلى تبلور فنٍّ مستقلّ، له خصائصه الفنّية والمعنوية الخاصّة به، والتي أخذَتْ تُعْرَف بـ «رسوم المقاهي» أو أسلوب رسم «التصوير التخيُّلي».

إن هذا النوع من الرسم يمثِّل جهداً جديداً في مجال فنّ الرسم في الثقافة الشيعية، والذي ظهر خلال القرن التاسع عشر الميلادي، ويُعَدّ في الأساس من الفنون الشعبية. ويُعْرَف هذا الفنّ بين عامة الناس بـ «رسوم المقاهي». يمكن اعتبار المقهى بوصفه المنشأ الأصلي لهذا النوع من الرسم؛ إذ لم يكن يمثِّل مجرّد رابطٍ وثيق مع النقل (الحكواتي) فحَسْب، بل كان أصحاب المقاهي هم من أوائل المقترحين والمطالبين بهذا النوع من الفنّ في هذا الشأن. إن «رسوم المقاهي» مصطلحٌ يأتي لوصف نوعٍ من الرسم الروائي بالألوان الزيتية، يدور حول موضوعاتٍ دينية بطولية ملحمية ظهرت في مرحلة الثورة الدستورية (المشروطة) على أساس تقاليد الفنّ الشعبي والدينيّ، بتأثيرٍ من الرسم الطبيعي، الذي كان شائعاً في حينه على يد فنّانين غير متعلِّمين. وعلى هذا الأساس فإنّ «رسوم المقاهي» قد تبلورت ـ على خلاف اتّجاهات الرسم الأكاديمي والتصوير الجديد ـ خارج مجال الفنّ الرسمي. إن هذا النوع من الرسم، الذي كان يعكس الآمال والتطلُّعات الوطنية والعقائد الدينية وروح الثقافة الخاصّة للطبقات الوسطى في المجتمع البشريّ، يمثِّل ظاهرةً أكثر حداثةً من سائر قوالب الرسوم العامّية (من قبيل: رسوم الستائر، والرسوم الجدارية في البقاع المقدّسة، والرسم على الزجاج بمضامين دينيّة وغير دينيّة)([44]).

وفي الحقيقة فإن الأدب الملحمي والديني حَظِي ـ بسبب الظروف الاجتماعية الخاصّة لمرحلة ما بعد الثورة الدستورية (المشروطة)، وكذلك بسبب الحاجة الروحيّة لدى عامّة الناس إلى هذه المضامين ـ باستقبالٍ واسع. إن هذه الأدبيات ـ بالإضافة إلى فنونٍ من قبيل: الفنّ الحكواتي، والمسرح، والتعزية، ورسوم المقاهي ـ قد بدأت حركتها الطليعية في الترويج للثقافة الشيعية، ورواية واقعة عاشوراء بين جميع الطبقات([45]). إن من بين أفضل نماذج الرسوم الجدارية في موضوع واقعة عاشوراء هو ذلك الموجود في ضريح السيد زيد (إمام زاده زيد) في إصفهان. إن الرسوم الجدارية التي زيَّنت جدران هذا الحرم الصغير قد أوجدَتْ مجموعةً قلّ نظيرها من الرسوم الدينية الإسلامية. وتعود هذه الرسوم إلى القرن الحادي عشر الهجري (القرن السابع عشر الميلادي).

وفي الأساس فإن من الوظائف الهامّة للمناسك الدينية والشعائر المذهبية إثارة وتحفيز الشعور الديني والمذهبي لدى عامّة الناس. وقد أمكن لهذا الأمر أن يتحقَّق في الرسوم الجدارية، ولا سيَّما في إطار رسم الشخصيات الدينية في ما يُعْرَف بـ «رسوم المقاهي». وعلى هذا الأساس فإن «الروايات التصويرية» في مجال الفنّ الديني تمثِّل العنصر الأكثر بقاءً في نقل المعتقدات إلى عامّة الناس. إن الشخصيات الدينيّة في تقاليد ومناسك الشيعة ـ بالإضافة إلى أنها تؤدّي من الناحية العملية إلى المزيد من الاهتمام بالإيمان وإيجاد الارتباط المعنوي في الأجواء الدينيّة ـ تؤدّي كذلك إلى إعادة تذكير المؤمنين مجدّداً بالقِيَم الخالدة. وفي الحقيقة إن آثاراً من قبيل: «العشاء الأخير» للسيد المسيح؛ أو لوحة «عصر عاشوراء» التي أبدعها الفنان الإيراني محمود فرشجيان، تُعَدّ من أبرز اللوحات في الثقافة والفنّ الشيعي، التي تعكس التصوير الديني([46]). كما أن هذه اللوحات تمثِّل روايةً لأحداث التاريخ المقدَّس، بحيث تضفي حياةً جديدة على حياة المقدَّسين والأولياء([47]).

ومن هنا فإن الكثير من العلماء والمفكِّرين يذهب إلى الاعتقاد بأن وجود هذه النقوش الدينية من شأنه أن يساعد الإنسان في الوصول إلى غايته الأصلية، المتمثِّلة في الانجذاب نحو التعالي والقرب من الله سبحانه وتعالى([48]). ورُبَما كان الطريق الأبسط لتعيين أو تشخيص هذه الخصيصة ـ بحيث تكون مجديةً لجميع السنن والتقاليد الدينية للبشر ـ يكمن في تعريفها بأنها: «انجذابٌ نحو التعالي»؛ بمعنى الانتقال من مرتبةٍ عادية ومحدودة جدّاً من الحياة البشرية إلى بُعْدٍ أسمى وأكثر تعالياً، بحيث يكون فيه متحرِّراً من جميع القيود والأغلال. وبعبارةٍ أخرى: إن هذه الخصيصة عبارةٌ عن: الانتقال من المتناهي إلى اللامتناهي، حيث يتمّ بيان ذلك من خلال الأمثلة والنماذج المحدودة والمحسوسة([49]).

إن الموضوعات المطروحة في هذه الرسوم الدينية ترتبط على الدوام بحياة أحد الأولياء والأنبياء. وعلى الرغم من أن الأولياء والشخصيات المقدَّسة تلعب دَوْراً محورياً في هذه الرسوم، إلاّ أن جميع هذه الرسوم إنّما ترمي إلى وصف وشرح الموضوع الأصلي والهدف النهائي المتمثِّل بالمضمون والمحتوى، دون رسم وجوه وشخوص الأنبياء والأولياء. ومن هنا لا نشاهد في أكثر هذه الرسوم والنقوش خصيصةً محدّدة وبارزة في وجه المقدّس تميِّزه من سائر الأشخاص([50]). ويرى فريتيهوف شوان بدَوْره أن أهمّية الفنّ المقدّس أو الفنّ الديني تعود إلى محتويات الأثر الفنّي، وقال في ذلك: «إن الذي يحظى بالأهمّية في الفنّ المقدّس ـ أكثر من أيّ شيءٍ آخر ـ هو محتوى ومضمون الأثر الفنّي، وأسلوب تطبيقه وتجسيده. في حين أن هذه العناصر في الفنّ العُرْفي وغير الديني إنما تبرز لغاية إثارة الشغف والانبهار والحبور تجاه الفعل الإبداعي فقط»([51]). ومن هنا فقد ذهب إلى اعتبار النقوش والرسوم الإسلاميّة اتجاهاً يتعرَّض إلى تحليل محتوى ومضمون الأثر.

وفي هذا المجال لا يَسَعنا تجاهل المضامين المعنوية للرسوم الدينية في «التكايا». وتمثِّل التكايا في الحقيقة نوعاً من العمارة الدينيّة، التي كانت قائمةً في العصر القاجاري، وفي أغلب القرى. إن رسّامي هذه التكايا كانوا يسعَوْن على الدوام إلى تزيين الفضاء بما يتناسب وحاجة الناس، فكانوا لذلك يرسمون مشاهد من واقعة عاشوراء، وقصص القرآن، ومضامين الخير والشرّ. وطبقاً للدراسات والأبحاث الموجودة فإن غاية الرسّامين والمصوِّرين كانت ـ بالإضافة إلى احترام معتقدات الناس ـ هي العمل على إبلاغ الرسالة، في إطار التأكيد على الجوانب الأخلاقية، والحفاظ على السجايا الإنسانية المتأثِّرة بأحداث عاشوراء وسيرة الأئمّة الأطهار^، وتوصيف المضامين المعنوية ببيانٍ بسيط وبليغ. ويمكن لنا مقارنة ما يُشبه هذا النوع من لسان الحال في التكايا برسوم المقاهي، وتفسيرها على هذا الأساس([52]).

ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من أن أهمّية الفنّ الشيعي في إيران قد حظيَتْ باهتمام كتّابٍ من أمثال: توماس أرنولد، وثروت عكاشة، وبلروبلوم، وليندا كماروف، وآنا ماري شيمل، وأوكان، وغيرهم، يبدو أن هؤلاء المحقِّقين إنّما درسوا نماذج الآثار الفنّية ضمن الإطار التاريخي ـ الاجتماعي، وبالالتفات إلى هذه الرؤية، ولم يقوموا بأيّ دراسةٍ جادّة لعقائد الشيعة في ما يتعلَّق بالفنّ الإسلامي. وعليه فإن التأثير العملي لهذه التصاوير والنقوش الدينية ـ بغضّ النظر عن النواحي الفنّية الكثيرة فيها ـ، والذي يصبّ في الاتجاه الجماهيري لعامّة الناس نحو الدين وحضورهم الواسع في الشعائر والمناسك الدينية، أمرٌ يدعو إلى الالتفات والتأمُّل. والمهمّ هو أن الرسوم الجدارية ورسوم المقاهي؛ بوصفها إحدى مظاهر وتجلّيات الفنّ الديني في إيران، قد فقدت خصيصتها وجدوائيّتها الأولى، وتضاءل بريقها إلى حدٍّ كبير. وعليه لا بُدَّ من العمل على اتّخاذ التدابير من أجل إعادة إحياء هذه الثقافة والفنّ الديني.

المسيحيّة ورسم الشخصيّات، أبحاثٌ تمهيدية

إن المفردة اليونانية «eikon» تعني التصوير. إلاّ أن هذه المفردة لا تعني في الثقافة الأُرثوذُكسية سوى تجسيد صُوَر عن الموضوعات الدينيّة. وإن كلّ تصوير للسيد المسيح بوصفه ابن الله أو كلمته، أو السيّدة مريم العذراء والقدّيسين، وكذلك المشاهد والروايات المأثورة في الكتاب المقدّس، تُعَدّ من نقوش ورسوم الشخصيات، وتُعَدّ أمثلةً وشواهد على التجسُّم([53]). وبناءً على اللاهوت الأُرثوذُكسي فقد اختصّت النقوش (Icon) بالمسيحيّة الشرقية فقط. وبعد انهيار الإمبراطورية البيزنطية استمرّت هذه النقوش في الفنّ الديني الروسي، ولم يتمّ تعميمها على جميع المسيحيّة أبداً. وعلى هذا الأساس لا يمكن تصنيف رسوم الغرب المسيحي تحت عنوان: «رسوم الشخصيّات»([54]).

إن «رسوم الشخصيّات» تشير في معناها ومفهومها الخاصّ إلى رسوم ذات بُعْدَيْن للسيد المسيح، والسيدة مريم العذراء، والقدّيسين، أو المشاهد الروائية من الكتاب المقدّس. ويمكن ـ بالإضافة إلى الصُّوَر المتقدّمة ـ نسبة هذا المصطلح إلى العناصر الخاصّة بالمراسم الدينية، ولوحات الرسم، والصُّوَر، وحتّى أبنية الكنائس أيضاً([55]). إن النقوش في بداية الأمر كانت في الغالب تشمل الرسوم على اللوحات الخشبية القابلة للحمل، أو الرسوم الشمعية (التي كان يتمّ تصويرها بواسطة تسخين الشمع ومزجه بالألوان)، وكذلك رسوم التمبرا([56]) (حيث يتمّ مزج البيض بالخلّ). ومع ذلك فإن النقوش في معناها الواسع تشمل التصاوير والرسوم الجدارية والفسيفساء الموجودة على جدران الكنائس، والصُّوَر والنقوش المرسومة على ثياب القساوسة، والصُّوَر الموجودة على المحاريب والأناجيل والكتب الخاصّة بالعبادة والصلوات والأدعية، وكذلك الصليب وسائر الأثاث والأغراض المنقوشة الخاصّة بالكنيسة. ويمكن لنقوش الشخصيات أن تكون منحوتةً أو محفورةً على الخشب والعاج أو المعادن أيضاً، بل ومن الممكن أن تكون مرسومةً على القماش والكثير من الموادّ الأخرى. يأتي توظيف هذه الصُّوَر في خدمة الأهداف العبادية والتعليمية، وتزيين وزخرفة الكنائس، وتُعَدّ من اللوازم الضرورية للعبادة والتضرُّع([57]).

وفي ما يتعلَّق بأوّل استخدامٍ للرسوم الشخصية المؤثِّرة قيل: إن أهمّ شخصية عند المسيحيين الأُرثوذُكس هي شخصية السيد المسيح عيسى بن مريم. وهم يعتقدون أن شخصية عيسى المسيح بوصفه «الشخصيّة الأولى» قد تمّ إبداعها في حياته، ويذكرون هذه الشخصية بوصفها «الصورة المقدّسة أو الصورة الحقيقية»، حيث تمّ إبداعها دون تدخُّلٍ من البشر. وطبقاً للروايات التاريخية المتعدِّدة فإن لهذا النقش معجزات وقدرة شفائية. وقد تمّ إبداع هذا الرسم بطلبٍ من أبغار أوكاما الخامس، ملك (ساروئين)، وهي بلدةٌ صغيرة كانت تقع في الحدّ الفاصل بين الإمبراطورية الرومانية والأشكانية. وقد بعث هذا الملك رسّاماً إلى السيد المسيح؛ كي يرسم صورةً له، ولكنّ هذا الرسّام، رغم كلّ الجهود المبذولة، لم يستطِعْ أن يتبين شيئاً من ملامح وجه السيد المسيح، سوى النور الذي يجلِّله، ولذلك لم يتمكَّن من رسم ملامحه. ولذلك طلب السيد المسيح من المحيطين به أن يأتوا له ببُرْدةٍ، ثمّ شدَّ وجهه بها، وانطبعَتْ جميع ملامح وخطوط وجهه عليها، ومنذ ذلك الحين أطلق على هذه البُرْدة اسم «بُرْدة فورنيكا»، وهو اسمٌ منحوت من كلمتين لاتينيتين، وهما: (wera) بمعنى الحقيقي، و(eikonica) بمعنى التصوير([58]).

وجاء في الروايات: إن هذا الملك بعد شفائه من مرض الجذام؛ ببركة هذه الصورة، عمد إلى إشهار إيمانه بالمسيحية، من خلال استبدال هذه البُرْدة بأحد الأصنام المقامة على بوابة المدينة. وقد سبق للسيد المسيح عيسى× أن أرسل هذه البُرْدة ـ واسمُها: الصورة الحقيقية، والتي تشير إلى تصوير السيد المسيح ـ مرفقةً برسالة إلى الملك أبغار. وقد بشَّره في تلك الرسالة بالشفاء من الجذام. ولاحقاً تمّ وضع هذا التصوير في بوابة المدينة؛ لتكون أمام مرأى الجميع. ولكنْ بعد ذلك بفترةٍ، وإثر الاهتمام المتزايد من قِبَل عموم الناس بهذا التصوير، وظهور بوادر الوثنيّة (وبسبب المعاجز التي ظهرت لهذا التصوير)، صدر أمرٌ من قِبَل أسقف هذه المدينة بإخفاء ونقل هذا التصوير من بوّابة المدينة([59]). وعلى أيّ حالٍ فإن هذا المسار، وكذلك وجود الخلفيات الثقافية المتنوِّعة، من قبيل: الثقافة اليونانية ـ الرومية، أشاع فنّ تصوير الشخصيّات بين المسيحيّين الأُرثوذُكس بالتدريج.

الجذور التاريخيّة لتصوير الشخصيّات في المسيحيّة

يمكن القول: هناك طريقٌ واحد إلى تبويب التقاليد الدينية، وتقسيمها على أساس الموافقة أو المخالفة مع النقوش والصُّوَر ذات البُعْدين أو ثلاثية الأبعاد في قالب النموذج أو التجسُّم الإلهي([60]). وفي هذا المجال يختلف موقف المسيحيّين، الكاثوليك والأُرثوذُكس والبروتستانت، فيما بينهم إلى حدٍّ ما. وبعبارةٍ أخرى: إن الكنيسة الأُرثوذُكسية؛ بسبب نظرتها إلى الحياة والإيمان المسيحيّ، تختلف عن الكنيسة الكاثوليكية الروميّة والبروتستانتية اختلافاتٍ أساسية([61]). ومن هنا فإن المسيحيين الأُرثوذُكس يعبِّرون عن الصُّوَر والنقوش الموجودة في الكنيسة الكاثوليكية بوصف الـ «التمثال» (Portrait)، ولا يرَوْنها جديرةً بوصف وعنوان «الأيقونة». وهم يرَوْن أن الاتجاه الفنّي في الغرب المسيحي والديانة الكاثوليكية ـ حيث عاشت في الحدّ الأدنى مرحلةً تحت سطوة الفكر الإنساني ـ لا يستطيع بيان تعاليم أسس الأيقونات بشكلٍ شفّاف وصريح. طبقاً لبيان اللاهوت الأُرثوذُكسي تُعَدّ الأيقونات تحوّلاً خاصّاً بالشرق. وإن التمثال وإنْ كان يتحقّق طبق خصائص ثابتة، مثل: الأيقونات، إلاّ أنه لا يشير إلى معانٍ أبعد من الحياة المادّية والأرضية، وإن الغاية منه مجرّد الحفاظ على الشبه([62]). إن هذه التماثيل تعجز عن بيان المعاني الروحانية، وإضفاء مسحة متعالية على هذه المعالم، في حين أن رسم الأيقونات والشخصيات الكنسية الأُرثوذُكسية لا تكتفي بمجرّد بيان الظاهر المحسوس، بل إنها تشير كذلك إلى الأمور غير المحسوسة أو المفاهيم الروحيّة لما يُراد التعبير عنه أيضاً. إن هذه الكنيسة تنكر وتنبذ القِيَم الطبيعية والصُّوَر ثلاثية الأبعاد التي تزيِّن الكنائس الكاثوليكية الرومية([63]).

لقد أثارت هذه المسألة الكثير من النقاشات والمنازعات في لاهوت تصوير الأيقونات. وفي نهاية المطاف تحقَّقت الغَلَبة الحاسمة لأصحاب النزعة العامّة في تقديس الأيقونات، وذلك في يوم الأحد المقدّس سنة 843م، حيث تمّ في ذلك العام إقامة مجمع كنسي في القسطنطينية، حضر فيه الكثير من الجماهير في كنيسة أياصوفيا، وتمَّتْ إعادة الأيقونات والتماثيل إلى الأبد، وأقيم حفلٌ بمناسبة هذا النصر والحَدَث الهامّ في الكنيسة الأُرثوذُكسية([64]).

وكذلك الأمر في تيّار الإصلاح اللوثري الذي لم يكن موافقاً تماماً على جميع أنواع الأيقونات، إلاّ أنه ـ خلافاً لبعض التيّارات الأخرى، مثل: الكالفينيين، الذين كانوا يدعون إلى إزالة جميع الصُّوَر ـ لم يتمّ سوى إزالة القليل منها؛ إذ إنه كان يتمتّع بمرونةٍ أكبر. لقد كان الكالفينيون يدعون بشدّةٍ إلى إلغاء جميع الصُّوَر، ويتحدّثون عن الوَعْظ في مواجهة التمسّك بالأيقونات، ويعملون على إزالة ما كان له صبغةٌ تزيينية من الكنيسة؛ لاعتقادهم بأن المؤمنين والحاضرين في الكنيسة لا يركّزون ـ مع وجود هذه الصُّوَر ـ على العبادة. ولذلك لم يكن هناك توافقٌ في جميع مراحل الإصلاح على الاستفادة من الصُّوَر([65]). ومع ذلك كان مارتن لوثر يجيز عرض التصليب وصورة عيسى على الصليب([66]). إلاّ أنهم لم يكونوا يقحمون الصُّوَر الروائية في العبادات الجماعية، وكذلك في أدعيتهم الخاصّة([67]).

وعلى هذا الأساس كانت قصص الكتاب المقدّس في عصر الإصلاحات تساهم بدورٍ ضئيل للغاية في مجال الفنّ، بالقياس إلى الموضوعات غير الدينية. في حين أن عكس قصص الكتاب المقدّس كان حتّى في البلدان الكاثوليكية يشكِّل الموضوع الغالب([68]). وعلى أيّ حالٍ فقد بدأت هذه الخصومة سنة 1520م في الكثير من المناطق الأوروبية، حيث قاموا بإصلاحٍ ثقافي في المنظومة الدينية، مع الدخول إلى الكنائس، وتطهير هذه الأماكن من الصور وسائر الأشياء المقدّسة المرتبطة بالطقوس الدينية، وسياساتها المعارضة للأيقونات([69]). إن الكنيسة البروتستانتية قد رفضت حضور الأيقونات والتماثيل في العبادات الجماعية، وكذلك في الأدعية والابتهالات الخاصّة أيضاً، وعارضت تزيين وزخرفة الكنيسة بهذه الصُّوَر المقدّسة([70])، بل اعتبروا أيضاً صُوَر القدّيسين تجسيداً لعبادة الأوثان الكنسية. ولكنها في الوقت نفسه لم تكن موافقةً على مكافحة الأيقونات بشكلٍ مطلق. ومن الجدير بالذكر أن فرض القيود على الفنّ من قِبَلهم كان أشدّ وأكثر إصراراً من مكافحة الأيقونات والتصاوير في العصر البيزنطي؛ لأن هذا الحجم من الإصرار على مكافحة الأيقونات والصُّوَر كان موجَّهاً إلى الأشخاص الذين كانوا ينتفعون من هذا النوع من الأيقونات والصُّوَر وعبادة الأيقونات، ولم يكن موجّهاً إلى ذات الصُّوَر([71]).

موقف المسيحيّة الأُرثوذُكسيّة من صناعة التماثيل

من وجهة نظر المسيحيين الأُرثوذُكس، كما يُعَدّ كلام الكتاب المقدّس نوعاً من التصوير، كذلك يمكن اعتبار التصوير نوعاً من الكلام. يقول القدّيس باسيليوس (330 ـ 379م) في هذا الشأن: «إن الذي ينقله الكلام بواسطة الأذن يعمل الرسم على نقله بواسطة السكوت، ومن خلال التصوير. وبواسطة هذين الأمرين المقترنين ببعضهما على الدوام يمكن الوصول إلى إدراك أمرٍ واحد»([72]). وفي الواقع فإن التماثيل؛ بسبب قابليتها التصويرية، تعمل على رسم المناجيات الإلهية، وتساعد المؤمنين على التفكير والتأمُّل وإدراك النصوص الدينيّة بشكلٍ عميق. إن هذا المفهوم يؤكِّد على الدَّوْر الكلامي والتعليمي للتماثيل والأيقونات. وفي الأصل فإن الذي يتمّ عرضه في التماثيل المسيحيّة يُعبِّر عن القصص والمفاهيم الكامنة في الكتاب المقدّس. وعلى هذا الأساس اعتبروا التماثيل والأيقونات المسيحية رسائل إلهيّة. وقد قامت التماثيل أيضاً على طول التاريخ بلعب دَوْرها بقوّةٍ على الدوام، وفي أروع صورةٍ وأتمّها، كما أكّد القدّيس باسيليوس في هذا الشأن قائلاً: «إن الفنّانين كانوا في رسومهم يخدمون الدين، كما كان الخطباء في فصاحتهم ونفوذ كلامهم»([73]).

وعلى هذا الأساس فإن جانباً واسعاً من تاريخ المسيحية يحكي عن رسم صور بأساليب مختلفة، ومتعلّقة بأزمنةٍ وأمكنةٍ مختلفة، وتقوم على أساس الكتاب المقدّس وكتب المناجاة، التي يتمّ توظيفها لتعليم المؤمنين حديثاً وجلسات وَعْظ العلماء وآباء الكنيسة([74]). ولكنْ كما تبيِّن الكنيسة الكاثوليكية لا يمكن اعتبار هذه الصُّوَر المقدّسة مجرَّد تعاليم دينية، أو اعتبارها أمراً اختياريّاً ومجرّد زينةٍ في بناء وتوسيع الكنيسة الأُرثوذُكسية، بل إن التماثيل والأيقونات ـ بناءً على اللاهوت الأُرثوذُكسي ـ تُعَدّ جزءاً لا ينفك عن اللاهوت، وانعكاساً واضحاً وصريحاً للعبارات والقصص والروايات الواردة في الكتاب المقدّس. وقد خلقت جوّاً ملكوتيّاً وسماويّاً يعكس حضور الحاضرين في الجنّة([75]).

ليست الغاية في التصوير ورسم التماثيل مجرَّد التزويق والتلوين والصّقل. إن أغلب هذه التماثيل المقدّسة لا تكتسب موضوعيةً بالنسبة إلى الأساليب الفنّية الجديدة؛ لأن التماثيل والأيقونات عبارةٌ عن صُوَر مقدّسة ومباركة، وليست مجرّد أشياء فنّية([76])؛ بحيث إن اهتمام الرسّامين الأوائل قبل أن يكون منصبّاً على الأبعاد الجمالية لهذه الصُّوَر ينصبّ على الأبعاد العبادية في رسم هذه الصُّوَر والتماثيل. ومن هنا فإن كمال شكلٍ ما يكمن في التجسيد المقبول للتعاليم الدينيّة([77]). وعلى هذا الأساس فإن هذه التصاوير، والكثير من الصُّوَر التي أضحَتْ فيما بعد مشمولةً لمفردة التماثيل والأيقونات، لم يتبلور أيٌّ منها كنتيجةٍ للاتّجاه إلى ناحيةٍ تزويقية وفنّية، بل هي نتاجٌ للاهوتٍ فذٍّ وحصريّ، ودعامةٌ اعتقاديّة مُحْكَمة([78]).

وبطبيعة الحال فإن التقديس الذي يُمارَس تجاه هذه الصُّوَر المقدّسة، والحركات المعبِّرة عن الاحترام والمودّة، من قبيل: السجود والتقبيل وإضاءة الشموع وإحراق البخور، لا ينبغي أن يُحْمَل على العبادة أبداً. وفي هذا الشأن عمد اللاهوتيون المسيحيون في المجمع الكنسي لعام 787م إلى بيان التفاوت والتمايز بين «التقديس والتكريم» و«عبادة التماثيل والأيقونات» بشكلٍ واضح. إن «التقديس» و«التكريم» الذي يقوم به المسيحيّون إنما هو تجاه الأشخاص المقدّسين، وتماثيل وأيقونات شخصيّات مثل: السيد المسيح، والسيدة مريم العذراء، وسائر القدّيسين، وأما «العبادة» فهي تقتصر على الله حَصْراً، ولا يُعْبَد غيره([79]). وطبقاً لعقيدتهم فإن احترام وتقديس السيدة مريم العذراء والقدّيسين هو شكلٌ آخر من أشكال العبادة والتمجيد. يقول المسيحيون باحترام وتبجيل السيدة مريم العذراء وسائر القدّيسين؛ لأنهم أشخاصٌ مقرّبون من الله سبحانه وتعالى. كما أنه بواسطتهم يمكن الوصول إلى العظمة والجلال([80]). وعلى هذا الأساس تشير ميرتشا الإلياذة إلى تقديس الأيقونات والتماثيل الدينية، قائلةً: إن الشيء إنما يكون ماورائياً ومقدّساً ما دام يشير في ذاته إلى الفوق والماوراء([81]).

وأما موقف المسيحيّين الأُرثوذُكس والكاثوليك في هذا الشأن فهو مختلفٌ إلى حدٍّ ما. إن اتجاه الكاثوليك من تصوير القدّيسين يتّضح من كلام للبابا غريغوري الأوّل (540 ـ 604م). كان غريغوري يعتبر «الكتاب المقدّس» مفيداً لتعليم الطلاب والمتعلِّمين، وأما «تماثيل ورسوم المقدّسين» فهي مفيدةٌ بالنسبة إلى الأمّيين وعامّة الناس. وقد صرَّح بأن هذه الصور والتماثيل يجب أن لا تتّخذ لناحية العبادة، وإنما لمجرّد تقريب الأذهان الجاهلة من مضامين الكتاب المقدّسة([82]). كما أن التماثيل في الكنيسة الكاثوليكية في عصره كانت لها صبغةٌ تعليمية فقط. وبعبارةٍ أخرى: في المرحلة الزمنية التي كان فيها جمهور الناس من الأمّيين لم يكن التعليم الديني ممكناً إلاّ عبر المشافهة أو التأثير البصريّ. ومن هنا فإن التماثيل الموجودة في الكنائس إنما كانت تعتبر «الإنجيل المقدّس للفقراء».

وظائف التماثيل في الكنيسة الأُرثوذُكسية

طبقاً لرؤية المسيحيّين من الأُرثوذُكس يتمّ نقل التعاليم الدينيّة والتوحيديّة إلى المشاهدين بواسطة التماثيل والأيقونات المقدَّسة([83]). وعلى هذا الأساس فإن التماثيل والأيقونات تمثِّل «أداةً بصرية» للتفكير العميق والتأمُّل والتدبُّر في ما يعمل خدّام الكنيسة على تعليمه للمؤمنين. إن هذه الصُّوَر ـ سواء أكانت ذات بُعْدين أو كانت ثلاثية الأبعاد ـ إنما تمثِّل أداةً للرواية والشرح التفصيلي لذلك الشيء الذي تمّ بيانه في التعليمات الشفهية([84]).

وفي الحقيقة فإن الشعائر العبادية في الكنيسة الأُرثوذُكسية تقوم على «العناصر الكلامية» و«العناصر غير الكلامية»، ولا سيَّما منها التماثيل والأيقونات. وإن هذه العناصر بالتوازي مع بعضها تلعب دَوْراً كبيراً في هداية الناس إلى الإيمان. وإن العناصر الكلامية، من قبيل: قراءة الكتاب المقدّس، والصلاة، والمناجاة، والمواعظ، وتوظيف الأصوات الملحّنة، وإنشاد الأشعار الدينيّة، والعناصر غير الكلاميّة، من قبيل: الثياب الخاصّة بإقامة الشعائر والأعمال العباديّة، ولا سيَّما التماثيل والأيقونات، تترك تأثيراً ملحوظاً في إثارة المعاني الروحية في وجود المؤمنين المسيحيّين، ومواكبتهم وانسجامهم مع الشعائر والمناسك. يذهب الكثير من اللاهوتيين الأُرثوذُكس إلى الاعتقاد بأن العناصر الكلامية (Verbal)، ولا سيَّما العناصر غير الكلامية، لها دخلٌ في إثارة المعاني الروحية لدى المؤمنين، وتماهيهم مع الشعائر والمناسك([85]).

ومن هنا فإن التماثيل والأيقونات تعرف كجزءٍ لا ينفكّ عن اللاهوت، وعن شعائر المسيحية الأُرثوذُكسية. إن هذه الصُّوَر المقدّسة ليست مجرّد أشياء مادّية متَّخذة من الخشب أو الحجر أو الألوان، بل هي ـ بناءً على عقيدة المسيحيين ـ واسطةٌ للقوّة الروحية الوحيدة. إن الألوهية من وجهة نظرهم لا يتمّ تحديدها بتصويرٍ أو مكانٍ بعينه، بل إنها حاضرةٌ في جميع الأمكنة. وعلى الرغم من ذلك فإنه يتمّ في الأعمّ الأغلب تحديد أماكن خاصّة لهذه التماثيل والصُّوَر في بنية الأماكن المقدّسة، ويُنْظَر إليها بوصفها جزءاً لا يتجزّأ من الأبعاد الدينيّة والجماليّة في العبادات الدينيّة([86])، بحيث إنه لا يمكن من وجهة نظر المؤرِّخين المعاصرين الفصل بين قيمة التماثيل والأيقونات من الناحية الفنّية وبين القيمة الدينية للنُّصُب والأيقونات([87]).

إن تقديس التماثيل والنُّصُب ـ بناءً على ما يعتقده المسيحيون الأُرثوذُكس ـ ليس مجرَّد بيانٍ لدينٍ تشريفيّ وعارٍ من المحتوى، بل هو بيانٌ لمفهومٍ أساس في المسيحية، تمّ الحفاظ عليه في الكنيسة الشرقية بشدّةٍ، وأعدّ الأرضيّة للارتباط المباشر والحميم بين الإنسان وخالقه. وبذلك يتجلّى مفهوم «التجسُّد» في العبادة الكنسية بوضوحٍ([88]). كما أن الأيقونات والتماثيل تعمل على بيان «صُوَر دينيّة»، وبسبب هذه المضامين تصبح مثاراً لمشاعر العشق والشفقة لدى الناظر إليها. وحتّى عندما تكون الغاية من الأيقونات والتماثيل هي تزويق الكنائس ـ وهو ما لا ترتضيه المسيحيّة الشرقية، وتنسب التوظيف التزويقي للصُّوَر والتماثيل المذهبيّة إلى المسيحيّة الغربيّة ـ مع ذلك تكون الغاية من التماثيل والأيقونات هي إثارة السرور والحبور الروحيّ والمعنوي([89]). وفي هذا الشأن نجد أن توما الأكويني يتّفق مع بونافينترا، ويذهب إلى الاعتقاد بوجود ثلاثة أسباب لإدخال التماثيل والأيقونات إلى الكنائس، وهي:

أوّلاً: تعليم العامّة من الناس والأمّيين؛ وذلك من حيث إنهم يقومون بما يقوم به الكتاب المقدّس.

وثانياً: لكي يتجلّى سرّ تجسُّد الله في وجود السيد المسيح والنماذج من القديسين أمام الناظرين في كلّ يوم، وتبقى محفوظةً في أذهانهم.

وثالثاً: من أجل إثارة «الحماسة المذهبيّة»، وفي هذا الشأن تكون المُبْصَرات أشدّ تأثيراً من المسموعات([90]).

إن الأيقونات والتماثيل تعكس أحداث وقصص الكثير من معجزات السيد المسيح، ولا سيَّما حول الظهور الأوّلي لمواصفات وشمائل السيد المسيح نفسه، في ما عُرف بوصفه «الصورة الحقيقية أو الصورة الأولى». إن الكثير من القصص حول المعجزات ترتبط بنجاة ذات الصُّوَر المقدّسة من تشويه مكافحي التماثيل والأيقونات، ورسم الإمداد الإلهي([91])، الذي كان مؤثِّراً للغاية على اعتقاد وإيمان المسيحيين الأُرثوذُكس. واليوم تُعَدّ هذه الأيقونات والتماثيل المقدّسة ذات معاجز كثيرة، وتحظى بمكانةٍ كبيرة وعالية. وهي تُتَّخذ بوصفها من وسائل وأدوات القيام بالشعائر الدينيّة، ويتمّ توظيفها في بيوت المسيحيّين الأُرثوذُكس (في الزوايا والأنحاء الجميلة)، في المناسبات الرسمية للعبادة والتضرُّع، ولا سيَّما في الكنيسة (مشاهد التماثيل والأيقونات)، وكذلك في التجمُّعات، وبين عامّة الناس([92]).

لقد تمّ إجراء دراسة حول الدَّوْر الإعجازي للتماثيل والأيقونات الخاصّة بالسيدة مريم العذراء في مدينة فلاديمير، وتأثير ذلك على حياة المدينة والفنّانين المعاصرين طوال حياتهم([93]). يذهب سكان مدينة فلاديمير إلى الاعتقاد بأن وجود تمثال السيدة مريم العذراء في مدينتهم قد حماهم من جميع أنواع البلاء([94]). وفي المراحل اللاحقة كانت هناك قصصٌ تُرْوى بشأن ذمّ تحطيم التماثيل والتصاوير في إطار مكافحة كسر الأيقونات، ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: ما يرويه ثيوفانس من أن السيدة مريم رأَتْ شخصاً يعمل على تخريب أيقوناتها وتماثيلها فأعدَّتْ له عذاباً، بحيث لم يمْضِ عليه سوى يومٍ واحد حتّى مات ميتةً فظيعة([95]). ويقول يوحنّا الدمشقي، بوصفه من أكبر المدافعين عن التماثيل والنُّصُب: «يجب على كلّ شخصٍ أن يعلم بأن الذي يعمد تعصُّباً إلى تحطيم صُوَر السيد المسيح وأمّه القديسة مريم أو غيرهما من القدّيسين فهو دون أدنى شكٍّ عدوٌّ للسيد المسيح وأمّه وجميع القدّيسين، ومدافعٌ عن إبليس والشياطين»([96]).

كما أنه يقول في ذات السياق: «إن السجود والتكريم الذي يقوم به المسيحيون من الأُرثوذُكس هو نوعٌ من إظهار الخضوع والاحترام والتقدير. هناك نوعٌ من التعظيم والتبجيل الخاصّ بالله فقط، وفي مقابل هذا التعظيم الخاصّ بالله هناك تعظيم يختصّ ـ من أجل الله ـ بخدّام الله والقدّيسين، وكذلك القدّيسة مريم»([97]).

وهو يرى أن تقديس أيقونات وتماثيل المقدّسين داخلٌ ضمن دائرة هذا النوع من التقديس والتعظيم. كما أن يوحنّا يستند ـ في إثبات مفهوم الأيقونات والتماثيل ـ إلى موارد من العهد القديم أيضاً؛ فهو يرى أن سجود وخضوع يوشع بن نون أمام أحد الملائكة([98])، وخضوع وسجود «بني إسرائيل» أمام الخيمة المقدّسة في هيكل أورشليم([99])، داخلٌ ضمن هذه المقولة([100]). وفي هذا الشأن يمكن لنا أن نذكر خضوع وتعظيم النبيّ إبراهيم× لثلاثةٍ من الملائكة الذين حلُّوا ضيوفاً عليه([101]).

يُضاف إلى ذلك أن مضامين الأيقونات والتماثيل قد تسلَّلت ـ مضافاً إلى الثقافة الدينية ـ إلى الثقافة العامّة أيضاً، فتركَتْ تأثيرها عليها، وتأثَّرت بها([102]).

هذا وقد أشار المؤرِّخ الألماني (أرنولد أنجيننت)([103]) إلى تأثير المناجاة على الحاضرين والمشاركين فيها، قائلاً: «إن القوّة الروحية تنتقل بواسطة الحضور الروحاني. وإن الاحتفالات والمراسيم العبادية المسيحية لا يقتصر تأثيرها ـ في ما يتعلَّق بالحضور في الكنيسة ـ على الجانب الروحيّ والمعنويّ فقط، وإنما تترك كذلك تأثيراً فيزيقياً ومادّياً عليهم؛ حيث لها تأثيراتٌ من قبيل: الحفاظ على الفرد من الأمراض، ولا سيَّما المُعْدِية منها، وكذلك تحميه من المجاعة، وتصونه من ويلات الحروب، والكوارث الطبيعية والمفاجئة»([104]).

كما أن المسيحيين بدَوْرهم يُقرّون بأن النظر إلى الأيقونات والتماثيل يساعد في أغلب الموارد والحالات على إحضار وتجسيد المصائب والمِحَن العصيبة التي تعرَّض لها السيد المسيح× في الأيام الأخيرة من حياته. وإن هذا التداعي يعمل بدَوْره على إعداد الأرضيّة لغفران الذنوب والنجاة المقرونة بالعبادة والخضوع أمام أيقونات وتماثيل المقدَّسين([105]). ومن ذلك ـ مثلاً ـ أن الفسيفساء الموجودة في كنيسة القدّيسة (سانتا ماريا) في ماجورا تعمل على شرح وبيان فلاح الروح وخلاصها. وإن الحقيقة التي تعمل هذه النقوش على تصويرها تمثِّل «الكلام الحيّ للكتاب المقدَّس»([106])؛ إذ يذهبون إلى الاعتقاد بأنهم «عندما يقفون أمام التماثيل والأيقونات والنُّصُب، وينظرون إليها، فإن هذا لا يكون لمجرَّد إشباع الفضول، وإنّما هم بذلك يطلبون من المقدَّسين ومن أصحاب هذه التماثيل المقدّسة الحضور في المجلس، ويلتمسون منهم الهبات والعطايا. إن المؤمنين بالكنيسة الأُرثوذُكسية يعتقدون بأن النور (الهالة المقدّسة) المنبعث من التماثيل والأيقونات([107]) لا يرتبط بدَوْره بالعصر والزمان الحاضر، وأنه لا يَرِدُ عليهم بواسطة العوامل والأسباب الخارجية، وإنما هو نورٌ أبديّ وأزليّ يشعّ من التماثيل والأيقونات ووجوه المقدّسين»([108]).

هناك في المراسم الدينية للكنيسة نرى بعض المشاهد المؤثِّرة للغاية، من قبيل: صُوَر الأطفال الصغار، ومنهم: الرضَّع الذين لم يتعلَّموا المشيَ بَعْدُ، ومع ذلك تراهم يَحْبُون على ركبهم باتّجاه تلك الأيقونات والتماثيل المقدَّسة، ويقبِّلونها. إن المعرفة التوحيدية والفطرية لهؤلاء الصغار جديرةٌ بالثناء والتبجيل؛ إذ يبدو بحَسَب الظاهر أنهم قد تعلَّموا الإيمان وأقرّوا به، في حين أنهم لا يزالون حتّى غير قادرين على النطق. وفي مراسم العقد والزواج يقوم الضيوف في الغالب بإهداء العريسين عدداً من تماثيل وأيقونات السيد المسيح عيسى والسيدة مريم العذراء. وعلى هذا الأساس فإنهم يرَوْن أن بداية الحياة الزوجيّة وتكوين الأسرة السليمة إنما يكون ببركة وفضل حضور أيقونات وتماثيل المقدّسين في بناء الأسرة([109]).

ببركة هذا النظام الاعتقاديّ انتشرَتْ ظاهرة الأيقونات والتماثيل، مقرونةً بالإيمان الأُرثوذُكسي، في كافّة أنحاء البلقان وروسيا. واستمرّت هذه الظاهرة بالانتشار والرواج في تلك الأصقاع، حتّى بعد سقوط الإمبراطورية البيزنطية. إن ظهور فنّانٍ شامخ، مثل: (أندريه روبليوف)([110]) ـ الذي عُدَّ بحقٍّ أكبر نحّات للأيقونات والتماثيل في روسيا ـ يؤكِّد بدَوْره على حقيقة أن دوافع الإبداع في فنّ النَّحْت البيزنطي قد تسلَّلت من مسقط رأسها الأصلي، واتّجهَتْ إلى الحدود الشمالية من العالم الأُرثوذُكسي([111]).

النتيجة

بالالتفات إلى الجذور التاريخية لهذين المفهومين (الفنّيين / الروحيين) يتّضح أنه كان هناك ولا يزال بينهما تأثيرٌ وتأثُّرٌ. يرى بعض المؤرِّخين أن الصُّوَر التي كانت شائعةً بين السريان من اليعاقبة تمثِّل حلقةَ وصلٍ بين التراث البيزنطي التقليدي والفنّ المسيحي والتصويري في الشرق الإسلاميّ؛ لأن الرسّامين السريانيين من اليعاقبة، الذين كانوا يُعَدّون من المسيحيّين الشرقيين، كانوا هم الفنّانين الأوائل الذين أقبلوا على الفاتحين المسلمين، ووضعوا فنّهم تحت تصرُّفهم. وكان الدافع الذي دفعهم إلى ذلك هو امتعاضهم من الحكّام الأجانب في القسطنطينية، واستياؤهم من البِدَع التي كانت شائعةً في الكنيسة الحكومية، إلى الحدّ الذي قيل معه: إن الحكّام المسلمين كانوا على الدوام يوفِّرون الدَّعْم والحماية للفنّانين المحترفين من أتباع الكنيسة الشرقية([112]). وقد ورد الكلام عن حجم الاهتمام الكبير بالفنّ البيزنطي في كتاب البلدان، للفقيه الهمذاني([113])، حيث قال: «إن سكّان الإمبراطورية الرومية الشرقية (البيزنطية) كانوا من أمهر الرسّامين في العالم»([114]).

وعليه ليس هناك من شكٍّ ـ في المُجْمَل ـ في وجود تبادلٍ ثقافي بين فنّ التصوير الإسلامي وأسلوب المسيحيّين الشرقيين. بَيْدَ أن تأثير الفنّ المسيحي الذي نشاهده في الفنّ الإسلامي لا يعني أن الفنّ الإسلامي كان برمّته مَدِيناً للفنّ المسيحي، بل كان لكلا الجانبين تأثيرٌ وتأثُّرٌ بالآخر، بل لقد أدّى كلٌّ منهما إلى توفير الأرضيّات لتطوير وازدهار الآخر.

وبالإضافة إلى البحث التاريخي، فإن الاختلاف بين الشيعة والمسيحيين الأُرثوذُكس في توظيف ومكانة الأيقونات والتماثيل يعود إلى اختلافهما في المباني النظرية في هذا الشأن؛ إذ يذهب المسيحيون الأُرثوذُكس إلى القول بأن التماثيل والأيقونات تمثِّل جزءاً لا يتجزّأ من اللاهوت، وإن هذه الأمور تمثِّل انعكاساً وتجلِّياً واضحاً وصريحاً للعبارات والقصص والروايات الواردة في الكتاب المقدّس. ويقول سبنسكي في هذا الشأن: إن التصوير في العالم المسيحي يشتمل على بيانٍ منظّم وأزليّ. ومن دون وجود التصوير تكون المسيحية مفتقرةً إلى إحدى ركائزها. وفي المقابل يمثِّل التصوير الإسلامي مجرّد تجلّيات للقِيَم والمفاهيم الدينية. وطبقاً للشواهد فإن المسلمين على طول التاريخ لم يعملوا على توظيف الرسم كأداةٍ لنشر وتبليغ عقائد الدِّين الإسلامي، ولا ينظرون إلى الرسوم والأيقونات والتماثيل المقدّسة بوصفها من ركائز ودعامات الدِّين، كما يراها الرسّامون المسيحيّون.

ومن ناحيةٍ أخرى فإن الكنيسة المسيحية كانت على الدوام، ومنذ البداية، تدعم الفنّانين؛ في حين أن فنّ الرسم في إيران كان حبيس دائرةٍ ضيّقة، ولم ينتشر كما كان الأمر بالنسبة إلى الرسوم في المدارس الغربية. وإن أغلب الناس العاديين لم يستفيدوا منه بما يكفي، وإنما كان قوامه ودوامه على الدوام رهناً بدعم الملوك والأمراء([115]).

كما أن الأيقونات والتماثيل لم تكن أبداً هي الغاية والقصد، وإنما هي على الدوام وسيلةٌ لتحصيل المعرفة والعلم بالمعبود. ومن هنا كان يتمّ التأكيد ـ في كلمات يوحنّا الدمشقي وسائر المدافعين عن التصوير ـ على هذا الأمر الهامّ، وهو أن الأيقونات والتماثيل هي مجرّد وسائط في الفَيْض، ويجب أن لا يتمّ الخلط بينها وبين الغاية والهَدَف. وعلى روايةٍ فإن الأيقونات والتماثيل والرسوم نافذةٌ بين الأرض والسماء، وهي نافذةٌ مفتوحة على جهتين؛ إذ إن الأيقونات إذا انتهَتْ إلى ذاتها آل الأمر إلى الوثنيّة.

الهوامش

(*) أستاذةٌ مساعِدةٌ في جامعة الزهراء÷ ـ إيران.

(**) باحثةٌ حائزةٌ على شهادة الماجستير في الأديان والعرفان المقارن من جامعة الزهراء÷ ـ إيران.

([1]) انظر: محمد نقي زاده، مباني هنر ديني در فرهنگ إسلامي (أسس الفنّ الديني في الثقافة الإسلامية) 1: 55، فرهنگ إسلامي، طهران، 1384هـ.ش؛ آپوستولوس کاپادونا، «هنر ديني، دين وهنر» (الفنّ الديني، الدين والفنّ)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: فرهاد ساساني، مجلة بيناب، العدد 7: 109 ـ 100، 1383هـ.ش.

([2]) See: Prokurat, Michael, 1996, Historical Dictionary of The Orthodox Church, USA, Scarecrow Press, Inc. p. 165.

([3]) انظر: ماري بت فيشر، دائرة المعارف أديان زنده جهان (موسوعة الأديان الحيّة في العالم): 473، ترجمته إلى اللغة الفارسية: مرضية سليماني، نشر علم، طهران، 1389هـ.ش.

([4]) See: Carter Lindberg, 2006, Abrief history of Christianity, USA, Blackwell Publishing. P. 154.

([5]) انظر: مرتضى أفشاري وآخرون، «بررسي روَند نمادگرائي شمايل ها در نگارگري إسلامي أز منظر نشانه شناسي» (بحث تمثيل الشخوص في الفنّ التصويري الإسلامي من زاوية علم العلامات)، مجلة هنر إسلامي، العدد 13: 38، طهران، 1389هـ.ش.

([6]) انظر: تيتوس بوركهارت، هنر إسلامي زبان وبيان (الفنّ الإسلامي، اللغة والبيان): 44، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مسعود رجب نيا، نشر سروش، طهران، 1365هـ.ش.

([7]) انظر: حسن بلخاري قهي، فلسفه هنر إسلامي (فلسفة الفنّ الإسلامي)، «مجموعه مقالات هنر إسلامي» (سلسلة مقالات الفنّ الإسلامي): 71، نشر علمي وفرهنگي، طهران، 1390هـ.ش. (مصدر فارسي).

([8]) أو فنّ «المنمنمات» بعبارةٍ أخرى. (المعرِّب).

([9]) انظر: مرتضى خلج أمير حسيني، رموز نهفته در هنر نگارگري (الأسرار الكامنة في فنّ التصوير): 2 ـ 25، مقدّمة: محمود فرشچيان، نشر كتاب آبان، طهران، 1387هـ.ش. (مصدر فارسي).

([10]) انظر: السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 6: 118، 1366هـ.ش.

([11]) انظر: محمد حسن زكي، هنر إيران (فنّ إيران): 72، ترجمه إلى اللغة الفارسية: إبراهيم إقليدي، نشر صداي معاصر، طهران، 1377هـ.ش.

([12]) صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، موسوعة الحديث الشريف الكتب الستّة: 504 ـ 505، دار السلام، ط3، المملكة العربية  السعودية، 1421هـ.

([13]) ثروت عكاشة، نگارگري إسلامي (التصوير الإسلامي): 7، ترجمه إلى اللغة الفارسية: غلام رضا تهامي، سازمان تبليغات إسلامي، القسم الفنّي، طهران، 1380هـ؛ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 4: 8، تصحيح: إبراهيم الميانجي، دار الكتب الإسلامية، قم، 1350هـ؛ صالح آل الشيخ، موسوعة الحديث الشريف الكتب الستّة، ح3858، و5359، و5360.

([14]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 3: 393؛ 6: 26، تصحيح: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1388هـ؛ محمد باقر المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار الرسول 11: 438؛ 22: 441، تحقيق: السيد هاشم رسولي، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1363؛ 1403هـ؛ مرتضى الأنصاري، المكاسب المحرّمة: 23، الطبعة الحجرية، تبريز، 1375هـ.

([15]) انظر: ثروت عكاشة، نگارگري إسلامي (التصوير الإسلامي): 7؛ محمد حسن زكي، هنر إيران (فن إيران).

([16]) انظر: ثروت عكاشة، نگارگري إسلامي (التصوير الإسلامي): 6؛ صالح آل الشيخ، موسوعة الحديث الشريف الكتب الستة: 504، ح5960، و5975.

([17]) انظر: حسين النوري، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل 3: 453، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1319هـ؛ صالح آل الشيخ، موسوعة الحديث الشريف الكتب الستة، ح5356، و2429.

([18]) انظر: ثروت عكاشة، نگارگري إسلامي (التصوير الإسلامي): 6.

([19]) صالح آل الشيخ، موسوعة الحديث الشريف الكتب الستة، ح5959.

([20]) See: Cook, John, 2005, “Iconography: Christian Iconography”, Encyclopedia of Religion, Editor in chife: Lindssay Jones, Second Edition, V.7, USA, Thomson Gale. P. 438.

([21]) انظر: تيتوس بوركهارت، هنر إسلامي زبان وبيان (الفنّ الإسلامي، اللغة والبيان): 43.

([22]) انظر: ثروت عكاشة، نگارگري إسلامي (التصوير الإسلامي): 109.

([23]) محمد رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده 2: 500، مطبعة المنار، مصر، 1344هـ.

([24]) روح الله الخميني، المكاسب المحرّمة 1: 169، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، قم، 1381هـ.ش.

([25]) انظر: أنور الرفاعي، هنر در سرزمين هاي إسلام (الفنّ في البلدان الإسلامية): 20، ترجمه إلى اللغة الفارسية: عبد الرحيم قنوات، نشر: جهاد دانشگاهي، مشهد، 1377هـ.

([26]) انظر: أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي، أخبار مكّة وما جاء فيها من الآثار 1: 104، 106 ـ 107، المطبعة الماجدية، مكة المكرّمة، 1352هـ؛ محمد بن محمد الواقدي، المغازي 2: 638، مركز نشر دانشگاهي، طهران، 1369هـ؛ علي بن حسين المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر 5: 627، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أبو القاسم پاينده، نشر علمي وفرهنگي، طهران، 1374هـ.

([27]) انظر: ثروت عكاشة، نگارگري إسلامي (التصوير الإسلامي): 62.

([28]) انظر: المصدر السابق: 20.

([29]) انظر: جي فروري، تاريخ إسلام كمبرج 2: 1838، ترجمه إلى اللغة الفارسية: تيمور قادري، شركت چاپ ونشر بين الملل، طهران، 1383هـ.ش.

([30]) انظر: روئين پاكباز، دائرة المعارف هنر (موسوعة الفنّ): 584، فرهنگ معاصر، طهران، 1378هـ.ش.

([31]) انظر: المصدر السابق: 584.

([32]) انظر: المصدر نفسه.

([33]) قصر عمرة أو قصير عمرة: قصرٌ صحراوي أموي، يقع في شمال الصحراء الأردنية، في منطقة الأزرق، في محافظة الزرقاء، على مسافة 85 كيلومتراً إلى الشرق من عمان. بناؤه صغير نسبيّاً؛ لذلك يُسمّيه البعض بالقصير. وهو مُدْرَجٌ على لائحة مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو منذ عام 1985م.

([34]) قصر الحير الغربي: قصرٌ أثريّ، يقع إلى الجنوب الغربي من مدينة تدمر، على مسافة تقدّر بستّين كيلومتراً. يعود بناؤه إلى سنة 109هـ، في عهد هشام بن عبد الملك.

([35]) انظر: محمد حسن زكي، چين وهنرهاي إسلامي (الصين والفنون الإسلامية): 86، ترجمه إلى اللغة الفارسية: غلام رضا تهامي، فرهنگستان هنر، طهران، 1384هـ.ش.

([36]) انظر: المصدر نفسه.

([37]) انظر: محمد حسن زكي، هنر إيران (الفن الإيراني): 75 ـ 78.

([38]) انظر: علي بلوك باشي، تعزيه خواني، حديث قدسي مصائب، در نمايش آييني (المراثي، الحديث القدسي للمصائب، في المسرح الديني): 17، أمير كبير، طهران، 1383هـ.ش. (مصدر فارسي).

([39]) انظر: محبوبة إلهي، تجلّي عاشورا در هنر إيران (تجلّي عاشوراء في الفنّ الإيراني): 104، آستان قدس رضوي، مشهد، 1377هـ.ش. (مصدر فارسي).

([40]) انظر: مهناز شايسته فر، بررسي موضوعي نسخه خطي أحسن الكبار، شتهكار نگارگري مذهبي دوره صفويه (دراسةٌ موضوعية للنسخة الخطّية لأحسن الكبار، مبدع التصوير الديني في العصر الصفوي)، كتاب ماه هنر، العدد 138: 14 ـ 27، 1388هـ.ش. (مصدر فارسي).

([41]) انظر: محبوبة إلهي، تجلّي عاشورا در هنر إيران (تجلي عاشوراء في الفنّ الإيراني): 104.

([42]) انظر: حسين الواعظ الكاشفي، روضة الشهداء، تصحيح: أبو الحسن الشعراني، انتشارات إسلامية، طهران، 1388هـ.ش؛ محمد رضا الطبسي النجفي، ، مقتل الإمام الحسين×، نشر محبين، قم، 1382هـ.ش؛ عبد الرزّاق المقرّم، تاريخ عاشوراء أو مقتل الحسين×، تصحيح: إبراهيم الميانجي، دار الكتب الإسلامية، قم، 1388هـ.ش.

([43]) انظر: روئين پاكباز، دائرة المعارف هنر (موسوعة الفنّ): 585 ـ 587.

([44]) انظر: المصدر السابق: 586 ـ 587.

([45]) انظر: مرتضى أفشاري وآخرون، بررسي روَند نمادگرائي شمايل ها در نگارگري إسلامي أز منظر نشانه شناسي (بحث تمثيل الشخوص في الفنّ التصويري الإسلامي من زاوية علم العلامات)، مجلّة هنر إسلامي (الفنّ الإسلامي)، العدد 13، طهران، 1389هـ.ش.

([46]) لا يخفى أن لوحة العشاء الأخير، من إبداع الفنّان الإيطالي ليوناردو دا فينتشي، لا ربط لها بالتراث الشيعي كما يلوح من النصّ المتقدِّم. (المعرِّب).

([47]) انظر: أمير نصري، حكمت شمايل هاي مسيحي (حكمة الرسوم المسيحية): 42، چشمه، طهران، 1387هـ.ش.

([48]) انظر: محمد كاظم شاكر وفاطمة سادات موسوي حرمي، خداگونه بودن إنسان، روايتي إسرائيلي يا آموزه هاي مشترك (أنسنة الإله، رواية إسرائيلية أو تعاليم مشتركة)، حديث پژوهش، العدد 6: 159 ـ 184، 1390هـ.ش؛ سيد نادر محمد زاده، شهود خداگونگي در عرفان مسيحيت شرقي» (الشهود المتألِّه في عرفان المسيحية الشرقية)، پژوهش نامه أديان، العدد 15: 67 ـ 90، 1388هـ.ش.

([49]) انظر: نوريس كلارك، ما بعد الطبيعه هنر ديني، تعمّقي در باب متني أز سن توماس آكويناس (ما بعد طبيعة الفنّ الديني، تأمّل في باب نص لتوما الأكويني): 120، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أميد نيك فرجام، نشرة الفارابي، الدورة السادسة عشرة، العدد الأول، 1385هـ.ش.

([50]) انظر: مرتضى أفشاري وآخرون، بررسي روَند نمادگرائي شمايل ها در نگارگري إسلامي أز منظر نشانه شناسي (بحث تمثيل الذوات المقدّسة في الفنّ التصويري الإسلامي من زاوية علم العلامات)، مجلة هنر إسلامي (الفنّ الإسلامي)، العدد 13: 39.

([51]) انظر: أمير نصري، حكمت شمايل هاي مسيحي (حكمة الرسوم المسيحية)، 1387هـ.ش.

([52]) انظر: مرتضى أنصاري وآخرون، مضامين مذهبي در نقاشي هاي عاميانه تكايا در مازندران (المضامين الدينية في الرسوم العامية للتكايا في مازندران)، مجلة مطالعات هنر إسلامي، العدد 15: 73 ـ 90، 1390هـ.ش.

([53]) See: FortounttO Mariamna and B. Cunnincham Mary, 2009, “Theology of The Icon” The Cambridge Campanion To Orthodox Christian Theology, New York, Cambridge University Press. P. 136.

([54]) See: Salamone,A.Frank, 2004, Encyclopedia of Religious Rites, Rituals, and Festivals, New York, Routledge. P. 305.

أمير نصري، حكمت شمايل هاي مسيحي (حكمة الرسوم المسيحية): 37.

([55]) See: Mcfarland Iana, 2011, The Cambridge Dictionary of Christian Theology, New York, Cambridge. P. 232.

([56]) تمبرا أو تيمبيرا أو تيمبرا البيض: طريقة تلوين سريعة الجفاف، تتكون من صبغة ملوّنة مخلوطة بمادة صمغية لاصقة، ذات وسط مائيّ. وفي الأغلب يُستخدم فيها صفار البيض. وقد شاع فنّ التمبيرا منذ القرن الأول الميلادي، ولا يزال مستمراً إلى اليوم. ويبدو أن استعماله يعود إلى العصور الفرعونية.

([57]) See: FortounttO Mariamna and B. Cunnincham Mary, 2009, “Theology of The Icon” The Cambridge Campanion To Orthodox Christian Theology, New York, Cambridge University Press. P. 136.

([58]) See: Cook, John, 2005, “Iconography: Christian Iconography”, Encyclopedia of Religion, Editor in chife: Lindssay Jones, Second Edition, V.7, USA, Thomson Gale. P. 4325.

([59]) See: Melton, Gordon, 2011, Religious Celebrations, V.1, USA, ABC CLIO. P.419.

([60]) See: Cook, John, 2005, “Iconography: Christian Iconography”, Encyclopedia of Religion, Editor in chife: Lindssay Jones, Second Edition, V.7, USA, Thomson Gale. P. 4388.

([61]) انظر: ليلى هوشنگي، تاريخ واعتقادات نسطوريان: 46 ـ 47، نشر حكمت، طهران، 1388هـ.ش. (مصدر فارسي).

([62]) انظر: أمير نصري، حكمت شمايل هاي مسيحي (حكمة الرسوم المسيحية): 37.

([63]) See: Salamone,A.Frank, 2004, Encyclopedia of Religious Rites, Rituals, and Festivals, New York, Routledge. P. 305.

([64]) See: McGuckin, John Anthony 2011, The Encyclopedia Of Eastern Orthodox Christianity, V.1, USA: Blackwell, Icons. P. 326.

([65]) See: Asselt, Willem Van 2007, Iconoclasm and Iconoclash: Struggle for Religious Identity, V.14, USA: Brill. P. 299.

([66]) انظر: جان آر. هينلز، فرهنگ أديان جهان (موسوعة أديان العالم): 416 ـ 417، ترجمه إلى اللغة الفارسية: ع. باشائي، مركز أديان ومذاهب، طهران، 1385هـ.ش.

([67]) Mcfarland Iana, 2011, The Cambridge Dictionary of Christian Theology, New York, Cambridge. P. 233.

([68]) انظر: ويل ديورانت، تاريخ تمدُّن (قصّة الحضارة) 7: 569 ـ 570، ترجمه إلى اللغة الفارسية: إسماعيل دولتشاهي، علمي فرهنگي، طهران، 1386هـ.ش.

([69]) See: W. Cook, John, 2005, “Iconography: Christian Iconography”, Encyclopedia of Religion, Editor in chife: Lindssay Jones, Second Edition, V.7, USA, Thomson Gale. P. 4386.

([70]) See: Mcfarland Iana, 2011, The Cambridge Dictionary of Christian Theology, New York, Cambridge. P. 233.

([71]) انظر: ويل ديورانت، تاريخ تمدّن (قصة الحضارة) 6: 980 ـ 1010.

([72]) انظر: ليونيد أوسبنسكي وفلاديمير لوسكي، معناي شمايل ها (معنى الأيقونات والتماثيل) : 41، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مجيد داودي، نشر سوره مهر، ط3، طهران، 1388هـ.ش.

([73]) See: McGuckin, John Anthony 2011, The Encyclopedia Of Eastern Orthodox Christianity, V.1, USA: Blackwell, Icons. P. 325.

([74]) See: W. Cook, John, 2005, “Iconography: Christian Iconography”, Encyclopedia of Religion, Editor in chife: Lindssay Jones, Second Edition, V.7, USA, Thomson Gale. P. 4344.

([75]) See: Prokurat, Michael, 1996, Historical Dictionary of The Orthodox Church, USA, Scarecrow Press, Inc. p. 165.

([76]) انظر: مري جو ويور، درآمدي بر مسيحيت (مدخل إلى المسيحية): 142، ترجمه إلى الفارسية: حسن قنبري، مركز مطالعات أديان ومذاهب، قم، 1381هـ.ش.

([77]) See: W. Cook, John, 2005, “Iconography: Christian Iconography”, Encyclopedia of Religion, Editor in chife: Lindssay Jones, Second Edition, V.7, USA, Thomson Gale. P. 4353.

([78]) See: Prokurat, Michael, 1996, Historical Dictionary of The Orthodox Church, USA, Scarecrow Press, Inc. p. 163.

([79]) See: McGuckin, John Anthony 2011, The Encyclopedia Of Eastern Orthodox Christianity, V.1, USA: Blackwell, Icons. P. 332.

([80]) انظر: المصدر السابق: 357، 2008م.

([81]) انظر: غونتر رومبلد، «چالش مقدّس» (التحدّي المقدّس)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمد فرماني، مجلة هنر، العدد 28: 281 ـ 196، 1374هـ.ش.

([82]) See: W. Cook, John, 2005, “Iconography: Christian Iconography”, Encyclopedia of Religion, Editor in chife: Lindssay Jones, Second Edition, V.7, USA, Thomson Gale. P. 4385.

([83]) See: Prokurat, Michael, 1996, Historical Dictionary of The Orthodox Church, USA, Scarecrow Press, Inc. p. 165.

([84]) Jastin Martyr, 2005, “Images: Images: images, icns, and idols”, Encyclopedia of Religion, Second Edition, V.7, USA, Thomson Gale. P. 4389.

([85]) See: Asselt, Willem Van 2007, Iconoclasm and Iconoclash: Struggle for Religious Identity, V.14, USA: Brill. P. 75.

([86]) انظر: آبوستولوس كابادونا، «هنر ديني، دين وهنر» (الفنّ الديني، الدين والفنّ)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: فرهاد ساساني، مجلة بيناب، العدد 7، 1383هـ.ش.

([87]) See: Parry, Ken, 2007, The Blackwell Companion to Eastern Christianity, USA, Blackwell. W. Cook, John, 2005, “Iconography: Christian Iconography”, Encyclopedia of Religion, Editor in chife: Lindssay Jones, Second Edition, V.7, USA, Thomson Gale. P. 89.

([88]) See: Giakalis , Ambrosios, 2005, Images Of The Divine: The Theology of Icons at The Seventh Ecumenical Council, Boston, Brill. P. 120 ـ 121.

([89]) انظر: أمير نصري، حكمت شمايل هاي مسيحي (حكمة الرسوم المسيحية): 42.

([90]) انظر: هايدن ماينر ورنن، تاريخ هنر: سيري در تاريخ تكوين نظريه هنر (تاريخ الفنّ: مراحل تاريخ تكوين نظريّة الفنّ): 106، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مسعود قاسميان، فرهنگستان هنر، طهران، 1387هـ.ش.

([91]) See: J.A.jungmann/ k. Stasiak/ EDS, 2003, “Baptism, Sacrament Of” New Catholic Encyclopedia, Second Edition, V.2,Thomson. P. 64.

([92]) See: J. M. Hussey, 1986, The Orthodox Church in the Byzantine Empire, (Oxford history of the Christian Church), New York, Oxford University Press. P. 31.

([93]) See: Angold Michael, 2006, The cambridge History of Eastern Christianity, Eastern Christianity, volume 5, New York, Cambridge University. V.5. P. 286.

([94]) انظر: أمير نصري، حكمت شمايل هاي مسيحي (حكمة الرسوم المسيحية): 39 ـ 43.

([95]) انظر: المصدر السابق: 39 ـ 43.

([96]) انظر: يوحنّا الدمشقي، الدفاع عن الأيقونات المقدّسة: 40، المكتبة الإلهية الإنجيلية، لبنان، 1997م.

([97]) انظر: المصدر السابق: 40.

([98]) انظر: يوشع 5: 13.

([99]) انظر: سفر الخروج 33: 7 ـ 10.

([100]) انظر: يوحنّا الدمشقي، الدفاع عن الأيقونات المقدّسة: 30.

([101]) انظر: سفر الوجود: 18.

([102]) انظر: أمير نصري، حكمت شمايل هاي مسيحي (حكمة الرسوم المسيحية): 39 ـ 43.

([103]) Arnold Angenent.

([104]) See: Asselt, Willem Van 2007, Iconoclasm and Iconoclash: Struggle for Religious Identity, V.14, USA: Brill. P. 75.

([105]) See: McGuckin, John Anthony, 2008, The Orthodox Church, USA, Blackwell. P.359.

([106]) انظر: إيرج إسكندري، «بررسي و تحليل نقاشي ديواري أز ما قبل تاريخ تا عصر حاضر» (دراسة وتحليل الرسوم الجدارية منذ ما قبل التاريخ إلى العصر الراهن)، هنرهاي تجسُّمي، العدد 5: 198 ـ 213،  1378هـ.ش. (مصدر فارسي).

([107]) See: Carter Lindberg, 2006, Abrief history of Christianity, USA, Blackwell Publishing. P. 152.

([108]) See: FortounttO Mariamna and B. Cunnincham Mary, 2009, “Theology of The Icon” The Cambridge Campanion To Orthodox Christian Theology, New York, Cambridge University Press. P. 142 – 147.

([109]) See: McGuckin, John Anthony, 2008, The Orthodox Church, USA, Blackwell. P.357 – 360.

([110]) أندريه روبليوف (1350 ـ 1428م): رسّامٌ روسي اشتهر برسم الأيقونات. (المعرِّب).

([111]) انظر: علي رضا نوروزي طلب، «بنيان هايي براي شناخت وتفسير هنر بيزانس (أصول ومباني)» (أسس لمعرفة وتفسير الفنّ البيزنطي «الأسس والمباني»)، مجلة باغ نظر، العدد 4: 72 ـ 83، طهران، 1384هـ.ش. (مصدر فارسي).

([112]) انظر: ثروت عكاشة، نگارگري إسلامي (التصوير الإسلامي): 54، ترجمه إلى اللغة الفارسية: غلام رضا تهامي، 1380هـ.ش.

([113]) أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم ابن الفقيه(340هـ / 951م): مؤرّخٌ وجغرافي ومستكشف وكاتب، اشتهر بكتاب «مختصر كتاب البلدان»، وله أيضاً كتاب «ذكر الشعراء المُحْدَثين والبلغاء منهم والمفحمين». (المعرِّب).

([114]) انظر: ابن الفقيه، البلدان: 183، عالم الكتب، بيروت، 1416هـ.

([115]) انظر: محمد حسن زكي، هنر إيران (الفنّ الإيراني): 72.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً