أحدث المقالات

تمهيد

الكر كيلٌ معروفٌ([1]) يكثر ذكره في باب الطهارة لوروده مقداراً لما لا ينجّسه شيء. وقد لا يبدو البحث حول هذه المسألة في هذه الأيّام بحثاً مشجّعاً وشيّقاً؛ وذلك لأسباب عديدة، أبسطها اتجاه الحاجة إليه نحو الندرة في ظل توفّر المياه غالباً بكميّات كبيرة. وقد لا يشفع لنا في بحث بعض جوانبه سوى الرغبة في توظيف جملة من العلوم العصريّة في بعض البحوث الفقهيّة التي احتاج فيها الفقهاء في مقام استنباطهم إلى يد عونٍ أجنبيّة عن الفقه، كان للرياضيات شرف المساهمة فيها تارةً، والفيزياء أخرى، والكيمياء ثالثةً، خاصّةً أنّهم متفاوتون في مستوى مخزونهم العلمي المتعلّق بهذه العلوم([2]).

والحقيقة أنّ الإحاطة بكافّة الجوانب التي تعرّض لها الفقهاء ممّا يرتبط ببحث الكر لا يمكن استيفاؤها بمقال صغير، لكثرة ما صدر من (قيلٍ وقال) حول روايات الباب، لذا سوف نعمد في هذا المقال إلى التركيز على جانبٍ واحد وجدنا أنّه لم يحظَ بالتمحيص العلمي، وهو التحقيق في إمكانية التوفيق بين الوزن والمساحة بحسب المذاهب المختلفة في ذلك على تقدير انتهائنا في بحثنا الفقهي إلى التطابق بين ما تشير إليه أخبار الوزن وما تشير إليه أخبار المساحة، وقراءة المحاولات المنجزة بعين الفيزياء ولغة الرياضيات، دون أن نسجّل السجالات الفقهيّة التي حفل بها هذا الباب الفقهي. وقد شكّل التوفيق بين هذه الأخبار مشكلة جادّة في وجه الفقهاء، حتى قال السيد عبد الأعلى السبزواري: <ولو ردّ وجه اختلاف الأخبار في هذه المسألة العامةِ البلوى إلى المعصوم× لكان أولى من هذه الأجوبة>([3]). وقد وقفنا قليلاً عند محاولة السيّد الخوئي الذي ذهب إلى استحالة التوفيق على مذهب المشهور، وإمكانها على مذهبه تبعاً للقميّين، وقد سجّلنا على محاولته جملة من الإشكالات العلميّة، والتي أدّت في نهاية المطاف إلى إثبات استحالة التوفيق على مذهبه.

المعيار في تحديد الكرّ

السائد بين الفقهاء أنّ المراد من الإرجاع إلى الكر تحديده على وجه الدقّة والتحقيق، لا على وجه التسامح والتقريب، وهو ما ذكره ـ مثلاً ـ ابن أبي جمهور الأحسائي، والمقداد السيوري، والشيخ النجفي، وشيخ الشريعة، واليزدي، والسيّد الكوهكمري([4])، وإن بنى بعضهم على التقريب لا على التحقيق([5])، وهو ما عدل إلى استظهاره الشيخ النجفي على ما هو التحقيق عنده([6]). وربّما رجع ذلك إلى بنائهم في علم الأصول على لزوم الرجوع إلى العرف في مقام تحديد المفاهيم، مع بنائهم على أنّ تطبيق المفهوم ـ المحدّد عرفاً ـ على مصاديقه يكون بالنظر الدقّي لا المسامحي([7]). اللهم إلاّ أن يقال بأنّ مفهومه ليس واضحاً للعرف كما ربّما فهم من بعض كلمات الفيض الكاشاني([8]).

ونشير ـ استطراداً ـ إلى تسامح العلماء في إطلاق لفظ (المساحة) ـ المتناسب مع البعدين ـ على الحجم ـ المتناسب مع ثلاثة أبعاد ـ ([9])، وربّما رجع ذلك إلى اكتفاء بعض ألسنة الروايات في تحديد الحجم على ذكر بُعدين اثنين، تقديراً للبعد الثالث ودلالة سياق الكلام عليه كما في بعض أشعار العرب([10]).

 

تحديد الكرّ وزناً

اتّفق الفقهاء على أن مقدار الكرّ بحسب الوزن (1200) رطل عراقي بعد انتهائهم من التوفيق بين الروايات وحملِ بعضها على بعضها الآخر([11]). وقد ورد في الروايات ثلاثة أنواع من الأرطال: الرطل العراقي، الرطل المكي (=الرطل العراقي × 2) والرطل المدني [= (2 × الرطل المكي) ÷ 3 = (4 × الرطل العراقي) ÷ 3] ([12]). ويمكن تحديد الرطل العراقي بعدة طرق:

1 ـ الطريق الأول: الصاع = 9 × الرطل العراقي K الرطل العراقي = صاع ÷ 9 = (614.25) ÷ 9 = (68.25) مثقالاً صيرفياً.

2 ـ الطريق الثاني: الرطل العراقي = 130 درهماً شرعياً ([13]) ؛ و 200 × درهم شرعي = 105 × مثقال صيرفي([14])K الدرهم الشرعي = (105 ÷ 200) × مثقال صيرفي = 0.525 × مثقال صيرفي K 130 × درهم شرعي = 130 × 0.525 = (68.25) مثقالاً صيرفياً. K الرطل العراقي = (68.25) مثقالاً صيرفياً. ومن هنا نشأت الحاجة إلى تحديد <المثقال الصيرفي>. وقد وقعت له على ثلاثة تحديدات بينها شيء من التفاوت:

1 ـ ما أورده السيد محمد الصدر([15]) من أنه = (4.884) غ. وقد تبنّاه الشيخ <الفيّاض> على ما يظهر حسابيّاً من <منهاجه>([16]). وهذا الوجه لا يتمّ إلا إذا بنينا على أنّ القيراط = (0.2035) غ لا (0.2) غ كما بنى صاحب <الأوزان و المقادير>.

2 ـ ما أورده صاحب <الأوزان و المقادير>([17]) من أنه = (4.80) غ، وتبنّاه السيّد ترحيني([18])، والسيد الكلبايكاني على ما يبدو حسابيّاً من <هدايته>([19]). وقد نقله عن صاحب <الأوزان والمقادير> السيدُ الصدر([20]). وحسابه على هذا النحو يكون بوجهين:

أ ـ إنّ المثقال الصيرفي = (4÷3) × مثقال شرعي، والمثقال الشرعي = 18 × قيراط K المثقال الصيرفي = (18 × 4) ÷ 3 = 24 × قيراط، و القيراط = 20 جزءاً من المئة = 20 ÷ 100 (0.2غ). وعليه يساوي المثقال الصيرفي (24 × 0.2) = (4.8) غ.

ب ـ إنّ المثقال الصيرفي = 1.5 × درهم شرعي، والدرهم الشرعي = 3 + 20 جزءاً من مئة = (3.2) غ، K المثقال الصيرفي = 1.5 × 3.2 =(4.8) غ.

3 ـ ما بنى عليه السيد الخوئي من أنه = (4.6) غراماً. و قد أشار إليه أيضاً الشيخ سند، وهو الظاهر حسابيّاً من السيّد الإمام الخميني، والسيد محمد باقر الصدر([21]). ويمكن استخراج هذا البناء من غير موضع:

أ ـ ما ذكره السيّد الخوئي([22]) من أنّ الكرّ (377) كلغ تقريباً، ووافق عليه الصدر في تعليقته على المنهاج([23])، وأنقصها (1) كلغ في <الفتاوى الواضحة>([24]). ولو أردنا استخراج مقدار المثقال من هذا الموضع لقرب من (4.6) إلى حدّ بعيد، لكنّنا سنعرض عن ذلك، لأنّنا إنّما نريد الانطلاق من <المثقال> إلى <الكرّ> لا العكس.

ب ـ ماذكره السيد الخوئي في <صراط النجاة>([25]) من أنّ المثقال الصيرفي = 4 + (6/10) = 4.6 غراماً أو (46 ÷ 10) غ.

ج ـ ما ذكره الخوئي في <كتاب الزكاة> من أن النصاب يساوي <ثمان وزنات وخمس حقق ونصف إلا ثمانية وخمسين مثقالاً وثلث مثقال.. وبوزن الكيلو يكون النصاب ثمانمائة وسبعة وأربعين كيلواً تقريباً>([26]). وبعد حساب هذه الأمور بحسب المثقال الصيرفي، ستجد أن النصاب = (184275) مثقالاً صيرفياً. K (184275) × مثقال = (847000) غراماً K المثقال الصيرفي = (4.596) = (4.6) غ.

د ـ ما ذكره السيد الخوئي أيضاً في باب <زكاة الفطرة> من أنّ <المقدار الواجب صاع وهو (614.25) مثقالاً صيرفياً.. ومقدار الصاع بحسب الكيلو ثلاث كيلوات تقريباً>([27]): K (3000) غراماً = (614.25) مثقالاً K المثقال الصيرفي = 3000 ÷ 614.25 = (4.884) غراماً. وهنا إمّا أن نقول بأنّ الخوئي إنّما بنى على ما بنى عليه السيّد محمد الصدر من كونه (4.884) غ، وإمّا أن نقول ببنائه على ما سبق (4.6غ)، فيكون الصاع: 614.25 × 4.6 = (2825.55) غ = <2.825> كلغ، ويكون قد أضاف إلى المقدار الواجب: 3000 ـ 2825.55 = (174.45) غ. ومن هنا عبّر بــ <تقريباً>.

وعليه أمكننا القول بأن الرطل العراقي:

1 ـ 68.25 × 4.884 = (333.333) غ على مبنى السيد محمد الصدر.

2 ـ 68.25 × 4.8 = (327.6) غ على مبنى صاحب الأوزان والمقادير.

3 ـ 68.25 × 4.6 = (313.95) غ على مبنى السيد الخوئي.

ثمّ نخلص إلى حساب الكر:

1 ـ 1200 × 333.333 = (399.999) كلغ على مبنى السيد محمد الصدر، وهو ما صرّح به في (المنهج)([28]) واستدل عليه في (ما وراء الفقه)([29]).

2 ـ 1200 × 327.6 = (393.120) كلغ على مبنى صاحب الأوزان والمقادير.

3 ـ 1200 × 313.95 = (376.740) كلغ على مبنى السيد الخوئي. وهو صريح عبارته في (المنهاج)([30]). ولعلّ الكسور الزائدة عن الـ(376) كلغ هي الداعي إلى تبنّي السيّد الصدر تارة للرقم (377) كما في تعليقته على (المنهاج) وأخرى للرقم (376) كما في (الفتاوى الواضحة). لكن لو صحّ هذا التعليل لكان عدوله من (376) إلى (377) أكثر منطقيةً من عدوله من (377) إلى (376)؛ لأنّ (الفتاوى الواضحة) متأخّرة عن التعليقة على (المنهاج) كما هو معلوم، والرقم (376.740) أقرب إلى (377) منه إلى (376).

تحديد الكرّ مساحةً

وأهم الروايات الواردة في ذلك:

الرواية الأولى: هي الرواية الأولى لإسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد الله×: <الماء الذي لا ينجسه شيء؟ قال×: ذراعان عمقه، في ذراع وشبر سعته>([31]). والذراعان = 2 × (2 × شبر) = 4 أشبار([32])، والذراع والشبر = (2 × شبر) + شبر = 3 أشبار. ويمكن حمل هذه الرواية على عدّة أوجه:

أ ـ حملها على المكعّب، فيكون الضلع الثالث = 3، ولم يصرّح به لتساويه مع الضلع الثاني. وحجمه = a × b × cK الكر = 4 (العمق) × 3 (ضلع المربع) × 3 (الضلع الثاني) = 36 شبر3 ([33]).

ب ـ حملها على المدوّر كما عبّر الفقهاء، وقد يكون المراد من المدوّر:

الشكل الكروي: ويساوي حجمه: ××. إلا أن هذا الوجه مستبعد إذ ورد في الحديث ذكر العمق، ولو لم يُذكر إلا بعدٌ واحد لحملناه على (القطر) .. والمدوّر في حساباتنا الآتية هو الأسطواني لا الكروي.

الشكل الأسطواني: ويساوي حجمه: h × S = h ××، وR (نق) = القطر÷2 = شبر. K الكر = 4 × × = 9×، وتختلف النتيجة باختلاف حساب :

أ ـ = = (3.14) (مع الاقتصار على رقمين بعد الفاصلة) وهو الحساب الدقيق K الكر= (9 × 22) ÷ 7 = (28.28) شبر3

ب ـ ( = 3): وهو ما ذهب إليه الفقهاء في حساباتهم([34]) حيث تسامحوا بمقدار (0.14)، وكان معروفاً عندهم قديماً أنّ الأسطوانة المستديرة <لا يعلم تقديرها حقيقةً بل تقريباً>([35])، وكذلك <نسبة القطر إلى المحيط>() حتى قيل: <يا من لا يعلم نسبة القطر إلى المحيط () إلا هو>([36]). K الكر= (9 × 3) = (27) شبر3.

الرواية الثانية: هي الرواية الثانية لإسماعيل بن جابر: قال: قلت لأبي عبد الله×: وما الكر؟ قال: <ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار>([37]). ويمكن حمل هذه الرواية على عدّة أوجه:

أ ـ حملها على المربّع، فيكون الضلع = 3. وحجمه = a × b × cK الكر = = 27 شبراً.

ب ـ حملها على المدوّر الأسطواني ويساوي حجمه: h × S = h ××، وR (نق) = القطر ÷ 2 = شبر. K الكر = 3 × × = ×، وتختلف النتيجة باختلاف حساب :

* = = (3.14) وهو الحساب الدقيق K الكر= (27 × 22) ÷ (4 × 7) = (21.214) شبر3

* = 3، وهو ما جرى عليه الفقهاء في حساباتهم K الكر = (27 × 3) ÷ 4 = (20.25) شبر3.

الرواية الثالثة: وهي رواية أبي بصير، قال سألت أبا عبد الله عن الكر من الماء، كم يكون قدره؟ قال: <إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض>([38]). ويمكن حمل هذه الرواية على عدّة أوجه:

أ ـ حملها على المربّع، فيكون الضلع = (3.5) وحجمه = a × b × cK الكر = (3.5)3 = (42.875) شبر3.

ب ـ حملها على المدوّر الأسطواني ويساوي حجمه: h × S = h ××، وR (نق) = القطر÷2 = شبر. K الكر = (3.5) × × = ××= ×K الكر = (343÷32) × شبر3 وتختلف النتيجة باختلاف حساب ():

* = = (3.14285714) وهو الحساب الدقيق K الكر= × (343 × 22) ÷ (32 × 7) = 7546 ÷ 224 = (33.687) شبر3.

* = 3، وهو ما جرى عليه الفقهاء في حساباتهم K الكر = × (343 × 3) ÷ 32 = (32.156) شبر3.

والمتحصل: 9 أوجه أو قل 8: (1) 36 شبر3 ؛ (2) 9 × = 28.28 شبر3 ؛ (3) 9 × = 27 شبر3 (حملاً على المدوّر) ؛ (4) 27 شبر3 (حملاً على المربّع) ؛ (5) 27/4 × = 21.214 شبر3 ؛ (6) 27/4 × = 20.25 شبر3 ؛ (7) 42.875 شبر3 ؛ (8) 343/32 × = 33.687 شبر3 ؛ (9) 343/32 × = 32.156 شبر3.

أما فقهياً فأبرز المطروح:

1 ـ 42.875 شبر3: 3.5 شبر × 3.5 شبر × 3.5 شبر. هو المعبّر عنه بمذهب المشهور.

2 ـ 27 شبر3: 3 شبر × 3 شبر × 3 شبر. وهو المعبّر عنه بمذهب القميّين. والمذكور هنا هو ما حمل على المدوّر مع تسامحهم في حساب () إذ اعتبروها = (3)، وقد صرّح بالتسامح السيد الخوئي([39]) حيث ذهب مذهب القميين معتمداً على الرواية الأولى، والمتحصل عنده <أن الصحيح في تحديد الكر هو تحديده بسبعة وعشرين شبراً وهو الذي ذهب إليه القميون>([40]).

3 ـ 28.28 شبر3: ونضيف إلى مذاهب الفقهاء في ذلك قولاً جديداً لم يذكروه عادةً وقد ذكره السيد الصدر، وقال: إنه <أقرب إلى واقع النسبة ولكن الفرض الأول ـ 27شبر3 ـ هو الذي كان متعارفاً في العمل الخارجي>([41]) والوجه فيه كما علمت، وهو عدم التسامح في حساب (). ويأتي إن شاء الله تعالى المناقشة في التسامح بمقدار ()، حيث يظهر أنّ الجدير بالقميّين البناء على (28.28) بدل (27).

 

تحديد المقدّم بين الوزن والمساحة

بعد أن كان تقدير الأصحاب للكرّ بالوزن مغايراً لتقديره بالمساحة ([42])، وبعد العجز عن التوفيق بين الوزن والمساحة، وقع الكلام في الضابط والمعيّن، فهل يكون الوزن أم المساحة؟ وقد وقع الخلاف في ذلك، بين ذاهب إلى أن الحد الحقيقي هو الوزن والمساحة علامة عليه، وبين ذاهب إلى عكسه:

1 ـ السيد الحكيم: ذهب إلى أنّ الأظهر حمل التقدير المساحتي المشهوري على العلامة والتقدير الوزني على الحدّ الحقيقي الأصلي([43]).

2 ـ السيد الخوئي: والكر عند هو <الجامع بين الحدين ـ أي الوزن والمساحة ـ فيجزي أسبقهما وجوداً>([44]).

3 ـ السيد الصدر:<إن المناط هو الوزن ولا إشكال في تحقّقه في التقدير المشهور لمساحة الكر القائل بأن الكر ما بلغ (42.875) شبر3، وأما ما دون ذلك فيترتب آثار الكرية إذا أحرز انطباق الوزن عليه>([45]).

4 ـ الشيخ محمد جواد مغنية: وقد رأى أنّ <الأفضل الاعتماد على المساحة أي الأشبار لأمور: (أ) إنّ الرطل مجمل لا يعرف تحديده بالضبط في عهد الإمام×. (ب) إن المياه تختلف في الوزن خفة وثقلاً. (ج) إن الوزن متعذر على أكثر الناس، بخاصة في حال البعد عن العمران، بخلاف المساحة، حيث يمكن تقديرها، ولو بالنظر على سبيل التقريب الذي تركن إليه النفس>([46]).

5 ـ السيد محمّد الصدر: فبعد أن قام بدراسة رياضية لأخبار الوزن والمساحة، تعارضت لديه النتائج، فاحتمل وجوهاً للتوفيق منها الأخذ بما هو أوثق دليلاً. ودليل الوزن أوثق لعدة قرائن: (أ) اتفاق الروايات على كون الكر = (1200) رطلاً مع الاختلاف في المساحة. (ب) الإجماع على هذا الوزن وعدم الإجماع في المساحة([47]).

 

دعاوى التوفيق بين الوزن والمساحة

بسط الفقهاء الكلام في التوفيق بين أخبار الوزن والمساحة، وقامت دعاوى على وقوع التوفيق، لكن الالتزام بالمقدّمات المفترضة من قبلهم لا يساعد عليها كما يأتي إن شاء الله تعالى. وتطبيق الوزن على المساحة <من الأفكار التي اعتاص تطبيقها على الكثيرين..(و) قلّ منهم من يطبّق دليل الوزن على دليل المساحة أو لا يوجد أحد منهم على الإطلاق>([48]). وما نقوم به هنا هو دراسة إمكانية التوفيق بين أخبار الوزن والمساحة على ضوء الأسس الفيزيائية والرياضية، وبقطع النظر عن أيّ جانب فقهي، ونذكر أولاً بعض التجارب:

1 ـ تجربة السيّد الداماد: نقل المولى أحمد النراقي عن بعض المتأخّرين ــ والظاهر أنّه الميرداماد ــ أنّه قدّر ظرفاً كان شبراً في شبر فوسع ألفين وثلاثة وأربعين صيرفيّاً([49]).

2 ـ تجربة الأمين الاسترآبادي: قال: <قد اعتبرنا الكر وزناً ومساحة في المدينة المنورة فوجدنا رواية ألف ومئتي رطل مع الحمل على العراقي قريبة غاية القرب من هذه الصحيحة>([50]) أي الرواية الأولى مع حملها على الـ (36) شبر3 كما صرّح به.

3 ـ تجربة السيد محسن الأمين: حيث قال: إنّه اعتبر الوزن المذكور في ماء دمشق بغاية ما يمكن من الدقة والضبط، فبلغت مساحته بالأشبار الوافية ثمانية وعشرين شبراً مكسّرة إلا سبعة أجزاء من مائة جزء من شبر([51]).

4 ـ تجربة السيد الخوئي: وصرّح في تقريراته قائلاً: <وزنّا الكر ثلاث مرات ووجدناه موافقاً لسبعة وعشرين، فالوزن مطابق للمساحة التي اخترناها..>([52]). وقد ذكر في موضع آخر أنه وزن الكر من الماء الحلو والمرّ غير مرّة فوجده كذلك([53]).

5 ـ تجربة جماعة:<وزن ماء النجف في هذه الأزمنة جماعة فكان وزنه يساوي ثمانية وعشرين شبراً تقريباً، وبعض الأفاضل منهم ذكر أنه يساوي سبعة وعشرين شبراً>([54]).

6 ـ تجربة أحد المشايخ: حكي أن بعض المشايخ <اعتبر ببلدة إصفهان مع جمع من الفضلاء بنحو الدقة الوزن مع المساحة فوجد أن ألفاً ومئتي رطلاً بالعراقي قريب من ثلاثة وثلاثين شبراً>([55]).

7 ـ تجربة الآغا رضا الهمداني: ويرى أنّ الكيل والوزن في تقدير الكر متقاربان‏([56]).

8 ـ تقريبات السيّد محمّد باقر الصدر: وقد تعرّض لبعض التقريبات الرياضية، ونحن نذكرها مع تغيير وتبسيط في لغة العرض. وقد افترض في بحوثه([57]) قبل ذلك عدّة مصادرات: أولاً: إن (1200) رطلاً عراقياً = (393.120) كلغ، على ما في كتاب <الأوزان والمقادير>. ثانياً: إن كل غرام من الماء المقطّر يملأ (1) سم3، والكيلو من الماء المقطر يعادل (1000) سم3. ثالثاً: إن الماء المخلوط الذي كثافته (1.05)، يأخذ الكيلو منه مساحة (950) سم3.

والنتيجة المتحصلة من هذه المصادرات هي: 1 ـ أن الكر من الماء المقطّر يعادل (393120) سم3. 2 ـ أنّ الكر من الماء المخلوط يعادل (373464) سم3.

وحينما نريد أن نحول المساحة من السنتيمترات إلى الأشبار، يختلف الحال باختلاف طول الشبر، ونحن نتناول خمسة فروض: 1 ـالشبر = (21) سم. 2 ـالشبر = (22) سم. 3 ـالشبر = (23) سم. 4 ـالشبر = (23.25) سم على أساس أن الشبر = الذراع ÷ 2 = 46.5 ÷ 2 = (23.25) سم. 5 ـالشبر = (24) سم. وعليه يكون الحساب كالتالي:

مساحة الكر من الماء المقطّر:

الشبر = 21 سم: K شبر3 = 21 × 21 × 21 = (9261) سم3، وقد مرّ أن عدد سنتيمترات الكر = (393120) سم3 K الكر = 393120 ÷ 9261 = 42.4489 = (42.5) شبر3 تقريباً. وهذه النتيجة مطابقة تقريباً مع أحوط الأقوال من المساحة، الذي قد يستفاد من حديث أبي بصير، وهي الرواية الثالثة.

الشبر = 22 سم: K شبر3 = 22 × 22 × 22 = (10648) سم3 K الكر = 393120 ÷ 10648 = (36.919) شبر3 = (36.92) شبر3.

الشبر = 23 سم: K شبر3 = 23 × 23 × 23 = 12167 سم3 K الكر = 393120 ÷ 12167 = (32.31) شبر3.

الشبر = 23.25 سم: K شبر3 = 23.25 × 23.25 × 23.25 = (12568.078125) K الكر = 393120 ÷ 12568.078125 = (31.279) شبر3 = (31.28) شبر3.

الشبر = 24 سم: K شبر3 = 24 × 24 × 24 = (13824) سم3 K الكر = 393120 ÷ 13824 = (28.4375) شبر3، وهذا التقدير مطابق تقريباً مع صحيحة إسماعيل بن جابر التي ينقلها صفوان بناءً على حملها على المدوّر وفرض نسبة الدائرة إلى القطر 22 ÷ 7 (3.14).

مساحة الكر من الماء غير المقطر: وقد افترض الصدر مسبقاً أن الماء المخلوط كثافته 1 + 1/20 (1.05) أي أنه أثقل من الماء المقطر بنسبة 1/20 (0.05) K حجم الماء المخلوط = حجم الماء المقطر ـ (حجم الماء المقطر ÷ 20) K حجم الماء المخلوط = [ (20 × حجم الماء المقطر) ـ حجم الماء المقطر ] ÷ 20 K حجم الماء المخلوط = (19/20) × حجم الماء المقطر. فيكون الحساب حسب الفروض المتقدمة، على الشكل:

الشبر = 21 سم: K حجم الماء المخلوط = (19/20) × 42.5 = (40.375) شبر3.

الشبر = 22 سم: K حجم الماء المخلوط = (19/20) × 36.92 = (35.074) شبر3. <ونلاحظ هنا أن نتيجة هذا الفرض، تطابق تقريباً مع صحيحة إسماعيل بن جابر التي ينقلها صفوان بناء على حملها على المربع، حيث كان المستفاد منها على هذا التقدير، أنّ الكر (36) شبراً غير أنّ النتيجة التي استنتجها في الماء المقطر، تكون أكثر من هذا بقليل، بينما في الماء غير المقطر، تنقص عنه بقليل>([58]).

الشبر = 23 سم: K حجم الماء المخلوط = (19/20) × 32.31 = (30.6945) شبر3.

الشبر = 23.25 سم: K حجم الماء المخلوط = (19/20) × 31.28 = (29.716) شبر3.

الشبر = 24 سم: K حجم الماء المخلوط = (19/20) × 28.437 = (27.01515) شبر3. <ونلاحظ هنا أيضاً أن نتيجة هذا الفرض مطابقة تقريباً مع الرأي القائل: إنّ الكر (27) شبراً، المستفاد من صحيحة إسماعيل بن جابر، التي ينقلها صفوان، بناءً على حملها على المدوّر، وفرض نسبة المحيط إلى القطر 3/1 (3) كما هو التقدير المسامحي، والمستفاد من حديث إسماعيل بن جابر الآخر، بناءً على حملها على المربّع>([59]).

9 ـ تقريبات السيّد محمّد الصدر: توصل السيّد محمّد الصدر إلى أنّ وزن الكر = 400 كلغ بتقريب أنّ الكر = 81900 مثقالاً صيرفياً، والمثقال الصيرفي عنده = 4.884 غراماً. وبعد ذلك، تعرض إلى مساحة الكر على النحو التالي:

الاحتمال الأول: الكر = 3.5 × 3.5 × 3.5 = (42.875) شبر3. الاحتمال الثاني: الكر = 3 × 3 × 3 = (27) شبر3. الاحتمال الثالث: 4 × 4 × 3 = (48) شبر3. الاحتمال الرابع: 3.5 × 3.5 × 3 = (36.75) شبر3. الاحتمال الخامس: 3 × 3 × 3.5 = (31.5) شبر3.

والمختار عنده هو الاحتمال الأول. أما الشبر فهو مردّد عنده بين (21) و (25) سم، فيكون المعدل مردّداً بين (23) و (23.5) سم والرقم الثاني أكثر وثوقاً في نفسه، فيكون بناؤه عليه. K بناء على ذلك، ننتقل إلى حساب الكر بالسنتيمترات:

الوجه الأول: 42.875 × 23.5 × 23.5 × 23.5 = (556426.390625) سم3.

الوجه الثاني: 27 × 23.5 × 23.5 × 23.5 = (350402.625) سم3.

الوجه الثالث: 48 × 23.5 × 23.5 × 23.5 = (66270) سم3.

الوجه الرابع: 36.75 × 23.5 × 23.5 × 23.5 = (476936.90625) سم3.

الوجه الخامس: 31.5 × 23.5 × 23.5 × 23.5 = (408803.0625) سم3.

ولما كان قد بنى على أنّ الماء مقطر K كل 1000 سم3 = (1) كلغ. ونتيجة لذلك: (1) الوجه الأول: (556) كلغ. (2) الوجه الثاني: (350) كلغ. (3) الوجه الثالث: (622) كلغ. (4) الوجه الرابع: (476) كلغ. (5) الوجه الخامس: (408) كلغ.

تنقيح إمكانيّة التوفيق بين الوزن والمساحة

بعيداً عن الجدل القائم حول التقليد في الموضوعات المستنبطة، أو التفصيل بين الموضوعات المستنبطة العرفية واللغوية والشرعيّة([60])، فإنّنا سنجري مع ما لعلّه هو السائد فعلاً من لزوم التقليد في الموضوعات المستنبطة مطلقاً وعدم جوازه في غير المستنبطة بعنوان كونه تقليداً. ومن هنا فإنّنا نوقع الكلام في مقامين: نتعرّض في أولهما إلى ذكر الموضوعات المستنبطة المتعلّقة بالمقام، وفي الثاني إلى تنقيح جملة من الموضوعات غير المستنبطة التي يجري فيها كلّ واحد منا تبعاً لتشخيصه دون الالتزام برأي فقيه معيّن.

أوّلاً: أمّا الموضوعات المستنبطة المرتبطة بالمقام:

أ ـ أنّ المراد من الكر ليس ما يختلف بين شخص وآخر: وهو ما صرّح به السيد الخوئي، حيث قال: إنّ <الكر ليس من قبيل الأحكام الشخصية ليختلف باختلاف الأشخاص بأن يكون الماء كراً في حقّ أحد وغير كر في حق آخر؛ لوضوح أنه من الأحكام العامة، فلو كان كراً فهو كرّ في حقّ الجميع كما إذا لم يكن كراً فهو كذلك في حق الجميع>([61]). وقد بسط السيد الصدر الكلام فيه مفصلاً([62]).

ب ـ تحديد الشبر ونسبته إلى الذراع: قيل: إنّ <الشبر> عبارة عن <المسافة بين رأس الإبهام ورأس <الخنصر، أي الإصبعين الطرفين في الكفّ عند فتحها تماماً>([63]). والذراع <من المرفق إلى طرف الأصابع>([64])<وبخاصة الإصبع الوسطى>([65]). وقيل في نسبتهما: إنّ الذراع شبران، وقد صرّح بذلك السيد الخوئي حيث قال: <إنّ كل ذراع من أي شخص عادي شبران متعارفان على ما جرّبناه غير مرة ووجدناه بوجداننا، وبهذا المعنى أيضاً أطلق الذراع في الأخبار الواردة في المواقيت..>([66]). وقال به السيّد الصدر إذ ذكر أنّه <لا ينبغي الشك: أنّ الذراع عند إطلاقه يشمل الذراع المساوي لشبرين، بوصفه ذراعاً متعارفاً في الخارج بالوجدان. ووجود ذراع أطول لا يضرّ بعد أن كان المقياس هو أقصر المصاديق المتعارفة كما سيأتي>([67]). وقد ذكره قديماً صاحب الحدائق([68]) وحديثاً الشيخ الفضلي([69]) والشيخ الإيرواني([70]). وخالف في ذلك المحقّق الهمداني معتبراً أنّ الذراع أكثر من شبرين([71])، ونقض عليه السيّد الخوئي وجدانَه بوجدانه.

أما السيّد محمّد الصدر، فتحديد موقفه مشكل؛ لأنّه اعتبر أنّ الشبر <23.5سم> وأنّ الذراع 24 إصبعاً. لكنّه اعتبر الإصبع تارةً([72]) (19ملم) فيكون الذراع (45.6سم)، وأخرى (19.5ملم) فيكون الذراع (46.8سم)، وثالثةً([73]) (20ملم) فيكون الذراع (48سم). ولو كان بناؤه الواقعي على (19.5ملم) لأمكن القول بأنّه يرى أنّ الذراع شبران، لأنّ الشبر حينئذ سيكون (46.8÷2=23.4) وهو قريب جداً إلى ما بنى عليه (23.5سم).

وثمة سؤال يطرق باب الذهن، وهو سرّ تعبير الإمام× بـ<ذراع وشبر>، فلو كان الذراع شبرين كما سيأتي، فلماذا لم يعبّر بـ<ثلاثة أشبار> بدل تعبيره بـ<ذراع وشبر>؟. وعلى أيّة حال فإنّ كونه كذلك ليس مورد اتفاق الجميع. هذا وقد يكون تحديد الذراع بكونه شبرين أو غيره من الموضوعات غير المستنبطة بناءً على بعض التفصيل، لأنّ السيّد الخوئي صرّح بأنّ مدركه في المسألة هو <الوجدان>.

ج ـ أنّ المدار هو أقلّ شبر من مستوي الخلقة: وهي المقدمة المهمة التي تبتني عليها هذه الدراسة بشكل أساسي. وقد صرّح بذلك السيد الخوئي قائلاً([74]): <فالمدار على أقلّ شبر من أشبار مستوي الخلقة.. فإذا بلغ الماء <27> شبراً بأقل شبر من أشبار مستوي الخلقة فهو بالغ حدّ الكر أعني <27> في حق جميع المستويين خلقةً، كما إنّه إذا لم يبلغ هذا المقدار بالأشبار المذكورة فهو غير كرّ في حق الجميع>. وبذلك صرّح أيضاً في مبحث <صلاة المسافر>([75]) حيث قال: <الميزان فيها هو الأخذ بأقلّ المتعارف>، كما وذكره في غير موضع من <فقه الشيعة>([76]). وقد صرّح السيد الصدر بأن <المقياس أقصر المصاديق المتعارفة>([77]).

ثانياً: أمّا حول تنقيح الموضوعات غير المستنبطة المرتبطة بالمقام، فلابدّ لنا أن نقف ــ قبل الدخول في عملية تقييم المحاولات التي أدلى بها الفقهاء ــ على تحديد العناصر التي تلعب دوراً في تقييم تلك المحاولات. وما استطعنا تحديده أربعة عناصر: (1) المثقال الصيرفي. (2) الشبر. (3) نسبة قطر الدائرة إلى محيطها (). (4) كثافة الماء. وبعد تحديد هذه العناصر الأربعة ننتقل إلى عرض محاولة السيّد الخوئي عرضاً رياضيّاً، وتسجيل ما يمكن أن يسجّل عليها من ملاحظات. أما العناصر الأربعة فهي:

1 ـ العنصر الأوّل، المثقال الصيرفي: وقد قدّمنا تنقيحه لدى الحديث عن حساب الكرّ وزناً. وقلنا بأنّ لدينا ثلاثة أرقام: (4.6)، (4.8) و(4.884) غراماً.

2 ـ العنصر الثاني، الشبر: ويحتاج الكلام فيه إلى شيء من التفصيل، وذلك لوقوع التهافت بين ما ذكروه في باب <الطهارة> وما ذكروه في باب <صلاة المسافر>. مع أنّه في البابين واحد:

أ ـ مختار السيّد الصدر والملاحظة عليه: حيث بنى على أنّ المسافة الشرعية في السفر (43.200) كيلو متراً ([78]).K 8 فراسخ = (43200) م. (والفرسخ 3 أميال، والميل (4000) ذراعاً، والذراع شبران). K 8 × 3 (أميال) × 4000 (ذراع) × 2 (شبر) = (43200) م K 192000 × شبر = 43200 متر = (4320000) سم K الشبر = 4320000 ÷ 192000 = (22.5) سم. في حين إنّه يصرّح في موضع آخر([79]) أنّ الشبر <21> سم. وقد سار في بحوثه الفقهيّة وفق خمسة فروض: 21، 22، 23، 23.25 و 24 سم. فيكون التهافت الواقع في حساباته هو أنّه يبني في <كتاب الطهارة> على أنّ الشبر (21) سم، وفي باب <صلاة المسافر> على أنّه (22.5) سم.

ب ـ مختار السيّد الخوئي والملاحظة عليه: حيث بنى على أن المسافة الشرعية (44) كيلو متراً تقريباً ([80]).K 8 (فرسخ) × 3 (ميل) × 4000 (ذراع) × 2 (شبر) = (4400000) سم K 192000 × شبر = (4400000) سم K الشبر = (22.91) سم. في حين إنّه اعتبر أنّ وزن الـ(27) ش3 يساوي (377) كلغ. ولما كانت الكثافة عبارة عن نسبة الوزن إلى الحجم =، فإنّ الحجم = = = (377) (بعد اعتبار أنّ كثافة الماء تساوي (1) مبدئيّاً). ولمّا كان مختاره في الحجم هو (27) ش3 K 27×ش3 = (377) K ش3= 377÷27= 13.962 K ش= = (2.408) = (24) سم. وعليه يكون التهافت الواقع في حساباته هو أنّه يبني في <كتاب الطهارة> على أنّ الشبر (24) سم، وفي باب <صلاة المسافر> على أنّه (22.91) سم.

ج ـ مختار السيّد محمّد الصدر: ومعدّل الشبر عنده مردّد من (21) إلى (25) سم، فيكون المعدل مردداً بين (23) و (23.5) سم والرقم الثاني (23.5) أكثر وثوقاً لديه وبناؤه إنما كان عليه([81]). ولن نناقشه بما ناقشنا به السيّد الصدر والسيّد الخوئي؛ لأنّنا قلنا سابقاً بأنّ تبنّيه لطول الإصبع والذي جعله أساساً في حساب الذراع والشبر غير واضح؛ إذ ردّده بين (19) و(19.5) و(20) ملم.

د ـ مختار صاحب <الأوزان والمقادير>: والشبر عنده (23.25) سم؛ لأن الذراع (46.5) سم.

هـ ـ مختار الشيخ الفضلي والملاحظة عليه: وقد ذكر بعض المعاصرين في بعض كتبه([82])أنّ الشبر المتعارف يتراوح بين (22) إلى (24) سم. لكنّه ذكر في كتاب آخر([83]) أنّ شبر الإنسان المتوسط الخلقة يساوي (25) سم، ثم بنى عليه في الحساب. وهو غاية في البعد لتناسبه بحسب الظاهر والاستقراء مع شبر عظيم الخلقة لا متوسطها.

تعيين المقدار المختار في المقام: بعد هذا العرض ننتقل إلى تعيين المقدار المختار المتّفق مع مبنى السيّدين الخوئي والصدر في كون الشبر هو أقلّ شبر من مستوي الخلقة. وهذا التحديد <تشخيص موضوعي> قد يختلف فيه المقلِّد مع مرجعه. والرقم الأصحّ على ما رأيناه وعاينّاه هو ما بنى عليه السيّد الصدر من كونه (21) سم؛ إذ لا شكّ في كون صاحب هذا الشبر من مستوي الخلقة، ولو أمكن النقاش في كون الأقلّ من ذلك من مستوي الخلقة، فليكن بناؤنا عليه.

أما نقاشنا للسيّد الخوئي حول عدم انسجام بنائه على الــ (24) سم مع مبناه في لزوم مراعاة أقلّ شبر من مستوي الخلقة فتأتي مفصّلاً لدى تمحيص دعاوى التوفيق بين الوزن والمساحة.

العنصر الثالث: ()، ومناقشة السيّد الخوئي في التسامح بمقدارها

صرّح السيّد الخوئي أنّ اعتماده في رأيه الفقهيّ هو صحيحة إسماعيل بن جابر الأولى بعد حملها على <المدوّر>. وقد علمت أنّ مساحة المدوّر كما يعبّر عنها بلغة اليوم =×. ولما كان الوقوف على النسبة بين القطر والمحيط () متعذّراً على العوام ومختصّاً بمهرة الفنّ والهندسة ـ على حدّ تعبيره ـ فإنّه لا محيص عن التسامح بمقدار ()؛ لتصبح المساحة عنده (27) شبر3، مع أنّ حقّها ـ على ما بيّناه في البحث الرياضيّ أعلاه ـ أن تكون (28.28) ش3. ومن جملة ما أورده قوله: <وقد جرت طريقتهم خلفاً عن سلف ـ كما في البنّائين وغيرهم ـ على تحصيل مساحة الدائرة بضرب نصف القطر في نصف المحيط، وقطر الدائرة في المقام ثلاثة أشبار فنصفه واحد ونصف، وأما المحيط فقد ذكروا أنّ نسبة قطر الدائرة إلى محيطها ممّا لم يظهر على وجه دقيق.. إلا أنّهم على وجه التقريب والتسامح ذكروا أنّ نسبة القطر إلى المحيط نسبة السبعة إلى اثنين وعشرين، ثمّ إنّهم لما رأوا صعوبة فهم هذا البيان على أوساط الناس فعبّروا عنه ببيان آخر، وقالوا: إنّ المحيط ثلاثة أضعاف القطر، وهذا وإن كان ينقص عن نسبة السبعة إلى اثنين وعشرين بقليل إلا أنّ المسامحة بهذا المقدار لابدّ منها>([84]).

ويمكن التأمّل في كلامه من وجوه:

الأوّل: إذا كان يرى ـ إضافةً إلى <لابديّة> التسامح بمقدار () ـ بأنّ الفارق بين الحجمين المذكورين (27) و(28.28) فارق بسيط قابل للتسامح به أيضاً، فهذا ممّا لا يساعد عليه عالم الإثبات؛ لأنّنا لو بقينا معه في اعتبار أنّ الــ(27ش3) تزن (377 كلغ) فهذا يعني أنّ المقدار المتسامح به ـ وهو (28.28ـ27=1.28ش3) ـ يزن: (1.28×377÷27= 17.87كلغ)، ومن غير المظنون أن يلتزم أحدٌ بالتسامح بهذا المقدار.

الثاني: إذا كان مردّ التسامح إلى ما يدركه <العوام>، فمن غير المظنون أنّهم يدركون حتى المقدار الذي لا يدخل في حسابه مقدار ()، فإنّه من غير المظنون أنّ عامة الناس تدرك أنّ مساحة الدائرة تساوي نصف المحيط × نصف القطر، وأنّ المحيط يساوي 3 × القطر، لتصبح المعادلة (3 × القطر÷2 × القطر ÷2= 3× نق2= 3×). نعم قد تدرك ذلك فئة معيّنة من الناس كالبنّائين مثلاً على حدّ تعبيره، وفي أخذهم وأضرابهم حاكين عن العرف ما فيه.

الثالث: إنّ حجم الكرّ من ناحية الشكل الذي يتّخذه ليس منحصراً بالحجم المدوّر، فقد يكون مكعّباً أو غير ذلك. وعليه فلو كان الحجم الواقعي للكرّ (28.28)ش3، فإنّ هذا سيجعلنا نضحّي في الحالة التي يكون الحجم فيها مكعّباً مثلاً بمقدار (28.28ـ27=1.28 ش3) أي بما يقرب من (18 كلغ). اللهم إلاّ أن يقال بأنّ الحجم الواقعي للكرّ هو (27 ش3)، ولما كان الإمام× عالماً بأنّ الناس يتسامحون بمقدار ()، أرجع إلى الحجم المدوّر الذي يبلغ حجمه الواقعي (28.28)ش3 ليصبح حجمه بعد التسامح(27 ش3). وفي هذا الجواب تكلّف غير خاف؛ لأنّ الإرجاع إلى الشكل المكعّب أخفّ مؤونةً وتكلّفاً بعد أن كان (27) حاصل ضرب 3 ×3×3، وكان هذا الشكل ممّا لا يندر وجوده في عالم الخارج.

والحلّ ـ بمعزلٍ عمّا ذكرناه ـ أنّ البناء على التسامح بمقدار () باعتبار أنّ العرف يتسامح في ذلك متوقّف على إثبات كون الإمام× في مقام تحديد حجم الكرّ حسابيّاً وبالأرقام، وحيث إنّه يسير في مخاطباته مسار العرف، فإنّ من الممكن حينئذٍ القول بأنّ انصراف العرف عن العمل الدقيق بمقدار () يصرفنا عن حملها على مقدارها الدقيق. إلاّ أنّ هذا أوّل الكلام؛ لأنّ الناس كانوا في زمن صدور النص يأنسون بالأمور الحسيّة أكثر من أنسهم بالأمور النظريّة المعقّدة. وقد ذكر الإمام× في جوابه أمرين يسترعيان انتباه السائل في حياته اليوميّة: ارتفاع الشكل الأسطواني، إضافةً إلى أطول خطّ ممتدّ بين أطراف الدائرة (وما هو إلا القطر)، وهما ممّا يمكن قياسهما بالأشبار. والسائل عندما يواجه هذا الشكل في عالم الخارج، فإنّه يكتفي بقياس ارتفاع الشكل وقطره، ثمّ يحدّد تكليفه على ضوء هذين القياسين، ولا يقوم بأيّة عمليّة حسابيّة، ولا علاقة له بتحديد حجم الكرّ بلغة الأرقام. ولو كان الأمر كما ذكروا فما أسهل أن يجيب الإمام× بأنّ حجم الكرّ (27 شبراً) مثلاً، مع أنّ روايات الباب لا تحتوي على رواية تحدّد حجم الكرّ بالأشبار على النحو الذي نعمل به نحن، ولذا قال السيّد الحكيم ـ وهو في صدد نقاش مطلب آخر ـ: <..أنّك لا تجد روايةً من روايات الباب تعرّضت لذكر النتيجة، بل الجميع تضمّن التقدير بخصوص المساحة الخاصة، ولو كان المقصود التقدير بالنتيجة كان ذكرها هو المتعيّن، فإنّه أصرح وأخصر وأفيد..>([85]).

نعم؛ ما نقوم به نحن هو محاولة استخراج حجم الشكل المدوّر الذي ذكر الإمام× ارتفاعه وقطره بلغة الأرقام، وهذا أجنبيٌّ تماماً عن كون العرف يتسامح بمقدار () أو لا يسامح؛ وذلك لما قدّمناه من أنّ الإمام لم يكن على الإطلاق ناظراً في كلامه إلى مقدار ()، ولم يكن في مقام بيان حجم الكرّ بالأرقام ليقال بأنّ تسامح العرف بمقدار () يصرف الحجم عن الحجم الواقعي، بل كان× بصدد ذكر الارتفاع والقطر، وهما العاملان المستخدمان حتى يومنا الحالي.

ولتجلية الأمور ننبّه إلى أنّه لو عرض لنا اليوم برميل من الماء، ارتفاعه ذراعان وقطر قاعدته ذراع وشبر، فسنحكم بكرّيته لمجردّ ذلك، ودون تقصّي حجمه بالأشبار، الحاصل بضرب ارتفاعه بمساحة قاعدته، التي هي عبارة ـ بعد التسامح بمقدار () ـ عن نصف المحيط × نصف القطر. إضافةً إلى ذلك، يمكن النقض على السيّد الخوئي بأنّه لو كان لدينا برميل فارغ يبلغ ارتفاعه ذراعين وقطره ذراعاً وشبراً، وصببنا فيه (27) شبراً من الماء، فإنّ منسوب الماء فيه لن يصل قطعاً إلى ارتفاع الذراعين؛ باعتبار أنّ التسامح بمقدار () جرّ إلى إنقاص الحجم. وعليه، فإنّ الماء ـ وقياساً إلى الرواية ـ لن يكون كرّاً؛ لأنّه ليس من الماء الذي بلغ ارتفاعه ذراعين، ولكنّه في الوقت نفسه كرّ قياساً إلى فتوى الفقيه الذي أفتى بأنّه (27) شبراً بناءً على الرواية نفسها. وهذا مؤيّدٌ لتخطئة الفقيه في ما فهمه من الرواية.

إذن، الصحيح في مقام تعيين حجم الكرّ بالأشبار عدم التسامح بمقدار ()، خلافاً لما ذهب إليه القميّون وتبعهم عليه السيّد الخوئي.

العنصر الرابع، كثافة الماء: إن صحّ التعبير فإنّ <عامل كثافة الماء> كان بمثابة <العكاز> الذي لجأ إليه الفقهاء في كثير من الأحيان، لكنّهم ـ خلا السيّدين الصدرين ـ أطلقوا فيه كلامهم دون إدخال ـ ولو بسيط ـ لأرقام محدّدة في عمليّات الحساب. نعم، إنّ أصل إناطتهم الكثير من الأمور بعامل <كثافة الماء> وإن كان سليماً ثبوتاً وفي حدّ نفسه، إلا أنّه ينبغي البحث في عالم الإثبات والواقع في أنّ <الكثافات> المتوفّرة فعلاً هل تساعد على ما قالوه أم لا..؟ من هنا لزم التقديم بمقدّمة:

إنّ الماء إذا كان نقيّاً كان عديم الطعم والرائحة بل واللون أيضاً في الكميّات القليلة([86]). ويعدّ الماء كيميائيّاً من أفضل المذيبات إذ تذوب فيه معظم المواد، الأمر الذي يجعل وجود الماء النقي الخالي من الشوائب في غاية الندرة في الطبيعة. وحتى ماء المطر الذي هو أنقى المياه، لا يخلو من شوائب، ويعود ذلك إلى ما يلتقطه من مواد محمّلة في الهواء. وتختلف المياه المعدنية التي تحتوي على المعادن الذائبة من حيث كثافتها، تبعاً لما تجتازه من طبقات الأرض قبل وصولها إلى السطح. كما إنّ مياه الينابيع والمياه الجوفيّة المتسرّبة إلى الجوف عن طريق الأنهار والأمطار، تحتوي على كمية من المعادن أكبر من تلك الموجودة في الأنهار. وتختلف المياه بين بعضها من حيث نسبة الشوائب التي تحملها، ومن هنا فإنّنا سنجعلها في مجموعات:

مياه البحيرات والبحار والمحيطات: تحتوي مياه البحار على نسبة (3.7%) من المعادن، وقيل([87]): من (3) إلى (5%) (فتكون الكثافة من (1.03) إلى (1.05). وقد ذكر([88]) أنّ (1) كلغ من مياه المحيطات يحتوي على (35) غراماً من مواد ذائبة فيه، منها (30) غراماً تقريباً من الكلور (CL) والصوديوم (Na) أي ما يقرب من (85 %) من مجموع هذه المواد، وأنّ الملوحة في أكثر المحيطات تتراوح بين (33) و(37) بالألف. كما قيل([89]): إنّ الإنسان يستطيع أن يشرب بأمان الماءَ الذي يحتوي على أقلّ من (0.5) كلغ من الملح في كلّ (100) كلغ من الماء، أي ما كثافته (1.005). ويحتوي ماء البحر على سبعة أضعاف هذه الكميّة من الملح، أي ما يساوي (3.5) كلغ. ومن مجموع ما تقدّم نجد أنّ متوسّط كثافة مياه البحار والمحيطات = (0.03+0.033+0.035+0.037+0.05) ÷5] = (1.037).

كثافة مياه البحر الميت: أما مياه البحر الميّت، فقد قيل([90]): إنّها تحتوي على (240) غراماً من الأملاح في الليتر الواحد، فتكون كثافتها (1.24). وقد ورد في موسوعة <المورد> أن نسبة الملوحة في مياه البحر الميت = (28%) حتى عند السطح، وورد في موسوعة >Encarta< أن هذه النسبة = (27%) عند عمق (305) متراً، بينما يفترض أن تكون ــ بناء على صحّة قول <المورد> ــ أكثر من ذلك في العمق. وعلى أيّة حال، فإنّ معدّل كثافة مياهه تتراوح بين (1.27) و(1.28).

المياه العذبة: تحتوي مياه بعض البحيرات كبحيرة <كاترين> على نسبة <0.03> غراماً فقط من المعادن في الليتر الواحد([91])، وعليه تكون كثافة مياهها (1.00003)، وهي كثافة في غاية القرب إلى كثافة المياه المقطّرة. وقد قيل([92]): إنّ كمية الشوائب الموجودة في المياه العذبة تقع عادة بين (0.01) وحتى (0.1%) (كتلة)، وهذا يعني أنّ في كل (100) غراماً من الماء، هناك (0.01ـ0.1) غراماً من المعادن K في كلّ (1000) غراماً هناك (0.1ـ1) غراماً منها K في كلّ (1) كلغ هناك (0.1ـ1) ÷ (1000) كلغ منها K في كلّ (1) كلغ هناك (0.0001ـ 0.001) كلغ منها K فتكون كثافة المياه العذبة متراوحة بين (1.0001) و(1.001).

والمتحصّل لدينا مجموعة من الأرقام:1 ـ كثافة المياه المقطّرة = (1). 2 ـ كثافة المياه العذبة = من (1.0001) إلى (1.001). 3 ـ كثافة المياه التي يستطيع أن يشربها الإنسان بأمان = (1.005) (حدّ أقصى). 4 ـ كثافة مياه البحار والمحيطات = (1.037). 5 ـ كثافة مياه البحر الميّت = (1.28).

 

مناقشة السيّد الصدر حول اعتبار كثافة الماء

لاحظ السيّد الصدر لدى حسابه للكرّ وزناً ومساحةً أنّه ينبغي أن يدخل في الحساب الكثافة الواقعيّة للماء، لا كثافة الماء المقطّر (كثافته: 1). وفي هذا الصدد اعتبر([93]) أنّ كثافة الماء تساوي (1.05). ولعلّك وقفت على عدم واقعيّة النسبة الإضافيّة التي افترضها، لأنّها نسبة عالية جداً، لا تتّفق حتى مع الكثافة الاعتياديّة لمياه البحار، بل تتّفق مع كثافة مياه <البحار> ذات الملوحة العالية (1.05). كما إنّها تبلغ عشرة أضعاف النسبة القصوى للمياه التي يمكن أن يشربها الإنسان بأمان (0.05÷0.005=10). ولو أردنا قياس النسبة الزائدة التي افترضها إلى بالنسبة الزائدة الموجودة في المياه العذبة المتراوحة بين (1.0001) و(1.001)، فهذا يعني أنّها من (500) إلى (50) ضعفاً.

دعاوى التوفيق على طاولة البحث الرياضي

بعد تنقيح العوامل الدخيلة في تحديد إمكانية التوفيق وعدمها، ننتقل إلى تقييم محاولات مجموعة من العلماء. لكن قبل ذلك ينبغي أن ننقّح المعادلة الرياضيّة التي ستكون <الميزان> في تقييم هذه المحاولات؛ فمن المعلوم أنّ الكثافة عبارة عن نسبة الوزن إلى المساحة، ويرمز إلى هذه العلاقة بالمعادلة التالية: =K = ×. ولمّا كانت و<> عبارة عن الحجم بالأشبار، فلو رمزنا إلى طول الشبر بــ<>

K = × (عدد الأشبار) × 3

وعدد الأشبار عبارة عن (27) أو (28.28) أو (42.875) ش3. وهذا يعني أنّه:

على مذهب المشهور: = × = × 42.875 × 3.

على المذهب التسامحي للسيّد الخوئي: = × = × 27 × 3.

على المذهب الحقيقي للسيّد الخوئي: = × = × 28.28 ×3.

تقييم محاولة الشهيد محمد باقر الصدر

بنى السيّد الصدر في رسالته العمليّة على أنّ وزن الكرّ (376) كلغ. وعلى أنّ كثافة الماء (1.05)، وعلى أنّ الشبر (21) سم. ثم قال بأنّ <الماء الصافي إذا كان يساوي 39 شبراً مكعّباً فهو يحتوي على كرّ مع زيادة شيء قليل>. ومن أجل تبيّن صحّة هذا الرقم (39)، وجب علينا الاستفادة من المعادلة التالية: = × = × (عدد الأشبار) × 3K عدد الأشبار = = = = = 0.03866 = (38.66) شبر3. فيكون جوابه سليماً، ولما كان أقلّ من (39) بقليل، فقد قال: <مع زيادة شيء قليل>([94]).

أما السرّ في عدم تعرّضه للمساحة على المبنى المشهور، فلأنّه أولاً يرى أنّ المناط هو الوزن، كما صرّح به في بحوثه الفقهيّة وتعليقته على <المنهاج>، وبنى عليه في رسالته العملية حيث استخرج المساحة من الوزن، لا من دليلها المستقلّ.

تقييم محاولة السيّد محمّد الصدر

قام السيّد محمّد الصدر بمحاولة مبسوطة من أجل التوفيق بين الوزن والمساحة، وكأنّ الأمر بقي لديه محلّ إشكال ولم يتوصّل إلى نتيجة مرضية. وقد تقدّم مختصر محاولته في هذا البحث. وقد بنى على أنّ الشبر (23.5) سم، والمثقال الصيرفي (4.884) غ أي أنّ الكرّ حدود (400) كلغ. ولم يرتض ما ذهب إليه أستاذه في كون كثافة الماء (1.05)، ونقض عليه بأنّ النسبة قد لا تزيد على (1%) إلى (5%)([95]). واللطيف أنّ نسبة (5%) التي افترضها ليست سوى نسبة (0.05) التي افترضها أستاذه المذكور.

لكنّه في آخر بحثه أورد تحت عنوان <تعقيب> تفصيلاً رياضيّاً افترض فيه أنّ الشبر (21) سم، واستطاع فيه التوفيق بين الوزن والمساحة مع فارق بسيطٍ جداً حيث توصّل إلى أنّ وزن الــ (42.875) شبراً يساوي (397) كلغ، وهو قريب جداً إلى ما بنى عليه من خلال روايات الوزن في كونه (399.999) كلغ، أي مع فارق يقرب من (2) كلغ. لكنّه عدل عن هذا التقريب باستبعاده أن يكون الشبر (21) سم. ولعلّ هذا هو مبناه في عدم اعتبار أقلّ شبر من مستوي الخلقة.

تقييم متبنّيات السيّد محمّد سعيد الحكيم

ذهب السيّد محمّد سعيد الحكيم إلى أنّ <الكرّ بحسب الحجم سبعةٌ وعشرون شبراً مكعّباً. والأحوط وجوباً القياس بالشبر المقارب لربع المتر. وأمّا الكرّ بحسب الوزن فهو أربعمائة وأربعة وستون كيلو غرام ومئة غرام، والأحوط استحباباً ما يزيد على ذلك قليلاً حتى يبلغ أربعمائة وسبعين كيلو غراماً>([96]).

ويلاحظ على ذلك: أنّ الكرّ بحسب الوزن (1200) رطلاً كما مرّ مراراً، وهو يساوي (81900) مثقالاً صيرفيّاً كما يأتي في محلّه، فلو كان الكرّ (464) كلغ، فهذا يعني أنّ (81900) مثقالاً = (464000) غ K المثقال الصيرفي = = (5.66) غراماً، وهذا ما لم يقل به أحد في حدود اطلاعنا.

هذا من ناحية الوزن بحسب دليله المستقلّ، أمّا من ناحية التطابق بين الوزن والمساحة، فلا يمكن الالتزام به وفق هذه الفرضيّات، خاصةً بعض التصريح بكون الشبر (25) سم. وبيانه أنّ الــ(27) شبراً تزن بحسب المعادلة المتقدّمة: = × (عدد الأشبار) × 3= × (27) × (25)3 = × 421875. وهذه النتيجة لا ترقى إلى المطلوب إلا إذا كانت كثافة الماء () تساوي = (1.1) > (1.037) معدّل كثافة مياه البحار. أما بناءً على ما هو الأقرب إلى الواقع من كون الكثافة (1.001) فإنّ (27) شبراً تزن: 1.001 × 421875 = (422.299) كلغ، أقلّ من المدعّى بــ: 464.1 ـ 422.29 = (41.81) كلغ. هذا بناءً على الرقم الأوّل، أمّا بناء على ما هو مقتضى الاحتياط الاستحبابي عنده، فالأمر أوضح.

تقييم مفصّل لمحاولات السيّد الخوئي

تقدّمت الإشارة إلى ما حكاه السيّد الخوئي من تجربته لمقدار الماء، وكونه <27> شبراً. ولنا مع محاولته هذه وقفة نقيّمها فيها من عدّة جهات. وقبل البدء بتقييمها، نستعرض ما ذكره، حيث تعرّض لأربع صور ممكنة، ثمّ تبنّى الرابعة منها:

الصورة الأولى: الوزن يساوي المساحة، وهو ما حكاه بالتجربة الشخصية. ولا ينبغي الإشكال فيها إذ لا مانع من تحديد شيء واحد بأمرين متحدين لتلازمهما واتحادهما بلا زيادة لأحدهما على الآخر ولا نقصان، وهو ظاهر([97]). وبعد أن كان شاهده على هذا الوجه هو تجربته الشخصيّة، أمكن النقض من وجوه:

أ ـ إنّ تجربته معارضة بتجارب غيره في المقام.

ب ـ إنّ قوله: <أنّا وزنّا الماء الحلو والمرّ غير مرّة فوجدناهما بالغين (27) شبراً> لا ينسجم مع ما سيحيل إليه فيما يأتي حول ما تلعبه كثافة المياه من دور في تعيين الوزن والمساحة. حيث يظهر من قوله هذا أنّه قدّر (1200) رطلاً من الماء الحلو فكان (27) شبراً، وقدّر (1200) رطلاً من الماء المرّ فكان (27) شبراً أيضاً. وحقّ المسألة بحسب ما تقرّره <الفيزياء> أنّه لو وزن (1200) رطلاً من الماء الحلو وكان (27) شبراً، لكان المقدار نفسه من الماء المرّ أقلّ من (27). إذ بحسب المعادلة الفيزيائيّة، فإنّ الوزن = الكثافة × المساحة: = ×، فلو كان الوزنان من الماء المرّ والحلو متساويين (1200=1200) فهذا يعني أنّ كثافة الماء المرّ × حجم الماء المرّ = كثافة الماء الحلو × حجم الماء الحلو. وبحسب هذه المعادلة، متى ما زادت كثافة الماء المرّ وجب إنقاص حجمه من أجل المحافظة على نسبة التساوي بين الطرفين.

ج ـ بعيداً عن التفصيل بين الماء الحلو والمرّ، فلو اعتبرنا أنّ كثافة الماء (1). فإنّ تجربته مبتلاة بالتناقض بين ما لا تنهض إلا بافتراضه وبين المقدّمات التي بنى عليها من كون الشبر أقلّه من مستوي الخلقة من ناحية وبين ما بنى عليه في مسافة السفر من ناحية أخرى. وتوضيح ذلك أنّنا قلنا بحسب ما استخرجناه سابقاً: = × (عدد الأشبار) × 3. حيث نرمز بـ <> إلى طول الشبر. K3= ÷ ( × عدد الأشبار) = ÷ (<1>× <27>) = ÷ <27>. ولنفرض صحّة ما ذهب إليه السيّد الخوئي من كون الــ<1200> رطلاً تساوي <377> كلغ، فهذا يعني أنّ: 3= K= = 2.408 = (24.08) سم.

إذن، دعواه في تطابق الوزن مع المساحة لا تتمّ إلا إذا افترضنا أنّ الشبر الذي أقام به تجربته يساوي (24) سم. ولا أظنّ أنّه يرتضي أنّ هذا المقدار هو أقلّ شبر من مستوي الخلقة كما هو مبناه، وعلى من يشكّك في ذلك أن يستقرئ أشبار الناس، ولا أعتقد أنّ زمن الاستقراء سيطول به. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهذا لا ينسجم مع ما ذهب إليه في باب <صلاة المسافر> من كونه (22.91) سم.

وقد يقال بأنّه يمكننا الانتصار لتجربته من وجوه:

المحاولة الأولى وإبطالها: وذلك بافتراض أنّ كثافة الماء أكثر من <1>. فلو رفعنا هذه النسبة، لصحّ كون حجم الــ(1200) رطلاً (27) شبراً.

وقبل أن نحكم على هذه المحاولة ونجعل كلامنا مطلقاً مجرّداً عن أيّ رقم حسّي، دعونا نستخرج كثافة المياه التي تصحّح لنا هذه التجربة، ملتزمين فعلاً بأنّ الشبر (21) سم، أي أقلّ شبر من مستوي الخلقة. بعد هذا نقول: = × (عدد الأشبار) × 3K = ÷ (عدد الأشبار × 3) = = = (1.5). وقد رأيت أنّ كثافة مياه البحر الميّت (1.28)، أي أنّ نسبة الأملاح المفترضة في هذه المياه تقرب من ضعف الأملاح الموجودة في مياه البحر الميّت. وهذا ما لا يمكن الالتزام به بوجه. خاصّةً إذا علمنا أنّه قام بتجربته إمّا في <النجف الأشرف> وإمّا في <الكوفة>، وعليه فإنّ المياه إمّا أن تكون من <نهر الفرات> ذي المياه العذبة والذي يفترض أن تقرب كثافة مياهه من (1.0001) إلى (1.001)، وإمّا من المياه الجوفيّة في <النجف الأشرف> التي تصل كثافتها على أسوأ تقدير إلى <(1.005) أو إلى (1.01) على تقدير آخر. وهذا كلّه لا يساعد على الدعوى المذكورة.

المحاولة الثانية وإبطالها: نبني فيها على صحّة ما ذهب إليه في <صلاة المسافر> من كون الشبر (22.91) سم. إلاّ أنّ هذه المحاولة أيضاً لا تجدي؛ لأنّ الكثافة تساوي حينها = (1.16)، وهذا الرقم أيضاً ممّا لا يمكن الالتزام به.

المحاولة الثالثة وإبطالها: وهي محاولة شبه وهميّة وذلك بأن ندخل في الحساب عامل <الحرارة>، حيث قد تؤثر بالتجربة. وفي مقام الإجابة نقول: إنّ ما يذكر لدى تحديد كثافة الماء يكون على درجة حرارة (4ْ) حيث الكثافة العليا للماء، ثم تأخذ بعد ذلك بالانخفاض كلّما سرنا نحو درجة الغليان (100ْ). كما أنّ الكثافة تنخفض عند تجمّد الماء، حيث يزيد الحجم، فتقلّ الكثافة بعد أن كان الوزن ثابتاً([98]). وعليه فإنّ هذه المحاولة لا تستقيم، بل تجري لصالحنا، لأنّه إن كان قام بها في الصيف، فممّا لا شكّ فيه أنّ درجة الحرارة أكثرمن ذلك بكثير، فتكون كثافة الماء أقلّ من المتعارف، وهو خلف ما يراد الانتصار به. وإن كان في الشتاء، فإنّها وإن كانت أقرب، إلا أنّها لا تؤثر بشيء؛ لأنّه بعد أن كانت النسبة العليا لا تجدي، فإنّ ما هو أدنى منها لن يجدي كذلك.

الصورة الثانية: أن يكون الوزن أكبر من المساحة، فيكون الوزن حينئذ علامة على المساحة، بمعنى أنه حين بلوغ الوزن المذكور نستكشف بلوغ المساحة لأنها أنقص منه. ولا بأس بالمقدار الزائد إذا لم يكن بكثير([99]). وبعبارة أخرى، إنّ الوزن إذا كان أكبر من المساحة، بمعنى أنّ الــ (1200) رطلاً إذا كان حجمها أكثر من (27) شبراً بقليل، فهذا يعني أنّه متى ما تحقّق الوزن، فهذا يعني أنّ المساحة قد تحقّقت قبله، فيكون تحقّق الوزن علامة على تحقّق المساحة. وفي هذه الصورة نفترض تحقّق الوزن، ثم ننظر في تحقّق المساحة بعد أن كان الوزن علامةً على المساحة. ونحن تارةً نفترض أنّ الشبر (21) سم، وأخرى (22.91) بعد التنـزّل. وعدد الأشبار وفق المعادلة القائلة إنّ: = × (عدد الأشبار) × 3، K عدد الأشبار = . فتكون على المبنى الأوّل (21سم) = (41) شبراً، وعلى المبنى الثاني (22.91سم) = (31) شبراً. فإن كان ممكناً الالتزام بالنتيجة على المبنى الثاني حيث الفارق حدود أربعة أشبار، فإنّه لا يمكن الالتزام به على المبنى الأوّل حيث الفارق حدود (14) شبراً، إذ لا يمكن القول بأنّنا ننتظر وصول الماء إلى (41) شبراً حتى نستكشف أنّه كان قد وصل إلى الوزن قبل ذلك بـ(14) شبراً. هذا وقد عرفت أنّ المبنى الثاني ضعيف في نفسه؛ لأنّه مخالف لكون الشبر أقلّه من مستوي الخلقة.

الصورة الثالثة: الوزن أصغر من المساحة، فتكون المساحة علامة على الوزن بالتصوير المتقدّم في الصورة السابقة([100]). ومعنى كون الوزن أصغر من المساحة أنّنا لو قدّرنا (1200) رطلاً بالأشبار لما وصلت إلى (27) ش3 على مبنى السيّد الخوئي و(42.875) على مبنى المشهور. وكون الكرّ بحسب المساحة أزيد منه بحسب الوزن هو ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري في <كتاب الطهارة> حيث قال: <فالظاهر أنّه لا ينبغي الارتياب في كون الكرّ بحسب المساحة أزيد>([101]). كما وذهب إليه الإمام الخميني حيث قال: <إنّ تقديره بالوزن يكون في الغالب ــ بل دائماً ــ أقلّ من ثلاث وأربعين شبراً>([102]).

وفي هذه الصورة نفترض تحقّق المساحة، ثم ننظر في تحقّق الوزن، وذلك على مسلك السيّد الخوئي تبعاً للقميّين من كون المساحة (27) ش3. وقد قلنا مراراً: إنّ = × (عدد الأشبار) × 3= (1) × (27) × (21)3 = (250) كلغ. وعلى القول الآخر من كون الشبر <22.91>، = × (عدد الأشبار) × 3= (1) × (27) × (22.91)3 = (324.6) كلغ. وأنت ترى أنّ علاميّة المساحة على الوزن لا تتمّ على مذهب السيّد الخوئي، سواء افترضنا الصحيح على مبناه من كون الشبر (21) سم، أو افترضنا رقماً أكبر منه (22.91) سم؛ وذلك لأنّ وصول المساحة إلى (27) شبراً لا توصل الوزن إلى الوزن الصحيح عنده، وهو (377) كلغ، بل في أفضل الأحوال، يصل الوزن إلى (324.6) كلغ.

أما على مبنى المشهور من كون المساحة (42.875) شبراً، فإنّ: = × (عدد الأشبار) × 3= (1) × (42.875) × (21)3 = (397) كلغ. وأنت ترى أنّه أكبر من الوزن الذي ذهبوا إليه من كونه (377) كلغ. ومن هنا فإنّه يصحّ ادعاء العلاميّة على مذهب المشهور؛ لأنّ بلوغ الماء (42.875) شبراً مساحةً يحقّق بلوغه (397) كلغ وزناً، وهو علامة على بلوغه (377) كلغ قبل ذلك.

الصورة الرابعة: أن يكون الوزن أكبر من المساحة في بعض الحالات، ويكون أصغر منها في حالات أخرى. وذلك بحسب اختلاف المياه من ناحية الثقل والخفة([103]). وهذه الصورة هي <الصحيحة المطابقة للواقع لاختلاف المياه في الثقل حسب اختلاطها بالمواد الأرضيّة([104])>. وعلى هذا يكون المدار على حصول كل واحد من التحديدين، وأن أيّهما حصل كفى في الاعتصام. ثم ذكر الخوئي أنّ المياه الثقيلة يحصل فيها الوزن قبل المساحة، والشارع اعتبر في المياه الخفيفة أن تكون أكثر من غيرها؛ لأنها أسرع إلى التغيّر.

وتبنّي هذه الصورة يتوقّف على استطلاع عالم الإثبات لمعرفة هل أنّ تغيّر كثافة الماء يؤدّي فعلاً إلى زيادة الوزن على المساحة تارةً ونقصانه عنها تارةً أخرى. وفي ذلك لابدّ من التفصيل بين مذهب السيّد الخوئي ومذهب المشهور:

أ ـ على مذهب السيّد الخوئي: لو أخذنا (27) شبراً من المياه، فإنّ وزنها (250) كلغ على تقدير كون الشبر (21) سم كما هو الصحيح، أو (324.6) على تقدير كون الشبر (22.91) سم كما هو مقتضى التنـزّل. وبحسب دعوى السيّد الخوئي، فإنّ كثافة الماء إذا زادت بمقدار معيّن، فإنّ من الممكن أن يصل وزن الــ(27) شبراً إلى (377) كلغ أو يزيد عليه. ولمعرفة مقدار الكثافة التي يجب افتراضها بعد كون المساحة ثابتةً (27 شبراً)، ينبغي الالتفات إلى المعادلة المتقدّمة: = ×K = . ولمّا كانت المساحة ثابتة، فهذا يعني أنّ (فرض الكثافة الأولى) = (فرض الكثافة الثانية) K على التقدير الأوّل للوزن: = K = = (1.508). وعلى التقدير الثاني للوزن: = K = = (1.16).

وهاتان النسبتان ـ كما ترى ـ لا يمكن الالتزام بهما بوجه: أما الأولى فلأنّ كثافة مياه البحر الميّت تساوي (1.28)، وأمّا الثانية فلأنّ كثافة مياه البحار والمحيطات تقرب من (1.037) وهي أقلّ من هذه النسبة بـ(43) ضعفاً. هذا ويمكن السير من منطلقات متعدّدة بأن يفرض الوزن أولاً ثم استكشاف المساحة، والكلّ عليل.

هذا إذا افترضنا أنّ الوزن الصحيح هو (377) كلغ بناءً على كون المثقال الصيرفي (4.6) غ، أمّا إذا افترضنا كونه أكثر من ذلك لكون المثقال الصيرفي (4.8) غ ــ كما لعلّه الصحيح ــ، فالمشكلة تزداد تعقيداً على مذهب السيد الخوئي؛ لأنّ عليه رفع الوزن من (250) أو (324.6) إلى (393) بدل أن يرفعه إلى (377)، وهذا يحتاج إلى تكثيف الماء أكثر.

ب ـ على مذهب المشهور: أمّا على مذهب المشهور، فلو أخذنا <42.875> شبراً من المياه، فإنّ وزنها على تقدير كون الشبر (21) سم: = × (عدد الأشبار) × 3= )1) × (42.785) × (21)3 = (397) كلغ وهو أكثر من (377) كلغ. وفي هذه الصورة لا يمكن أن ينقص الوزن عن ذلك ليصل إلى (377)؛ وذلك لأنّنا ــ وبعيداً عن عامل الحرارة الذي يمكن إقحامه لكن دون جدوى ــ افترضنا الكثافة الدنيا للماء باعتباره مقطّراً.

المختار في التوفيق بين الوزن والمساحة

كنّا قد قلنا بأنّ المعادلة الحاكمة في باب الكرّ هي التالية: = × (عدد الأشبار) × 3 ولمّا كان الوزن = 1200 رطلاً = 1200 × 68.25 مثقالاً صيرفيّاً = (81900) مثقالاً، فلو رمزنا إلى عدد الأشبار بــ <> وإلى المثقال بــ <>K 81900 × = ××3. فهناك إذاً أربعة متغيّرات:

1 ـ المثقال الصيرفي (): وقد ذكرنا له تحديدات ثلاث: (4.6)، (4.8) و(4.884). والأوثق في النفس هو الثاني.

2 ـ الشبر (): وقد ذكرنا له مجموعة من التحديدات: (21)، (22)، (23)، (23.25)، (23.5)، (24)، (25).

3 ـ الكثافة (): وقد ذكرنا لها مجموعة من التحديدات: (1)، (1.001)، (1.001)، (1.005)، (1.037)، (1.28).

4 ـ عدد الأشبار (): وقد ذكرنا له تحديدات أهمّها: (27) وهو مذهب السيّد الخوئي، (28.28) وهو الصحيح في مذهب السيّد الخوئي مع عدم التسامح بمقدار ()، و(42.875) كما هو مذهب المشهور.

فيكون المتحصّل من هذه الوجوه وبحساب الاحتمالات: (3) × (7) × (6) × (3) = (378) وجهاً. ولا شكّ بأنّ قسماً منها يحقّق التوفيق بين الوزن والمساحة، لكنّ الكثير منها ممّا لا يمكن الالتزام به لفساد مقدّماته كموافقة كثافة المياه لمياه البحر الميّت مثلاً، أو لكون الشبر أكبر من أقلّه من مستوي الخلقة، أو غير ذلك.

لكنّنا لو بنينا على التالي:

1 ـ المثقال الصيرفي يساوي (4.8) غ كما ذهب إليه الشيخ إبراهيم سليمان العاملي صاحب <الأوزان والمقادير>، وتركنا ما بنى عليه السيّد الخوئي والسيّد الصدر (4.6غ)، والسيّد محمّد الصدر (4.884غ) ــ الذي تفرّد بهذا الرقم بحسب الظاهر ــ، وغيرهم (4.25غ مثلاً([105])>.

2 ـ الشبر يساوي (21) سم، بناءً على مبنى السيّد الخوئي، والسيّد الصدر من لزوم كونه الأقلّ من مستوي الخلقة، وهو الموافق لما نراه خارجاً.

3 ـ الكثافة تساوي (1.001) كما هي كثافة المياه العذبة غير المقطّرة والصالحة للشرب.

4 ـ المساحة توافق ما ذهب إليه المشهور من كونها (42.875) شبراً مكعّباً.

بعد ذلك نستخرج الوزن عبر <المثقال>، ثم نضعه في معادلة <الكثافة> و<الحجم> من أجل استخراج الحجم وقياسه إلى مذهب المشهور:

أمّا الوزن فيساوي: (81900) × (4.8) = (393.120) كلغ. وقد قلنا: إنّ = × (عدد الأشبار) × 3K عدد الأشبار = = = = (42.4) شبراً، وهو في غاية القرب من مذهب المشهور في كونه (42.875). والفارق (42.875) ـ (42.4) = (0.475) شبراً مكعباً. ولما كان الشبر المكعّب الواحد: 21 × 21 × 21 = (9261) سم3، ويزن 9261 × 1.001 = (9.270) كلغ K يزن الفارق (0.475) × (9.270) = (4.4) كلغ. لكن يمكن التخلّص من هذا الفارق عبر اعتبار الشبر أقلّ من <21> سم بقليل، ولو أردنا إلغاء الفارق نهائياً، لأمكن استخراج مقدار الشبر الذي يفي بذلك عبر المعادلة نفسها، وهي أنّ = × (عدد الأشبار) × 3 K3 = ÷ × (عدد الأشبار) = (393.120) ÷ (1.001 × 42.875) = (9.159819) K = = (20.92324) سم. ولا غضاضة في اعتبار هذا الشبر أقلّ شبر من مستوي الخلقة، كما لا غضاضة في اشتماله على هذا الكسر الرياضي، فإنّ مقدار الشبر اعتباريٌّ محض.

 

عودة إلى السيّد الخوئي والمشهور

ذهب السيّد الخوئي إلى أن التوفيق بين الوزن والمساحة على مذهب المشهور في غاية الإشكال بل غير ممكن بوجه([106]). وقد عرفت من خلال ما قدّمته هذه الدراسة أنّ القضية معكوسة تماماً، فإنّه على مبناه نفسه في اعتبار أقلّ شبر من مستوي الخلقة والذي يمكن تحديده بــ(21) سم أو أقلّ بقليل (20.923) سم، يكون التوفيق بين الوزن والمساحة على مذهب المشهور في غاية الدقّة. وفي مقابل ذلك أظهرت المناقشة الفيزيو ــ رياضيّة للصور الأربع التي افترضها وتبنّى الأخيرة منها، أنّ التوفيق غير ممكن على مذهبه بوجه. لأنّه إمّا أن يبتلى بمخالفة ما بنى عليه من كون الشبر أقلّ شبر من مستوي الخلقة، أو يبتلى بكثافة عالية للمياه لا يمكن تبنّيها بوجه ولا تتوفّر إلاّ في الوحل. أمّا على مذهب المشهور، فلو بنينا على الشبر المذكور، وعلى أنّ المثقال (4.8) غ، فإنّ <التوفيق> يكون في غاية <التوفيق>.

 

فتح الباب على مقدار المسافة الشرعيّة في مسألة صلاة المسافر

بعد الركون إلى كون الشبر (20.92324) سم، نستطيع الانتقال إلى تحديد المسافة الشرعيّة في السفر، حيث بنوا كذلك على كون الشبر هو الأقلّ من مستوي الخلقة. ولو علمنا أنّ المسافة الشرعية <8> فراسخ، وأنّ الفرسخ ثلاثة أميال، وأنّ الميل (4000) ذراعاً، وأنّ الذراع «شبران»K المسافة الشرعيّة تساوي: 8 × 3 × 4000 × 2 × الشبر = 192000 × 20.92324191 = (40.1726) كلم = (40) كلم و (172) متراً و(60) سم. وذلك خلافاً لما ذهب إليه السيّد الخوئي من كونها (44) كلم تقريباً([107])، وما ذهب إليه السيّد الصدر من كونها (43.200) كلم([108])، ولعلّه خلاف الجميع أيضاً، لكنّ النفس قد تركن إليه لأنّه مبنيٌّ على مقدار للشبر استطاع التوفيق بين بابي: <الطهارة> و<الصلاة> من ناحية، وبين قضيّتي: <الوزن> و<المساحة> من باب <الطهارة> نفسه.

 

خلاصة البحث

الحريّ بالقميّين الذين ذهبوا إلى أنّ حجم الكرّ (27) شبراً، هو البناء على كونه (28.28) شبراً، وذلك لعدم وجاهة تسامحهم بمقدار (). ثمّ إنّ <التوفيق> على مذهبهم بين الوزن والمساحة لا يمكن أن يحالفه التوفيق، خاصةً عند من يرى لزوم مراعاة أقلّ شبر من مستوي الخلقة. أما على مذهب المشهور في كون الحجم (42.875) شبراً، فالتوفيق في غاية التوفيق والإمكان، خاصةً عند من يبني على أنّ المثقال الصيرفي (4.8) غراماً. ثمّ انجرّ بنا البحث إلى <المسافة الشرعيّة> حيث بنينا على كونها (40) كلم و(172) متراً و(60) سم، خلافاً لما هو معروف ومتداول.

الهوامش

(*)باحث في الحوزة العلمية، من لبنان.

([1]) انظر: المصباح المنير: 530.

([2]) راجع مثلاً تحليلات البهائي الرياضيّة في: الحبل المتين في أحكام الدين: 110 وقارنه بغيره.

([3]) مهذب الأحكام 1: 187.

([4]) الأقطاب الفقهيّة على مذهب الإماميّة: 131؛ ونضد القواعد الفقهيّة على مذهب الإماميّة: 400؛ وجواهر الكلام، ط ق 1: 181؛ ونخبة الأزهار في أحكام الخيار: 130؛ والعروة الوثقى 1: 80؛ والنجم الزاهر في صلاة المسافر: 7.

([5]) انظر مثلاً: مقابيس الأنوار: 76.

([6]) جواهر الكلام 1: 181.

([7]) راجع حول هذا المبنى الأصولي: مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى 12: 407.

([8]) الكاشاني، الوافي 6: 36.

([9]) انظر مثلاً: البيان للشهيد الأوّل: 99؛ وجامع المدارك 1: 7؛ ومقابس الأنوار: 76؛ وجواهر الكلام 1: 162؛ وكتاب الطهارة للشيخ الأنصاري 1: 159؛ والتنقيح في شرح العروة الوثقى 2: 210؛ ومهذّب الأحكام 1: 180؛ وبحوث في شرح العروة الوثقى 1: 432.

([10]) انظر مثلاً: الحدائق الناضرة 1: 263.

([11]) انظر مثلاً: المستند في شرح العروة الوثقى 1: 383.

([12]) انظر مثلاً: جواهر الكلام 3: 121.

([13]) بحوث في شرح العروة الوثقى، السيّد محمّد باقر الصدر، دار التعارف للمطبوعات 1: 464.

([14]) الشيخ إبراهيم سليمان، الأوزان والمقادير.

([15]) محمد الصدر، ما وراء الفقه 1: 76.

([16]) الشيخ محمد إسحاق الفيّاض، منهاج الصالحين 1: 31، م52.

([17]) الأوزان والمقادير،المثقال الصيرفي.

([18]) السيّد محمد ترحيني، الزبدة الفقهيّة 1: 39.

([19]) الكلبايكاني، هداية العباد 1: 16، م53.

([20]) بحوث في شرح العروة الوثقى 1: 446.

([21]) الشيخ سند، سند العروة الوثقى 2: 185؛ والسيد الخميني، تحرير الوسيلة 1: 16، م14؛ والسيد الصدر، الفتاوى الواضحة: 152، دار التعارف للمطبوعات؛ ومنهاج الصالحين 1: 24، م17.

([22]) منهاج الصالحين 1: 18، م49.

([23]) منهاج الصالحين 1: 24، م17.

([24]) الفتاوى الواضحة: 152.

([25]) صراط النجاة 3: 285 ـ 286، 865 ـ 868.

([26]) منهاج الصالحين 1: 305، م1115.

([27]) منهاج الصالحين 1: 321، م1178.

([28]) منهج الصالحين 1: 14، م56.

([29]) ما وراء الفقه 1: 78.

([30]) منهاج الصالحين 1: 18، م49.

([31]) وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، باب 10 من أبواب الماء المطلق، ح 1.

([32]) تقدّم حساب الذراع، وهو يساوي شبرين عند السيدين: الخوئي والصدر، والظاهر من بعض العمليات الرياضية أن السيّد محمّد الصدر لا يرتضي ذلك.

([33]) وهو مذهب الشيخ البهائي على ما في الحدائق 1: 275.

([34]) انظر على سبيل المثال: حساب البحراني في الحدائق 1: 275.

([35]) الحدائق الناضرة 1: 275.

([36]) التنقيح 2: 161.

([37]) وسائل الشيعة، باب 10 من أبواب الماء المطلق، ح 4.

([38]) المصدر نفسه، ح 6.

([39]) التنقيح 2: 161.

([40]) المصدر نفسه: 169.

([41]) بحوث في شرح العروة الوثقى 1: 421.

([42]) على ما في المستمسك 1: 160.

([43]) الحكيم، المستمسك 1: 160.

([44]) فقه الشيعة 1: 190.

([45]) منهاج الصالحين 1: 24، حاشية.

([46]) فقه الإمام الصادق× 1: 18.

([47]) ما وراء الفقه 1: 83.

([48]) المصدر نفسه: 82 ـ 84.

([49]) مستند الشيعة 1: 66.

([50]) راجع: الحدائق الناضرة 1: 275؛ جواهر الكلام (ط.ج) 1: 120؛ مستمسك العروة الوثقى 1: 157.

([51]) الأوزان والمقادير، مبحث الكر.

([52]) التنقيح 2: 162.

([53]) المصدر نفسه: 170.

([54])مستمسك العروة الوثقى 1: 158.

([55]) سند العروة الوثقى 2: 180.

([56]) أعيان الشيعة 7: 22، ط دار التعارف، 1406هـ.

([57]) بحوث في شرح العروة الوثقى 1: 446.

([58]) المصدر نفسه: 448.

([59]) المصدر نفسه.

([60]) راجع مثلاً: العروة الوثقى، السيّد اليزدي مع تعليقات لخمسة عشر مرجعاً 1: 56 ـ 58.

([61]) التنقيح 2: 171.

([62]) بحوث في شرح العروة الوثقى 1: 455.

([63]) ما وراء الفقه 3: 347.

([64]) الخوئي، منهاج الصالحين 1: 238، م884.

([65]) ما وراء الفقه 3: 347.

([66]) التنقيح 2: 160.

([67]) بحوث في شرح العروة الوثقى 1: 433.

([68]) الحدائق الناضرة 1: 374.

([69]) دروس في فقه الإمامية 1: 511.

([70]) دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي 1: 26.

([71]) التنقيح 2: 160.

([72]) انظر: ما وراء الفقه 3: 348.

([73]) انظر: المصدر نفسه 1: 442.

([74]) التنقيح 2: 171.

([75]) المصدر نفسه.

([76]) فقه الشيعة 1: 190 ـ 191.

([77]) بحوث في شرح العروة الوثقى 1: 433.

([78]) الفتاوى الواضحة: 401.

([79]) المصدر نفسه: 153.

([80]) منهاج الصالحين 1: 238، م884.

([81]) ما وراء الفقه 1: 81.

([82]) دروس في فقه الإمامية 1: 519.

([83]) مبادئ علم الفقه 1: 97.

([84]) التنقيح 2: 161.

([85]) مستمسك العروة الوثقى 1: 159.

([86]) الموسوعة العربية الميسرة والموسّعة 7: 3070، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت.

([87]) موسوعة كنوز المعرفة 7: 139، دار نظير عبود، بيروت.

([88]) بهجة المعرفة، م1، 3: 123.

([89]) الموسوعة العربيّة العالميّة 22: 21، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع.

([90]) الموسوعة العربية الميسرة والموسّعة 7: 3071.

([91]) المصدر نفسه.

([92]) موسوعة كنوز المعرفة 7: 139.

([93]) بحوث في شرح العروة الوثقى 1: 445؛ والفتاوى الواضحة: 152.

([94]) الفتاوى الواضحة: 153.

([95]) ما وراء الفقه 1: 85.

([96]) محمد سعيد الحكيم، منهاج الصالحين 1: 14، م3.

([97]) التنقيح 1: 172.

([98]) موسوعة كنوز المعرفة 7: 139.

([99]) التنقيح 1: 172.

([100]) المصدر نفسه.

([101]) الأنصاري، كتاب الطهارة 1: 191.

([102]) الإمام الخميني، كتاب الطهارة: 119، تقرير الفاضل اللنكراني.

([103]) التنقيح 1: 173.

([104]) المصدر نفسه 2: 173.

([105]) الموسوعة العربيّة الميسّرة والموسّعة 7: 3141.

([106]) فقه الشيعة 1: 190، 192.

([107]) منهاج الصالحين 1: 238، م884.

([108]) الفتاوى الواضحة: 401.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً