أحدث المقالات

د. محمد كاظم رحمتي(*)

ترجمة: د. نظيرة غلاب

 

إن تعايش الفرق والمذاهب المختلفة فيما بينها ضمن مكوّن واحد، ووجود المشتركات بين ثقافاتها المختلفة، يجعل من مسألة التشارك والتبادل الثقافي أمراً طبيعياً، وخصوصاً إذا كان الطابع الغالب هو التسامح، رغم أنه في مسار التطور التاريخي لمختلف المذاهب والأديان كثيراً ما يستعمل الإقصاء، ولغة نفي الآخر، وهو ما يعرض هذا السلوك الطبيعي بين الثقافات إلى التهميش، وحتى إلى محاولة الإبادة. ويلاحظ أن مجال التعامل الثقافي عند القدامى لم ينحصر في مجال المشتركات بين المذاهب داخل الدين الواحد، بل هناك شواهد كثيرة على انفتاح المسلمين وعقيدتهم على الأديان الأخرى، وخصوصاً مع وجود شواهد كثيرة على تعامل الإسلام واليهودية في القرون الأولى.

والواقع أنّ المشتركات التي نتحدّث عنها هي أعمّ من اللسان المشترك، فعلوم الإلهيات والمباني الكلامية المشتركة، كلّ هذه، أرضية واقعية مكّنت الأديان الثلاثة الإبراهيمية للاستفادة من بعضها البعض في القرون الأولى. فاللسان المشترك، ووجود مجموعات وفرق متعدّدة من الأقليات الدينية اليهودية والمسيحية، ضمن توسع رقعة الحضارة الإسلامية، أوجد نمطاً من التبادل الثقافي بين هذه الأديان الثلاثة، بالرغم من أن هذا التعامل والتبادل الثقافي قد اتخذ صوراً وأساليب متنوعة([2]).

غير خفي على المحقّقين وذوي الاختصاص مدى تأثير مباني الكلام الإسلامي في علم اللاهوت عند الأقليات الدينية الأخرى، التي كانت تحتضنها الدولة الإسلامية. ويظهر هذا التأثير خاصّة في علم اللاهوت اليهودي، إلى درجة أنه أصبح بعد ذلك منتشراً عندهم على نطاقٍ واسع خارج حدود الدولة الإسلامية، ليصبح من المباني الأصيلة، يورِّثونها لبعضهم جيلاً بعد جيل.

والحقيقة أن التشابه بين مواضيع علم الكلام الإسلامي وعلم اللاهوت اليهودي في تاريخه القديم كانت وراء إقبال بعض متكلِّمي اليهود على التراث الكلامي الإسلامي. وقد أشارت إلى ذلك كتب التراجم والسيرة الذاتية. ومن بين الفرق الكلامية الكبرى الإسلامية أثَّرت المعتزلة كثيراً في الكلام اليهودي لليهود من أهل الذمّة. ولم تنحصر استفادة علماء اليهود من علماء المعتزلة بحضور مجالسهم، أو كتابة آثارهم، بل توسع تأثُّرهم بالمعتزلة حتّى نقلوا أسلوبهم ومنهجهم في الاستدلال، ولربما انتقل حتّى شكل تعاطي اتجاهات المعتزلة فيما بينهم، وتأثّروا بها شدّة وحدّة.

عمدة معلوماتنا بخصوص الأمر الأخير ما توفّر للمحقّقين ضمن مجموعة جنيزة كنيسة بن عزرا في القاهرة، التي جمعها أحد علماء يهود القرائين، باسم أبراهام فركويتش([3])(1787 ـ 1874) ـ من يهود القرائين، سكن روسيا ـ، من طول سفره إلى كنائس يهود العراق والشام ومصر. كان من سنن اليهود أن يضعوا أو يدفنوا الأوراق التي تحمل عبارات أو أسماء مقدّسة في مكانٍ خاصّ، حتى لا تتعرّض لهتك حرمتها بالرمي أو ما شاكله، واختصّت سنة اليهود من أهل الذمّة في دفن تلك الأوراق في أماكن مخصوصة لذلك داخل كنائسهم([4]).

ومن أشهر جنيزات اليهود من أهل الذمّة جنيزة كنيسة ابن عزرا في القاهرة القديمة (الفسطاط)، والتي كانت منذ مدّةٍ طويلة محطّ اهتمام المحقّقين في النسخ والمطبوعات([5]). لكنّ جنيزة ابن عزرا، والتي كانت كثيرة العدد (تقريباً 180000 قطعة)، كانت تعاني من عدم ارتباط قطعاتها بعضها ببعض، لذلك ليست في مستوى أن تفي بمبتغى المحقِّقين ومتطلبات البحث. في المقابل فإن جنيزة مجموعة فركويتش، مقارنة مع باقي جنيزات اليهود الأخرى، تختلف من حيث الماهية والحجم. وخلافاً لجنيزة ابن عزرا فإن الأخيرة تشتمل على آثار خطية مختلفة، وحجمها يختلف عن مثيلاتها، وهناك بعض النسخ فيها تتكوّن من مئة ورقة، ومشتملة على سنن لمختلف فرق اليهود، وبالخصوص يهود القرائين السامريين والربانيين. وتكمن أهمّية مجموعة فركويتش في أنها تحفظ آثار مختلف الفرق اليهودية، وتحمل آثاراً كثيرة، تكشف بكلّ سهولة عن تأثير المباني والمناهج الكلامية الإسلامية على علم اللاهوت والكلام ليهود القرائين الذين عاشوا في كنف الدولة الإسلامية.

هناك شواهد وأدلّة كثيرة تكشف مدى تأثر يهود القرائين والربانيين في العراق خلال القرن الثالث بكلام المعتزلة([6]). ساموئيل بن حفني(1013م)، من كبار علماء يهود الربانيين،  بل من المتكلِّمين الكبار في هذه الطائفة من اليهود خلال القرن الخامس الهجري. ويحتمل أن يكون قد عاصر جوانتر أو يافث بن علي، مؤلِّف كتاب النعمة في الأصول، أو يوسف بن نصير(1038م)، والذي بلغت شهرة كتبه الآفاق، وخاصّة كتابَيْه: المحتوى؛ والتمييز. وكلا الرجلين من كبار علماء طائفة اليهود القرائين. وقد ظهر تأثرهما الكبير بالكلام الإسلامي في كتاباتهما، ومن خلال تبنيهما للنمط الاعتزالي في مباني الاستدلال والاحتجاج.

وجود هذا التوجُّه بين علماء اليهود دفع بهم إلى كتابة ونقل آثار المتكلِّمين المسلمين. وتعد مجموعة فركويتش شاهداً حيّاً على هذا التوجه، بل إن قسماً من نسخ مجموعة فركويتش هي في الحقيقة آثار علماء المسلمين في مواضيع مختلفة، وخاصّة الكلام وأصول الفقه. ومن بين أهم النسخ في هذه المجموعة:

1ـ مجلدات من كتاب المغني، للقاضي عبد الجبّار الهمداني(415هـ)، وهو يوافق في نسبة كثيرة التحريرات المتعددة منه التي انتقلت إلى اليمن، مع الإشارة إلى أن مجموعة فريكوتش قد اشتملت على أجزاء من الكتاب أعمّ ممّا في النسخ الموجودة في اليمن.

2ـ كتاب كلامي للصاحب بن عبّاد(385هـ)، بعنوان: نهج السبيل في الأصول. غير أن هذا الكتاب لم تسجِّل وجوده أيٌّ من المكتبات حتّى الآن. والظاهر أن الموجود منه فقط مقالة واحدة (طهران، ج24، ص418، وعنوان الكتاب طبق النقل الموجود «نهج السبيل في إثبات التفضيل»). وقد يكون الكتاب في الحقيقة هو شرح القاضي عبد الجبّار الهمداني على كتاب الطبيعيات (مبحث الجوهر والأعراض)، تأليف الصاحب بن العباد، لكن لا يوجد ضبطٌ دقيق لعنوانه، كما أنه لم يعثر له على أثر في الموروث الإسلامي.

قد يكون التعامل والتبادل الثقافي، كما تابعناه من خلال تأثُّر اليهود بالكلام الإسلامي، قد طوته يد النسيان؛ وذلك لعوامل متعددة، من جملتها: تغير لغة ثقافة اليهود، وانتشارهم ضمن منظومات ثقافية أخرى. لكنْ في الجملة تتكشّف من خلال الشواهد التي ذكرناها أن هناك مساحة ثقافية مشتركة بين الأديان، مكَّنت من تعامل وتبادل ثقافي، على رغم ما أصابها من فتور.

لم يقتصر هذا التعامل والتبادل الثقافي على اليهود، بل كان كذلك عند المسحيين، كما أشرنا إلى ذلك في مقدّمة البحث، فتواجد الأقلّيات المسيحية على امتداد رقعة العالم الإسلامي، وبالأخص في كلٍّ من التجمعات المسيحية في العراق، والشام، ومصر، وشمال أفريقا من جهةٍ، ومسيحيّي الأندلس من جهةٍ أخرى، مكّن من إيجاد مساحة واسعة من التبادل الثقافي، حيث كان إقبال المسيحيين على التأليف والاستنساخ والترجمة للتراث الإسلامي في جميع أبعاده، وخصوصاً ما كانت تستفيد منه في رفع احتياجاتها الثقافية والفكرية. وفي المقابل كان كذلك إقبال علماء المسلمين على النتاج الفكري والثقافي المسيحي. ولعلّ أبسط مثال على انفتاح المسلمين على التراث المسيحي تعدُّد الترجمات العربية للعهدين، واستعمال المسلمين لهما في مجادلاتهم الكلامية مع أهل الكتاب. كما توجد شواهد أخرى على توفُّر المسلمين على بعض كتب المسحيين، كملحقات الكتاب المقدس، أو ما يعرف بالأبوكريفا (Apocrypha)، والتي كانت مورد التحقيق والبحث والدراسة المفصلة([7]).

في هذه الدراسة ـ مع حفظ قيد الاحتمال ـ سنحاول التعرُّض لمتن كتاب «الفكر والاعتبار في الدلائل على الخالق، وإزالة الشكوك في تدبيره عن قلوب المسترشدين»، تصنيف: جبريل بن نوح بن أبي نوح النصراني الأنباري. يحتمل أن يكون قد صنّف في تراث مسيحيي العراق (القرن الثالث)، والظاهر أنه؛ لخصوصية خاصة، كان مورد اهتمام المسلمين، وتم تشكيل تحرير شيعي له اشتهر بـ (توحيد المفضَّل). كما كان له تحريرٌ مختصر، بعد حذف المقدّمة، وتهذيب متنه، نُسب للجاحظ في أوساط أهل السنّة. كما وُجد له تحريرٌ كامل مع المقدّمة، عرف بـ (تحرير الجاحظ)، وانتشر بين الزيدية.

اتّخذ تشكّل علم الحديث وتدوين وتجميع الدفاتر الحديثية رونقه الخاص بين شيعة العراق خلال القرن الثاني وما بعده. وضمن العمل على تدوين الكتب الحديثية، والتي عرفت بـ (الأصول) في التراث الشيعي، طرحت أمام المحدثين مشكلة كيفية تشخيص المتون الصحيحة والأصيلة من غيرها، كيف يمكن الوصول إلى الموثق منها في حالة تعدّد التحريرات للأثر الواحد واختلافها؟

وفي هذا المضمار نجد شخصيات كانت رئيسة ومفتاحية في حلّ هذه المعضلة، وفي تصحيح وتدوين الحديث الشيعي، أمثال: ابن أبي عمير، حُمَيْد بن زياد، ابن الوليد القمّي، والذين كانوا إلى جانب ذلك يتمتَّعون بمكانة بارزة بين الشيعة. وللأسف فما زال البحث متأخراً عن دراسة دورهم ومكانتهم في حفظ الحديث الشيعي ومدوّناته. وقد كان تداول بعض التحريرات والكراريس الحديثية المشكوك في صحتها ووثاقتها ضمن المعضلات التي طرحت أمام المحدّثين منذ تلك الفترات الأولى. وكان تدوين الفهارس، واعتماد الأشخاص ممَّنْ ذكرنا؛ ولمكانتهم الخاصة في إيجاد الاتّصال في روايات المكتوبات الحديثية، وذكرهم ضمن فهارس الأصحاب الأصلية، من أهمّ طرق فرز التحريرات والدفاتر الموضوعة والمجعولة([8]).

وفي الجملة فملاحظة الموادّ التي أوردها الشيخ الطوسي في كتاب الفهرست، والنجاشي في فهرست أسماء مصنِّفي الشيعة، تبيِّن شكل تعاطي القدامى مع المتون، واختلاف مناهجهم ومبانيهم فيها. هذا، من دون إغفال منهج النجاشي والطوسي في فهرستهما؛ فالنجاشي ـ وعلى خلاف الشيخ الطوسي ـ قد يفصِّل أكثر في ترجمة الرواة وآثارهم. فمثلاً: في ما يتعلَّق بالمفضَّل بن عمر الجعفي نجد الشيخ الطوسي اكتفى بالإشارة إليه بأن النجاشي كتب أن له أثراً بعنوان الوصية، وروى الشيخ نصّه برواية ابن أبي الجيد، عن محمد بن حسن بن الوليد القمّي، عن الصفّار القمّي وحسن بن متيل، كلاهما نقلاه عن محمد بن حسين، عن محمد بن سنان، عن مفضَّل بن عمر. وتابع الشيخ الطوسي إشارته إلى أحد الدفاتر الحديثية التي رواها المفضَّل، وأشار إلى أن هذا التحرير يجب أن يكون قد أخذ عن التحرير المنقول عن أصل المفضَّل، والذي رواه مجموعةٌ من المشايخ، عن التعلكبري، عن ابن همام. وقد روى الأثر المذكور ابن همام الإسكافي برواية حُمَيْد بن زياد، عن أحمد بن حسن البصري، عن أبي شعيب المحاملي، عن مفضَّل([9]).

بدون شكٍّ فإنّ اندراس الدفاتر الحديثية الأولى كان ولا زال عاملاً في عدم التوجه بالمقدار الكافي للشخصيات الأعلام في الحديث ورواة الدفاتر الحديثية، أمثال: ابن أبي عمير، وحُمَيْد بن زياد. لكنّ القدر المتيقَّن منه أن دور هؤلاء الرواة لم يكن يقتصر على رواية الدفاتر والمصنفات الحديثية بل كانوا يعملون على تصحيح وتصفية تلك الأثار القديمة، وبالخصوص تلك المصنفات التي اعتنوا بروايتها، وهذا ما جعلها تحظى باعتبار كبير عند الأصحاب، وبقيمةٍ خاصة.

ويلاحظ أن تقريرات النجاشي حول المفضَّل بن عمر تختلف كثيراً عن تقرير الشيخ الطوسي، بلحاظ إشارته إلى بعض الجزئيات. فالنجاشي([10]) في تعريفه للمفضَّل ذكر كُناه وألقابه، وقال: (أبو عبد الله أو أبو محمد أو…)، وذكر عبارات الجرح الواردة فيه، نحو: «فاسد المذهب»، «مضطرب الرواية»، «لا يعبأ به». وأضاف: إن حد الجرح فيه وصل إلى القول: إنّه كان خطّابيّاً([11]). والملفت في ما ذكره النجاشي أن بعض الآثار التي كانت تتداول على أنها للمفضَّل لم تكن في الحقيقة من تصنيفه، ولا يجب التعويل عليها (وقد ذكرت له مصنَّفات لا يعول عليها)، ثم انتقل بعد ذلك إلى ذكر بعض المصنَّفات في التراث الشيعي التي يمكن إلى حدٍّ معين قبول انتسابها إلى المفضَّل([12]). وتابع النجاشي بذكر مصنَّفات المفضَّل على النحو التالي: 1ـ ما افترض الله على الجوارح من الإيمان، وهو كتاب الإيمان والإسلام؛ 2ـ كتاب يوم وليلة؛ 3ـ كتاب فكر ـ حيث تابع النجاشي في عنوانه ـ كتاب في بدء الخلق والحثّ على الاعتبار؛ 4ـ وصيّة المفضَّل؛ وأخيراً 5ـ كتاب علل الشرائع.

أشار النجاشي إلى تعدُّد نسخ الكتاب الأول للمفضَّل (الرواة له مضطربون في الرواية له)، وذكر طريقه إلى هذا الكتاب. قال: «أخبرنا أبو عبد الله بن شاذان قال: حدّثنا عليّ بن حاتم قال: حدّثنا أبو عمر أحمد بن علي الفائدي، عن الحسين بن عبيد الله بن سهل السعدي، عن إبراهيم بن هاشم، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد بن معاوية، عن أبي عمرو الزبيري، عن المفضَّل بن عمر».

وهذا الطريق التي ذكره النجاشي لكتاب الإيمان والإسلام، للمفضَّل، هو في الواقع من متفرّداته. وقد أتى النجاشي في فهرسته على ذكر شخصٍ باسم محمد بن علي القزويني، أبو عبد الله بن شاذان القزويني، أبو عبد الله القزويني، أبو عبد الله القزويني ابن شاذان، أبو عبد الله بن شاذان، ابن شاذان أو أبو عبد الله محمد بن علي بن شاذان. والسؤال الأوّل المبدئي: هل هذه الأسماء تتعلّق بشخصٍ واحد بعينه أم هي لأفراد وأشخاص متعدّدين؟

وفي الواقع لا مفتاح لعقدة هذا السؤال إلاّ من خلال تتبُّع أقوال النجاشي التي نقل في طريقها تلك الأسماء. وبالاستقراء لتلك الطرق يتبيَّن أن جُلَّ تلك الأسماء وقعت في بيان طريق أبي الحسن علي بن حاتم القزويني، وطرق روايته (والطريق المذكور: محمد بن يحيى العطّار، وربما حيدر بن محمد السمرقندي، عن العياشي) . وهذه المتابعة توصلنا إلى أن كل تلك الأسماء إنما هي لشخص واحد بعينه، وهو أبو عبد الله محمد بن علي بن شاذان القزويني. الشخص المذكور سافر سنة 400([13]) إلى بغداد، قاصداً زيارة مقامات أهل البيت^([14])، حيث يتوقع أن يكون النجاشي قد التقى به هناك. والتاريخ المذكور هو قبل سفر الشيخ الطوسي من خراسان إلى بغداد، يعني سنة 408هـ. وهذا ما يفسِّر عدم ورود اسم القزويني في فهرست الطوسي؛ إذ إن الطوسي جاء بغداد بعد القزويني بمدّةٍ لا تقلّ عن ثماني سنين، وربما أكثر أو أقلّ. وقد روى النجاشي الكتب الأربعة الأخرى برواية أبي عبد الله بن شاذان القزويني، وعن طريقه وروايته. ولا تختلف طرق الكتب الأخرى عن الطريق الأولى في كونها لم تكن ضمن طرق فهارس مشهور الأصحاب. وإلى هذا يرجع اختلاف سلسلة طرق الشيخ الطوسي عن سلسلة طرق النجاشي في رواية مصنّفات المفضَّل؛ ففي سلسلة طرق الشيخ الطوسي أسماء محدّثين كبار وأصحاب فهارس، وفي اثنين من النصوص التي نقلها الشيخ الطوسي بعنوان مصنَّفات المفضَّل ذكرت في الفهارس الأصول للأصحاب. لكنّ السبب الحقيقي في عدم ذكر الشيخ الطوسي للمصنفات التي ذكرها النجاشي للمفضَّل ترجع إلى اختلاف مبنائي في الفهرست؛ إذ نمط الشيخ الطوسي كان متخصّصاً في ذكر مصنفات الأصحاب الروائية ـ الفقهية المتداولة (المدونات الروائية الفقهية)، بينما سلك النجاشي في فهرسته مسلكاً آخر أكثر عموماً، فقد نقل الموروث الشيعي المكتوب، أعمّ من أن يكون للأصحاب أو لغيرهم من الرواة([15]).

من الصعوبات التي صاحبت مسألة توثيق بعض المتون الشيعية في المراحل المتقدّمة تداول بعض النسخ التي لا يوجد عنها معلومات واضحة. وقد عرض النجاشي معلومات مختلفة حول متونٍ من هذا النوع، لكنّ الشيخ الطوسي لم يُدْلِ بمعلومات وتقريرات حولها؛ نظراً لاختصاص فهرسه بالمتون الحديثية التي رويت في الفهارس الأصول. ثم إن تعقيد شخصية بعض الرواة في الموروث الشيعي أوجد مثل هذا الإرباك، حتّى أنه يتم نسبة بعض المصنَّفات لغير أصحابها. وبخصوص المصنَّف الأخير، فباستثناء الإشارات التي ذكرها النجاشي بخصوصه، لا يوجد بين أيدينا مثل هذا المصنَّف، ولربما يكون المصنَّف الذي نحن بصدد الحديث عنه هو ما أشار إليه النجاشي، يعني كتاب فكر أو توحيد المفضَّل بن عمر الجعفي، والذي هو على ما يبدو في الأصل كتاب (الفكر والاعتبار في الدلائل على الخالق، وإزالة الشكوك في تدبيره عن قلوب المسترشدين)، وقد صنَّفه أحد المسيحيين من تيار النسطورية في العراق، باسم جبريل بن نوح بن أبي نوح الأنباري النصراني، في فترة حكم المتوكِّل العباسي. والكتاب الأخير موجودٌ بمكتبة آيا صوفيا على شكل مخطوطة منسوبة لجبريل بن نوح النسطوري، من مسيحيي العراق([16])، صنَّفه في القرن السابع([17]). وقد ذكر في الصفحة التي تحمل عنوان النسخة (الورقة 160 ب) عنوان الكتاب «كتاب الفكر والاعتبار في الدلائل على الخالق وإزالة الشكوك في تدبيره عن قلوب المسترشد»، تأليف: جبريل بن نوح بن أبي نوح (ولعل العبارة التي تبين أنه مسيحيٌّ قد تمّ حذفها) الأنباري. كما ذكر أن الكتاب قد صنف في فترة حكم المتوكِّل العباسي، وذُكر أن هذا التصنيف قد جاء بعد مجموعة من التصنيفات الأخرى في نفس الموضوع، حيث قال: (وقد وضع قبله في هذا المعنى عدّة كتب) . وسجل في الورقة 161 ألف وب استحضارين بخصوص وفاة العالم الحنفي، والذي على الظاهر كان يمتلك هذه النسخة من الكتاب، بالإضافة إلى استحضارٍ ثالث خاص بمعلومات عن عزل وتنصيب مجموعة من الأفراد. والكتاب ـ طبق تقسيم المصنّف ـ جاء في جزءين، يفهم هذا من إشارةٍ مقتضبة منه لذلك في ختام الجزء الأول، حيث كتب قائلاً: «تم الجزء الأول، ولله المنّة»، وبدأ الجزء الثاني بقوله: «بسم الله الرحمن الرحيم، الجزء الثاني من كتاب الاعتبار. قال جبرائيل بن نوح بن أبي نوح النصراني الأنباري…». وهذا المتن الأخير قد تمت نسبته إلى الجاحظ(255هـ)، ونشر تحت عنوان كتاب الدلائل والاعتبار على الخلق والتدبير، والأخير له كتابتين؛ واحدة مختصرة تم طبعها بالنصّ المطبوع، لا تختلف عن النسخة الخطية لكتاب الفكر والاعتبار إلاّ في انتسابها إلى الجاحظ؛ والكتابة الثانية مفصّلة إلى حدّ تتوسّع فيه عن الأوّل، لها مقدّمة نسب فيها الشخص الذي قام بتصحيح المتن الكتاب إلى الجاحظ، من دون توضيح مسبق أو دلائل معتبرة، بل تمادى في هذه النسبة، إلى درجة نسب فيها كلّ الآثار المناسبة للكتاب الأخير إلى الجاحظ. وإنّ تداول هذا النصّ (كتاب الفكر والاعتبار) تحت عناوين قريبة وسط مختلف الفرق الإسلامية، وانتشاره بينها بشكلٍ واسع، له دلالته على قيمته وثقله المعرفي([18]).

وتختلف النسخة المتداولة في الوسط الشيعي مع متن الدلائل المطبوع، كذلك يختلف عن نسخته الخطية. وبالجملة يمكن ترتيب هذه الاختلافات ضمن عدة مجموعات: الأولى: عدم وجود بعض الفصول التي أضيفت إلى الكتابة الشيعية، ومنها: نصّ الرسالة والحوار الذي دار بين المفضَّل وابن أبي العوجاء؛ والثانية: إضافة اسم مفضَّل بعد عبارة فكّر في تمام متن الكتاب، بالإضافة إلى بعض التغييرات في العبارات، والتي سيأتي تفصيلها في الملحق([19]).

الاختلاف الآخر بين الكتابتين تغيير محلّ وموضع مطالب الكتاب وشكلها. فكما أشرنا سابقاً إن متن النسخة الخطية وكتاب الدلائل قد جاءت في جزءين، لكنّ الكتابة الشيعية استعمل فيها عنوان المجلس، حيث تم تنظيم مطالب الكتاب ضمن أربعة مجالس، وما ذكر من مطالب الكتاب ضمن المجلس الأول والثاني هي نفسها المطالب التي ذكرت في الجزء الثاني، وباقي مطالب الجزء الأوّل شملها المجلسين الثالث والرابع (بالنسبة لمقارنة المتنين يرجع للملحق)([20]).

السؤال المطروح هنا، بكلّ عفوية: كيف يمكن توجيه التشابه الموجود بين النصّين؟

أوّل الاحتمالات التي تتبادر إلى الذهن هنا القول: إن أحد المسيحيين عثر على الكتاب، فعمل فيه بعض التغييرات القليلة بالحذف والزيادة، ثم أخرجه تحت عنوان قريب من العنوان الأصل.

لكنّ المعطيات التي مرَرْنا على ذكرها تقول: إن الأمر ليس كذلك، بل إن تداول الكتاب في المحيط السنّي شاهدٌ على أن تصنيفه في الأصل تمّ في وسط غير شيعي. من دون أن ننسى الإشارة إلى أن النسخة المتداولة في هذا المحيط هي طبق النص الأصلي للكتاب، وخالية من بعض الإضافات الشيعية. الكتابة الشيعية، والتي في الحد الأدنى كانت معروفة لدى النجاشي، قد تمّ تحريرها بعد وفاة المفضَّل، ويحتمل أن يكون قد كتبها أحد الشيعة، وقد أعمل فيها بعض التغييرات، ثم أعاد نشرها.

تعكس بعض مفاهيم ودلالات النصّ الأفكار والاعتقادات التي كانت رائجة خلال القرنين الثالث والرابع في العالم الإسلامي. فعلى رغم اعتقاد المانوية نوعياً بشريعة عيسى×، إلاّ أن هذا لم يكن سدّاً منيعاً أمام تخاصم المسيحية والمانوية، وكانت الخصومة تظهر في كتابة بعضهم ضدّ الآخر، من خلال أسلوب الردّ والردّ المضادّ. وقد خفّ الضغط على المانوية بعد سقوط الساسانية، ودخول الإسلام أرض فارس، فرحلوا إلى العراق، مركزهم التقليدي، ومحلّ مزاراتهم. ويحتمل أن تكون عودتهم إلى العراق في القرون الأولى، حيث لم تكن تظهر فوارق بينهم وبين الزرادشتية، فقد عاشوا جنباً إلى جنب في سياقٍ واحد تحت مسمّى أهل الكتاب. وباستتباب الأمر للعباسيين، وتمكنهم من زمام السلطة، عادت نكبة المانوية للظهور. فرغم حضورهم المهمّ في بغداد والعراق، إلاّ أن العباسيين تعقَّبوهم، وأعملوا الرقّ فيهم. وإلى جانب عمل الحكومة في قمع المانوية عمد العلماء والمتكلِّمين المسلمين إلى نقد عقائدهم الثنوية. وبالطبع فالمانوية لم تُبْقِ يديها مكبَّلتين، حيث عمدت هي الأخرى إلى الدفاع عن عقائدها، وكتبت في ذلك كتباً كثيرة([21]). الواقع أن حيثيات متعددة تدفع إلى القول: إن كتاب الفكر والاعتبار هو من ضمن المتون القديمة في نقد عقائد المانوية، صنَّفه أحد المسيحيين، ووافق زمن تصنيفه فترة التشديد على المانوية في العراق. وإذا صحّ هذا الاستنتاج يتَّضح لنا السبب في كون الكتاب لم يستشهد بالمتون المقدّسة؛ لأنه في الردّ على مَنْ لا يقول بقدسيّة الإنجيل. وقد شدَّد في المتن في أكثر من موضع على المانوية، وانتقص منها.

في الكتابة الشيعية للكتاب بقيت نفس الردود، وأضيف إليها قصّة ابن أبي العوجاء في بداية النصّ. والظاهر أن الشخص الذي قام بإعداد التحرير الشيعي لم يكن يرى إشكالاً في انتقاد المانوية، وغاب عنه الانتباه إلى أن قصّة ابن أبي العوجاء دالّة على عدم الاعتقاد بوجود الله تعالى، بينما الكتاب في أصله يناقش عقائد الثنوية، وليس عدم الإيمان بالله مطلقاً. التحرير المتوفِّر الآن لكتاب التوحيد يؤكِّد أنه كان في مناقشة المانوية، والردّ عليها، وفي التحرير المنسوب إلى الجاحظ يؤكّد أكثر هذا الموضوع؛ لأن نصه اشتمل على شواهد واضحة في الردّ على المانوية، حتى أنه في ختام الكتاب كانت عباراته في انتقاد ماني وأتباعه جدّ قاسية، بل تعرض بالنقد اللاذع حتّى لمناشئ ماني الفكرية، التي كانت عند قدماء اليونان، ولبعض الفلاسفة ممَّنْ تساوق وتجانس نظرياتهم أفكاره وآراءه([22]).

نصّ كتاب الفكر كذلك هو الآخر يستدعي التدبُّر من جهاتٍ أخرى، حيث إن المصنّف الأصلي عرض مطالب الكتاب، بحيث جاءت متناسقة ومنسجمة مع العلوم المنتشرة في زمانه، وخصوصاً العلوم الطبية، أو تلك الأفكار المرتبطة ببعض الحيوانات. كما يلاحظ أن مصنّف كتاب الفكر/التوحيد لم يخرج عن إطار المعلومات الرائجة في عصره حول تكوّن الجنين، بل تبنّاها بما هي عليه، حيث ذكر أن الجنين هو حاصل اختلاط منيّ الرجل ودم حيض المرأة، أو الأفكار السائدة حول ارتباط التنّين والنمر، يعكس بها الأفكار القديمة التي كانت منتشرةً عند العرب.

وتبدو إرجاعاته إلى أرسطو (أرسطاطاليس) من بين المباحث اللافتة في الكتاب؛ وذلك لأن انتشار مؤلَّفات أرسطو كان في عصر ازدهار الترجمة، وبالذات في فترة حكم المأمون العباسي وما بعده. وإرجاع الإمام× إلى كلام أرسطو غريب على التراث الحديثي الشيعي، وليس مألوفاً البتّة، وظاهرة لا شبيه لها. لكنّ هذا لا يعني بالضرورة عدم اطّلاع أصحاب الإمام× على مصنَّفات وأفكار أرسطو، حيث ثبت اطّلاع بعضهم على تراث أرسطو، وأكبر دليل على ذلك كتاب المتكلِّم الشيعي الكبير هشام بن الحكم(179هـ)، وهو من حواريّي الإمام الصادق×، «الردّ على أرسطاطاليس في التوحيد»([23]). ثم إن غياب توجّه كلامي خاصّ في الكتاب يكشف عن أن مصنّفه كان يسعى لإيجاد طريقه ضمن التراث الفكري العام.

وتجدر الإشارة إلى أنّ كتاب الآثار الباقية، لأبي ريحان البيروني(440هـ)، قد ذكر معلومات مهمّة حول جبريل بن نوح. فقد ذكر عدّة مباحث بخصوص جبريل بن نوح، تحمل في طياتها تفاصيل مهمة، من قبيل: إنه كانت له منازعات ومناقشات مكتوبة مع أحد كبار المانوية في عصره، والذي كان يدعى يزدانبخت. وقد كان للبيروني نسخة من ردوده الأخيرة، وما نقله من تلك المطالب كان في الواقع قد أخذها من تلك النسخة. وعلى مستوى المعاصرة فما أورده البيروني حول اطّلاعه على ما كتب في صفحة عنوان النسخة الخطّية يتطابق وزمن حياة المصنّف، ويؤكد أنه كان في زمان فترة حكم المتوكِّل؛ وذلك لأن يزدانبخت، الذي ذكره البيروني، هو باحتمالٍ قويّ نفسه يزدانبخت كبير المانوية الذي كان في زمن المأمون. وللأسف لم نعثر شخصياً على معلوماتٍ أخرى حول جبريل بن نوح، غير ما ذكره البيروني([24]).

رغم كلّ ما أوردناه من تفاصيل حول الكتاب، إلاّ أن التشابه الكبير بين النصين، وعدم القدرة على تحديد الامتداد المبنائي لأيٍّ منهما، يبقي الموضوع مفتوحاً على كلّ الاستنتاجات، وبالتالي الحاجة إلى مزيد من الآراء.

 

نتيجة البحث

إن حاصل التشابه بين (كتاب الفكر والاعتبار) و(كتاب فكِّر، كتاب في بدء الخلق والحثّ على الاعتبار) مثيرٌ بشكلٍ كبير ،والارتباط بين النصين يفرض أن يكون الأقلّ اختلافاً تحريراً للآخر. كلّ ما يمكن قوله حول انتساب الكتاب، مع الأخذ بعين الاعتبار انتشار كتابات كثيرة متقاربة له ضمن تراث المكوّنات الفكرية الأربعة (مسيحيّي النسطورية في شمال العراق، الشيعة، النصيريين، وأهل السنة) متوقِّفٌ على معرفة النصّ؛ لأن النص يحمل بين سطوره الخصوصيات الفكرية والاعتقادية لمصنّفه. فقد رأينا النجاشي، والذي عرف بشكل واضح المتن، قد ذكر طريقه إلى الكتاب، لكنها لم تكن ضمن الطرق المعروفة في نقل الموروث الشيعي القديم. وبعد مئتي سنة يأتي رضيّ الدين ابن طاووس ليذكر الكتاب، ويوصي أن يكون ضمن ما يحمل في السفر؛ لما يشتمل عليه من المعارف المهمّة([25])، مع ملاحظة أن ابن طاووس لم تكن له طريقٌ متّصلة إلى الكتاب الأخير، كما هي عادته مع أكثر الكتب الشيعية القديمة التي نقلها بطريق الوجادة. ولعلّ هذا ما يفسِّر توصيفاته الدقيقة للكتب وتعريفها؛ إذ عدم امتلاكه لطريق متّصل في روايتها هو الذي حمله على بذل الجهد في توصيف ظاهرها، وخصوصاً أن الأسلوب المتداول في عصره كان ذكر الطرق إلى الكتب. في ظلّ المعطيات الحالية لا يمكن للتحقيقات أن تثبت المصدر الأصلي لمتن كتاب التوحيد بشكلٍ صريح وقاطع، لكنّ ما هو واضح حتّى الآن أن أحد علماء الشيعة خلال القرن الثالث أو الرابع، والذي يحتمل أن يكون علي بن حاتم القزويني، هو الذي صاغ الكتاب الفعلي، حيث استفاد من تحرير مختصر كتاب الفكر (التحرير الأول للكتاب)، لجبريل بن نوح الأنباري، والذي هو غير التحرير الآخر، الذي تم تصحيحه (التحرير المفصل)، ثم لشهرة اسم المفضَّل، وتعدُّد الروايات بخصوص ابن أبي العوجاء، جمع الكلّ في كتابٍ واحد، وعنونه بـ (توحيد المفضَّل). ثم إن شهرة النص الأخير، مع بعض التغييرات بين أوساط مسيحيي النسطورية، أمر يستدعي التوقُّف. ولا تنعدم أهمِّية هذه النسخة الأخيرة بحيث يمكن الاستفادة منها لا أقلّ بلحاظ أقدميّتها، حيث ترجع إلى القرن السابع الهجري، وذلك للاستناد عليها في إجراء تصحيحٍ جديد لكتاب المفضَّل، من خلال مقارنتها مع النسخ المتأخِّرة لكتاب (التوحيد)، للمفضَّل (من القرن الحادي عشر فما بعد)([26]).

في ما يرتبط بأصل كتاب التوحيد لا بُدَّ من استحضار مواقف وآراء أصحاب الفهارس. وجوهرها ما وَصَلنا من خلال كتابي: فهرست الشيخ الطوسي؛ ورجال النجاشي، فهما حصيلة كلّ عمل أصحاب الفهارس ونظرياتهم، بل هما صورة تامة لإجماعات الطائفة. مبنى الشيخ الطوسي في الفهرست قائم على الفهارس الأصلية لآثار وكتب الأصحاب الروائية، والكتابات المتداولة التي هي في النتيجة تدور حول تجميع روايات الموروث الشيعي ما كانت لتكون لولا الجهد الجبّار والعمل الدؤوب لشخصيات متميِّزة في تاريخ التشيّع، أمثال: ابن أبي عمير، حُمَيْد بن زياد، ابن الوليد القمّي، وهارون بن موسى التلعكبري. إن الاعتراف بدور تلك الكوكبة من الأصحاب الأعلام يفرض بحقٍّ النظرة الشمولية لدورهم المحوري في التراث الشيعي، فحصر بعضهم، مثل: ابن أبي عمير، في دور الرواية إجحافٌ في حقّه؛ إذ دوره أكبر من ذلك بكثير، وخصوصاً أن القرائن الكثيرة تتحدّث عن فاعليّته في تهذيب وتنقيح الروايات، وهي من المباحث التي لا زالت حتّى الآن لم تَنَلْ حظّها في التحقيق والبحث([27]).

الملحق

ابتداءً حاولنا إجراء مقارنة تطبيقية كاملة بين نصّ نسخة مكتبة آيا صوفيا التركية وكتاب التوحيد. لكنْ تبيَّن لنا في أثناء ذلك أنه باستثناء الموارد الناقصة والاختلاف بين النسختين فإنّ الإتيان على ذكر كلّ الاختلافات بين النسختين، والتي وقعت بسبب التعديل في مباحث الكتاب، وتغيير مواضعها في الكتابين، لها موضوعية في تصحيح المتن. وهنا سنقتصر على عرض بعض الموارد التي حذفت من نسخة كتاب التوحيد، مع الإشارة إلى مدى أهمّيتها.

وللإشارة فقد تم نشر كتاب توحيد المفضَّل بشكلٍ مستقلّ في النجف، واستهلّ الكتاب بمدخل لكاظم المظفَّر(1950م)، ونشر بعد ذلك في بيروت([28])، بعد أن حذفت منه مقدّمة المظفَّر.

وكان لمحمد باقر المجلسي نسخة من كتاب توحيد المفضَّل، نقلها كاملة في كتابه بحار الأنوار([29]). وتم نشر الكتاب ضمن عدّة نسخ خطية بواسطة قيس العطّار([30])، لكنْ لأن تحرير النصيري قد أضاف المجلس الخامس فقد وقع الاعتراض على هذه النسخة، فتمّ جمعها من السوق.

نظراً إلى أن كتاب بحار الأنوار في المتناول فإن الإرجاع في إجراء المقارنة سيكون إلى كتاب التوحيد الذي نقله إلينا. القسم الأول من النسخة الخاصة بالحوار الذي دار بين المفضَّل وابن أبي العوجاء، وشكوى المفضَّل إيّاه في محضر الإمام الصادق× لم نعثر عليها في نسخة آيا صوفيا. ومجموع المصنّفات الموجودة والمنسوبة إلى المفضَّل في التراث النصيري تمّ نشرها ضمن مجموعة سلسلة التراث العلوي، حيث كان العدد السادس منها خاصّاً بالمجموعة المفضلية([31])، لكن الكتاب ليست به مقدّمة، وليس به أيّ تعريف للنسخة. والظاهر أن كتاب التوحيد الذي تم نشره ضمن المجموعة الأخيرة([32])، والتي لا تختلف والتحرير الذي نقل في بحار الأنوار، شأنه شأن العديد من الآثار الأخرى المنسوبة للمفضَّل، قد أخذها المصحِّحون من المتون المتداولة المنشورة، ووضعوها ضمن المجموعة المذكورة.

يبتدئ تطابق النسختين من بداية السطر الثاني (الورقة 161 ألف)؛ بسم الله الرحمن الرحيم، استعنْتُ بالله. أما بعد، فإن ناساً حين جهلوا الأسباب والمعاني في الخلقة، يا مفضَّل، إن الشكّاك جهلوا الأسباب والمعاني في الخلقة…([33]). ويستمر التشابه بين النسختين إلى السطر 15 الورقة 161 ألف، فبعد عبارة: «على ما خلقها من لطيف التدبير، وصواب التقدير، بالأدلة القائمة» يبدأ الاختلاف بين النسختين، حيث يقدم الأنباري مقدّمة يبيِّن فيها تدوينه للكتاب، والمصادر التي اعتمدها (161 ألف ـ 161 ب). ويتفرّد توحيد المفضَّل بالعبارات التالية: (فيها أن لا يقصر في إظهار ما بلغه من ذلك، بل يتشدَّد في نشره وإذاعته وإيراده على المسامع والأذهان؛ ليقوي به قلوب أهل الإيمان، ويجتنب مكيدة الشيطان، في تضليل الوهم، محتسباً للثواب في ذلك، واثقاً بعون الله وتأييده إيّاه. وقد تكلفنا جمع ما وقفنا عليه من العبر والشواهد على خلق هذا العالم وتأليفه، وصواب التدبير فيه، وشرح المعاني والأسباب في ذلك، بمبلغ علمنا في كتابنا هذا. وتوخَّيْنا إيضاح القول وتنويره، والإيجاز في ما شرحنا؛ ليسهل فهمه، ويقرب مأخذه على الناظر فيه. ورجونا أن يكون في ذلك شفاءٌ للشاكّ المرتاب، وزيادة في يقين الموقن. وبالله التوفيق). بعد هذه العبارة نرى التشابه والتطابق في العبارات اللاحقة، مع اختلافٍ طفيف في البداية، حيث يبدأ متن كتاب الأنباري بعبارة: «فأول العبرة تهيئة هذه العالم»، بينما يبدأ متن كتاب توحيد المفضَّل بعبارة: «يا مفضَّل، أول العبر والدلالة على الباري جلَّ قدسه تهيئة هذا العالم»، إلى عبارة «ونظم بعضه إلى بعض»([34]). في نسخة آيا صوفيا قد تمّ حذف قسم من بقية المطلب (ثلاثة سطور: وذلك ممّا قد قال فيه الأولون فأحسنوا القول، ولكنّا ننصرف إلى فنٍّ آخر من دقايق في الخلقة، فنبين للقائلين بالإهمال والقائلين بأصلين متضادّين؛ لأن الإهمال لا يأتي بالصواب، والتضادّ لا يأتي بالنظام)، وجاءت بدله عبارة: «جلَّ قدسه، وتعالى جدُّه، وكرم وجهه، ولا إله غيره، تعالى عمّا يقول الجاحدون، وجلَّ وعظم عما ينتحله الملحدون»([35]).

وفي تتمّة ما جاء في توحيد المفضَّل لا يتطابق بلحاظ البنية والشكل مع نسخة آيا صوفيا، حيث يبدأ المطلب في نسخة الأخيرة بالتدبُّر في السماوات، أما على مستوى المحتوى فإن ما جاء في توحيد المفضَّل هو نفسه في المجلس الثالث (المجلس الثالث: قال المفضَّل: فلما كان اليوم الثالث بكرت إلى مولاي، فاستأذن لي، فدخلت، فأذن لي بالجلوس، فجلست، فقال×: الحمد لله الذي اصطفانا ولم يصطَفِ علينا، اصطفانا بعلمه، وأيَّدنا بحلمه، مَنْ شذَّ عنا فالنار مأواه، ومَنْ تفيّأ بظلّ دوحتنا… (إلى) من الأدلة والعبر»، حيث يتكلَّم الإمام عن شخصيته ومقامه. لكنّ هذا لم يَرِدْ في نسخة آيا صوفيا. بعد ذلك يبتدئ المبحث المعنون بـ (التفكُّر في لون السماء)، والذي كان متطابقا في المتنين([36]). بعد عبارة: (فكر) التي جاءت في متن توحيد المفضَّل أتت عبارة: (يا مفضَّل)، وافتقدت هذه العبارة في نسخة آيا صوفيا.

واستمر تطابق فقرات المطالب على الشكل التالي: فكر في طلوع الشمس([37]) ثمّ فكر بعد هذا في ارتفاع الشمس([38])، فكر في تنقل الشمس([39])، فكر الآن في تنقل الشمس. ووردت في ختام الفقرة الأخيرة، في نسخة آيا صوفيا([40])، عبارة حذفت من توحيد المفضَّل، والعبارة المحذوفة هي: «فأما مسير القمر ففيه دلالة جليلة، تستعمله العامة في معرفة الشهور، ولا يقوم عليه حساب السنة؛ لأن دوره لا يستوي في الأزمنة الأربعة، ونشوء الثمار وتصرّمها، ولذلك صارت شهور القمر وسنيّه تتخلّف عن شهور الشمس وسنيّها، وصار الشهر من شهور القمر يتنقل، فيكون مرة في الشتاء ومرة في الصيف وغيره». وحذف هذه الفقرة الأخيرة من نسخة توحيد المفضَّل كان على الظاهر بسبب عقيدة الإمامية في الفترة المذكورة في عدم اعتبار القول بالرؤية في تحديد بداية الشهور القمرية، وخاصة شهر رمضان، فطبيعي أن لا تَرِدَ هذه الفقرة في توحيد المفضَّل. وهي بالمقابل دليلٌ على قدم التحرير الشيعي للكتاب. ذكر ابن طاووس في كتابه إقبال الأعمال([41]) مطالب في الاعتقاد القديم لدى الشيعة في عدم نقصان شهر رمضان، حيث قال: إنه في زمانه لم يسمع بأحد من علماء الشيعة يقول بذلك. لكنّ القول بعدم نقصان شهر رمضان كانت عقيدةً متداولة بين القدامى. واستدل على هذا بكتاب الشيخ المفيد(413هـ): (لمح البرهان في عدم نقصان شهر رمضان)، والكتاب ألَّفه الشيخ المفيد في سنة 363هـ. وفي الفقرة التي استشهد بها ابن طاووس إشارة إلى القائلين بنقصان شهر رمضان، وهم قلّة: (…فقال: عقيب الطعن على مَنْ ادّعى وأحدث هذا القول ـ الاعتقاد بنقصان شهر رمضان ـ، وقلّة القائلين به…). وعرج بعد ذلك إلى ذكر جمع من كبار علماء عصره القائلين بعدم نقصانه، اشتهر منهم: ابن قولويه القمّي، الشيخ الصدوق، هارون بن موسى التلعكبري. وعدّ الشيخ المفيد نفسه كذلك من المنتقدين للقائلين بعدم نقصان شهر رمضان، ويحتمل أن يكون هذا الموقف قد صدر منه مماهاةً منه لما كان عليه الاعتقاد في الوسط الشيعي، الذي اختلف عن مقولة القدامى؛ نظراً لمكانته وموقعه بين شيعة العراق([42]).

بعد النقل الأخير يرجع التشابه والتطابق مرّةً أخرى للنصين (تأمل شروق الشمس على العالم([43])، فكّر في إنارة القمر والكوكب في ظلمة الليل([44]))، وحذف جزء من الفقرة الأخيرة، يعني بعد عبارة: «لها هذا التصريف لصالح العالم»، من متن توحيد المفضَّل، حذفت لمنافاتها ما كانت عليه معتقدات الإمامية في القرون الأولى، كما أن حذفها دليلٌ آخر على قدم التحرير الشيعي لتوحيد المفضَّل؛ وذلك لأن الفقرة الأخيرة ورد فيها حديث عن القياس، وهو ما لا تقول به الشيعة: (وما فيه، وممّا يدل عليه القياس، أن هذه المصابيح تسير أسرع السير وأحثّه، وذلك أنها تدور في كل يوم وليلة دوراً تاماً، حتى ترجع إلى مطلعها، فتطلع فيه، فلولا سرعة سيرها لما قطعت هذه المسافة البعيدة في مقدار أربع وعشرين ساعة. أفرأيت لو كانت الشمس والنجوم بالقرب منا حتّى يتبين لنا سرعة سيرها بكنه ما هي عليه ألم تكن تستخطف الأبصار بوهجها وشعاعها، كالذي قد يحدث أحياناً من البروق إذا توالت، واضطرمت في الجوّ، وكذلك أيضاً لو أن ناساً كانوا في قبة مكلَّلة بمصابيح تدور حواليهم دوراناً حثيثاً لحارت أبصارهم، حتّى يخرّوا لوجوههم، فانظر كيف قدر أن يكون مسيرها في البعد البعيد؛ لكي لا تضرّ في الأبصار، وتنكأ فيها، وبأسرع السرعة؛ لكي لا تتخلف عن مقدار الحاجة في مسيرها)([45]).

بعض المراجع التي أحالت إليها نسخة آيا صوفيا لم نجدها ضمن الآثار المتداولة في بحار الأنوار. من جملة تلك الموارد: ما أشارت إليه نسخة آيا صوفيا في مبحث الأعشاب الطبّية (العقاقير). المتن في كلا التحريرين واحدٌ، باستثناء الموضع الذي تذكر فيه نسخة آيا صوفيا أن المطالب المذكورة موجودة في كتب الطبّ والآثار الأخرى المرتبطة بنفس الموضوع، حيث حذفت في تحرير كتاب توحيد المفضَّل: (…وبعض الطير يحتقن من الحصر يصيبه بماء البحر، فيسلم، وأشباه هذا كثير، هذا ممّا يذكر في كتب الطبّ والطبيعة) ([46]).

في ما يرتبط بمبحث الفيلة، وحياء الفيلة الأنثى، نقلت نسخة أيا صوفيا([47]) مطالب حياء الفيلة الأنثى، نقلاً عن كتاب الحيوان، لأرسطاطاليس([48]). وورد هذا البحث في تحرير المفضَّل، لكن مع حذف اسم الجاحظ: «انظر الآن كيف جعل حياء الأنثى من الفيلة في أسفل…»([49]).

موردٌ آخر مرتبط بالقرد، حيث أرجعت مرة أخرى فيه نسخة آيا صوفيا إلى كتاب الحيوان لأرسطو، وتظهر المقارنة بين عبارات نصّ آيا صوفيا وعبارات توحيد مفضَّل جانباً من التطابق والاختلاف بشكلٍ ملفت: تأمَّلْ خلقة القرد وشبهه بالإنسان، ويحكي كثيراً ممّا يرى في كثير من أعضائه، أعني الرأس والوجه والصدر والمنكبين، وكذلك أحشاؤه شبيهة بأحشاء الإنسان([50]).

أرسطاطاليس في كتاب الحيوان: تأمل خلق القرد وشبهه بالإنسان في كثير من أعضائه أعني الرأس والوجه والمنكبين والصدر، ويشهد به كتب الطب من ذلك، وكذلك أحشاؤه شبيهة أيضاً ما خص به من الذهن والفطنة بأحشاء الإنسان، وخص من التي بها يفهم عن سائسه ما يومي ذلك بالذهن والفطنة التي بها يفهم عن سائسه ما يومي إليه ويحكي كثيراً مما يرى الإنسان يفعله([51]).

فيلاحظ أن المتن متطابقٌ بشكلٍ تامّ غير أن نسخة آيا صوفيا أرجعت فيه إلى كتاب الحيوان، للجاحظ، لكن هذه العبارة قد غابت عن تحرير توحيد المفضَّل. وبالنسبة إلى الجزء الأول من كتاب الفكر والاعتبار نجده قد انتهى بالكلام عن أسرار وعجائب خلقة السمك، لينصرف في بداية الجزء الثاني، بعد ذكر اسم الكتاب واسم كاتبه، إلى الكلام عن خلقة الإنسان([52]): (تم الجزء الأوّل، ولله المنة. بسم الله الرحمن الرحيم، الجزء الثاني من كتاب الاعتبار. قال جبريل بن نوح بن أبي نوح النصراني الأنباري: انصرف الآن إلى خلقة الإنسان…). ويختلف ترتيب المباحث الأخيرة عما جاء في متن كتاب توحيد المفضَّل، حيث ذكرت مبحث خلقة الإنسان ضمن المجلس الأوّل منه، في ما يخصّ مبحث تكوّن الجنين، حيث المقارنة بينهما مهمّة جدّاً:

انصرف الآن إلى خلقة الإنسان، وما فيه من الحكمة والدلالة على التدبير والعمد. وأول ذلك ما تدبر به الجنين في الرحم، حين لا حيلة عنده في تلمس غذاء، ولا دفع أذى، فإنّه يجري إليه من دم أمه ما يغذوه، كما تغذو الماء النبات، فلا تزال ذلك غذاؤه، حتّى إذا كمل خلقه، واستحكم بدنه، وقوي أديمه على مباشرة الهواء، وبصره على ملاقاة الضوء، هاج الطَّلْق، فأزعجه أشدّ انزعاج وأعنفه، حتّى تولد، فإذا صرف ذلك الذي كان يغذوه من دم أمّه إلى ثديها، فانقلب إلى ضربٍ آخر…([53]).

نبتدئ يا مفضَّل بذكر خلق الإنسان، فاعتبر به. فأوّل ذلك ما يدبّر به الجنين في الرحم، وهو محجوب في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء، ولا دفع أذى، ولا استجلاب منفعة، ولا دفع مضرّة، فإنه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه، كما يغذوه الماء النبات، فلا يزال ذلك غذاؤه، حتّى إذا كمل خلقه، واستحكم بدنه، وقوي أديمه على مباشرة الهواء، وبصره على ملاقات الضياء، هاج الطلق بأمه، فأزعجه أشدّ إزعاج وأعنفه، حتّى يولد، وإذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم أمّه إلى ثديها، فانقلب الطعم واللون إلى ضربٍ آخر…([54]).

يلاحظ أن الاختلاف جرى فقط في إضافة مطلب في بداية الكلام، وتبديل عبارة دم أمّه بدم الحيض، وفي نهاية العبارة ينتقل غذاؤه إلى حليب أمه، حيث يلاحظ عدم وجود تغيُّر في العبارات.

وما ورد في هذا المبحث ـ كما رأينا ـ هو ما كان عليه تصوُّر القدامى في كيفية تكوّن الجنين، فقد كانوا يتصوَّرون أن الجنين يتكوَّن من خلال استقرار نطفة الرجل في رحم المرأة، وأن الجنين يتغذّى من دم الحيض، وبعد الولادة يتحوَّل دم الحيض إلى حليبٍ، حيث يصبح مصدر غذاء المولود، إلى أن تكتمل مدة الرضاعة.

مبحث آخر ملفت للنظر ويتعلَّق بمبحث قفص الصدر، حيث أتت نسخة آيا صوفيا مرّة أخرى على ذكر أرسطو.

ذكر أرسطاطاليس، في صفة الإنسان، أن في الفواد ثقباً موجّهة نحو الثقب الذي في الرية، لتحمل الريح من الرية، فتروح عن الفؤاد، حتّى أنه لو اختلفت تلك الأثقاب، وتزايل بعضها عن بعض، لما وصل الريح إلى الفؤاد، وكان في ذلك هلاك الإنسان. فيستجيز ذو فكرة…([55]).

في توحيد المفضَّل جاءت عبارات المبحث على الشكل التالي: أصف لك الآن يا مفضَّل الفؤاد. اعلم أنّ فيه ثقباً موجهة نحو الثقب التي في الرية، تروح عن الفؤاد، حتّى لو اختلفت تلك الثقب، وتزايل بعضها عن بعض، لما وصل الروح إلى الفؤاد، ولهلك الإنسان. أفيستجيز ذو فكر…([56]).

اختلافٌ آخر بين النسختين، حيث أتت نسخة آيا صوفيا على ذكر كتب الطب، والاختلاف يستتبع اختلاف في المعنى بشكل كبير: ولعلك ترى ذكرنا هذه القوى الأربع وأفعالها، بعد الذي وصفنا من ذلك في كتب الطبّ، فضلاً، وتزداد الأمر معروف، وليس ذكرنا لهذه القوى على الجهة التي ذكرت عليها في كتب الطبّ، ولا مذهبنا فيه ذلك؛ لأن ذلك ذكرها هناك على نحو ما يحتاج إليه من صناعة الطب وتصحيح الأبدان، وذكرها هاهنا على نحو ما يحتاج إليه من صلاح الدين وشفاء النفوس…([57]).

ولعلك ترى ذكرنا هذه القوى الأربع وأفعالها، بعد الذي وصفت، فضلاً وتزداداً. وليس ما ذكرته من هذه القوى على الجهة التي ذكرت في كتب الأطباء، ولا قولنا فيه كقولهم؛ لأنهم ذكروها على ما يحتاج إليه في صناعة الطبّ وتصحيح الأبدان، وذكرناها على ما يحتاج في صلاح الدين وشفاء النفوس…([58]).

واستمرّ التطابق والتشابه بين نسختي آيا صوفيا وتحرير كتاب المفضَّل إلى آخر مبحث الحكمة من اختلاف ظاهر الرجل والمرأة، لينتقل الحديث في نسخة آيا صوفيا إلى الردّ على المانوية، ودحض معتقداتهم، بينما غاب هذا المبحث في توحيد المفضَّل، وكان حاضراً في النسخة السنية، والمنسوبة إلى الجاحظ، حيث ورد فيها المبحث من دون زيادةٍ أو نقصان.

جاء القسمان الأخيران في النسخة الخطية لآيا صوفيا وتوحيد المفضَّل على الشكل التالي: لِمَ صار الرجل والمرأة جميعاً إذا أدركا نبت لهما العانة، ثم تنبت اللحية للرجل، وتتخلف عن المرأة، لولا التدبير في ذلك، فإنّه قدَّر أن يكون الرجل قيماً ورقيباً على المرأة، وتكون المرأة عرساً وخولاً له. أعطي الرجل اللحية لما له فيها من العزّ والجلالة والهيبة، ومنعت المرأة ليبقى فيها نضارة الوجه والبهجة التي تشاكل المفاكهة والمباضعة. أفلا ترى الخلقة كيف يتمّم الصواب في الأشياء، فتعطي وتمنع على حسب الأرب والمصلحة…([59]).

لِمَ صار الرجل والمرأة إذا أدركا نبتت لهما العانة، ثم نبتت اللحية للرجل، وتخلّفت عن المرأة، لولا التدبير في ذلك؟ فإنّه لما جعل الله تبارك وتعالى الرجل قيماً ورقيباً على المرأة، وجعل المرأة عرساً وخولاً للرجل، أعطي الرجل اللحية لما له من العزّة والجلالة والهيبة، ومنعها المرأة لتبقى لها نضارة الوجه والبهجة التي تشاكل المفاكهة والمضاجعة. أفلا ترى الخلقة كيف يأتي بالصواب في الأشياء، وتتخلل مواضع الخطاء، فتعطي وتمنع على قدر الإرب والمصلحة بتدبير الحكيم عزَّ وجلَّ؟

وتتابعت الأبحاث في نسخة آيا صوفيا بنقد لاذع لماني، واضع الأسس الفكرية المانوية وأتباعه، وكون نسخة توحيد المفضَّل لم تذكر المبحث السابق لا يعني أنها لم تنتقد معتقدات المانوية، فلم يخلو توحيد المفضَّل من ذلك، بل لقد توجه للمانوية ومعتقداتها بالنقد اللاذع في مواضع عدّة. تناولت نسخة آيا صوفيا([60]) في قسمها الأخير نقد ماني نقداً شديداً، واستناده إلى الفلاسفة الدهرييين من اليونان. ونجد نفس هذا القسم في التحرير السنّي، المنسوب إلى الجاحظ (التحرير المختصر)، من دون إعمال أي تغيير، سوى أن هذا المبحث في نسخة آيا صوفيا قد انتهى عند الورقة 186 ب، لكن في النسخة المنسوبة إلى الجاحظ استمرّ إلى حدود ورقة أخرى.

بعد التعرُّف على هوية المطلب الأخير فإن أهمّيته تكمن في كونه من ضمن الآثار القديمة المعدودة، التي تمّ تصنيفها في القرن الثالث الهجري، في نقد معتقدات المانوية، التي قام بتصنيفها جبريل بن نوح الأنباري في نقده ليزدانبخت كبير المانوية. ويحتمل أن يكون الكتاب نقداً لأجوبة يزدانبخت. ويؤكِّد هذا بشكل واضح ما جاء في آخر الرسالة([61]).

التحرير الكامل للكتاب نشر تحت عنوان العبر والاعتبار، ويشتمل على مقدمة (يحتمل أن يكون قد كتبها الجاحظ، أو شخص آخر غيره)، تحدث فيها عن تصحيحه للغة الكتاب ومتنه، وأشار فيها إلى جانب ذلك إلى المصنَّفات التي صنفت في نفس الموضوع، وكانت مشهورة بين زيدية اليمن([62]).

ترجع أهمِّية التحرير الكامل المذكور إلى أنه يبيِّن أصل ومنشأ الكتاب، وانتماءه إلى الأدب السرياني، حيث إن تداول الترجمة العربية والفارسية لمثل هذا الآثار ذات أهمّية كبيرة. ما يمكننا الاستدلال به على صحّة ما ذهب إليه في انتساب التحرير الكامل للعبر والاعتبار إلى الجاحظ دور الجاحظ غير الخفيّ في إعادة تحرير وتصحيح المتن العربي للكتاب، حيث إن الجاحظ يملك القدرة والإمكانية الأدبية واللغوية على مثل هذا الموضوع، مع العلم أنه قام بتصحيح وتهذيب بعض الترجمات العربية في عصر الترجمة، وقد بين بعض المطالب التي أخذها من تلك الكتب في كتابه الحيوان([63]). بطبيعة الحال، لا مكان هنا للقطع. لذا يجب عدم تغييب أن يكون مصحّح الكتاب ومهذّبه شخص آخر غير الجاحظ، لكنْ بسبب كثرة شهرة الجاحظ وسمعته في زمانه نسب الكتاب إليه، كما نسب إليه كتاب أخلاق الملوك، والذي اشتهر بعنوان التاج في أخلاق الملوك، حيث تبين أن الكتاب نسب إليه فقط للاستفادة من شهرته وسمعته، حتّى يجد الكتاب مكانه ضمن الكتب المعتبرة، مع العلم أن توصُّلَنا في السنوات الأخيرة إلى مجموعة من نسخه المختلفة فتح المجال أمام التعرُّف عن هوية الكتاب، وكشف لنا أصله ومنشأه([64]).

إن الداعي إلى وجود هذا التشكيك في نسبة كتاب العبر والاعتبار إلى الجاحظ هو التوضيح الذي جاء في مقدّمة التحرير المفصّل للكتاب، حيث انبرى الكاتب إلى الحديث عن سوابق أدبيات الكتابة في إثبات وجود الله تعالى وفق أساسيات برهان النظم، الذي يبدو منه أن التحرير الكامل والمفصل كان بواسطة أحد المترجمين المسيحيين، والواقع أن الجاحظ في كتابه الحيوان حينما تحدث عن برهان النظم تحدّث بشكل وبأسلوب مغاير تماماً لما عليه في التحرير المفصل لكتاب العبر والاعتبار. أما أسلوب ومنهج العرض في كتاب الفكر والاعتبار فهو مختلف بشكلٍ تامّ وواضح عمّا هو عليه في كتاب الدليل الكبير، لقاسم بن إبراهيم الرسي. إن البحث المكثّف، والوصول إلى المزيد من النسخ الخطية، ربما سيكون كفيلاً بأن يلقي الضوء على هذه القضية، ويكشف الهوية الحقيقية لأصحاب هذه الكتب. كما أن الكتاب الأخير وتعدُّد التحريرات المختلفة له يكشف عن شكل التطوُّر الذي قطعته ترجمة المتون إلى العربية في عصر ازدهار الترجمة، ودور المترجمين في تنقيح الترجمات. وهذا يمكن تتبعه في موضعه.

 

ملحقٌ

بعد أن أعددت المقالة التي بين يديك، وضمن متابعة البحث بخصوص المتن، تعرفت إلى ألكسندر ترايغر، وقد تفضل عليَّ بأن بعث لي مباحث خاصة بكتاب الفكر والاعتبار، لجبريل بن نوح. وكان بين المصادر التي أرشدني إلى مطالعتها مباحث مهمة ولافتة، أرى لزوم الإشارة إليها؛ لتعمّ الفائدة. السيد ترايغر، وفي ملاحظاته حول كتاب الفكر، بيَّن أوّلاً أن المصنِّف، يعني جبرايل بن نوح الأنباري، من نسطورية العراق، وأن حفيده كان وزيراً للجاثليق طيموتاوس، وأن جبرايل بن نوح كتب ردّاً على يزدانبخت المانوي، وقد افتقد، لكنْ ذكر أنه كان عند البيروني، وأن كتابه الفكر والاعتبار وجد في نسختين خطّيتين (إسطانبول، وإسكوريال)، حيث من خلال إجراء المقارنة بينهما تبين أن له علاقة وطيدة بكتاب العبر أو الدلائل والاعتبار المنسوب إلى الجاحظ.

في ما يخصّ كتاب الفكر والاعتبار يرجى تتبع البحث ضمن المصادر التالية:

1) ll libro dei moniti e della riflessione: un testo-apocrifo, jahiziano ,introduzione, anlisi e traduzione {of al, lbar wal ـ i, tibar} a cura di An tonella Caruso, Napoli: lstituto Universitario orientale, Dipartimento di studi asiatici, 1991.

الكتاب الأخير ترجمة وتحليل كتاب العبر والاعتبار للجاحظ، والذي نشرته نابول 1991.

2) Joseph Sadan, «Ants, Miracles and Mythological Monster» a Literary Study of Ant Narratives between a Ja I ian Atmosphere and Munajat Musa», Jerusalem Studies in Arabic and islam 30 (2005): 403 – 449.

تعد مقالة سعدان أكثر المقالات تفصيلاً في مباحث كتاب الدلائل والاعتبار. وقد بدأ بحثه بتقرير عن مقالة بنث. كتب بنث مقالته العبرية سنة 1938 «المصادر المشتركة بين بحيا بن يوسف والغزالي»، وحاول توضيح المباحث المشتركة بين كتاب الهداية إلى فرائض القلوب، لابن باقودا، وكتاب أسرار المخلوقات / كتاب الحكمة في مخلوقات الله، للغزالي. حدَّد زمن كتابة كتاب الهداية في حوالي 1080 ـ 1090. يعتقد بنث، وفقاً لتاريخ وفاة الغزالي(505هـ)، أن الغزالي لم يستفد من كتاب الهداية، والذي بالرغم من أنه قد كُتب بالعربية إلاّ أنه مشبع بالتعابير العبرية، وكتاب الغزالي بحجّة قربه من زمان صاحب الهداية لم يستفد منه، ويعتقد أنهما اعتمدا نفس المصدر، ويصل حدس بنث إلى الاعتقاد أن كتاب الدلائل والاعتبار هو المصدر المشترك بينهما. وشكّك بنث في نسبة كتاب الدلائل والاعتبار إلى الجاحظ، وقال: على ما يبدو مصنف الكتاب الأخير هو شخص مسيحي. ودليله في هذا غياب الاستشهاد والاستدلال بالآيات القرآنية في الكتاب، كما هي عادة كل المسلمين باختلاف طوائفهم ومذاهبهم. بنث كان له اطّلاع على التحرير المختصر المطبوع لكتاب طباخ، ويرى أن اختلاف هذه النسخة عن النسخة الخطية البريطانية يكمن فقط في المقدمة، لكنْ بعد هذا البحث تبيَّن لنا أن اختلافهما أكبر من ذلك، حتى أن حجمهما مختلف بشكلٍ لافت. يرى بنث أن كتاب الدلائل في الأصل هو ردٌّ على المانوية، بينما غيب (Gibb)([65]) رفض أن يكون مصنِّف كتاب الدلائل شخصاً مسيحيّاً، بل ذهب إلى القول أن مصنّفه شخص معتزلي، طغت عليه مسلكيات الثقافة اليونانية والمسيحية. ولم يبين أدلته في هذه الدعوى. كذلك لم يبين الأدلة التي استند إليها بنث في دعواه، مع العلم أنه في زمن الجاحظ لم يكن برهان النظم يعدّ دليلاً مكتملاً ضمن المنهج الذي يسلكه متكلِّمي المعتزلة، وعلى العكس فقد كان برهان النظم مألوفاً ومتداولاً بين مسيحيي النسطورية في الشام والعراق.

سعدان، وبعد أن ذكر مطالب بنث، عرض جوانب التشابه بين كتاب الدلائل والاعتبار وكتاب توحيد المفضَّل، غير أنه أشار إلى الكتاب المذكور والذي نشره محمد خليلي النجفي تحت عنوان: من أمالي الإمام الصادق×([66])، بعنوان الوصية([67]).

للتذكير فخليلي قد شرح توحيد المفضَّل في أربعة مجلدات([68]). مقارنة سعدان للتحرير المفصل والمختصر ابتدأها من موضوع النمل، حيث بين حدود اختلاف التحريرين، كما كشفت المقارنة أن كاتب التحرير الشيعي قد اعتمد في أساسيات التدوين على التحرير المختصر، وأنه لم يكن لديه اطّلاع على التحرير المفصَّل ـ المنقح والمهذب ـ، لكنّه استند بشكلٍ عام في تحريره على المختصر، وبالضبط المتن الذي صنَّفه جبرايل بن نوح الأنباري([69]).

وأشار سعدان إلى مسألة عدم الاستدلال بالقرآن أو العهدين في كتاب الدلائل والاعتبار، واعتبرها دليلاً واضحاً على الهوية المسيحية للمصنف. أما عدم استدلاله بالعهدين فلربما يرجع إلى رواج هذا الأسلوب بين الكتاب المسيحيين، حيث غالباً ما يلجؤون لذكر مضامين ومعاني عبارات العهدين، بدلاً عن الإتيان بها بشكلٍ حرفي، وذكر لهذا أمثلة. نستطيع أن نضيف إلى جوابه حول عدم الاستدلال بالعهدين: إنه جرت العادة في كتابة الردّ أنه عندما يكون الطرف الخصم لا يقبل بالمتن المقدَّس فطبيعي أن لا يتمّ الاستدلال به، وقد أشرنا مراراً أن كتاب الدلائل والاعتبار في الأصل ردٌّ على معتقدات المانوية([70]).

يدّعي سعدان أن تحرير الغزالي لكتاب أسرار مخلوقات الله ليس سوى إعادة معدّلة لكتاب الدلائل والاعتبار، أدخل عليه الآيات القرآنية، حتّى يساوق به النتاج الإسلامي، ويلبسه لباس الهوية الإسلامية([71]).

قامت السيدة لوبل، في الفصل السادس من كتابها، بعرض لجوانب التشابه بين مباحث كتاب الهداية إلى فرائض القلوب، لبحيا بن يوسف بن باقودا، وأشارت إلى أن إبراهيم سالم بن بنيامين يهودا، والذي قام بنشر المتن العربي للكتاب في لايدن سنة 1907 ـ 1912م، قد تكلَّم في أوجه التشابه بين كتاب توحيد الهداية، لابن باقودا، ومطالب كتاب الحكمة في مخلوقات الله، الذي ينسب إلى الغزالي. ورأى أنه إذا قلنا بأن ابن باقودا قد نقل من كتاب الحكمة، للغزالي، فهذا لا بُدَّ أن يجرنا إلى القول: إن ابن باقودا قد عاش قبل سنة 505هـ، بينما الثابت أنه عاش معظم فترة حياته متأخِّراً عن الغزالي، وهذا ما دفع بالسيدة لوبل إلى الاعتقاد بضرورة وجود مصدر مشترك بين الغزالي وابن باقودا، ليأتي بنث في تحقيقه، ويذكر أن المصدر المشترك هو كتاب الدلائل والاعتبار، المنسوب إلى الجاحظ. السيدة لوبل([72]) ذكرت موارد التشابه في عبارات كتاب الهداية والدلائل([73]).

كما أشارت لوبل في كتابها إلى اختلاف وجهات نظر بنث وديودسون حول كتاب الحكمة في مخلوقات الله؛ فبنث يرى أن الغزالي قد أتى على ذكر المباحث المشابهة لموضوع كتاب الحكمة في مخلوقات الله ضمن كتابَيْه: إحياء علوم الدين؛ والفكر([74])، وبعد أن توصل بنسخة الدلائل قام بالاقتباس والاستفادة منها في تصنيف كتابه الحكمة؛ لكنّ ديوسون يختلف معه في الرأي، فهو يرى أن التشابه بين الكتابين لم يكن للغزالي يدٌ فيه، وإنما أحد تلامذة الغزالي هو مَنْ أعاد كتابة مباحث إحياء علوم الدين، بالاستفادة من كتاب الدلائل، فصنَّف كتاب الحكمة، ويعتقد ديودسون أن كتاب الحكمة ليس من تصنيف الغزالي([75]).

عبد الرزاق أحمد قنديل قدّم بحثاً مفصلاً حول كتاب الهداية إلى فرائض القلوب. وانطلاقاً من شواهد خاصّة في تنظيم كتاب الهداية خلص، وخلافاً للرأي الرائج، إلى أن ابن باقودا كانت لديه نسخة من كتاب إحياء علوم الدين، للغزالي، واستند عليه في تصنيف كتابه، ولم يُشِرْ في كتابه إلى كتاب الدلائل. والشواهد التي اعتمدها قنديل مقبولة نسبياً، وعلى أساسها لا بُدَّ من إعادة النظر في زمان حياة ابن باقودا، بل وحتّى إمكانية استفادته من كتاب الدلائل([76]).

وذكر قنديل نفسه([77]) أن كتابة كتاب الهداية، حَسْب ما هو متداولٌ، هي بتاريخ 1080م/472هـ. بينما تاريخ كتابة إحياء علوم الدين كان بعد سنة 488هـ، وهو الوقت الذي ترك فيه التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد، وقبل 490هـ؛ لأنها الفترة التي سمع فيها أبو بكر المالكي(543هـ) كتاب الإحياء منه ببغداد([78]). وعلى هذا الأساس، ووفق ما طرحه قنديل من تأثير الغزالي على كتاب الهداية، لا بُدَّ أن تكون فترة تصنيف الهداية بعد سنة 488هـ، وقبل 490هـ، وهي الفترة التي اشتهر فيها كتاب الإحياء في بلاد المغرب الأقصى والأندلس.

وبخصوص كتاب الهداية فقد علم أنه ترجم للعبرية من طرف يوسف قمحي(1170م/565هـ)، ويهودا بن تبون (كان حيّاً ما بين 1120 ـ 1190م/498 ـ 585هـ)([79])، وهما من أشهر المترجمين للمتون العربية اليهودية إلى العبرية، غير أن ترجمة قمحي قد ظلت مفقودة، بينما ترجمة يهودا بن تبون موجودة، وتمّ نشرها([80]). وترى السيدة لوبل أن بحيا قد استند إلى كتاب إصلاح الأخلاق، لابن جبريل بن نوح(1057 ـ 1058)، في تأليف كتابه([81]).

تحدَّثت لوبل عن أن الغزالي جاء بعد بحيا بقرابة قرنٍ من الزمن، وهو ما يعني ضمناً أنها ترفض ما ذهب إليه قنديل من تأثير الغزالي على بحيا، وقامت بالتحقيق في موارد تشابه الكتابين بلحاظ الألفاظ والتعابير([82])، ضمن تحقيق آموس غولدريش، الذي قال فيه: إن من بين المصادر التي اعتمدها بحيا كانت كتاب دواء القلوب، للمحاسبي([83]). وتشير إلى احتمال أن تكون المصادر المذكورة ضمن المصادر الأصلية للغزالي، وتُرجع تشابه هيكلة بعض الفصول في الهداية لما هو عليه في إحياء علوم الدين إلى الاشتراك في هذه المصادر. والواقع أن اعتماد تشابه هيكلة بعض فصول الهداية لما هو عليه في الإحياء ليس بالدليل المحكم في نفي استناد بحيا إلى كتاب الغزالي.

بخصوص الغزالي والمصادر الصوفية التي استند إليها في تصنيف كتابه إحياء علوم الدين([84]).

لقد انتشر كتاب إحياء علوم الدين للغزالي بسرعة في بلاد المغرب الأقصى والأندلس، بعد أن سمعه منه تلميذه ابن العربي، وذلك في سنة 490هـ، ولم تدُمْ خيوط الوصال لإحياء علوم الدين طويلاً في بلاد المغرب؛ إذ سرعان ما هبَّتْ عاصفة الكره والعداء له، حيث قامت حركة مناهضة للكتاب، وذلك من سنة 503هـ إلى ما بعدها، لم تهدأ إلاّ بإصدار الأوامر بحرق الكتاب، وإصدار فتوى بتحريمه. الحركة الأولى كانت في سنة 503هـ أيام حكومة علي بن يوسف المرابطي(538هـ)، والحركة الثانية كانت في زمن إمارة تاشفين بن علي(538 ـ 540هـ). فقد كتب أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر المازري(536هـ) كتاباً عنونه بـ «الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء»، ضمَّنه فتواه بحرمة قراءة كتاب الغزالي. وقد وصلت نسخة من الكتاب الأخير إلى الذهبي، فقد نقل منها فقرات في كتابه سير أعلام النبلاء([85])، كما تضمَّن كتاب الذهبي انتقادات أخرى لكتاب الغزالي([86]).

كريفيث رأى في كتاب العبر والاعتبار دليلاً على انفتاح المتكلِّمين المسلمين على التراث المكتوب المسيحي النسطوري في القرن الثالث الهجري، وشاهداً على تأثير الكلام المسيحي على الكلام الإسلامي. كما أنه أتى على ذكر اسم جبريل بن نوح على أنّه المؤلِّف الأصلي للكتاب، وأشار إلى تشكيك شارل بيلا في انتساب كتاب العبر إلى الجاحظ. وحول صحة هذه النسبة ذكر كريفث أن جبرايل بن نوح عاش قبل الجاحظ، ونقل جزءاً من مقدّمة التحرير المفصل للكتاب، حيث ضمنه الحديث عن ترجمة بعض المتون اليونانية إلى اللغة العربية([87]).

كوتاس في كتاباته تحدَّث عن كتاب الدلائل والاعتبار، المنسوب إلى الجاحظ، والذي قام بطبعه محمد راغب طباخ الحلبي(حلب، 1346/1928)، وقال: إن الكتاب الأخير هو في حقيقته كتاب الفكر والاعتبار، الذي صنَّفه جبريل بن نوح الأنباري([88]).

عرض على شكل نسخة خطّية ضمن آيا صوفيا 4836، الورقات 160 رو ـ 187 ومكتبة إسكوريال 698 في فهرست درنبورغ.

فؤاد سزغين، والذي حصل على نسخة آيا صوفيا أشار هو الآخر إلى التشابه بين متن هذه النسخة والكتاب المنسوب للجاحظ([89]).

 

الهوامش

(*) باحثٌ متخصِّصٌ في التراث والدراسات القرآنيّة والحديثيّة.

([1]) الحصول على نسخة من كتاب الفكر والاعتبار من مكتبة آيا صوفيا (2/4836) كان من ورائه مجهودات السيد علي رضا مقدّم والسيد داود بيلديز. وهذه مناسبة كي أتقدَّم لهم بالشكر الجزيل. وقد أفادني الأستاذ ألكسندر ترايغر ببعض الدراسات حول كتاب العبر والاعتبار، المنسوب إلى الجاحظ، وأشكره كثيراً على ذلك.

([2]) انتقال القصص الديني والأخلاقي مع إعمال تغييرات قليلة من تراث إلى تراث آخر، أو من لغة إلى لغة آخرى، من الأمور الشائعة، وتوجد عليها شواهد كثيرة. مثلاً: قصة برلعام ويواصف ذات الأصول الهندية /البوذية (انظر ابن النديم 2: 326، القسم الأوّل) قد دخلت إلى التراث المسيحي السرياني قبل الإسلام، ومن طريقها دخلت اليونان، وترجمت إلى العربية في عصر ازدهار الترجمة، لترد التراث الشيعي، مع إدخال بعض العبارات الشيعية بعد القرن الرابع، وانتشرت بعد أن أوردها الشيخ الصدوق(381هـ) في كتابه كمال الدين وتمام النعمة. بشأن تطور القصة انظر: مراد كامل ومحمد حمدي البكري وزكيّة محمد رشدي، تاريخ الأدب السرياني، من نشأته إلى العصر الحاضر: 174 ـ 177، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، 1974.

([3]) بخصوص جنيزة القاهرة وأهمّيتها انظر: Abraham Firkovich

بخصوص فركويتش وأهمية المجموعة من الجنيزة التي جمعها انظر:

Tapani Harviainen, Abraham Firkovich, Karaite Judaism, A Guide to its History and Literrary Sources, ed Meira Polliack Leiden 2003, 875 – 892.

([4]) من الجنيزات المشهورة جنيزة القديس ابن عزرا في القاهرة القديمة (الفسطاط)، يعود تاريخها إلى القرن 19، وجميع المعلومات حولها توجد الآن بمكتبة جامعة كمبريدج، وتمكن من الاطّلاع على تاريخ يهود القرون الماضية. من جملة المعلومات المنتشرة كتاب شلومو دوف غويتين من ستّة مجلدات تحكي تاريخ الجوامع اليهودية التي كانت تعيش في العالم الإسلامي طبق مستندات ووثائق تاريخية من مجموعة الجنيزة التي عثروا عليها، انظر:

  1. D Goitein, A Mediterranean Society: The Jewish communities of the Arab world as portrayed in the documents of the Cairo Geniza, 6 vols, Berkeley: University of California Press, 1967 – 1993.

كنيسة ابن عزرا هي ليهود الربانيين. توجد مستندات مشابهة في كنيسة روا سمحا (دار ابن سميح)، في محلة زويله القاهرة، وقد انتقل قسم منها إلى المكتبة الوطنية بباريس. أما القسم المهم منها قد اشتراها أبراهام فركويتش خلال سفره إلى مناطق مختلفة، وهي موجودة الآن بالمكتبة الوطنية لمدينة سانت بترزبورغ. القسم المهم من مجموعة فركويتش نسخ خطية مرتبطة بيهود القرائين الذين كانوا يسكنون العراق، وكانت انتقلت إلى كنيسة ابن سميح. وعلى عكس المستندات التي وجدت بكنيسة ابن عزرا، والتي كانت تشتمل على أقسام جزئية في مجموعة فركويتش، توجد نسخ خطية كثيرة تختلف من حيث الحجم عن مستندات كنيسة ابن عزرا، وقد تكون بعض نسخ مجموعة فركويتش على متن كتاب كامل، كما توجد بالمجموعة الأخيرة نسخ خطية بالخط العربي (بخطّ عربي وأخرى بالعبرية). للبحث حول أهمية النسخ الخطية لهذه المجموعة في معرفة تأثرها بكلام المعتزلة انظر:

  1. Schmidtke, Mutazilī Manuscripts in the Abraham Firkovitch Collection, St. Petersburg. A Descriptive Catalogue, A Common Rationality. Mutazilism in Islam and Judaism, eds. Camilla Adang, Sabine Schmidtke and David Sklare, Wurzburg: Ergon, 2007, 377 – 462; David Sklare, Judaeo ـ Arabic Manuscripts in the Firkovitch Collections: The Works of Yusuf al ـ Basir. A Sample Catalogue. Texts and Studies, Jerusalem: Ben ـ Zvi Institute for the Study of Jewish Communities in the East, 1997.

([5]) بخصوص جنيزة القاهرة وأهميتها انظر:

Stefan. C. Rief, A Jewish Arshive from Old Cairo: The History of Cambridge Unicersity’s Genizah collection (Richmond, 2000); idem The Cambridge Genizah Collections: Their Contents and Significance (Cambridge University Press, 2002.

(6) انظر: زابينه شميتكه، مواد المسلمين المخطوطة في مجموعة أبراهام فيركوتش، المكتبة الوطنية الروسية، سانت بطرسبورغ. يمكن الاطلاع عليها من خلال الرابط:

http://www.academia.edu/4077154/_prepubl.

وقد توجه يهود القرائين في العراق ومصر إلى آثار السيد مرتضى(436هـ)، عدا عن نسخة كاملة من كتابه ذخيرة العالم وبصيرة المتعلم، والتي استنسخها عالي بن سليمن، وهو من علماء يهود القرائين خلال القرن الخامس: (تم كتاب ذخيرة العالم وبصيرة المتعلم، إملاء الشريف الجليل المرتضى رضي الله عنه، وفرغ من نسخه لنفسه عالي بن سليمن في شهر رجب سنة 472هـ. والحمد لله على نعمائه، وهو حسبي، وبه أستعين وحده) (بخصوص أهمية النسخة الأخير لكتاب الذخيرة، والتي تعطي قراءة صحيحة للكتاب، انظر: شميتكه، النسخة القديمة من كتاب الذخيرة للشريف المرتضى (تاريخ الكتابة: 472هـ)، معارف الدورة العشرين، العدد 2 (مرداد ـ أبان 1382هـ.ش): 68 ـ 84). كذلك عثر على أجزاء بعض آثار السيد مرتضى، من جملتها أوراق شرح لا يعلم اسم صاحبها على القسم النظري (علم) كتاب جمل العلم والعمل، والتي يحتمل أن تكون شرح الكراجكي على جمل السيد المرتضى، والتي لم يعثر لها على أثر ضمن الموروث الشيعي، وفي القسم الثاني من مجموعة فركويتش أقسام من آخر أبواب التوحيد وأبواب العدل؛ وورقة من رسالة إنقاذ البشر من الجبر والقدر، ضمن شرح الشيخ الطوسي ضمن الآثار التي تمّ التعرف عليها.

Gregor Schwarb, A newly discovered fragment of al – Sharīf al – Murtaā’s K. al.  Mulakhkha fī uṣūl al ـ dīn in Hebrew script, Intellectual History of the Islamicate World (2014) (forthcoming).

والملفت في الأمر وجود قسم من كتاب الإيماء إلى جوامع التكليف علماً وعملاً، لسهل بن فضل بن سهل التستيري، عالم القرائين في القرن الخامس، والتي كتبها جواباً على رسالة عالي بن سليمان المقدسي، كان كتبها له طلب منه فيها أن ينظر ما كان مثل كتاب جمل العلم والعمل، للسيد المرتضى، فيكتبها لليهود القراء. وهناك شواهد أخرى على شهرة السيد المرتضى في أوساط التجمعات اليهودية في العراق ومصر وبلاد الشام في القرن الخامس الهجري، انظر:

Schwarb, 2006, pp. 76 – 77.

وقد تمّ التعرف حديثاً على قسم من كتابٍ في الكلام للسيد المرتضى، تحت عنوان الملخص في أصول الدين، وقد تمّت كتابة الكتاب باللغة العربية، لكن بحروف عبرية، ضمن حلقات قرائين بيت المقدس خلال القرن الخامس، انظر في هذا:

Gregor Schwarb, A newly discovered fragment of al ـ Sharīf al ـ Murtaā’s K. al ـ Mulakhkha fī uūl al ـ dīn in Hebrew script, Intellectual History of the Islamicate World (2014) (forthcoming).

([7]) في ما يتعلق بعصر الترجمة يرجى الرجوع إلى: رشيد الجميلي، حركة الترجمة في المشرق الإسلامي في القرنين الثالث والرابع الهجري، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1406 ـ 1986؛ رشيد الجميلي، حركة الترجمة والنقل في المشرق الإسلامي في القرنين الأول والثاني للهجرة، منشورات جامعة قاريونس، 1426 ـ 2010؛ أورنغ زيب الأعظمي، حركة الترجمة في العصر العباسي، دار الحرف العربي، بيروت، 2005. وبخصوص المتون العربية التي ألّفها المسيحيون، وخاصة النسطورية، والتي كان لها نفوذ أكثر من غيرها من أخواتها في عراق العرب وعراق العجم وخراسان، وقد استفاد المسلمون من آثارها، وقد استفاد منها القاضي عبد الجبّار في كتابه تثبيت دلائل النبوة، رغم أن البحث في ماهية تلك الكتب يرافقه جدلٌ كبير (جبريل سعيد رينولدز، «هل يمكن اعتبار كتاب دلائل النبوة لعبد الجبّار مصدر جديد للتعريف بتاريخ المسيحية؟»: 77 ـ 106، ترجمة: منصور معتمدي، معارف، الدورة العشرون، العدد 3 (آذر ـ إسفند، 1382هـ.ش)). نعم، لا يمكن الحديث في أوساط علماء المسلمين في القرن الثالث عن تأثرهم بالكلام المسيحي؛ لغياب الإشارات على ذلك، لكن هذا لا ينفي تعرفهم على كتب وآثار المسيحيين، مثل: كتاب قاسم بن إبراهيم الرسّي(246هـ)، والذي أقام في مصر ما بين 199 ـ 212هـ، وكتب كتابه الردّ على النصارى، وهذا ينبئ على تعرُّفه على التراث المكتوب للنصارى، كما خلف مادلونغ آثاراً عديدة، ردّاً على عدم التفريق بين صفات الذات باعتبارها صفات أزلية وصفات الفعل باعتبارها صفات أمر حادثة، والتي عرفت في الكتب الكلامية لتيدور أبو قرة، وهو من أساقفة الملكائية، كتبها باللغة العربية، ويحتمل أن يكون قاسم بن إبراهيم قد تعرف على تأليفاته:

Madelung, 1991, pp. 35 – 44.

ولحارث بن أسد المحاسبي كتابٌ تحت عنوان العظمة، لم ينشر بعد، وله نسخة بمكتبة جار الله أفندي (رقم 1101، أوراق 24 ألف ـ 27 ب) (يحتمل أن يكون ملخص لأصل الكتاب). وقد استفاد في هذا الكتاب من برهان النظم في استدلاله على وجود الله، لكنْ لعدم اطّلاعنا على الكتاب لا يمكننا التصريح بأكثر من هذا. (انظر: عبد الحليم محمود، أستاذ السائرين الحارث بن أسد المحاسبي: 85، 108 ـ 110، دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1983؛ ابن النديم، كتاب الفهرست 1: 658، القسم الأوّل، قابله على أصوله وعلَّق عليه وقدّم له: أيمن فؤاد السيد، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، 1430 ـ 2009). ونسب للمحاسبي كتاباً بعنوان التفكر والاعتبار، وهو من جملة الكتب المفقودة.

([8]) من الأمثلة ما أشار إليه أحمد بن علي النجاشي في فهرست أسماء مصنفي الشيعة، المشتهر برجال النجاشي: 287 (تحقيق: حجّة الإسلام السيد موسى الشبيري الزنجاني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1407)، في كلامٍ عن عمرو بن شمر الجعفي: زيد أحاديث في كتب جابر الجعفي، ينسب بعضها إليه، والأمر ملبس.

([9]) الطوسي، فهرست كتب الشيعة وأصولهم وأسماء المصنفين وأصحاب الأصول: 472، تحقيق: السيد عبد العزيز الطباطبائي، مكتبة المحقق الطباطبائي، قم، 1420.

([10]) رجال النجاشي: 416.

([11]) الملاحظ أن المتأخرين من علماء الرجال كثيراً ما يتجاهلون تضعيفات القدامى، بل كثيراً ما يقومون بتوجيه بعض التضعيفات، حتّى أنهم يتجاهلون إجماع الطائفة في طريقتهم في مواجهة المنحرفين عن خطّ الأئمة^. ويلاحظ هذا في مقدمات كتاباتهم، أو في تعليقات بعض المصححين المتأخرين. تضعيف القدامى يعتمد على شواهد وقرائن صحيحة، وأغلب تلك الشواهد والقرائن قد اندرست، ولم تصل إلينا. مثلاً: ما كتبه النجاشي في الرجال: 67، في إشارته للحسين بن حمدان الخصيبي ـ زعيم فرقة النصيرية المنحرفة، والشخصية المحورية في وضع العقيدة المنحرفة تأليه الأئمّة ـ كتب: «حسين بن حمدان الخصيبي الجنبلاني، أبو عبد الله، شخص فاسد المذهب. من آثاره (ومبدئياً يكون النجاشي قد اطلع عليها): كتاب الإخوان، كتاب المسائل، كتاب تاريخ الأئمة، وكتاب الرسالة. وقال النجاشي بخصوص كتاب الرسالة «خلط». وفقط كتاب تاريخ الأئمة، الذي يحتمل أن يكون كتاب الهداية الكبرى للخصيبي، كان متداولاً في سنة الشيعة، وكان في متناول القدامى. وكذا الشيخ الطوسي له نقل في كتاب الغيبة، ولم يذكر له السنة الباطنية للنصيرية في فهارس الشيعة. كما لم يكن محل اهتمام في مراجع الأصحاب. وفي الواقع فكتاب الرسالة، الذي توفّرت نسخه، هو من الآثار التي أثبت فيها ألوهية الأئمة، وقد كتب حسين بن حمدان شرحاً عليها. وهو كذلك لا زال متوفّراً. ولعل تداول شرح على كتاب الرسالة بين النصيريين يرجع إلى عدم قبولهم لها، أو لعله لأهمّية هذا المحور. وكيفما يكون الحال فانعدام هذا الكتاب عند رجال المتأخّرين جعلهم يغضون النظر عنه. وعلى العموم فالرجاليون من المتأخرين قد غضّوا النظر كذلك عن تضعيفات النجاشي له، بل عمدوا للدفاع عنه. انظر كذلك: محمد كاظم رحمتي، حسين بن حمدان خصييبي وكتاب المائدة، مجلة پيام بهارستان، العدد 10 (شتاء 1389هـ.ش): 812 ـ 817. النجاشي لم يشر إلى تلك الآثار التي نسبت إلى المفضل، وإنّما المتون التي ذكرها هي تلك التي تنسب إليه الآن، مثل: كتاب الصراط أو الهفت الشريف / الهفت والأظلة. بخصوص الكتابين الأخيرين انظر

AsatryanM. 2012. pp 63 – 139, 140 – 241.

([12]) بخصوص أهمية المفضل ومكانته انظر: التستري، قاموس الرجال 1: 205 ـ 217 (والذي جمع أهم المطالب حول المفضَّل، ومن أهمها: ما ذكره التستري آخر البحث، وإرجاعه لكتاب (مغز متفكر شيعه)، والذي يحتمل أن يكون التستري قد رأى حاصل مقالات المؤتمر التي تم نقلها وما أورده المرحوم ذبيح الله المنصوري والتي تم نشرها، رآها التستري مجرد تخيلات وقصص صنعها وليس لها قيمة علمية)؛ والمدرسي في المجلد الأول: 403 ـ 406 (بعد اتمام كتابة المقالة وجدنا ذلك في الترجمة المنشورة من كتاب توحيد المفضل وهي ترجمة العلامة المجلسي ومقدمة مفصلة إلى حدٍّ ما لمحمد تقي التستري (طهران، مكتبة الصدر، تاريخ المقدمة 18/1/95)، وذكر أن المرحوم التستري قد أبدى حسن الظن بكتاب توحيد المفضل، وأنه تلقاه بالقبول. ومن المقدّمة المفصلة له نستطيع القول: إنه يعتقد باعتبار رواية الكتاب (انظر: السيد أبو القاسم الخوئي، معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة 18: 303 ـ 304، دار الزهراء، بيروت، 1403 ـ 1983)، وإلى جلالة مقامه، حيث أشار إلى كتاب توحيد المفضل، وقال: إنه نفسه كتاب فكر الذي ذكره النجاشي، واستنتج من قوله: إن الكتاب الأخير هو من إملاء الإمام على المفضَّل أن الأخير من خواصّ أصحاب الإمام الصادق×، ومورد عنايته، وبذلك حكم بتوثيق المفضَّل.

([13]) رجال النجاشي: 52.

([14]) رجال النجاشي: 345: ورد علينا زائراً.

([15]) أشار للنقطة الأخيرة السيد محمد رضا الحسيني الجلالي. بخصوص كتاب توحيد المفضل أو كتاب فكر هناك مطلب يستدعي الذكر: النجاشي في ترجمته لحماد بن عيسى(209هـ) كتب نقلاً عن أحمد بن حسين ابن الغضائري أنه قال: الكتاب الذي رآه يشتمل على عبر ومواعظ وتنبيهات بخصوص منافع أعضاء بدن الإنسان والحيوان ومباحث في التوحيد: (رأيت كتاباً فيه عبر ومواعظ وتنبيهات على منافع الأعضاء من الإنسان والحيوان، وفصول من الكلام في التوحيد). وقد وضع له عنوان: مسائل التلميذ وتصنيفه عن جعفر بن محمد بن عليّ^ (في النسخة الموجودة من رجال ابن الغضائري لا توجد العبارة الأخيرة، وأوردها السيد الجلالي في قسم مستدركات كتاب الرجال، لابن الغضائري (ص 123)، نقلاً عن النجاشي). كتب تحت كلمة ترجمة حسين بن أحمد بن شيبان القزويني: المراد من التلميذ حماد بن عيسى، وهذا الكتاب من تأليفه (وهذا الكتاب له). والتساؤلات المطروحة فيه هي تساؤلاته التي طرحها على الإمام الصادق×، وأجابه× عليها (قد أشير إلى الكتاب الأخير في مدخل «حمّاد بن عيسى»، موسوعة العالم الإسلامي 14: 72، من دون أن الإتيان على ذكر مجال تشابهه في الموضوع وكتاب توحيد المفضل). بالنسبة للنسخة المذكورة فابن شيبان قال: إن علي بن حاتم القزويني روى له الكتاب بواسطة أحمد بن إدريس، وبطريقه حماد: (وذكر ابن شيبان أن علي بن حاتم أخبره بذلك عن أحمد بن إدريس قال: حدَّثنا محمد بن عبد الجبار قال: حدَّثنا محمد بن الحسن الطائي رفعه إلى حمّاد) (رجال النجاشي: 143). والوصف المنقول إلينا في كتاب توحيد المفضل تقريباً يتطابق وما نعلمه عن كتاب فكر. وهذا ربما يدفع بنا إلى حدسٍ مفاده أن حماد كان يحضر مجالس ما أملاه الإمام الصادق× على المفضل، وأنه قرر تلك الإملاءات في شكل كتابٍ، لكن المتن المشهور بين الأصحاب كان هو متن المفضَّل. النجاشي عرف عليّ بن حاتم القزويني بعنوان أبي الحسن عليّ بن أبي سهل حاتم القزويني، ووصفه بأنه ثقة في نفسه: (ثقة من أصحابنا في نفسه)، إلا أنه يروي كثيراً عن الضعفاء، وقد ذكر له النجاشي فهرستاً (المصدر نفسه). وقال: إنه لديه مصنفات علي بن حاتم القزويني برواية أبي عبد الله بن شاذان. الشيخ الطوسي في الفهرست: 285 نقل فصولاً عن عليّ بن حاتم القزويني، نقلاً عن فهرست ابن عبدون ومصنفاته. وعلى الأرجح إنما نقلها على أساس توصيف ابن عبدون بعبارة المتعدّدة والمعتمدة: (له كتب كثيرة جيدة معتمدة)، وذكر طريقه إليها بواسطة ابن عبدون، عن أبي عبد الله حسين بن عليّ بن شيبان القزويني، عن علي بن حاتم القزويني. بعض عناوين المصنفات التي ذكرها الشيخ الطوسي تشبه ما أورده النجاشي، ككتاب التوحيد. ومن خلال أن حسين بن أحمد بن شيبان القزويني، والذي يحتمل أن يكون نفسه أبا عبد الله الحسين بن علي بن شيبان القزويني، والذي كان يمتلك نسخة كتاب مسائل التلميذ وتصنيفه، لا نستطيع الوصل بين مصنِّفي التوحيد والفكر. والظاهر أن كتاب فكر المفضل هو تحرير آخر برواية حماد بن عيسى، والحلقة التي تجمع بينهما سلسلة السند ورد فيها اسم علي بن حاتم القزويني. وكان علي بن حاتم القزويني من بين محدّثي عراق العجم، الذين اهتموا برواية المصنفات الكلامية. والنجاشي في الرجال: 433، قبل أن ينقل فهرسة لمصنفات هشام بن الحكم، ذكر أن طريقه إليها بالنقل عن أبي عبد الله بن شاذان، عن علي بن حاتم القزويني. بخصوص علي بن حاتم القزويني انظر: محمد تقي التستري (شوشتري)، قاموس الرجال 7: 319 ـ 392، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1410 ـ 1424.

([16]) عدد 4836؛ الأوراق 160 ألف ـ 187 ألف.

([17]) في وصف مقتضب عن الكتاب انظر: رمضان ششن، نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا 1: 404 ـ 405، دار الكتاب الجديد، بيروت، 1975؛ رمضان ششن، مختارات من المخطوطات العربية النادرة في مكتبات تركيا: 359 ـ 360، إيسار، إسطنبول، 1997. في الورقة 160 مخطوطة مكتبة الفكر والاعتبار، مذكَّرتين، حيث المتن في المذكرة الأولى (الورقة 160 ألف، الركن على اليمين في الأعلى) : «والحمد لله القديم الدائم، وردّ الخبر عن قاضي القضاة شيخ الإسلام صالح بن جلال، مفتي مصر المحروسة، بالانفصال عنها في يوم الأربعاء تاسع وعشرون ذي الحجة الحرام عام 956، وكان استقرار بالمنصب في أواخر شهر صفر المظفر من أوائل 954، ودخوله إلى القاهرة المحروسة في شعبان الأكرم من السنة الأولى المذكورة، فكان مدة الجلسة سنتين وتسعة أشهر وعشرين يوماً. وعوّضنا وإيّاه خيراً في الدنيا والآخرة، ورفع مقامه في الدارين بجاه محمد سيد المرسلين». وفي مذكرة أخرى مفصلة في الورقة 160 ب أتى كذلك التالي: «الحمد لله رب العالمين، توفّي جدنا شيخ الشيوخ علامة الدهر إمام العصر شهاب الدين أبو العباس ابن الصائغ الحنفي تغمّده الله برحمته ورضوانه في الليلة… من يوم الأحد سابع وعشرين… وكان آخر كلامه في الدنيا: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾، وغسل بمنـزل سكنه بالصالحية، وصلّي عليه بجامع الأزهر، ودفن عند والده المرحوم مجد الدين إسماعيل، وكان مشهده من المشايخ المعدودة، وصلى عليه إمام القضاة نور الدين الطرابلسي، اكتفى. ومناقبه الجليلة أعمّ من أن تحصى، أنزل الله به الإنابة، وهو حسبي ونعم الوكيل وصلّى الله عليه…». ووفقاً للمطالب المندرجة على النسخة يبدو واضحاً أن النسخة كانت في دمشق، وبعدها انتقلت إلى إسطنبول. وكتبت نسخة على النسخة القديمة، وعلامات على مقابلة النسخ وتصحيحها في أوراق مختلفة من النسخة، من جملتها الورقة 164 ألف، 166 ألف ـ ب، 167 ألف ـ ب. في الورقة 172 ألف ـ ب ذكر بلغ مقابلة. وقد أورد دويدسون بحثاً حول نسخة آيا صوفيا قال فيه: إنه باستثناء بعض الحذف (مثل: حذف المقدمة وبعض فصول آخر الكتاب) فإن نسخة آيا صوفيا لا تفرق عن النسخة المطبوعة لكتاب العبر والاعتبار المنسوبة للجاحظ:

Davidson, 1987, p. 219, no. 40.

وتوجد نسخة أخرى للكتاب تحت عنوان الاعتبار في الملكوت بمكتبة إسكوريال الإسبانية، برقم 698، في الورقة 82، وبخطّ مغربي كتب في القرن الثامن الهجري، حيث ذكر كذلك اسم جبريل بن نوح النسطوري. وهنا أتقدم بالشكر لصديقي العزيز ألكسندر ترايغر الذي ساعدني في الاطلاع على النسخة الأخيرة. لمزيد من الاطّلاع على هذه النسخة يرجى الرجوع إلى:

  1. Derenbourg, Les manuscrits arabes de l’Escurial [Publications de l’Ecole des Langues Orientales Vivantes, IIe Série, Vol. X], (Paris, 1884, repr. Hildesheim: Georg Olms Verlag, 1976) , pp. 494 – 495.

([18]) نشر محمد راغب الطباخ الكتاب المنسوب إلى الجاحظ تحت عنوان كتاب الدلائل والاعتبار على الخالق والتدبير (حلب 1346/1928). وقد صاحب هذه النسبة نقاشات عديدة، والقدر المسلم به فيها أن هذا المصنف لا يشبه مصنفات الجاحظ الثابت نسبتها إليه. النقطة المهمة بالنسبة إلى المتن المنسوب إلى الجاحظ أن له تحريرين: تحريراً مختصراً؛ والآخر مفصلاً. والتحرير المختصر هو نفسه المتن المطبوع المتداول، ولا يختلف عن نسخة آيا صوفيا، أما التحرير المفصل فهو بعنوان يختلف قليلاً عن العبر والاعتبار، واستهلّ بمقدمة، حيث احتملت انتساب الكتاب إلى الجاحظ، لكن النسبة هي إلى حدٍّ ما معقولة، حيث اعتبر بروكلمان (كيب، 1948: 151) نسخة كتاب العبر والاعتبار بمكتبة بريطانيا هو نفسه كتاب الدلائل والاعتبار، التي قام بنشرها الراغب الطباخ، بينما نسخة بريطانيا تحتوي على مقدمة مفصلة نسبياً لا توجد في المتن المنتشر، ولخص المتن في عدة موارد. وذكر صاحب مقدمة الكتاب ترجمة للجاحظ (أو شخص آخر)، أو غيره، أن مجموعة من الحكماء قد صنّفوا تصنيفات مشابهة للمصنف الفعلي، من بينهم: جبريل بن نوح الأنباري، مع تفاوت يكمن في أن مصنف الأخير لا يحتوى على خطبة، ولا على مقدمة، وعمل فيه طبق ترتيب الفلاسفة، وكانت عبارتها جد معقدة، وخطابه صعب، كحال باقي كلام الفلاسفة. وتابع صاحب المقدمة أن من المصنفات الأخرى التي صنفت في نفس هذا الموضوع ما كان باللغة السريانية، وكان متداولاً بين نسطورية عراق العرب وعراق العجم: (وقد ألف مثل كتبنا هذا جماعة من الحكماء المتقدمين، فما أوضحوا معان، فمنهم: جبريل بن نوح الأنباري؛ لأنه صدر كتابه بغير خطبة، ولا مقدمة، ورتبه ترتيب الفلاسفة، وصدره بكلام أسقف ديادوريس مغلق، ونظمه نظماً غير متسق، فكأنه لم يؤلف. وقبله ألف في معناه فودروفوس عظيم الروم، الذي كان ينتسب إلى القول بالدهر، وجوليان طرسوس كتاباً وضعه في زمان بلسادوس العصبية لدين الكفر، وكان هذا الملك من أهل التلبيس والتدليس. وسمى فودرفوس كتابه كتاب التدبير، ونقله مَنْ أخذه عنه من السريانية إلى العربية، فلم يقع بفساد من الإيضاح والشرح، وأفسده بتأوّل الألسنة، وسوء العبارة، ومنها النقل، حيث ينبغي أن يقع من كتبه باليونانية، ونقل بعده إلى السريانية ثم إلى العربية. أسقف قورس تيودوروس فجرى مجرى الأول المفسود بتداول النقل والعبارات، ومنها: كتاب ألف أيام بني أمية نظمه يشوع بخت مطران فارس، وكتبه بالفارسية فأكسبه استغلاقاً…) (كيب، 1948: 153 ـ 154). في الترجمة الإنجليزية أورد المقدمة، مع التلفظ الصحيح للأسماء التي ذكرت فوق، وتم إصلاح النقل. وعلى كل حال فما ذكر في المقدمة يكشف عن تداول كتابات في هذا الموضوع في سنة مسيحيي النسطورية (كيب، 1948: 155)، حيث أشارت إلى ترجمة الأصل اليوناني في القرن الخامس الميلادي إلى السيريانية بواسطة ديودورس، الذي كان عالماً نسطورياً، وتوجد منه أجزاء، أما المتن اليوناني لكتاب تادورتوس، وهو المؤلف المشهور، قد قامت ميني بنشره (عشرة خطب والخطب الخمسة الأولى: 1ـ الشمس، السماء، القمر والنجوم؛ 2ـ الهواء، الأرض والبحار؛ 3ـ جسم الانسان؛ 4ـ قصص الإنسان والإبداعات الفنية؛ 5ـ سمو مكانة الإنسان على الكائنات الأخرى، حيث ذكر كاتب المقدمة معظم فصول كتاب الفكر والاعتبار في قسمٍ كبير منها، أما في الخطب الخمسة الأخرى فيلاحظ تشابه فقط في مسألة الهواء، كما لا يختلف القسم الأخير من الكتاب عن كتاب الفكر والاعتبار، مع وجود اختلافٍ كبير بين مباحث كلا الكتابين (بالنسبة لتشابه الكتابين انظر: كيب، 1948: 156 ـ 162). بالنسبة ليشوع بخت ما هو معروف عنه أن له مؤلفاً مشهوراً في فقه النسطورية، وكان على قيد الحياة ما بين فترة 775/158 إلى 790/173، يعني أوائل عصر العباسيين (كيب، 1948: 155، الهامش 11).

من جملة نسخ الكتاب في تحريره المفصل نشير إلى نسخة مكتبة بريطانيا. وقد نشر كرانكو (ص 558 ـ 562) مقدمة التحرير المفصل في مقال تحت عنوان «حول كتاب من كتب الجاحظ» (مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 9 (ربيع الأول 1348)، مع الإشارة أن المنقول الذي تم طبعه في حلب ـ باستثناء المقدمة ـ يعدّ أصغر حجماً، وهو تلخيص للتحرير المفصل. وقام صابر إدريس بنشر نسخة للتحرير المفصل لنسخة مكتبة بريطانيا بعنوان العبر والاعتبار (العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، 1994). وقام سعدان (2005: 415 ـ 417) بمقارنة بين قسمي التحريرين بخصوص النقل، وبين أن أحدهما تلخيص كثير للتحرير المفصل. وبنفس العنوان، والتي هي ظاهراً نسخ مختلفة متداولة بين زيدية اليمن، نسخة مختلفة للكتاب، الظاهر أنها التحرير المفصل، وتلخيص بعنوان المنتزع المختار من كتاب العبر والاعتبار والدلائل والآثار (انظر: عبد السلام بن عباس الوجيه، مصادر التراث في المكتبات الخاصة في اليمن 1: 221، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية، صنعاء، 1422 ـ 2002) (العبر والاعتبار في النظر في معرفة الصانع وإبطال مقالة أهل الطبائع)، 414 (المنتزع المختار)، 2: 172 (المنتزع المختار)، 658 (العبر والاعتبار)). كما توجد نسخة في الأصل يمنية، النسخ الخطية قد باعها كلاسر لمكتبة بريطانيا، وكتابتها متأخرة عن الأولى (تاريخ كتابة النسخة: الاثنين 7 شعبان 1258 ـ 1842). (بالنسبة لنسخة مكتبة بريطانيا انظر: فان إس (1980: 78). وبالنسبة إلى التحرير المفصل للكتاب هي في الأصل متعلقة بمكتبة عبد الرحمن الشامي (صنعاء)، ويوجد صورة منها في القاهرة، دار الكتب: 299. في التعريف بنسخة مكتبة بريطانيا، والتي كانت كتابتها متأخرة (كيب، 1948: 150 ـ 151) وغير دقيقة. وأشار أحمد زكي في صنعاء إلى ثلاث نسخ قديمة للكتاب، وكان يرغب في تصحيحها وفق نسخة مكتبة بريطانيا، لكن لم تسمح له الفرصة بذلك. بالنسبة لدور كلاسر في تجميع النسخ الخطية اليمنية للكتاب، وبيعها للمكتبات الغربية انظر: كيب في مقالة بخصوص النسخ الأخيرة. ولم يقبل شال بلا، الذي اعتمد على مقايسة نثر الكتاب ونثر الكتب المعروفة للجاحظ، التشكيك في نسبته إلى الجاحظ، في حين نجد فان إس، والذي طرح هذا التشكيك من خلال وجود تحريرين للكتاب، حيث قال: إن الجاحظ أدخل إصلاحات على كتاب جبريل بن نوح، الذي كان معاصراً له، وبهذا لا تنتفي نسبته إلى الجاحظ. ولا بُدَّ من القول: إن اعتماد هذا الطرح ليس له من دليل سوى وجود هذه النسبة ضمن النسخة، ويحتمل أن يرجع انتسابه إلى الجاحظ إلى كلام الجاحظ نفسه في حديثة عن دوره في تنقيح النسخ التي تمت ترجمتها إلى العربية، حيث تحدث عن ذلك في كتابه الحيوان 1: 75 ـ 79. لكنْ من وجهة نظري فإنّ انتساب الكتاب إلى الجاحظ، وحذف المباحث المنقّحة، يرجع إلى عدّة أدلة، منها: شهرة الجاحظ، والإقبال على مؤلفاته، وحذف المقدّمة كان سبباً في طمس هوية الكتاب غير الإسلامية، وتعلقها بأدبيات المسيحيين العرب. انظر:

Gibb,1948, pp. 150 ـ 162; van Ess, 1980, pp. 78 ـ 79.

لكن مصطفى جواد، في كلامٍ له تحت عنوان: «أتوحيد المفضل… أم توحيد الجاحظ؟» قال: إن التوحيد المنسوب إلى الجاحظ هو نفسه توحيد المفضَّل. لكنّ كاظم المظفَّر ردّ هذا الرأي في مقدمة توحيد المفضَّل (النجف، 1950). لكن اليوم، ومع توفُّر النسخ، نستطيع القول بوضوح: إن المتنين؛ بلحاظ المحتوى، ومع الإضافات القليلة (مثل: قصة لقاء ابن أبي العوجاء والمفضَّل للإمام الصادق، وشكاية المفضل لابن العوجاء للإمام، وبعض التغييرات الأخرى التي سنشير إليها في الملحق)، هي لكتابٍ واحد. وطبع كتاب الدلائل المنسوب إلى الجاحظ ضمن طبعات مختلفة، من جملتها: طبعة بيروت / القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية وبدار الندوة الإسلامية، 1987 ـ 1988). انظر في هذا: علي رضا ذكاوتي؛ قراكزلو، حياة ومصنّفات الجاحظ: 80، منشورات علمي وفرهنگي، طهران، 1367هـ.ش؛ ديودسون (1987: 217 ـ 219)، وتحدث عن قسم مبحث برهان النظم ومقدماته من الكتاب والتحريرات الثلاثة الموجودة له يعني: On Providence، بعنوان تيودروت (كتاب الفكر والاعتبار والتحريرين المنسوبين إلى الجاحظ) اعتبرها تحريرات عربية للكتاب؛ لاعتمادها لمبحث برهان النظم في إثبات وجود الله تعالى، ويحتمل أن يكون كتاب تيودروت مبتنٍ على المصنفات اليونانية القديمة:

Davidson,1987, p. 219, no. 41.

([19]) ابن أبي العوجاء من أشهر الزنادقة في القرن الثاني الهجري، ولا يوجد معلومات كافية عن شخصيته، وتحدث علماء الحديث عن جعلياته التي تعدّ كثيرة نسبياً إضافةً إلى بعض المناظرات التي أجراها مع الإمام الصادق×. انظر في هذا الموضوع: مسعود جلالي مقدم، «ابن أبي العوجاء»، دائرة المعارف الإسلامية الكبيرة 2: 688 ـ 689. نسخة توحيد المفضل التي توجد في السنة الشيعية متأخرة تعود إلى القرن الثاني عشر وما بعده. حول هذه النسخة انظر: السيد أحمد الحسيني، التراث العربي المخطوط في المكتبات الإيرانية العامة 3: 518 ـ 519، دليلنا، قم، 1431 ـ 2010) (قول الحسيني أن الكتاب يتكون من سبعة جلسات كلام ليس دقيق)؛ درايتي، فهرستكان نسخه هاي إيران (فنخا) 9: 409 ـ 416. وقد تداول في أواخر عصر الصفويين نسختين لتوحيد المفضل؛ مرة بواسطة محمد صالح بن محمد الباقر الروغني القزويني (صفر 1080)؛ ومرة أخرى بواسطة محمد باقر المجلسي، حيث انتهى من تأليفها في شهر رجب من سنة 1094. انظر في هذا: درايتي، فهرستكان نسخه هاي إيران (فنخا) 9: 445 ـ 450.

([20]) التحرير الموجود يختلف عن التحرير الشيعي، حيث يشتمل على خمسة مجالس، وهو برواية أبي الحسن محمد بن علي الحلي (كان حياً سنة 399)، عن حسين بن حمدان الخصيبي. النسخة الأخيرة، بالإضافة للمجلس الخامس، كانت في متناول حسين النوري(1320)، وقد نقل جزءاً من بداية المجلس الخامس، حيث تبين أن هذا المتن الذي نشره المستدرك على الوسائل قد تمّ تصحيف الأسماء فيه، والظاهر أن مشكلة عدم ضبط الأسماء ترجع إلى النسخة الخطية التي كانت في متناول النوري، حيث صحف اسم أبي الحسن محمد بن علي الحلي إلى الحسين بن محمد بن علي الحلي. كما صحف اسم حسين بن حمدان الخصيبي إلى الحسين بن أحمد. (النوري، خاتمة مستدرك الوسائل 4: 132). وقد أشار النوري، بعد أن نقل جزءاً من بداية المجلس الخامس، إلى محتواه الغريب، وقال بعدم وثاقة المجلس الخامس بعنوان جزء من كتاب توحيد المفضل، حيث قال: «وفيه مطالب غريبة غامضة لا توجد في غيره، ويحتمل أن يكون هو ما وعده× في آخر الخبر السابق، إلاّ أني لم أجده في موضع يمكن الاعتماد عليه والنقل منه». وقد نقل المجلس الخامس أبو القاسم بن محمد الحسيني الشريف الشيرازي، والمشهور بآغا ميرزا، والمتلخص براز شيرازي، ضمن كتاب تباشير (طباشير) الحكمة (في مكتبة شاه چراغ شيراز، رسالة المجموعة الأولى 2062، مشتملة على المجلس الخامس من كتاب توحيد المفضل، والتي نقلها الشيرازي في طباشير الحكمة. انظر: درايتي، فهرستكان نسخه هاي إيران (فنخا) 9: 416). اختلاف المجلس الخامس مع المجالس الأربعة الأخرى في السياق والأسلوب، ومن خلال محتواه يظهر أنه ملحق بها. ليس هناك جواب بالنسبة إلى بعض المتون النصيرية التي تمت روايتها ضمن المتون الإمامية المتأخرة، وكيف تم إدراجها ضمن الموروث المكتوب لبعض علماء الإمامية، لكنّ القدر المتيقّن منه أن الغلاة قد عمدوا إلى دسّ تلك الآثار، حيث حصلوا على منافذ في البحرين في القرون المتأخرة، وكانت روايات علماء البحرين في العصر الصفوي مجالاً تمكّنت المتون النصيرية من الدخول إلى السنة الشيعية من طريقه. ومن هنا نستطيع الوصول إلى خيط في هذا المجال، حيث نستطيع تحديد زمن ورود الآثار النصيرية من خلال أنّ بعض رواياتها كانت في زمن ما قبل الحلي، حيث نقل في كتابه مختصر بصائر الدرجات عنهم. في بحار الأنوار وتفسير البرهان جاءت بعض المباحث والروايات التي نقلت عن منهج التحقيق، لكن الظاهر أن هذا النقل كان بواسطة ما ذكره حسن بن سليمان الحلي في كتابه مختصر بصائر الدرجات، بالضبط كما هو الشأن حين ينقل المجلسي روايات مفصلة تحت عنوان: (روي في بعض مؤلفات أصحابنا) (بحار الأنوار 53: 1 ـ 36)، فإنها في الأصل مأخوذة عن كتاب الهداية الكبرى، لحسين بن حمدان الخصيبي. انظر كذلك في هذا الشأن: مدرسي الطباطبائي، ميراث الشيعة المكتوب القرون الثلاثة الأولى، الدفتر الأول: 404 ـ 405.

([21]) بالنسبة للمانوية ومعلومات المسلمين عنها راجع: ابن النديم، الفهرست 2: 378 ـ 403، القسم 1. قال ابن النديم في الفهرست 2: 402، القسم 1: إنه في زمن معز الدولة كان يعرف ما يقرب من 300 شخص من المانوية في بغداد، لكن أثناء كتابته لكتابه لم يبقَ منهم سوى 5 أشخاص. وقال في الفهرست 2: 305 ـ 406، القسم 1: إن كبيرهم يزدان بخت، وكان في الأصل ساكناً في مدينة الريّ، وأحضره المأمون إلى بغداد؛ لقصد مناظرته مع المتكلِّمين، وبعد انهزامه في المناظرة بقي في بغداد. وقد وصفه ابن النديم (المصدر السابق) بأنه كان شخصاً فصيحاً وصاحب لسان.

([22]) الجاحظ (المنسوب)، كتاب الدلائل والاعتبار: 60 وما بعدها. وذكر الأنباري في الأول مجموعة من فلاسفة اليونان، مثل: دياغوروس وأفقوروس، ومجموعة من الطبيعيين، وقال: إنهم كانوا على عقيدة أن العالم ليس له مدبِّر، وأن أرسطو (أرسطاطاليس) وفلاسفة آخرين قد انبروا للردّ عليهم. وفي الصفحة 62 يتعرّض الأنباري بالنقد للمانوية، وفي قطعة من الصفحة 67 يقول بكلّ شدّة: (…ولكن تعجب من المخذول ماني، الذي ادّعى أنه أوتي علم الأسرار، حيث عمي عن دلائل الحكمة في الخلق، حتّى نسبه إلى الخطأ، ونسب خالقه إلى الجهل، تبارك وتعالى الحكيم الكريم). وعلى كل حال فكتاب توحيد المفضل لا زالت تكسوه صبغة الجدل في نقاش عقائد المانوية، رغم كل التغييرات التي تعرض لها. جبريل بن أحمد كان غرضه من كتابه الفكر والاعتبار نقد نظريات المانوية، وكتابه في الحقيقة هو رد على المانوية باعتماده لبرهان النظم. ورغم أن برهان النظم لم يكن غريباً، لكنه لم يكن خلال القرنين الثاني والثالث متداولاً عند متكلمي المعتزلة. صحيح أن إبراهيم الرسي(246هـ) قد صنف كتابه الدليل الكبير معتمداً على برهان النظم، لكنه جاء على غرار أسلوب كتاب الفكر والاعتبار، وغير بعيد أن يكون قاسم الرسي قد استفاد من الكتب المشابهة التي صنَّفها المسيحيون العرب، حيث كانت مثل هذه المصنفات متداولة في تلك الفترة. (للبحث في برهان النظم راجع:

Davidson, 1987, pp213 – 236.

وقد كان قاسم بن إبراهيم ما بين سنة 199 إلى 212 في مصر، وكانت بعض مؤلفاته في الردّ على النصارى، ممّا يكشف علمه بالعهدين. وإن عدم انتباه أبرهاموف إلى مثل هذه المطالب تبين أن المتن المنسوب إلى الجاحظ متعلق بمناقشة سنة مسحيّي النسطورية، كما جاء في مقدمة تحرير المفضل. ونقل عن كيب أن متكلِّمي الزيدية قد أخذوا الاستدلال ببرهان النظم عن المعتزلة. وفي متابعة بحثه مطالب أشار فيها إلى أن برهان النظم في الفكر الإسلامي يرجع إلى القرن الرابع الهجري وما بعده، والتي كانت متداولة في بعض الآثار غير الكلامية. بخصوص البراهين التي استدل بها متكلِّمو المسلمين في إثبات وجود الله تعالى انظر:

Fakhry,1957, pp 130 – 145. Davidson ,1978, pp 17 – 212. Van Ess,1980, pp 64 – 81.

([23]) رجال النجاشي: 433.

([24]) غراف ذكر المعلومات التي أوردها البيروني حول جبريل بن نوح. انظر في هذا:

Graf, volm2, p155.

([25]) ابن طاووس في كتابه كشف المحجة: 50 ـ 51 ذكر كتاب توحيد المفضل، من دون أن يذكر اسمه، لكن من خلال الأوصاف التي ذكرها تبين أن مراده نفس كتاب التوحيد أو الفكر: (…وانظر كتاب المفضل بن عمرو، الذي أملاه عليه مولانا الصادق× في ما خلق الله جلَّ جلاله من الآثار، وانظر كتاب الإهليلجة وما فيه من الاعتبار…). كذلك ذكره (ص 91) ضمن الكتب التي يليق بالمؤمن أن يصحبها معه في الأسفار؛ لأنها كما قال تقيه في السفر من الأهوال و…: (…ويصحب معه كتاب المفضل بن عمر، الذي عن الصادق×، في معرفة وجوه الحكمة في إنشاء العالم السفلي، وإظهار أسراره، فإنه عجيب في معناه). انظر كذلك: آتان كلبرغ، مكتبة ابن طاووس وأحواله وآثاره: 361 ـ 362، ترجمة: السيد علي قرائي ورسول جعفريان، المكتبة العامة للسيد المرعشي النجفي، قم، 1371هـ.ش.

([26]) لا توجد معلومات كثيرة حول علي بن حاتم القزويني. ذكره الشيخ المفيد(413هـ)، وقال: إن له كتاباً بعنوان الصيام، وقد أرجع القراء الباحثين عن التفصيل إلى أدعية شهر رمضان التي ذكرها في كتابه (المقنعة: 170)، واعتبره نموذجيّاً في موضوعه، وجامعاً بخصوص أدعية شهر رمضان. وقد كان الكتاب الأخير وكتبٌ أخرى لدى الشيخ الطوسي، وقد نقل عنها، خصوصاً في كتابه التهذيب. وقد نقل الشيخ الطوسي تقريباً كلّ كتاب الصيام لعليّ بن حاتم القزويني في كتاب تهذيب الأحكام (3: 72 ـ 75، 78 ـ 94، 94 ـ 108). أخذ علي بن حاتم القزويني إجازة الرواية من ابن عقدة، وهو من مشايخ الشيخ الصدوق(381هـ)، وقد نقل الصدوق روايات من تفسير أبي الجارود من طريقه، وذلك في كتابه الأمالي: 186. وقد أورد الشيخ الصدوق والشيخ المفيد في حقّ علي بن حاتم القزويني عبارة ترضيه، وقالوا فيه: إنه ثقة في نفسه (انظر: المصدر السابق). كذلك كانت لعليّ بن حاتم القزويني ميولات كلامية، نقل هذا النجاشي، حيث مرّ على ذكر اسمه ضمن نقله لطرق رواية آثار هشام بن حكم. كما روى الشيخ الصدوق مكاتبةً آثاراً عنه (انظر: المصدر السابق؛ علل الشرائع 1: 94، 131، 209، 210؛ 2: 323، 326، 478). والتقى علي بن حاتم القزويني حُمَيْد بن زياد(310هـ) في سنة 306 (رجال النجاشي: 132)، وأخذ منه إجازة الرواية (انظر: الصدوق، علل الشرائع 2: 406). كما أن كتابه العلل توفّر لدى الشيخ الصدوق، حيث نقل منه روايات متعددة ضمن كتابه علل الشرائع. أهمّ تلامذة علي بن حاتم القزويني وأكثرهم رواية لكتبه أبو عبد الله محمد بن علي بن شالان القزويني، وقد التقاه كبار الطائفة، أمثال: الشيخ المفيد، ابن عبدون، والنجاشي. ولهم منه إجازة الرواية عنه (انظر: رجال النجاشي: 263). سافر القزويني في سنة 400هـ (رجال النجاشي: 52)، قاصداً زيارة مقامات أهل البيت (رجال النجاشي: 345: ورد علينا زائراً)، إلى بغداد، وقد تمكَّن النجاشي من ملاقاته. إن التاريخ المذكور كان قبل أن يهاجر الشيخ الطوسي من خراسان إلى بغداد، يعني سنة 408هـ، وهذا ما يفسِّر عدم ذكره لاسم القزويني في فهرسته؛ إذ لم يكن الشيخ الطوسي في بغداد لما وصلها القزويني، وقد روى عنه الطوسي بالواسطة.

([27]) بالنظر إلى عنصر الزمن والمعاصرة وجدنا الشيخ الطوسي لم يذكر كتابين للمفضل: كتاب الوصية؛ وكتاب حديث (له كتاب). الكتاب الأول ـ يعني كتاب الوصية ـ هو كتاب مهمّ في الفقه، وله طرق وتحريرات مختلفة. رواه الشيخ الطوسي عن ابن أبي جيد القمّي (أبو الحسين علي بن أحمد الأشعري القمي)، الذي روى التراث الشيعي الذي تشكَّل في قم، بل إن التراث الذي منشؤه العراق ثم انتقل إلى قم، ربما بعد التهذيب، بواسطة مشايخ قم رُوي بواسطته في بغداد. ابن الوليد نقل كتاب الوصية بروايته عن محمد بن حسن الصفّار(290هـ). ويُعَدّ ابن أبي جيد من تلامذة محمد بن الحسن بن الوليد القمّي(290هـ) النجباء والنخبة. ورواه حسن بن متيل الدقّاق ـ الذي عدّه النجاشي (الرجال: 39) من كبار الأصحاب: (وجه من وجوه أصحابنا). ورغم مكانة الدقّاق إلاّ أنه لا توجد مطالب كافية حوله، سوى أنه روى عن أحمد بن أبي عبد الله، أي أحمد بن محمد بن خالد البرقي.

([28]) مؤسسة الوفاء، 1403 ـ 1983.

([29]) بحار الأنوار 3: 57 ـ 152.

([30]) مكتبة العلامة المجلسي، قم، 1427هـ ـ 1385هـ.ش.

([31]) تحقيق وتقديم: أبو موسى والشيخ موسى، دار لأجل المعرفة، بيروت، 2006.

([32]) ص 167 ـ 226.

([33]) بحار الأنوار 3: 59.

([34]) بحار الأنوار 3: 61، أيا صوفيا، الورقة 161 ب، السطر 9.

([35]) بحار الأنوار 3: 61.

([36]) بحار الأنوار 3: 111؛ آيا صوفيا، الورقة 161 ب، السطر 13.

([37]) الورقة 161 ب؛ بحار الأنوار 3: 112.

([38]) الورقة 162 ألف؛ بحار الأنوار 3: 112.

([39]) الورقة 161 ألف، بحار الأنوار 3: 112.

([40]) الورقة 162 ألف ـ 162 ب.

([41]) إقبال الأعمال 1: 33 ـ 36.

([42]) حول عدم نقصان شهر رمضان في تراث الشيعة انظر: البيروني، الآثار الباقية عن القرون الخالية: 73 ـ 77، ميراث مكتوب، طهران، 1380هـ.ش؛ الطوسي، تهذيب الأحكام 4: 225 ـ 237؛ رحمتي، التعريف بجلاء الأبصار في متون الأخبار، المتن الحديثي لميراث المعتزلة»، علوم الحديث، السنة 6، العدد 3 (خريف 1380هـ.ش): 116 ـ 118؛ محمد بن مكي العاملي، الدروس الشرعية في فقه الإمامية 1: 247. حول كتاب لمح البرهان للمفيد انظر: آغا بزرگ الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 18: 340 ـ 341، دار الأضواء، بيروت، 1403 ـ 1983.

([43]) آيا صوفيا، الورقة 162 ب = بحار الأنوار 3: 113: انظر إلى شروقها على العالم.

([44]) آيا صوفيا، الورقة 162 ب = بحار الأنوار 3: 113.

([45]) الورقة 163 ألف.

([46]) الورقة 169 ألف = بحار الأنوار 3: 135، حيث لا توجد العبارة الأخيرة.

([47]) الورقة 170 ب، خمسة أسطر في الآخر.

([48]) وقد ذكر أرسطاطاليس في كتاب الحيوان أن حياء الأنثى من الفيلة في أسفل.

([49]) بحار الأنوار 3: 96.

([50]) الورقة 172 ألف، السطر 8 ومابعد.

([51]) بحار الأنوار 3: 97 ـ 98.

([52]) الورقة 175 ب، السطر 5.

([53]) الورقة 175 ب، السطر 8 وما بعد.

([54]) بحار الأنوار 3: 62.

([55]) الورقة 179 ألف، السطر 5 وما بعد.

([56]) بحار الأنوار 3: 75.

([57]) الورقة 180 ب، السطر 12 وما بعد.

([58]) البحار 3: 80.

([59]) الورقة 182 ب، السطر 20.

([60]) الورقة 182ب ـ 186 ب.

([61]) يحتمل أن يكون جبريل بن نوح بن أبي نوح الأنباري هو نفسه أبو نوح الأنباري وزير حاكم الموصل، وكان معاصراً لباتريك تيموتاوس (معاصر للمهدي العباسي)، وينسب لأبي نوح كتاب في نقد القرآن والمنحرفون عن الديانة المسيحية (الهراطقة). انظر في هذا: مراد كامل ومحمد حمدي البكري وزكية محمد رشدي، تاريخ الأدب السرياني من نشأته إلى العصر الحاضر: 306. وأوردت بعض المصادر الأخرى أن اسم أبي نوح الأنباري هو أبو نوح عبد المسيح بن الصلت الأنباري. انظر:

Swanson, 2009, vol. 1, pp. 397 – 400.

([62]) ابتدأت النسخة المنسوبة إلى الجاحظ والتحرير المتداول بين زيدية اليمن بالشكل التالي: …قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: الحمد لله الذی سما السماء بقدرته، وجعل الأرض مهاداً بحکمته، ونظم ما بينهما ببراهين أدلته… أما بعد فإنه ليس بأهل البر والتقی، ولا بذي الغباوة والردى، غنى عن التواعظ والدلالة علی أمکنة الخير والتواصي والتناهي عن الشرّ…». وربما يرجع السبب في تداول الزيدية في اليمن للكتاب إلى أقدم شاهد، الذي يحتمل أن يكون ما ذكره أحمد بن سليمان المتوكل على الله(500 ـ 566) في كتاب حقائق المعرفة: 250 وما بعدها، حيث صرح باسم الكتاب، وقال: (وقد ذكر عمرو بن بحر الجاحظ…. في كتاب الدلائل…)، رغم أنه في موارد متعددة قد نقل من كتاب الجاحظ من دون أن يصرِّح باسمه. ففي ضمن الآثار المنتشرة للزيدية، ككتاب عدة الأكياس في شرح معاني الأساس 1: 101 ـ 102، لأحمد بن محمد شرفي(1055)، نقل فقرات من كتاب العبر والاعتبار، من دون أن يشير إلى اسم الجاحظ أو اسم الكتاب، لكن يحتمل أنه نقل بواسطة، وخصوصاً أنه في كتابه الآخر شرح الأساس الكبير: شفاء صدور الناس بشرح الأساس 1: 320 ـ 312 قد نقل فقرات من كتاب الجاحظ العبر والاعتبار، بواسطة حقائق المعرفة، لأحمد بن سليمان (:Baneth 505). استفاد في بعض الموارد من كتاب الحكمة في مخلوقات الله، وبحيا بن باكودا في كتاب الهداية إلى فرائض القلوب (الفصول الأول والثاني). كتب بانث مقالته باللغة العبرية، ذكر هذا إبراهامون (1990: 3 ـ 2، الهامش 18)، وذلك في مقدمة تصحيح كتاب الدليل الكبير، للقاسم بن إبراهيم الرسي. استفادة الزيدية من الكتاب لفتت انتباه غوب (1948: 152، المصدر 5)، وادعى أن استشهاد الزيدية ببرهان النظم استقرضته من المعتزلة، واستشهد على مقولته بهذه الرسالة، وبكتاب حقائق المعرفة، حيث نقل من كتاب العبر والاعتبار في القسم الرابع منه (خاصّة القسم الثالث والرابع)، من دون أن يشير إلى الكتاب باسمه. كذلك تمّ نشر الدليل الكبير ضمن مجموعة كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي 1: 191 ـ 255، دارسة وتحقيق: عبد الكريم أحمد جدبان، دار الحكمة اليمانية، صنعاء، 1422 ـ 2001.

([63]) بخصوص تصحيح الترجمات في زمن نقلها إلى العربية، أو حتى تصحيح بعض الترجمات المقلوبة والمضطربة باللغة العربية، انظر: ابن النديم، الفهرست 2: 148، 149، 162 (القسم 1).

([64]) See: Gr. Schoeler, Verfasser und Titel des dem Gahiz zugeschriebenen sog. Kitab al ـ Tag, Zeitschrift der Deutschen Morgenlandischen Gesellschaft 130 (1980),  pp. 217 – 225.

([65]) ص 150 ـ 162.

([66]) النجف، 1963.

([67]) Sadan, 2005, p414.

([68]) السيد محمد رضا الحسيني الجلالي، تدوين السنة الشريفة: 164 ـ 165، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1418هـ ـ 1376هـ.ش.

([69]) bid, 2005, p 418.

([70]) lbid, 2005, p 419.

([71]) Dia Kobel, ASufi ـ Jewogue: Philosophy and Mysticism in Balya lbn PaaqUda, Duties of Heart (Unidersity of Pennsylcania Press, Philadelphia, 2007.

([72]) ص 117 ـ 145.

([73]) Lobel, p290, no12.

([74]) ج4: 449 ـ 474، خاصة الصفحات 461 ـ 471، وهي مباحث مركزة لمباحث كتاب العبر والاعتبار.

([75]) Dacidson, Proofs for Eternity, p 234 – 235.

([76]) انظر: عبد الرزاق أحمد قنديل، التأثيرات العربية والإسلامية في كتاب الهداية إلى فرائض القلوب لابن فاقودة اليهودي: 118 ـ 131، مركز الدراسات الشرقية، القاهرة، 1425 ـ 2004.

([77]) ص 36.

([78]) أبو بكر ابن العربي، العواصم من القواصم: 24، تحقيق: عمار الطالبي، دار التراث، القاهرة، 1417 ـ 1997.

([79]) قد قام بترجمته للعبرية (قنديل، التأثيرات العربية والإسلامية في كتاب الهداية إلى فرائض القلوب لابن فاقودة اليهودي: 10 ـ 16) Judah ibn Tibbon 556/1161

([80]) قنديل، التأثيرات العربية والإسلامية في كتاب الهداية إلى فرائض القلوب لابن فاقودة اليهودي: 64.

([81]) انظر:  4 ـLobel, pp 2 . للاطلاع على بحث لوبل عن مصادر بحيا انظر: Lobel, pp 4.

([82]) ص 196.

([83]) لوبل: 218 ـ 196.

([84]) انظر: نصر بورجوادي، الغزال ومصادره الصوفية: 2130 ـ 275، مركز النشر الجامعي، طهران، 1381هـ.ش.

([85]) ج19: 330 ـ 332.

([86]) انظر في هذا الصدد:

Serrano Ruano, 2006, pp 137 – 156.

Sidney H. Griffith, Ammar al ـ Bari, s kitab al ـ burhan: Christian Kalam in the first Abbasid Centry, Le Museon 96 (1983): 145 – 181, at pp. 153 – 154.

([87]) Dmitri Gutas, lbn ufayl on Sina,s Eastern Philosophy, Oriens 34 (1994), pp 222 – 241. p 235, n0 260

([88]) Cf Georg, Geschichte der christlichen arabischen Literatur [Vatican: Biblioteca Apostolica Vaticana ,1947], p 155.

([89]) انظر:

Hans Daiber, Das theologisch ـ philosophische System des Mu,ammar lbn, Abbad asـ Sulami [Beiruter Texte und Studien 19], (Beirut/Wiesbaden: Franz Steiner verlag, 1975), pp 159 – 60.

Josef van Ess, Theologie und Gesellschaft, pp. 208 ـ 209.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً