أحدث المقالات

د. الشيخ خالد الغفوري الحسني(*)

المقدّمة

قبل الخوض في البحث ينبغي بيان جملة من الأمور اللازمة للتمهيد للدخول في صلب البحث، وهي:

1ـ بيان المسألة

لا رَيْبَ في أنّ المِلْكية من الأمور المهمّة التي يقوم عليها النشاط الاقتصادي بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، فهو من الأمور الأساسية، والتي تحتاج إلى بحثٍ من عدّة جهات، منها: بلحاظ كون المِلْكية أمراً اعتبارياً فإنّ هذا الأمر الاعتباري قد اعتُبر كأمرٍ مُسبَّب عن غيره، يثبت حينما يتحقَّق سببه، إذن لا بُدَّ من تحديد هذه الأسباب في عناوين كلّية جامعة، فأيّها اعتُبر سبباً؟ وأيّها لم يُعتبر؟ وهل هناك سببٌ واحد أم أنّ المعتبر أكثر من سببٍ؟ وعلى فرض تعدُّدها كم هو عددها؟ وما هي الأدلّة على اعتبارها؟ وأيّها يُعَدّ سبباً مستقلاًّ برأسه؟ وأيّها يندرج تحت غيره من العناوين؟

وقد عُنيَتْ الدراسات الحقوقية بهذا الأمر حيث أفردوا لأسباب المِلْكية عنواناً خاصّاً في مصنّفاتهم، إلاّ أنّنا لم نرَ مثل ذلك في المصنّفات الفقهية، فلم يُفرد الفقهاء لذلك عنواناً خاصّاً للبحث في ذلك بنحوٍ وافٍ، كما لم يتصدّوا لحصر المِلْكية، باستثناء فقيهٍ واحد تحتمل عبارته كونه في مقام حَصْر تلك الأسباب، وإنْ تعرّضوا إلى أسباب المِلْكية بالحمل الشائع، وذكروا مصاديقها، من دون بحثٍ في تحديد أيّها سببٌ مستقلّ؟ وأيّها سببٌ غير مستقلّ، وداخل تحت عنوانٍ آخر غيره؟

ومن هنا فإنّ هذه الدراسة تتصدّى للإجابة عن السؤال التالي: ما هي العناوين الكلّية لأسباب المِلْكية في الفقه الإسلامي؟

وننبِّه على عدّة أمور:

الأمر الأوّل: إنّ المِلْكية المبحوث عنها هنا هي المِلْكية الاعتبارية، دون الحقيقية والتكوينية.

الأمر الثاني: إنّ المِلْكية المبحوث عنها هنا هي المِلْكية الخاصّة، فلا يُراد بحث المِلْكية العامّة، كمِلْكية الدولة، ومِلْكية الأُمّة.

الأمر الثالث: إنّ المِلْكية المُعيّنة والمُشاعة داخلةٌ في البحث.

الأمر الرابع: إنّ مِلْكية الأشياء الحقيقية، وكذا الحُكمية (= المِلْكية المعنوية)، كلّها داخلةٌ في مسؤولية البحث، وثبوت المِلْكية المعنوية يقتضي بحثاً مستقلاًّ، ولكنْ على فرض ثبوتها لا تأبى دراستنا من شمولها، كما سوف نشير إلى ذلك.

 2ـ ضرورة البحث

أوّلاً: تتجلّى ضرورة هذا البحث من خلال الالتفات الى أنّ بحث الملكية وتحديد أسبابها من المواضيع المهمّة جدّاً، ولا سيَّما في المجالين الفقهي والحقوقي؛ وذلك لابتناء كلّ أو جلّ المعاملات والعقود والنشاط الاقتصادي عليها؛ إمّا بصورةٍ مباشرة، كالعقود الناقلة للملكية؛ أو بصورةٍ غير مباشرة، كالعقود المنصبّة على الحقوق المتعلّقة بالأموال. بَيْدَ أنّ الفقه الإسلامي لم يُولِ عنايةً كبيرة لهذه المسائل الكلّية والأساسية، وتعامل معها تعاملاً بارداً ـ كما سيتّضح من خلال عَرْض سابقة البحث ـ، ويجد المتابع بعض نقاط الفراغ في بعض المفاصل، ممّا يُؤثِّر سلباً على امتلاك رؤية واضحة المعالم وجامعة في هذه المسألة الكلّية، والـتي تُعتبر من البُنى التحتية والأساسية لفقه المعاملات.

فنحن إلى الآن لا نمتلك إحصائيةً دقيقة وموثَّقة حول عدد أسباب الملكية في فقهنا الإسلامي؛ فبين مَنْ يحصرها في سببٍ واحد؛ وبين مَنْ يزيد عليها. وهذا ما يُشكِّل عقبةً كؤوداً أمام عملية تقنين الفقه الإسلامي، الذي هو من جملة متطلّبات العصر؛ من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية.

ثانياً: لقد تكشّفت لي خلال البحث هذه المرّة بعض نقاط الفراغ ونقاط الخلل الأساسية في البحوث الفقهية ـ بل الحقوقية أيضاً إلى حدٍّ ما ـ المعقودة بهذا الشأن لم أكُنْ أتوقّعها، واتّضح لي أنّ المشكلة أكبر ممّا كنتُ أتصوّره؛ إذ إنّ أكثر تلك البحوث ـ إنْ لم نقُلْ: كلّها ـ قد انطلق في جوّ الفرضيات التبرُّعية، بعيداً عن الاستدلال والتوثيق، ممّا أكَّد الإحساس بضرورة مراجعة هذه المسألة مراجعةً جدّية في ذات البُعْد التشريعي الفقهي والحقوقي وإعادة جدولة لأسباب الملكية، في الوقت الذي نرى البحث الفقهي يفتح ملفّاً طويلاً وعريضاً في تحقيق حقيقة بعض العقود وتعريفها وتحليلها، وتحليل حقيقة الحكم، وفرقه عن الحقّ، وغير ذلك من المباحث التحليلية التي يضجّ بها فقه المعاملات. وهذا ما يُضيف استحقاقاً جديداً للبحث، ويزيد من ضرورة عَقْده.

ثالثاً: تبعثر وتناثر البحوث المتعلّقة ببحث أسباب الملكية في عدّة أبواب فقهية؛ بعضها مسمّىً، كالإرث والوصية؛ وبعضها غير مسمّىً، كالحيازة والتَّبَعية، التي تحتاج إلى انتزاعٍ وتصيُّد من مراجعة أبواب متفرّقة.

رابعاً: نُواجه في بعض الحالات عدم تنقيحٍ دقيق لبعض هذه الأسباب، وتحديدٍ لأحكامها وضوابطها، من قبيل: بحث الحيازة، التي لا يكاد يعثر الباحث على رؤيةٍ فقهيّة واضحة تجاهها.

خامساً: يجد المراجع فوضى وعدم وضوحٍ وفقدان منهجيةٍ في كيفية تنويع أسباب الملكية في فقهنا الإسلامي.

سادساً: إنّنا بحاجةٍ إلى العمل من أجل تقنين الفقه؛ كي يكون في متناول الحقوقيين؛ وكي تسهل عملية تطبيقه.

سابعاً: ثمّة حاجةٌ للقيام بدراساتٍ مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون.

 

 3ـ أهداف البحث

ثمّة أهداف توخّيناها من عقد هذا البحث:

أوّلاً: ملء بعض نقاط الفراغ البحثي في فقه المعاملات في فقهنا الإسلامي، ولا سيَّما في هذه المسائل الكلّية والأساسية؛ إذ ممّا يترتّب على تعيين أسباب الملكية مسألة تنويع تلك الأسباب وجدولتها.

ثانياً: السعي إلى جمع شتات هذه المسائل، ومنهجة البحث فيها على صعيد الفقه الإسلامي، وإخراجه من التبعثر والحالة الفوضوية.

ثالثاً: تقديم محاولةٍ لتقنين الفقه في مجال الملكية.

رابعاً: فتح ملفّات البحوث المقارنة بين الفقه الإسلامي والفقه الوضعي والقانون المدني، الذي لا بُدَّ من تقييمه، وبيان مدى تطابقه مع الفقه الإسلامي.

خامساً: سَوْق البحث على صعيد الفقه الإسلامي إلى المسار الصحيح، من التركيز على البحوث المهمّة والنافعة، والابتعاد عن إتلاف الوقت في البحوث عديمة الجدوى في مجال الملكية، كالبحث في تحديد مقولة الملكية، ومن أيّ مقولة فلسفية هي؟ هل هي من مقولة الإضافة أو الجدة؟ وهل أنّ جعل الملكية بنحو الاستقلالية أو الانتزاع؟ وشبه ذلك من البحوث.

4ـ سابقة البحث

لا رَيْبَ أنّ البحثَ في أسباب الملكية، وتحديد هذه الأسباب، وتنويعها، ذو طبيعةٍ فقهية وحقوقية أيضاً، ونحن نرى الحقوقيين يُعْنَون عادةً ببحث الأسباب إلى حدٍّ ما.

وقد أشار إليه نَزْرٌ من فقهائنا المتأخّرين في طيّات أبحاثهم، وبشكلٍ سريع ومختصر ومتناثر، ومن دون عنونةٍ، ومن دون تركيزٍ، ولا استدلال في بعض مسائله المفصلية، بل طرح بعضهم بهذا الشأن مجموعةً من الافتراضات والتصوُّرات المجرّدة عن الدليل والبرهان. مع التنبيه إلى أنّه لم يتمّ استقراء جميع أسباب الملكية. كما أنّ مَنْ تصدّى لتنويع تلك الأسباب وتقسيمها لم يُوضِّح ما هو الأساس الذي اعتمده في التنويع والتقسيم؟

ومن المواطن التي تعرَّضوا فيها إلى تناول بعض الحيثيات الكلّية المتعلّقة بالملكية أوّلُ كتاب (البيع)([1]). وهذا هو الموضع المهمّ؛ حيث تركَّزت أكثر أبحاثهم الكلّية عن الملكية فيه، كما يظهر لكلّ مَنْ راجع كتاب المكاسب، للشيخ الأنصاري، وشروحه، وإنْ تعرَّضوا لها في موارد مختلفة أخرى أيضاً.

5ـ مصطلحات البحث

قبل الولوج في خضمّ هذا البحث ينبغي التعريف بأهمّ المصطلحات التي اشتمل عليها:

المصطلح الأوّل: المال

أـ المال لغةً

قال ابن فارس: «(مول) الميم والواو واللام: كلمةٌ واحدة هي: تموّل الرجل: اتّخذ مالاً. ومال يمال: كثر ماله»([2]). وجمع المال: أموال. وكانت أموال العرب: أنعامهم([3]).

وهو في الأصل ما يُمْلَك من الذهب والفضّة، ثمّ أُطلق على كلّ ما يُقْتَنى ويُمْلَك من الأعيان، وأكثر ما يُطلق المال عند العرب على الإبل([4])؛ لأنّها كانت أكثر أموالهم([5]).

وقال ابن منظور: «المال: معروفٌ، ما ملكْتَه من جميع الأشياء»([6]).

ب ـ المال اصطلاحاً

من الواضح أنّ للمال معنىً لغويّاً وعُرْفيّاً. وقد تصدّى بعض الفقهاء لبيان هذا المعنى العُرْفي وصياغته صياغة فنّية، فأفاد: إنّ المالية تُنتَزَع من الشيء بملاحظة كونه في حدّ ذاته ممّا يميل إليه النوع الإنساني، ويدّخرونه للانتفاع به وقت الحاجة، ويتنافسون فيه، ويبذلون بإزائه شيئاً ممّا يُرغَب فيه من النقود وغيرها؛ ضرورة أنّ مَنّاً من الحنطة ليس كالمَنّ من التراب، فإنّ الأوّل يُنتزع منه عنوان الماليّة، دون الثاني([7]).

وأمّا عند الشرع فماليّة كلّ شيءٍ إنّما هي باعتبار وجود المنافع المُحلَّلة فيه، فعديم المنفعة المُحلَّلة ـ كالخمر والخنزير ـ ليس بمالٍ([8]).

 

تنبيهاتٌ

التنبيه الأوّل: إنّه لا وجه لتخصيص المال بالأعيان، بل المال في اللغة والعُرْف يعمّ المنافع أيضاً([9]).

التنبيه الثاني: ليس للمال في الشرع اصطلاحٌ خاصّ، بل هو مُستعملٌ في معناه اللغوي والعُرْفي، ولكنّ الشارع؛ حيث وضع بعض القيود، فحرَّم بعض الأشياء، وأهدر ماليّتها وألغاها، لا تُعتبر عنده مالاً، كالخمر والخنزير.

التنبيه الثالث: إنّ النسبة بين المال والملك هي العموم من وجهٍ؛ بديهة أنّه قد يوجد الملك ولا يوجد المال، كالحبّة من الحنطة المملوكة؛ فإنّها ملكٌ وليست بمالٍ؛ وقد يتحقّق المال ولا يتحقّق الملك، كالمُباحات الأصلية قبل حيازتها، فإنّها أموالٌ وليست بمملوكةٍ لأحد؛ وقد يجتمعان، وهو كثيرٌ([10]).

التنبيه الرابع: إنّ المِلاكَ في صيرورة الشيء مالاً هو مَيْلُ الإنسان ورغبته فيه، وحيث إنّ هذه الرغبة تختلف من شيءٍ لآخر، بل قد تختلف حتّى في الشيء الواحد، فقد تشتدّ وقد تضعف، لذا فإنّ المالية تتفاوت أيضاً تَبَعاً لذلك. وهذه المالية هي التي يُعبَّر عنها بالقيمة [= القيمة التبادلية]. فقيمة كلّ شيءٍ هي مالية الشيء.

والأسباب التي تُؤثِّر في تحديد أصل الرغبة، وكذلك تفاوتها، هي ما يلي:

1ـ أصل وجود المنفعة الاستعمالية في الشيء؛ فإنْ كانت للشيء فائدةٌ استعمالية تولّدت الرغبة نحوه، واكتسب قيمةً اجتماعية، وصار مالاً؛ وإنْ انعدمت منفعته أو كانت كالعدم انتفَتْ ماليّته، كالنفايات.

2ـ درجة أهمّية تلك المنفعة الاستعمالية؛ فكلّما كان الشيء أعظم منفعةً كانت الرغبة فيه أكثر، وازدادت قيمته وماليته؛ وكلّما قلّت أهمّيتها قلّت قيمتها.

3ـ درجة إمكانية الحصول على الشيء، وهي تابعةٌ للندرة والوفرة؛ فقد يكون الشيء كثيراً ومتوفّراً بصورةٍ طبيعية إلى الدرجة التي تجعل من الممكن الحصول عليه من الطبيعة دون جهدٍ، كالهواء، وفي هذه الحالة تبلغ القيمة درجة الصفر؛ لانعدام الرغبة؛ ومهما قلَّتْ إمكانية الحصول على الشيء، تَبَعاً لقلّة وجوده أو صعوبة تحصيله وإنتاجه، ازدادَتْ الرغبة فيه، وتضخَّمت قيمته([11]).

التنبيه الخامس: من أجل أن يتّضح الفَرْق بين المالية والقيمة التبادلية عن المِلْكيّة ينبغي تحديد الفوارق بينهما. والذي ينقدح في الذهن هو إمكانية ضبط عدّة فوارق، منها ما يلي:

1ـ إنّ المالية مقولةٌ مشكّكة؛ قد تشتدّ وقد تضعف، حتّى بلحاظ الشيء الواحد.

وأمّا الملكية فهي مقولةٌ متواطئة؛ ثابتةٌ لا تزداد ولا تنقص، فهي مجرّد إضافة بين الشيء والإنسان؛ فإمّا أن توجد هذه الإضافة؛ وإمّا أن تنتفي.

2ـ إنّ منشأ ظاهرة الملكية هو المَيْل الفطري الموجود في النفس الإنسان لحبّ الهيمنة والاستيلاء والاستئثار بالأشياء دون غيره من أبناء جنسه، سواء أكان محتاجاً لها أم لا.

فيما إنّ منشأ المالية هو الرغبة في التبادل ونقل الملكية وتغييرها والتعامل مع أبناء جنسه. فمَنْ أراد تبديل شيءٍ مملوكٍ له بشيءٍ آخر مملوكٍ لغيره افتقر إلى المقايسة بينهما على أساس المالية؛ ومَنْ أرادا فرز حصّتَيْهما في شيءٍ مشترك مملوك لهما افتقرا إلى تحديد الحصص على أساس المالية؛ ومَن أراد استيفاء منفعة شخصٍ أو الإفادة من عمله أو خبرته افتقر إلى تعيين مالية المنفعة والعمل؛ ومَنْ أراد استيفاء منفعة عينٍ مملوكة لآخر والإفادة منها افتقر إلى تعيين مالية المنفعة والقيمة التبادلية لها.

3ـ إنّ المالية قد تثبت للشيء حتّى قبل إضافته إلى أحدٍ.

وأمّا الملكية فقوامُها الإضافة إلى الشخص، فلا تُتصوَّر من دون طرفَيْها: المالك؛ والمملوك.

المصطلح الثاني: السلطنة

أـ السلطنة لغةً

قال ابن فارس: «(سلط) السين واللام والطاء: أصلٌ واحد، وهو القوّة والقهر. من ذلك: السلاطة من التسلُّط، وهو القهر. ولذلك سُمّي السلطان سلطاناً، والسلطان الحجّة»([12]).

والسلطان: قدرة الملك، وهي مثل: قفيز وقفزان، وبعير وبعران؛ وقدرة مَنْ جعل ذلك له وإنْ لم يكن ملكاً، كقولك: قد جعلت له سلطاناً على أخذ حقّي من فلان. والنون في (السلطان) زائدة، وأصله من التسليط([13]). والسلاطة: القهر، وقد سلَّطه الله فتسلّط عليهم. والاسم: السُّلطة([14]).

وقال الراغب الإصفهاني: «السلاطة: التمكُّن من القهر، يُقال: سلّطته فتسلّط؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ﴾ (النساء: 90)؛ وقال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ (الحشر: 6)، ومنه سُمِّي السلطان. والسلطان يُقال في السلاطة، نحو: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً﴾ (الإسراء: 33)؛ ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (النحل: 99)… وقد يُقال لذي السلاطة، وهو الأكثر. وسُمّي الحجّة سلطاناً؛ وذلك لما يلحق من الهجوم على القلوب»([15]).

ب ـ السلطنة اصطلاحاً

لقد استعمل الفقهاء لفظ السلطنة والسلطان، والظاهر من كلماتهم أنّه ليس لهم معنى اصطلاحيّ، بل يُريدون بالسلطنة والسلطان المعنى اللغويّ والعُرْفي.

وقد تصدّى بعضُهم لبيان هذا المعنى العُرْفي، وصياغته صياغةً فنّية، فأفاد: إنّ السلطنة: القدرة على تقليب العين والتصرُّف فيها، وهي من مقولة الكيف([16]).

ومن هنا يُعرف أنّها غير مُرادفة للملكيّة بقسمَيْها: الحقيقية؛ والاعتبارية.

هذا، وقد فرَّق بعضُهم بين السلطنة وبين الملكية؛ بأنّ السلطنة لا يُعقَل قيام طرفَيْها بشخصٍ واحد، بل تحتاج إلى المسلَّط عليه؛ بخلاف الملكية فإنّها نسبةٌ بين المالك والمملوك، ولا تحتاج إلى مَنْ يُملَك عليه. ومن هنا صحّ بيع الدَّيْن ممَّنْ هو عليه فيُؤثِّر تمليكه السقوط([17])؛ فإنّ بين المسلّط والمسلّط عليه علاقة التضايف، ولا يُعقَل الاتّحاد بينهما؛ بخلاف العلاقة بين المالك والمملوك، فإنّهما ليسا مُتضايفين.

واعتُرض عليه بما يلي:

1ـ إنّ هذا الفرق صحيحٌ بالنسبة إلى الملكية المضافة إلى الأعيان الخارجية، إلاّ أنّه لا يصحّ في الملكية المضافة إلى الذِّمَم؛ فإنّ الكلّي ما لم يُضَفْ إلى ذمّة شخصٍ لا يُبذَل بإزائه شيء، ولا يرغب فيه العقلاء([18]).

أقول: حاصل هذا التعليق أنّه في الملكية المُضافة إلى الذِّمَم لا بُدَّ من وجود مَنْ يُمْلَك عليه، وحينئذٍ كيف يمكن الفرق بينهما في ضوء ما أفاده؟!

2ـ إنّ اجتماع المتضايفين في شيءٍ واحد ليس محالاً؛ فإنّ التضايف بنفسه لا يقتضي امتناع اجتماع المتضايفين، كما في اجتماع عنوانَيْ العالِم والمعلوم في النفس باعتبار علمها بنفسها. أجل، في مثل: عنوانَيْ العلّة والمعلول لا يمكن اجتماعهما في شيءٍ واحد. إذن فلا محذور في اجتماع عنوانَيْ المسلَّط والمسلَّط عليه في شيءٍ واحد، وكذا المالك والمملوك عليه([19]).

استنتاجٌ وتعليق

1ـ الظاهر أنّهم يريدون التفرقة بين السلطنة التكوينية ـ كما يُشير إليه قيد (الفعلية) في كلام بعضهم([20]) ـ وبين الملكية الاعتبارية، لا التكوينية.

2ـ الظاهر أنّهم أهملوا بيان الفرق بين السلطنة وبين الملكية التكوينية، ممّا يُرجِّح أنّهم لا يرَوْن فرقاً بينهما، حيث فسّروا الملكية التكوينية بالقدرة والاختيار([21]). لكنْ يظهر من بعضهم ـ كالمحقِّق النائيني([22]) ـ الفرق بينهما. وهو الصحيح، كما أشَرْنا لذلك من قبلُ.

إذا اتّضح هذا نقول: يوجد فَرْقٌ بين الملكية التكوينية وبين السلطنة التكوينية، فليس كلّ قدرةٍ وسلطنة يصدق عليها أنّها ملكيةٌ تكوينية، فلو كنتُ متفوّقاً على شخصٍ؛ لكوني أقوى منه، فلا أكون مالكاً له، ولا هو مملوكٌ لي، تكويناً، فلا يُقال: إنّ الفيل مالكٌ لصاحبه تكويناً؛ لكونه أقوى منه وأقدر. فالسلطنة والقدرة أعمّ من الملكية التكوينية؛ إذ تصدقان في موارد صدق الملكية التكوينية وغيرها. والملكية التكوينية إنّما تصدق في موارد السلطنة الخاصّة التي فيها علاقة الاختصاص، وزان الملكية الاعتبارية حَذْو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة، فيما تكون السلطنة التكوينية وزان الحقّ الاعتباري بالمعنى الأعمّ، الشامل للملكية والحقّ بالمعنى الأخصّ.

3ـ إنّ السلطنة كما تكون حقيقيةً تكون اعتباريةً أيضاً، وإنْ كان أكثر موارد استعمالها في كلام الفقهاء في الأوّل. فالسلطنة الحقيقية هي القدرة على التصرُّف في الشيء تكويناً وخارجاً ببعض أنحاء التصرُّف، وأمّا السلطنة الاعتبارية فمن قبيل: سلطنة الوليّ على المولّى عليه، سواء أكانت ولايةً على نفسه أم على أمواله أم على تصرُّفٍ حقوقي واعتباري خاصّ. ولم أرَ مَنْ نَبَّه على ذلك.

المصطلح الثالث: المِلْكيّة

أـ المِلْكيّة لغةً

أمّا في اللغة فقد قال ابن فارس: «(ملك) الميم واللام والكاف: أصلٌ صحيح، يدلّ على قوّةٍ في الشيء وصحّةٍ. يُقال: أملك عجينه: قوى عجينه وشدّه… ملَكَ الإنسان الشيء يملكه ملكاً. والاسم المِلْك؛ لأنّ يده فيه قويةٌ صحيحة. فالمالك: ما ملك من مال. والمملوك: العبد»([23]).

وقال الفيّومي: «ملكته مَلْكاً من باب ضرب، والمِلْك ـ بكسر الميم ـ اسمٌ منه، والفاعل مالك، والجمع ملاّك، مثل: كافر وكفّار. وبعضهم يجعل المَِلْك بكسر الميم وفتحها لغتين في المصدر»([24]).

وقال الفراهيدي: «المِلْك: ما ملكت من مالٍ وخول… وملاك الأمر: ما يُعتمد عليه… والإملاك: التزويج»([25]).

والمَلِك: هو المتصرِّف بالأمر والنهي في الجمهور، وذلك يختصّ بسياسة الناطقين، ولهذا يُقال: مَلِك الناس، ولا يُقال: مَلِك الأشياء. والمُلْك ضبط الشيء المتصرَّف فيه بالحكم، والمِلْك كالجنس للمُلْك، فكلّ مُلْك مِلْكٌ، وليس كلّ مِلْكٍ مُلْكاً([26]). والمالك: القادر على التصرّف في ماله، وله أن يتصرّف فيه على وجهٍ ليس لأحدٍ منعه منه([27]).

ب ـ المِلْكيّة اصطلاحاً

وأمّا في الاصطلاح فقد عُرِّفت المِلْكية بأنّها اختصاصُ شيءٍ بشيء خاصّ([28]). وهي من المفاهيم الواضحة إجمالاً لدى العُرْف العامّ، فهي عبارةٌ عن علاقةٍ خاصّة بين المالك والمال المملوك. والمُستَظْهَر من العُرْف أنّها ليست مجرّد الاختصاص بالشيء، بل هو اختصاصٌ خاصّ، وهو تلك الدرجة الشديدة من الاختصاص التي تتضمّن الهيمنة والسلطنة على الشيء هيمنةً وسلطنة قوية. وهذا الاختصاص الخاصّ إمّا يكون بلحاظ عالم التكوين؛ أو بلحاظ عالم الاعتبار. والعُرْف يتعامل بها يوميّاً على هذا الأساس.

 

تنويع المِلْكيّة

يمكن تنويع المِلْكية إلى عدّة أنواع مختلفة بحَسَب اللحاظ:

التنويع الأوّل: تنويع الملكية بحَسَب نسبة نفس الملكية إلى الواقع، وهي نوعان:

أـ الملكية التكوينية: وهي الاختصاص الخاصّ بالشيء الذي يتضمّن السلطة التكوينية على الشيء؛ وهي الإحاطة بالشيء والقدرة على التصرُّف فيه والتحكُّم بشؤونه تكويناً، كملكيّتنا لأعضاء بدننا الخارجية، وكملكيّة البارئ جَلَّ ذكرُه للعالَم، وإنْ قيل بالفَرْق بين المثالين الأخيرين من جهةٍ أخرى، وهي كون ملكيّة الله تعالى إضافة إشراقية، والتي هي ليست من سنخ المقولات بالمرّة، بخلاف المثال الأوّل الذي يُمكن عدُّ الإضافة فيه من المقولات، واعتبر البعض هذه الملكية من الجِدة فيما عدّها بعض آخر من مقولة الكَيْف، وعلى هذا يكون الملك إحدى المقولات الفلسفية العشر، وأحد الأعراض التسعة؛ وذهب آخرون إلى عدم عدّها من المقولات. وسواء اعتبرنا الإضافة والجِدة من المقولات الخارجية أو لا فإنّ لحاظها بالنسبة إلى الواقع والعالَم الخارجي([29]).

والملكية التكوينية لا تتحقَّق بمجرّد التأثير على الشيء ولو في جهةٍ من الجهات، بل فيما كان التأثير قوياً، وبنحو الإحاطة التامّة بالشيء، أو شبه التامّة أي تكون واسعةً. وعليه لا تكون مرادفةً للقدرة والسلطة مفهوماً، ولا مساوية لها في الانطباق مصداقاً. فليس مطلق القدرة والسلطة على الشيء تُسمّى ملكاً، بل فيما إذا كانت القدرة والسلطة واسعةً تامّة.

ب ـ الملكية الاعتبارية: وهي اعتبار الاختصاص الخاصّ الذي يتضمّن السلطة الاعتبارية والافتراضية على الشيء، سواء أكان قادراً على التصرُّف في الشيء تكويناً وخارجاً، كتصرُّف زيدٍ بفرسه المملوك له بالركوب، أم لم يكن قادراً على التصرُّف في الشيء تكويناً وخارجاً، كعدم وصول يد المالك إلى عبده الآبق أو دابّته الشاردة أو داره المغصوبة منه.

والملكيتان التكوينية والاعتبارية سنخان متفاوتان، إحداهما غير الأخرى، وإنْ كان بين الملكيتين جهةُ تشابهٍ وجهةُ اختلافٍ؛ فالاعتبارية لها مشابهة بالإضافة المقولية لقيامها بطرفين، ولها شبه بالجِدة والملك المصطلح في الفلسفة، وليست بشيءٍ منهما؛ فإنّ الإضافات المقولية، وكذا الهيئات، مأخوذةٌ بلحاظ نسبتها إلى عالَم الخارج، سواء أكان في البين معتبِرٌ أم لم يكن؛ بداهة ثبوت الفوقية والتحتية بين السقف والأرض، والمحاذاة بين الجدار والفرش، والموازاة بين جدارَيْ الغُرفة، وقد أُخذت هذه الأمور بلحاظ عالَم الخارج، وإنْ لم يعتبرها مُعتبِرٌ، ولم يتصوّرها مُتصوِّرٌ.

وأمّا الملكية الاعتبارية فلا واقعية لها خارجاً، ولا يوجِب تبدُّل طرف إضافتها ـ وهو المالك ـ تغييراً في العين المملوكة أصلاً، فهي بمنـزلة الفَيْء للإضافة المقولية أو الجِدة، ومتقوّمة بالقصد والجعل والاعتبار([30]). ولا واقع للملكية الاعتبارية إلاّ نفس اعتبار الشارع أو العُرْف([31]).

ولفظ الملكية يُقال على كلتا الملكيتين بنحو الاشتراك([32])، كما هو الحال في نظائرها، كلفظ (النقل)، الذي يُقال على النقل الخارجي وعلى النقل الاعتباري([33])، وليس هذا من قبيل: الحقيقة والمجاز.

ولكنْ هل هذا الاشتراك من سنخ الاشتراك اللفظي أم من سنخ الاشتراك المعنوي؟

صرّح بعضٌ، كالمحقِّق الخراساني، بالأوّل، أي الاشتراك اللفظي بين الملكية بمعنى الإضافة الإشراقية، كمِلْكه تعالى للعالَم التي هي ليست من المقولات، والإضافة المقولية، كمِلْك الإنسان لشيءٍ بسببٍ من تصرُّفٍ واستعمالٍ أو إرثٍ أو عقدٍ أو غيرها من الأعمال، قال: «فيكون شيءٌ ملكاً لأحدٍ بمعنى، ولآخر بالمعنى الآخر، فتدبَّرْ»([34]).

والصحيح: أنّ الاشتراك هنا اشتراكٌ معنوي([35])؛ فإنّ لفظ (الملك) موضوعٌ بوضعٍ واحد للمعنى الجامع بين الحقيقي والاعتباري، فيما يكون الوضع في المشترك اللفظي لكلّ لفظٍ مستقلاًّ، وهذا مستبعدٌ جدّاً. وعليه يفتقر إلى القرينة لتعيين الفرد المُراد، وإلاّ صار مُجْمَلاً.

ومهما يكن من أمرٍ فإنّ بحثنا ينصبّ على الملكية الاعتبارية، لا التكوينية.

التنويع الثاني: تنويع الملكية بحَسَب المالك، وهي نوعان: الملكية الخاصّة؛ والملكية العامّة.

التنويع الثالث: تنويع الملكية بحَسَب الشيء المملوك بلحاظ تعيُّنه وعدمه خارجاً، وهي نوعان: الملكية المُعيّنة خاصّة؛ والملكية المُشاعة.

التنويع الرابع: تنويع الملكية بحَسَب الشيء المملوك بلحاظ كونه أمراً حقيقياً أو اعتبارياً، وهي نوعان: ملكية الأشياء الحقيقية؛ والملكية المعنوية.

تنبيهٌ: نحن إنّما نبحث في الملكية الاعتبارية، دون الحقيقية. ونبحث الملكية الخاصّة، دون العامّة. وأمّا الملكية المُعيّنة والمُشاعة، وكذا ملكية الأشياء الحقيقية والحُكْمية (الملكية المعنوية)، فكلُّها داخلةٌ في إطار البحث.

تعريف المِلْكيّة الاعتباريّة في الفقه الإسلاميّ

لم يخُضْ الفقهاء في تحديد ذات مفهوم الملكية عُرْفاً في بُعْدها الحقوقي بشكلٍ صريح. ولعلّه يمكن انتزاع شيءٍ في هذا من كلمات بعضهم. ولكنْ وقع بحثٌ نظري بين الفقهاء في تحديد بعض الحيثيات المرتبطة بمفهومها على وجه الدقّة في ضوء القواعد المنطقية والعقلية والعقلائية، كالبحث في تحديد مقولة الملكية فلسفياً، والبحث في نوع جعلها وكيفية تشريعها، في حين تصدّى الحقوقيّون لضبط تعريف الملكية، ولم يتعرَّضوا إلى ما طرحه الفقهاء من حيثياتٍ حول الملكية.

ولقد وقع بحثٌ مفصّل من فقهاء الإسلام حول بيان حقيقتها. ويمكن حصر مصبّ البحث وتلخيصه ضمن الأسئلة التالية:

1ـ هل أنّ الملكية من سنخ الأعراض المقولية العارضة على المالك أو المملوك أو هي من سنخ الأمور الاعتبارية؟

2ـ إنْ كانت الملكية من الأعراض المقولية فمن أيّ مقولةٍ تكون؟ وهل هي قبيل: السلطنة أو من مقولة الإضافة أو من مقولة الجِدة؟

3ـ إنْ كانت الملكية من الأمور الاعتبارية ـ كما هو الصحيح ـ فما هي حقيقة ذلك الاعتبار؟ وهل هي من الأمور الانتزاعية التي تُنْتَزَع من الحكم التكليفي أو من أمرٍ آخر أو هي من الأمور الاعتبارية المجعولة مستقلاًّ بجعل الجاعل، كسائر الأمور الاعتبارية الأخرى؟([36]).

4ـ إنْ كانت من الأمور المجعولة مستقلاًّ فما هو نحو إنشائها؟ وهل هي نوعُ إضافةٍ اعتبارية بين المالك والمملوك أو هي سلطة اعتبارية أو هي جِدةٌ اعتبارية؟

وفي ما يتعلَّق بالسؤالين الأوَّلَيْن فإنّ مرادهم من الإضافة: الهيئة الحاصلة من نسبة الشيء إلى شيءٍ آخر منسوب إلى الشيء الأول المنسوب إليه، كهيئة الإضافة التي في الأخ، فإنّ فيها نسبة الأخ بالأُخوّة إلى أخيه المنسوب إلى هذا الأخ المنسوب إليه بالأُخوّة. والنسبة فيها متكرِّرةٌ لكلٍّ من المضافين  على تغايرٍ بين النسبتين، غير أنّهما متلازمتان لا تنفكّان في ذهنٍ ولا خارج. وهي تارةً تكون متشاكلة الأطراف، كالأخ والأخ، والجار والجار؛ وأخرى مختلفة الأطراف، كالأب والابن، والعالي والسافل([37]).

وأمّا الجِدة فقد عُرّفت بأنّها: الهيئة الحاصلة للجسم بسبب إحاطة جسمٍ بكلّه أو ببعضه، بحيث ينتقل المحيط بانتقال المحاط. وتنقسم إلى: تامّة؛ وناقصة، وإلى: طبيعية؛ وغير طبيعية. والأُولَيَان كإهاب الحيوان، والثانيتان كالتختُّم. وتُسَمَّى أيضاً بالملك.

وبنظر بعضٍ أنّ الملك هو عبارةٌ أخرى عن الجِدة، إلاّ أنّ الملكية الاصطلاحية أضعف درجةً من الجِدة الحقيقية، كما تقدَّم([38]).

3ـ وبنظر ثالثٍ أنّ الملك غير الجِدة. وقد مرَّتْ المناقشة في عدّ الملك من المقولات([39]).

4ـ وناقش رابعٌ في الجِدة أيضاً، وفي كونها مقولةً مستقلّة في نفسها، ومباينةً للإضافة، مستشهداً بكلامٍ للشيخ الرئيس، حيث قال: إنّه لم نعرف معنىً محصّلاً للجِدة([40]).

وقال بعضٌ بأنّ ما عليه المحقِّقون هو القول باندراجها في مقولة الإضافة.

وأفاد بعضُهم بأنّ الملكية عبارةٌ أخرى عن الجِدة، غاية الأمر أنّ الجِدة لها ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: وجدان الشيء حقيقة، بحيث يكون للشيء حقيقة. وهذه المرتبة الحقيقية والواجدية الواقعية مخصوصةٌ بمَنْ له ملك السماوات والأرض؛ فهو الذي يقدر على الإيجاد والإعدام، فهو الواجد الحقيقي. والتعبير عن هذه الجِدة بالإضافة الإشراقية يرجع إلى هذا المعنى. ولا يمكن إدراك كُنْه هذا المعنى إلاّ بنحو التقريب. وأشبه شيءٍ به ممّا اكتناهه من المخلوقات هو واجدية النفس الناطقة للصور العلمية المرتسمة في صقعها، حيث إنّ النفس واجدةٌ لها بالوجدان الحقيقي؛ لأنّها توجد بنفس إنشاء النفس لها، وتنعدم في هذا الصقع بنفس إعدامها. فإحاطتنا بمنشآت أنفسنا نظير ملكية الله سبحانه وقدرته، بَيْدَ أنّه لمكان كَوْن وجود النفس غيرَ قائمٍ بذاتها؛ لكونها قائمةً بمبدعها وبارئها، فلا نفسية لوجودها، يكون وجدان الصور المرتسمة لها أيضاً كذلك، ولذا صار التمثيل تقريبيّاً.

المرتبة الثانية: وجدان الشيء حسّاً، وذلك كالتقمُّص والتعمُّم، أي الهيئة الحاصلة من إحاطة القميص والعمامة بالإنسان. ومن الواضح أنّ تلك الهيئة لا تحصل إلاّ بالإحاطة الخاصّة، فلا تحصل إذا كان القميص مثلاً في جانبٍ والإنسان في جانبٍ.

المرتبة الثالثة: وجدان الشيء اعتباراً، وهي اعتبار وجدان الشيء، واعتبار كون الشيء لشيءٍ آخر. وهي الملكية المبحوث عنها. وقد صرّح بأنّ الملكية الاصطلاحية هي من إحدى المقولات، إلاّ أنّها أضعف رتبةً وأنزل درجةً من الجِدة الحقيقية([41]).

غير أنّ العلاّمة الطباطبائي ـ تَبَعاً لصدر المتألِّهين([42]) ـ لم يقبل بأنّها من المقولات؛ فإنّ الملكيةَ الحقيقية في مثل: قوى النفس حيثيةٌ وجودية، هي قيام وجود شيءٍ بشيءٍ بحيث يختصّ به، فيتصرّف فيه كيف شاء، وليست معنى مقوليّاً، والملكية الاعتبارية التي في مثل: كون الفرس لزيدٍ اعتبار الملكية الحقيقية، دون مقولة الإضافة([43]).

وأفاد بعض المحقِّقين بأنّ الإضافة [= الملكية] الإشراقية شاملةٌ لجميع الملاّك والأملاك والأشياء والسماوات والأرضين وغيرها، كما هو ظاهرٌ، وهي خارجةٌ عن مقولة الجواهر والأعراض الحقيقية؛ لأنّها إيجاده تعالى، والوجود والإيجاد خارجان عن الجواهر والمقولات. كما أفاد بأنّ الملكية المقولية المعبَّر عنها بالجِدة هي إحدى المقولات العرضية؛ وأمّا الملكية الاعتبارية فهي ليست من الأعراض والمقولات([44]).

أقول: الظاهر أنّ هذا البيان يرجع الى ما أفاده صدر المتألِّهين.

التعريف القانوني للمِلْكيّة

لقد عرَّف بعض الحقوقيين حقّ الملكية للشيء بأنّه: حقّ الاستئثار باستعماله وباستغلاله وبالتصرُّف فيه على وجهٍ دائم، وكلّ ذلك في حدود القانون([45]).

وفي ضوء هذا التعريف يكون لحقّ الملكية ثلاثة عناصر؛ وشرط.

أمّا العناصر فهي ثلاثة:

1ـ حقّ الاستعمال (utendi jus): أن يكون للمالك حقّ الانتفاع بملكه كيفما شاء.

2ـ حقّ الاستثمار (fruendi jus): أن يكون للمالك حقّ تخويل منافع وفوائد وعوائد ملكه إلى شخصٍ آخر.

3ـ حقّ التصرّف أو حقّ الإخراج من الملك (abutendi jus): أن يكون للمالك حقّ القيام بأيّ تصرّفٍ مادّي في ملكه، مثل: التغيير والإتلاف، أو تصرّفٍ اعتباري، كالنقل.

وأمّا الشرط فهو أن تتمّ الإفادة من تلك الحقوق الثلاثة في إطار القانون.

في حين ذهبت بعض القوانين، كالقانون الفرنسي، إلى التنصيص على سمةٍ إضافية، وهي أنّ حقّ الملكية حقٌّ مطلق (absolu)([46]).

وعرَّفها حقوقيّون آخرون بأنّها: عبارةٌ عن علاقةٍ متصوّرة بين الشخص وشيء مادّي، والقانون يعتبرها ويُعطي المالك حقّ الانتفاع من المنافع الممكنة، ولا يحقّ لأحدٍ منعه([47]).

وفي ضوء هذا التعريف يكون لحقّ الملكية ثلاث سمات:

1ـ إنّه حقٌّ مطلق، فيكون للمالك حقّ الانتفاع بملكه بمختلف الانتفاعات.

2ـ إنّه حقٌّ منحصرٌ بالمالك فقط، وعلى الآخرين احترام هذا الحقّ، وعدم التعدّي عليه.

3ـ إنّه حقٌّ دائم([48]).

تعليقٌ وبيان

إنّنا ننبِّه على بعض النقاط المتعلّقة بمفهوم الملكية على سبيل الإجمال:

النقطة الأولى: إنّ أصل كون الملكية ـ المبحوث عنها في عالَم التشريع والتقنين ـ من الأمور الاعتبارية هو أمرٌ وجداني واضحٌ في جميع أذهان البشر، وفي جميع الأزمنة والأمكنة، وليست الملكية أمراً واقعياً حتّى يُسْأَل عن دخولها تحت أيّ مقولةٍ من المقولات العشر، حالها في ذلك حال نظرائها من المفاهيم، من قبيل: مفهوم الرئاسة والولاية؛ فإنّهما يدوران مدار الاعتبار وجوداً وعدماً، ولا غموض في تصوُّرهما لدى الذهن العُرْفي والعقلائي.

ثمّ إنّه ما دام البحث يتعلّق بعالم الاعتبار والاعتباريات فإنّ أغلب المفاهيم المطروحة في البحث يُراد منها ذلك، لا المعاني العقلية والفلسفية الصِّرْفة.

النقطة الثانية: وأمّا نوع اعتبار الملكية وجعلها فهو بالجَعْل الاستقلالي، لا بالانتزاع من الحكم التكليفي، وهو جواز التصرُّف، كما اختاره بعض الفقهاء([49])؛ فإنّ فرضية الانتزاع يَرِدُ عليها جملةٌ من الإيرادات، منها ما يلي:

أوّلاً: إنّ الملكية عادةً تقع عقلائياً وشرعاً موضوعاً للحكم التكليفي، فلا يُعْقَل انتزاعُها منه([50])؛ لتقدُّم الموضوع على الحكم. فعندما نشكّ في جواز التصرّف في عينٍ من الأعيان فإنْ ثبتَتْ ملكية تلك العين فالجواب يكون حينئذٍ بالإيجاب، وإلاّ فلا.

ثانياً: إنْ كان المُراد بجواز التصرُّف الحكم التكليفي المتعلِّق بالفعل الخارجي للمكلَّف والتصرُّف المادّي ـ كما هو صريح أو ظاهر القائل ـ فيَرِدُ عليه نقضاً وحلاًّ؛ إذ قد تثبت الملكية مع انتفاء الحكم التكليفي، كما في موارد الحَجْر أو كون المملوك كلّياً في الذمّة؛ كما أنّه قد ينعكس الأمر، فيثبت جواز التصرُّف من دون أن تثبت الملكية([51]).

أقول: وهذا الاستدلال وجيهٌ، ولا يصحّ النقض عليه بإمكان افتراض انتزاع الملكية من جواز التصرُّف المشروط بالبلوغ ونحوه، أو بإمكان افتراض انتزاعها من جواز تصرُّف الوليّ، كما هو محكيٌّ عن الشهيد الصدر؛ فإنّ هذا مردودٌ بما يلي:

1ـ ليس البحث في الاستحالة والإمكان، بل البحث في الاعتبار العقلائي والعُرْفي، وهو ناظرٌ إلى الملكية الفعلية، لا الشأنية. فإثبات الإمكان لا يُسْمِن ولا يُغْنِي من جوعٍ.

2ـ إنّ اعتبار الملكية من الأمور الموجودة منذ أقدم العصور، حتّى في المجتمعات البسيطة والساذجة، ولا تحتاج إلى التحليلات العقلية والمعقَّدة التي لا تطرأ إلاّ في أذهان الفلاسفة.

3ـ إنّ اعتبار الملكية لدى العقلاء في جميع مواردها على حدٍّ واحد، فاعتبار ملكية المحجور لا يتفاوت عن اعتبار ملكية غيره؛ كي يحتاج إلى افتراضاتٍ متفاوتة.

ثالثاً: ثمّة موارد يُحْكَم فيها بثبوت الملكية مع كون الملكية فعليةً جَعْلاً ومجعولاً، كما في ملكية الجنين من حيث هو جنينٌ، كما في الجناية عليه أو توريثه، ولو كانت الملكية متزلزلةً، مع أنّه لا جواز، ولا يوجد أيُّ حكمٍ تكليفي هنا بالمرّة، ولو بلحاظ الوليّ.

رابعاً: إنّه لا يمكن في ضوء نظرية الانتزاع من الحكم التكليفي هذه تفسير صحّة التصرُّفات القانونية الصادرة من قِبَل المالك، كالنقل والتخويل، والتي هي من شؤون الملكية؛ فإنّ الجواز بالنسبة لهذه التصرُّفات يُراد به الجواز الوضعي، لا التكليفي، ومن الواضح أنّ الملكية ليست متقوِّمةً بالجواز التكليفي فحَسْب، بل إنّ الجواز الوضعي من مقوّماتها أيضاً، كما هو المفهوم عُرْفاً وعقلائياً.

خامساً: إنّه في بعض الموارد يُحْكَم بثبوت الملكية بالرغم من انتفاء الجواز بكلا نوعَيْه: التكليفي؛ والوضعي، كما لو آجر داره، فإنّه لا يجوز له التصرُّف بعين داره والانتفاع بها، لا تصرُّفاً مادياً ولا قانونياً، مع كونها مملوكةً له بالفعل، لا بالقوّة.

النقطة الثالثة: إنّ عالَم الاعتبار على الرغم من كونه في مقابل الواقع بمعناه الواسع، إلاّ أنّه يتمّ جَعْله من قِبَل العقلاء على أساس الواقع وبإزائه، والملكية الاعتبارية مجعولةٌ بإزاء الملكية والسلطنة التكوينية، كسلطنة الإنسان على جوارحه وأفعاله. وسيأتي له مزيدُ بيانٍ.

وهذه الملكية الاعتبارية لها عرضٌ عريض؛ فكما تتعلّق بالأعيان الخارجية تتعلّق بالمنافع؛ وأيضاً تتعلّق بالأموال الكلّية التي تكون في الذمّة.

ثمّ إنّ أصل الملكية ظاهرةٌ اجتماعية عريقة، اعتبرها العقلاء من أجل تنظيم علاقاتهم الاقتصادية. ومن هنا فهي ليست أمراً أسَّسه الشارع، وإنّما هي من الأمور الإمضائية.

النقطة الرابعة: إنّ ما طرحه فقهاؤنا، بالرغم من دقّته ورَوْعته، ليس له أيّ علاقةٍ بتحديد مفهوم الملكية وبيان ماهيّتها، بل هو بحثٌ في كيفية وجودها الاعتباري، وتصوير ذلك في ضوء القواعد المنطقية والفلسفية. وقد اتّضح لك من كلمات الفقهاء المتقدِّمة أنّ الأقوال والاتجاهات في تحديد طبيعة الملكية الاعتبارية وخصائصها متعدِّدة([52]).

كما أنّ الفقهاء لم يتصدّوا لتحديد ماهية الملكية وتحديد مفهومها في البُعْد الحقوقي، والذي تمتاز به عن غيرها من المفاهيم القريبة منها واللصيقة بها، كالحقّ مثلاً، بشكلٍ صريح.

وعليه نحن نطالب الفقه الإسلامي بتقديم تعريفٍ للملكية، وتحديد مفهومها. وهذه مؤاخذةٌ منهجية جادّة تُؤخَذ على الفقه الإسلامي، وينبغي له أن يملأ نقطة الفراغ المنهجية هذه، وأن يسدّ هذه الثغرة، وعسى أن نُوفَّق للخوض في هذا البحث في فرصةٍ أخرى لاحقاً، إنْ شاء الله.

المصطلح الرابع: أسباب المِلْكيّة

إنّ الملكية حكمٌ وضعيّ، ولكنْ هل هو مُسبَّبٌ عن غيره من الأسباب، ومجعولٌ بلحاظ شيءٍ آخر وراءه؛ أو هو مجعولٌ ابتداءً؛ أو له حالاتٌ متعدّدة؟

وممّا لا شَكَّ فيه أنّ الملكية في بعض حالاتها مُسبَّبة عن أمرٍ، كالملكية الناشئة من العقود؛ أو الملكية الناشئة من الحيازة.

والمتعارف في الفقه الوضعيّ هو إطلاق مصطلح (أسباب الملكية)، والمُراد به عند الحقوقيين العناوين الكلّية السبعة التي تنطوي تحتها جملةٌ من المصاديق ـ كالعقود ـ. وهذه الأسباب تقابل مصادر الالتزام([53]).

وأمّا في فقهنا الإسلامي فقد ورد عنوان (أسباب الملكية) أيضاً في طيّات بعض عبارات الفقهاء المتأخِّرين، كالمحقِّق العراقي والنجم آبادي ومحمد تقي الآملي والكوهكمري وغيرهم([54]).

تعليقٌ

1ـ لا يُعلَم أنّ مراد الفقهاء من هذا اللفظ معناه الاصطلاحيّ، أي العناوين الكلّية الجامعة لمصاديقها، كالحيازة والعقود، بل رُبَما يكون مرادهم المعنى العُرْفي الأعمّ، الشامل للعناوين الكلّية ومصاديقها، كما يشهد له عباراتُ بعضهم في الصيد([55]) والبيع([56]) وإحياء الموات([57]) وقاعدة اليد([58]). وممّا يُؤيِّد ذلك هو أنّنا قد عثرنا على مَنْ استخدم عنوان (مصادر الملكية) وعنوان (مناشئ الملكية) أيضاً([59])، بل ثمّة مَنْ أطلق هذا العنوان على طرق إثبات الملكية الكاشفة عنها، كاليد([60]).

2ـ أجل، لقد عقد بعض المحقِّقين عنواناً، وهو (المصادر الأوّلية للملك)، ذكر تحته ما يلي: «وأمّا الكلام في المناشئ العقلائية الأصلية لملكية الشي المنفصل عن الإنسان، وكذلك الشرعية…»([61]). ويظهر منه إرادة بحث العناوين الكلّية للملكية، وإنْ كان تعرُّضه على نحو الموجبة الجزئية، وهو خصوص الأسباب الأصلية.

3ـ لاحظنا في بعض المصنَّفات الفقهية المتأخِّرة التصدّي لبيان أنواع الملكية وأقسامها، أو الإشارة والتلويح إليها، لكنْ من دون استخدام عنوانٍ معيّن. ورُبَما يُمكن اقتناص أسباب الملكية من عبارات بعضهم.

4ـ من المعلوم أنّ فقهاء الإسلام منذ القِدَم قد بحثوا أسباب الملكية بالحمل الشائع، أي بحثوا مصاديق أسباب الملكية، كالبيع والإجارة والهبة والمساقاة والمزارعة والصيد وإحياء الموات والغنيمة وغيرها. وهذا من الواضحات التي يعرفها الجميع، حتّى العامّة من الناس. ولكنّ هذا لا يُغني عن بحثنا، ولا يُؤمِّن غرضنا، وهو حصر الأسباب في عناوين كلّية، وفهرستها؛ من أجل تقنين الفقه الإسلامي. فحينما ننفي تعرُّض الفقهاء لذلك لم نكن متسرِّعين في قولنا هذا.

تنبيهان

وننبِّه على أمرَيْن:

الأمر الأوّل: إنّنا لا ننفي استعمال الفقهاء، ولا سيَّما المتأخِّرين، للفظ (أسباب الملكية). ولكنّ مَنْ استعمله منهم لا يُعلَم إرادته المعنى المبحوث عنه هنا، ألا وهو العناوين الكلّية.

الأمر الثاني: إنّ الحالة الطاغية على البحوث الفقهية هي عدم استيعاب أسباب الملكية جميعها، سواء مَنْ استعمل لفظ الأسباب أو مَنْ لم يستعمله. وهذا كاشفٌ عن عدم اهتمامهم ببحث الأسباب بلحاظٍ كلّي.

 

6ـ أسباب المِلْكيّة، عَرْضٌ إجماليّ لآراء وكلمات الفقهاء

سوف نشير إلى بعض مَنْ تعرَّض لبحث (أسباب الملكية) من الفقهاء، سواء عَنْوَن البحث بهذا العنوان أم لم يُعَنْوِن، وهم كالتالي:

1ـ المحقِّق الإيرواني: وقد طرح وجهة نظره التي تبنّاها، وهي كون الحيازة سبباً أصلياً، ولا سبب سواه، ولكنْ تتفرّع عنه أسبابٌ ثانوية، وهي العقود والمعاملات([62]).

ثمّ تعرّض إلى وجهة نظرٍ محتملة تحصر الأسباب في سببٍ واحد، وهو الحيازة لا غير، وتصدّى لردِّها([63]).

ونراه في موضعٍ آخر يطرح فرضيةً تشتمل على مجموعةٍ أخرى قد أسماها بالسلطنات، وهي السلطنة على النفس ومنافعها وأعمالها([64]).

فيا تُرى ما هو الارتباط بين هاتين المجموعتين من الأسباب؟ وهل أنّ المجموعة الأولى من الأسباب تكون في طول المجموعة الثانية، أم في عَرْضها؟ وما هو السبب الذي سوف يفوز بمرتبة أُمّ المملِّكات؟ هل ستبقى الحيازة محافظةً على مكانتها أم ماذا؟ وهل انتهى الأمر أم أنّ هناك مجموعاتٍ أخرى من الأسباب لم يتمّ ذكرها؟

هذه جملةٌ من الإبهامات التي لم يتصدَّ هذا المحقِّق لتوضيحها.

2ـ المحقِّق النائيني ومقرِّرو أبحاثه: حيث بُيِّنت رؤيته حول أسباب الملكية بـ: تنويع أنحاء نقل المال إلى ثلاثة أنحاء، وهي:

أوّلاً: التبديل بين المالكين، كما في باب الإرث.

ثانياً: التبديل بين الملكيّتين، كتبديل ملكية الخبز بملكية الماء.

ثالثاً: التبديل بين المملوكين، كتبديل مال بمالٍ، من دون تبديل الملكيتين([65]).

3ـ الكوهكمري: وقد عقد بحثاً تحت عنوان (تبيين أسباب الملكية أو الإباحة)، بمناسبة البحث عن المعاطاة، وأنّه هل يكفي الفعل في إنشاء البيع أو لا؟ وتعرّض إلى ستّة وجوهٍ ممكنة، وهي:

الوجه الأوّل: أن يكون أمراً خارجاً عن دائرة اختيار المكلّف، كتحقُّق الملكية للوارث بموت مورِّثه.

الوجه الثاني: أن يكون فعلاً من أفعال المكلَّف تامّاً في السببية، كحكم الشارع بالضمان لمجرّد تحقّق الإتلاف.

الوجه الثالث: أن يكون السبب مجرّد رضا المالك.

الوجه الرابع: أن يكون السبب المؤثِّر لا بمجرّده، بل بانضمام وجود كاشفٍ عنه، كما في موارد العقود الإذنية.

الوجه الخامس: أن يكون السبب إنشاء المالك وإيجاده للملكية أو الإباحة بالوجود التنزيلي، كما في إنشاء العقود باللفظ كالبيع والنكاح.

الوجه السادس: أن يكون السبب إيجاداً من المالك حقيقةً وبالوجود الواقعي الحقيقي، كالإقدام بتعمير الطرق، فهو إيجادٌ لمفهوم الوقف حقيقةً([66]). وقد ذكر بالهامش عدم تحقُّق الملكية ولا الإباحة بهذا النحو من الإنشاء.

وعليه تكون أسباب الملكية خمسةً. والظاهر أنّ هذا الهامش لتلميذه محقِّق الكتاب، وهو أبو طالب تجليل التبريزي. وقد ذكر أنّ أسباب الإباحة أربعة، بحذف الوجهين الأوّل والأخير.

هذا كلُّ ما أفاده هذا الباحث، وهو بيان الوجوه الممكنة لكيفية التمليك أو الإباحة عند المعاطاة، وهل يتوقّف على الإنشاء مجرّداً أو منضمّاً أو لا؟ وما هو نوع الإنشاء؟ وليس بياناً لأسباب الملكية أو الإباحة بشكلٍ عامّ. وأين هذا ممّا نحن فيه؟! وهل هذا مطروحٌ على نحو الحَصْر أم لا؟!

 4ـ مجلّة الأحكام العَدْلية: وقد حصرَتْ أسباب التملُّك في ثلاثة، وهي:

أوّلاً: الناقل للملك من مالكٍ إلى آخر، كالبيع والهبة.

ثانياً: أن يخلف أحدٌ آخر، كالإرث.

ثالثاً: إحراز شيءٍ مباح لا مالك له، وهو إمّا إحرازٌ حقيقيّ أو حُكْمي([67]).

وعلى الرغم من كون الملحوظ في هذا البيان الأسباب بالمعنى المصطلح ـ وهو لحاظ العناوين الكلّية ـ، إلاّ أنّه ليس وافياً ولا مستوعباً لها؛ مضافاً إلى أنّه لا يُعْلَم هل يمكن جَعْل المجلّة ضمن قائمة الكتب والمصادر الفقهية أم لا، ولو بالمنظار الإسلامي العامّ الأعمّ من السنّي والإمامي؟([68]).

ولا يفوتنا أن نشير إلى أنّه كان قد تعرَّض قبل ذلك إلى أسباب شركة الملك([69])، كما سنُشير إليه قريباً.

5ـ محمّد حسين كاشف الغطاء: ذكر في موضعين من تعليقته على مجلّة الأحكام العدلية، المسمّاة بـ (تحرير المجلّة)، ما له علاقة بالأسباب، تَبَعاً للمجلّة، وهما:

الموضع الأوّل: بحث الشركة ـ التي هي استحقاق أكثر من واحدٍ لشيءٍ واحد على الإشاعة ـ. وقد تعرَّض فيه إلى أسباب هذا الاستحقاق، وهي على نوعين: قَهْرية؛ واختيارية.

أمّا القهرية فنوعان: نوع بجعل الشارع؛ وآخر بأسبابٍ اتّفاقية أخرى. فمن الأوّل الميراث؛ ومن الثاني اختلاط المالين قَهْراً، والوصية بالثلث لجماعةٍ، أو وقف ملكٍ على جماعةٍ.

وأمّا الاختيارية فلها أسبابٌ كثيرة:

أحدها: مزج المالين.

ثانيها: العقد، كشراء دارٍ على نحو الإشاعة.

ثالثها: الحيازة، كما لو اشتركا في حيازة سمكٍ.

رابعها: إحياء الموات، كما لو اشتركا في إحياء أرضٍ موات.

ثمّ قال: «هذه أهمّ أسباب الشركة…، إلخ»([70]).

الموضع الثاني: أسباب التملُّك، قال: «قدَّمْنا لك في بعض الأبحاث السابقة([71]) أنّ أسباب الملك نوعان: قَهْرية؛ واختيارية، وتحت كلّ نوعٍ من هذين أصناف.

وأظهر أسباب التملّك القَهْري: الإرث، والجنايات، والأُروش، والنذور.

وأظهر أسباب التملّك الاختياري: الاكتساب، والبيع، والشراء، والصيد، والحيازة، وإحياء الموات، وما إلى ذلك»([72]).

وفي كلا الموضعين لم يتصدَّ المعلِّق لحَصْر الأسباب، سواء أسباب الشركة أم أسباب الملكية، مع أنّ المقام ـ ولا سيَّما في الموضع الثاني ـ كان يقتضي منه الحَصْر؛ باعتبار أنّه معلِّقٌ على نصّ المجلّة التي حصر فيها الأسباب.

وأمّا الموضع الأوّل فقد ذُكِر في المتن بما هو تنويعٌ وبيانٌ لأنواع الملكية من ناحية كونها قَهْريةً أو اختياريةً، ولم يكن بصدد بيان الأسباب وحَصْرها ضمن عناوين كلِّية، حيث ذُكر تثنية الأسباب أوّلاً، ثمّ تقسيم كلّ نوعٍ منهما إلى أصناف.

6ـ المحقِّق النائيني والشهيد الصدر والسيّد كاظم الحائري: وقد ورد في كلمات النائيني والخوئي والحائري، وأيضاً ما حُكي عن الشهيد الصدر، بعض التحليلات بلحاظ بعض الأسباب، وبنحو الموجبة الجزئية.

أجل، قال في مقدّمة رسالته العملية، ضمن بيان تقسيم الأحكام، حيث قسَّم الأموال إلى نوعين: عامّة؛ وخاصّة، وبيان أحكام النوع الثاني في بابين، قال ما لفظه: «الباب الأوّل: في الأسباب الشرعية للتملُّك أو كسب الحقّ الخاصّ، سواء كان المال عينياً ـ أي مالاً خارجياً ـ أو مالاً في الذمّة، وهي الأموال التي تشتغل بها ذمّة شخصٍ لآخر، كما في حالات الضمان والغرامة. ويدخل في نطاق هذا الباب أحكام الإحياء والحيازة والصيد والتبعية والميراث والضمانات والغرامات، بما في ذلك عقود الضمان والحوالة والقرض والتأمين وغير ذلك.

الباب الثاني: في أحكام التصرُّف في المال، ويدخل في نطاق ذلك البيع والصلح والشركة والوقف والوصية وغير ذلك من المعاملات والتصرُّفات»([73]). هذا كلّ ما ذكره .

وأنت ترى أنّ هذا النحو من البيان الإجمالي لا يؤمِّن غرضنا الذي نستهدفه من تحديد أسباب الملكية على نحو الحَصْر.

لكنّني عثرتُ أخيراً على بحثٍ له تحت عنوان (شبكة الملكيات في الفقه الإسلامي)([74])، والظاهر أنّه استهدف بعض ما استهدفناه في الجملة، كما يبدو من عنوان البحث، وهو عبارةٌ عن تلفيقٍ بين تقريرين لأبحاثه، وعلى الرغم من كونه بحثاً مُجتزأً إلاّ أنّه بحثٌ رائعٌ ودقيقٌ جدّاً، وكنّا من قبلُ قد نقلنا مُهِمَّ أفكاره من تقرير السيد كاظم الحائري في فقه العقود، فما فات شيءٌ من نظريّاته، ولله الحمد.

 7ـ السيّد أبو القاسم الخوئي: لقد ذكر بعض الفقهاء تنويعاً للملكية رُبَما يمكن أن يُستشمّ منه الإشارة إلى تقسيم أسباب الملكية بنحوٍ ما، ولم يكن في مقام حَصْر الأسباب، بل اقتصر على ذكر مثالٍ أو أكثر لكلّ نوعٍ، كالمنقول عن السيد الخوئي في تقريرات بحثه، حيث أفاد ـ تحت عنوان (الإضافة الحاصلة بين المال ومالكه وحقيقة هذه الإضافة وأقسامها) ـ قائلاً: «ما هو حقيقة الإضافة بين المال ومالكه؟ لا رَيْبَ في أنّ الإضافة الموجودة بين المال ومالكه، المسمّاة بالإضافة المالكية، على أقسامٍ؛ لأنّها في الواقع ونفس الأمر إمّا إضافة ذاتية تكوينية؛ أو إضافة عَرَضية حاصلة بالأمور الخارجية.

أمّا الأولى فكالإضافات الكائنة بين الأشخاص وأعمالهم وأنفسهم وذممهم؛ فإنّ أعمالّ كلّ شخصٍ ونفسه وذمّته مملوكةٌ له ملكيةً ذاتية، وهو واجدٌ لها فوق مرتبة الواجدية الاعتبارية، ودون مرتبة الواجدية الحقيقية، التي هي للّه جلَّ وعلا.

والمراد من الذاتي هنا ما لا يحتاج تحقُّقه إلى أمرٍ خارجيّ، تكويني أو اعتباري، وليس المراد به الذاتي في باب البرهان: أي ما ينتزع من مقام الذات، ولا الذاتي في باب الكلِّيات الخمس: أعني به الجنس والفصل. وهذا واضحٌ لا رَيْبَ فيه.

والمراد من الملكية الذاتية ليس إلاّ سلطنة الشخص على التصرُّف في نفسه وشؤونها؛ بداهة أنّ الوجدان والضرورة والسيرة العقلائية كلّها حاكمةٌ بأنّ كلّ أحدٍ مُسلَّطٌ على عمله ونفسه وما في ذمّته، بأن يُؤجر نفسه لغيره، أو يبيع ما في ذمّته. ومن البيِّن الذي لا ستار عليه أنّ الشارع المقدَّس قد أمضى هذه السلطنة، ولم يمنع الناس عن التصرُّفات الراجعة إلى أنفسهم.

وليس المراد من الملكية هنا الملكية الاعتبارية؛ لكي يتوهَّم أنّ عمل الإنسان أو نفسه ليس مملوكاً له بالملكية الاعتبارية.

ومن هنا يتجلّى لك أنّه لا شبهة في صدق المال على عمل الحُرّ. وعليه فاستيفاؤه قَهْراً عليه موجبٌ للضمان جَزْماً. وكذلك الحال في ضمان نفسه. غاية الأمر أنّ الشارع المقدَّس قد سلك في ضمان النفس المحترمة وما يرجع إليها من الأعضاء والأطراف غير ما سلكه في ضمان الأموال، وجعل في ذلك حدّاً خاصّاً ودِيَةً مخصوصة.

وأمّا الثانية ـ أعني بها الإضافة العَرَضية ـ فهي إمّا أن تكون إضافةً أوّلية؛ وإما أن تكون إضافةً ثانوية. والأوّلية إمّا أصلية استقلالية؛ أو تَبَعية غيرية.

فالأوّلية الأصليّة كالإضافة المالية الحاصلة بالعمل أو بالحيازة أو بهما معاً. فالأوّل كالأعمال التي يعملها الإنسان فيحصِّل منها المال، كحيازة المباحات، بناءً على عدم اعتبار قصد التملُّك فيها، كما هو الحقّ، وأمّا بناء على اعتبار القصد في ذلك فحصول الملكية فيها يحتاج إلى العمل القلبي.

وقد حكم العقلاء بحصول المالية بمجرّد الحيازة، بل اشتهر بين الفقهاء مرسلاً أنّ: «مَنْ حاز ملك»([75]). وقد رُوي عن النبيّ|، من طرق العامّة([76]) ومن طرق الخاصة([77])، أنّ «مَنْ سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلمٌ فهو أحقُّ به». ولكنّه ضعيفُ السند، وغير منجبرٍ بشي‌ء.

والمهمّ في المقام هو بناء العقلاء؛ فإنّه قائمٌ على حصول الإضافة المالكية بين المحيز والمحاز.

[والثالث]([78]): كمَنْ يحوز أشجاراً فيجعلها سريراً، أو يحوز تراباً فيجعله كوزاً، أو يحوز نباتاً فيجعله ثوباً أو حصيراً أو غيرهما؛ فإنّ الصورة السريرية والكوزية والثوبية والحصيرية تُوجب تحقُّق إضافةٍ مالية أخرى في تلك الموارد وراء المالية المتقوِّمة بها، فتلك المالية القائمة بها إنّما حصلَتْ من العمل والحيازة معاً.

ثمّ إنّ الوجه في إطلاق [الأوّلية]([79]) على هذه الإضافة هو أنّه لم تسبق إضافة ذلك المال إلى غيره. والوجه في إطلاق الأصليّة عليها إنّما هو بلحاظ عدم تَبَعيتها لغيرها؛ فإنّ هذا النتاج يُضاف إلى مالك الأصول إضافةً أوّلية تَبَعية. أمّا إطلاق التَّبَعية فلكونها ثابتةً لما تحصل منه، وأمّا إطلاق الأوّلية فلعدم سبق إضافة أخرى إليها.

وأمّا الإضافة الثانوية فالمراد بها ما قابل الإضافة الأوّلية، وإنْ طرأَتْ على الأموال مراراً عديدة، نظير: المعقولات الثانوية من جهة مقابلتها للمعقولات الأوّلية.

وهي على قسمين: لأنّها تارةً تكون قَهْرية؛ وأخرى اختيارية.

أمّا الأولى فكالإضافة التي تحصل بسبب الإرث أو الوقف أو الوصية، بناءً على كونها ـ أي الوصية ـ من الإيقاعات. وقد اختَرْناه في محلّه. ووجه كونها قَهْريةً هو حصول الملكية للوارث والموقوف عليه والموصى له بالقَهْر، لا بالفعل الاختياري.

وأمّا الثانية فكالإضافة الحاصلة من المعاملات. ومن ذلك ما يحصل بالبيوع، التي نحن في صدد بحثها.

ولا يخفى على الفَطِن العارف أنّ ما ذكرناه من أقسام الإضافات المالكية من الأمور البديهية التي قياساتها معها»([80]).

أقول: لم أعثَرْ على مَنْ تصدّى من الفقهاء لحَصْر أسباب الملكية بشكلٍ صريح وواضح، باستثناء المجلّة العدلية، حيث ذكرَتْ حَصْراً ناقصاً لأسباب الملكية، وأمّا مَنْ ذكرناهم توّاً، كالإيرواني، فلا يمكن الجَزْم بأنّهم كانوا بصدد الحَصْر، بل هو محتَمَلٌ في كلماتهم.

ونحن إنّما نقلنا هذه الكلمات الطويلة لكي تتَّضح صدقية دعوانا بأنّ المصادر الفقهية لم تتوفَّرْ على دراسة الأسباب بالمعنى المنظور لنا، ولم تهتمّ بها، ولم تكن بصددها، وإنّما يجد الباحث أمامه كلماتٍ وبحوثاً وبياناتٍ متفرّقة هنا وهناك، لا يُدرى هل أنّها صدرت في مقام بيان الأسباب محلّ النظر ـ أي بما هي عناوين كلّية ـ أو لا؟ وهل هي في مقام الحَصْر أو أنّها كانت في مقام التنويع أو أنّها مذكورةٌ على سبيل الإشارة، وعلى نحو الموجبة الجزئية؟

استنتاجٌ

وممّا ذكَرْنا توّاً يُعْلَم ما يلي: إنّه على الرغم من تعرُّض الفقه الوضعي إلى أسباب الملكية بَيْدَ أنّني لم أعثَرْ على صعيد الفقه الإسلامي على نظريةٍ توازي نظريتنا في تحديد أسباب الملكية، وحَصْرها، وتقسيمها، سوى ما يلي:

1ـ نظريّة المحقّق الإيرواني في ذكره لسببين: الحيازة؛ وما يعود إليها.

2ـ ما ورد في مجلّة الأحكام العَدْلية في الاقتصار على ذكر ثلاثة أسباب فقط.

3ـ نظريّة الشهيد الصدر في التوسُّع العقلائيّ في الحيازة.

4ـ تقسيم المحقِّق الخوئي وتنويعه للملكية، لا تحديد أسباب الملكية وتقسيم الأسباب. وبين البحثين بَوْنٌ.

فيما توفَّرت هذه الدراسة الحاضرة على بحث ودراسة كلّ ذلك وزيادة، وبيان نقاط القوّة والخَلَل في كلّ منها مفصَّلاً، وتقديم اقتراحاتٍ في هذا المجال.

ـ يتبع ـ

الهوامش

(*) أستاذٌ في الحوزة العلميّة، وعضو الهيئة العلميّة في جامعة المصطفى| العالميّة، ومدير تحرير مجلّة الاستنباط. من العراق.

([1]) انظر: محمّد تقي الآملي، المكاسب والبيع 1: 84 ـ 85. النجفي الخوانساري، منية الطالب في شرح المكاسب 1: 93. الخميني، كتاب البيع 2: 658 وما بعدها. علي الغروي، موسوعة الإمام الخوئي (التنقيح في شرح المكاسب) 36: 27 ـ 29. كاظم الحائري، فقه العقود 1: 15 ـ 28. هذا، وقد تعرّض في مجلّة الأحكام العدلية إلى أسباب الملكية في أوّل بحث الحيازة، انظر: سليم رستم بار اللبناني، شرح المجلّة: 679، الكتاب العاشر، الباب الرابع، الفصل الثاني، المادّة (1248).

([2]) أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة 5: 285.

([3]) الخليل الفراهيدي، كتاب العين 8: 344.

([4]) انظر: ابن الأثير الجزري، النهاية في غريب الحديث 4: 373.

([5]) الطريحي، مجمع البحرين 4: 251.

([6]) ابن منظور، لسان العرب 11: 635. وانظر: الفيروزآبادي، القاموس المحيط 4: 52.

([7]) انظر: محمّد علي التوحيدي، مصباح الفقاهة 2: 5 ـ 6.

([8]) انظر: المصدر السابق 2: 6.

([9]) انظر: المصدر نفسه.

([10]) انظر: المصدر نفسه. وانظر: حسن كاشف الغطاء، أنوار الفقاهة (كتاب المكاسب): 3.

([11]) انظر: محمّد باقر الصدر، اقتصادنا: 196 ـ 198.

([12]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 3: 95.

([13]) انظر: الفراهيدي، كتاب العين 7: 213 ـ 214.

([14]) انظر: الجوهري، الصحاح 3: 1133.

([15]) الراغب الإصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن: 420.

([16]) انظر: الحائري، فقه العقود 1: 27.

([17]) انظر: مرتضى الأنصاري، كتاب المكاسب 3: 9.

([18]) انظر: التوحيدي، مصباح الفقاهة 2: 46.

([19]) انظر: الغروي، موسوعة الإمام الخوئي (التنقيح في شرح المكاسب) 36: 33 ـ 34.

([20]) انظر: الأنصاري، كتاب المكاسب 3: 9، فإنّ مراده بالفعلية: السلطنة التكوينية والحقيقية.

([21]) انظر: الغروي، موسوعة الإمام الخوئي (التنقيح في شرح المكاسب) 36: 28.

([22]) انظر: الآملي، كتاب المكاسب والبيع 1: 89.

([23]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 5: 351 ـ 352.

([24]) الفيّومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير 2: 579.

([25]) الفراهيدي، كتاب العين 5: 380.

([26]) انظر: الراغب الإصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن: 774 ـ 775.

([27]) انظر: أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية: 473.

([28]) الآخوند الخراساني، كفاية الأصول: 403.

([29]) المقولات مصطلحٌ فلسفي معناه: المحمولات التي تُحْمَل على الأشياء ـ الموضوعات ـ حَمْلاً ذاتياً، ولا يُحمل عليها شيءٌ حملاً ذاتياً. وهي ماهيات بسيطة، غير مركَّبة من جنسٍ وفصل، متباينةٌ فيما بينها، وهي الأجناس العالية التي ليس فوقها جنسٌ. وقسَّموها إلى: جوهر؛ وعَرَض. واختلفوا في عدد الأعراض ما بين ثلاثة إلى تسعة. والذي عليه جمهور المشّائين هو الأخير، أي تسعة، فالمقولات عندهم عشرة؛ ودليلُهم في ذلك الاستقراء. (محمّد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة: 88 ـ 90).

والمقولات العشرة هي: 1ـ الجوهر. 2ـ الكمّ. 3ـ الكيف. 4ـ الوضع. 5ـ الأين. 6ـ المتى. 7ـ الجِدة.      8ـ الإضافة. 9ـ أن يفعل. 10ـ أن ينفعل.

([30]) انظر: محمّد رضا الطباطبائي، تنقيح الأصول (تقريرات ضياء الدين العراقي): 230.

([31]) انظر: محمّد حسين الإصفهاني الغروي، نهاية الدراية في شرح الكفاية 1: 94.

([32]) الآخوند الخراساني، كفاية الأصول: 403.

([33]) انظر: الآملي، المكاسب والبيع 1: 279 ـ 280. النجفي الخوانساري، منية الطالب في شرح المكاسب 1: 187. محمّد صادق الروحاني، فقه الصادق 15: 335.

([34]) الآخوند الخراساني، كفاية الأصول: 403.

([35]) أقول: المراد بالمشترك المعنوي هو متّحد المفهوم، المتعدّد في الوجود. [انظر: محمّد علي الخراساني الكاظمي، فوائد الأصول 1 ـ 2: 500].

([36]) انظر: الغروي، موسوعة الإمام الخوئي (التنقيح في شرح المكاسب) 36: 27 ـ 29. الحائري، فقه العقود 1: 15 ـ 28. الآخوند الخراساني، كفاية الأصول: 403.

([37]) الطباطبائي، نهاية الحكمة: 125 ـ 129.

([38]) الآملي، المكاسب والبيع 1: 84 ـ 85. النجفي الخونساري، منية الطالب في شرح المكاسب 1: 93.

([39]) الطباطبائي، نهاية الحكمة: 134 ـ 135.

([40]) الحائري، فقه العقود 1: 27، الهامش رقم 2.

([41]) الآملي، المكاسب والبيع 1: 84 ـ 85. النجفي الخوانساري، منية الطالب في شرح المكاسب 1: 93.

([42]) صدر الدين محمّد الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة 3: 223.

([43]) الطباطبائي، نهاية الحكمة: 134 ـ 135.

([44]) الغروي، موسوعة الإمام الخوئي (التنقيح في شرح المكاسب) 36: 16.

([45]) انظر: عبد الرزّاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني 8: 493. وهذا التعريف مستفادٌ من المادّة (802) من القانون المدني المصري.

([46]) انظر: المصدر نفسه. حسن إمامي، القانون المدني [باللغة الفارسية] 1: 43.

([47]) انظر: إمامي، القانون المدني [باللغة الفارسية] 1: 43.

([48]) انظر: المصدر نفسه.

([49]) انظر: الأنصاري، فرائد الأصول 3: 25 وما بعدها.

([50]) انظر: الحائري، فقه العقود 1: 26.

([51]) انظر: المصدر السابق 1: 18.

([52]) أقول: إنّ تنقيح الأقوال في ذلك موكولٌ إلى محلّه من الأبحاث المدرسية، وهو خارجٌ عن مسؤولية هذا البحث، وعسى أن نُوفَّق لعقد بحثٍ مستقلّ لذلك.

([53]) انظر: السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني 9: 5 ـ 7.

([54]) انظر: المصادر التالية:

1ـ تعليقة محمّد كلانتر على كتاب المكاسب (للشيخ مرتضى الأنصاري) 5: 162؛ 10: 168.

2ـ الميرزا حبيب الله الجيلاني النجفي الرشتي(1312هـ)، كتاب القضاء 1: 135، 136.

3ـ الرسائل الفقهية (تقريرات للنجم آبادي): 325.

4ـ الآملي، المكاسب والبيع (تقريرات النائيني) 2: 206.

5ـ الميرزا أبو الفضل النجم آبادي، كتاب القضاء (تقريرات آقا ضياء الدين العراقي(1361هـ)): 309.

6ـ آقا ضياء الدين العراقي، مقالات الأصول 2: 396.

7ـ محمّد بن علي حجّت الكوهكمري(1373هـ)، كتاب البيع: 47.

8ـ محمّد هادي الميلاني(1395هـ)، محاضرات في فقه الإمامية، الزكاة 1: 149.

9ـ أحمد بن يوسف الخوانساري(1405هـ)، جامع المدارك 2: 613.

10ـ علي بن محمّد رضا بن هادي كاشف الغطاء(1411هـ)، النور الساطع في الفقه النافع 2: 319.

11ـ التوحيدي(1312هـ)، مصباح الفقاهة (تقريرات السيد الخوئي(1413هـ)) 5: 153.

12ـ أحمد الشاهرودي، الإحصار والصدّ (تقريرات محمّد رضا الموسوي الگلبايگاني(1414هـ)): 141.

13ـ محمّد علي الأراكي(1415هـ)، رسالة في الاجتهاد والتقليد: 433.

14ـ محمّد جعفر المروّج الجزائري(1419هـ)، هدى الطالب في شرح المكاسب 3: 625.

15ـ علي پناه الاشتهاردي(1429هـ)، مدارك العروة 22: 61.

16ـ عبد الكريم الموسوي الأردبيلي(معاصر)، فقه القضاء 2: 478.

17ـ محمّد بن محمّد الكلباسي، الرسائل الرجالية 1: 380، وغيرها.

([55]) انظر: الخوانساري، جامع المدارك 2: 612. محمّد رضا الگلبايگاني، الإحصار والصدّ: 141.

([56]) انظر: الآملي، المكاسب والبيع 2: 206. صادق الطهوري، محصّل المطالب في تعليقات المكاسب 3: 180.

([57]) انظر: التوحيدي، مصباح الفقاهة 3: 419.

([58]) انظر: محمّد سعيد الحكيم، المحكم في أصول الفقه 5: 373.

([59]) انظر: الحائري، فقه العقود 1: 29.

([60]) انظر: محمّد كلانتر، كتاب المكاسب (التعليقات في الهامش) 5: 162، آخر الهامش رقم 1. الحكيم، المحكم في أصول الفقه 5: 373.

([61]) انظر: الحائري، فقه العقود 1: 29.

([62]) انظر: علي الإيرواني، حاشية المكاسب 2: 17.

([63]) انظر: المصدر السابق 2: 20.

([64]) انظر: المصدر السابق 2: 16 ـ 17.

([65]) انظر: الآملي، المكاسب والبيع 1: 84 ـ 85. النجفي الخوانساري، منية الطالب في شرح المكاسب 1:92 ـ 93.

([66]) انظر: محمّد الكوهكمري، كتاب البيع: 47 ـ 53.

([67]) انظر: سليم رستم بار اللبناني، شرح المجلّة: 597، الكتاب العاشر، الباب الأوّل، الفصل الأوّل، المادّة (1060).

([68]) أقول: لقد تمّ تدوين المجلّة طبقاً للمذهب الحنفي، واستناداً إلى كتب الحنفية المعتبرة عندهم، من قِبَل لجنة اسمها (جمعية المجلّة)، برئاسة أحمد جودت باشا، الذي تولّى الوزارة والصدارة المؤقّتة، ثمّ نظارة ديوان الأحكام العدلية. وأعضاء اللجنة في البدء كانوا ستّة، وهم: أحمد خلوصي من أعضاء ديوان الأحكام العدلية، وأحمد حلمي من أعضاء ديوان الأحكام العدلية، ومحمّد أمين الجندي من أعضاء شورى الدولة، وسيف الدين من أعضاء شورى الدولة، والسيد خليل مفتّش الأوقاف الهمايونية، وعلاء الدين بن محمد (ابن عابدين) من أعضاء الجمعية. [انظر: سليم رستم بار اللبناني، شرح المجلّة: 9 ـ 15، التقرير الذي تقدَّم للمرحوم عالي باشا]. ثمّ حدثت تغييراتٌ في أعضائها.

([69]) انظر: سليم رستم بار اللبناني، شرح المجلّة: 679، الكتاب العاشر، الباب الرابع، الفصل الثاني، المادّة (1248).

([70]) انظر: محمّد حسين كاشف الغطاء، تحرير المجلّة 5: 323 ـ 324.

([71]) أقول: الظاهر أنّه يشير بذلك إلى ما طرحه في الموضع الأوّل، وهو أسباب الشركة.

([72]) انظر: كاشف الغطاء، تحرير المجلّة 5: 432.

([73]) محمّد باقر الصدر، الفتاوى الواضحة: 133.

([74]) راجع: محمّد باقر الصدر، موسوعة الإمام الشهيد السعيد محمّد باقر الصدر (محاضرات تأسيسية) 21: 163 ـ 250.

([75]) لم نجِدْه في أصول الحديث من كتب الخاصّة والعامّة، ونحتمل قريباً أنّه قاعدةٌ فقهية متصيَّدة من الروايات الواردة في الأبواب المختلفة والفصول المتفرّقة، كإحياء الموات والتحجير وغيرهما، كبقية القواعد الفقهية المضروبة لبيان الأحكام الجزئية.

([76]) عن ابن مضرس قال: أتيتُ النبيّ| فبايعته، فقال: «مَنْ سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له»، قال: فخرج الناس يتعادون، يتخاطون. [أحمد بن الحسين البيهقي، السنن الكبرى، 6: 142].

([77]) قال النبيّ|: «مَنْ سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحقّ به». [راجع: محمّد بن الحسن الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية 3: 268، أوّل كتاب إحياء الموات. حسين النوري، مستدرك الوسائل 3: 424، باب 44 من أبواب أحكام المساجد، ح1، 2، 3. وانظر: الطوسي، تهذيب الأحكام 6: 110، ح11. ابن قولويه، كامل الزيارات: 545، باب 108، ح5؛ 547، ح11. الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 5: 278، باب 56 من أبواب أحكام المساجد، ح1، 2؛ وأيضاً: 17: 405، باب 17 من أبواب آداب التجارة، ح1، 2.

([78]) كذا في المصدر، والظاهر وقوع خلل أو سقط في العبارة، فإنّه قد ثلَّث الأقسام أوّلاً، ولكنّه اقتصر على ذكر اثنين فقط.

([79]) في المصدر: «الأوّل». والأصحّ ما ذكرناه.

([80]) التوحيدي، مصباح الفقاهة 2: 7 ـ 9.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً