أحدث المقالات

الاسم والمؤلِّف والهويّة

السيد أحمد المددي(*)

ترجمة: وسيم حيدر

تقديم

إذا استثنينا الصحيفة السجادية المباركة المشتملة على بعض أدعية الإمام السجاد×، ومجموع كلمات أمير المؤمنين× في نهج البلاغة، للشريف الرضي، هناك بعض الرسائل والكتب المنسوبة إلى الأئمة^ بمختلف العناوين. وقد تعرَّضت هذه الكتب منذ القدم للبحث والمناقشة بين العلماء حول صحة هذه النسبة وضعفها. وكانت فكرة بحث ودراسة هذه الكتب ـ بشكلٍ مستقلّ ـ تراودني منذ أَمَدٍ، حيث كنت أبتغي بيان نسبة هذه الكتب إليهم من الناحية التاريخية، وتقييم مدى صلاحيتها واعتبارها من عدمه([2]). ومن هنا استمدّ العون من الله والرعاية الخاصة من أولياء الله ـ سلام الله عليهم أجمعين ـ؛ لأبحث في كتاب رسالة (المحكم والمتشابه).

اسم الكتاب

على الرغم من نسبة هذا الكتاب إلى السيد المرتضى، وأنه قد اقتبسه من تفسير النعماني، ولكنْ حيث إنه بأجمعه عبارة عن رواية واحدة مشتملة على سلسلة سندٍ ينتهي إلى أمير المؤمنين×، فإننا سنعمل على بحثها ومناقشتها بوصفها من الرسائل والكتب المنسوبة إلى أهل البيت^.

لقد سبق لهذا الكتاب أن طبع بشكلٍ مستقلّ بعنوان «رسالة المحكم والمتشابه». وقد ذكرها العلامة المجلسي كاملةً في فصل القرآن من بحار الأنوار([3]). وفي الطبعة الجديدة من بحار الأنوار، ج 90، من الصفحة 1 إلى الصفحة 97. وإن أرقام الصفحات الواردة في هذا المقال تعود إلى هذا الجزء من بحار الأنوار.

إن هذا الكتاب يشتمل على مقدّمة مختصرة حول أهمية القرآن الكريم، ثم اشتملت بعد هذه المقدمة على العبارة التالية: «قال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني ـ رضي الله عنه ـ في كتابه في تفسير القرآن: حدَّثنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدَّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن إسماعيل بن جابر قال: سمعتً أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق× يقول:...».

ثم ينتقل إلى بيان كلام الإمام الصادق× بشأن أهمية القرآن الكريم، وتعرُّضه للتفسير والتأويل الخاطئ من قبل بعضهم؛ بسبب عدم معرفته لكُنْه القرآن الكريم وأقسامه وأنواع آياته. ثم ينقل الإمام الصادق× كلاماً عن أمير المؤمنين× حول أقسام آيات القرآن، وشرح تفصيلي لمسائل تستفاد من مختلف آيات القرآن الكريم.

وظاهر العبارة يُشعر أن الكتاب، من هذه النقطة إلى آخر كلمةٍ فيه، بمجموعه مرويٍّ عن الإمام مولى الموحدين عليّ بن أبي طالب×.

إن أسلوب الكتاب بشكلٍ عامّ أشبه بتأليف كتاب أو رسالة منه إلى نقل كلام متعارف عن المعصومين^. وهو من الناحية الأدبية يصنَّف ضمن الحد المتوسط، وهو ممتزج بالمصطلحات العلمية، من قبيل: العام والخاص، والناسخ والمنسوخ، والقياس والرأي والاجتهاد، وما إلى ذلك. وأما من ناحية أسلوب البيان ومتانة الألفاظ ودقة المعاني ووضوح المسائل والشمول والاستيعاب فلا يمكن مقارنته بنهج البلاغة بحالٍ من الأحوال.

وفي ما يلي نتعرَّض إلى التعريف بمؤلِّف الكتاب ضمن ثلاثة محاور:

 

1ـ السيد المرتضى

يبدو من الشواهد والقرائن المتوفِّرة أن هذه الرسالة قد شاعت نسبتها إلى السيد المرتضى منذ القرن العاشر الهجري فما بعد. ويرى صاحب الذريعة([4]) أن هذه النسبة قد اشتهرت في عصر العلامة المجلسي والشيخ الحُرّ العاملي([5]).

وفي ما يلي نذكر قائمة بأسماء كبار العلماء الذين لم يُشْكِلوا ـ في الحد الأدنى ـ على نسبة هذا الكتاب إلى السيد المرتضى، وهم:

1ـ العلامة المجلسي، حيث ذهب في كتابه القيّم (بحار الأنوار) إلى الحدّ الذي عَدَّ معه هذا الكتاب ضمن سائر مصنَّفات السيد المرتضى([6]).

2ـ الشيخ الحُرّ العاملي، على ما جاء في خاتمة كتابه القيّم (وسائل الشيعة)، وبعض إجازاته([7]).

3ـ السيد عبد الله شُبَّر، في الصفحة 115 من كتابه (الأصول الأصلية)، جزء من كتابه التفصيلي (جامع المعارف والأحكام).

4ـ الشيخ يوسف البحراني، في مواضع متعدِّدة من كتابه (الحدائق الناضرة)([8])، وكذلك كتابه (لؤلؤة البحرين).

5ـ السيد الخوانساري في كتابه (روضات الجنات)([9]).

6ـ المحدِّث النوري، في (خاتمة المستدرك)([10]).

7ـ الشيخ الأنصاري، في بداية كتاب (المكاسب)([11]).

وقد ورد ذكر رسالة المحكم والمتشابه ضمن المصادر الفقهية التي ألَّفها السيد المرتضى، بَيْدَ أن ذكر جميع هذه المصادر يستغرق منا وقتاً كثيراً.

ولا بُدَّ من التذكير هنا بأن العلامة المجلسي من ناحيةٍ يعتبر كتاب (رسالة المحكم والمتشابه) من تأليف السيد المرتضى، ويعتبر ذلك أمراً في غاية الشهرة، إلاّ أنه من ناحيةٍ أخرى ـ وفي حدود مراجعتي لكتاب ([إعجاز] القرآن) وسائر الأبواب المناسبة لمضامين كتاب (المحكم والمتشابه) ـ لم ينقُلْ في أيّ موضعٍ منها شيئاً عن هذا الكتاب المذكور. وبطبيعة الحال فإنه قد عمد في الجزء التسعين من كتاب بحار الأنوار إلى نقل النصّ الكامل لهذه الرسالة([12])، دون أن يشير في بدايتها أو خاتمتها إلى أنها رسالةٌ للسيد المرتضى. وهو أمرٌ لم يتَّضح لي سرُّه حتّى هذه اللحظة.

القرائن على عدم صحة نسبة هذه الرسالة إلى السيد المرتضى

وعلى أيّ حال ليس هناك أيّ متّسع لإنكار شهرة نسبة هذا الكتاب إلى السيد المرتضى منذ القرن العاشر الهجري فما بعد، ولكنّنا لا نجد في المصادر المتقدِّمة على هذا التاريخ ما يذكر هذا الكتاب ضمن مؤلَّفات السيد المرتضى:

1ـ إن السيد المرتضى نفسه في إجازته التي كتبها إلى محمد بن محمد البصروي (سنة 417هـ، أي قبل وفاته بحوالي عشرين سنة) لا يذكر هذه الرسالة ضمن أسماء وعناوين مؤلَّفاته([13]). ومع ذلك يبقى احتمال أن يكون قد ألَّفها بعد ذلك قائماً.

2ـ لم يذكر الشيخ الطوسي([14])، ولا النجاشي، في فهرستَيْهما اسماً لهذا الكتاب ضمن مؤلَّفات السيد المرتضى([15])، مع أنهما كانا من تلاميذه المعروفين، وقد تولّى النجاشي غسل السيد المرتضى بعد وفاته بنفسه([16]).

3ـ لا يذكر ابن شهرآشوب(588هـ) في كتابه (معالم العلماء) هذا الكتاب ضمن مؤلَّفات السيد المرتضى([17]). وفي مقدّمة كتاب (أمالي السيد المرتضى) نسب محقِّق الكتاب هذا الأمر إلى ابن شهرآشوب خطأً. بَيْدَ أنه بالإضافة إلى عدم وجود هذا الأمر في كتاب (معالم العلماء)، كذلك لا نجده في نسخة الشيخ الحُرّ العاملي، طبقاً لما نقله في الجزء الثاني من (أمل الآمل)([18]).

وبالإضافة إلى هذه الشواهد، ليس هناك في النسخة الموجودة لـ «رسالة المحكم والمتشابه» ما يثبت أن هذا الكتاب هو من تأليف السيد المرتضى، ولا أدري تماماً كيف نُسب هذا الكتاب إليه؟

نحتمل بشكلٍ قويّ أن النُسَخ الأولى للكتاب قد اشتملت على اسم السيد المرتضى بوصفه مؤلِّفاً لهذا الكتاب، الأمر الذي كان هو المنشأ في نسبة هذا الكتاب إليه، وقد يكون مؤلِّف الكتاب شخصاً آخر اسمه السيد المرتضى أيضاً، بمعنى أن كل ما في الأمر هو تشابهٌ في الاسم، لا أكثر، وهو ما سنأتي عليه لاحقاً في هذا المقال.

إن الشواهد المتوفِّرة تثبت أن طرق وصول هذا الكتاب إلى الأصحاب كان على نحو «الوجادة»، وهو من الطرق الضعيفة في نقل الحديث.

ثم إن الأسلوب الأدبي والاستدلال العلمي للسيد المرتضى معروفٌ، وهو واضحٌ لمَنْ اطلع على مؤلَّفاته الأدبية والعلمية بشكلٍ كامل. وهذا الكتاب (رسالة المحكم والمتشابه) لا يشتمل على الأسلوب الأدبي الذي نعرفه من السيد المرتضى، ولا يتطابق مع شيءٍ من أسلوبه الاستدلالي. فإن هذه الرسالة ـ على سبيل المثال ـ تشتمل على بحث في إبطال الرأي والقياس([19]). وقد ورد الحديث عن ذات هذه المسألة في كتاب (الذريعة إلى أصول الشريعة)، حيث تناول بحث القياس والرأي بالتفصيل([20])، الأمر الذي يثبت ازدواجية المؤلِّف في هذين الكتابين [لو كان كاتبهما شخصاً واحداً].

2ـ الشيخ النعماني

إن أكثر الذين نسبوا هذا الكتاب إلى السيد مرتضى قد صرَّحوا بأنه قد أخذ هذه الرسالة من تفسير النعماني (محمد بن إبراهيم النعماني الكاتب، المتوفّى في منتصف القرن الرابع الهجري)، وعلى حدّ تعبير الشيخ النوري: إن هذا الكتاب تلخيصٌ لذلك التفسير([21]).

ويبدو الوجه في نسبة هذا الكتاب إلى الشيخ النعماني يأتي من ذكر اسمه بعد خطبة الكتاب. وقد قال العلامة المجلسي في بحار الأنوار ما نصُّه: «وكتاب التفسير الذي رواه الصادق، عن أمير المؤمنين’، المشتمل على أنواع آيات القرآن وشرح ألفاظه برواية محمد بن إبراهيم النعماني، وسيأتي بتمامه في كتاب القرآن»([22]).

وقريبٌ من مضمون «برواية النعماني» ما نجده في بداية الرسالة في بحار الأنوار.

والمؤيِّد الآخر لنسبة هذا الكتاب إلى الشيخ النعماني عبارةُ الشيخ الحُرّ العاملي في الجزء الثاني من كتابه (أمل الآمل)، فإنه بعد نسبة كتاب تفسيري إلى الشيخ النعماني، أضاف قائلاً: «ومن مؤلَّفاته تفسير القرآن، رأيتُ قطعةً منه»([23]). احتمل الآغا بزرگ الطهراني في كتاب الذريعة ـ تحت عنوان «تفسير النعماني» ـ أن يكون مراد الشيخ الحُرّ العاملي هو هذه الرسالة([24]).

وعلى الرغم من كلّ هذه المؤيِّدات تبقى هذه المسألة موضع تأمُّلٍ؛ فإن أقدم المصادر ـ بل المصدر الوحيد القريب من عصر الشيخ النعماني ـ الذي يذكره ويذكر عناوين كتبه هو فهرست الشيخ النجاشي، ومع ذلك فإنه لا يأتي على ذكر تفسيره. إن الشيخ النجاشي على الرغم من ذكره للمؤلَّفات العلمية للشيخ النعماني بواسطة واحدة، إلاّ أنه مع ذلك لا يذكر عنوان التفسير بينها([25]).

وقال ابن شهرآشوب بدوره في فصلٍ بعنوان: «في مَنْ عُرف بكنيته»، من كتابه (معالم العلماء): «أبو عبد الله محمد بن إبراهيم: له تفسير القرآن لأهل البيت^»([26]). وعلى الرغم من انطباق هذا الاسم والكنية على الشيخ النعماني، ولكنْ مع ذلك لا يمكن الاطمئنان ـ ناهيك عن القطع ـ بأن مراده من ذلك هو النعماني المعروف، ولا سيَّما أن هذا الكتاب ليس من التفسير بالمعنى المتعارف، فهو ذو صبغة تبويبية، حيث يعمل فيه على تقسيم وتبويب أبحاث وآيات القرآن، وكلّ ذلك على شكل رواية واحدة مأثورة عن الإمام أمير المؤمنين×. وعلى افتراض أن يكون مراد ابن شهرآشوب من ذلك هو النعماني المعروف فإن هذا التعبير المجمل والمبهم يعبِّر عن عدم اشتهار نسبة هذا الكتاب إلى شخصٍ معروف بقامة الشيخ النعماني.

ثم إنه حتّى إذا قبلنا بأن هذا الكتاب هو في الأصل من تأليف الشيخ النعماني، وأن السيد المرتضى قد نقله عنه، فحيث إن السيد المرتضى لم يكن تلميذاً مباشراً للنعماني يجب أن يكون قد نقله عنه بواسطةٍ، وفي النسخة المتوفِّرة لدينا لا نرى أثراً لتلك الواسطة.

ومن خلال التأمُّل في العبارة الاستهلالية في النسخة الراهنة لـ (رسالة المحكم والمتشابه)، التي ذكرنا نصَّها في بداية هذا المقال، يبدو أنه حتّى لو كان هذا الكتاب هو تفسير النعماني يجب على القاعدة أن يكون هناك شخصٌ ـ ولو مجهول ـ قد نقل هذا الكتاب مباشرةً عن الشيخ النعماني، حتّى ولو بعنوان الإجازة وما شابه ذلك، ولكنّنا لا نجد شيئاً من ذلك.

إن هذه القرائن تثبت أن النسخة الراهنة قد وصلَتْ إلى الأصحاب من طريق الوجادة، وهي من الطرق الضعيفة لنقل الأحاديث والروايات.

وحيث كان النعماني قد قضى آخر أيام حياته في الشام (مدينة حلب)، حتّى توفي هناك([27])، وكان تيار الغلوّ من ناحيةٍ أخرى قد طغى على الفكر الشيعي (متمثِّلاً بالاتجاه العلوي، الذي لا يزال قائماً هناك حتّى هذه اللحظة، يحتمل قويّاً أن يكون هذا الكتاب قد وُجد ضمن التراث العلمي للشيخ النعماني، لينتشر بعد ذلك على هذه الصورة، دون إسنادٍ مباشر إلى المؤلف ـ ولو على نحو الإجازة ـ، في المراكز العلمية المعروفة في ذلك العصر، مثل: قم وبغداد والكوفة. وربما كان ابن شهرآشوب قد رأى هذه العبارة الواردة في بداية الكتاب، وهي: «قال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني في كتابه تفسير القرآن»، فتحدَّث عنها بتلك العبارة المبهمة.

إن هذه الاحتمالات، رغم تعزيزها ببعض الشواهد، هي بحاجةٍ إلى المزيد من الشواهد. وخلاصة القول: خلافاً لاحتمال نسبة الكتاب «رسالة المحكم والمتشابه» إلى السيد المرتضى، نجد أن احتمال نسبة هذا الكتاب إلى الشيخ النعماني ـ مع ملاحظة ذكر اسمه في بدايته ـ لا يبدو مستبعداً.

3ـ أمير المؤمنين (عليه السلام)

حيث إن كتاب «رسالة المحكم والمتشابه» عبارةٌ عن روايةٍ واحدة مأثورة عن أمير المؤمنين× وجب علينا أن نرى ما هو مدى إمكانية الاعتماد والتعويل على هذا الحديث، طبقاً لقواعد علم الحديث؟ وفي هذا الشأن نواجه الإشكالات التالية:

1ـ لم تتّضح نسبة أصل هذا الكتاب إلى مؤلِّفَيْه المحتملين.

2ـ إن بعض رجال السند لا يعتدّ بهم.

3ـ إن نصّ الحديث لا يُشبه كلام الإمام عليّ×، بل إن أسلوبه أشبه بأسلوب تأليف الكتب.

4ـ إن بعض مقاطع الرواية لم تَرِدْ في سائر المصادر الروائية، باستثناء تفسير القمي، وإلى حدٍّ ما رسالة سعد بن عبد الله.

إن كلّ واحد من هذه الأمور تكفي لوحدها كي تسقط الرواية عن الاعتبار، فما ظنك بها لو اجتمعت مع بعضها.

بعد بحث المسألة الأولى ـ وهي نسبة أصل الكتاب إلى مؤلِّفَيْه المحتملين ـ ننتقل إلى بحث سائر المسائل الأخرى:

دراسة سند الحديث

أـ أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة: على الرغم من اعتناقه المذهب الزيدي، ولكنّه يُعَدّ من كبار أئمة الحديث، ويحظى باحترام كبار علماء الشيعة. وقيل عنه: إنه قد حفظ نصّ مئة ألف حديث بأسانيدها([28]). وبعد أن أثنى عليه النجاشي أخذ يعدِّد كتبه ومصنَّفاته، ثم قال في الختام: «ورأيت له كتاب تفسير القرآن، وهو كتابٌ حَسَن، وما رأيت أحداً ـ ممَّنْ حدَّثنا عنه ـ ذكره»([29]).

ب ـ أبو الحسن أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي: لم يَرِدْ فيه توثيقٌ واضح وصريح.

ج ـ إسماعيل بن مهران: ثقة([30]).

د ـ الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني، وأبوه عليّ: كلاهما ضعيفٌ ومتَّهم بالكذب([31]). وسوف نتحدَّث عن «الحسن» لاحقاً.

و ـ إسماعيل بن جابر: ثقة([32]).

بحث عدم مشابهة نصّ الحديث لكلام الإمام (عليه السلام)

يمكن لنا أن نثبت عدم مشابهة كلمات هذا الحديث لكلام الإمام علي× وأسلوبه من خلال نقل بعض عباراته على النحو التالي:

«وأما الذي كان في عصر النبيّ‘ فمنه ما أنزل الله تعالى في مغازيه وأصحابه وتوبيخهم… وغيره، ممّا لو شرح لطال به الكتاب»([33]).

«وأما حدود الإمام المستحقّ للإمامة فمنها أن يعلم الإمام المتولّي عليه أنه معصوم من الذنوب كلّها، صغيرها وكبيرها، لا يزلّ في الفتيا، ولا يخطئ في الجواب، ولا يسهو ولا ينسى، ولا يلهو بشيءٍ من أمر الدنيا.

والثاني: أن يكون أعلم الناس بحلال الله وحرامه، وضروب أحكامه وأمره ونهيه، وجميع ما يحتاج إليه الناس، فيحتاج الناس إليه ويستغني عنهم.

والثالث: يجب أن يكون أشجع الناس؛ لأنه فئة المؤمنين التي يرجعون إليها، إن انهزم من الزحف انهزم الناس بانهزامه…

وأما وجوب كونه أعلم الناس فإنه لو لم يكن عالماً لم يؤمَن أن يقلب الأحكام والحدود، ويختلف عليه القضايا المشكلة، فلا يجيب عنها بخلافها. أما وجوب كونه أشجع الناس في ما قدَّمناه؛ لأنه لا يصح أن ينهزم فيبوء بغضب من الله تعالى، وهذه لا يصح أن يكون صفة الإمام. وأما وجوب كونه أسخى الناس في ما (فلما) قدَّمناه وذلك لا يليق بالإمام. وقد جعل الله تعالى لهذه الفرائض الأربعة دليلين أبان لنا بهما المشكلات، وهما الشمس والقمر، أي النبيّ ووصيّه بلا فصل»([34]).

«وأما الردّ على مَنْ قال بالرأي والقياس والاستحسان والاجتهاد، ومَنْ يقول: إن الاختلاف رحمةٌ، فاعلم أنا لما رأينا مَنْ قال بالرأي والقياس قد استعمل شبهات الأحكام لما عجزوا عن عرفان إصابة الحكم([35])… (إلى أن يقول:) قالوا: وقد رأينا النبيّ استعمل الرأي والقياس بقوله (للمرأة الخثعمية):…، وقوله لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن…، قالوا: وقد استعمل الرأي والقياس كثيرٌ من الصحابة، ونحن على آثارهم مقتدون، ولهم احتجاجٌ كثير في مثل هذا… فنقول لهم ردّاً عليهم: إن أصول أحكام العبادات([36])… (إلى أن يقول:) ومن الدليل على فساد قولهم في الاجتهاد والرأي والقياس أنه لن يخلو الشيء أن يكون تمثيلاً على أصلٍ أو يستخرج البحث عنه، فإن كان بحث عنه فإنه لا يجوز في عدل الله تعالى تكليف العباد ذلك، وإنْ كان تمثيلاً على أصلٍ فلن يخلو الأصل أن يكون حرّم لمصلحة الخلق، أو لمعنى في نفسه خاصّ، فإنْ كان حرّم لمعنى في نفسه خاصّ فقد كان قبل ذلك حلالاً ثم حرّم بعد ذلك لمعنى فيه، بل لو كان العلّة المعنى لم يكن التحريم له أَوْلى من التحليل، ولما فسد هذا الوجه من دعواهم، علمنا أنه لمعنى أن الله تعالى إنما حرم الأشياء لمصلحة الخلق، لا للعلّة التي فيها، ونحن إنما ننفي القول بالاجتهاد؛ لأن الحقّ عندنا ممّا قدمنا ذكره من الأصول التي نصبها الله تعالى، والدلائل التي أقامها لنا، كالكتاب والسنّة والإمام الحجّة، ولن يخلو الخلق عندنا من أحد هذه الوجوه الأربعة التي ذكرناها، وما خالفها فباطلٌ»([37]).

نكتفي بهذا المقدار من العبارات؛ رعايةً للاختصار، ولكنّنا لو قارنّا هذه الكلمات بنصوص أمير المؤمنين× الواردة في نهج البلاغة ـ مثلاً ـ هل نستطيع القول بأنهما لشخصٍ واحد؟

إن مضامين بعض الروايات المنسوبة إلى رسول الله‘ في هذا الكتاب قد وردت في المصادر الأخرى أيضاً، ولكنْ بسندٍ مغاير لسند هذا الكتاب. وتشتمل مقدّمة التفسير المنسوب إلى عليّ بن إبراهيم القمّي على خطبةٍ في أنواع وأقسام آيات القرآن تشبه إلى حدٍّ كبير المضامين الواردة في هذا الكتاب، ولكنْ لم يَرِدْ في أيٍّ من الكتابين إشارةٌ إلى أيِّهما قد اقتبس من الآخر؟ ويحتمل أنهما قد اقتبسا من مصدرٍ ثالث. وسوف نتحدَّث حول رسالة سعد بن عبد الله لاحقاً.

مَنْ هو مؤلِّف كتاب رسالة المحكم والمتشابه؟

هناك في هذا الشأن عدّة احتمالات:

1ـ يحتمل أن يكون مؤلِّفه الشيخ النعماني، كما يبدو ذلك من ظاهر العبارة الواردة في بداية رسالة المحكم والمتشابه، على ما مرَّ بيانه.

2ـ الاحتمال الآخر أن يكون مؤلِّفه شخصاً اسمه السيد المرتضى، إلاّ أنه ليس هو السيد المرتضى المعروف [بعلم الهدى]([38])، وإن هذا الشخص قد عمد إلى تأليف هذا الكتاب، وأضاف إلى بدايته مقدّمة قصيرة، ثم حصل الاشتباه لاحقاً؛ إذ تصوَّر بعضهم أنه السيد المرتضى المعروف، ومنذ ذلك الحين اشتهر هذا الكتاب بنسبته له. وقد كان هناك الكثير من الأشخاص الذين يحملون اسم السيد مرتضى، ومن هؤلاء، وربما كان أشهرهم: السيد المرتضى بن داعي بن قاسم الحسني، وهو من كبار العلماء في القرن السادس الهجري. وقد كان مرتضى اسماً له بطبيعة الحال، خلافاً للسيد المرتضى الذي كان اسمه عليّ، والمرتضى لقبه. ولا يخفى أن التشابه في هذا الاسم يخلق أرضيّةً مناسبة لحصول مثل هذا الخلط. غير أن هذا الاحتمال وإنْ كان يلقي ضوءاً على وضع النسخة الراهنة إلى حدٍّ ما، إلاّ أنه لا يساعد على معرفة هوية المؤلِّف الحقيقي لهذا الكتاب.

3ـ يحتمل أن يكون هذا الكتاب هو ذات كتاب (فضائل القرآن)، الذي هو من تأليف الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني، مع إضافة مقدّمة من صفحتين أخرجَتْه على هذه الشاكلة. وقد كان هذا الشخص وأبوه من كبار الواقفية الذين كانوا يعتقدون بأن الإمام موسى بن جعفر× حيٌّ لم يَمُتْ، وأنه الإمام المهديّ المنتظر. وهي من الفرق المندثرة، ويذهب أغلب العلماء إلى القول بأن أباه هو المؤسِّس لهذه الفرقة([39]). إن الحسن وأباه متَّهمان بالكذب. ويرى الغضائري أن الوالد أوثق من الولد([40]). وقد وصف أحياناً بأنه «رجل سوء»([41]). وقال عنه ابن فضّال: «كذّابٌ ملعون، رويت عنه أحاديث كثيرة، وكتبت عنه تفسير القرآن كلّه، من أوله إلى آخره، إلاّ أني لا أستحلّ أن أروي عنه حديثاً واحداً»([42]).

وقال النجاشي بعد بيان بعض مضامين كتبه: «وله كتاب فضائل القرآن، أخبرنا أحمد بن محمد بن هارون، عن أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدَّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب بن حمزة بن زياد الجعفي القصباني، يعرف بابن الجلا [الحلا] بعرزم، قال: حدَّثنا إسماعيل بن مهران بن محمد بن أبي نصر، عن الحسن، به»([43]).

وقد ورد هذا السند بتمامه في كتاب (رسالة المحكم والمتشابه). وربما عمد الشيخ النعماني بعد ذلك إلى رواية هذا الكتاب لاحقاً، ومن هنا تمّ إدراج اسمه في بدايته.

توضيح ذلك: إن العادة قد جرَتْ في السابق على تأكيد صحة نسخة الكتاب من خلال ذكر أسماء رواة الكتاب إلى عدّة طبقات، وإن هذه الأسماء كانت تسجَّل أحياناً في بداية تلك النسخة من الكتاب، وكان هذا يؤدّي بدوره أحياناً إلى نسبة كتابٍ واحد إلى أكثر من شخصٍ وردت أسماؤهم في سلسلة رواية الكتاب. وعندما نقل العلامة المجلسي هذه الرسالة قال في عنوان الباب ما نصُّه: «ما ورد عن أمير المؤمنين× في أصناف آيات القرآن… برواية النعماني…»([44])، حيث يشتمل على ظهور بأن النعماني هو مجرَّد راوٍ لهذا الكتاب، وليس مؤلِّفاً له. ويحتمل أن يكون اشتهار المؤلِّف، الذي هو الحسن بن عليّ البطائني بالكذب قد أدّى إلى بقاء كتابه مهجوراً في الحوزات العلمية في تلك الحقبة، ليظهر لاحقاً نسخةٌ منه بالتدريج في الأروقة العلمية على هذه الصفة، بعد وفاة النعماني.

وقد يتبادر إلى الذهن إشكالٌ مفاده: إن عنوان «فضائل القرآن» لا ينطبق على محتوى الكتاب الذي بين أيدينا، وأعني بذلك (رسالة المحكم والمتشابه)، ويحتمل أن يكون كتاب فضائل القرآن، للحسن بن علي البطائني، هو الذي ذكره الشيخ الصدوق في كتاب «ثواب الأعمال» بعنوان: ثواب قراءة السور، نقلاً عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني([45])، ولا ربط له بكتاب «رسالة المحكم والمتشابه».

ولكن لا بُدَّ من القول في توضيح هذا الإشكال: إن عنوان «فضائل القرآن» ـ للإنصاف ـ لا ينسجم مع مضامين كتاب «رسالة المحكم والمتشابه» كثيراً، ولكنْ لو احتملنا أن يكون العنوان الكامل للكتاب هو «فضائل القرآن وأصناف آياته…» لما كان هذا العنوان بعيد الصلة عن موضوع هذا الكتاب. ويؤيِّد هذا الاحتمال ما ذكره العلاّمة المجلسي في بداية هذه الرسالة، حيث قال: «ما ورد عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ في أصناف آيات القرآن وأنواعها، وتفسير بعض آياتها، برواية النعماني، وهي رسالةٌ مفردة مدوّنة، كثيرة الفوائد، نذكرها من فاتحتها الى خاتمتها»([46]).

وأما رواية ثواب قراءة القرآن فتنتهي إلى محمد بن حسّان، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني.

وقد نسب النجاشي إلى محمد بن حسان كتاباً عنوانه: «ثواب القرآن»([47]).

وقال الشيخ الطوسي ما نصّه: «محمد بن حسان الرازي، له كتبٌ، منها: كتاب ثواب القرآن، أخبرنا به ابن أبي جيد… عن محمد بن حسّان، عن محمد بن عليّ الصيرفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني»([48]).

كما أن الشيخ [الطوسي] والنجاشي قد نسبا كتاب «فضائل القرآن» مرّة إلى إسماعيل بن مهران([49])، ومرّة إلى الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني أيضاً([50])، ولا سيَّما أن النجاشي إنما ذكر السند المذكور في بداية «رسالة المحكم والمتشابه» في ذيل «فضائل القرآن» فقط.

خلاصة القول: إن الشاهد الوحيد والواضح الموجود بين أيدينا، والذي يثبت نسبة هذا الكتاب إلى الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني، هو اتّحاد سنده مع طريق النجاشي، بَيْدَ أن عدم مطابقة عنوانه لعنوان الكتاب، وذكر اسم النعماني مع عبارة «في كتابه في تفسير القرآن»، يثبت خلاف ذلك.

4ـ والاحتمال الآخر أن يكون كتاب «رسالة المحكم والمتشابه» هو ذات كتاب «ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه»، الذي هو من تأليف سعد بن عبد الله الأشعري(299 أو 301هـ)([51]). والذي يدعو إلى هذا الاحتمال هو كلام العلاّمة المجلسي، حيث قال بعد ذكره لجميع الرسالة: «أقول: وجدتُ رسالةً قديمة مفتتحها هكذا: حدَّثنا جعفر بن محمد بن قولويه القمّي& قال: حدَّثني سعد الأشعري القمّي أبو القاسم&، وهو مصنِّفه: الحمد لله ذي النعماء والآلاء، والمجد والعزّ والكبرياء، وصلّى الله على محمد سيد الأنبياء، وعلى آله البررة الأتقياء، روى مشايخنا عن أصحابنا، عن أبي عبد الله× قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أنزل القرآن على سبعة أحرف، كلها شاف كاف: أمر، وزجر، وترغيب، وترهيب، وجدل، وقصص، ومثل. وساق الحديث إلى آخره، لكنّه غير الترتيب، وفرَّقه على الأبواب، وزاد فيما بين ذلك بعض الأخبار»([52]).

وكنا نتمنّى لو أن العلامة المجلسي قد أورد جميع مضامين الرسالة المنسوبة إلى سعد بن عبد الله الأشعري، فإنه لو كان فعل ذلك لكان قد أسهم في الحفاظ على أحد مصادر التراث العائد إلى نهاية القرن الثالث الهجري، ولأمكن لنا من خلال مقارنتها مع «رسالة المحكم والمتشابه» أن نعثر على بعض البصمات لمؤلِّف كلتا الرسالتين. وعلى أيّ حال فقد ذكر العلاّمة المجلسي أجزاء هامّة من تلك الرسالة في موسوعته «بحار الأنوار»([53])، وما ذكره يختلف كثيراً عن مضامين كتاب «رسالة المحكم والمتشابه». ومن الواضح بطبيعة الحال أن مؤلِّف هذه الرسالة ينتمي إلى تيار الغلاة، وقد ذكر الكثير من الروايات الدالّة على تحريف القرآن.

وقال العلاّمة المجلسي في تأييد رسالة سعد بن عبد الله الأشعري: «وعَدَّ النجاشي من كتب سعد بن عبد الله كتاب ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، وذكر أسانيد صحيحة إلى كتبه»([54]). ومن الناحية العلمية بمجرّد أن ينسب النجاشي كتاباً إلى سعد بن عبد الله، ثم يكتب خلف جلد نسخته المخطوطة: «كتاب سعد»، لا يمكن القول: إنه ذات الكتاب الذي أخبرنا عنه النجاشي. ومن ناحيةٍ أخرى فإننا نعلم بأن الشيخ الكليني كان تلميذاً لسعد، وقد روى عنه في الكافي مباشرة([55]). وعليه لو كانت هذه النسخة من تأليف سعد بن عبد الله لكان الكليني قد نقل بعض عباراتها، ولا سيَّما تلك الخاصة بروايات التحريف.

إن الذي يروي هذه الرسالة ـ بناءً على صحتها ـ هو ابن قولويه(368هـ)، وهو أقلّ رواية من سعد بن عبد الله(299 أو 301هـ)؛ لأنه تلميذ الشيخ الكليني، الذي هو بدوره تلميذ سعد بن عبد الله الأشعري. وقال النجاشي في ترجمة ابن قولويه: «روى عن أبيه وأخيه، عن سعد، وقال: ما سمعت من سعد إلاّ أربعة أحاديث»([56]). وقال في ترجمة سعد بن عبد الله: «قال الحسين بن عبيد الله&: جئت بالمنتخبات إلى أبي القاسم بن قولويه&، أقرؤها عليه، فقلتُ: حدَّثك سعد؟ فقال: لا، بل حدَّثني أبي وأخي، عنه، وأنا لم أسمع من سعد إلاّ حديثين»([57]).

وعليه كيف يعقل أن يكون ابن قولويه قد نقل مثل هذه الرسالة التفصيلية عن سعد بن عبد الله؟!

ويبدو أن الذي عمد إلى اختلاق هذه الرسالة لم يلتفت إلى هذه المسألة.

وبالإضافة إلى جميع هذه الأمور فإن رسالة سعد قد وصلتنا من طريق الوجادة، وهو من الطرق الضعيفة.

ويبدو أن لرسالة سعد ـ المتوفّى في بداية القرن الرابع الهجري ـ وتفسير النعماني ـ المتوفّى في منتصف القرن الرابع الهجري ـ مصدراً مشتركاً، وحيث اشتملا على روايات في تحريف القرآن ـ والروايات في رسالة سعد أكثر ـ هناك احتمالٌ قويّ جدّاً في أن يكون منشأهما هو التيار المنحرف الذي يقوده الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني أو أبوه، وأنهما؛ لبعض الأسباب، كانا ينسبان تارةً إلى النعماني، وتارةً أخرى إلى سعد بن عبد الله. وإن اشتهار سعد وأبيه بالكذب قد أدّى إلى ضياع تراثهما العلمي، ولذلك لا نستطيع تحديد مقدار التأثير الذي تركاه على هاتين الرسالتين.

ذكر «رسالة المحكم والمتشابه» في الإجازات

قد يخطر على ذهن بعض الأشخاص أن وضوح نسبة هذه الرسالة إلى السيد المرتضى بحيث ذكرت الإجازات التفصيلية للأصحاب هذا الكتاب بوصفه تأليفاً للسيد المرتضى. وفي هذا الإطار يمكن الرجوع ـ على سبيل المثال ـ إلى إجازة الشيخ الحُرّ العاملي وصاحب الحدائق في لؤلؤة البحرين التي تقدَّم ذكرها. وفي حدود معلوماتنا إنّ أوّل شخصٍ أدخل هذا الكتاب في الإجازات بوصفه كتاباً للسيد المرتضى هو الشيخ الحُرّ العاملي ـ صاحب كتاب «وسائل الشيعة» ـ، وهكذا أخذ العلماء الذين جاؤوا بعده ينسبون هذا الكتاب في إجازاتهم التي تنتهي إلى الحُرّ العاملي بوصفه كتاباً من تأليف السيد المرتضى.

بَيْدَ أن الشيخ الحُرّ العاملي على ما يبدو ينقل هذا الكتاب عن السيد المرتضى من خلال تلفيق الإجازات، بمعنى أنه من خلال إجازةٍ عامة ينقل جميع كتب وروايات الشيخ الطوسي وجميع مؤلَّفات السيد المرتضى، ويرى صاحب الوسائل أن رسالة المحكم والمتشابه في جملة مؤلَّفات السيد المرتضى، ومن هنا فإنه ينقل هذا الكتاب عن السيد المرتضى بهذه الإجازة العامة. وقال الشيخ الحُرّ العاملي في خاتمة وسائل الشيعة، بعد بيان عدّة طرق إلى الشيخ الطوسي: «وقد عرفْتَ من ذلك الطريق إلى الكليني والصدوق… ونروي رسالة (المحكم والمتشابه) للسيد المرتضى بالإسناد السابق عن الشيخ أبي جعفر الطوسي، عن السيد المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي»([58]).

إن التلفيق بين الإجازات على النحو المذكور لا بأس به من وجهة نظر بعض المحقِّقين. وغايتي هنا تتلخَّص في بيان منهج صاحب الوسائل، ولستُ بصدد إبداء الرأي في هذا الشأن؛ لبعض الأسباب.

خلاصة المقال

1ـ لا مجال ـ تقريباً ـ للشكِّ في خطأ نسبة رسالة المحكم والمتشابه بوصفها عين ألفاظ روايةٍ أو روايات إلى الأئمّة^.

2ـ كما لا مجال ـ تقريباً ـ للتشكيك في خطأ نسبتها إلى السيد المرتضى أيضاً.

3ـ إن احتمال نسبة هذا الكتاب إلى الشيخ النعماني ـ بوصفه تأليفاً أو رواية ـ وإنْ لم يكن احتمالاً قوياً، ولكنّه في الوقت نفسه ليس مستبعداً أيضاً.

4ـ إن احتمال نسبة رسالة سعد بن عبد الله الأشعري إليه ضعيفٌ للغاية.

5ـ إن لكلتا الرسالتين جذوراً في النصوص المأثورة عن أهل البيت^، وإن الكثير من المضامين الواردة فيهما ـ وحتّى ما كان منها مدرجاً ضمن روايات التحريف ـ قد وصلنا مرسلاً أو مسنداً عن الأئمة^. وهناك احتمالٌ متاخم لليقين بوجود الكثير من الروايات في فضائل القرآن الكريم، وأنواع الآيات، وتبويبها الموضوعي، ودلالة آيات الكتاب على أحقّية طريقة أهل البيت^، وبطلان سائر الطرق الأخرى المنحرفة، وبعبارةٍ جامعة: إن الروايات التي تثبت الحضور الفاعل والواضح للقرآن في جميع مجالات المعارف والأحكام الإسلامية، الواردة عن الأئمة الأطهار^، ولا سيَّما أمير المؤمنين×، قد نُقلت إلى قدماء الأصحاب، فعمد هؤلاء إلى نقلها بالمعنى والمضمون، ثم صيغت بالأساليب الخاصّة للمؤلِّفين على ما نرى مثاله في هاتين الرسالتين.

6ـ إن احتمال تأثير تفسير الحسن بن عليّ البطائني أو أبيه في هاتين الرسالتين واضحٌ إلى حدٍّ ما.

الهوامش

(*) أحد الفقهاء في مدينة قم، ومن أبرز أساتذة الدراسات العليا في الحوزة العلمية. من المتخصِّصين في مجال التراث والرجال والحديث.

([1]) إن هذا البحث هو جزءٌ من مقالٍ بعنوان: (رسالة حول تفسير وعلوم القرآن المنسوب لأهل البيت^)، وقد نشر للمرّة الأولى في مجلة كيهان أنديشه، العدد 28: 113 ـ 141، الصادرة في شهر بهمن وإسفند من عام 1368هـ.ش (1989م).

([2]) من الضروري أن نوضِّح هنا أن المراد من كتب الأئمة^ لا يقتصر على تلك الكتب التي تحمل اسم أحد الأئمة، أو تلك التي تعرف باسم ذلك الإمام، مثل: فقه الرضا×، ومصباح الشريعة، بل هو يشمل كذلك الرسائل والكتب التي تنسب بحَسَب الظاهر إلى شخص آخر أيضاً، ولكنها في الحقيقة تشتمل بأجمعها على روايةٍ لأحد الأئمة. إن هذا النوع من الكتب يشكِّل موضوعاً لهذا البحث أيضاً. ومن هذا القبيل: رسالة علل الشرائع، للفضل بن شاذان، التي هي بحَسَب الظاهر تنسب إلى الفضل، ولكنّها تحتوي في نهايتها على تصريحٍ من الفضل بن شاذان نفسه بأنه قد سمع جميع مضامين هذا الكتاب من الإمام الرضا× في مجالس متعدِّدة.

([3]) رسالة المحكم والمتشابه في الطبعة الجديدة لبحار الأنوار 90 (وفي بعض الطبعات 93)، من الصفحة الأولى إلى الصفحة 97، وإنّ رقم الصفحات المذكورة في هذا المقال يعود إلى هذه الطبعة.

([4]) انظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة 20: 154 ـ 155.

([5]) انظر: معجم رجال الحديث 12: 147.

([6]) انظر: بحار الأنوار 1: 10 ـ 11.

([7]) انظر: وسائل الشيعة 30: 144 (الفائدة الثانية).

([8]) انظر على سبيل المثال: الحدائق الناضرة 6: 299، 396؛ 12: 371، 381؛ 13: 59، 107.

([9]) انظر: روضات الجنات 4: 330.

([10]) انظر: خاتمة المستدرك 3: 266؛ 4: 243.

([11]) انظر: المكاسب 1: 12.

([12]) انظر: بحار الأنوار 90: 1.

([13]) انظر: رياض العلماء 4: 35 ـ 37.

([14]) انظر: فهرست الطوسي: 288، الرقم 432.

([15]) انظر: فهرست النجاشي: 270، الرقم 708.

([16]) انظر: المصدر السابق: 271.

([17]) انظر: معالم العلماء: 69، الرقم 477.

([18]) انظر: أمل الآمل 2: 182.

([19]) انظر: بحار الأنوار 9: 91.

([20]) انظر: الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 669 فما بعد.

([21]) انظر: خاتمة المستدرك 4: 243.

([22]) بحار الأنوار 1: 15.

([23]) أمل الآمل 2: 233.

([24]) انظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة 4: 318.

([25]) انظر: فهرست النجاشي: 383، الرقم 1043.

([26]) معالم العلماء: 134، الرقم 904.

([27]) انظر: معجم الرجال 5: 98.

([28]) انظر: تاريخ بغداد 5: 220.

([29]) فهرست النجاشي: 94، 95، الرقم 233.

([30]) انظر: المصدر السابق: 26، الرقم 49.

([31]) رجال الكشّي: 443 ـ 403.

([32]) انظر: رجال الطوسي: 124، الرقم 1246.

([33]) بحار الأنوار 90: 67.

([34]) المصدر السابق 90: 64 ـ 65.

([35]) المصدر السابق 90: 91.

([36]) المصدر السابق 90: 92.

([37]) المصدر السابق 90: 95 ـ 96. تنويهٌ: نقلنا العبارات بعينها رعايةً للأمانة، مع علمنا بتعرُّض بعض الكلمات للتصحيف أو التحريف.

([38]) ما بين المعقوفتين إضافة توضيحية من عندنا. المعرِّب.

([39]) انظر: رجال الكشي: 404، الرقم 759؛ 493، الرقم 946.

([40]) انظر: رجال ابن الغضائري: 51، الرقم 33.

([41]) انظر: رجال الكشّي: 552، الرقم 1042.

([42]) المصدر السابق: 552، الرقم 1042.

([43]) فهرست رجال النجاشي: 36 ـ 37، الرقم 73.

([44]) بحار الأنوار 90: 1.

([45]) انظر: ثواب الأعمال: 104 فما بعد.

([46]) بحار الأنوار 90: 1.

([47]) انظر: فهرست رجال النجاشي: 338، الرقم 903.

([48]) انظر: المصدر السابق: 414، الرقم 629. تنويهٌ: لم أعثر على هذا المضمون في المصدر المذكور. المعرِّب.

([49]) انظر: المصدر السابق: 26، الرقم 49؛ فهرست الطوسي: 27، الرقم 32.

([50]) انظر: فهرست رجال النجاشي: 36، الرقم 73؛ فهرست الطوسي: 131، الرقم 185.

([51]) انظر: فهرست رجال النجاشي: 177، الرقم 467.

([52]) بحار الأنوار 90: 97.

([53]) انظر: بحار الأنوار 89: 60 ـ 73.

([54]) بحار الأنوار 1: 32.

([55]) انظر مثلاً: الكافي 1: 457، ح10؛ 458، ح11؛ 461، ح2؛ إلخ.

([56]) فهرست رجال النجاشي: 123، الرقم 318.

([57]) المصدر السابق: 178، الرقم 467.

([58]) وسائل الشيعة 30: 180.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً