أحدث المقالات

الإمامة والخاتمية أنموذجاً

 

أ. داريوش محمد پور(*)

ترجمة: السيد حسن الهاشمي

 

مقدّمة ــــــ

إنّ أول نقطة يجب علينا أن نضيفها إلى ذيل كلمات سروش هو أنّ مواقفه لا تخلو من توجّهات سياسية في نقد التيار الحكومي الغالب في إيران.

إنني أتفق مع الدكتور سروش في عدم إمكان استخراج أصول الديمقراطية الأساسية من الإسلام، بمعنى أنّ هذه العملية مستحيلة كاستحالة استخراج القواعد الفيزيائية من علم الطب. وأقصد من ذلك أنني لا أستطيع أن أقول بضرورة منح الديمقراطية شأناً ومنزلة مستقلة وواضحة، بحيث لا تنسجم مع شكل الإسلام وصلبه وشأنه. وهذا ما قاله الدكتور سروش نفسه بشكل آخر، وكرره مراراً. وإنّ الابتعاد عن المعنى السابق يبدو لي غريباً إلى حدّ ما؛ فإن كلاًّ من الديمقراطية والإسلام في معرض التفسير والتغيير، ويمكن فهم كل منهما بأشكال وأساليب مختلفة، مع هذا القيد، وهو أنه لا يمكن ختم أحكامهما بخاتم القطعية والثبات. فلا الديمقراطية مطلقة، ولا أحكام الإسلام الاجتماعية كذلك، وطبعاً هناك في ما يتعلق بأحكام الإسلام كلام طويل وعريض لست في وارد الدخول في تفاصيله.

 

هل يثبت الشيعة حقاً منزلة النبي‘ للإمام؟! ــــــ

قال الدكتور سروش:…إنّ المرتبة والمنزلة التي يمنحها الشيعة لأئمتهم هي منزلة النبي ومرتبته إلى حدّ بعيد. وهذه مسألة لا يمكن تجاوزها بسهولة، أي إنّ مفهوم الخاتمية في التشيع مفهوم مهلهل وفضفاض؛ وذلك لأنّ أئمة الشيعة يحقّ لهم التشريع، في حين أنّ هذا الحق منحصر بالنبي».

إنّ هذه العبارة من العبارات التي تحتوي على الكثير من التحامل. وأقول باختصار، من دون إصدار أي حكم إيجابي أو سلبي بحق شخص الدكتور سروش: إنّ هذا الادعاء هو الذي تدعيه الوهابية والسنة بشكل عام ضدّ الشيعة، أو الروافض على حدّ تعبيرهم.

لا أعرف مصدراً كلامياً واعتقادياً لدى الشيعة بشكل عام، بجميع طوائفهم ومذاهبهم، يثبت للإمام حق (التشريع) بالمعنى الواضح الذي يدعيه سروش، حتى فرقة الإسماعيلية الباطنية، وليبقَ ذكر المصادر إلى موضع آخر. لقد تم تحديد وظيفة النبي في الدين بوضوح. فعندما يأتي النبي بشريعة جديدة فإنه ينسخ الشريعة التي سبقته، ويفتح باباً جديداً في الأدوار الشرعية. وإنّ الشيعة في أرقى المستويات والسطوح التفسيرية لمقام النبوّة يضعون النبي في مرتبة الشارع و(خاتم النبيين)، ويذهبون إلى اعتبار أهل بيته والمعصومين من أئمتهم مفسِّرين، بل و(راسخين في العلم)، و(أصحاب تأويل)، دون أن يكونوا مشرِّعين، أو أصحاب شريعة ناسخة لشريعة خاتم النبيين. وطبعاً فإنّ وظيفة الإمام كصاحب تأويل ومفسِّر باطني تختلف بطبيعة الحال عن وظيفة النبي بوصفه مشرّعاً. كما أن دعوى أنّ الشيعة يجعلون أئمتهم في نفس مرتبة النبي ليست بالجديدة، بل هناك ما هو أشدّ من ذلك مما كاله المخالفون للشيعة من السنة عبر القرون المنصرمة، وعليه لم يأتِ سروش بشيء جديد في هذا الباب سوى صدور هذه الرواية السنية عن فم شيعي. وخلاصة القول: إنّ سلوك هذا النهج وهذا الأسلوب التفسيري سيهبط بإسلامنا في مقام التجربة العليا إلى نوع من العرفان الذوقي، الذي هو خليط من تعاليم ابن عربي والمولوي وعرفاء الشيعة والسنة.

وقد كان الدكتور سروش أميناً في نقل كلام الغزالي من أننا نتمتَّع بنفس القدر من الآدمية التي كان يتمتع بها أبو حنيفة. وطبعاً إنّ كلامه لا يؤدي إلى اعتبار العلامة إقبال اللاهوري خاتم العقلاء. ويبدو أنه لم يدّع مثل هذا الادعاء. قال الدكتور سروش ـ تبعاً لإقبال اللاهوري: إنّ ختم النبوة يعني عدم احتكار شخص لكلام النبي. والجواب: إنّ هذا التعبير مباين لعقائد الشيعة بشكل صريح، كما هو مباين لسلوك المسلمين؛ لأنّ الذي يحتكر الدين ليس من الضروري أن يأخذ جانب النبي، وليس هناك من ضرورة لإلقاء كلّ هذه المدعيات على عاتق الشيعة. أليس هناك من العرفاء والصوفيين من غير الشيعة مَنْ يمنح الشيخ والولي منزلة ومكانة فوق مكانة العقل ومنزلته؟ فأنا شخصياً لا أرى فرقاً بين الشيعة والسنة من هذه الناحية. بل إنّ نار هذه الملامة ستنشب بأذيال إقبال اللاهوري والدكتور سروش نفسيهما.

 

هل تقف العقلانية النقّادة عند حدود معيّنة في الدين؟! ــــــ

وأما في ما يتعلق ببحث التحرّر والخاتمية ففي كلام الدكتور سروش، الذي قاله قبل أسبوع أو أسبوعين، عندما رسا الحديث على رؤية إقبال اللهوري بشأن الخاتمية وتحرر الناس، سألت الدكتور سروش: ما هو الحدّ الذي يقف عنده هذا العقل الاستقرائي والنقّاد لدى الناس في قبال الدين؟ فأجاب الدكتور سروش بصراحة: «ليس هناك أي حدّ يقف عنده».

وأقول باختصار: إنه ومن وجهة نظري ليس هناك أدنى شك في أنّ هذا النهج سيتخطى حتى النبي نفسه. وقال الدكتور سروش: «عندما يقول القرآن إذا كان هناك من يستطيع أن يأتي بسورة أو آية من مثل القرآن فإنّ هذا تحدٍّ من القرآن، وعليه فإذا استطاع شخص أن يأتي بمثل القرآن فإننا سنذعن له، ونقبل تفوّقه على القرآن، إلا أنّ هذا لم يتحقَّق حتى الآن».

وهناك أيضاً إشكال أكبر على هذا الكلام، وذلك أنه من يملك معيار تحديد ما إذا كانت هذه السورة أو الآية أرقى أو بمستوى هذه السورة أو الآية القرآنية؟ هل هو شيء آخر غير القرآن والدين؟ لو أنّ ملاكات الدين وهيبته وهيمنته وأدلته كانت من الوضوح بحيث تقنع جميع العقلاء بالدين والتديّن لما بقي على الأرض أحد إلا وكان مسلماً. إنني أرى الدين في الإيمان والتسليم تجاه إشاراته. وطبعاً إنّ للدين ولياً هو بالنسبة لي إمام ذلك الدين. وأنا لن أتقدّم على هذا الإمام خطوة واحدة، فإنّ ديني هو دين ذلك الإمام لا غير. ولو أنني كنت أعيش في عصر الإمام علي لكان ديني هو دينه، دون غيره، ولَدِنْتَ بجميع أحكامه السياسية. ولو أنني ذهبت إلى غير رأيه لما أمكنني أن أنتسب له، وأدَّعي أنني من شيعته. وأتصور أنني تحدثت حتى الآن بشكل صريح وواضح.

 

نظريتا القبض والبسط والتجربة النبوية وعلاقتها بنظرية الإمامة والخاتمية ــــــ

أضيف شيئاً آخر وهو أنه باعتقادي يكمن القلب النابض لنظرية الدكتور سروش في القبض والبسط، وحتى بسط التجربة النبوية. إنّ من التبعات المترتبة على نظريات الدكتور سروش هو أنه يلزم منها أن يكون هناك على الدوام إمام حاضر وموجود؛ كي يبين الدين ويفسِّره بحسب المقتضيات الزمانية. وإن المكان الخالي لذلك الإمام الحاضر والموجود ـ في عقيدة الشيعة الاثني عشرية ـ كأنه يملأ بنظريات الدكتور سروش ـ وربما يملأها بنفسه ـ. وعلى الرغم من أن عموم مدعيات الدكتور سروش في «القبض والبسط في التجربة النبوية» تروقني، كما أنها تؤيِّد معتقداتي الدينية والقلبية، لا أتصور سهولة هضم تبعاتها واستيعابها بالنسبة إلى الآخرين. فلربما لا يمتلك الآخرون قابليتي وسعة ظرفيتي، فكيف يكون الشأن؟ يتعيّن على الدكتور سروش قطعاً أن يضيف توضيحات جديدة على كلامه، فإن ذلك الكلام من وجهة نظري ليس له معنى سوى نسف التشيّع. فما هو البديل الذي يقترحه الدكتور سروش؟ وإلى أي حدّ سيلقى هذا البديل في تصوره قبولاً وترحيباً؟

الكلمة الأخيرة: مَنْ قال: إنّ نوع الديمقراطية الخاصة التي يقدمها الدكتور سروش في قبال نظرية الشيعة في الإمامة هي كعبة آمالنا السياسية؟ ربما أمكن لهذا النوع من الديمقراطية أن يضيِّق الخناق على السلطة الراهنة في إيران، ولكن هَبْ أنّ هذه السلطة قد زالت فكيف سيكون تكليفنا في المستقبل مع هذه الديمقراطية التي استهدفت ـ كما يقول الدكتور سروش نفسه ـ صدر التشيع؟!

(*) باحث في العلوم السياسية.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً