أحدث المقالات

د. الشيخ عصري الباني([1])

كتب لي ـ أحد أصحاب الشبهات التي تقدم ذكرها في المقالتين السابقتين الذي فندت فيها شبهاته ـ تعليقا قال فيه ما نصه: «انتم تركتم الناس الثائرة وتبحثون في هذه المسائل التافهة». فأجبته: «أن تكون ثائراً عالماً خير من أن تكون ثائراً مضللاً». فالتوعية والإرشاد والتنبيه إلى الأضاليل التي ينشرها الخط الديني ـ من حيث يعلم او لا يعلم ـ، وأيضاً الخط غير الديني ـ إلحادياً كان أو علمانياً ـ، أمر ضروري فكلاهما ينخر في الجسد الثقافي لأبناء الأمة.

فالخط الديني ترك الأهداف السامية التي جاء بها الدين الحنيف والتي تتمثل في:

ا ـ الارتفاع بمكارم الأخلاق اقتداءً بسيرة نبينا الأعظم(ص) الذي مدحه القرآن فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: 4)، وقال تعالى حاثّاً على الاقتداء بسيرته العطرة: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ (الأحزاب: 21). فتركوا هذا الأصل الأصيل في الإسلام وتمسكوا بالقشور من العبادات والشعائر التي لا تزيدهم من الله إلا بعداً.

ب ـ نشر العدل والمساواة قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل: 90)، فوجدناهم بعد أن تسلموا السلطة مفسدين سراق أهلكوا الحرث والنسل وقد قال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (القصص: 77).

واما الطرف الاخر فنجدهم يستغلون فشل الإسلاميين بالهجوم على الإسلام لأسباب:

1ـ الأغراض السياسية: لكي يأخذوا مكان الإسلاميين ناسين أو متناسين أنهم حكموا منذ بدايات البشرية وإلى اليوم ولم نر منهم خيراً لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل.

2ـ العمالة للخارج: الذي يوظفهم لهكذا هدف لأنهم يعلمون بأن الدين الإسلامي الأصيل الخالي من التحريف ـ الذي نحاربه ـ هو عقبة امام اطماعهم، وهذه مذكرات ووثائق الدول الغربية تحدثك عن الكم الهائل من هؤلاء الذين وظفتهم القوى الاستعمارية لإبعاد الناس عن دينهم ليسهل السيطرة عليهم.

3ـ المرض القلبي: فمع أن الإسلام كدين لم يحدث لهؤلاء أي ضرر فقد كانوا وما زالوا أحراراً يفعلون المحرمات في المجتمع الإسلامي علانية ويتركون الواجبات ـ فلا يشاركون في جمعة ولا جماعة ولا عيد ولا يصومون شهر رمضان… ويشتمون الله والائمة ـ بمناسبة وغير مناسبة ـ ويؤسسون الأحزاب والجمعيات… من دون أن يتعرض لهم أحد ولكنهم، مع ذلك يستهدفون الإسلام ويحرضون عليه ويسممون الشباب الجدد بفكرهم الإلحادي لا لشيء إلا هذا المرض العضال الذي عبر عنه تعالى بقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ (الحجّ: 3 ـ 4). فالإنسان، أي انسان، لا يخلو أن يكون واحدا من اثنين:

1ـ عالم وهو لا يخلو إما أن يكون منصفاً، وإما منحرفاً، والعالم المنصف هو الذي يقول ما يعلم، ويسكت عما لا يعلم.

2ـ جاهل وقد حدد اللَّه سبحانه وظيفة الجاهل بقوله: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ (الأنبياء: 7).

فإن تجاوز الجاهل وظيفته هذه صدق عليه قول الإمام علي(ع): «جاهل خبّاط جهالات عاش ركَّاب عشوات… لا يحسب العلم في شيء مما أنكره، ولا يرى أن وراء ما بلغ مذهبا لغيره»([2]). فلكثرة أغلاطه التي يقع فيها في القضايا والأحكام يمشي فيها على غير طريق الحقّ من القوانين، لان به عشاوة وسوء بصر فهو كثير الركوب على الأمور الملتبسة المظلمة فإذا غلب على ظنّه حكم في القضيّة جزم به، وربّما كان لغيره في المسألة قول أظهر من قوله يعضده دليل فلا يعتبره ويمضي على ما بلغ فهمه إليه كونه إن أظلم عليه أمراً اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه.

وهذا الجاهل هو المقصود فهو يجهل الطريق إلى العلم باللَّه، ومع ذلك يجادل فيه، انه يريد بمنطقه هذا أن يفسر غير المادة بالمادة، وان يرى بالعين والبصر من لا يدرك إلا بالعقل والبصيرة، ولا فرق بين هذا وبين من حاول أن يختبر موهبته الشعرية في قيادة السيارة.

مازال كلامنا حول جواب الشبهة الخامسة والتي كانت: «ان النبي الاعظم(ص) والمسلمين سراق سرقوا أموال اليهود وأخرجوهم من ديارهم بأعذار واهية وقتلوا بنو قريظة ظلما وعدوانا وغزو خيبر وهي عبارة عن حجارة نصبها اليهود المساكين وعليه فما قام به علي(ع) ليس انجازا فهو قاطع طريق سطى على اناس مسالمين فقتلهم وسبى نسائهم واستولى على أموالهم». وقد تقدم الكلام في القسم الأول والثاني حول موقف النبي(ص) من يهود قينقاع والنضير وقريظة ووصل الكلام إلى خيبر فادعى محاوري بأن خيبر اناس فقراء مسالمون هجم عليهم محمد لينهب أموالهم وهو بذلك يتهم النبي بانه قاطع طريق يهجم على الناس ويسلبهم اراضيهم، وأيضاً أنكر ضمنياً فضيلة علي(ع) في فتحه لخيبر وما جرى عليه من بطولات في تلك الغزوة.

وفي معرض الرد على افتراءاته ـ الناشئة من قلة اطلاعه على كتب التاريخ والسيرة ـ نقول: كانت خيبر من أعظم وأكبر التجمعات اليهودية في الجزيرة، حتى أنها أصبحت قلعة حقيقية ففيها المال وفيها الرجال، وقد تابع يهود خيبر بقلق بالغ أنباء مواجهات الرسول مع يهود بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، وتأثروا بما أصابهم، وتعاطفوا معهم حتى صارت خيبر ملجأ للكثير من اليهود، واستقطبت بخيراتها وأموالها عواطف الكثير من أبناء القبائل العربية المحتاجة الطامعة بأي شيء، مما حوَّلها مع الأيام إلى قاعدة لمن يتربصون الدوائر بالنبي وآله ومن والاه، وصارت أعظم خطر يهدد الإسلام وعليه فلا بُدَّ من القضاء على هذا الخطر في اقرب فرصة ممكنة ولكن الظروف لم تكن مساعدة.

وقد أدرك يهود خيبر ومن لجأ إليهم وتحالف معهم، أن المواجهة مع محمد ومن والاه قدر محتوم لا مفر منه، وقد أرعبتهم مواجهات محمد السابقة مع خصومه، لذلك فهم يخشون فكرة شن هجوم عليه، مما فرض عليه فرضاً أن يبقوا بحالة ترقب وقلق حتى يأتي محمد ومن والاه لحربهم، فيحاربونه حرباً دفاعية وهم في حصونهم.

واستعداداً لتلك المواجهة الحاسمة رمموا حصونهم وأصلحوها، واستوردوا السلاح وصنعوه، ووسعوا دائرة تحالفاتهم مع القبائل، خاصة مع قبيلة غطفان وزعيمها عيينة بن حصن، ويقال إنهم جندوا عشرة آلاف مقاتل يتم استعراضهم يومياً، وقدروا أنهم بهذه العدة والعدد سيكونون أول من يلحق هزيمة ساحقة بمحمد وآله ومن والاه، ومن هنا فقد أيقنوا بأن محمداً قادم إليهم لا محالة، وترقبوا كل يوم قدومه ليواجهوه بما لا قبل له به!.

وقد سنحت الفرصة للقضاء على هذا الخطر بعد أن فتح الله على نبيه في صلح الحديبية ذلك الفتح المبين، وحقق انتصاره السياسي، وخلت بطون قريش بينه وبين العرب، واعترفت به وهي عدوته اللدودة، واعترفت بحقه باستقطاب العرب حوله.

عندئذ قدر النبي(ص) أن الفرصة ملائمة لمواجهة أخطر وأقوى ما تبقى من خصومه وهم يهود خيبر. وبعد إتمام الاستعدادات وفي شهر صفر من السنة السابعة للهجرة، زحف النبي نحو خيبر.

القران الكريم يؤرِّخ لغزوة خيبر

قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أموالنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إلى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إلا قَلِيلاً﴾ (الفتح: 11 ـ 15).

أخبر سبحانه عمن تخلف عن نبيه(ص) وسلم فقال: (سيقول لك المخلفون من الأعراب) أي الذين تخلفوا عن صحبتك في وجهتك وعمرتك، وذلك أنه لما أراد المسير إلى مكة، عام الحديبية، معتمراً، وكان في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة، استنفر من حول المدينة إلى الخروج معه، وهم: غفار وأسلم ومزينة وجهينة وأشجع والدئل، حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب، أو بصدّ. وأحرم بالعمرة، وساق معه الهدي، ليعلم الناس أنه لا يريد حرباً. فتثاقل عنه كثير من الاعراب، فقالوا: نذهب معه إلى قوم قد جاؤوه فقتلوا أصحابه فتخلفوا عنه واعتلوا بالشغل، فقال سبحانه: إنهم يقولون لك إذا انصرفت إليهم فعاتبتهم على التخلف عنك (شغلتنا أموالنا وأهلونا) عن الخروج معك (فاستغفر لنا) في قعودنا عنك. فكذبهم على الله تعالى فقال. (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) كذبهم في اعتذارهم بما أخبر عن ضمائرهم وأسرارهم أي: لا يبالون استغفر لهم النبي(ص) أم لا. (قل) يا محمد (فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعاً) أي فمن يمنعكم من عذاب الله، إن أراد بكم سوءا ونفعا أي: غنيمة، وذلك أنهم ظنوا عن تخلفهم عن النبي(ص) وسلم يدفع عنهم الضر، أو يعجل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم، فأخبرهم سبحانه أنه إن أراد شيئا من ذلك، لم يقدر أحد على دفعه عنهم (بل كان الله بما تعملون خبيراً) أي عالماً بما كنتم تعملون في تخلفكم (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً) أي ظننتم أنهم لا يرجعون إلى من خلفوا بالمدينة من الأهل والأولاد، لأن العدو يستأصلهم ويصطليهم (وزين ذلك في قلوبكم) أي زين الشيطان ذلك الظن في قلوبكم، وسوله لكم. (وظننتم ظن السوء) في هلاك النبي(ص) والمؤمنين، وكل هذا من الغيب الذي لا يطلع عليه أحد إلا الله، فصار معجزا لنبينا(ص). (وكنتم قوما بوراً) أي هلكى لا تصلحون لخير ثم قال: (سيقول) لك (المخلفون) يعني هؤلاء (إذا انطلقتم) أيها المؤمنون (إلى مغانم لتأخذوها) يعني غنائم خيبر (ذرونا نتبعكم) أي اتركونا نجئ معكم، وذلك أنهم لما انصرفوا من عام الحديبية بالصلح، وعدهم الله سبحانه فتح خيبر، وخص بغنائمها من شهد الحديبية. فلما انطلقوا إليها قال هؤلاء المخلفون: ذرونا نتبعكم. فقال سبحانه: (يريدون أن يبدلوا كلام الله) أي مواعيد الله لأهل الحديبية بغنيمة خيبر خاصة. أرادوا تغيير ذلك بان يشاركوهم فيها. (قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل) أي: قال الله بالحديبية قبل خيبر. وقبل مرجعنا إليكم: إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية، لا يشركهم فيها غيرهم. ثم قال: (فسيقولون بل تحسدوننا) أي فسيقول المخلفون عن الحديبية لكم إذا قلتم هذا لم يأمركم الله تعالى به، بل أنتم تحسدوننا أن نشارككم في الغنيمة. فقال سبحانه ليس الأمر على ما قالوه: (بل كانوا لا يفقهون) الحق، وما تدعونهم إليه (إلا قليلاً) أي إلا فقهاً قليلاً([3]).

وقال تعالى: ﴿فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾ (الفتح: 18 ـ 20).

 (فأنزل السكينة عليهم) وهي اللطف القوي لقلوبهم والطمأنينة (وأثابهم فتحاً قريباً) يعني فتح خيبر، (ومغانم كثيرة يأخذونها) يعني غنائم خيبر، فإنها كانت مشهورة بكثرة الأموال والعقار. (وكان الله عزيزا) أي غالبا على أمره (حكيماً) في أفعاله، ولذلك أمر بالصلح وحكم للمسلمين بالغنيمة، ولأهل خيبر بالهزيمة. ثم ذكر سبحانه سائر الغنائم التي يأخذونها فيما يأتي من الزمان، فقال: (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها) مع النبي(ص) ومن بعده إلى يوم القيامة (فعجل لكم هذه) يعني غنيمة خيبر (وكف أيدي الناس عنكم) وذلك أن النبي(ص) لما قصد خيبر، وحاصر أهلها، همت قبائل من أسد وغطفان أن يغيروا على أموال المسلمين وعيالهم بالمدينة، فكف الله أيديهم عنهم بإلقاء الرعب في قلوبهم. وقيل: إن مالك بن عوف، وعيينة بن حصين، مع بني أسد وغطفان، جاؤوا لنصرة اليهود من خيبر، فقذف الله الرعب في قلوبهم، وانصرفوا. (ولتكون) الغنيمة التي عجلها لهم (آية للمؤمنين) على صدقك، حيث وعدهم أن يصيبوها، فوقع المخبر على وفق الخبر. (ويهديكم صراطاً مستقيماً) أي ويزيدكم هدى بالتصديق بمحمد(ص)، وما جاء به مما ترون من عدة الله في القرآن بالفتح والغنيمة([4]).

وعليه فإن ما ذكره صاحب الشبهة من أن سيرة النبي(ص) كتبت بعد مئة سنة وهي محرفة ناشئ عن جهل بل إن الأحداث ذكرت مفصلة في القرآن الكريم.

وكان أهل خيبر يتوقعون وصول النبي(ص)، لكنه فاجأهم فجاء من جهة لا يتوقعون مجيئه منها، فرآه بعض المزارعين فقالوا: محمد والخميس وأدبروا هرباً! فقال(ص) ورفع يديه: الله أكبر، خربت خيبر! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين. كما قالها عند محاصرة بني قريظة([5]).

نداء النبي(ص) بالأمان لأهل خيبر وإصرارهم على الحرب

عن الضحاك الأنصاري قال: لما سار النبي(ص) إلى خيبر جعل علياً على مقدمته فقال(ص): من دخل النخل فهو آمن([6]).

فتح علي (عليه السلام) كل حصون خيبر

كانت خيبر ثلاث مناطق: النَّطَاهْ بفتح النون المشددة وسكون الهاء، وفيها ثلاثة حصون ـ لا كما ادعى صاحب الشبهة انها كانت احجار جمعوها ـ : حصن ناعم، وحصن الصعب، وحصن قلة. وتتصل بها منطقة الشق وفيها حصن أبيّ، وحصن البرئ. وعلى بعد كيلو مترات منها منطقة الكتيبة، وفيها واد فيه أربعون ألف نخلة وعلى جبلها ثلاثة حصون: حصن القموص، والسلالم، والوطيح. وأن النبي(ص) ألبس علياً رضي الله عنه درعه الحديد وأعطاه الراية وبدأ النبي بحصن ناعم في النطاة، ففتحه بعد بضعة أيام. ثم حاصر حصن الصعب أياماً، ثم فتح بقية الحصون في مدة قليلة. ثم ترك علياً[ع] في منطقة النطاة والشق، واتجه إلى الكتيبة فحاصر حصنها (القموص) وهو حصن خيبر الأكبر، وطالت محاصرته له بضعة وعشرين يوماً([7])!.

نستنتج مما تقدم:

1ـ ان اليهود لم يكونوا مساكين اذ صمدوا لمدة شهرين تحت الحصار.

2ـ انهم كانوا في حصون ـ لا احجار ـ .

3ـ انهم كانوا متهيئين للحرب واحد هذه الحصون استمر حصاره بضعة وعشرين يوماً.

وكان النبي(ص) يصلي بالمسلمين كل يوم صلاة الفجر ثم يصطفُّون ثم يذهبون لمهاجمة الحصن، فيقطعون التلال حتى يصلوا إلى قرب الخندق في مواجهة الحصن. وكان اليهود يتخذون مواقعهم في أبراج الحصن وعلى سطوحه، ويرمون المسلمين بالسهام والأحجار، فيحمي المسلمون أنفسهم منها، أو يرمونهم بالسهام، ويحاولون أن يتقدموا فلا يستطيعون، فيرجعون بدون نتيجة! ومع الأيام ضعفت معنويات المسلمين وقويت معنويات اليهود، فصار بطلهم مرحب وفرسانه يخرجون من الحصن، ويتحدون المسلمين أن يعبروا إليهم! فينهزم المسلمون عنهم، ويرجع اليهود منتصرين! وكان النبي(ص) أبقى علياً(ع) في المنطقة التي فتحها (النطاة والشق)، وكان يعطي الراية لوجهاء أصحابه، فيوماً لسعد بن عبادة، ويوماً للزبير، ويوماً لطلحة، ويوماً لسعد بن أبي وقاص، ويوماً لأبي بكر، ويوماً لعمر بن الخطاب.. وقد جرب بعضهم قيادة المسلمين لأكثر من يوم كما روي في عمر، وكان الجميع يرجعون منهزمين! ولم يجرؤوا على العبور إلى مرحب لمبارزته! ولذا قال النبي(ص) لعلي(ع): (يا علي اكفني مرحباً) ([8]).

وهنا يأتي سؤال: لماذا أبقى(ص) علياً(ع) في منطقته ولم يبعثه إلى فتح حصن مرحب من اول يوم؟.

وجوابه: إن الحكمة من ذلك أن يثبت للمسلمين أن علياً[ع] صاحب الفتح، وأنهم بدونه لا يستطيعون تحقيق النصر ولا مواجهة مرحب وفرسانه!

وبعد أن صارت هزيمة المسلمين شبه يومية، وزادت غطرسة مرحب وفرسانه، ولم يجرؤ أحد من المسلمين على اقتحام الخندق نحو الحصن، غضب النبي(ص)، وروي أن بعض المسلمين طلبوا منه أن يرسل لإحضار علي(ع). فعن سعد بن أبي وقاص: «بعث رسول الله(ص) برايته إلى خيبر مع أبي بكر فردها، فبعث بها مع عمر فردها، فغضب رسول الله(ص) وقال: لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، كراراً غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه! قال: فلما أصبحنا جثونا على الركب فلم نره يدعو أحداً منا، ثم نادى أين علي بن أبي طالب؟ فجئ به وهو أرمد، فتفل في عينه وأعطاه الراية، فقال(ص): اللهم أذهب عنه الرمد والحر والبرد وانصره على عدوه، فإنه عبدك يحبك ويحب رسولك، ثم دفع إليه الراية، فقال حسان بن ثابت: يا رسول الله أتأذن لي أن أقول فيه شعراً؟ فأذن له فقال:

وكان علي أرمد العين يبتغي * دواء فلما لم يحس مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلة * فبورك مرقياً وبورك راقيا

وقال سأعطي الراية اليوم ماضيا * كميّاً محبّاً للرسول مواليا

يحب إلهي والرسول يحبه * به يفتح الله الحصون الأوابيا

فأصفى بها دون البرية كلها * عليّاً وسماه الوزير المؤاخيا

ففتح الله على يديه ([9]).

و قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ! قال فتساورت لها رجاء أن أدعى لها! قال: فدعا رسول الله علي بن أبي طالب فأعطاه إياها، فقال: امْشِ ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك! قال: فسار عليٌّ شيئاً ثم وقف ولم يلتفت فصرخ، قال: يا رسول الله على ماذا أقاتل؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله([10]).

فخرج مرحب يخطر بسيفه فقال:

قد علمت خيبر أني مرحبُ * شاكي السلاح بطلٌ مجربُ

إذا الحروب أقبلت تلهَّب

فقال علي بن أبي طالب(ع):

أنا الذي سمتني أمي حيدرة * كليث غابات كريه المنظرة

أوفيهمُ بالصاع كَيْلَ السنَّدرة

فضربه علي على هامته حتى عض السيف منها بأضراسه! وسمع أهل العسكر صوت ضربته! فما تتام آخر الناس مع علي حتى فتح الله له ولهم([11]).

النتيجة: لم تكن حرب النبي لليهود من اجل سلب مالهم كما يفعل المجرمون من الحكام وقطاع الطرق ـ كما اتهم صاحب الشبهة بذلك النبي(ص) وعلي(ع) ـ بل كانت ردّة فعل على أفعالهم وأنشطة ضد المسلمين وهي:

1ـ أنهم شبَّهوا على العوام واستمالوا الضعفة، ومالأوا الأعداء والحسدة، ثم جاوزوا الطعن وإدخال الشبهة.

2ـ طرح الأسئلة الامتحانية على النبي(ص) بهدف تعجيزه! ويلاحظ أن هذه المحاولات كانت تبذل من قبل مختلف قبائل اليهود.

3ـ لما فشلوا في محاولاتهم محاربة الإسلام على صعيد الفكر، اتجهوا نحو أسلوب الضغط الاقتصادي على المسلمين فيذكرون أن رجالاً من أهل الجاهلية باعوا يهوداً بضاعة ثم أسلموا وطلبوا من اليهود دفع الثمن فقالوا: ليس علينا أمانة، ولا قضاء عندنا، لأنكم تركتم دينكم الذي كنتم عليه! وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم! فجاء في الآية المباركة الرد عليهم: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (آل عمران: 75).

4ـ ممالأة أعداء الإسلام ومساعدتهم بكل ما أمكنهم، ولو بالتجسس.

5ـ محاربة الإسلام عن طريق إثارة الفتن بين المسلمين، ولا سيما بين الأوس والخزرج، كقضية شاس بن قيس.

6ـ تآمرهم على حياة النبي(ص) وتحريضهم الناس عليه.

7ـ محاولات إثارة البلبلة وتشويش الأوضاع، بإشاعة الأكاذيب وتخويف ضعاف النفوس من المسلمين.

8ـ تآمرهم مع المنافقين على الإسلام ومكرهم معهم بالمسلمين، ثم علاقاتهم المشبوهة مع قريش وممالأتهم إياها على حرب الرسول(ص).

9ـ تآمرهم ومكرهم لمنع المسلمين من الخروج للحرب، وكانوا يجتمعون في بيت سويلم اليهودي لأجل تثبيط الناس عن الرسول(ص). ولقد صبر الرسول الأعظم على مخالفاتهم الكبيرة تلك، تفادياً لحرب أهلية قاسية في مقره الجديد. حتى طفح الكيل وبلغ السيل الزبى.

ملاحظة: هناك مئات المصادر لم اذكرها لضيق المجال وهذه الوقائع من المسلمات التاريخية والحديثية.

الشبهة السادسة: محمد يبغض عليّاً!

ما زال مسلسل حقد أصحاب الشبهات ـ على الإسلام ومحمد والأئمة ـ مستمراً فأطلقوا شبهة هي ليست بجديدة إذ أطلقها المنافقون ضده في زمان حياة النبي(ص) فقال: «إن محمداً كان يبغض علياً فتركه في المدينة كارهاً لرفقته في وقعة تبوك فجاءه يبكي بعد أن عيَّره الناس».

وفي معرض الجواب أقول لأصحاب الشبهة: لقد اتخذ المنافقون من أمة محمد(ص) بعد موت سعد بن معاذ، أبا عامر الراهب، اتخذوه أميرا ورئيسا، وبايعوا له. وأن رسول الله(ص) كان تأتيه الأخبار عن صاحب دومة الجندل ـ وكانت تلك النواحي مملكة عظيمة مما يلي الشام ـ وكان يهدد رسول الله(ص) بأن يقصده ويقتل أصحابه، وكان أصحاب رسول الله(ص) خائفين وجلين من قبله، حتى كانوا يتناوبون على رسول الله(ص) كل يوم عشرون منهم، كلما صاح صائح ظنوا أن قد طلع أوائل رجاله وأصحابه، وأكثر المنافقون الأراجيف والأكاذيب، وجعلوا يتخللون أصحاب محمد(ص)، ويقولون: إن « أكيدر» قد أعد لكم من الرجال كذا، ومن الكراع كذا، ومن المال كذا وقد نادى ـ فيما يليه من ولايته ـ إلا قد أبحتكم النهب والغارة في المدينة. ثم يوسوسون إلى ضعفاء المسلمين يقولون لهم: وأين يقع أصحاب محمد من أصحاب أكيدر؟ يوشك أن يقصد المدينة، فيقتل رجالها، ويسبي ذراريها ونساءها. حتى آذى ذلك قلوب المؤمنين، فشكوا إلى رسول الله(ص) ما هم عليه من الجزع. وكاتب المنافقون أكيدر في دومة الجندل ليقصد المدينة ليكونوا هم عليه، وهو يقصدهم فيقضوا عليه. فأمر النبي(ص) بالمسير إلى تبوك. وكان رسول الله(ص) كلما أراد غزواً ورى بغيره، إلا غزاة تبوك، فإنه أظهر ما كان يريده، وأمرهم أن يتزوّدوا لها، وهي الغزاة التي افتضح فيها المنافقون، وذمهم الله في تثبيطهم عنها، وأظهر رسول الله(ص) ما أوحى الله تعالى إليه أن الله سيظهره باكيدر حتى يأخذه، ويصالحه على ألف أوقية ذهب في صفر، وألف أوقيته ذهب في رجب، ومائتي حلة في رجب، ومائتي حلة في صفر، وقال لهم رسول الله(ص): إن موسى وعد قومه أربعين ليلة، وإني أعدكم ثمانين ليلة، أرجع سالماً غانماً ظافراً بلا حرب تكون، ولا أحد يستأسر من المؤمنين. فقال المنافقون: لا والله، ولكنها آخر كراته التي لا ينجبر بعدها، وإن أصحابه ليموت بعضهم في هذا الحر، ورياح البوادي، ومياه المواضع المؤذية الفاسدة ومن سلم من ذلك فبين أسير في يد أكيدر، وقتيل وجريح. فتواطأ منافقو المدينة على:

1ـ انهاب المدينة، وسبي ذراري رسول الله وسائر أهله وصحابته.

2ـ دبروا التبييت على محمد(ص) ليقتلوه.

واستأذنه المنافقون بعلل ذكروها: بعضهم يعتل بالحر، وبعضهم بمرض جسده وبعضهم بمرض عياله، فكان رسول الله(ص) يأذن لهم. فلما صح عزم رسول الله(ص) على الرحلة إلى تبوك، عمد هؤلاء المنافقون فبنوا خارج المدينة مسجداً، وهو مسجد ضرار، يريدون الاجتماع فيه، ويوهمون أنه للصلاة، وإنما كان ليجتمعوا فيه لعلة الصلاة فيتم تدبيرهم، ويقع هناك ما يسهل لهم به ما يريدون. ثم جاء جماعة منهم إلى رسول الله(ص) وقالوا: يا رسول الله إن بيوتنا قاصية عن مسجدك، وإنا نكره الصلاة في غير جماعة، ويصعب علينا الحضور، وقد بنينا مسجداً، فان رأيت أن تقصده وتصلي فيه لنتيمن ونتبرك بالصلاة في موضع مصلاك، فقال(ص): أنا على جناح سفر، فأمهلوا حتى أرجع ـ إن شاء الله ـ ثم أنظر في هذا نظراً يرضاه الله تعالى. وجد في العزم على الخروج إلى تبوك، وعزم المنافقون على قتل مخلفيهم إذا خرجوا. فأوحى الله تعالى إليه: يا محمد إن العلي الاعلى يقرأ عليك السلام ويقول: إما أن تخرج أنت ويقيم علي، وإما أن يخرج علي وتقيم أنت. فقال رسول الله(ص): ذاك لعلي، فقال علي(ع): السمع والطاعة لأمر الله تعالى وأمر رسوله، وإن كنت أحب أن لا أتخلف عن رسول الله(ص) في حالٍ من الأحوال. فقال رسول الله(ص): «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟»، قال(ع): رضيت يا رسول الله. فقال له رسول الله(ص): يا أبا الحسن إن لك أجر خروجك معي في مقامك بالمدينة وإن الله قد جعلك أمة وحدك كما جعل إبراهيم(ع) أمة، تمنع جماعة المنافقين والكفار هيبتك عن الحركة على المسلمين. فلما خرج رسول الله(ص) وشيعه علي(ع) خاض المنافقون ـ كما خاض اصحاب الشبهات المعاصرة ـ فقالوا: إنما خلفه محمد بالمدينة لبغضه له، ولملالته منه، وما أراد بذلك إلا أن يلقيه المنافقون فيقتلوه ويحاربوه فيهلكوه. فاتصل ذلك برسول الله(ص). فقال علي(ع): تسمع ما يقولون يا رسول الله؟ فقال رسول الله(ص): أما يكفيك أنك جلدة ما بين عيني ونور بصري، وكالروح في بدني. ثم سار رسول الله(ص) بأصحابه، وأقام علي(ع) بالمدينة، فكان كلما دبر المنافقون أن يوقعوا بالمسلمين، فزعوا من علي وخافوا أن يقوم معه عليهم من يدفعهم عن ذلك([12]).

فلم يكن ترك علي(ع) كرها له كرها له كما زعم اصحاب الشبهة بل لحماية المدينة من مؤامرة المنافقين.

القران الكريم يؤرخ لغزوة تبوك

وقد أشارت آيات القران الكريم إلى هذه الأحداث ـ لكي لا تقول أنها ألفت بعد 100 سنة ـ وهي:

1ـ ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ (التوبة: 29).

2ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إلا قَلِيلٌ إلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأموالكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأموالهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي إلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إلا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إلا وَهُمْ كَارِهُونَ فَلَا تُعْجِبْكَ أموالهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إلى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾ ( التوبة: 38 ـ 59).

3ـ قوله سبحانه: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أموالاً وَأَوْلَاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسلامهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ (التوبة: 61 ـ 74).

4ـ قال تعالى: ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأموالهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إلى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ وَلَا تُعْجِبْكَ أموالهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأموالهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً إلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ إلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ إلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآَخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ خُذْ مِنْ أموالهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأموالهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِياً إلا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾ (التوبة: 81 ـ 121).

الشبهة السابعة: أزواج النبيّ(ص)

من الأمور التي يشنع بها اعداء الإسلام على رسول الله(ص) هو موضوع أزواجه، وهذه قضية امتدت من قبل النبوة واستمرت من خلال المشركين والمنافقين، ثم استثمرها بنو امية لمدة 100 سنة من حكمهم المطلق للمسلمين، وهكذا يعمل عليها أعداء الإسلام من ذلك الزمان وإلى يومنا للهجوم على شخص النبي(ص) والإسلام.

وقد تعددت هذه الشبهات حول هذه المسالة من إلقاء الشبهات حول زواجه من خديجة ـ والتي تحدثنا عنها في مقال سابق ـ وصولاً إلى اتهام عرضه(ص) بالزنا… فهي من أساليب الحرب النفسية ضد النبي(ص) في زمان حياته وضد المسلمين والإسلام من بعده.

وهم ـ يعيدون ويصقلون ـ بهذه الشبهات الواهية إذ ليس عندهم شيء لنقض الإسلام ودعائم أحكامه وعقائده وأفكاره التي تدعو إلى المساواة والعدل والتسامح وإقامة الحق والعدل وأحكام العقل وترك التقليد الأعمى… فيعمدون إلى هذه الاساليب البائسة.

والملاحظ ان القران لم يخف هذه الشبهات بل ذكرها واجاب عليها ولم يعاقب من أطلقها من المنافقين، وهو أرقى أنواع الحرية وفي إبداء الرأي التي أسسها ودعا إليها وطبقها النبي(ص) ووصيه الإمام علي(ع).

لقد طرح أصحاب الشبهات شبهة زواج النبي(ص) من زينب بنت جحش واتهموا النبي(ص) بتهمتين:

1ـ إنه نظر إلى زوجة ابنه بنظرة شهوة.

2ـ إنه أمر زيداً بتطليق زوجته ليتزوجها هو فتزوج زوجة ابنه.

وفي معرض الجواب نقول على هذه الشبهة اقول:

لقد ذكر القران الكريم هذه القضية في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً. وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ الله وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَالله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً. مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ الله فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَّقْدُوراً﴾ (الأحزاب: 36 ـ 40).

ولا أطيل في النقاش مع أصحاب الشبهة الذين تبنوا رأي المنافقين وقصتهم بدون ذكر أي مصدر ـ لأنه كما تبين من المقالات السابقة يتبنون الآراء من خلال السماع أولاً، وانه مؤدلجون فهدفهم ليس الحقيقة بل مجرد الطعن في الإسلام والنبي والأئمة ـ بل أكتفي بذكر القصة الصحيحة والتي تتناسب وعظمة وأخلاق الشخصية الإنسانية والإلهية العظيمة لنبينا الأعظم(ص) فإن النبي(ص) خطبها لزيد بن حارثة، فلما علمت أنه يخطبها لزيد أبت وترفعت عليه بنسبها وجمالها، وتابعها على ذلك أخوها عبد الله، وقالت لرسول الله(ص): «أنا ابنة عمتك! يا رسول الله فلا أرضاه لنفسي أو فلم أكن لأفعل! قال رسول الله(ص): إني قد رضيته لك، فأنزل الله (عز وجل): ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾. فرضيت هي وأخوها بذلك وجعلت أمرها للنبي(ص)، فأنكحها زيداً ودخل بها، وساق لها رسول الله(ص) عشرة دنانير وستين درهماً وخماراً ودرعاً وإزاراً وملحفة وخمسين مداً من طعام، وثلاثين صاعاً من تمر فمكثت عند زيد ما شاء الله، قريباً من سنة أو فوقها، ثم وقعت الكراهية بينهما، فأتى زيد إلى رسول الله(ص) وقال له: إني أريد أن أفارق صاحبتي. فقال: ما لك أرابك منها شئ؟ قال: لا والله يا رسول الله، ما رأيت منها إلا خيراً، ولكنها تتعاظم عليَّ لشرفها وتؤذيني بلسانها. فقال له(ص): أمسك عليك زوجك واتق الله في أمرها فلما طلقها زيد تزوجها النبي(ص)»([13]).

وهنا عدّة ملاحظات:

أولاً: ان الآيات والرواية لا يوجد فيها شيء يشير إلى التهم التي اتهم بها أصحاب الشبهة النبي(ص)، فلا فيها أنه رأى زينب واعجب بها ولا انه امره بتطليقها.

ثانياً: أليس لنا أن نتساءل لماذا هذه الدورة فيزوجها لغلامه ثم يطلقها منه ثم يتزوجها. الم يكن الاحرى به ان يتزوجها من البداية فلماذا يختلق لنفسه مشكلة يستغلها أعدائه ضده؟!

ثالثاً: أراد النبي(ص) ان يلغي الطبقية التي كانت تحكم المجتمع آنذاك فزوج حفيدة سيد قريش والعرب بعبد ولذلك رفضت الزواج منه، الم يكن الأحرى بأصحاب الشبهة أن ينظر إلى هذه المسألة التي كانت ترفضها جميع الحضارات في ذلك الزمان بل في زماننا الحاضر أيضاً؟!.

رابعاً: اتهم أصحاب الشبهة النبي(ص) بانه تزوج من زوجة ابنه وهي مغالطة رهيبة فهو زيد بن حارثة معروف أبوه، هذا أولاً، وثانياً: إنه تزوجها بعد أن طلقها زوجها لأنها تتكبَّر عليه فما هو الضير والعيب في ذلك؟!.

خامساً: ادعى أصحاب الشبهة بانه نظر إلى زينب فأعجبته، هنا نسأله ألم يكن قد رآها من قبل آلاف المرات وهي ابنة عمته فكيف لم يكتشف جمالها إلا بعد أن تزوج زيد بها؟!.

سادساً: إن الحكمة من زواجه بها بينته الآية المباركة ويرتبط بحالة جاهلية كانت منتشرة وهي اعتبار الربيب ابن تترتب جميع أحكام الابن عليه فهو يرثه ولا يتزوج زوجته باعتبار أنها زوجة ابنه، وهو امر لا أساس له عقلي أو نقلي فان هذه الامور تترتب من خلال النسب أو السبب، وأما بمجرد التربية فهو أمر غير صحيح، فأراد الإسلام القضاء على هذه الظاهرة من خلال عمل النبي(ص) من خلال زواجه بطليقة ربيبه وبذلك قضى على هذه الظاهرة نهائياً: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً

سابعاً: اشار القران الكريم إلى أن هذا الامر ليس بجديد فقال: ﴿سُنَّةَ الله فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَّقْدُوراً﴾ أي كسنة الله في الأنبياء الماضين وطريقته وشريعته فيهم في زوال الحرج عنهم وعن أممهم بما أحل سبحانه لهم بحسب مقتضيات الزمان والمكان.

الشبهة الثامنة: الصحابة عطّالين بطّالين

لم يقتصر الاتهام على النبي(ص) والإمام علي(ع) بانهم عطالة بطالة بل اتهم الصحابة بشكل عام وأهل المدينة خصوصاً بأنهم عطالة بطالة قطاع طرق وأن اليهود هم الذين كانوا يعملون بالزراعة وأما المسلمون بشكل عام فلم يكونوا يعملون بل يسلبون وينهبون!

وفي جواب هذه الشبهة أقول:

أولاً: انك لو قرات القران ستجد فيه آيات الزكاة وقد ورد لفظ الزكاة في القرآن الكريم في ثمانية وخمسين مرة، وهي تجب في تسعة امور: الدراهم، والدنانير، والحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، والإبل، والبقر، والغنم. ولا زكاة في شيء سوى ذلك([14]).

وهذه تجب على المسلم الذي يباشر العمل في الزراعة لا على من يشتريها ويضعها في بيته فاذا كانوا (عطالة بطالة) فكيف يوجب عليهم الزكاة اليس هذا من العبث؟! وكان جماعة منهم يمتنعون من دفع الزكاة فكان يعاتبهم القران ويتوعدهم (إذ لا شيء في الإسلام اسمه جبر فمن يريد يدفع ومن لا يريد لا يدفع)، وهذا معناه أنهم يعملون في الزراعة ولكنهم لا يؤدون الزكاة. وأما اليهود فكان قينقاع صاغة والنضير وقريضة فكانت لهم أراضيهم الخاصة التي يزرعونها وقد أجلوا جميعاً من المدينة سنة 5 هـ فمن كان يعمل بدلهم في تلك المزارع والحقول؟!

ثانياً: إن سكان المدينة (يثرب) كانوا من المزارعين وكان عرب الجاهلية يذموهم لانهم يعملون بالزراعة فقد دعا يزيد الأخطل فقال اهج الأنصار فقال:

خلوا المكارم لستم من أهلها * وخذوا مساحيكم بني النجار([15]).

والمساحي: جمع مسحاة، وهي المجرفة من الحديد، والميم زائدة، لأنه من السحو: الكشف والازالة([16]). وبنو النَّجَّار: قبيلة من العرب؛ وبنو النَّجَّار: الأَنصار؛ قال حسان:

نَشَدْتُ بَني النَّجَّارِ أَفعالَ والِدي * إِذا العارُ لم يُوجَدْ له من يُوارِعُه([17]).

ثالثاً: إن الأنصار قحطانيون أي عرب اليمن التي يعمل أهلها في الزراعة والذين بنوا سدّ مأرب لأجل الزراعة ـ لا للسطو والسلب والنهب ـ وقد هاجروا إلى يثرب بعد خراب السد.

رابعاً: من حرص المسلمين على العمل والتجارة وتقديمهم لها على الجهاد (قطع الطرق) عاتبهم القران قائلاً: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأموال اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة: 24).

خامساً: لقد كانوا يقدمونها على الصلاة حتى عاتبهم القران قائلاً: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ (الجمعة: 11).

سادساً: إن جميع الصحابة ـ مهاجرين وانصار ـ كانوا يعملون ليمرروا معاشهم وهنا نذكر بعض الروايات:

 عن عبد الرحمن الأعرج قال سمعت أبا هريرة يقول ـ في معرض الجواب عن سؤال الناس لماذا الصحابة لا يروون الحديث وليس عندهم شيء من الفقه ـ: «…كان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم»([18]).

لا انهم ـ كما ادعى اصحاب الشبهة ـ (عطالة بطالة قطاع طرق)!

وعن عبيد بن عمير أن أبا موسى استأذن على عمر ثلاث مرات فلم يؤذن له فرجع فقال ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس آنفا قالوا بلى قال فاطلبوه قال فطلبوه فدعي فقال ما حملك على ما صنعت؟ قال استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت كنا نؤمر بهذا فقال لتأتين عليه بالبينة أو لأفعلن قال فأتى مسجداً أو مجلساً للأنصار فقالوا لا يشهد لك إلا أصغرنا فقام أبو سعيد الخدري فشهد له فقال عمر خفى هذا على من أمر رسول الله(ص) ألهاني عنه الصفق بالأسواق»([19]).

سابعاً: ان المهاجرين كان أول همهم بعد وصولهم للمدينة البحث عن العمل قال عبد الرحمن بن عوف لما قدمنا المدينة قلت هل من سوق فيه تجارة قال سوق قينقاع وقال أنس قال عبد الرحمن دلوني على السوق([20]).

فأول شيء سال عنه عبد الرحمن بن عوف هو السوق ليعمل لا عن القوافل من أين تمرّ ليهجم عليها وينهبها!

و كان عليّ بن أبي طالب يعمل بيده الشريفة، ويؤجر نفسه بتمرات، لاستخراج الماء من البئر لعمل الطين، عن فاطمة أن رسول الله(ص) أتاها يوماً فقال: أين ابناي يعني حسناً وحسيناً قالت: أصبحنا وليس في بيتنا شيءٌ يذوقه ذائق فقال علي أذهب بهما فإني أتخوف أن يبكيا عليك وليس عندك شيءٌ فذهب إلى فلان اليهودي فتوجه إليه النبي(ص) فوجدهما يلعبان في شربة بين أيديهما فضل من تمر فقال يا علي إلا تقلب مشهور قبل أن يشتدّ عليهما الحر فقال علي أصبحنا وليس في بيتنا شيء فلو جلست يا نبي الله حتى اجمع لفاطمة تمرات فجلس النبي(ص) حتى اجتمع لفاطمة شيء من تمر فجعله في صرته ثم أقبل فحمل النبي(ص) أحدهما وعلي الآخر حتى أقلبهما زينب بنت أبي رافع عن فاطمة([21]).

فوزير دفاع الدولة النبوية يعمل أجيراً عند يهودي أين تجد هذا في عالم اليوم؟ وأين ظلم المسلمين لليهود الذي كنتم تدعوه؟.

وكانت فاطمة ابنة النبي وحاكم الدولة تعمل بيدها حتى جرحت فلما فتح الله على النبي(ص) سألاه خادماً يعينهما على شؤون الحياة، فأبى أن يعطيهما ويترك أهل الصفة، عن الحكم قال سمعت ابن أبي ليلى قال حدثنا على أن فاطمة(ع) شكت ما تلقى من أثر الرحى فأتى النبي(ص) سبي فانطلقت فلم تجده فوجدت عائشة فأخبرتها فلما جاء النبي(ص) أخبرته عائشة بمجيء فاطمة فجاء النبي(ص) إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت لأقوم فقال على مكانكما فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمَيْه على صدري وقال ألا أعلمكما خيراً مما سألتماني إذا اخذتما مضاجعكما تكبِّرا أربعاً وثلاثين وتسبحا ثلاثاً وثلاثين وتحمدا ثلاثة وثلاثين فهو خيرٌ لكما من خادم([22]).

فهو يحثهما على العمل ويأمرهما ان يستعينا بالله على العمل، ويعطي ثمن الخادم للفقراء من المسلمين فاين تجد هكذا مثال عظيم في العدل والإيثار.

يقول الشاعر الإيراني سعدي ما معناه: «إنه مازال للحكاية بقية ولكن ماذا أفعل والمجال ضيق»، والا لألَّفت لك مجلدات حول عمل الصحابة وكيف كانت تسير الأمور الحياتية في الدولة النبوية ولكن ما ذكرته كافٍ للرد على شبهاتكم الواهية.

([1]) أستاذ التاريخ في مجمع الإمام الخميني للدراسات العليا في قم المقدّسة.

([2]) نهج البلاغة، الخطبة: 17.

([3]) تفسير مجمع البيان 9: 192.

([4]) المصدر السابق 9: 194.

([5]) الإرشاد 1: 110، تفسير القمي 2: 189.

([6]) الطبراني الكبير 8: 301، مجمع الزوائد 9: 126، أسد الغابة 3: 34.

([7]) السيرة الحلبية 2: 737، عون المعبود 8: 172.

([8]) الأمالي الطوسي: 4، الخرائج والجرئح 1: 217، تاريخ خليفة: 49.

([9]) الأمالي، المفيد: 56. رسائل المرتضى 4: 103.

([10]) صحيح مسلم 7: 121.

([11]) تاريخ الطبري 2: 300، مسند أحمد 4: 52.

([12]) تفسير الإمام العسكري(ع): 487.

([13]) تفسير جوامع الجامع، الشيخ الطبرسي 3: 66، معالم التنـزيل فى تفسير القرآن (تفسير البغوي) 3: 531، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (تفسير النسفي) 3:: 307، تفسير البحر المحيط، أبي حيان الأندلسي: 7:: 226، وغيرها لا مجال لذكرها لكثرتها.

([14]) جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: 119.

([15]) تاريخ مدينة دمشق 34: 298، أسد الغابة 3: 286، الأغاني، أبي الفرج الأصفهاني 15: 75، الشعر والشعراء، ابن قتيبة الدينوري 1: 474.

([16]) النهاية في غريب الحديث والأثر 2: 349.

([17]) لسان العرب 5: 195.

([18]) مسند أحمد 2: 240. صحيح البخاري 1: 38.

([19]) مسند أحمد 4: 400. صحيح البخاري 3: 7.

([20]) صحيح البخاري 3: 19.

([21]) المعجم الكبير 22: 423.

([22]) صحيح البخاري 4: 208.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً