أحدث المقالات

ترجمة: حيدر حب الله

القسم الثاني

دراسة أدلة شهادة النساء في الموضوعات الفقهية

الفصل الأول: أدلة شهادة النساء في غير الحدود

المبحث الأول: شهادة النساء في الدَّين والأمور المالية

بيان الموضوع

مسألة الدَّين من الموضوعات التي قبل الفقهاء فيها بشهادة النساء وأفتوا على وفقها، ورغم أن الآية 282 من سورة البقرة ـ وهي أحد أدلة الفقهاء ـ مرتبطة بالدَّين بمعناه الأخص، وهو القرض([1])، إلا أن كلمات الفقهاء اتخذت الدَّين هنا بمعناه العام، فالنراقي صاحب مستند الشيعة يفسّر الدين بمعناه العام ويقول: «المراد من الدين، وأنه مال متعلّق بالذمة لغةً وعرفاً، بأي سبب كان، وهو الدين بالمعنى العام»([2]).

وقد عنون الفقهاء العظام هذا البحث بعناوين مختلفة، فذكر بعضهم، مثل العلامة الحلي في «إرشاد الأذهان»: «وأما الديون والأموال»([3])، وفي بعض الكلمات الأخرى جاء: «ما يكون مالاً»([4])، فيما جعل بعضهم العنوان هو جملة «ما يكون ديناً»([5])، إلا أن أكثر الفقهاء عبروا: «ما يكون مالاً أو المقصود منه مالاً»([6])، وذكروا موضوعات مختلفة تحت هذه القاعدة، وحكموا بقبول شهادة المرأتين المنضمّة إلى الرجل الواحد.

أحد الفقهاء الذين جعلوا تمام الموارد مشمولةً لقاعدة «ما يكون مالاً أو المقصود منه المال» وذكروها بشكل كامل، كان المحقق أحمد الأردبيلي حيث يقول: «وهو في بعض العبارات ما يكون مالاً، وبعضها ما يكون ديناً، وفي الأكثر ما يكون مالاً أو المقصود منه مالاً… كالأعيان المغصوبة، والوديعة، والديون الثابتة في الذمم، قرضاً أو غيره، والعقود المالية مثل البيع والإقالة والردّ بالعيب والرهن والحوالة والضمان والصلح والقراض والشفعة والإجارة، والمزارعة والسبق والرماية والهبة والإبراء والوصية بالمال والإقرار به، والمهر في النكاح، والوطء بالشبهة والزنا، وإتلاف الأموال والجنايات الموجبة للمال كقتل الخطأ، وجنايات الصبيان، والمجانين، وقتل الحرّ العبد والمسلم الذمي والوالد الولد([7])، والسرقة لأخذ المال خاصة دون القطع، وكذلك الأمور المتعلّقة بالعقود والأموال كالخيار، والشرائط المتعلّقة بها مثل الأجل، والحلول ونحو ذلك… فتأمل في الأمثلة وضبطها»([8]).

ورغم أن المقدس الأردبيلي قد أمر بالتأمل في هذه الأمور وأنها مصداق لتلك الضابطة، وأمره بالتأمل فيها إشارةٌ إلى عدم الدليل ـ من نصّ وإجماع ـ على هذه القاعدة، كما أشار في موضع آخر: «فإن كانت هذه القاعدة منصوصة أو مجمعاً عليها يجب العمل بها، وإلا فلا، ولا أعرف شيئاً منهما»([9]).

الآراء والنظريات

لا اختلاف بين الفقهاء في قبول شهادة النساء في الجملة في باب الديون، بل قد صرّح بعضهم بعدم الاختلاف في ذلك، وهم ابن إدريس الحلي في السرائر([10])، والسبزواري في الكفاية([11])، وصاحب الرياض([12])، بل إن بعض الفقهاء من أمثال ابن زهرة([13])، والعلامة الحلي في «مختلف الشيعة»([14])، وابن إدريس في موضع من السرائر، كما ينقل صاحب الرياض([15])، ادعوا الإجماع على قبول شهادة النساء في الديون والأموال.

أدلة مساواة شهادة المرأتين للرجل الواحد في الديون والأموال

استدلّ ـ لإثبات هذه النظرية ـ بأربعة وجوه هي:

أ ـ الكتاب العزيز:قال تعالى:)..إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ.. وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ..((البقرة: 282).

ب ـ الأصل والقاعدة: أي الأصل والقاعدة القائمان على بناء العقلاء وإلغاء الخصوصية عن باب الشهادات، وإلغاء الخصوصية هنا يؤيَّد بعموم رواية عبد الكريم([16])وعمومات أدلّة الشهادة([17])، إلا أن المستدلين لم يحدّدوا مرادهم هنا بعمومات الأدلّة، لذا يحتمل في مقصودهم أربعة احتمالات هي: 1 ـ عموم الآية الكريمة: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ((البقرة: 282). 2 ـ عموم ما دلّ على لزوم أخذ الشاهد في باب القضاء. 3 ـ عموم أدلة حرمة كتمان الشهادة. 4 ـ عموم أدلّة وجوب الإظهار.

ج ـ السنّة (الروايات):

1 ـ رواية داوود بن الحصين عن أبي عبد الله(ع): فقلت: فأنى ذكر الله تعالى قوله: )فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ( فقال: «ذلك في الدين، إذا لم يكن رجلان، فرجل وامرأتان، ورجل واحد ويمين المدّعي، إذا لم يكن امرأتان، قضى بذلك رسول الله(ص) وأمير المؤمنين بعده عندكم»([18]).

2 ـ مرسلة يونس، قال: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان…»([19]).

3 ـ موثقة منصور بن حازم، قال: حدثني الثقة، عن أبي الحسن(ع) قال: «إذا شهد لصاحب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز»([20]).

وكيفية الاستدلال بهذه الروايات أنّه حيث كانت شهادة الرجل الواحد مثبتةً للحقّ إذا انضمّت إليها يمين المدّعي، فإن وضع كلمة «امرأتان» مكان الرجل الواحد سوف يعني أن شهادة المرأتين تساوي شهادة الرجل الواحد.

4 ـ روايات باب الحدود([21])، والوصية([22])، والإرث([23])، والديات([24]). وقد أوضحنا هذه المجموعة من الروايات وتحدّثنا عنها مفصلاً لدى التعرّض للأدلّة العامة لشهادة النساء; لذا نصرف النظر عن تكرار الحديث هنا.

د ـ الاجماع: فقد نقل الإجماع من بعض الفقهاء، مثل ابن إدريس([25])، وابن زهرة([26])، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار أن المسألة ورد فيها آية شريفة وروايات، لم يعد يمكن عدّ الإجماع دليلاً مستقلاً.

دراسة الأدلّة الدالة على عدم تساوي شهادة المرأة والرجل في الديون والأموال

نبحث الآن في تعداد الموارد التي يحتاج فيها إلى المرأة الشاهد في الأمور المالية، لنرى هل يمكن بالنظر إلى الآيات والروايات الواردة أن نقول بتساوي شهادة المرأة والرجل من حيث العدد في هذه الأمور أم لابدّ من ذكر تفسير آخر؟

أ ـ الكتاب الكريم

قال تعالى: )وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى((البقرة: 282)

1 ـ كيفية الاستدلال

عندما يريد الرجال أن يقدّموا شهادةً في الشؤون المالية فإنه يكفي ـ طبقاً لنصّ القرآن ـ أن يكونوا رجلين، أما إذا أرادت النسوة تقديم شهادتهنّ مع شهادة الرجال فإنه يحسب مكان كلّ رجل امرأتان، فلا تكفي شهادة المرأة الواحدة، ولا يفوتنا أنّ صراحة الآية وإلغاء الخصوصية فيها بالنسبة إلى الرجال، والفهم العرفي لها، مع الرواية([27]) الدالة على أن شهادة النساء نافذة في الأمور المالية فقط… ذلك كلّه يستفاد منه أنه لو أرادت النسوة الشهادة على الأمور المالية دون وجود رجال أساساً فإنه يلزم أن يكنّ أربع نسوة مكان الرجلين.

وبناء عليه، فشهادة المرأتين من وجهة نظر القرآن الذي هو الأصل في الاستدلال، مكان رجل واحد نافذةٌ في القضايا المالية، وهناك روايات كثيرة في الأبواب المختلفة تشير إلى ذلك أيضاً، كما أنّ إجماع الفقهاء قائم على ذلك، ولا مناقشة ولا كلام فيه، إلا أن مفاد الآية يمكن أن يقع محلاً للبحث من زاوية أخرى وهي: هل أن عدم التساوي في الأمور المالية والديون حكم كلي عام مطلق دائم لم يتعرّض للتقييد، وأن شهادة المرأتين مكان الرجل الواحد إنما كانت لكون المرأة امرأةً أم أن الآية دلّت على حكم مقيّد تابع لعلّة يدور مدارها، وليست هي أنثوية المرأة؟

 

2 ـ نقد الاستدلال بالآية الكريمة

مع الأخذ بعين الاعتبار أن حكم عدم التساوي مربوط بوجود علّة ـ وهي النسيان ـ نستفيد أنّ الحكم الوارد فيها ليس مرتبطاً بأنثوية المرأة، وإنما بغلبة النسيان في النساء في الشؤون المالية، الأمر الذي كان له وجود زمان نزول الآية وإلى أزمنة طويلة بعد ذلك، بل في بعض القرى والأرياف في عصرنا الحاضر أيضاً، وشاهد ذلك أن الفقهاء([28]) ذكروا في باب استئناس الرشد في الصبيان: «فالذكور على ضربين: ضرب يبذلون في الأسواق ويخالطون الناس بالبيع والشراء، وضرب يصانون عن الأسواق، فالذين يخالطون الناس فإنه يعرف اختبارهم بأن يأمرهم الولي أن يذهب إلى السوق ويساوم في السلع ويقاول فيها، ولا يعقد العقد.. وأما الإناث… فإن غزلن واستغزلن ونسجن واستنسجن ولم يبذّرن، سلّم المال إليهنّ…»

فمع الأخذ بنظر الاعتبار كلام الفقهاء هذا، والظروف الزمانية لمجتمع عصر نزول الآية، والعلّة المذكورة فيها {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}، يثبت أنه عندما يأتي زمان تزول فيه غلبة النسيان في النساء ويحرز أن احتمال النسيان فيهنّ يساويه في الرجال، ولا يزيد عنه مما هو خارج عن الطبيعة الإنسانية وعن الأصل العقلائي المعتبر الحاكم بعدم النسيان.. يحكم بقانون «العلة تخصّص كما أنها تعمّم».. عند ذلك لا حاجة لجعل الشاهدتين مكان الشاهد الواحد أو العكس، فإذا أحرزنا في عصر ما أن غلبة النسيان في الرجال مما هو خارج عن الحدّ المتعارف قد حصلت في أمر ما فإن قاعدة «العلة تعمّم كما أنها تخصّص»، تفرض علينا الحكم بشاهدين في الرجال مكان الشاهد الواحد.

أولاً: شبهة في شمول الآية لأداء الشهادة ونقدها

أشكل بعضهم على الاستدلال بشمول الآية لمقام أداء الشهادة، وقالوا: إن الآية مربوطة بالاستشهاد، أما أنه يلزم على النساء الحضور في مقام أداء الشهادة في المحكمة فهي ساكتة عن ذلك، بل هي لا تدل على عدم التساوي في مقام أداء الشهادة.

إلاّ أن هذا الإشكال غير وارد، وذلك:

أولاً: إنّ العرف لا يفهم من الآية فرقاً بين مقام الاستشهاد ومقام أداء الشهادة، بل إنه يدرك بالملازمة العقلية أنه حيث إن جَعلَ الشارع المرأتين مكان الرجل الواحد في الاستشهاد جاء لإحقاق الحقّ في المحكمة، وأنّ هذا الاستشهاد إنما هو لأداء الشهادة وإحقاق الحق، وإلا لزم أن يكون الشارع قد أمر باللغو، إذ مجرد استحضار شاهدين من النساء عند إجراء العقد المالي مثلاً لا معنى له إذا لم يكن له دور في أداء الشهادة في المحكمة.

ثانياً: إذا كان حكم الآية مربوطاً بمقام طلب الشهادة منهنّ وتحمّلها، لا في مقام أدائها، يلزم من ذلك أن تكون تكملة الآية قاضيةً بلزوم شهادة امرأة واحدة في مقام الأداء، وإذا نسيت ذكّرتها الثانية، وهو ما لا وجود له في الآية، بل إن الفهم العقلائي يدفعنا إلى استنتاج أن شهادة المرأتين يعطي اطمئناناً أكثر حتى لو لم تنسَ المرأتان حال الشهادة، وهو ما يقلّ في المرأة الواحدة.

ثانياً: شبهة عدم علّية النسيان

قد يُشكل ويقال: رغم أن قاعدة «العلة تخصّص كما أنها تعمم» قاعدة عقلية ثابتة في مواضع كثيرة في الفقه، إلا أننا في هذه الآية لا نقبل أن يكون النسيان هو علّة عدم تساوي الرجل والمرأة في الشهادة.

وتوضيح ذلك أن التذكير من امرأة لأخرى جاء في الآية بصورة الترديد والشرط {أن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}; وعليه فنصّ الآية دال على أنه حتى لو كان الشاهدان امرأتين لم تنسيا ما تشهدان فيه يجب أن تشهدا معاً، وهذا التصريح دالّ بنفسه على عدم العلية; ذلك أن المعلول لا يمكنه أن يتخلّف عن علّته، كما أنه محال بدونها، وعليه فتكون الآية نافيةً لخصوصية النسيان بوصفها علّةً للتعدد في المرأة، فعندما يأتي زمان أو مورد يرتفع فيهما احتمال النسيان في المرأة، فلابد أيضاً من تعدد المرأة الشاهد مكان الرجل الواحد، ولا يمكن لهذه الآية أن تستند إلى قاعدة «العلة تخصص» ولا أن نجعل الحكم دائراً مدار العلة التي نفتها الآية نفسها، إذ: «ثبت العرش ثم انقش».

لكن يناقش بأنّ البحث هنا بحث عن العلية، وجملة «أن تضل» ظاهرة ظهوراً واضحاً في العلية، وأن العلّة هي احتمال النسيان; ذلك أنه عندما يكون احتمال النسيان غالباً موجوداً في إحدى المرأتين بشكل غير معيّن فإن ضرب احتمال النسيان فيهما سوف يخفضه إلى درجة قليلة جداً، فاحتمال النسيان بين النساء يجري فيهما معاً، لكن حيث إن النسيان الخارج عن المتعارف لا يجري فيه أصل العدم، ولهذا كنا بحاجة إلى أخذ معدل نسيان المرأتين معاً وجبر الكسر الموجود، لذا حكم الشارع بعدم التساوي، وعليه ففي الزمان أو الموضع الذي لا وجود لهذا الاحتمال ولا لهذه الغلبة فيهما أصلاً، ولا يكون هناك تفاوت بين شهادة الرجل والمرأة في العدد، هل يفترض الحكم بالتساوي بينهما بحكم العلية؟!

ب ـ السنّة والروايات ونقد الاستدلال بها

استعرضنا لدى دراسة الأدلّة العامة للشهادة في القسم الأول من الفصل الثالث كيفية الاستدلال بالروايات، ونقده والتعليق عليه، طبقاً لنظرية عدم التساوي في الشهادة بين الرجل والمرأة، من هنا نتجنّب التكرار والإطالة.

استنتاج الموقف

مع الأخذ بعين الاعتبار ما أثبتناه من أن علّة عدم تساوي شهادة الرجل والمرأة في العدد في الديون والأموال، هي احتمال النسيان الزائد على المقدار المتعارف عرفاً، وعدم جريان أصالة عدم النسيان فيه، نستنتج أن الحكم بعدم التساوي دائر مدار العلة المذكورة في الآية، فعندما لا يعود هناك وجود لهذه العلة في أمور أو مواضع أو أزمنة، فإنه لابد ـ بحكم العلّية ـ من الكفّ عن الحكم بعدم التساوي حينئذ، كما أنه إذا جاءنا مورد أو زمان كان فيه هذا الاحتمال في النسيان الخارج عن المتعارف جارياً في الرجال، فإنه ـ وبحكم العلّية أيضاً ـ لابد من الحكم بأن شهادة الرجلين تساوي شهادة الشاهد الواحد.

وانطلاقاً من ذلك، يثبت أنه في الحالات التي تحتاج إلى القَسَم من المدّعي لإثبات دعواه، إذا كانت الدعوى ماليةً فإنها تحتاج إلى شاهدين من النساء مع قَسَم المدّعي، بحيث تكون المرأتان في موضع الشاهد فيما يكون قَسَم المدعي في موضع الشاهد الآخر; ذلك أنه لا خصوصية في شهادة المرأتين أن تكونا مع رجل، وإنما الموضوع عام وكلّي في الديون والأموال بحيث تقبل شهادة المرأتين مكان الرجل الواحد، سواء جاء الشاهد الآخر أم كان مكانه قَسَم المدّعي.

إن إلغاء خصوصية انضمام النساء إلى الرجال في الشهادة قائمٌ على الفهم العرفي للعلّة المذكورة في الآية، ذلك أن الملاك في الشهادة ـ مع النظر إلى الآية الشريفة ـ هو معدّل الاطمئنان ورؤية المشهود به، لا خصوصية الرجولية والأنوثية.

المبحث الثاني: شهادة المرأة في رؤية الهلال

رؤية الهلال من الموضوعات التي تركت وما تزال تأثيراً كبيراً على حياة المسلمين; ذلك أن التاريخ الذي ترتبط به قضايا حلول الديون والحج، والعدة وسائر الأعمال الأخرى.. إنما يقاس على أساس رؤية هلال الشهر الجديد، وعليه فلرؤية الهلال آثار كثيرة في الماليات وغيرها، ولا يختصّ الأمر بصيام شهر رمضان المبارك.

وثمة شبهة تمييز أيضاً بين الرجل والمرأة هنا طبقاً لفتاوى الفقهاء القائمة على عدم قبول شهادة النساء في رؤية هلال شهر رمضان مطلقاً، إذ حتى الاثنتين منهما لا تساويان رجلاً واحداً; ولحلّ هذه الشبهة علينا أن ندرس كلا سبيليها ونجيب عنهما:

1 ـ أن نتوصّل من خلال دراسة الأدلّة إلى أن عدم قبول شهادة النساء أمر مختصّ بالصيام، وذلك لخصوصية في شهر رمضان المبارك.

2 ـ أصلاً لا وجود لمثل هذا الحكم في الشريعة، حيث ليس له مستند معتبر. وسوف نحاول هنا دراسة هذا الموضوع بالتفصيل ورصد أدلته ومنطلقاته.

والذي يربط هذا المسألة ببحثنا هنا هو وجود روايات ـ وتبعاً لها فتاوى ـ لا ترى أيّ قيمة لشهادة النساء في رؤية الهلال، مثل صحيح السندي الذي ينقل فيه حماد بن عثمان عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال، ولا يقبل في الهلال إلا رجلان عدلان»([29])، وكذلك الرواية المرسلة المنقولة عن محمد بن مسلم; ولا ذكر فيها لاسم الإمام قال: «لا تجوز شهادة النساء في الهلال، ولا في الطلاق»، قال: وسألته عن النساء تجوز شهادتهنّ؟ قال: «نعم، في العذرة والنفساء»([30]).

ولا يفوتنا أن النجفي صاحب الجواهر نقل روايةً تعارض هذه الروايات، ومضمونها القبول بشهادة النساء في أوّل شهر رمضان، أما في عيد الفطر وإثبات الأول من شوال فلا يؤخذ بها، والرواية هي خبر داوود بن الحصين ـ وهي رواية طويلة ـ عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلا شهادة رجلين عدلين، ولا بأس في الصوم بشهادة النساء، ولو امرأة واحدة»([31]).

الآراء والنظريات

الجدير بالذكر أن هناك اختلافاً بين الفقهاء منذ قديم الأيام حول مسألة قبول شهادة الرجلين العدلين في إثبات هلال شهر رمضان، ومنطلق هذا الاختلاف وسببه وجود الروايات المختلفة التي وصلت عن أهل البيت في هذا المجال، وعليه، فهناك ثلاثة آراء في هذا المضمار([32]):

1 ـ أن شهادة العادلين حجة مطلقاً، وهذا هو المشهور بين الفقهاء([33]).

2 ـ لا حجية لشهادة العادلين عندما لا يكون في الجوّ مانع عن الرؤية كالغيم والغبار، أما في غير هذه الحالة فتكون حجةً، وقد قام هذا القول على رواية إبراهيم بن عثمان الخزاز([34])، والقائلون بهذا الرأي هم: الصدوق([35])، والطوسي في المبسوط([36])، والخلاف([37])، وابن زهرة([38])، وابن حمزة([39])، وابن البراج([40])، وأبو الصلاح([41]).

3 ـ نقل المحقق الحلي عن جماعة القول بعدم حجية شهادة العدلين مطلقاً، مصرّحاً بعدم العلم بقائل هذا القول بالتحديد([42]).

ويفهم من هذه الاختلافات في شهادة الرجلين العادلين أن من الممكن أن يكون لشهر رمضان المبارك خصوصية، هي التي سبّبت عدم قبول شهادة النساء في إثباته، لا أن المرأة لكونها امرأةً كانت السبب في ذلك، ومن الطبيعي أنّ هذه الخصوصية إنما هي لأجل قضية الصيام في هذا الشهر المبارك، وإلا فلا دليل على عدم حجية هذه الشهادة في سائر الآثار، مثل ثبوت زمان الدّين; وعليه فعدم حجية شهادة النساء على هذا الفرض مربوط بأمر عبادي وتكليفي وبخصوصية في شهر رمضان نفسه، حيث لا يجوز للإنسان صيام الشك([43])، ولا ربط لذلك بمجال الحقوق أو التمييز فيها.

ولممارسة دراسة عميقة وتحليلية، يلزمنا رصد الأدلّة التي شكّلت مستند الفقهاء; كي تتضح الخصوصية الموجودة في مسألة رؤية الهلال والتي تلغي قيمة شهادة المرأة فيها، سيما مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ هذا الحكم يقع على خلاف بناء العقلاء وإلغاء الخصوصية، فلابد أن نرى: هل هناك دليل يمكن الاعتماد عليه يسمح لنا بمخالفة هذا البناء العقلائي؟

أدلّة عدم قبول الشهادة في الهلال، بيان الاستدلال وقراءة نقدية تحليلية

لا شك في أنه لا دليل قرآني في مسألتنا هنا، كما لا يوجد في أيّ من الاستدلالات الفقهية المذكورة عند فقهاء الشيعة والسنّة أيّ آية قرآنية معتمدة في هذا البحث، فعمدة الدليل الموجود في المصادر والمراجع الفقهية هنا هي الروايات، لذلك نبدأ ببحثها.

أ ـ الروايات

تنقسم الروايات الواردة إلى مجموعتين: إحداهما تلك الروايات الدالة على كفاية شهادة العدول أو العدلين، ولا إشارة فيها إلى كون الشاهد ذكراً أو أنثى. وثانيهما الروايات الدالّة على عدم قبول سوى شهادة رجلين عدلين، وأما شهادة النساء في الهلال فغير مقبولة.

1 ـ المجموعة الاُولى: روايات كفاية العدلين

1 ـ صحيح السندي، الذي ينقل فيه منصور بن حازم عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «صم لرؤية الهلال وافطر لرؤيته; فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه»([44]).

2 ـ صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق(ع): «لا تصم إلا للرؤية أو يشهد شاهدا عدل»([45]).

3 ـ خبر زيد الشحّام عن الإمام الصادق(ع) عندما سئل عن الأهلّة (جمع هلال) فقال: «هي أهلّة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم، وإذا رأيته فأفطر»، قلت: أرأيت إن كان الشهر تسعةً وعشرين يوماً أقضي ذلك اليوم؟ فقال: «لا، إلا أن يشهد لك بيّنة عدول، فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك، فاقض ذلك اليوم»([46]).

4 ـ صحيحة الحلبي عن الإمام الصادق(ع) وهي تشابه رواية زيد الشحّام([47]).

5 ـ خبر محمد بن قيس عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً، أمر الإمام بالإفطار»([48]).

وهناك روايات أخرى وردت في هذا الخصوص نقلها الحرّ العاملي في وسائل الشيعة في الجزء العاشر من كتاب الصوم([49]).

وهنا حتى لو قلنا ـ فيما يتعلّق بهذه الروايات الدّالة على لزوم شهادة عدلين أو شاهدين مرضيين ـ بأن المقصود من العادلين أو المرضيين أو البينة خصوص الرجل العادل، إلا أنه يمكن إلغاء الخصوصية العرفية وتنقيح المناط بمناسبات الحكم والموضوع، للحكم بسراية الأمر إلى النساء أيضاً، فتكون هذه الروايات دليلاً على حجية شهادة المرأة; لأن مناط حجية شهادة العدول والشهود المرضيين هو ـ في نظر العرف والعقلاء ـ العدالة والرضا والوضوح في مورد القضية، لا هذه الخصائص عندما تكون الشهادة من الرجل خاصّة.

وينبغي هنا ذكر أمر له استخدام في تمام أبواب الفقه وهو جدير بالنظر، وهو أن المتفاهم العرفي من عناوين مثل العالم والعادل والفاضل والمرضي وأمثال ذلك هو الأعم من المذكّر والمؤنث، وأن المناط والمعيار في الأحكام والآثار المترتبة عليها هو المبدأ والمصدر الموجود في هذه العناوين، أي العلم والفضل والعدل، لا المبدأ مع إضافة قيد الذكورة، والذي هو احتمال ضعيف جداً وغير صائب بنظر العرف إلى حدّ أنه يمكن اعتباره على خلاف النص.

2 ـ المجموعة الثانية: روايات عدم كفاية إلا الرجلين

وهي عبارة عن مجموعة من الروايات المصرّحة بعدم حجيّة شهادة النساء في رؤية الهلال، وهذه الروايات هي المركز الرئيس لبحثنا هنا ومناقشتنا، وهي:

1 ـ صحيحة الحلبي، عن الإمام الصادق أن علياً كان يقول: «لا أجيز في الهلال إلا شهادة رجلين عدلين»([50]).

2 ـ خبر حماد بن عثمان عن الصادق(ع) عن أمير المؤمنين(ع): «لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين»([51]).

3 ـ خبر حماد بن عثمان عن الصادق(ع) عن أمير المؤمنين(ع): «لا تجوز شهادة النساء في الهلال، ولا يجوز إلا شهادة رجلين عدلين»([52]).

4 ـ خبر شعيب بن يعقوب، عن جعفر، عن أبيه، عن علي(ع): «لا أجيز في الطلاق ولا في الهلال إلا رجلين»([53]).

5 ـ خبر محمد بن مسلم المرسل قال: قال: «لا تجوز شهادة النساء في الهلال، ولا في الطلاق»، وقال: سألته عن النساء تجوز شهادتهنّ؟ قال: «نعم في العذرة والنفساء»([54]). وحيث إن شأن محمد بن مسلم أجلّ من أن يروي عن غير المعصوم لذا كانت هذه الرواية خارجة عن الإضمار.

6 ـ وفي رواية مرسلة لمحمد بن مسلم جاء فيها: «لا تجوز شهادة النساء في الهلال»([55])، وفي هذه الرواية لم يرد اسم الإمام المعصوم، لكن وانطلاقاً مما قلناه آنفاً يرتفع إشكال الإضمار من الرواية.

7 ـ خبر حبيب الخزاعي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلاً عدد القسامة، وإنما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر، وكان بالمصر علّة فأخبرا أنهما رأياه، وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية وأفطروا للرؤية»([56]).

8 ـ خبر محمد بن عيسى عن يونس عن عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال..»([57]).

ب ـ كيفية الاستدلال، دراسة نقدية

إن الاستدلال بهذه الروايات على عدم حجية شهادة النساء في رؤية الهلال واضح ولا يحتاج إلى مزيد من التوضيح، إلا أنّ هناك بعض الشبهات والمناقشات التي ترد على الاستدلال بهذه الروايات نذكرها ونقول:

أولاً: نستنتج من مطالعة الطائفتين الواردتين في رؤية الهلال أن عدم حجية شهادة المرأة لا تزيد عن حدود ثبوت هلال شهري رمضان وشوال، مما له علاقة فقط بمسألة الصيام، فلا تدلّ على الموضوع في هلال سائر الشهور، وعبر ذلك نخرج ـ اعتماداً على الأصل الثانوي الذي قرّرناه في باب الشهادة سابقاً ـ بنتيجة تقضي بنفوذ شهادة النساء في الأشهر الأخرى وما يترتب على حلول شهر رمضان من آثار غير الصيام، مثل أداء الدين، وبناءً عليه فإذا شهدت امرأتان بأنّ هذا اليوم هو الأول من شهر رمضان أمكن للمدّعي مطالبة المديون بالدين نتيجة ذلك; لأن أكثر روايات ثبوت الهلال متصلة بهلالي رمضان وشوّال، وفي أكثرها جاءت كلمة الصوم والإفطار، إلا أربع روايات([58])، مثل صحيح حماد بن عثمان عن الحلبي: «لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين»([59])، ورواية شعيب بن يعقوب، قال(ع): «لا أجيز في الطلاق ولا في الهلال إلا رجلين»([60])، فهذه الروايات مطلقة، فتدلّ بإطلاقها على أن شهادة النساء في رؤية الهلال غير نافذة في تمام الشهور وليست بحجة.

ولابد من التدقيق هنا في أنّ التمسك بالإطلاق وحجية هذه الروايات كان ببناء العقلاء والفهم العرفي، والعرف والعقلاء لا يحرزون وجود إطلاق في هذه الروايات مع وجود روايات هنا متصلة بشهر رمضان; ذلك أنهم يحتملون أن المقصود بهذه الروايات الأربع هو هلال شهر رمضان، لهذا فهم يفسّرونها ـ نظراً لسياق أكثرها ـ باختصاصها بصيام شهر رمضان.

وإذا رفض بعضٌ هذا الاحتمال المستند إلى سياق الأحاديث وشمّها أمكننا القول: إننا نشك في بناء العقلاء على التمسّك بإطلاق هذه الروايات المعدودة في مقابل عدد كثير من الروايات مختصّ بشهر رمضان المبارك، ولا يمكن التمسّك بالإطلاق اعتماداً على بناء عقلائي مشكوك; ذلك أن التمسك بالإطلاق والاعتماد على بناء العقلاء والفهم العرفي لابد فيه من إحراز البناء العقلائي والفهم العرفي أولاً، وما لم يتحقق ذلك فلا يمكن الاعتماد المذكور; لأن الاعتماد على الحجة والدليل مشكوك هنا، والعقل يحكم بعدم صحة هذا الاعتماد أو هذا الاستناد إلى الشك. وبعبارة أخرى: إنّ هذه الأحاديث الأربعة ليس فيها ظهور إطلاقي مع فرض قيام الاحتمال العقلائي على عدم الإطلاق فيها واختصاصها بشهر رمضان، الأمر المستند إلى السياق والشمّ الحديثي، وكما يقال: فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

ومع الأخذ بعين الاعتبار ما تقدّم، نستنتج أن عدم حجية شهادة النساء مرتبط بأمر عبادي تكليفي خاص ولا علاقة له بباب الحقوق، وأن علّة عدم قبول شهادة النساء في باب الصوم ليس جنس المرأة، بل ما بيّناه سابقاً من أن مسألة الصوم لها خصائص تتصل حتى بشهادة الرجلين العدلين، حيث شرطت سلسلة شروط تتجاوز الشروط العامة في الشهادة، مثل أن يكون الشهود خارج المدينة إذا كان في داخلها ما يمنع رؤية الهلال، أو أن يكونوا ممّن يدخل المدينة ويخرج منها كنايةً عن سكان البادية، وروايتا الخزاز([61])، وحبيب الخزاعي([62])شاهدتان على هذه الخصوصية. وعدم قبول شهادتهنّ في أمر عبادي تكليفي لعلّه لضعف نظرهنّ، كما جاء في تعليل إحدى الروايات لعدم حجية شهادة النساء بالقول: «لضعفهنّ عن الرؤية»([63])، أو لسرعة تصديقهنّ، وهما خصوصيتان كانتا متحققتان في عصر النص وصدور الروايات، ونتيجة ذلك كلّه أن عدم قبول شهادة النساء إنما جاء في مورد حكم مقطعي واحد مربوط بموضوع خاص، لا أنه حكم كلي دائمي.

ثانياً: ثمة نقاط تستحقّ الانتباه في هذه الروايات وهي:

1 ـ إن روايات رؤية الهلال لها لسانان: أحدهما «قال علي: لا أجيز شهادة النساء»، وثانيهما «لا يجوز ولا تقبل شهادة النساء».

2 ـ إن ناقل أربع روايات من الروايات الست المرتبطة بالموضوع إما الحلبي أو حماد بن عثمان أو حماد عن الحلبي.

3 ـ لم يذكر في رواية محمد بن مسلم اسم الإمام، إلا أن مضمون الرواية مطابق لما جاء في رواية حماد أو الحلبي.

4 ـ إن متن رواية شعيب بن يعقوب مطابق لمتن رواية الحلبي.

5 ـ لقد جاء النصّ الذي نقله حماد بن عثمان عن عبيد الله بن علي الحلبي في إحدى الروايات بجملة: «لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال..»([64])، لكن مع السند عينه جاءت الجملة في نقل آخر: «لا أجيز في رؤية الهلال»([65]).

6 ـ جاء في سند رواية عبد الله بن سنان: محمد بن عيسى عن يونس، وهذا النقل غير معتبر([66]).

ومع الأخذ بعين الاعتبار هذه النقاط الست، يحتمل أن الرواة الذين أرادوا نقل جملة «ولا أجيز» عن علي قاموا بنقلها بالمعنى ليعبّروا عنها بجملة «لا تجوز»; ذلك أن الإمام الصادق عندما ينقل عن علي فالظاهر منه أنه ينقل ما ذكره علي وهو «لا أجيز»، لا «لا تجوز»، وبناءً عليه فهناك احتمال في أن يكون قد حدث تسامح من طرف الرواة الناقلين، فنقلوا الجملة بالمعنى، فصارت «لا أجيز»، «لا تجوز»، وهذا الاحتمال يرفع الاختلاف بين الروايات ويجمع بينها، وخلاصة الكلام أنه مع هذا الاحتمال تدلّ الروايات كافة على عدم إجازة أمير المؤمنين: «لا أجيز»، لشهادة النساء في رؤية الهلال في زمانه، لا أنها تريد بيان حكم إلهي كلّي في تمام الأزمنة.

إذن، مع احتمال أن الصادر شيء واحد ليس إلا، وقد صدر إما بلفظ «لا أجيز» أو بلفظ «لا تجوز»، فلابد من الأخذ بالقدر المتيقن، وهو مفاد جملة «لا أجيز»، وفي هذه الحال لا يمكن أن نستنتج من هذه الجملة حكماً كلياً إلهياً ودائماً، وهذا ما جاء نظيره في روايات باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما روي عن زرارة أنه سأل الإمام عن التقية في مسح الخفين، فأجابه: «ثلاثة لا أتقي فيهنّ أحداً: شرب المسكر، مسح الخفين ومتعة الحج»([67])، فإن تعبير الإمام: «لا أتقي» دون «الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهنّ أحداً» يُعلم منه أنّ الحكم مختصّ بالإمام، وعليه فمن الممكن أن تكون هناك خصوصيات في شهادة المرأة في عصر الإمام علي هي التي دفعته إلى عدم الإجازة، وهو ما يؤدي في النتيجة إلى عدم إمكان اعتبار الحكم بعدم حجية شهادة المرأة العادلة دائمياً، بل هذا محلّ نظر وتأمل، مضافاً إلى أنه لا مبرر للقول بتعبدية حكم الشهادة في باب رؤية الهلال لمن دقّق النظر في الروايات، ذلك أن شهادة العدلين نفسها لم تقبل أيضاً في بعض الحالات، هذا أولاً، كما أن العرف والعقلاء ـ ثانياً ـ لا يرون أيّ اختلاف بين شهادة الرجل والمرأة إذا كانت عن حسّ وعلم بالمشهود به مع الأخذ بعين الاعتبار الغرض من الشهادة وهو إثبات دعوى أو الإخبار، وهذا البناء العقلائي وإلغاء الخصوصية عن الشاهدين الذكرين العدلين مؤيّد من جانب القرآن الكريم; ذلك أن القرآن عندما أراد تبيين حكم الشهادة في الدَّين قال: )وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ((البقرة: 282)، فلو أن بناء العقلاء قائم على عدم الأخذ بشهادة النساء لم تكن هناك حاجة لتعبير «رجالكم» إلا أنّ الله تعالى لما كان عالماً بعدم تفريق العقلاء بين شهادة المرأة والرجل، أحضر في الجملة كلمة « رِجَالِكُمْ »، وكذلك الحال في قوله تعالى: )فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ((البقرة: 282)، فإنه لما كان مع خلاف مبنى العقلاء ذكر بعد ذلك دليله، فعلّله بعلّة خارجية عارضة، وبعبارة أكثر وضوحاً وأبعد من مجرّد التأييد لابد من القول: إن الآية الشريفة لا تؤيد بناء العقلاء فقط وإنما تدلّ على ثبوت هذا البناء وإمضائه.

دلالة القرآن على ثبوت البناء العقلائي في عدم التمييز

حيث جعلت الآية الشريفة المتقدمة شهادة امرأتين مكان شهادة الرجل الواحد، وقبلت هذه الشهادة ذاكرةً ـ بلا فصل ـ علّة عدم التساوي بعد ذكر حكم ذلك، تكون دالّةً بالدلالة الالتزامية على بناء العقلاء على عدم الفرق بين شهادة الرجل والمرأة ممضيةً هذا البناء وموافقةً عليه; ذلك أنه لو لم يكن هذا البناء قائماً بين الناس وكانوا يرون شهادة المرأتين في موضع الرجل الواحد، لما كان هناك حاجة لبيان لزوم المرأتين في موضع الرجل الواحد، قال تعالى: )فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ( ثم بين العلّة قائلاً: )أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى((البقرة: 282); ذلك أنه عندما ترى الآية شهادة الرجلين معتبرةً فإن العرف والعقلاء ـ وعلى تقدير الفرق بين الشهادتين ـ سوف يفهمون من الآية لزوم الرجلين في الشهادة، وإلا كفت المرأتان مكان الرجل الواحد، إذاً فلا حاجة ولا لزوم لبيان قيام المرأتين مكان الرجل الواحد، ثم بيان علّة عدم التساوي.

وخلاصة القول: إن ذكر هذين الأمرين حاك عن ردع الشارع عن بناء العقلاء في باب الدَّين، والأمر الهام أنّ العلّة المذكورة تلاحق أمراً عقلائياً وارتكازياً في مورد يخرج فيه السهو والنسيان عن الحدّ المتعارف في الشهود، فلجبر هذا الأمر ورفع معدّل الاطمئنان جعلت شهادة المرأتين الشاهدتين في موضع الرجل الواحد مقبولةً وحجةً، ونظراً لعدم ردع الشارع عن هذا البناء العقلائي في شهادة النساء على رؤية الهلال يمكن المناقشة في الأخذ بإطلاق الروايات والحكم بعدم حجية شهادة النساء في مسألة الهلال عند العقلاء والشرع الحاكمين بأنّ معيار الشهادة هو عدالة الشاهد وإخباره عن حسّ، وانصراف الروايات إلى شهادة النساء اللواتي فيهنّ مواصفات خاصّة من قبيل ضعف البصر وغير ذلك ليس بعيداً.

وفي نهاية المطاف، يجدر ـ لزاماً ـ التذكير بنقطة أساسية يمكنها أن تفتح الطريق أمام الكثير من القضايا المشابهة لقضيتنا هنا، وهي أن الشارع جلّ عزّه وتقدّست أسماؤه لم يُعمل في كتابه النوراني شارعيّته وتعبّده المحض عندما كان هناك اختلاف بين شهادة الرجل والمرأة، وإنما أرجع الأمر إلى مطلب عقلائي وعرفي، وهو احتمال النسيان والسهو، فقال: )أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى( وهذا ما يشكّل بنفسه دليلاً واضحاً على اختلاف منهج التقنين الذي يستخدمه الشارع في الموارد التي للعقل البشري سبيل إلى وعيها وإدراكها عن منهجه في التقنين فيما لا تدركه عقول الناس ولا تقدر على وعي ملاكه ومعياره، مما يدفع الشارع لممارسة عملية التعبّد في هذا المجال.

ج ـ الإجماع ونقد الاستدلال به

يعدّ الإجماع من جملة الأدلّة على عدم صحّة الاعتماد على شهادة النساء في رؤية الهلال، فالفاضل الهندي نسبه في كشف اللثام([68]) إلى كتاب «الغنية»، كما جاء في كلام النجفي صاحب الجواهر: «وكذا لا يثبت بشهادة النساء منفردات ومنضمّات إلى الرجال، إجماعاً بقسميه، ونصوصاً»([69]).

لقد أوضحنا في الأبحاث السابقة أنّ الإجماع لا يمثل في الفقه الشيعي دليلاً مستقلاً، خصوصاً في المباحث التي تقع مركزاً لحديث الروايات والسنّة; ذلك أن هناك احتمالاً في أن يستند هذا الإجماع إلى الروايات، أو ما عبّر عنه صاحب الجواهر بالنصوص الواردة في رؤية الهلال، من هنا لا يمكن الاعتماد على الإجماع في المقام بوصفه دليلاً مستقلاً; نظراً لمدركيته.

المبحث الثالث: شهادة المرأة في الطلاق

خلافاً لسائر الموضوعات الفقهية يمكن بحث هذا الموضوع الفقهي في حجية شهادة الشاهد من جهتين: 1 ـ شهادة الشاهد في صحّة الطلاق وثبوته. 2 ـ شهادة الشاهد في إثبات الطلاق.

1 ـ أدلّة شهادة الشاهد في صحّة الطلاق وثبوته

إن البحث عن شرطية الشهادة في صحّة الطلاق وثبوته بحسب الواقع وفيما بين المكلّف وربّه من مختصّات باب الطلاق، ولا يوجد أي حكم شرعي آخر ـ طبقاً للمذهب الشيعي ـ مشروط بشرط من هذا النوع، نعم ذهب أهل السنّة([70]) إلى شرطية الشهادة في صحّة النكاح، إلا أنّ هذه الشرطية مختصّة ـ عندهم ـ بالنكاح دون الطلاق، وقد أوضح الإمام الصادق بطلان هذا المذهب بشكل واضح، مستدلاً بالآية القرآنية; وذلك في حديث داوود بن الحصين قال: سألته عن شهادة النساء في النكاح، بلا رجل معهنّ إذا كانت المرأة منكرة، فقال: «لا بأس به» ثم قال: «ما يقول في ذلك فقهاؤكم؟» قلت: يقولون: لا تجوز إلا شهادة رجلين عدلين، فقال: «كذبوا ـ لعنهم الله ـ هوّنوا واستخفوا بعزائم الله وفرائضه، وشدّدوا وعظموا ما هوّن الله، إنّ الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين، فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد، والنكاح لم يجىء عن الله في تحريمه، فسنّ رسول الله’ في ذلك الشاهدين تأديباً ونظراً; لئلا ينكر الولد والميراث»([71]).

ومع الأخذ بعين الاعتبار هذه المقدّمة، لابد من القول: إن ذكورية الشاهدين العادلين وعدم كفاية شهادة المرأة في صحّة الطلاق من المسلّمات الشرعية في الفقه الشيعي، ولا شك ولا مجال للشبهة في هذا المضمار، ذلك أن الكتاب والسنّة دالان على هذا الأمر دلالةً تامة.

أ ـ دليل الكتاب الكريم

قال الله تعالى: )وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا((الطلاق: 2)، أي أن الطلاق حيث كان بيد الرجل وجّه الله الخطاب في القرآن إليه، فكلمة منكم متعلّقة بفعل (وَأَشْهِدُوا)، أي الرجل، فمن بينكم ـ أنتم الرجال ـ اختاروا اثنين، وعليه فإذا لم تكن كلمة (منكم) موجودة، أمكننا بإلغاء الخصوصية رفع اختصاص الخطاب بالرجال، لتشمل كلمة (ذَوَيْ عَدْلٍ) الرجالَ والنساء معاً، لكن دخول كلمة (مِنْكُمْ) على الخط في الآية الشريفة أكّد على شرطية الرجولة في صحة الطلاق بالصراحة والنصوصية.

ب ـ دليل السنة الشريفة

ثمّة أحاديث متواترة ـ كما يقول صاحب الجواهر([72])ـ على هذا الشرط، وهي:

1 ـ خبر بكير بن أعين وغيره عن أبي جعفر(ع) ـ في حديث ـ قال: «.. وإن طلّقها للعدّة بغير شاهدي عدل، فليس طلاقه بطلاق، ولا يجوز فيه شهادة النساء»([73]).

2 ـ خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر(ع) ـ في حديث ـ أنه قال: «وإن طلّقها.. لم يُشهد على ذلك رجلين عدلين، فليس طلاقه إيّاها بطلاق»([74]).

وهناك روايات أخرى دالّة على هذا الشرط، وهي الأحاديث رقم: 4، 6، 7 من الباب العاشر من أبواب مقدّمات الطلاق([75])، والحديث رقم: 3 من الباب الثالث عشر من أبواب أقسام الطلاق([76])، مما يمكن أن يُستدلّ به أيضاً.

ولا يفوتنا أنّ المروي والمعمول به في باب صحّة الطلاق([77]) هو أنّ المطلّق يقوم بالحضور في جماعة يحصل اطمئنان بوجود العادل بينهم، حتى لو لم يتحدّد هذان العادلان بشخصهما فيمكنه بذلك إجراء صيغة الطلاق، ويكون طلاقه نافذاً وصحيحاً، وهذا الأمر حاك ـ أولاً ـ عن شرطية الشهادة في مقام الثبوت، وإلا فمن الواضح أن باب الإثبات والشهادة المتعارفة المرتبطة بمجال الدعاوى يحتاج إلى معرفة الشاهد; ذلك أنه إذا لم يعرفوه فكيف يمكن أخذ شهادته؟! كما يدلّل ذلك ـ ثانياً ـ على عدم ضياع حقّ للمطلّق; ذلك أنه ليس لازماً أن يعرف المطلِّق الشاهدين حتى يدخل تكليفٌ زائد في عهدته.

إضافةً إلى ذلك، إنّ عدم كفاية شهادة النساء في هذا المقام إنما هو بسبب الحيلولة دون سرعة حصول الطلاق في المجتمع; ذلك أنه ـ وكما ورد في رواية محمد بن سنان عن الإمام الرضا× أنه قال: «.. وعلّة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال، لضعفهنّ عن الرؤية ومحاباتهنّ النساء في الطلاق»([78]) ـ إنما يريد الإسلام وضع قوانين صعبة كي يخفف الفرقة في المجتمع ولا يبدّد جوّ الأسرة الدافئ حيث أبغض الحلال إلى الله الطلاق، وبعد أن تفشل خطوات الحَكَمين ولا يبقى أيّ سبيل لاستمرار الحياة المشتركة، توضع شروط وأحكام عديدة للحيلولة دون حصول الطلاق، مثل إجراء الصيغة باللغة العربية، وبألفاظ صحيحة، وأن لا يكون ذلك في حال الحيض، ولا في طُهر قد واقعها فيه، وكذلك يلزم وجود شاهدين عدلين رجلين، والحال أن أياً من هذه الأمور غير مشروط في حال الزواج; بهدف جعله ميسّراً وسهلاً.

ومؤيد هذا الكلام كلّه حديث داوود بن الحصين([79])عن الإمام، حيث انتقد الإمام ـ بلحن حادّ من القول ـ أولئك الذين يجرون الطلاق بلا شاهد رجل، معتبراً عملهم هذا وهناً واستخفافاً بما عظم الله تعالى، فرآهم مستحقين للتوبيخ، ذلك أنهم لم يجيزوا النكاح بلا شاهد والحال أنّ الله تعالى سهّل أمر النكاح ولم يشرط فيه حضور الشهود.

ومع الأخذ بعين الاعتبار ما تقدّم، إضافةً إلى دلالة الكتاب والسنّة على لزوم وجود الشاهد الرجل في صحّة الطلاق([80])، نرى ضرورة اشتراط الشاهدين العدلين الرجلين في إجراء صيغة الطلاق، وإذا ما كان هناك تمييز في هذا الأمر بين الرجل والمرأة فإنما هو رعايةً للمصالح العامة ونفع المجتمع والحيلولة دون اختلال نظم الأسرة، وهو ما يرجع نفعه في نهاية المطاف إلى النساء أيضاً.

2 ـ أدلّة إثبات الطلاق مع الشهادة

نبحث هنا في شهادة الرجل الواحد مع المرأتين أو شهادة النساء الأربع لوحدهنّ على وقوع أو عدم وقوع الطلاق، والجدير ذكره أن هذا البحث يقع تحت مباحث أدلّة إثبات الدعاوى، ولا علاقة له بالشهادة التي هي شرط في صحّة الطلاق، وخلاصة القول هنا: إن البحث يقع في حجية شهادة المرأتين مع رجل أو شهادة النسوة الأربع دون رجال وفي قبول هذه الشهادة والاعتداد بها في مجال إثبات الطلاق عند حصول الخلاف حول وقوعه وعدم وقوعه، وإن كان الذي يبدو ـ ظاهراً ـ عدم وجود خلاف بين الأصحاب في عدم قبول شهادة النساء لوحدهنّ، فيما اختلفوا وتعدّدت نظرياتهم وأقوالهم في قبول وعدم قبول شهادتهنّ إذا كنّ مع الرجال.

أ ـ النظريات والآراء الفقهية

يدّعي ابن زهرة الإجماع على عدم الأخذ بشهادة النساء في الطلاق حيث يقول: «ولا تقبل شهادتهنّ على كلّ حال في الطلاق، ولا في رؤية الهلال، بدليل الطائفة»([81]).

في المقابل، يذكر الشيخ الطوسي في باب الشهادات من المبسوط أنّ القول بتحقق الطلاق بشهادة النساء المنضمات إلى الرجل قولٌ قوي، يقول: «أحدها لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين.. والطلاق.. وقال بعضهم: يثبت جميع ذلك بشاهد وامرأتين، وهو الأقوى إلا القصاص»([82]).

كما نقل القول بقبول شهادة النساء مع الرجال في الطلاق عن أبي علي العماني([83])، وابن الجنيد الإسكافي([84])، كما يُفهم من احتمال كشف اللثام([85]) ـ أنّ الروايات المذكورة مرتبطة بشرط الثبوت لا الإثبات ـ أنه يقول بقبول شهادة النساء المنضمّات إلى الرجال في الطلاق.

ب ـ أدلّة عدم حجية شهادة النساء في الطلاق

1 ـ الاستناد إلى الأصل، قراءة نقدية

استُند هنا ـ كما فعل العلامة الحلي في المختلف([86])ـ إلى استصحاب بقاء النكاح، على أساس أننا نشك هل يثبت الطلاق بشهادة النساء أم لا؟ فعليه نستصحب النكاح السابق الذي كنّا على يقين به.

وبطلان الاستدلال بالاستصحاب هنا واضح; ذلك أن فائدة الاستصحاب تظهر في مقام الثبوت ورفع التحيّر الذي يقع فيه المكلّف بينه وبين ربّه، لا في مقام الاختلاف، وهو مجال الاحتجاج والدعاوى، وبشكل عام لا تجري البراءة، ولا الاستصحاب في مجال الاختلاف والدعاوى مطلقاً.

 

2 ـ الاستناد إلى القرآن، وقفة نقدية

استدل العلامة الحلي في المختلف([87]) بعدة وجوه لعدم صحة شهادة النساء لإثبات الطلاق، وكان أحدها قوله تعالى: )وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ(، ببيان أن اقتصار الآية على ذكر الرجلين العدلين ـ بقرينة (منكم) ـ دالّ على حصر القبول بشهادة الرجال في إثبات الطلاق، وعدم القبول بشهادة النساء ولو كان معهنّ رجال، فكيف إذا كنّ لوحدهنّ؟!

وبطلان الاستدلال بهذه الآية المتصلة بمقام الثبوت لا الإثبات واضحٌ معلوم; إلا أنه يمكن سلوك سبيل آخر للاستدلال، وهو ما بُيّن سابقاً في تقريب الملازمة العقلية عند الحديث عن الآية 282 من سورة البقرة، فنقول هنا: رغم أن الدلالة المطابقية للآية راجعة إلى مقام الثبوت وصحة الطلاق، إلا أن الشرطية في مقام الثبوت تلازمها الشرطية في مقام الإثبات، نتيجة الملازمة العقلية بين الثبوت والإثبات (التحمّل والأداء) والخروج عن اللغوية; ذلك أنه إذا لم يكن لشهادة العدلين أي أثر في مقام الإثبات فلن تكون هناك أي فائدة وأثر لهذه الشهادة في مقام الثبوت ; لأن شهادة الشاهد ذات فائدة في مجال الدعاوى والاختلافات.

إن هذا النمط من الاستدلال واضح البطلان; ذلك أننا نذعن بوجود ملازمة في الآية 282 من سورة البقرة، إلا أن هذه الملازمة إنما انطلقت من عدم اللغوية بين التحمل والأداء; ذلك أنه إذا لم تكن هناك فائدة للحكم بنفوذ شهادة المرأتين مكان الرجل الواحد في مقام الأداء والإثبات، فلن يكون لهذه الشهادة أي أثر شرعي آخر في باب الدعاوى ـ كما هو مورد الآية ـ أما هنا فذكورية الشاهدين العادلين شرط لصحة الطلاق بحسب مقام الثبوت والحكم الواقعي، وتحقق الطلاق بين المكلّف وربّه، وهو منشأ لترتيب آثار شرعية كثيرة لا ارتباط لها أساساً بباب الدعاوى والمحاكم وحكم الحاكم، فلا يلزم أيّ لغوية من جعل ضرورة الشاهدين لإثبات الطلاق، وعليه، وعلى مستوى نصّ القرآن، ليس هناك آية تفرض شرطية الذكورة لإثبات الطلاق.

3 ـ الاستناد إلى دليل السنّة

جمع الشيخ الحر العاملي روايات كثيرة هنا، ولعلّه يمكن القول: إنه نقل تمام الروايات الدالة على عدم نفوذ شهادة المرأة في الطلاق مما يمكن أن يستند إليه في هذا الأمر، وهذه الروايات ولو كانت كثيرةً من حيث العدد، إلا أن كلّ واحدة منها تواجه مشكلةً، إما على مستوى السند أو على مستوى الدلالة أو على المستويين معاً على سبيل مانعة الخلو، من هنا يُشكل الاستدلال بهذه الروايات لإثبات أمر يقف على الخلاف مع البناء العقلائي ومع الأصل والارتكازات العرفية.

ولمزيد من اتضاح هذا الأمر، وبيان ضعف الروايات هنا، نستعرض كل رواية على حدة; لدراستها والتأمل فيها:

1 ـ صحيحة الحلبي، قراءة نقدية: فقد روى الحلبي عن أبي عبد الله(ع)، أنه سئل عن شهادة النساء في النكاح، فقال: «تجوز إذا كان معهنّ رجل، وكان علي(ع) يقول: لا أجيزها في الطلاق..»([88]).

إن هذه الرواية ـ وبسبب جملة «لا أجيز» ـ لا يمكنها أن تتضمّن حكماً كلياً شرعياً دائماً، وإلا كان المفترض القول: لا تجوز، تماماً كما جاء التعبير عينه في مورد النكاح، وهو المورد الذي تجوز فيه شهادة المرأة، وبعبارة مختصرة: إن كلمة «لا أجيز» تدل على شخصية الحكم بعدم الجواز، لا أنه حكم إلهي كلّي شرعي دائمي، كما تدلّ على ارتباطه بشخص أمير المؤمنين(ع) طبقاً لـقرينة المقابلة بين هذا التعبير وجملة «تجوز» الواردة في مورد النكاح، وإلا كان التغيير في التعبير لغواً بلا فائدة.

ولا يفوتنا أن شخصية الحكم بعدم الجواز ناشئة من الظروف المرحلية في عصر الإمام علي(ع)، فهناك خصوصيات دفعته لعدم قبول شهادة النساء، ومعنى هذا كله أن صحيحة الحلبي لا تدل على عدم قبول شهادة النساء في الطلاق بوصف ذلك حكماً شرعياً دائماً، وحتى لو غضضنا الطرف عن مسألة شخصية الحكم، فلا أقلّ من عدم إمكان رفع احتمال الشخصية، ومعه فلا يصحّ الاستناد إلى هذه الرواية انطلاقاً من قاعدة: إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

2 ـ مضمرة أبي بصير، وقفة نقدية: روى أبو بصير قال: سألته عن شهادة النساء؟ فقال: «تجوز شهادة النساء وحدهنّ على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه، وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهنّ رجل، ولا تجوز في الطلاق، ولا في الدم..»([89]).

وهنا، أولاً: ثمة في سند هذه الرواية علي بن أبي حمزة بن سالم البطائني ـ وهو واقفي المذهب ـ ويوجد اختلاف في وثاقته بين علماء الرجال، حيث يوثقه بعضهم، فيما يراه آخرون ضعيفاً([90]).

ثانياً: إن أبا بصير الوارد في سند الرواية مشترك بين الثقة وغير الثقة، وهي كنية لأربعة أشخاص، نعم، قيل: إن نقل البطائني عنه شاهد على أن المراد به أبو بصير الثقة.

ثالثاً: إن الرواية مضمرة.

رابعاً: لم تقبل الرواية شهادة النساء في القتل (الدم)، لذا فهي تعارض ـ من هذه الناحية ـ صحيح جميل بن دراج، ومحمد بن حمران([91])، ورواية أبي الصباح الكناني([92])، فقد جاء في صحيح جميل بن دراج، عن أبي عبد الله(ع) قال: قلنا: أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: «في القتل وحده، إن علياً× كان يقول: لا يبطل دم امرىء مسلم»، وكذلك جاء في رواية أبي الصباح الكناني عن الإمام الصادق(ع) عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: «تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم».

وقد يحاول بعضٌ أن يحلّ هذا التعارض ويجيب عنه بالقول: إن مضمرة أبي بصير تعارض الروايات المذكورة في القتل فقط، لا في الطلاق الذي هو مورد بحثنا، إذ لم يرد في الروايات الثلاث المذكورة أيّ حديث عن الطلاق، وحينئذ وإعمالاً لقانون التساقط عند التعارض، أي «إذا تعارضا تساقطا»، يسقط مضمر أبي بصير في مورد القتل فقط فيما يظلّ مورد الطلاق حجةً حيث لا معارض له.

إلا أنّ هذا الجواب غير صحيح; لأن الحكم في الطلاق والدم ورد بجملة واحدة، والعقلاء لا يقبلون التبعيض في الحجية في مورد الحكم غير المستقل، رغم قبولهم بذلك في الأحكام المستقلة.

3 ـ رواية إبراهيم الحارثي، نقد وتعليق: يذكر إبراهيم الحارقي (الحارثي أو الخارقي) يقول: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: «تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا ويشهدوا عليه، وتجوز شهادتهنّ في النكاح، ولا تجوز في الطلاق، ولا في الدم..»([93]).

إلا أنّ هذه الرواية تواجه إشكالين:

الأول: إن إبراهيم الحارقي (أو الحارثي أو الخارقي) رجلٌ مجهول، لم يوثق ولم يضعّف فأعلى ما قيل فيه: إنه إمامي المذهب([94]).

الثاني: إن هذه الرواية كسابقتها تعارض ـ نتيجة جملة: «ولا في الدم» ـ صحيح جميل بن دراج ومحمد بن حمران، وخبر أبي الصباح الكناني.

4 ـ رواية محمد بن الفضيل، نقد وتفنيد: فعن محمد بن الفضيل: سألت أبا الحسن الرضا(ع) قلت له: تجوز شهادة النساء في نكاح أو طلاق أو رجم؟ قال: «تجوز شهادة النساء في ما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه وليس معهنّ رجل، وتجوز شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ رجل، وتجوز شهادتهنّ في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان، ولا تجوز شهادة رجلين وأربع نسوة في الزنا والرجم، ولا تجوز شهادتهنّ في الطلاق، ولا في الدم»([95]).

ويلاحظ، أولاً: إنّ محمد بن الفضيل الوارد في سند هذه الرواية هو محمد بن فضيل الأزدي الكوفي الصيرفي الذي هو من أصحاب الإمامين: الرضا والكاظم، وهو ضعيف، وليس هو محمد بن فضيل بن غزوان الذي وثقه الشيخ والعلامة; لأن ابن غزوان من أصحاب الإمام الصادق، لا الإمام الرضا([96])، وحيث كان السؤال في الرواية عن الرضا فيُعلم منه أن المراد الأزدي الكوفي، لا ابن غزوان.

ثانياً: لتلك الروايات السابقة، يعارض هذا الخبر صحيح جميل وابن حمران وخبر أبي الصباح الكناني.

5 ـ رواية محمد بن مسلم ونقدها: يقول محمد بن مسلم: يقول: «لا تجوز شهادة النساء في الهلال، ولا في الطلاق»، وقال: سألته عن النساء تجوز شهادتهنّ؟ قال: «نعم، في العذرة والنفساء»([97]).

هذه الرواية، أولاً: مضمرة، ولا يعلم من هو الذي سأله محمد بن مسلم، وإن كان لا خلل في سند الرواية من حيث إن محمد بن مسلم من الشأن والجلالة ما يبعد معه روايته عن غير المعصوم.

ثانياً: لقد جاءت شهادة النساء في الهلال والطلاق معاً، وبقرينة ذكر الهلال يحتمل أن يكون نظراً شخصياً للإمام وحكماً حكومياً زمنياً صدر طبقاً لظروف خاصّة، وهو ما سنزيده توضيحاً في بحث رؤية الهلال.

6 ـ رواية زرارة، نقد وتمحيص: في خبر صحيح السند، يروي زرارة عن الإمام الباقر(ع) يقول: سألت أبا جعفر(ع) عن شهادة النساء: تجوز في النكاح؟ قال: «نعم، ولا تجوز في الطلاق..»، قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ قال: «لا»([98]).

رغم أنّ هذه الرواية معارضة ـ ظاهراً ـ للروايات الواردة في شهادة المرأة في «الدم»، إلا أنه حيث كان صدرها وذيلها قابلين للتقطيع والفصل فإنّ العقلاء يقبلون بالتبعّض في الحجية في هذا النوع من الروايات التي تكون فيه المطالب مستقلّة، نعم هذا البناء العقلائي يغدو محلّ ترديد عندما نرى ورود مسألتي الطلاق والدم معاً في خمس روايات كمطلب واحد، وحتى يتمسّك ببناء العقلاء لابد من إحرازه، وهو هنا مشكوك لا يمكن التمسك به. كذلك جاء في سند الرواية مثنى الحناط الذي اكتفى علماء الرجال ـ مثل الكشي([99])ـ في توثيقه على جملة علي بن الحسن بن فضال في حقّه التي جاء فيها: «لا بأس به»، وهذا ما يجعل الاعتماد على هذه الرواية بوصفها خبراً حجة مشكلاً.

7 ـ خبر أبي الصباح الكناني ونقده: فقد روى الكناني عن الصادق(ع) أن علياً(ع)قال: «شهادة النساء تجوز في النكاح، ولا تجوز في الطلاق، وقال: إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان جاز في الرجم، وإذا كان رجلان وأربع نسوة لم يجز، وقال: تجوز شهادة النساء في الدم مع الرجال»([100]).

وفي سند هذه الرواية محمد بن فضيل([101])، وهو إما محمد بن فضيل الأزدي الضعيف أو محمد بن فضيل غزوان الثقة، نعم قال بعض: إنه حيث ينقل عنه الحسين بن سعيد، فلابد أن يكون فضيل غزوان، وقال بعض: إنّ الصدوق قد عمل بما رواه عن محمد بن فضيل عن أبي الصباح، إلا أن أياً من هذا الكلام ليس بحجة على الوثاقة، وعليه، فمحمد بن فضيل في هذه الرواية إما الضعيف أو المشترك بين الضعيف والثقة، فتسقط الرواية عن الاعتبار.

8 ـ رواية داوود بن الحصين ونقدها: في خبر طويل يقول داوود بن الحصين عن الإمام الصادق(ع): سألته عن شهادة النساء في النكاح، بلا رجل معهنّ إذا كانت المرأة منكرة، فقال: «لا بأس به»، ثم قال: «ما يقول في ذلك فقهاؤكم؟»، قلت: يقولون: لا تجوز إلا شهادة رجلين عدلين، فقال: «كذبوا ـ لعنهم الله ـ هوّنوا واستخفوا بعزائم الله وفرائضه، وشدّدوا وعظموا ما هوّن الله، إنّ الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين، فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد.. وكان أمير المؤمنين(ع) يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار، ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين»، فقلت: فأنى ذكر الله تعالى قوله: (فرجل وامرأتان)؟ فقال: «ذلك في الدَّين; إذا لم يكن رجلان، فرجل وامرأتان، ورجل واحد ويمين المدّعي، إذا لم يكن امرأتان، قضى بذلك رسول الله’ وأمير المؤمنين(ع) بعده عندكم»([102]).

ودلالة هذا الحديث تستدعي النظر من جهات:

أولاً: من الممكن أن يكون الحديث عن الطلاق والشهادة به في الرواية مما يرجع إلى صحّة الطلاق، لا إلى إثبات دعوى أو رفع اختلاف; والقرينة على ذلك قوله: «هوّنوا واستخفوا بعزائم الله وفرائضه، وشدّدوا وعظموا ما هوّن الله، إن الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد».

ثانياً: إن جملة «لا يجيز» ـ الواردة في الرواية ـ يمكن أن تكون حكماً زمنياً لا دائماً، والشاهد على ذلك أن الإمام الصادق قد نسب جملة: «يجيز»، و«لا يجيز» إلى الإمام علي، ولم يذكرهما بصورة حكم كليّ، فقد قال: «كان أمير المؤمنين(ع) يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار، ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين».

9 ـ رواية السكوني ونقدها: يروي السكوني، عن جعفر، عن آبائه، عن علي(ع) أنه كان يقول: «شهادة النساء لا تجوز في طلاق، ولا نكاح، ولا في حدود، إلا في الديون، وما لا يستطيع الرجال النظر إليه»([103]).

أولاً: إن هذه الرواية تعارض الروايات الدالّة على قبول شهادة النساء في النكاح، مثل خبر داوود بن الحصين([104]).

ثانياً: وتعارض أيضاً ما دلّ من الروايات على نفوذ شهادة المرأة في بعض الحدود([105])، وفي القتل([106]).

10 ـ رواية محمد بن سنان ونقدها: جاء في علل الشرائع وعيون أخبار الرضاأن محمد بن سنان ينقل عن الإمام الرضا(ع) حول علّة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال ما يلي: «وعلّة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال، لضعفهنّ عن الرؤية ومحاباتهنّ النساء في الطلاق»([107]).

وهنا إشكالات:

الإشكال الأول: إن سند الحديث في المصدرين ضعيفٌ بمحمد بن سنان، فالشيخ الحرّ العاملي في خاتمة وسائل الشيعة يذكر ـ بدايةً ـ أسانيد الشيخ الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» ثم يقوم بذكر سائر أسانيده في غير هذا الكتاب، وينقل العاملي للصدوق إلى محمد بن سنان ثلاثة طرق في العلل والعيون([108])، وكلّها ضعيفة، وهي:

السند الأول: حدثنا محمد بن علي ماجيلوبه، عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان.

وفي هذا الطريق يوجد محمد بن علي الكوفي المكنّى بأبي سمينة، وقد عدّه الفضل بن شاذان من أشهر الكذابين([109]).

السند الثاني: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق، ومحمد بن أحمد السناني، وعلي بن عبد الله الوراق، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، رضي الله عنهم، قالوا: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن العباس، عن القاسم بن الربيع الصحاف، عن محمد بن سنان.

وفي هذا الطريق يوجد القاسم بن الربيع وهو ضعيف أيضاً([110]).

السند الثالث: حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله البرقي، وعلي بن عيسى المجاور في مسجد الكوفة، وأبو جعفر محمد بن موسى البرقي بالريّ، رضي الله عنهم، قالوا: حدثنا علي بن محمد ماجيلويه، عن أحمد بن عبد الله([111])، وعلي بن عيسى([112])، ومحمد بن موسى([113]) ممّن لم يوثقوا، وهذا معناه أن الطرق الثلاثة تواجه مشكلةً تمنع عن تصويب الاعتماد على هذه الرواية.

الإشكال الثاني: ليس من البعيد أن ترتبط الرواية بمسألة الشهادة التي أخذت شرطاً في صحّة الطلاق، ذلك أن العلّة المذكورة فيها، وهي «محاباتهنّ النساء في الطلاق» تنسجم مع الشهادة لثبوت الطلاق، لا الشهادة لإثباته.

وعليه، ومن خلال دراسة الأدلّة الواردة يمكن الخروج بالنتيجة التالية وهي أنه لا دليل في الآيات القرآنية على عدم حجية شهادة المرأة في إثبات الطلاق، وأن تمام الأحاديث التي تمسّكوا بها على عدم حجية شهادتهنّ أو يمكن أن يستند إليها تحوي عناصر ضعف في السند أو في المتن، وفي بعضها في السند والمتن والدلالة معاً.

احتمال الفاضل الهندي في الروايات والإشكالات عليه

أ ـ احتمال الفاضل الهندي

سجّل المغفور له الفاضل الإصفهاني إشكالاً أساسياً على تمام هذه الروايات، فقد اعتقد أنه يحتمل أن يراد من الشهادة الواردة في الأحاديث شهادة النساء حين الطلاق بوصفها شرطاً في صحّة الطلاق، فتكون هذه الروايات ناظرة إلى الآية الشريفة: )وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ((الطلاق: 2) وعلى حدّ تعبيره هو نفسه: «لكنّ أخبار الطلاق يحتمل شهادتهنّ حين الطلاق»([114]).

ب ـ إشكال صاحب الجواهر على احتمال كشف اللثام

وقد تعرّض احتمال الفاضل الإصفهاني لاعتراض صاحب الجواهر، إذ ذهب إلى أن حمل الروايات على شرط الصحّة بعيد، كما أنه لا ينسجم مع بعض هذه الروايات نفسها، يقول: «نعم في كشف اللثام احتمال كون المراد شهادتهنّ حين الطلاق، وهو مع بُعده، فيها ما لا يقبله، كالمروي عن العلل والعيون بأسانيده إلى محمد بن سنان عن الرضا(ع) في ما كتب إليه من العلل: «وعلّة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال; لضعفهنّ عن الرؤية ومحاباتهنّ النساء في الطلاق; فلذلك لا تجوز شهادتهنّ إلا في موضع ضرورة، مثل شهادة القابلة، وما لا يجوز للرجال أن ينظروا إليه»([115]) وغيره، وفي خبر داوود بن الحصين عن أبي عبد الله(ع): «..وكان أمير المؤمنين(ع) يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار، ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين، فقلت: أنّى ذكر الله تعالى: )فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ((البقرة: 282)؟ فقال: ذلك في الدَّين..»([116]) وغيرهما»([117]).

ج ـ الرد على كلام المحقق النجفي صاحب الجواهر

مما أشكل به صاحب الجواهر على صاحب كشف اللثام في حمله الروايات التي أخذ بها الفقهاء على عدم قبول شهادة النساء في الطلاق، حملها على شرط الصحة وثبوت الطلاق.. بعيد، إلا أن كلام صاحب الجواهر فيه عدّة شبهات وذلك:

أولاً: لا يعلم ما هو المراد من الاستبعاد هنا؟! هل بمعنى أن هذا الحمل بعيد عرفاً مما يعني أنّ هذا الاحتمال (حمل الروايات على الصحة) يصبح خلاف الظاهر; لأن العرف لا يقبله، وكل ما كان خلاف الظاهر فليس بحجة، مما يعني أن الروايات أريد بها الشهادة في مقام إثبات الطلاق، أم أنّ المراد بالبعد هنا محض الاعتبار الذي لا يضرّ بالظهور العرفي، ويسمح بحمل الروايات على شرط الصحة؟

معنى ذلك أن هناك احتمالين في معنى «البُعد»، كما أن الروايات صار فيها احتمالان: احتمال عدم النفوذ والحجية في مقام أداء الشهادة، واحتمال عدم النفوذ في مقام الثبوت وشرط الصحّة; وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال; لهذا لا يمكن العمل بهذه الروايات للاستدلال بها على عدم قبول شهادة النساء في إثبات الطلاق.

ثانياً: إن مقولة «البعد» إنما ترتبط بما إذا كان هناك مفهومان أحدهما بعيد في نظر العرف، مع أن «لا تجوز» هنا مفهوم واحد له معنى واحد، وهو عام له مصاديق متعدّدة، منها عدم الجواز في مقام الإثبات، وعدمه في مقام الصحة والثبوت، فالمصاديق مختلفة عن بعضها، حيث يقول الإمام(ع) فيه: «..إنّ الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين، فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد..»([118]).

ومن الواضح أن كلمة «أجازوا» مربوطة بشرط الصحّة; لأن الله تعالى في القرآن الكريم أمر بالشاهدين العدلين في الطلاق على مستوى الصحّة والثبوت، وقد استخدم الإمام كلمة «أجازوا» في هذا المعنى والمفهوم العام، مطبقاً إياه على أحد مصاديقه ألا وهو النفوذ في باب شرط الصحّة، من هنا; فإن استعمال: «لا تجوز شهادة النساء في الطلاق» في الروايات لا بُعد في حمله على معناه وتطبيقه على عدم النفوذ بحسب الثبوت.

استنتاج

ومع الأخذ بعين الاعتبار الإيرادات والإشكالات السندية والدلالية في الروايات المتقدّمة، نستنتج أن هذه الروايات لا يمكنها أن تكون حجةً في عدم نفوذ شهادة النساء في مقام الإثبات، وقد قيل: إنه لا يمكن بهذه الروايات إثبات حكم مخالف لبناء العقلاء وارتكازات العرف، والشاهد على هذه الارتكازات في الروايات ما جاء في خبر داوود بن الحصين المتقدم، إذ بعد أن قال الإمام(ع): «لا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين» عمد السائل فوراً ـ ونتيجة البناء العقلائي المركوز في ذهنه ـ إلى الاستشهاد بالقرآن الكريم، فسأل الإمام: «أنى ذكر الله )فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ(؟» وهذا معناه أنه مركوز في ذهن السائل أن شهادة النساء لابد أن تقبل وأن القرآن قد قبلها، لذا سأل عن السبب في عدم قبول شهادتهنّ.

أدلّة بعض القائلين بعدم جواز شهادة النساء في الطلاق

أ ـ استدلال الشيخ النجفي صاحب الجواهر

يستدلّ صاحب الجواهر لإثبات عدم جواز شهادة النساء في الطلاق بوجهين: أحدهما الأصل وثانيهما الروايات، فيقول: «للأصل، ونصوص كثيرة كصحيح الحلبي([119]).. وخبر إبراهيم الحارثي([120]).. وخبر محمد بن فضيل([121]) إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى كونه مقطوعاً به منها إن لم يكن دعوى تواترها، مع كونها سالمة عن المعارض بالخصوص..»([122]).

ب ـ نقد استدلالات صاحب الجواهر

ثمة إشكالات ثلاثة في استدلال صاحب الجواهر هي:

الإشكال الأول: إنه يقول: إنه يقطع بالحكم من هذه الروايات، ولكننا نقول في جوابه أنه مع هذه الإشكالات المتقدمة في الرواية من ناحيتي: السند والمتن، كيف يمكن تحصيل اليقين منها؟ قد يقول شخص: إنه عندما يحصل اليقين لفقيه كبير مثل صاحب الجواهر فلابد أن يكون هذا اليقين معتبراً عند الآخرين، إلا أنه لابد لنا أن نعرف أن يقين مجتهد حصل له من الروايات ليس حجةً شرعية على المجتهدين الآخرين، فمن البديهي أنه لا يكون يقين أيّ فرد منشأ ليقين فرد آخر; ذلك أنّ لكل يقين حاجته إلى مبادئه ومقدماته.

الإشكال الثاني: يقول صاحب الجواهر: «إن لم يكن دعوى تواترها» والإشكال هنا أن هذه الروايات لا يوجد فيها تواتر لفظي، لهذا إما تواترها تواتر إجمالي أو معنوي بحيث يقصد صاحب الجواهر أحدهما، وفي التواتر الإجمالي يجري التمسّك بالرواية التي تكون الأخصّ مضموناً والأضيق دائرةً ـ كما يقول صاحب الكفاية ـ والقدر المتيقن من هذه الروايات هو: «لا أجيز» لا «لا تجوز»، ومع الأخذ بعين الاعتبار هذا المعنى للتواتر لن يكون التواتر دليلاً لصاحب الجواهر; ذلك أن جملة: «لا أجيز» لا تعبر عن حكم كلي ودائم.

الإشكال الثالث: ويرى صاحب الجواهر أن هذه الروايات سالمة عن المعارض، فإذا كان مقصوده من السلامة عن المعارض بالخصوص عدم وجود رواية واردة في خصوص باب الطلاق فكلامه صحيح، أما إذا أراد عدم وجود معارض يجعل حجية هذه الروايات موضع إشكال أو تساؤل، فإن كلامه ليس صحيحاً، ذلك أننا عرفنا من المباحث السالفة أن هناك بالفعل معارضاً لهذه الروايات بهذا المعنى، ولا فرق في المعارض بين المعنى الذي ذكرناه وبين ما أسماه صاحب الجواهر: المعارض بالخصوص.

ج ـ استدلال الشيخ النراقي ونقده

يقول النراقي في مستند الشيعة: «تشترط في ثبوت الطلاق: الذكورة المحضة أيضاً، ولا يقبل فيه شهادة النساء مطلقاً على الأظهر الأشهر بين من تقدّم وتأخر؛ للصحاح الثلاث.. والروايات التسع»([123]).

وواضح أن استناد صاحب المستند كان بروايات الباب، وكلّها ـ كما أسلفنا بحثها بالتفصيل من قبل ـ محل إشكال إما من ناحية السند أو من ناحية الدلالة.

د ـ استدلال آخر، وقفه نقدية

ومن الأدلة الأخرى التي يمكن طرحها في خصوص حجية شهادة النساء في إثبات الطلاق والهلال هو القاعدة التي ذكرها الإمام(ع) في عدة روايات([124]) وهي: «تجوز شهادة النساء في ما لا يستطيع للرجال النظر إليه»، فحيث كان هذا القيد في مقام بيان الضابط من جانب الإمام، فإنّ مفهومه أن شهادة المرأة ـ سواء منفردةً أم منضمّةً إلى شهادة الرجال ـ ليست جائزةً ولا نافذةً في الموارد التي يمكن للرجال النظر إليها، وهذا العموم والإطلاق في المفهوم يستدعي عدم حجية شهادة النساء في بعض الموارد والموضوعات الفقهية، وبناءً عليه فهذا المعيار رادع عن بناء العقلاء والارتكازات العقلائية القائمة على الأخذ بشهادة النساء في تمام الموضوعات، فيكون هذا المعيار موجباً لسقوط حجية بناء العقلاء ـ وهو العمدة في قبول شهادة النساء ـ في بعض الموارد، والتي من بينها شهادتهنّ في إثبات الطلاق.

وللجواب عن هذه الشبهة يمكن القول:

أولاً: لم يرد هذا الاستدلال ولا هذا المفهوم في أيّ من أدلّة الفقهاء الذين بحثوا هذه المسألة، وبالخصوص صاحب المستند القائل بعدم الأخذ بشهادة النساء في الطلاق، وكان ممّن بذل جهداً وافراً في جمع الروايات النافية لقبول شهادتهنّ، فلم يذكروا هذا المفهوم إطلاقاً.

ثانياً: إن استفادة المعيار العام من هذه الروايات إنما هو عبر المفهوم، والحال أن الروايات نفسها اعتبرت شهادة النساء حجةً في موارد يمكن للرجال النظر إليها، مثل الدَّين والنكاح والحدود و.. ومن الصعب ـ وإن أمكن الإشكال في هذا الوجه ـ أن يكون هذا المفهوم في مقام بيان القاعدة في رفض شهادة النساء في صورة الانفراد، من هنا لم يستند إليه صاحب المستند، والذي يبدو أنه إشكال وجيه.

ثالثاً: إن الاستدلال بهذا النوع من المفاهيم لإثبات الردع عن بناءات العقلاء وارتكازاتهم تمسّكٌ بدليل ضعيف لا يصلح للوقوف في وجه هذه البناءات; ذلك أنه من الواضح أن الردع عن الارتكازات العقلائية الراسخة والسائدة يحتاج إلى وجه قوي ـ كمّاً وكيفاً ـ يضارع هيمنة هذا الارتكاز من حيث الكيفية والكمية، وإلا فلا يرى العقلاء لغير هذا الرادع معنى ومفهوماً.

استنتاج وتحقيق

مع الأخذ بعين الاعتبار المناقشات السالفة لأدلة القائلين بعدم حجية شهادة النساء في إثبات الطلاق، نتوصّل إلى أن القول بحجية شهادتهنّ في هذه المسألة لا يخلو من قوّة، والدليل على ذلك وجوه ثلاثة هي: عمومات حرمة كتمان الشهادة، وصدق لفظ العادل والعدول على النساء كصدقه على الرجال، وبناء العقلاء والارتكازات العرفية القاضية بقبول شهادتهنّ في تمام الدعاوى وعدم الردع من طرف الشارع، والدليل الأخير هو العمدة عندنا في إثبات حجية شهادة النساء في الطلاق، مؤيدةً هذه الأدلّة كلها بخبر عبد الكريم([125])، ومرسلة الشيخ الطوسي([126])، يضاف إليه ذهاب بعض الفقهاء مثل الشيخ في المبسوط([127])، والعماني([128])، والإسكافي([129]) إلى قبول شهادتهنّ في الطلاق منضمّةً إلى الرجال.

ـ يتبع ـ

الهوامش

(*) باحث وأستاذ في الحوزة العلمية، من إيران.

([1]) دانه يدينه ديناً: أعطاه مالاً إلى أجل وأقرضه (أقرب الموارد 1: 362) وإن الدين لغةً هو القرض (مجمع البحرين 6: 250، ذيل مادة دين).

([2]) مستند الشيعة 18: 297.

([3]) إرشاد الأذهان 2: 159.

([4]) مجمع الفائدة والبرهان 12: 429.

([5]) المصدر نفسه.

([6]) المصدر نفسه.

([7]) يرى آية الله العظمى الصانعي ـ دام ظله ـ ثبوت القصاص في قتل الحرّ للعبد والمسلم للذمي، وقد بحث هذا الموضوع في الكتاب الثاني من مجموعة «الفقه والحياة» حيث تعرّض لمباني القصاص في حق المسلم القاتل للذمي، أما في المورد الثالث فقد ذهب إلى التفصيل، ونذكر هنا نص الاستفتاء الذي أجاب عنه سماحته، نظراً لما فيه من مطالب علمية مفيدة، تصلح جواباً عن الشبهة الواردة في المقام. وهذا نصّ الاستفتاء وجوابه.

«بسمه تعالى

السؤال: إذا قتل والدٌ ولده عمداً لأغراض شخصية غير إنسانية، فهل يلحقه القصاص كغيره أم تلزمه الدية فقط لورثة المقتول؟

ج ـ من وجهة نظري، يختصّ الاستثناء من الأصل الكلّي في باب القصاص، في مورد قتل الوالد ولده ـ طبقاً لما جاء في الروايات الصحيحة والمعتبرة ـ بما إذا كان القتل عن عاطفة وبسبب تخلّف الولد عن الأخذ بنصائح والده الخيّرة، لا في سائر موارد القتل التي تحصل بدوافع أخرى مما هو موجود في سائر أفراد القتل والتي يثبت فيها المبدأ العام للقصاص، وبعبارة أخرى: إن عدم قصاص الوالد يختص بحالة امتلاء روح الأب بكل ما هناك من عواطف ونصائح وإرادة الخير لولده مع تخلّف الولد، وتقريباً ـ إن لم نقل: تحقيقاً ـ يقدم الوالد على ما فعله بسبب النصائح والعصيان وذلك من غير اختيار، لا في حالة ما إذا كانت الدوافع التي انطلق منها كما ينطلق سائر القتلة في قتلهم، أي القتل لأغراض شخصية أو عدائية أو لطمع في المال والمنصب والرئاسة أو لعدم إفشاء الخيانة وأمثال ذلك، ذلك أنه في مثل هذا النوع من القتل لا دخل للوالدية والولدية التي جاءت في لسان الروايات. وأدلةُ الاستثناء ـ ولأجل هذه الدلالة ـ إما ظاهرة منحصرة في القسم الأول أو أنها منصرفة عن القسم الثاني، وعلى أية حال، فشمول دليل الاستثناء إنما كان لإطلاق الدليل، وهذا الإطلاق منصرف عن القتل الذي نتكلم عنه (القسم الأول) وهو ـ نتيجة الإشعار الذي قلناه ومناسبات الحكم والموضوع ـ منصرف عن أنواع القتل النابعة من أغراض غير إنسانية (القسم الثاني)، وهذا معناه الانصراف إلى القسم الأول أو أن دخالة عنوان الوالدية والولدية في القتل، والفهم العقلائي ـ أي عدم إرادة المقنّن أن تذهب الجناية بلا قصاص ـ ومناسبات الحكم والموضوع.. ذلك كلّه يشكل سبباً لانعقاد ظهور لفظي عبرها يوجب الاختصاص بالقسم الأول. إضافة إلى ذلك إذا قبلنا ـ فرضاً ـ أن للدليل إطلاقاً شاملاً لكل أنواع قتل الولد من جانب الوالد، لابد من القول بالاختصاص أيضاً; لأن إطلاق الروايات مخالف للقرآن {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}، ذلك أنه مع هذا الاستثناء وعدم الخوف من القصاص سوف تتعرض حياة الأولاد والمجتمع للخطر.

ولا يفوتنا أن آية: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ..} ذات لسان آب عن التخصيص. وهذا معناه أن إطلاق تلك الأدلة مخالف لها ولابد من ضربه عرض الجدار، أما استثناء المقاصّة في مورد القتل العاطفي للولد من جانب الوالد فذلك لأنه لا يضرّ بحياة المجتمع; لأن قتل الأب لا يكون لمنع الآباء عن القتل في تلك الحال الخاص.

وبالغض عن مجمل ما تقدّم، لعلّه يمكن القول بأن أدلّة قصاص النفس مختصّة بدعاوى الأفراد من تلك الجوانب والسبل العدائية والحيوانية غير الإنسانية فهي لم ولا تشمل من الأوّل حالات القتل العاطفي، ولابد من الالتفات ـ بصرف النظر عما تقدّم ـ إلى احتمال الاختصاص في أدلّة الاستثناء والذي يشكل مانعاً عن الاستناد إلى الإطلاق، فلابد من الاقتصار على القدر المتيقّن، وهو القتل العاطفي للأب».

وتجدر الإشارة إلى أن النص المتقدم هو جواب فقهي شرعي عن سؤال الاستفتاء رقم: 11998 / 101، بتاريخ 6 / 12 / 83 ش (2004م).

([8]) مجمع الفائدة 12: 429.

([9]) المصدر نفسه: 423.

([10]) السرائر 2: 138.

([11]) كفاية الأحكام: 285.

([12]) رياض المسائل 2: 444.

([13]) غنية النزوع 1: 439.

([14]) مختلف الشيعة 8: 493.

([15]) رياض المسائل 2: 444.

([16]) وسائل الشيعة 27: 398، كتاب الشهادات، باب 41، ح20.

([17]) استند بعض الفقهاء كثيراً ـ سيما المحقق الأردبيلي ـ إلى عموم أدلة الشهادة، وهذه بعض الموارد فانظر: مجمع الفائدة والبرهان 12: 425، 430، 432، 436.

([18]) وسائل الشيعة 27: 360، كتاب الشهادات، باب 41، ح35.

([19]) المصدر نفسه: 271، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، باب 15، ح2.

([20]) المصدر نفسه: 359، كتاب الشهادات، باب 24، ح31.

([21]) المصدر نفسه، كتاب الشهادات، باب 41، ح4، 5، 7، 10، 11.

([22]) المصدر نفسه: 355، ح15.

([23]) المصدر نفسه: 364، ح45.

([24]) المصدر نفسه: 359، ح33.

([25]) السرائر 2: 138.

([26]) غنية النزوع: 439.

([27]) عن الحلبي، عن أبي عبد الله، قال: «إن رسول الله’ أجاز شهادة النساء في الدين، وليس معهنّ رجل». انظر: وسائل الشيعة 27: 356، كتاب الشهادات، باب 24، ح20.

([28]) جواهر الكلام 26: 49، 110، كتاب الحجر.

([29]) المصدر نفسه: 355، ح17.

([30]) المصدر نفسه: 353، ح8.

([31]) المصدر نفسه: 361، ح36.

([32]) المصدر نفسه 16: 354.

([33]) المصدر نفسه: 355.

([34]) وسائل الشيعة 10: 289، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، باب 11، ح10.

([35]) المقنع: 183.

([36]) المبسوط 1: 267.

([37]) الخلاف 2: 172، المسألة: 11.

([38]) غنية النزوع: 135.

([39]) الوسيلة: 141.

([40]) المهذب 1: 198.

([41]) الكافي في الفقه: 181.

([42]) شرائع الإسلام 1: 181، كتاب الصوم.

([43]) اصطلاح عدم صوم الشك هو عبارة عن مضمون رواية، يقول الإمام× فيها في جواب عن رسالة وجّهت إليه: «لا تصومنّ الشك». فانظر: وسائل الشيعة 10: 297، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، باب 15، ح15.

([44]) وسائل الشيعة 10: 254، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، باب 3، ح8.

([45]) المصدر نفسه: 260، ح28.

([46]) المصدر نفسه: 262، باب 5، ح4.

([47]) المصدر نفسه: 264، ح9.

([48]) المصدر نفسه: 275، باب 6، ح1.

([49]) المصدر نفسه: 267، باب 5، ح19، 20، 21، و: 275 ـ 276، باب 6، ح1، 2.

([50]) المصدر نفسه: 286، باب 11، ح1.

([51]) المصدر نفسه: 288، ح8.

([52]) المصدر نفسه: 287، ح 3.

([53]) المصدر نفسه: 289، ح9.

([54]) المصدر نفسه 27: 353، كتاب الشهادات، باب 24، ح8.

([55]) المصدر نفسه 10: 286، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، باب 11، ح2.

([56]) المصدر نفسه: 290، ح13.

([57]) المصدر نفسه 27: 353، كتاب الشهادات، باب 24، ح10.

([58]) المصدر نفسه 10: 287 ـ 289، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، باب 11، ح3، 7، 8، 9.

([59]) المصدر نفسه: 288، ح7.

([60]) المصدر نفسه: 289، ح9.

([61]) المصدر نفسه: 289، ح10.

([62]) المصدر نفسه: 290، ح13.

([63]) المصدر نفسه 27: 365، كتاب الشهادات، باب 24، ح50.

([64]) المصدر نفسه 10: 288، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، باب 11، ح7.

([65]) المصدر نفسه، ح8.

([66]) لا يرى سماحة الأستاذ آية الله العظمى الصانعي أن نقل محمد بن عيسى عن يونس حجة ومعتبر، ودليله على ذلك أن الشيخ الصدوق ينقل عن أستاذه محمد بن الحسن بن الوليد أنه لم يكن يقبل بروايات محمد بن عيسى عن يونس، فانظر: المامقاني، تنقيح المقال 3: 167، الرقم: 11211.

([67]) وسائل الشيعة 1: 457، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، باب 38، ح1.

([68]) كشف اللثام 10: 327.

([69]) جواهر الكلام 16: 363.

([70]) الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة 4: 16، قال: «وأما الشروط التي تتعلّق بالشهادة، فإنّ الشهادة أولاً في ذاتها شرط لصحّة عقد النكاح، فلابدّ منها».

([71]) وسائل الشيعة 27: 360، كتاب الشهادات، باب 24، ح35.

([72]) جواهر الكلام 32: 102.

([73]) وسائل الشيعة 22: 26، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، باب 10، ح2.

([74]) المصدر نفسه: 26، ح3.

([75]) المصدر نفسه: 26 ـ 27.

([76]) المصدر نفسه: 134، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، باب 13.

([77]) المصدر نفسه: 50، أبواب مقدّماته وشرائطه، باب 21، ح1، 2، 3.

([78]) المصدر نفسه 27: 365، كتاب الشهادات، باب 24، ح50.

([79]) المصدر نفسه: 360، ح35.

([80]) المصدر نفسه 22: 25، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، باب 10، وقد جمع صاحب وسائل الشيعة هذه الروايات في هذا الباب.

([81]) غنية النزوع 1: 438.

([82]) المبسوط 8: 172.

([83]) حكاه عنه العلامة الحلي في مختلف الشيعة 8: 474، المسألة: 74.

([84]) المصدر نفسه.

([85]) الفاضل الهندي، كشف اللثام 10: 326.

([86]) مختلف الشيعة 8: 480.

([87]) المصدر نفسه: 482.

([88]) وسائل الشيعة 27: 351، كتاب الشهادات، باب 24، ح2.

([89]) المصدر نفسه: 351، ح4.

([90]) تنقيح المقال 2: 26، الرقم: 8111.

([91]) وسائل الشيعة 27: 350، كتاب الشهادات، باب 24، ح1.

([92]) المصدر نفسه: 357، ح25.

([93]) المصدر نفسه: 352، ح5.

([94]) تنقيح المقال 1: 39، الرقم: 216.

([95]) وسائل الشيعة 27: 352، كتاب الشهادات، باب 24، ح7.

([96]) تنقيح المقال 3: 170، الرقم: 11230.

([97]) وسائل الشيعة 27: 352، كتاب الشهادات، باب24، ح8.

([98]) المصدر نفسه: 354، ح11.

([99]) رجال الكشي: 338، رقم: 623.

([100]) وسائل الشيعة 27: 357، كتاب الشهادات، باب 24، ح25.

([101]) انظر: تنقيح المقال 3: 170، الرقم: 11230.

([102]) وسائل الشيعة 27: 360، كتاب الشهادات، باب 24، ح35.

([103]) المصدر نفسه: 362، ح42.

([104]) المصدر نفسه: 360، ح35.

([105]) المصدر نفسه: 351، ح3، و 352، ح5.

([106]) المصدر نفسه: 350، ح1.

([107]) المصدر نفسه: 365، ح50.

([108]) المصدر نفسه 30: 120، الفائدة الأولى، مشيخة الصدوق في الفقيه.

([109]) وذكر الفضل في بعض كتبه: الكذابون المشهورون: أبو الخطاب، ويونس بن ظبيان، ويزيد الصائغ، ومحمد بن سنان، وأبو سمينة أشهرهم. انظر: اختيار معرفة الرجال 6: 823.

([110]) القاسم بين الربيع الصحاف، كوفي، ضعيف في حديثه، غال في مذهبه، لا التفات إليه ولا ارتفاع به. انظر: المصدر نفسه 2: 389.

([111]) تنقيح المقال 2: 266، الرقم: 8158.

([112]) المصدر نفسه: 301، الرقم: 8426.

([113]) المصدر نفسه 3: 192، الرقم: 11410.

([114]) كشف اللثام 10: 327.

([115]) وسائل الشيعة 27: 365، كتاب الشهادات، باب 24، ح50.

([116]) المصدر نفسه: 360، ح35.

([117]) النجفي، جواهر الكلام 41: 160.

([118]) وسائل الشيعة 27: 360، كتاب الشهادات، باب 24، ح35.

([119]) المصدر نفسه: 351، كتاب الشهادات، باب 24، ح2.

([120]) المصدر نفسه: 352، ح5.

([121]) المصدر نفسه، ح7.

([122]) جواهر الكلام 41: 160.

([123]) النراقي، مستند الشيعة 18: 274.

([124]) وسائل الشيعة 27: 351 ـ 354، كتاب الشهادات، باب 24، ح4، 5، 7، 10، 12.

([125]) عن أخيه عبد الكريم بن أبي يعفور، عن أبى جعفر قال: «تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات، معروفات بالستر والعفاف، مطيعات للأزواج، تاركات للبداء والتبرج إلى الرجال في أنديتهم». انظر: المصدر نفسه 27: 398، كتاب الشهادات، باب 41، ح20.

([126]) وروي قبول شهادتهنّ في الطلاق مع الرجال، فهذه الرواية وإن ذكرها صاحب الرياض 2: 441، واعتبر موضعها كتاب المبسوط، إلا أننا لم نجدها فيه، كما أن صاحب الرياض ذكر ورود هذه الرواية في الكفاية، ويبدو أنه اعتمد على كلام السبزواري صاحب الكفاية في هذه الرواية، ولا يفوتنا أن النراقي اعتبر هذه الرواية من الأدلّة، وذكر محققو المستند أن مرجعها هو كتاب الرياض (انظر: مستند الشيعة 18: 276)، ومعه فمن الواضح عدم وجود رواية للطوسي من هذا النوع في المبسوط، والله العالم.

([127]) المبسوط 8: 172.

([128]) حكاه عنه في المختلف 8: 474، مسألة: 74.

([129]) مجموعة فتاوى ابن الجنيد: 327.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً