أحدث المقالات

عبر التاريخ حمل المصلحون هم إصلاح حال هذه الأمة بشعوبها المختلفة سعيا منهم لإرساء العدالة الاجتماعية ، وتحقيق نهضة أممية ترفد حضارتنا وتكمل مشوارنا التاريخي نحو النهوض بأمة إقرأ إلى مستوى إعقل.

 

منعطفات كبيرة وبعضها خطير مرت بها مراحل سير هذه الأمة التاريخي ، بدايتها كانت منعطفات داخلية تمظهرت بنقمة السلطة المال ، إذ شاء الله أن تكون منطقتنا غنية بثروات كثيرة أهمها الماء والغاز والنفط والمعادن والمنافذ البحرية التجارية ، وغيرها من الثروات التي عادة ما يتم الصراع عليها كون بالمال يمتلك الإنسان النفوذ والسلطة .

 

حُكِمت منطقتنا قبل الاستعمار بالسوط ومقصلة الإعدام ، ومورس ضد شعوبها إفقار ممنهج وبالتالي تجهيل ممنهج فمن لا يملك المال لا يمكنه التعلم ، لأن ملوك وسلاطين المنطقة لم يعيروا اهتماما للتعليم كونه يهدد وجودهم وكانت الكتاتيب تتكفل بذلك ، وكانت بعثات التعليم غالبها للموالين لها ، إذا تجهيل وإفقار وعدم أمن وتهديد وحروب أدخلتنا كشعوب في دهاليز أبعدتنا عن النهضة والنهوض . ولا يمكننا إخلاء مسؤوليتنا عما وصلنا إليه كون كما تكونوا يولى عليكم ، فأن نموت قاهرين خير من حياتنا مقهورين لكننا اخترنا الحياة بقهر على الموت بعز ، فمكّنَّا الظلمة بعناوين كان السلطان يستجلب فتاواها بالمال من فقهاء السلطة.

 

وفي خضم معمعمة الذل عاد أولئك المتعلمون من الغرب وأطلقوا صيحات التغيير والحداثة في عملية انقلاب مفاجيء وكلي على الواقع الذي هم جزء من صناعته .

 

عادوا ليصرخوا بحضارة الغرب ويهيؤوا الطريق لقدومه إلينا ، جلهم مهد للاستعمار وهيأ له السبل ، فباتت مأساتنا مضاعفة ، ضعف داخلي نتيجة ممارسات متراكمة ، واستعمار خارجي يريد أن ينهب ثرواتنا المنهوبة من الحكام ومن ثم يستعبدنا ويغير هوياتنا.

 

وأرادوا أن يرقعوا حداثتهم ويخيطوا ثوب النهضة وفق مقاساتها في محيط متردي من كافة الجهات .

 

فأمة إقرأ باتت لا تقرأ وطالما هي لا تقرأ إذا فهي لا تعقل ، حيث تم توظيف كل قدراتها في سبيل السعي المُنهِك للقمة العيش ولتوفير أقل قدر من الحياة الكريمة بينما يرتع الحكام في القصور وينفقون أموال الشعب على التسليح والتلقيح .

 

كان لأغلب النخب دورا كبيرا في زيادة ظلمات الجهل ظنا منهم أنهم يصلحون حال الأمة ، فمن نادى بإعادة قراءة التراث ليتواءم مع العصر ظن أن أغلب الشعوب نالت شرف تدينها من القراءة ، بينما هي استقتها من العادات والتقاليد ووراثة ما عليه الآباء وكثر لا يدركون ما تكتنزه تلك الكتب ، فمجرد اطلاق صيحة كهذه في وسط تقليدي فلابد لردود الفعل أن تتوالى ضد هذه الصيحات تحت شعار الدفاع عن الدين وحماية تراثنا الديني وجلهم أصلا لا يعرفون عنه شيء، ولكن مجرد تعبئة عاطفية شعاراتية لنسف كل محاولات التغيير والنهضة ، بل دفعت أصحاب الفضول المعرفي للعودة إلى الذات إن صح التعبير ، وقراءة هذا التراث بغثه وثمينه وكرد فعل بعيد عن الموضوعية حولت منهم كثر من أشخاص كانوا على فطرتهم إلى أشخاص متشددين حاملين لواء الدفاع عن الدين رافضين كل صيحات الحداثة بغثها وثمينها ، ومعلنين كفر من يطالب بمشروع التنقيح .

 

فكانت سبل الاصلاح الدفعية سببا في انكفاء الاصلاح ودفع كثر نحو التطرف وزيادة التمسك بدين هو صنيعة البشر وليس الاله.

 

وللاسف نتيجة سطحية الناس كانوا غالبا ما يذودون عما يعتقدونه دين ، وهو في واقع الأمر بأغلبه أغلالا صنعوها ليكبلوا بها أنفسهم باسم الرب.

 

إضافة أن هذا الاندفاع نحو التغيير زاد من انكفاء المدرسة التقليدية وتمسكها بكل تراثها بما فيه الغث خوفا من دعوات هؤلاء وخاصة فيما يتعلق بالمرأة ، خاصة وقت وجود المستعمر الذي دفع أغلب الجماهير للالتفاف حول التقليديين دفاعا عن هويتهم المهددة ، وفتحت جبهات بين الجهتين كانت الكفة غالبا في محيط محافظ ترجح لصالح المدرسة التقليدية حفاظا منهم على استقرار المجتمع وعفته، وخوفا من خروج الناس أفواجا من الدين، وخاصة مع تسلل للمستعمرين إلى أرضنا تحت أيضا شعارات الاصلاح وتخليص الشعوب من الاستبداد.

 

فاختلط الأمر على الناس البسطاء بين الدفاع عن الأرض والعرض والدفاع عن مقدس أغلبه موهوم ، ومع ذلك وجدنا هؤلاء البسطاء بفطرتهم حملوا السلاح وذادوا عن أرضهم وعرضهم ، بينما جل النخب انكفأت وراء الاستعمار أو السعي نحو الوجاهات بين المناضلين والتسلق على دمائهم لتحقيق مواقع نفوذ متقدمة .

 

 

 

 

إن أي نهضة وأي حركة إصلاحية لا تخرج من رحم الواقع ولا تراعي الحالة العامة ولا تزاوج بين الرفق الاجتماعي ورسالتها النهضوية والاصلاحية ، ولا تتدرج في طرحها فهي ستؤول إلى الفشل .

 

لقد نادوا بالحداثة بكلها فقابلهم رفض لكلها ، ونادوا بتحرير المرأة بشكل خاطيء ، فقابلهم انكفاء أكبر للمرأة خوفا عليها وعلى المجتمع ، لقد استخدم أكثرهم ثقافتهم النخبوية كسلطة تسلقوا من خلالها على رقاب الناس ، فبينما هو ينتقد العالم لانغماسه في السلطة وجدنا جلهم يتسابقون مع كثير من العلماء على أبواب هذه السلطة ، وبينما هو ينتقد العالم في استخدام علمه لينقاد الناس خلفه دون نقاش ، وجدناهم حولوا أنفسهم آلهة فلا أريكم إلا ما أرى .

 

اليوم في ظل هذه الظروف التي تمر بها منطقتنا انكشفت القصة فلا علم كثير من العلماء نافع ولا ثقافة كثير من النخب أثرت في التغيير ، فالمجتمعات غارقة في المذهبية ورياحها المدمرة ، ومازالت في ضنك من العيش ، وفي الأزمات العصيبة تقدمت ثقافة  السلاح العسكري على سلاح العقل ، وتراجعت كل أسلحة المعرفة وشعارات الحداثة وصيحات الاصلاح وتنقيح التراث ، ليتمترس هم أنفسهم أصحاب الدعوة بذلك التراث بغثه وثمينه ، وليعمقوا التخلف وليدفعوا بالجهل ومسيرته قدما .بل ليقودوا هم تلك المسيرة نحو مزيد من الجاهلية باسم الحداثة.

 

مع العلم أن أصحاب الحداثة اليوم – أي الغرب – تجاوزوها وأعادوا النظر بها نقدا وتقييما وتقويما ، وهم مازالوا غارقون في صراعاتهم الحداثوية المزعومة.

 

لقد غابت كل مشاريع وآمال وطموح المصلحين الجادين بسبب هؤلاء كثيري الثرثرة ، وباتت دعوات المعرفة وتنضيج العقل من قبيل الترف الفكري ، لغرق الشعوب في وحول الفقر والمذهبية ، فحينما يكون لديك عطاشى وتريد أن تسكنهم في منزل جميل فهم لن يلتفتوا لجماله بل سيلتفتوا فقط لمصدر الماء فيه لإرواء عطشهم .

 

علت أصوات كثيرة للاصلاح والنهوض وجلها كانت أبواق تتوق للشهرة والجاه والمال عند أول مفترق طريق تم شراءهم ليكونوا في صف السلطة ضد الجماهير ولتتحول نظرياتهم في النهضة والاصلاح إلى مجرد ثرثرة في صالونات الثقافة وفي الاعلام ليكسبوا مقابلها مالا ، دون  وجود أي مشروع عملي ينهض بحال الناس.

فحينما يكون أغلب الجمهور يبحث عن رغيف الخبز فلن  يلتفت لكل هذه السفسطة .

فجوع البطن يصرف العقل عن جوع المعرفة.

لقد كشف واقعنا الاقليمي حقيقة جل مشاريع الاصلاح وجل أصحابها ، وكشفت فاعلية هذه المشاريع في ساحة عقل الجمهور ، والذي في مواقع أبدى تقدما على هؤلاء ، لا أقلا رفض بيع ذمته بحفنة من المال .

الاصلاح لا يمكنه أن يحقق أهدافه إلا إذا كان المصلح صالحا ، وأدواته صالحة وعقله صالحا ووجوده كله صلاح ، إننا اليوم ينطبق علينا قوله تعالى ” كل حزب بما لديهم فرحون”.

إن التخلف سمة تصيب العالم والمثقف والجاهل ، ولكنها أبشع من العالم والمثقف ، إن ما يبديه أغلب الجماهير اليوم وخاصة في الخليج هو صناعة هؤلاء ، أغلب العلماء والمثقفين ، صناعة صراعاتهم على المصطلحات والمواقع ، صناعة مناكفاتهم على الدين والتراث ، فلو جسروا علاقتهم بالتكامل والتحاور والتعاون لأثمرت بستانا فيه ألوان جميلة من الآراء ، ولالتف حولهم الناس وارتقوا بهم وبمعرفتهم ونقلوهم إلى مستوى إقرأ ثم إعقل .

إن ما تعانيه جل مجتمعاتنا اليوم هو كاشف عن حقيقة هؤلاء وإلا كل هذا الكم من العلماء والمثقفين وظهرت بين ظهرانينا داعش والتي باعتقادي هي منهج غير خاص بمذهب بل قد يكتنز جلنا داعشي في داخله .

هي صرختي في وجه التخلف ، ارحمونا يرحمكم الله .

مجرد شقشقة

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً