أحدث المقالات

د. حسين أترك(*)

ترجمة: مرقال هاشم

المقدّمة

إن من بين العقائد الهامّة والمحوريّة في الكلام الإسلاميّ ـ ولا سيَّما الشيعيّ على وجه الخصوص ـ الاعتقاد بعصمة الأنبياء. يتميَّز الشيعة من بين الفِرَق الإسلامية بعقيدة العصمة المطلقة للأنبياء. واعتقادُهم هذا قريبٌ من الإجماع([1]). وهناك مَنْ ذهب إلى القول بأن هذا يُعَدّ من الثوابت والمسلمات الاعتقادية للإسلام، وادّعى الإجماع على ذلك([2]).

وبغضّ النظر عن الاختلافات الجزئية، يذهب أغلب المتكلِّمين الشيعة إلى الاعتقاد بأن الأنبياء معصومون من الذنوب، كبيرها وصغيرها، كما أنهم معصومون من الخطأ والنسيان في الأمور الدينيّة، بل في غير الأمور الدينيّة أيضاً، قبل البعثة وبعدها.

وهذا الاعتقاد من الشيعة يستند إلى أدلّةٍ عقليّة ونقليّة متعدِّدة.

ويمكن القول: إن برهان نقض الغرض وبرهان الوثوق والاعتماد من أهمّ البراهين العقليّة على عصمة الأنبياء.

وقد عمَدْنا في هذا المقال، بعد بيان هذَيْن البرهانين من وجهة نظر المتكلِّمين الإسلاميّين، إلى نقدهما ودراستهما بأسلوبٍ توصيفيّ ـ تحليليّ.

إن السؤال الأصلي في هذا التحقيق هو: هل عصمة الأنبياء في الوثوق والاعتماد من قِبَل الناس بالأنبياء وتحقُّق الغرض الإلهي من النبوّة ـ المتمثِّل بهداية الناس ـ ضروريةٌ، أم أن غرض النبوة وإيجاد الاعتماد والوثوق بين الناس والأنبياء ممكنٌ حتّى من دون اشتراط العصمة أيضاً؟

إن الغاية من هذا المقال هي نقد ومناقشة هذين البرهانين، من حيث إثبات المطلوب (العصمة). بَيْدَ أن ردّ هذين البرهانين لا يعني بالضرورة رفض المطلوب؛ وإنما يثبت مجرَّد عدم صوابيّة الدليل، دون بطلان المدَّعى المتمثِّل بأصل عصمة الأنبياء.

الأدلّة العقليّة على عصمة الأنبياء

هناك الكثير من الأدلة العقليّة المذكورة في الكلام الشيعي على إثبات عصمة الأنبياء، وبعضها عبارةٌ عن: برهان نقض الغرض؛ وبرهان الوثوق والاعتماد؛ وبرهان اللطف؛ وبرهان امتناع ترجيح المرجوح؛ وبرهان لزوم التسلسل في الأنبياء؛ وبرهان امتناع عوامل المعصية في الأنبياء؛ وما إلى ذلك من البراهين العقليّة الأخرى([3]).

ومن بين هذه البراهين يُعَدّ البرهانان الأوّلان ـ أي: برهان نقض الغرض؛ وبرهان الوثوق والاعتماد ـ من أهمّ البراهين على عصمة الأنبياء.

وأما الأدلّة الأخرى فلا ترقى إلى هذين البرهانين، من حيث القوّة والاستحكام.

وكلا البرهانين بصدد إثبات عصمة الأنبياء على نحوٍ سابق.

أـ برهان نقض الغرض

يتمّ بيان هذا البرهان في إثبات عصمة الأنبياء بشكلٍ مستقلّ تارةً؛ وبشكلٍ مدمج في برهان الوثوق والاعتماد تارةً أخرى.

وقيل في تقرير هذا البرهان بشكلٍ مستقلّ:

1ـ إن غرض الله سبحانه وتعالى من بعث الأنبياء وإرسال الرُّسُل هو إرشاد الناس إلى المصالح الواقعية، وردعهم عن المفاسد الحقيقية، وإعداد المقدّمات التي يمكن من خلالها العمل على تربيتهم وتعليمهم وتزكيتهم؛ من أجل الوصول إلى الكمالات التي تليق بالإنسان، وتضمن له السعادة في الدنيا والآخرة.

2ـ إن هذه الغاية لا يمكن أن تتحقَّق من دون عصمة الأنبياء؛ إذ لو كان يجوز عليهم الخطأ والنسيان أو العصيان لن يتحقَّق إرشاد الناس إلى المصالح، والنهي عن المفاسد الواقعيّة، وهذا يمثِّل نقضاً لغرض الله سبحانه وتعالى من إرسال الأنبياء.

3ـ إلاّ أن الله الحكيم لا يصدر عنه ما ينقض غرضه؛ وعلى هذا الأساس يجب أن يكون الأنبياء معصومين ـ في أمر الرسالة وهداية الناس ـ من الخطأ والنسيان والعصيان([4]).

وقيل في تقرير هذا البرهان المدمج ببرهان الوثوق والاعتماد:

1ـ إن الغرض من إرسال الرُّسُل هو هداية الناس.

2ـ إن هداية الناس لا تتحقَّق من دون وثوق الناس واعتمادهم على الأنبياء.

3ـ إن الناس لا يمكنهم الوثوق والاعتماد على الأنبياء من دون عصمتهم.

4ـ إذن يجب أن يكون الأنبياء معصومين، وإلاّ لن يتحقَّق وثوقٌ من قِبَل الناس بالأنبياء، وبالتالي لا يكتب التحقُّق لهدايتهم، وهذا نقضٌ للغرض والغاية من رسالة الأنبياء.

قال العلاّمة الحلّي في بيان هذا البرهان: «العصمة لطفٌ خفيّ يفعله الله تعالى بالمكلَّف، بحيث لا يكون له داعٍ إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية، مع قدرته على ذلك؛ لأنه لولا ذلك لم يحصل الوثوق بقوله، فانتفت فائدة البعثة، وهو محالٌ»([5]).

وقال في موضعٍ آخر: «الدليل على عصمة الأنبياء أنه لو وقع الخطأ [منهم] لزم التنفُّر عن أقوالهم. والتالي [في هذا البرهان] باطلٌ؛ وإلاّ لزم نقض الغرض من البعثة؛ فالمقدَّم مثله [في البطلان]»([6]).

ب ـ برهان الوثوق

إن وثوق الناس واعتمادهم على الأنبياء ـ طبقاً لهذا البرهان ـ ضروريٌّ في تحقُّق الهدف والغاية من النبوّة، وعليه لا يمكن للنبيّ أن لا يكون معصوماً([7]).

وكما ذكَرْنا سابقاً فإن أحد تقريرات برهان نقض الغرض يتلخَّص في دمجه وإدغامه ببرهان الوثوق والاعتماد. وحيث إن المقدّمة الأهمّ ونقطة ثقل برهان نقض الغرض تتمثَّل بضرورة وثوق الناس واعتمادهم على الأنبياء فقد ورد هذا البرهان [برهان الوثوق] في المصادر الكلاميّة بشكلٍ مستقلّ عن برهان نقض الغرض أيضاً.

فقد ذهب المتكلِّمون الإسلاميون إلى اعتبار عصمة الأنبياء شرطاً ضروريّاً في وثوق الناس واعتمادهم على الأنبياء لتحقُّق الهدف والغاية من النبوّة([8]).

قال المحقِّق الطوسي في بيان هذا البرهان: «ويجب في النبيّ العصمة؛ ليحصل الوثوق؛ فيحصل الغرض [من النبوّة]»([9]).

وقال السيد المرتضى في بيان هذا البرهان: إن الغاية من بعثة الأنبياء لا تتحقَّق إلاّ إذا امتثل الناس له، وصدَّقوه في ما جاء به. لا شَكَّ في أن الذي يُحتَمَل في حقّه ارتكاب المعاصي الكبيرة، ولا نأمن من إقباله على المعاصي، لن تطمئنّ نفوسنا به، ولا نسكن إليه. وقد رأى أن دليل هذه المسألة (عدم الوثوق والاعتماد) هي العادة والمسار الطبيعيّ للحياة([10]).

وعلى هذا الأساس، يمكن بيان الصورة الكلِّية لهذا البرهان كما يلي:

1ـ لو أن الناس شاهدوا صدور معصيةٍ أو خطأ ـ صغير أو كبير ـ عن النبيّ، سواء كان عن عَمْدٍ أو سَهْو، قبل النبوّة أو بعدها، فإنهم سيفقدون ثقتهم واعتمادهم عليه، وبالتالي فإنهم لن يتّبعوه.

2ـ لو لم يتَّبع الناسُ نبيَّ الله فإن الغاية من البعثة ـ المتمثِّلة في هداية الناس من طريق الاتّباع للأنبياء ـ لن يُكْتَب لها التحقُّق.

3ـ وعلى هذا الأساس، يجب أن يكون الأنبياء معصومين من جميع أنواع المعاصي والذنوب، بل من النسيان والخطأ أيضاً.

في تقريرٍ آخر عن هذا البرهان تمّ اعتبار صدور جميع أنواع الكذب وارتكاب المعاصي من الأنبياء ـ سواء ما كان منها عمداً أو سَهْواً أو نسياناً ـ موجباً لزوال الثقة وفقدان الاعتماد من قِبَل الناس عليهم.

قال السيد إبراهيم الزنجاني في تقرير هذا البرهان: «الأوّل: إنه لو انتفَتْ العصمة لم يحصل الوثوق بالشرائع والاعتماد عليها؛ فإن المبلِّغ إذا جوَّزْنا عليه الكذب وسائر المعاصي جاز أن يكذب عمداً أو نسياناً، أو يترك شيئاً ممّا أُوحي إليه، أو يأمر من عنده؛ فكيف يبقى اعتمادٌ على أقواله؟!»([11]).

إن السبب الذي يدعو المتكلِّمين في هذا البرهان إلى العمل على نفي جميع أنواع إمكان واحتمال ارتكاب الخطأ والمعاصي من الأنبياء هو أنه لو كان هناك احتمالٌ أو افتراضٌ عقليّ لارتكاب هذه الأمور من قِبَل الأنبياء، حتّى إذا لم يرتكبوها على المستوى العمليّ وفي الواقع، سيبقى الطريق مفتوحاً أمام الناس للاحتجاج على النبيّ؛ إذ يقولون له: حيث يُحتَمَل في كلامك الخطأ والعصيان فنحن لا نستطيع الوثوق بك والاعتماد على كلامك. وعليه لا تكون إطاعة أوامر النبيّ واجبةً على المكلَّفين.

وقد ورد هذا المعنى في الكلام الشيعيّ صراحةً: «لا بُدَّ لكلّ نبيٍّ أن يكون موضع ثقة عموم الناس قبل كلّ شيءٍ، بحيث لا يجدون في كلامه أيّ احتمالٍ للكذب والخطأ والتناقض؛ إذ إنّ مركزه سوف يتزلزل في غير هذه الحالة. إذا لم يكن الأنبياء معصومين فإنّ المتذرِّعين سوف يحتجُّون لعدم إيمانهم بإمكانية خطأ الأنبياء، كما أنّ الباحثين عن الحقيقة يتزعزع إيمانهم بصحّة محتوى دعوتهم، فيرفض الطرفان رسالاتهم، أو إنه ـ في الأقلّ ـ لا يكون تقبُّلهم لها مصحوباً بحرارة الثقة والإيمان. هذا الدليل ـ الذي يُسمّى (دليل الاعتماد) ـ يعتبر من أهمّ أدلّة عصمة الأنبياء»([12]).

وقال بعض المتكلِّمين، بعد بيان هذا الاستدلال: إننا لو احتملنا، حتّى بمقدار ذرّةٍ، صدور الخطأ في فعل أو قول النبيّ فسوف ينتفي الغرض من بعث الأنبياء.

قال الشيخ المظفَّر: «…على أن كلّ شيءٍ يقع منه [النبيّ]، من فعلٍ أو قولٍ، فنحن نحتمل فيه المعصية أو الخطأ، فلا يجب اتّباعه في شيءٍ من الأشياء، فتذهب فائدة البعثة، بل يصبح النبيّ كسائر الناس، ليس لكلامهم ولا لعملهم تلك القيمة العالية التي يعتمد عليها دائماً، كما لا تبقى طاعةٌ حَتْميّة لأوامره، ولا ثقةٌ مطلقة بأقواله وأفعاله»([13]).

إن برهان الوثوق والاعتماد لا يثبت عصمة الأنبياء بعد البعثة فحَسْب، بل يثبتها حتّى في مرحلة ما قبل البعثة أيضاً؛ وذلك لعدم إمكان الوثوق والاعتماد بشكلٍ كامل على شخصٍ قضى رَدْحاً من عمره بالمعاصي، ثمّ اهتدى. لا شَكَّ في أن اختيار شخصٍ كان معصوماً منذ بداية حياته لأمر النبوة أفضل من الشخص الذي يُعْصَم بعد البعثة. إن الحكمة الإلهيّة تقتضي اختيار الشخص الأفضل([14]).

إن برهان الوثوق والاعتماد؛ بسبب تأكيده على الاعتماد والوثوق الكامل وسكون النفس واطمئنانها للأنبياء، لا يحظر صدور المعصية فحَسْب، بل يمنع حتّى من صدور الخطأ والنسيان في أمور الدعوة والرسالة الدينيّة، بل حتّى في الأمور العادية في الحياة أيضاً؛ وذلك لأن هذه الأمور تستوجب عدم الوثوق والاعتماد الكامل عليه.

ولو ارتكب النبيّ خطأً أو نسياناً في أمور الحياة العادية يبقى هناك على الدوام احتمالٌ لصدور الخطأ والسَّهْو في الأمور الدينية أيضاً.

وعلى هذا الأساس، يجب أن يكون الأنبياء معصومين من المعاصي والنسيان والأخطاء.

ثمّ إن هذا البرهان لا يمنع من ارتكاب مجرَّد المعصية والخطأ والنسيان فحَسْب، بل يمنع حتّى احتمال وتجويز ارتكاب هذه الأمور من قِبَل الأنبياء أيضاً.

ويؤكِّد هذا البرهان على نَفْي وإبطال جميع أنواع الاحتمال والإمكان العقلي لارتكاب المعاصي والنسيان والخطأ عن الأنبياء، ممّا يستوجب عدم الوثوق والاعتماد عليهم.

نقد البراهين

يبدو أن إشكالاتٍ في مقام الإثبات تَرِدُ على هذه البراهين. فإنه للوثوق والاعتماد على الأنبياء لا حاجة إلى افتراض العصمة، وإن الغرض الإلهيّ من إرسال الرُّسُل يتحقَّق حتّى من دون العصمة المطلقة للأنبياء. وحيث كانت نقطة ارتكاز برهان نقض الغرض في بعض تقريراته تستند إلى برهان الوثوق والاعتماد فإننا في مقام النقد سوف نبدأ بنقد برهان الوثوق.

أـ نقد برهان الوثوق والاعتماد

1ـ جواز الوثوق والاعتماد دون افتراض العصمة

إن النقد الأهمّ الذي يَرِدُ على برهان الوثوق والاعتماد على الأنبياء أنه لا حاجة إلى افتراض العصمة التامّة؛ بمعنى نَفْي حتّى إمكان واحتمال ارتكاب المعصية عن نسيانٍ أو خطأ.

يقول القاضي عبد الجبّار المعتزلي: إن النفوس البشرية تعتمد وتثق بمَنْ كان له فضلٌ عظيم، وليس من اللازم أن يكون متّصفاً بمزيدٍ من الفضل، بحيث لا يصدر عن الفاضل أيّ خطأ. وعليه فإنه يجيز على الأنبياء ارتكاب الذنوب الصغيرة سَهْواً. وقد استشهد لذلك بالمعاملات الشائعة بين الناس، حيث إنهم يعتمدون على الشخص بمجرّد اشتهاره بالأمانة، ولا يرَوْن ضرورةً لإحراز الأمانة في الحدود العليا([15]).

ويبدو أن وثوق واعتماد الناس على الأنبياء هو أوّلاً ـ وفي المجموع ـ على مستوى وثوقهم واعتمادهم على بعضهم، وعلى العلماء والمتخصِّصين وأصحاب العلوم والفنون والزعماء السياسيّين والاجتماعيّين ومراجع الدين، وكما سيأتي توضيحه، فإن كونهم مصدر الدين والتشريع الإلهي لا يُحْدِث فَرْقاً في ذلك؛ فإن الناس على الرغم من علمهم بعدم عصمتهم من الخطأ والنسيان والمعاصي يعتمدون عليهم ويثقون بهم. وإن لثقة الناس واعتمادهم على بعضهم عللاً وأسباباً لا يُستثنى الأنبياء منها. ومن ذلك أن الأصل الأوّلي بين الناس في الظروف والشرائط العادية أن الوثوق والاعتماد هو الأصل؛ بمعنى أن الناس في ظروف الحياة العادية([16]) يعتمدون على بعضهم، إلاّ إذا ثبت لهم الخلاف، وتبيَّن لهم الكذب ونقض العهد من الشخص الذي كانوا يثقون به. فعندما نرى شخصاً للمرّة الأولى فإننا نعتمد عليه عادةً، ونحمل كلامه على محمل الصحّة، إلاّ إذا كان لدينا سببٌ أو دليلٌ على عدم الاعتماد عليه. إن عدم الاعتماد والوثوق هو الذي يحتاج إلى دليلٍ، وأما الوثوق والاعتماد؛ فحيث يوافق الأصل الأوّلي، لا يحتاج إلى دليلٍ، في الظروف العادية، وفي الأمور السائدة.

والعنصر الثاني في الوثوق بالآخر والاعتماد عليه هو العلم؛ فإن الشخص الجاهل؛ بسبب جهله، يكون في مقام العمل واقعاً في ظلّ ظروفٍ لا يستطيع معها الاختيار بشكلٍ صحيح. ومن هنا يضطرّ إلى الاعتماد على الشخص العالم؛ بسبب علمه. وإن سبب رجوع غير المختصّ إلى المتخصِّص يأتي من هذا الباب. إن المتخصِّص يعمل باختصاصه وعلمه على رفع حاجة غير المتخصِّص والجاهل. وكلّما كان علم الشخص أكثر كان اعتماد الناس عليه وثقتهم به أكبر. ولذلك فإن الناس في بحثهم بين المتخصِّصين يسعَوْن للعثور على أفضلهم. وعلى الرغم من احتمال وقوع الخطأ في كلام المختصّ، إلاّ أن هذا لا يحول دون اعتمادهم عليه وثقتهم به؛ فإن الخير الكثير منهم يشفع لهم بالتغاضي عن الخطأ والشرّ القليل.

والعنصر الثالث في الاعتماد والوثوق بالآخر يمكن أن يكون راجعاً إلى أحقِّية كلامه؛ فإن أحقِّية الكلام التي يمكن الوصول إليها واكتشافها بواسطة العقل العُرْفي تستوجب الوثوق. إن الإنسان عندما يلمس الصدق من شخصٍ فإنه يميل إليه نفسيّاً، وبشكلٍ طبيعيّ، وكلّما كان مقدار صدقه أكثر كان الاعتماد على كلامه والوثوق به أكبر. وإن صدق الكلام وحقّانيته تسري إلى صاحب الكلام أيضاً. وعلى الرغم من عدم صوابيّة تسرية حقّانية الكلام إلى الشخص من الناحية المنطقيّة، بَيْدَ أن هذا يتطابق مع العادة والمسار العاديّ للأمور في الحياة والآليّات النفسيّة. وإن دعوة الأنبياء ومَيْل الناس إليهما ليست استثناءً من ذلك.

رابعاً: إن الفضائلَ الأخلاقية بدَوْرها واحدةٌ من عناصر الاعتماد والوثوق بالآخر. فعندما يرى الناس الفضائل الأخلاقيّة على شخصٍ، من قبيل: الصدق والتقوى والعلم والحكمة وحبّ الخير وما إلى ذلك، فإن ثقتهم به واعتمادهم على كلامه يصبح أكبر. وبعبارةٍ أخرى: خلافاً للعنصر الثالث فإن صدق الشخص يسري إلى صدق كلامه. ولذلك قد نقبل كلام شخصٍ نثق به ونعتمد عليه دون أن نطالبه بدليلٍ.

وعلى هذا الأساس، يمكن القول بأن هذه العناصر الأربعة هي التي تشكِّل الأصول العامّة لاعتماد الناس وثقتهم.

وبطبيعة الحال فإن هذا استقراءٌ ناقص، ويمكن أن نضيف إليه عناصر أخرى. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن القدرة على إنجاز الأعمال، وتدبير الأمور وإدارتها بكفاءةٍ، واتخاذ القرارات الصحيحة في المواطن الحاسمة وفي مواقع الخطر، من العناصر الأخرى في تحقيق الثقة والاعتماد.

وعلى أيّ حالٍ فإن الغرض كان هو بيان كيفيّة تحقُّق الثقة لدى الناس ببعضهم، وردّ هذا الادّعاء من قبل المتكلِّمين، والقول بأن الثقة بالأنبياء لا يمكن أن تتحقَّق إلاّ مع افتراض عصمتهم. وحيث إن دعوة الأنبياء إلى الدين أمرٌ إنسانيّ وظاهرةٌ اجتماعيّة يمكن تفسير اعتماد الناس وثقتهم بالأنبياء على هذا الأساس.

ولا شَكَّ في أن الثقة والاعتماد أمرٌ ذو مراتب تشكيكيّة، وفي بعض الموارد والمسائل قد تكون هناك حاجةٌ إلى المزيد من العناصر المُورِثة للاطمئنان. كما أن جميع المسائل الدينيّة بدَوْرها ليست على وتيرةٍ واحدة في الأهمّية.

وعليه فإن قبول دعوة الأنبياء في مورد بعض المسائل المطابقة للفطرة والرغبة والحقوق والأخلاق، أو التي تؤدّي إلى النظم والمصلحة الاجتماعية، أسهل بكثيرٍ من قبول دعوتهم في المسائل الأكثر تعقيداً، والأكثر بُعْداً عن الحسّ.

إن الأنبياء في المسائل الدينيّة الحسّاسة والمعقَّدة بحاجةٍ إلى المزيد من الشواهد والأدلّة العقلية وغير العقلية على نحوٍ أكثر وأقوى. ورُبَما كان وجود التفسيرات العقلية في بعض المفاهيم الدينية الهامّة، من قبيل: وجود الله والمعاد وعدم وجوده، وعدم وجودها في مورد بعضٍ آخر، من قبيل: الفروع والجزئيّات الدينية، لهذا السبب.

ويبدو أنه بالإمكان تفسير معجزات الأنبياء في إطار العناصر الموجبة للوثوق والاعتماد؛ فإن القدرة على القيام بعملٍ يعجز عنه الآخرون يستوجب ثقة الناس واعتماد الآخرين على الشخص القادر. كما يمكن للمعجزة ـ بالإضافة إلى إثبات صدق النبيّ في ادّعاء النبوة (طبقاً للرأي السائد) ـ أن تمثِّل الخطوة الأولى في مسار التأسيس للوثوق والاعتماد على الأنبياء.

ومن هنا قال بعض المتكلِّمين من الشيعة في نقد برهان الوثوق: إن وثوق الناس بصدق النبيّ قد لا يكون بسبب عصمته الممنوحة له من قِبَل الله، بل لدليلٍ عقليّ حصلوا عليه بعد قيام المعجزات، ودلالة العديد من البيِّنات على صدقه في مدَّعاه. إن الناس سوف يعتمدون عليه ويثقون به على أساس حكم العقل، ولن يجيزوا عليه الكذب في الأوامر والنواهي والأفعال التي يأمر باتّباعها، وإنْ كانوا يجيزون له الكذب والعصيان في أموره الأخرى، باستثناء الأوامر والنواهي([17]).

ونتيجةً لذلك يمكن بيان وثوق واعتماد الناس على الأنبياء في ضوء العناصر المذكورة على النحو التالي: إن الناس في تعاطيهم مع الأنبياء على أساس الأصل الأوّلي للاعتماد، وعلى أساس المعرفة القَبْلية الحاصلة لهم خلال معاشرتهم له على مدى السنوات الطويلة، وبسبب الفضائل الأخلاقية التي يعرفونها منه، وكذلك على أساس صدق كلامهم، وفوق ذلك كلّه على أساس المعجزة التي يجترحها لهم، وكلّما أطاعوه أكثر تجلَّتْ لهم حقّانيته بشكلٍ أكبر، وبذلك تصبح الأرضية للوثوق والاعتماد الكامل والتامّ عليه متوفّرةً. ولذلك لا حاجة لافتراض عصمة الأنبياء لإثبات الوثوق والاعتماد عليهم، بل يكفي في ذلك امتلاكهم لمَلَكة التقوى، والاشتهار بين الناس بالصدق والصلاح.

أثبَتْنا حتّى الآن إمكان الاعتماد على الأنبياء والوثوق بهم على أساس الأسباب والعناصر الطبيعيّة، دون القول بالعصمة.

إشكالٌ وجواب

ولكنْ قد يُشْكِل أحدٌ هنا، ويقول بأن الاعتماد المطلق على الأنبياء لخصوصيّة الدين وإبلاغ الشريعة يحتاج إلى شيءٍ أكبر من مجرَّد هذه العناصر. وعليه يجب أن يكون النبيّ معصوماً قطعاً؛ لكي يذعن الناس له بشكلٍ تامّ، ولا يتسلَّل إلى نفوسهم أدنى شكٍّ في صحّة إطاعتهم لأوامره؛ فإننا على الرغم من اعتمادنا وثقتنا بالطبيب ومراجع الدين والزعماء السياسيين، بَيْدَ أن اعتمادنا هذا مقرونٌ دائماً بوجود احتمال صدور الخطأ منهم، ولا يصل هذا الاعتماد إلى نسبةٍ مئويّة كاملة. وعليه فإن احتمال وإمكان ارتكاب المعصية والنسيان والخطأ في حقّ الأنبياء يؤدّي إلى عدم الوثوق والاعتماد الكامل عليهم.

وهذا هو الإشكال الذي أفاده بعض المتكلِّمين الإسلاميّين بشكلٍ محدَّد، فقد أشكلوا على ذلك بأن قياس الأنبياء إلى علماء الدين والمتخصِّصين في العلوم والفنون البشريّة قياسٌ مع الفارق. إن رؤساء القبائل والساسة وقادة المجتمعات يدعون الناس إلى حطام الدنيا، وأما الأنبياء فيدعونهم إلى الله ودار الخلود في الآخرة، والناس بطبيعتهم لا يقبلون مثل هذه الدعوة إلاّ إذا كان الأنبياء معصومين من الذنوب والمعاصي والآثام([18]). إن تبليغ الدين من قِبَل مراجع الدين لا يأتي بوصفهم سفراء الله وخلفاء الله، وإنما هم يعتبرون أنفسهم مجرَّد ناقلين للفتاوى والأحكام إلى المكلَّفين، ولا يمتلكون العلم بالأحكام الواقعيّة الموجودة في اللوح المحفوظ. وأما الأنبياء والأولياء الإلهيين فهم سفراء الله وخلفاؤه، وخليفة الله يجب أن يكون منزَّهاً من جميع أنواع السَّهْو والخطأ([19]).

وقد تعرَّض السيد المرتضى، بعد بيان برهان الوثوق والاعتماد، في معرض الجواب عن إشكالٍ مقدَّر ـ حيث يمكن القول: إن الناس والكثير من الفِرَق والمذاهب يجيزون ارتكاب المعاصي من قِبَل الأنبياء، بَيْدَ أن هذا لا يؤدّي إلى نفور الناس منهم وتفرُّقهم من حولهم، ويبقَوْن على ما كانوا عليه من الوثوق بهم والاعتماد عليهم ـ، قائلاً: ليس المراد من تنفُّر الناس وتفرُّقهم من حول الأنبياء أنهم لا يعودون يثقون بهم أو يعتمدون عليهم أبداً، بل المراد هو أن سكون النفس واطمئنان الناس إلى الذي لا يحتملون في حقِّه ارتكاب المعاصي أكثر من سكون أنفسهم واطمئنانهم إلى الذي يحتملون صدور المعاصي منه([20]).

ويمكن القول في الجواب عن هذا الإشكال: إن الاختلاف المذكور بين الأنبياء ومراجع الدين لا يُشكِّل فَرْقاً في محلّ النزاع (إمكان الاعتماد والوثوق دون افتراض العصمة)؛ فقد ذهب القائلون ببرهان الوثوق إلى الادّعاء بأن اعتماد الناس وثقتهم بالأنبياء رَهْنٌ بعصمة الأنبياء المطلقة. وقيل في المقابل: إن الوثوق بالأنبياء لا يحتاج إلى افتراض العصمة بالضرورة. والمصداق البارز على ذلك نجده في مراجع الدين؛ حيث إن الناس يثقون بهم، ويعتمدون عليهم، ويتّبعونهم، رغم عدم عصمتهم. إن مراجع الدين، من خلال اتّصافهم بمَلَكة التقوى والنزاهة، على الرغم من عدم عصمتهم، بل مع ارتكابهم للأخطاء القليلة، يمكنهم الاضطلاع بوظيفة هداية الناس وإرشادهم إلى الله والآخرة. وهذا أقوى دليلٍ على إمكان تحقيق الغرض والغاية من الرسالة، دون الاضطرار إلى افتراض العصمة. وعلى هذا الأساس، فإن البحث يدور حول إمكان الاعتماد أو عدم الاعتماد على غير المعصوم، ولا يدور حول العلم أو عدم العلم بالأحكام الواقعيّة واللوح المحفوظ.

إن إشكال السيّد المرتضى ـ الذي قَبِلَ بأصل الاعتماد على غير المعصوم ـ يحتاج إلى جوابٍ آخر. فنحن نوافقه في أن سكون الناس واطمئنانهم وثقتهم بالشخص الذي لا يُحتَمَل في حقّه ارتكاب المعاصي أكبر من اعتمادهم وثقتهم بالشخص الذي يحتملون منه صدور المعاصي، بَيْدَ أن السؤال يقول: ماذا نفعل إذا كان إرسال مثل هذا الشخص لهداية الناس غير ممكنٍ؛ بسبب جواز صدور الخطأ من كلّ إنسانٍ؟ أليس الحلّ الوحيد يكمن في الاكتفاء بشخصٍ في مرتبةٍ أدنى؛ لضمان عدم تفويت الغرض الرئيس من إرسال الرُّسُل، وهو الغرض المتمثِّل بهداية جميع الناس إلى الله سبحانه وتعالى؟ إذا كنّا نعتقد أن الأنبياء من البشر، وأن العصمة أمرٌ اختياريّ، إذن سوف يكون احتمال ارتكاب الخطأ والذنب عنهم موجوداً على الدوام (سيأتي توضيح هذا الادّعاء لاحقاً). ونتيجةً لذلك سوف يكون الله على مفترق طريقين: أن يرسل نبيّاً يحتمل في حقِّه ارتكاب الذنب والخطأ، ولذلك يُحتَمَل أن لا يثق به عددٌ قليلٌ من الناس؛ وأن لا يرسل هذا النبيّ، الأمر الذي سيترتَّب عليه ضلال عددٍ كبيرٍ من الناس. وعلى أساس حكم العقل بوجوب دفع الأفسد بالفاسد، أو ضرورة اكتساب الخير الكثير على الرغم من اشتماله على الشرّ القليل، تكون النتيجة أن المعقول والأرجح منطقيّاً هو أن يختار الطريق الأوّل.

2ـ لزوم العصمة الجَبْرية

كما ذكَرْنا في بيان برهان الوثوق والاعتماد، فإن هذا البرهان يستلزم أن يكون الأنبياء معصومين من ارتكاب الذنب؛ إذ لا يمكن الاعتماد عليهم بالكامل إلاّ في فرض هذه الحالة. فلو احتملنا صدور أيّ نوعٍ من أنواع الذنوب والأخطاء من النبيّ فإن باب الاعتماد والوثوق الكامل بهم سوف ينغلق، وينفتح باب الاحتجاج على عدم التَّبَعية لهم.

يرى كاتب هذه السطور أن هذا المستوى من الاعتماد والوثوق لن يكون ممكناً إلاّ في حالة استناد عصمة الأنبياء إلى الله سبحانه وتعالى؛ فإن كلّ محاولةٍ لإسناد عصمة الأنبياء إلى إرادتهم واختيارهم سوف تستلزم احتمال وإمكان ارتكاب الذنب منهم. إن هذا المدَّعى يحتاج إلى بحثٍ تكميلي في إثبات عدم تمكُّن المتكلِّمين الإسلاميين من تفسير امتناع وقوع المعصية من الأنبياء، مع القول بإسناد العصمة إلى اختيارهم. وهو ما سوف نتعرَّض إلى بحثه في ختام هذه المقالة.

وعلى هذا الأساس، فإنه من خلال القول بهذه الفرضية، وهي أن نفي احتمال أيّ نوعٍ من صدور الذنب عن الأنبياء إنما يكون ممكناً من خلال الاستناد إلى الإرادة الإلهيّة، فإن النقد الآخر لبرهان الوثوق والاعتماد هو أن عصمة الأنبياء سوف تكون أمراً جَبْرياً، وليس ثمرة سعيٍ ومجهودٍ يقوم به الأنبياء أنفسهم. وعندها لن يكون الأنبياء مستحقّين للثواب والمدح؛ بسبب عصمتهم، ولن تُعَدّ العصمة واحدةً من فضائلهم. إن العصمة الجَبْرية التي يفرضها الله على الأنبياء تخالف ظواهر الكثير من الآيات القرآنية، التي تحذِّر الأنبياء من ارتكاب الأخطاء والمعاصي، كما في قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ (الزمر: 65)، وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ﴾ (يونس: 94). إن تحذير الأنبياء من ارتكاب المعاصي يستلزم إمكان صدور المعاصي منهم. كما أن إسناد العصمة إلى الله يستلزم أن لا يعود الأنبياء مالكين للماهية الإنسانية الكاملة، والتي من لوازمها الاتصاف بالاختيار، وسوف يكونون في مصافّ الملائكة الذين لا يستطيعون العصيان والخطأ. إن الاختيار تعبيرٌ آخر عن المتحرِّك بالإرادة المذكور في المنطق بوصفه فصلاً للحيوان عن النبات. إن امتلاك الاختيار يعني إمكان القيام بكلا طرفي الطاعة أو المعصية. وعليه يكون معنى قولهم: «إن الأنبياء لا يمكنهم اقتراف المعصية» هو أن الأنبياء يفتقرون إلى عنصر الاختيار، وبالتالي لن يكونوا من صنف البشر.

إن العصمة الإلهيّة أو الجَبْرية مخالفةٌ لاعتقاد أغلب المتكلِّمين من الشيعة، الذين سعَوْا للجمع بين عصمة الأنبياء واختيارهم. وعلى هذا الأساس، فإن رأي المتكلِّمين الإسلاميين في مقام نفي احتمال جميع أنواع صدور الذنب من الأنبياء يعاني من تناقضٍ مع القول بالعصمة الاختياريّة.

3ـ الدليل أخصُّ من المدَّعى

كذلك قيل في معرض نقد برهان الوثوق والاعتماد: إن هذا البرهان لا يثبت عصمة النبيّ من المعاصي في الخَلَوات، وكذلك لا يُثبت عصمة النبيّ من الخطأ والنسيان. كما أن الناس لا يرَوْن الخطأ والنسيان قبيحاً، وإن ارتكاب ذلك في حدود العُرْف لا يستوجب نفور الناس منهم([21]). إن ارتكاب الخطأ والنسيان في أمور الحياة العاديّة، وبمقدارٍ معتدل، بحيث لا يشتهر النبيّ بالخطأ والنسيان، سواء قبل النبوّة أو بعدها؛ وكذلك ارتكاب الخطأ والنسيان في تبليغ الدين، مع تدارك هذا الخطأ لاحقاً، وبشرط عدم التكرار؛ وارتكاب المعاصي سَهْواً، بشرط التكفير؛ أو ارتكابه في الخَلَوات بحيث لا يطَّلع عليه أحدٌ، لا يستوجب خَلَلاً في الاعتماد والوثوق العُرْفي بين الناس([22]). ودليل هذه المسألة أنه في حال صدور الأخطاء القليلة عن الأنبياء سوف يقف الناس على مفترقٍ يتعيّن عليهم فيه الاختيار بين الخير الكثير والشرّ القليل. وكما في الأصل العقلائي القائل بأن الناس يجب عليهم عدم ترك الخير الكثير بسبب وجود الشرّ القليل، كذلك فإن الناس لن يتركوا اتّباع الأنبياء بعد مشاهدتهم لما يترتَّب من الخيرات الكثيرة على اتّباع دعوتهم وتعاليمهم، رغم مشاهدة بعض الأخطاء الجزئيّة. يُضاف إلى ذلك أن هذا الاستدلال من المتكلِّمين يشتمل على فرضيّةٍ تقول: يجب على الله أن يهدي الناس بكلّ الطرق والوسائل الممكنة. فإذا كان هناك من الناس مَنْ يترك اتّباع الأنبياء؛ بسبب رؤيته لمجرّد خطأ بسيط من النبيّ، يكونون هم المخطئون في ذلك؛ إذ يتوقَّعون من الله أن يُرسل لهم نبيّاً على شكل مَلَكٍ لا يصدر عنه أيّ خطأ. وقد ردَّ الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم هذا النوع من التوقُّع من المشركين([23]).

وقال بعض المعاصرين في نقد هذا البرهان: إن الناس بعد مشاهدتهم لتحقُّق المعجزة على يد النبيّ سوف يؤمنون به، ويطمئنّون بصدق مدَّعاه، حتّى إذا ارتكب المعصية على مستوى عمله الشخصيّ([24]).

ب ـ نقد برهان نقض الغرض

1ـ المغالطة في استنتاج الموجود من الواجب

يرى كاتب هذه السطور أن أهمّ نقدٍ يَرِدُ على هذا البرهان، وكذلك أغلب البراهين العقليّة المذكورة لعصمة الأنبياء، والتي تروم إثبات عصمة الأنبياء بشكلٍ مُسْبَق، هو اشتمالها على ارتكاب مغالطة استنتاج الوجود من الواجب.

إن الشكل العامّ لاستدلال نقض الغرض في كلا تقريرَيْه على النحو التالي:

1ـ كي يتحقَّق الغرض من النبوّة ـ الذي هو هداية الناس ـ يجب أن يكون الناس تابعين للأنبياء.

2ـ ولكي يتبع الناس الأنبياء يجب على الأنبياء أن يكونوا معصومين من جميع الأخطاء والذنوب.

3ـ إذن يجب أن يكون جميع الأنبياء ـ بدءاً من النبيّ آدم وصولاً إلى خاتم الأنبياء ـ معصومين من الأخطاء والذنوب.

يستنتج المتكلِّمون الإسلاميّون من هذا الاستدلال «وجوب أن يكون الأنبياء قاطبةً معصومين من الذنوب والأخطاء».

والإشكال على هذا الاستدلال يَرِدُ على استنتاج النتيجة الثانية من النتيجة الأولى. وبعبارةٍ أخرى: إن المتكلِّمين الإسلاميّين تصوَّروا أن هاتين العبارتين عبارةٌ واحدة، في حين أن هناك اختلافاً هامّاً بينهما؛ فالقضية الأولى تشتمل على «الوجوب»، بينما القضية الثانية تشتمل على «الوجود». إن استنتاج القضية الأولى من المقدّمة الأولى والثانية صحيحٌ؛ إذ إن كلا المقدّمتين يشتمل على «الوجوب» أيضاً. وأما استنتاج القضية الثانية من القضية الأولى، أو استنتاجها بشكلٍ مباشر من المقدّمة الأولى والثانية، فهو غير صحيحٍ. وبعبارةٍ فنّية: إن هذا الاستنتاج يشتمل على مغالطة استنتاج «الوجود» من «الوجوب». وبعبارةٍ أخرى: لا يمكن أن نستنتج من المقدّمات المشتملة على «الوجوب» قضيّةً تشتمل على «الوجود». كيف يمكن أن نستنتج من قضيّة (إن الأنبياء يجب أن يكونوا معصومين) (أن جميع الأنبياء في العالم الخارجيّ، من سيّدنا آدم إلى خاتم الأنبياء، معصومون قاطبةً)؟! قد يقول شخصٌ بضرورة العصمة للنبوّة، وفي الوقت نفسه لا يرتضي العصمة للأنبياء على المستوى التاريخي. إن هذا الاستدلال شبيهٌ بقولك: إذا أرَدْنا لغاية إرشاد الناس أن تتحقَّق وجب أن يكون جميع علماء الدين عدولاً؛ إذن جميع علماء الدين في البلاد عدولٌ. أو لكي يتحقَّق الهدف والغرض من التربية والتعليم يجب أن يكون جميع المعلِّمين متَّصفين بالأخلاق والمعرفة؛ إذن جميع المعلِّمين متَّصفين بالأخلاق والمعرفة.

يمكن دفع إشكال استنتاج الوجود من الوجوب في حالةٍ واحدة، وهي أن يُقال بأن النبوّة والعصمة فعلُ الله. ونبيِّن صورة الاستدلال على هذا الشكل، ويبدو أن هذا هو مراد المتكلمين من الشيعة أيضاً:

1ـ لقد بعث الله الأنبياء لهداية الناس وإرشادهم.

2ـ ولكي يتحقَّق غراض هداية الناس يجب أن يكون الأنبياء معصومين من الخطأ والزَّلَل.

3ـ إذن يجب على الله أن يجعل الأنبياء معصومين؛ وفي غير هذه الحالة لن يتحقَّق الغرض من بعثة الأنبياء.

4ـ وحيث إن الله الحكيم لا يصدر عنه الفعل العَبَثيّ، إذن يجب أن يكون قد خلق الأنبياء معصومين.

والنتيجة هي: إن الأنبياء معصومون.

في هذا التقرير لبرهان نقض الغرض؛ حيث تُنسب بعثة الأنبياء وعصمتهم إلى الله، ويتمّ إسناد ضرورة العصمة إلى ذات الله الحكيم، سوف يكون ذلك من قبيل: استنتاج الوجود من الوجود. والصورة البسيطة لهذا الاستدلال كما يلي:

1ـ إن الله حكيمٌ (مقدّمة الوجود).

2ـ يجب على الحكيم أن لا يقوم بأمرٍ عَبَثيّ (مقدّمة الوجوب).

3ـ وعليه فإن الله لا يفعل العَبَث (مقدّمة الوجوب).

إن المقدّمة الثانية في هذا البرهان؛ حيث تحمل الضرورة والوجوب، هي في الواقع مقدّمةٌ تحتوي على «الوجود» على شكل: «إن الحكيم لا يفعل العبث». وعلى هذا الأساس، فإن كلّ الاستدلال سيكون استنتاجاً لـ «الوجود» من «الوجود».

بَيْدَ أن إشكال هذا الدفاع هو أن نتيجته هي أن العصمة ستكون أمراً جَبْرياً، وفعلاً من أفعال الله، وليس من فعل الأنبياء. وهذا الأمر وإنْ لم يكن المتكلِّمون الإسلاميّون المتقدِّمون يحجمون عن التصريح به، إلاّ أن المتكلِّمين المتأخِّرين من الشيعة يخالفونه بالكامل، ويعتبرونه على خلاف تكليف الأنبياء، واستحقاق المدح والذمّ على أفعالهم.

ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن التفتازاني ينقل هذا الكلام عن الأشاعرة؛ إذ يقولون: «العصمة أن لا يخلق الله تعالى في العبد الذنب»([25]).

ويرى بعض المتكلِّمين الإسلاميّين في العصمة أنها حفظٌ إلهيّ، ويقول في تعريفها: «العصمة الحفظ، واعتصمْتُ بالله: أي امتنعْتُ عن الذنب بعصمة الله»([26]).

وقال الشيخ المفيد في تعريف العصمة: «العصمة لطفٌ يفعله الله تعالى بالمكلَّف، بحيث يمتنع منه وقوع المعصية، وترك الطاعة، مع قدرته عليهما»([27]).

أما المتكلِّمون المتأخِّرون من الشيعة فقد اعتبروا أن العصمة تعني مَلَكة التقوى الحاصلة بالاختيار: «فالعصمة ـ كما عرفْتَ ـ فرعٌ من شجرة التقوى، ونتيجة العلم القطعيّ بتَبِعَات المعاصي، ومعرفةٌ بالعظمة الإلهيّة»([28]).

وعلى هذا الأساس، لو أن الأنبياء بشرٌ ومختارون، وإذا كانت العصمة أمراً اختياريّاً واكتسابيّاً، لا يمكن أن نستنتج من وجوب عصمة النبيّ أنهم معصومون حَتْماً؛ لأن لازم الاختيار هو إمكان ارتكاب المعصية. إذن يمكن للنبيّ أن يرتكب الذنب.

2ـ إمكان الاكتفاء بإرسال الرُّسُل الأتقياء

كما ذكَرْنا سابقاً فإنه على أساس برهان نقض الغرض يقوم التصوُّر بأن النبيّ غير المعصوم إذا بُعث لهداية الناس فإنه بارتكابه الذنب والخطأ في الأمور الدينية وغيرها سوف يؤدّي إلى ضلال الناس، ولا تتحقَّق الغاية من البعثة.

ويذهب كاتب هذه السطور إلى الاعتقاد بأن هذا الاستدلال يضرب بجذوره في رؤيةٍ صفريّة ومئويّة إلى المسألة؛ بمعنى أنه يجب على الله أن يبعث بالنبوّة نبيّاً معصوماً مئة بالمئة، وفي غير هذه الحالة لن يتحقَّق غرضه من النبوّة أصلاً.

ويمكن الإشكال على هذا النوع من الرؤية الصفرية والمئوية بأن الله سبحانه من خلال إرسال الرُّسُل المعصومين نسبيّاً، بمعنى الأفراد الأتقياء العدول، الذين يمكن أن يصدر عنهم الذنب أحياناً، فيرتكبون الصغائر أو السَّهْو في الأمور الدينية أو الأمور العاديّة في حياتهم، يمكن له أن يصل إلى غرضه أيضاً. تصوَّروا أن مجتمعاً ما لا يوجد فيه إنسانٌ معصوم بالمطلق، بحيث يمتنع بإرادته عن جميع المعاصي والأخطاء والسَّهْو والنسيان، ولكنّ هذا المجتمع لا يخلو من إنسانٍ تقيٍّ وصالحٍ وعادلٍ يتّصف بالفضائل الأخلاقية، عندها لا يبقى أمام الله سوى طريقين:

الطريق الأوّل: أن يجتنب اختيار شخصٍ لمقام النبوّة لهداية الناس؛ بسبب عدم توفُّر العصمة المطلقة، وفي مثل هذه الحالة سوف يبقى الناس في ضلالتهم وجهالتهم، وسوف يبتلون بأنواع المعاصي والقبائح.

الطريق الثاني: إنه مع وجود العلم بعدم العصمة المطلقة لذلك الشخص يختاره لمقام النبوّة وهداية الناس؛ ليحصل الناس على نعمة الفضائل الأخلاقيّة، ويستفيدوا من علمه وعدالته، ويهتدوا إلى الصراط المستقيم.

وعلى الرغم من أن هذا النبيّ قد يصدر عنه الذنب في بعض الموارد الحسّاسة والعصيبة، ويضلّ الناس معه، ولكنْ من الواضح أن هذا الخيار الثاني في المجموع يحتوي على خيرٍ كثير للمجتمع. إن خير هذا النبيّ بالنسبة إلى هذا المجتمع أكثر بكثيرٍ من شرِّه المتمثِّل بذلك الذنب والخطأ المحتَمَل. وحيث إن ترك الخير الكثير بسبب الشرّ القليل لا يصحّ عقلاً يجب على الله أن يبعث مثل هذا الإنسان غير المعصوم مئة بالمئة، وينصبه في مقام النبوّة.

والنموذج الواضح على مثل هذه الحالة هداية الناس في مرحلة الغَيْبة الكبرى بواسطة مراجع الدين؛ حيث على الرغم من وجود احتمال الأخطاء في الفتاوى، بَيْدَ أن خيرهم للناس أكثر من شرِّهم.

ونتيجةً لذلك فإنه من خلال إرسال الرُّسُل غير المعصومين بالمطلق (العصمة النسبيّة) لا ينتقض غرض الله من البعثة.

نعم، ينتقض هذا الغرض بواسطة إرسال الرُّسُل غير المتَّقين، حيث يكون إرسالهم سبباً في ضلال الناس بشكلٍ أكبر، وبذلك يكون عدم إرسالهم خيراً من إرسالهم.

 

3ـ الدليل أخصُّ من المدَّعى

إن الإشكال الآخر على برهان نقض الغرض هو أنه أخصّ من مدَّعى الشيعة على العصمة المطلقة للأنبياء.

فعلى الرغم من أن أكثر المتكلِّمين الشيعة يذهبون إلى الاعتقاد بأن هذا البرهان ينفي صدور المعصية بشكلٍ مطلق، الكبائر منها والصغائر، والذنوب العَمْدية والسَّهْوية([29])، إلاّ أن هناك مَنْ ذهب في الوقت نفسه إلى الاعتقاد بأن هذا البرهان أخصّ من مدَّعى مذهب الإماميّة، ولا يثبت عصمة الأنبياء قبل البعثة.

وعلى هذا الأساس، يجب لتكميل البرهان الاستعانة بالأدلّة النقلية الأخرى؛ لكي نثبت بواسطتها عصمة الأنبياء قبل البعثة([30]).

قال الفضل بن روزبهان في نقد هذا البرهان: إن هذا الدليل لا يمنع وقوع المعاصي الصغيرة، بشرط أن تكون نادرةً، ولا يرى في ذلك ما يخدش في مَلَكة العصمة، ولكنّه يؤكِّد على ضرورة أن تكون هذه المعاصي الصغيرة نادرةً.

إلاّ أن صاحب كتاب دلائل الصدق لا يرتضي هذا الكلام من الفضل بن روزبهان، ويقول: إن هذا الدليل ينفي صدور المعاصي عن النبيّ بالمطلق، سواء في ذلك الكبار والصغائر، وسواء كانت بشكلٍ نادر أو كانت عن عَمْدٍ أو سَهْوٍ([31]).

ولكنْ يبدو أن الحقّ هنا مع الفضل بن روزبهان، وأن ارتكاب الصغيرة، بشرط أن يكون ذلك نادراً، والأهمّ من ذلك أن يقترن ذلك بالتوبة، ولا سيَّما في الأمور الشخصية والفردية من حياة النبيّ، لا يؤدّي إلى نقض غرض الرسالة وضلال الناس وعدم تحقيق المصالح العليا. وكذلك هو ارتكاب الصغيرة والخطأ والنسيان في الأمور الدينيّة وشؤون الدعوة أيضاً، بشرط التوبة والتصحيح والاستذكار المباشر للخطأ والأمر المنسيّ، لا يؤدّي إلى إشكالٍ جِدِّي في رسالة الأنبياء، ولا يؤدّي إلى نقض الغرض من البعثة.

إن دليل هذا المدَّعى ـ على ما تقدَّم ذكرُه ـ هو وثوق الناس واعتمادهم على المتخصِّصين والزعماء السياسيين وعلماء الدين والمجتمع، على الرغم من مشاهدة بعض الأخطاء الصغيرة، بشرط صدقهم واعترافهم وتداركهم.

وإن جواز تقليد المجتهد الأعلم، على الرغم من العلم بعدم عصمته، يمثِّل بدَوْره دليلاً آخر على هذا المدَّعى.

ويتمّ تأييد هذه الموارد في الواقع بدليلٍ عقليّ، وهو أصل «الأقرب فالأقرب». عندما لا يمكن الوصول إلى الإنسان المعصوم بشكلٍ مطلق؛ بسبب الماهية الإنسانية، حيث يكون على الدوام في معرض النسيان والخطأ، فإن العقل يحكم بوجوب إطاعة الإنسان الأقلّ خطأً ومعصيةً. إن الرجوع إلى الإنسان الأقل خطأً يعني إمكان الاطمئنان بشخصٍ على الرغم من صدور بعض الذنوب القليلة عنه. إن النبيّ الذي يرتكب الذنب الصغير، ثمّ يتذكَّر الله، أو يعود إلى نفسه وينتبه إلى خطئه ويتوب مباشرةً، أو في حال ارتكاب السَّهْو والنسيان يبادر إلى التصحيح فَوْراً، لا يؤدّي ذلك منه إلى ضلال الناس، ولا يترتَّب عليه نقض الغرض الإلهي من إرسال مثل هؤلاء الأنبياء. يضاف إلى ذلك أن هذا البرهان لا يتنافى مع ارتكاب المعصية من قِبَل النبيّ في خَلَواته، بحيث لا يراه أحدٌ، ولا يتبعه في ما ارتكبه في الخَلَوات.

ج ـ نقد نظريّة الامتناع الوقوعيّ للذنب

لقد كان من بين الإشكالات الواردة على برهان نقض الغرض، وبرهان الاعتماد في بعض الافتراضات، لزومُ جَبْريّة العصمة.

وقد يُشْكَل بأن بيان العصمة دون نسبتها إلى الإرادة الإلهيّة ولزوم الجَبْر أمرٌ ممكن، كما عمد المتكلِّمون الإسلاميّون إلى تعريف عصمة الأنبياء بامتناع وقوع المعصية على أساس العوامل والأسباب الاختياريّة.

وحيث إن كاتب هذه السطور لا يرى هذه التفسيرات مقنعةً نرى من الضروريّ هنا إضافة هذا البحث التكميلي.

إن تلك المجموعة من المتكلِّمين الإسلاميّين، الذين سعَوْا إلى إخراج العصمة من الجَبْرية بواسطة الإرادة الإلهيّة، واعتبارها أمراً منسوباً إلى اختيار النبيّ، يرَوْن في الغالب أنها مَلَكةٌ تحصل بواسطة هذه الأسباب والعِلَل:

1ـ العدالة أو التقوى.

2ـ العلم بقُبْح الذنب وحُسْن الطاعة، والعلم بعظمة وكمال وجمال الله.

3ـ نزول الوَحْي.

4ـ الخوف من العظمة الإلهيّة، وحبّ الله([32]).

يرى هؤلاء المتكلِّمون أن عصمة الأنبياء وإنْ كانت لطفاً من الله، إلاّ أن هذا لا يتنافى مع الاختيار؛ وأن الأنبياء؛ بسبب هذه العناصر، يتركون المعاصي والذنوب باختيارهم، وبذلك يكون صدور الذنب عنهم ممتنعاً.

إن هذا الامتناع هو امتناعٌ وقوعيّ، وليس امتناعاً ذاتيّاً وعقليّاً.

وعلى هذا الأساس، حيث يمتنع صدور الذنب من الأنبياء يمكن للناس أن يعتمدوا عليهم بشكلٍ تامّ. ونتيجةً لذلك يكون برهان الوثوق والاعتماد صحيحاً، وتكون العصمة أمراً اختياريّاً، ويتحقَّق غرض الله من إرسال الرُّسُل أيضاً.

بَيْدَ أن إشكال كاتب هذه السطور على هؤلاء المتكلِّمين هو أن هذه العوامل المذكورة بوصفها أدلّةً على العصمة لا تبدو للنظرة الدقيقة مانعةً من وقوع صدور الذنب من الأنبياء.

ويجب القول في بيان هذا الإشكال: إن مراد المتكلِّمين الإسلاميّين من الامتناع الوقوعيّ للذنب؛ بسبب هذه العِلَل المذكورة، هو الامتناع الغيريّ والممتنع بالعَرَض.

فقد قيل على سبيل المثال: «فإنْ شئتَ قلتَ: إن العمل المزبور [عدم مسّ الإنسان العاقل لأسلاك الكهرباء العارية، وعدم أكل الطبيب من سؤر المجذومين والمسلولين] ممكن الصدور بالذات من العاقل والطبيب، غير أنه ممتنع الصدور بالعَرَض والعادة، وليس صدوره محالاً ذاتيّاً وعقليّاً. وكم فَرْقٌ بين المحالين! ففي المحال العادي يكون صدور الفعل من الفاعل ممكناً بالذات، غير أنه يرجِّح أحد الطرفين على الآخر بنوعٍ من الترجيح؛ بخلاف الثاني (المحال الذاتي)، فإن الفعل فيه يكون ممتنعاً بالذات، فلا يصدر لعدم إمكانه الذاتي»([33]).

لقد ذكر سماحته امتناع ارتكاب الظلم من قِبَل الله، وقتل الأب لولده، وتناول السمّ الزعاف، أو القبض على أسلاك الكهرباء العارية، كأمثلةٍ ومصاديق على الامتناع الوقوعيّ من الإنسان العادي والسَّويّ؛ فإن هذه الأمور وإنْ كان صدورها عن الله وعن الأب السَّويّ والإنسان الطبيعيّ والعاديّ ممكناً عقلاً وذاتاً، ولكنها؛ بمقتضى أمورٍ من قبيل: حبّ الخير والعطف والعقل، لا تصدر أبداً([34]).

وبالتالي فإن مرادهم من الامتناع الوقوعيّ هو الامتناع بالعَرَض، أي الامتناع بسبب وجود مانعٍ، وهو الامتناع العُرْفي والعادي.

والإشكال هو أن هذه الأمثلة لا تدلّ على المعنى الدقيق والفلسفيّ لمصطلح الامتناع الوقوعيّ.

إن الممتنع الوقوعي من الناحية الفلسفية ليس شيئاً ممتنعاً لذاته، بل يحدث بسبب وقوعه محالٌ ذاتي. ونتيجةً لذلك فإن الممتنع الوقوعيّ يكون بمنزلة الممتنع الذاتي، والذي لن يقع قطعاً تحت أيّ ظرفٍ من الظروف. وهذا النوع من الامتناع امتناعٌ غيريّ وبالعَرَض. في الامتناع الذاتي لا يلزم محالٌ ذاتي من وقوع الشيء في عالم الخارج، بل إن وقوع الشيء إنما يمتنع لمجرَّد وجود مانعٍ عَرَضي، وبمجرَّد رفع المانع سوف يقع ذلك الشيء.

قال العلاّمة الطباطبائي في تعريف الإمكان الوقوعيّ: «تارة يُراد بالإمكان أن الشيء في حالةٍ على فرض وقوعها لا يلزم المحال، وهذا يُسمَّى بالإمكان الوقوعيّ»([35]).

وبالتالي فإن الامتناع الوقوعيّ ـ طبقاً لرأي سماحته ـ هو الشيء الذي يلزم من افتراض وقوعه محالٌ. والمثال الذي ذُكر للامتناع الوقوعيّ هو وجود وتحقُّق الجسم اللامتناهي في عالم الخارج. إن للجسم اللامتناهي ماهيّةً ممكنةً لذاتها، بَيْدَ أن وجوده ووقوعه في العالم الخارجي يستلزم أمراً محالاً لذاته، وهو حَصْر الأمر غير المحصور أو تناهي اللامتناهي؛ بمعنى أن الشيء اللامتناهي إذا أراد أن يتحقَّق في الخارج وجب أن يُحْصَر بين محصورين، وهذا يتناقض مع عدم تناهيه([36]). إن صدور الذنب من الأنبياء ـ طبقاً لهذا التعريف ـ ليس من الممتنع الوقوعيّ؛ إذ لا يلزم من صدور الذنب من الأنبياء أيّ محالٍ ذاتي. وطبقاً لهذا التعريف يكون صدور الذنب من الأنبياء من الممكن الوقوعيّ.

وفي القسم الثاني من النقد نبحث في العوامل والعناصر الأربعة المذكورة من قِبَل المتكلِّمين بوصفها من أسباب وعِلَل امتناع وقوع الذنب. وسنثبت أن هذه الأمور لا تستطيع المنع من صدور الذنب أبداً وبشكلٍ مطلق.

العامل الأوّل هو التقوى. إن التقوى طبقاً لهذا التعريف تعني تجنُّب ارتكاب الذنب. وإن لتجنّب الذنب أسباباً، من أهمّها: العلم بقُبْح الذنب.

وعلى هذا الأساس، فإن مانعية التقوى من الذنب تعود إلى مانعيّة العلم، وهو السبب والعامل الثاني من العوامل والأسباب الأربعة المتقدّمة.

يُضاف إلى ذلك أن إمكان ارتكاب الذنب بالنسبة إلى الشخص العادل والتقيّ موجودٌ دائماً، وإن صدور الذنب عنه لا يمتنع عقلاً، ولا وقوعاً؛ وذلك لأن وقوع الذنب من قِبَل المتّقي أو المعصوم ليس محالاً ذاتيّاً، ولا يلزم من وقوعه محالٌ ذاتي أيضاً.

المانع الثاني من صدور الذنب من الأنبياء هو علم الأنبياء بقُبْح الذنب وجمال الطاعة.

والإشكال في هذا الكلام يعود إلى عدم الالتفات إلى الشَّرْخ والفَجْوة القائمة بين العلم والعمل؛ فإن هناك شَرْخاً وفَجْوةً بين العلم والعمل، ولا يمكن سدُّ هذا الشَّرْخ إلاّ بـ «الإرادة». والعلم من مباني الإرادة، وليس هو ذات الإرادة. إن العلم هو غير الإرادة والفعل. إن العلم، أيّاً كان ـ سواء أكان حضورياً أو حصولياً، اكتسابياً أو هبة من الله ـ، يجب أن يعقبه الدافع والإرادة، ثمّ يترتَّب عليه تحريك العضلات؛ ليتحقَّق الفعل، وأن لا يكون هناك مانعٌ يحول دون تحقُّقه. وعليه فإن العلم لا يؤدّي إلى العمل بالضرورة أبداً.

لا يمكن أن نستنتج من إعطاء الله الأنبياء علماً بحقائق الأشياء وباطن الذنب امتناع صدور الذنب عنهم من الناحية المنطقية. فإن إرادة الإنسان قد تتأثَّر في بعض الموارد بعوامل أخرى غير العلم، من قبيل: الرغبات والشهوات والحبّ والبغض والعشق والنفور وما إلى ذلك من الأمور الأخرى أيضاً؛ إذ يمكن للفاعل في بعض الأحيان أن يكون لديه علمٌ بجمال وصحّة شيء، ولكنّ العقل يمنعه من القيام به؛ لوجود منفعةٍ أو مصلحة أكبر. وتارةً يأمر العقل بفعل شيءٍ، ولكنّ رغبة الشخص تمنعه من فعل ذلك. فإن الشخص حتّى إذا كان يمتلك حقّ اليقين قد يؤدّي به تعلُّقه وحبُّه لشيءٍ إلى أن لا يعمل بمقتضى يقينه.

ولذلك لا يمكن القبول بهذا الادّعاء الذي قاله بعض المتكلِّمين، من أن علم الأنبياء من نوعٍ مختلف عن علم سائر الناس، وأنه يؤدّي إلى العمل بالضرورة([37])؛ فإن الذي يمتلك علماً قطعيّاً بعواقب وباطن المعاصي، أو يعلم بكمال وجمال الله، قد ينسى واجباً أو يرتكب صغيرة سَهْواً في الظروف العصيبة والحسّاسة، وفي ذروة جيشان المشاعر والعواطف.

وقد تمّ ذكر نزول الوَحْي على الأنبياء كعنصرٍ وعاملٍ ثالث للعصمة.

وإشكال هذا البيان أنه لا يوجد تلازمٌ ذاتي بين نزول الوَحْي وامتناع صدور الذنب من الشخص، إلاّ إذا اعتبرنا نزول الوَحْي مستوجباً لعلم النبيّ بالحقّ، وتقوية ارتباطه بالله سبحانه وتعالى.

ونتيجةً لذلك فإن مانعية هذا العامل تعود إلى العاملين الثاني والرابع.

العامل الرابع في العصمة هو التعلُّق والشَّغَف بالله، والخوف من عقابه.

لا شَكَّ في أن هذه العوامل والأسباب، من قبيل: التقوى، والعلم، ونزول الوَحْي، تؤثِّر قطعاً في عدم صدور الذنب من الأنبياء، إلاّ أن مانعيّته لا تصل إلى مرتبة الامتناع الوقوعيّ بالمعنى الدقيق للكلمة. فقد لا يُبدي النبيّ الصبر الكافي في هداية الناس؛ بسبب خوفه من نزول العذاب الإلهي، ويبادر إلى ترك قومه سريعاً، أو يؤدّي به حبُّه لله إلى النفور من المنكرين والملحدين، ولا يبذل الجهد الكافي لهدايتهم.

وبالتالي فإن هذه العوامل والأسباب؛ حيث لا تمنع من صدور الذنب والخطأ عن الأنبياء بالمعنى الواقعيّ للكلمة، فلن يتحقَّق الاعتماد والوثوق الكامل والانصياع والتَّبَعية التامّة التي كان المتكلِّمون الإسلاميّون ينشدون إثباتها من خلال برهان الوثوق والاعتماد.

وعلى هذا الأساس، فإن المتكلِّمين الإسلاميّين سوف يقفون على مفترق طرقٍ؛ فإما أن يتخلَّوْا عن برهان الوثوق والاعتماد، ويقولوا بإمكان الاعتماد على الأنبياء رغم احتمال وقوع وصدور الذنب عنهم؛ أو أن يعتبروا العصمة أمراً متعلّقاً بالإرادة الإلهيّة، ويتخلّوا عن القول باختياريّة العصمة؛ إذ لا يمكن القول بامتناع صدور الذنب بمراقبةٍ إلهيّة، إلاّ في مثل هذه الحالة قطعاً.

 

خاتمةٌ واستنتاج

إن برهان نقض الغرض وبرهان الاعتماد والوثوق من أهمّ البراهين العقلية التي أقامها المتكلِّمون الإسلاميّون ـ ولا سيَّما الشيعة ـ لإثبات العصمة المطلقة للأنبياء.

ومن خلال دراسة ومناقشة هذين البرهانين توصَّلنا إلى هذه النتيجة، وهي أن هذين البرهانين لا يستلزمان القول بالعصمة المطلقة للأنبياء.

إن النقد الأهمّ على برهان الاعتماد والوثوق هو أن تحقُّق الثقة والاعتماد على الأنبياء لا يحتاج إلى افتراض عصمتهم الكاملة والتامّة من كلّ خطأ وعصيانٍ.

إن الاعتماد على الأنبياء هو على غرار الاعتماد على الآخرين؛ حيث يمكن أن يكون مستنداً إلى أسباب وعوامل أخرى، من قبيل: المعجزة، والعلم، والتقوى، والحقّ والصدق الذي يتّصف به كلامهم.

والإشكال الآخر الذي يَرِدُ على هذا البرهان هو إسناد العصمة إلى الله؛ فإن لازم نفي أيّ نوعٍ من احتمال الخطأ والنسيان عن النبيّ، وحتّى إمكانه العقليّ، يمثِّل إسناداً لعصمة الأنبياء إلى الله، الذي لا يجوز عليه الخطأ.

وقد كان الإشكال الأهمّ على برهان نقض الغرض هو أن تحقُّق الغرض الإلهيّ من إرسال الرُّسُل لا يحتاج إلى افتراض العصمة المطلقة لهم، وأن هذا الغرض يتحقَّق ـ إلى حدٍّ كبير ـ من خلال إرسال الرُّسُل من غير المعصومين، بشرط اتّصافهم بالتقوى والعدالة.

والإشكال الآخر على هذا البرهان هو اشتمالُه على مغالطة استنتاج الوجود من الوجوب.

والإشكال المشترك، الذي يَرِدُ على كلا البرهانين، هو أنهما أخصُّ من مدّعى الشيعة، والذي هو القول بالعصمة المطلقة للأنبياء.

إن هذه البراهين لا تنفي ارتكاب المعاصي التي تصدر عن الأنبياء في الخَلَوات، بحيث لا يطَّلع عليها الناس، أو المعاصي الجوانحيّة التي لا تظهر على الجوارح.

وفي الختام، لا بُدَّ من التنويه إلى أن هذه البراهين وإنْ كانت لا تبدو ناجحةً في إثبات مدَّعى الشيعة، الذي هو العصمة المطلقة للأنبياء، إلاّ أن هذا لا يعني بطلان هذا المدَّعى؛ إذ إن الاعتقاد بالعصمة من العقائد الشيعيّة الثابتة والمستندة إلى الكثير من الأدلّة العقليّة والنقليّة.

الهوامش

(*) أستاذٌ مساعِدٌ في قسم الفلسفة في جامعة زنجان ـ إيران، متخصِّصٌ في مجال فلسفة الأخلاق.

([1]) انظر: الشيخ المفيد، أوائل المقالات في المذاهب والمختارات، المؤتمر العالمي للشيخ المفيد، قم، 1413هـ؛ السيد المرتضى، الذخيرة في علم الكلام: 337، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1411هـ؛ السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 2، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1250هـ؛ العلاّمة محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 11: 91، مؤسّسة الوفاء، بيروت، 1404هـ؛ ابن ميثم البحراني، قواعد المرام في علم الكلام: 125، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم، 1406هـ؛ سديد الدين الحمصي الرازي، المنقذ من التقليد 1: 424، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1412هـ؛ محمد حسن المظفَّر، دلائل الصدق 2: 378، مؤسّسة آل البيت^، قم، 1422هـ.

([2]) انظر: العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 11: 91.

([3]) انظر: فخر الدين الرازي، تفسير مفاتيح الغيب 3: 455 ـ 456، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420هـ؛ محمد جعفر الإسترآبادي، البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة 3: 20، تحقيق: مركز مطالعات وتحقيقات إسلامي، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1382هـ.ش؛ عبد الله شبّر، حقّ اليقين في معرفة أصول الدين: 136، أنوار الهدى، قم، 1424هـ.

([4]) انظر: محسن الخرّازي، بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية 1: 251، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1417هـ.ش؛ محمد حسن المظفَّر، دلائل الصدق 4: 175.

([5]) العلاّمة الحلي، الباب الحادي عشر: 9، مؤسّسة مطالعات إسلامي، طهران، 1365هـ.ش.

([6]) العلاّمة الحلي، أنوار الملكوت في شرح الياقوت: 196، تحقيق: محمد نجمي الزنجاني، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1363هـ.ش.

([7]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 5 ـ 6؛ عبد الله شبّر، حقّ اليقين في معرفة أصول الدين: 136؛ محمد حسن المظفَّر، دلائل الصدق 1: 427؛ محمد جميل حمّود، الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإمامية 1: 438، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، 1421هـ.

([8]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 5 ـ 6؛ جعفر السبحاني، الفكر الخالد في بيان العقائد 1: 202، مؤسّسة الإمام الصادق×، قم، 1425هـ؛ محسن الخرّازي، بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية 1: 253.

([9]) انظر: العلاّمة الحلي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد / قسم الإلهيات: 217، تعليقات: جعفر السبحاني، مؤسّسة الإمام الصادق×، قم، 1382هـ.ش.

([10]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 4.

([11]) انظر: السيد إبراهيم الموسوي الأبهري الزنجاني، عقائد الإمامية الاثني عشرية 1: 41، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، 1413هـ.

([12]) ناصر مكارم الشيرازي، دروس في العقائد الإسلامية: 143، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب×، قم، 1385هـ.ش.

([13]) محمد رضا المظفَّر، عقائد الإمامية: 54، تحقيق: د. حامد حنفي، انتشارات أنصاريان، قم، 1387هـ.ش.

([14]) انظر: جعفر السبحاني، العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت^: 133 ـ 134، 1386هـ.ش.

([15]) القاضي عبد الجبّار المعتزلي، المغني في أبواب التوحيد والعدل 4: 309 ـ 310، تحقيق: جورج قنواتي، الدار المصرية، القاهرة، 1962م.

([16]) في بعض الحالات الخاصة إذا كان حجم الكذب والخيانة في المجتمع شائعاً إلى حدٍّ كبير،رُبَما لن يكون هذا الأصل الأوّلي قائماً. وكذلك في الأمور غير الاعتياديّة والهامّة جدّاً، فإن الأصل في هذه الحالات يقوم على أساس الاحتياط عادةً، وامتلاك الدليل على الاعتماد والوثوق.

([17]) انظر: محسن الخرّازي، بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية 1: 251.

([18]) انظر: هاشم الحسيني الطهراني، توضيح المراد: 650، دار المفيد، طهران، 1365هـ.ش.

([19]) انظر: محمد جميل حمّود، الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية 1: 441.

([20]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 5.

([21]) انظر: محسن الخرّازي، بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية 1: 253 ـ 254.

([22]) وإن كان من الممكن أن تحول هذه الموارد دون الوثوق والاعتماد بالنسبة إلى الشكّاكين أو الذين يختلقون الذرائع، وهم الذين إذا أرسل الله مَلَكاً لهدايتهم قالوا: لماذا لم يُرْسِل الله لنا بَشَراً، وإذا أرسل لهم بَشَراً قالوا: لماذا لم يُرْسِل الله لنا مَلَكاً؟!

([23]) انظر: الأنعام: 8.

([24]) انظر: محسن الخرازي، بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية 1: 254.

([25]) سعد الدين التفتازاني، شرح المقاصد 4: 312، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1409هـ.

([26]) انظر: حسن بن عبد المحسن أبو عذبة، الروضة البهيّة فيما بين الأشاعرة والماتريدية: 138، سبيل الرشاد، بيروت، 1416هـ.

([27]) الشيخ المفيد، النكت الاعتقادية: 37، المؤتمر العالمي للشيخ المفيد، قم، 1413هـ.

([28]) جعفر السبحاني، الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل 3: 169، المركز العالمي للدراسات الإسلامية، قم، 1412هـ.

([29]) انظر: محمد حسن المظفَّر، دلائل الصدق 4: 175.

([30]) انظر: محسن الخرّازي، بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية 1: 251.

([31]) انظر: محمد حسن المظفَّر، دلائل الصدق 4: 175، 1422هـ؛ القاضي نور الله المرعشي، إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل 2: 270، تقديم وتعليق: السيد المرعشي النجفي، مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1409هـ.

([32]) انظر: الشيخ الطوسي، تلخيص الشافي 3: 71، تحقيق: حسين بحر العلوم، انتشارات المحبّين، قم، 1382هـ.ش؛ عضد الدين الإيجي وعليّ بن محمد الجرجاني، شرح المواقف 8: 281، تصحيح: بدر الدين النعساني، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1325هـ.ش؛ الخواجه نصير الدين الطوسي، تلخيص المحصَّل: 369، دار الأضواء، بيروت، 1405هـ؛ محمد جعفر الإسترآبادي، البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة 3: 231؛ حسن بن عبد المحسن أبو عذبة، الروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتريدية: 137 ـ 138.

([33]) جعفر السبحاني، سلسلة المسائل العقائدية 6: 33، تقرير: حسن مكّي العاملي، مؤسّسة الإمام الصادق×، قم.

([34]) انظر: المصدر السابق 6: 32 ـ 33.

([35]) العلاّمة الطباطبائي، نهاية الحكمة: 48، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1362هـ.ش.

([36]) انظر: محسن الدهقاني، ترجمة وشرح نهاية الحكمة 1: 285، مؤسّسة بوستان كتاب، قم، 1388هـ.ش.

([37]) العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 5: 80، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1417هـ.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً