أحدث المقالات

إيمان شمس الدين

في مثل هذه الليلة وعند الفجر تستشهد شخصية تاريخية لها ثقلها السياسي والديني في الحضارة الإسلامية هو علي بن أبي طالب عليه السلام.

‏يعتبره بعض المسلمين الخليفة الرابع والبعض الآخر الإمام الأول، واجتمعوا جميعا على فضله ودوره المحوري في تبليغ الرسالة المحمدية والحفاظ عليها.

‏وكون التاريخ وتجاربه أحد مصادر المعرفة والاعتبار والاستفادة في صناعة الحاضر والمستقبل، واختصار الزمن بعدم تكرار الأخطاء والاستفادة من الخبرات،يمكننا في هذه المناسبة الأليمة الاستفادة من منهج هذه الشخصية العظيمة التي كتب حولها المسلم وغير المسلم وأقصد شخصية الإمام علي بن أبي طالب ع، وهي استفادة بقدرنا لا بقدر وحقيقة شخصية علي ع.

‏و كلامي عن براغماتية أمريكا ‏وهي قاعدة فكرية سياسية تنتهجها أمريكا كعقيدة،تقوم في جوهرها على محورية المصالح والمنفعة للذات الأمريكية فقط، وعدم وجود ثوابت مبدئية وأخلاقية ولا مرجعية معرفية سياسية ثابتة، بالتالي بسهولة يتم تبديل المواقف وفقا للمصلحة، وهذا  يدفعني للحديث عن منهج علي ع السلام السياسي الذي اتسم بالمبدئية ومحورية الأخلاق والتوحيد كأساس قاعدي.

‏كان عليا ع ينطلق من قاعدة التوحيد التي تمنعه من اتخاذ أي حليف أو صديق لا تدور رحاه حول العبودية الخالصة لله وحده. ولا يخضع إلا لله فقط

‏ولكن هذا لا يعني عدم وجود مرونة في سياساته حتى مع معارضيه، بل كان التوحيد يجعل محور سياساته قائمة على الأخلاق والمبدئية، شريطة عدم التنازل عن الثوابت التي يقوم بها الدين ومصلحة الناس، مع وجود متغيرات قابلة للتداول السياسي ولكنها في النهاية قابليتها للتداول تصب أيضا في ترسيخ الثوابت وقاعدة منفعة الإنسان وفق رضا الله.

‏إضافة لتشخيص المصلحة الإسلامية والمفسدة، والعمل بتوازن على تقديم الأولى والأهم ضمن منهجه السياسي. لم يتحرك في منهجه السياسي وفق قاعدة المنفعة الذاتية، ولا وفق براغماتية مصلحية، فهو لم يخلف عهدا حتى لو كلفه ذلك نفسه، ولم يخالف قاعدة أخلاقية حتى لو خالفها عدوه، ولم يهتك سترا حتى لعدوه، حتى لو قام عدوه بالهتك، ولم يظلم أحدا حتى عدوه وإن مارس عدوه الظلم، فمنهجه غير قائم على ردود الأفعال والمقابلة بالمثل.

‏بل منهجه قائم على استراتيجية بعيدة المدى تمتلك مرونة مبدئية ناظرة لإنسانية الإنسان، ومنفعته في الدنيا والآخرة ومحورية رضا الله فقط. وتمكين المشروع الإلهي في الأرض للنهوض بالإنسان وتحريره من كل القيود التي أثقلت كاهله.

‏هذا المنهج قاده إلى حروب عدة قد يراها البعض سببا لعهد مضطرب غير مستقر، لكنها واقعا هي حروبا لم يسع لها وإنما فرضت عليه لمبدئيته و طلبه للعدالة.

‏لم يستطع كثر المكوث معه مدة طويلة إلا قلة امتحن الله قلبها بالإيمان، فسعيه لإحقاق الحق وتوزيع ثروات بيت المال بالتساوي لم يرق لكثيرين، و محاولته لاجتثاث الطبقية والفساد ومواجهة الانحراف أثار كثر ومنهم من كان من صحابة النبي ص.

‏وسعيه لنصرة المظلوم ولو كان عبدا حبشيا على الظالم ولو كان سيدا قرشيا، كان يعني إلغاء كل أنواع التسلط على المجتمع وثرواته

‏وهذا يعني مواجهة التجار والحكام والولاة والنخب واخضاعهم لمبد “من أين لك هذا؟” وهو ما يرفضه هؤلاء.

‏إضافة لسياسته الخارجية القائمة على عدم الاعتداء، ولكن أيضا على إحراز رضوخ الخارج لقوانين الاسلام وفق معاهدات تحترم الآخر ولا تلغيه ولكن من باب الاقتدار لا الضعف، كون الدولة الإسلامية كانت الدولة العظمى.

‏لم يخن عليا ع السلام حليفا ولم يقدم أصحابه كباش فداء لمقايضة الآخرين، ولم يهدر ثروات المجتمع ولم يتسلط على رقاب الناس ولم يخرق قاعدة أخلاقية.

‏باع عليا الدنيا ليشتري آخرته بإقامة العدل، فلم يتحمل أقران زمانه هذا البيع فقتلوه في محرابه شهيدا. وكان شعار القتلة شعارا ألبس صفات دينية ليختلط الأمر على الناس وتقع الفتنة بينهم، فيلتفتوا عن هذه الحادثة العظيمة والبحث عن ماورائيات الحدث ومن فاعلها وأهدافه، إلى الانشغال بفتنة داخلية تشغلهم بسؤال : ” أو كان عليا يصلي؟”

‏لكن لم تنته المسألة عند قتله، فمنهجه شكل عقبة في مسيرة الحكام والنخب، فاستمر قتله بقتل منهجه ومحاربته و شيطتنته لإسقاط مشروعه برمته.

‏ومازال منهج القتل مستمر لكل من يحاول أن ينهج العدالة، ويرفع الظلم عن الناس، ويحررها من عبودية الأنظمة السارقة للثروات و بنفس الطريقة وهي الشيطنة.

‏ورغم عقود من الزمن مورست فيها شيطنة هذه العظيم ومنهجه، إلا أن الله يأبى إلا أن يتم نوره، وستشرق الأرض بنور ربها يوما ما رغما عن أنوف الطغاة.

لم يستشهد عليا ع في محرابه كي نبكيه فقط، بل كي نقيم منهجه وعدالته التي لأجلها استشهد، فعاطفة دون فكر ووعي للمنهج، هي مجرد تفاعل آني يزول بزوال المؤثر الزمني.

‏أن تفهم فكر علي ونهجه يعني أن تحترق لوعة لفراق شخصه، في كل لحظة وليس فقط في لحظات زمنية معينة، هذه اللوعة عليها أن تكون دافعا لتطبيق النهج.

‏التفاعل الإيجابي مع المناسبة يكون ببكاء مؤثر دافع للإخلاص لصاحب المناسبة،  بإحياء نهجه وتطبيق توصياته وأولها التحرر من كل عبودية لغير الله، ومن ثم النهوض في مواجهة الطغاة، وبذل كل غالي ونفيس في هذا الطريق لإقامة العدل ورفع الظلم عن الشعوب، وإحقاق الحق ومواجهة الظلم والظالمين.

وقول الحقيقة حتى لو كلفك ذلك خسران كل من حولك، فلم يترك الحق لعلي صديقا، ولم يبق له إلا موالين قلة شربوا حبه ونهجه وقبلوا حقه فعبروا.

السلام عليك يا أبا الحسن ورزقنا الله حسن الاقتفاء واتباع النهج.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً