أحدث المقالات

إضاءات على منهج الأستاذ حبّ الله في التدريس

يعتبر العرض التفصيلي للمواضيع الفقهيّة والأصولية من أبرز خصائص دروس البحث الخارج في الحوزات العلميّة عموماً. ودرسُ سماحة الأستاذ الشيخ حبّ الله ليس بدعاً من ذلك. وأودّ في هذه الوقفة الخاطفة لفت نظر القارئ الكريم إلى أربع سمات بارزة في طرحه حفظه الله:

1 ـ التفكيك الكامل لمفاد الأدلّة بوصف ذلك مرحلةً أولى، فالشيخ الأستاذ يتناول كلَّ دليل على حدة، بحيث يحقّق في صدوره (وفقاً للمباني المختلفة)، ثمّ يبرز مستوى دلالته على المطلوب، ويبيّن أيّ عوامل أخرى داخلية تؤثر في الأخذ به بدون الاستعانة بدلالة أيّ دليل آخر.

والحكمة من ذلك هو التحرّز من ضياع دلالات الدليل الأوليّة، حيث إنّ الدلالات قد تتداخل إن أخذت جملةً واحدة ولم تفكّك بشكل جيّد. والنتيجة المستفادة من هذه المرحلة قد تبقى ثابتة وقد تتغيّر كلّياً حسب المعطيات المختلفة في كلّ مرحلة من مراحل البحث.

2 ـ إعطاء الدلالة القرآنيّة حقّها من الفهم؛ حيث إنّ الأستاذ يركّز كثيراً على أنّ للنصّ القرآني مفاداً ومعنى يجب فهمه، ولا يصحّ الانتقال إلى الروايات أو غيرها قبل محاولة فهمه بشكل وافٍ. وربما يستشفّ من لحن ما يُطرح على سماحته من مداخلات الطلاب في مجلس الدرس أنّ المفاد القرآني بذاته (بعيداً عن الروايات) غير حاضر ـ في الجملة ـ في الأذهان، مما يجعل دلالته في بعض الموارد (كالأطعمة والأشربة) مثيرة للدهشة، بحيث لم يكن أحد يتوقّع أن يكون المعطى القرآني لوحده منتجاً لمعانٍ من هذا النوع أو ذاك؛ لأنّنا لم يسبق لنا أن بحثنا ـ كثيراً ـ النصَّ القرآني منفصلاً، ولو بوصف ذلك مرحلةً أولى مستقلّة من البحث.

3 ـ تشجيع الطالب على المشاركة والتوسّع بنفسه، فكثيراً ما يردّد الأستاذ حبّ الله عبارات من نوع: «أنتم فكّروا في هذه النتيجة»، أو «هذا البحث في الكتاب الفلاني من صفحة كذا إلى صفحة كذا، فاقرؤوه بأنفسكم وانظروا رأيكم»، أو «تأمّلوا في هذه الآيات».. بل الطالب بدون إشارة سماحته صريحاً يجد نفسه خائضاً أفقاً رحباً من الاطّلاع، مرّةً مع تفصيل آراء عامّة المسلمين أو بقية المذاهب الإسلاميّة، وأخرى تراه في وقفة مع فلاسفة الغرب، وليس أخيراً مع شواهد تاريخيّة وعلميّة ثقافيّة مختلفة.

4 ـ عدم ادّعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، فليس من النادر سماع الأستاذ حفظه الله يقول: «من وجهة نظري القاصرة»، أو «على ما يبدو لي»، أو «حسب اطّلاعي المحدود»، أو «راجعوا بحثي المتواضع في كتاب كذا وكذا»، أو «إذا عندكم شيء حول هذا الموضوع أو فكرة فنستفيد»، أو «هذا فهمي، ولعلّني غير مصيب»، إلى غير ذلك من العبارات والجمل المتكرّرة التي تفيض تواضعاً واحتراماً وتقديراً.

إضافة إلى تميّزه في الاستماع للمداخلات التي يقدّمها الطلاب، وعدم التكبّر عليها أو الاستخفاف بها، أو إحساس قائلها بضعفٍ علمي عنده أو بخوف.

أحد طلاب الشيخ حبّ الله

10 ـ 12 ـ 2019م

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً