أحدث المقالات

مقدّمة ــــــــــ

تحتلّ مسألة استخراج القوانين القرآنية ــ سواء التي تشرح الجدلية العلية منها أو التي لا تشرّح ذلك([2]) ــ أولوية خاصة بالنسبة للباحثين القرآنيين بسبب وجود علاقة تربط موضوعات العلوم القرآنية ببعضها؛ من هنا، فإنّ مناقشة أهمّ تلك القوانين، أعني قانون العلاقة الثابتة بين الأفعال([3]) ونتائجها([4]) في الحياة الدنيا([5]) أمر جدّ حيوي، والبحث في هذا الميدان يحتاج إلى جولة في طول القرآن وعرضه، فضلاً عن لزوم توفّر الشروط التالية:

ألف ــ عرض إحصائي شامل ودقيق للأفعال القرآنية.

ب ــ بيان العلاقة الثابتة بين الأفعال ونتائجها.

ج ــ بيان تأثير الوعي بنتائج الأفعال على الفرد والمجتمع.

إنّ نتيجة النقطة الأولى (العرض الإحصائي) هي حصولنا على 1086 حالة فعل وردّ فعل في القرآن الكريم، ومع دمج الحالات المتشابهة مع بعضها نحصل على 200 موضوع مختلف([6])، في حين أنّ تحقيق النقطة الثانية([7]) يستلزم شيئاً من التأمّل، لأنّه يجب اللجوء إلى الاستقراء التامّ لدراسة جميع الأفعال ونتائجها بصورة منفصلة، ليمكن ــ في ضوئها ــ استخراج صيغة لقانون عام، لذلك، وبهدف إضفاء انسجام منطقي على المقالة، نبدأ أولاً بتقسيم الأفعال إلى صالحة وطالحة، ومن ثمّ توظيف الصفة الفردية والاجتماعية لها في مجال النتائج، وبالتالي فرز المجموعتين التاليتين من الآيات:

المجموعة الأولى: الآيات التي أتت على ذكر ذلك المبدأ بشكل صريح لا لبس فيه، وتؤكّد على صحّة هذه النظرية.

المجموعة الثانية: الآيات التي تنشد هذا الهدف بأسلوب موضوعي([8]).

1 ــ دراسة نتائج الأفعال في الفئة الأولى من الآيات

(الأعمال السيئة) ــــــــــ

1 ــ 1 ــ دراسة نتائج الأفعال الطالحة في الفئة الأولى من الآيات

1 ــ 1 ــ 1 ــ دراسة النتائج الفردية للأفعال الطالحة في الفئة الأولى من الآيات

بعض الملاحظات الضرورية ــــــــــ

1 ــ في المشروع الأصلي للبحث تمّت دراسة 122 حالة من الأفعال الطالحة ونتائجها، نكتفي في هذه المقالة بالإشارة إلى بعضها.

2 ــ في كل حالة نذكر أولاً الفعل، ثم نتبعه بردّ الفعل أو ردود الأفعال بعد العلامة «!».

3 ــ المقصود بردّ الفعل: النتائج والعواقب والآثار والأعراض التي تعقب الفعل، وطبعاً لها علاقة مباشرة بالفعل، وإن كانت مسألة درك المباشرة من عدمها، ليست مطلقة ومتساوية، بل هي نسبية ومتباينة تبعاً لتباين الأفراد واختلافهم.

4 ــ على الرغم من أنّه من المفروض ــ مبدئياً ــ أن يكون لكلّ فعل ردّ فعل واضح ومختلف، لكنّا من الناحية العملية، أوردنا أحياناً عدّة ردود بالنسبة لبعض الأفعال،وذلك نتيجةً لإدغام الحالات القابلة للتركيب، ولولا ذلك لازداد عدد ردود الفعل أكثر ممّا هو موجود الآن.

5 ــ كما ذكر في مشروع البحث، فإنّ جميع ردود الأفعال والتفاصيل المشار إليها والنتائج المتوفرة تعتمد منهج الاستقراء التام، لكنّا في مقالتنا هذه اقتصرنا على ذكر مختارات منها، تحاشياً للإطالة.

6 ــ إنّ توضيح طبيعة هذا الارتباط، وسير النتائج، وتعليل القانون بشكل تفصيلي في هذه المقالة أمر غير ممكن، لأسباب عدّة، نذكر منها: سعة البحث، وعدم تصريح القرآن، وضرورة الاستنباط الشخصي الذي سيشكّل بالتالي نقطة خلاف، ولكن تمّت الإشارة إلى ذلك في الهوامش بإيجاز، وكلما دعت الضرورة وذلك بهدف الاطلاع.

1 ــ التعلّل ! قساوة القلب وزوال النعمة

التعلّل هو اختلاق الأعذار الواهية وتصيّد العيوب السطحية، للتملّص من تنفيذ حكم ما والقفز عليه، أو تأجيله. ويعتبر بنو إسرائيل أبرز مثال على التعلّل واختلاق الأعذار، ونستعرض هنا حالتين من حالات التعلّل التي احتجّ بها هؤلاء وما جرّه عليهم ذلك:

ألف ــ التعلّل في ذبح البقرة

بعد أن قتل شخص من بني إسرائيل (البقرة: 73)، وتعدّدت الأقوال حول القاتل، أمر النبي موسى B بأن تذبح بقرة، ويضرب المقتول بجزء منها لتعود إليه الحياة، وبالتالي يتعرّف على قاتله([9])، في البداية، اتّخذ بنو إسرائيل هذا الأمر الإلهي هزواً، ثمّ أخذوا يتعلّلون في تنفيذه من خلال طرح الأسئلة تباعاً حول لون البقرة، وسنّها، وهل هي فارض أو بكر، ومواصفاتها الظاهرية، مع يقينهم بأنّ النبي موسى B عليم ونبي حكيم، ولكن في النهاية صبّت هذه التعلّلات في غير صالحهم، لأنّهم اضطرّوا إلى شراء بقرة بثمنٍ غال.

حول تلك التعلّلات يقول الله تعالى: >فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ< البقرة: 71، وهو ما يؤكّد أنّهم كانوا يبغون المماطلة والتسويف في تنفيذ الحكم، فكان عاقبة ذلك أن أصبحت قلوب بني إسرائيل قاسيةً كالحجارة أو أشدّ قسوة
(البقرة: 75) ([10]).

ب ــ التعلّل بطعامهم

ظلّ بنو إسرائيل لمدّة طويلة يأكلون المنّ والسلوى طعاماً مفضّلاً لديهم([11])، لكنّ هذا الوضع لم يدم طويلاً، حيث تركوا هذا الطعام الفاخر ولم يصبروا عليه (البقرة: 61)، وسألوا نبيّهم استبداله بطعام أدنى منه، مثل الخيار والثوم والقمح والعدس و..، فكان من نتيجة بطرهم هذا أن أذهب الله بنعمهم، واضطروا إلى الهبوط في إحدى القرى ليجدوا ما سألوا، وألبسهم الله ثوب الذلّة والمسكنة، وعلاوة على ذلك، فرضت عليهم الجزية([12]).

2 ــ الاستهزاء ! التيه والحيرة

الاستهزاء هو السخرية والمزح في خفية والغمز([13])، ومن عواقبه التيه والحيرة([14]). أمّا أبرز مصاديق هذا الفعل القبيح، فهو سلوك المنافقين الذين يظهرون الإيمان الزائف، ويسخرون من المؤمنين، ويطعنون فيهم (البقرة: 14)، وفي المقابل، فإنّ الله تعالى يسخر منهم ويستهزئ بهم لأعمالهم الشائنة القبيحة، ولأجل استيعاب هذه الحالة يقوم بتمثيلها من خلال ضرب مثلين([15]):

ألف ــ الذي يستوقد ناراً في ليلة دهماء بعد جهد جهيد، لتضيء ما حوله، لم يكد هذا الضياء ينير ما حوله حتى يذهبه الله، لتعود الظلمات مخيّمة على كل مكان، فتشعل غيظه وغضبه (البقرة: 18).

ب ــ أو ذلك الذي يجد نفسه محصوراً بين ظلمة الليل ووحشته، وبين أمطار شديدة وفيضانات عارمة ورعد وبرق وصواعق مخيفة، فيضع أصابعه في آذانه من هول الأصوات، في هذه الأوضاع العصيبة يتيه البرق للحظات فيبصر ما حوله باحثاً عن ملجأ أمين، وعن مخرج من ورطته، ثم ينطفئ البرق فيعود الظلام إلى كل زاوية، ويعود هو إلى حيرته من جديد، ويقيم على ما كان عليه (البقرة: 20). على الرغم من أنّ هذا الشخص في كلا الحالتين يتمكّن من اكتشاف ما حوله للحظات سواء بفضل النار التي استوقدها، أو البرق الذي أضاء له، لكن انقطاع هذه الحالة وعدم استمراريتها، يصبّ على ناره زيتاً، فيتخبّط كالأعمى في ظلمة حالكة، ويضلّ عن هدفه.

وحال المنافق الذي يستهزئ بالمؤمنين، شبيه بهذا الحال الذي وصفه القرآن الكريم، فهو يتوصّل لفترة قصيرة إلى إدراك بعض الحقائق عن الدين، تتيح له التمييز بين الحقّ والباطل، والصالح من الطالح، وذلك من خلال اختلاطه بالمسلمين فكرياً، ومعاشرته لهم، لكنّه يعجز عن الوصول إلى الهدف الحقّ؛ لأن قلبه لم يستضىء بنور الإيمان، بسبب استهزائه بالمؤمنين، فيعود ليغرق في تيه وحيرة([16]).

3 ــ الادّعاء ! التعرّض للامتحان

الإدّعاء والدعوى هو الإفصاح عن شيء أو تصوّر إمكانية القيام بعمل ما،
أو التمتّع بميزة معيّنة([17])، ونتيجة الادّعاء أن يواجه المرء موقفاً امتحانياً. وهنا نستعرض بعض الأمثلة على الادّعاءات المذكورة في القرآن الكريم مع ذكر نتائجها:

ألف ــ ادّعاء القتال في سبيل الله بشرط وجود قائد صالح

1 ــ إنّ ادعاء قوم طالوت (البقرة: 246) باستعدادهم للقتال في سبيل الله جعل نبيّهم شموئيل B([18]) يختار لهم طالوت أميراً للحرب ليقاتلوا تحت رايته، فاصطدم هذا الاختيار منذ البداية بمعارضتهم، لأنّ طالوت لم يكن سليل الحسب الأصيل والنسب العريق، لكن احتجاج النبي بسعة علم طالوت، دحض أول حجّة لهم، وخاصة بعد إرجاع التابوت وصندوق العهد، حيث ساعد هذا العمل على ترسيخ أقدامه، ودعم موقعه. على أيّ حال، استلم طالوت مقاليد الأمور، وتهيّأت الأمور نحو أول امتحان لبني إسرائيل، وكان هذا الامتحان أن يغترفوا غرفةً واحدة من ماء النهر، ففشل الكثير من المدّعين منهم في هذا الامتحان إلاّ قليلاً من المؤمنين خرجوا مرفوعي الهام([19]).

2 ــ ادّعى جماعة من صحابة رسول الله 2 في معركة بدر الثبات على القتال وتمّنوا الموت في سبيل الله (آل عمران: 142)، لكنّهم أيضاً رهبوا، العدوّ ولم يثبتوا في القتال وانقلبوا على أعقابهم([20]).

ب ــ ادّعاء دفع الصدقات والإنفاق إذا أفاض الله عليه من فضله

كم من مدّع زعم أنّه لو أفاض الله عليه من فضله أن يتصدّق ويكون من الصالحين (التوبة: 75 ــ 76)؛ لكن عاقبته كانت البخل ونكث الوعد، وكذلك عاقبة الذي زعم الإنفاق في سبيل الله، حيث انتهى إلى النتيجة نفسها
(محمد: 38)([21]).

4 ــ العُجب ! الإحساس بالعجز والوهن

العُجب يعني الإحساس بالتفوّق والزهو بالنفس والكبر بسبب امتلاك المرء لمزايا خاصة، لهذا تروقه نفسه فيعجب بها ويفخر([22])، فالعابد الذي يعجب بنفسه لكثرة عبادته، والعالم الذي يبهت لسعة علمه، والثري الذي يزهو بحياته في الدنيا لثرائه الفاحش، والرجل القوي الذي يركبه الغرور لقوّته الجسدية، وعضلاته المفتولة، هؤلاء جميعهم مصابون بهذا الداء النفسي المنتشر.

إنّ الله عزّ وجلّ وحده الذي يلبس ثوب العزّ والكبرياء، ولا يليق هذا الثوب إلاّ به، لذلك فمن المعلوم أنّ نتيجة الصراع بين النسبي والكامل المطلق في هذه المسائل، أو لنقل نتيجة العُجب والشعور بالتفوّق والكبر، هو العجز والضعف لا غير([23]). ونذكر هنا بعض الأمثلة لهذه العمل (العجب) ونتائجه كما وردت في القرآن الكريم:

1 ــ في معركة حنين، اعتدّ جيش المسلمين بكثرة عدده فأصابه العجب والغرور (التوبة: 25)، في حين أنّه ــ وطبقاً للعديد من الآيات القرآنية التي تذمّ الكثرة ــ كان عليهم أن يعلموا أنّ الإيمان هو الجسر الموصل إلى النصر، وليست الكثرة. هذا الإحساس بالزهو والعُجب جعلهم يواجهون ضائقةً شديدة، وأحسسهم بعجزهم وضعفهم، فرجّحوا خيار الفرار من ساحة المعركة([24]).

2 ــ بعد رفض الله تعالى لقربان قابيل، اغترّ بقوّة عضلاته، فهمّ بقتل أخيه هابيل، لكن عمله هذا جرّ عليه الحسرة والندامة.

3 ــ كذلك الحال بالنسبة لإخوة النبي يوسف B العشرة الذين أصابهم الزهو، لأنّهم كانوا يشكّلون عصبة، وكانوا يشعرون بالتفوّق بسبب ذلك (يوسف: 14)، ولهذا اعتقدوا أنّه لا ينبغي لأبيهم أن يؤثر يوسف وأخاه بنيامين عليهم، وكان من عاقبة هذا الشعور أن احتاجوا جميعهم إلى النبي يوسف B (يوسف: 58)، واعترفوا بأنّهم أخطأوا في حقّه، وأنّ إثرة الله له كانت إثرة حقّ وصدق (يوسف: 91)، لذلك خضع الجميع له (يوسف: 100)([25]).

5 ــ ضعف النفس ! المصيبة والبلاء

هو أمر نسبي يولد مع الإنسان (النساء: 28)، ويعني عدم توفّر المرء على الاستعداد النفسي والإرادة القوية للصمود أمام الوساوس، والنفس الضعيفة مصداقُ الإنسان المسلوب الإرادة، الذي ينقاد بسهولة إلى ميوله وشهواته، وعاقبة هذه الحالة([26]) الوقوع في المصائب والبلايا، ونورد هنا أمثلةً من القرآن الكريم على ضعف النفس ونتائجه:

ألف ــ عندما انهزم المسلمون في معركة أحد([27])، اعترض نفر منهم قائلين: لماذا علينا نحن المؤمنين أن نبتلى؟! >قلتم أنّى هذا<، فأجابهم الله تعالى بقوله:
>قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ< آل عمران: 165، فلو كنتم اطعتم وصايا الرسول
الكريم 2، ولم يلهكم حب المال وجمع الغنائم و..، لم يصبكم الذي أصابكم، ولم تذوقوا طعم الهزيمة([28]).

ب ــ عندما خاطب النبي موسى B قومه قائلاً: >يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ الله لَكُمْ< المائدة: 21، ارتدّوا على أدبارهم بحجّة أنّ فيها قوماً جبّارين، فقالوا لموسى B: >فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا< المائدة: 24، ضعف النفس هذا جرّ على هؤلاء القوم التيه([29]) والضلال في البراري والصحاري([30]).

6 ــ البخل ! الحرمان من الرئاسة والرفعة بكل صورهما

البخل هو الحرص وإمساك المقتنيات عمّا لا يحقّ حبسها عنه، والولع في الاكتناز، والإنسان البخيل يكون جشعاً جداً، وهو ممسك لضيق أفقه وخسّته، وعلى الرغم من أنّ الكلمة تستعمل لغرض جمع الأموال واكتناز الثروات، لكنّها ليست حكراً عليها، فقد تستعمل أيضاً للتعبير عن أمور معنوية مثل البخل بالعلم والمحبة و…

إنّ تنامي هذه الصفة تدريجياً في الإنسان يؤدي إلى أن يبخل الشخص
أولاً بماله([31])، ثم بأموال الآخرين في المراحل اللاحقة، حيث يأمر الناس بالبخل (النساء: 38)، نتيجة هذا العمل الحرمان من الرئاسة والرفعة من أي نوع وصورة (النساء: 53)([32]).

مثال على هذا البخل نقلاً عن القرآن الكريم (محمد: 38) رفض بعضهم دعوة الإنفاق في سبيل الله التي أدّت بهم إلى الحرمان من الرئاسة والرفعة الاجتماعية([33])، وتحمّل الأضرار الشخصية وشمولهم بقانون الاستبدال، أي استبدالهم بقوم آخرين يكون الكرم أحد خصالهم، وهم المستضعفون الذين لهم الإمامة ووراثة الأرض، والزعامة الدينية([34]).

7 ــ الحسد ! الإيمان بالجبت والطاغوت([35])

الحسد تمنّي ما عند الآخرين من نِعَم، وكذلك زوالها عنهم، والواقع، إنّ الحسد مرض نفسي، يجعل صاحبه في مقارنة مستمرة بين ما يملكه الآخرون وما يعوزه، فيلقي به في دوّامة من الأزمات والاضطرابات الداخلية، والحسود ــ من وجهة نظر الدين ـــ إنسانٌ متشائم، غير راضٍ بقسمة ربّه العادل. هذه الخصلة وإن كانت لا تتسبّب في أضرار بالغة في مراحلها الأولى والابتدائية، إلاّ أنّها في مراحلها المتقدمة والمستفحلة، تترك تأثيرات خارجية مباشرة قد تكون الإصابة بالعين إحداها، لذلك، فمن الممكن أن تأتي هذه الرذيلة على إيمان المرء وبنيانه الروحي والمعنوي، كما أنّ من نتائج الحسد الإيمان بالجبت والطاغوت (النساء: 51).

1 ــ 1 ــ 2 ــ دراسة النتائج الاجتماعية للأفعال الطالحة في الفئة الأولى من الآيات

1 ــ الإيمان الناقص والمشروط بالكتاب ! الذلّة والمسكنة

الإيمان هو القبول والتسليم للحقّ([36])، والمؤمن الحقيقي هو الذي ينقاد لجميع أوامر الرسول الكريم 2 دون قيد أو شرط، بل وأكثر من هذا، يفعل ذلك بضمير مرتاح، غير شاعر في قرارة نفسه بعد صدور الحكم بأيّ حرج أو
ضيق (النساء: 65)، ولمّا كان للإيمان مفهوم نسبي ودرجات([37])، من نقص وكمال وشدّة وضعف (التوبة: 124، الأنفال: 2)، لذا، أمكن تقسيم المؤمنين الذين
يطّبقون جميع أو بعض الأوامر الإلهية الواردة في الكتاب، أو من قبل أولياء الله، إلى فئتين:

ألف ــ مؤمن حقيقي كامل ملتزم بتنفيذ جميع الأوامر والنواهي الإلهية.

ب ــ مؤمن ضعيف مذبذب، يطبّق بعض أوامر الله ورسوله الكريم 2 ويعرض عن بعضها الآخر لأيّ سبب كان (البقرة: 85).

فعاقبة إيمان الفئة الأولى الرفعة والعلو المطلق في المجتمع مقارنةً بغير المؤمنين (آل عمران: 139)، لأنّ غلبة الإيمان على الكفر حسب الشريعة الإلهية مسألة حتمية (النساء: 141)، بينما عاقبة الإيمان الناقص للفئة الثانية، التي تؤمن ببعض ما أنزل الله وتكفر بالبعض الآخر (البقرة: 85) عاقبتها الذلّة والمسكنة، وعار وشنار في الحياة الدنيا، ففي ميدان الحرب بين الكفر والإيمان يرتقي درجات العلا في المجتمع من كان موقفه واضحاً، كافراً كان أم مؤمناً، فيما يكون مصير المذبذبين ذوي الإيمان الناقص السحقَ من قبل الفئتين السابقتين.

بنو إسرائيل كانوا من الفئة الثالثة، فعلى الرغم من إبرامهم للعهود الغليظة والموثقة مثل عدم سفكهم للدماء وإخراج المؤمنين من ديارهم، لكنّهم نقضوا ــ عملياً ــ جميع العهود من بعد توكيدها، واقترفوا الأفعال المحرّمة، من قتل وتشريد لبعضهم (النساء: 86) فما جزاء هذه الأفعال غير الذلّ والخزي لهم في هذه الدنيا (الإسراء: 5)([38]).

1 ــ 2 ــ دراسة نتائج الأفعال الصالحة (الفردية والاجتماعية) في الفئة الأولى من الآيات

نظراً لضيق المجال في هذا المقال، نصرف النظر حالياً عن إعطاء الإيضاحات في هذا الموضوع، ويمكن للمهتمّين مراجعة المشروع الأصلي إذا شاؤوا.

2 ــ دراسة نتائج الأفعال في الفئة الثانية من الآيات

(الأعمال الصالحة) ــــــــــ

2 ــ 1 ــ مشروع البحث

قيل ــ قبل ذلك ــ : إن تطبيقات نظرية الفعل وردّ الفعل تقسّم الآيات القرآنية إلى فئتين متميّزتين، وهنا، نشرح قسماً آخر من هذه العلاقات في الفئة الثانية من الآيات، التي لا يتمّ استعراض نتائج الأفعال فيها بشكل واضح ومباشر، لكن يمكن استخراج ذلك منها بصورة استقرائية وموضوعية.

2 ــ 2 ــ منهج العمل

نحاول هنا تركيز الجهود على القسم الأعظم من تلك الآيات التي تتضمّن سيرة الأنبياء، حيث ننطلق ببحثنا من هذه النقطة، ذلك أنّ سير الأنبياء ــ عدا يوسف ــ وردت في القرآن الكريم بصورة مبعثرة، أي أنّها تتطلّب دراسة وتمحيصاً موضوعيين، فضلاً عن أنّ الأنبياء 1 ــ يمتازون عن بقية البشر معنوياً، وذلك لاستنارتهم بنور العصمة (الأنعام: 68). 2 ــ ويتفاضلون فيما بينهم في ضمن دائرة النبوة تبعاً لقربهم وبعدهم عن المركز (البقرة: 253)، من هذا المنطلق، يجب توضيح أساب هذا التفاضل على البشر، وفيما بينهم، وبيان ماهية المعلول والمولود بالاستناد إلى القاعدة العقلية القائلة ببطلان الترجيح بدون مرجّح.

2 ــ 3 ــ طريقة تنظيم الموضوعات

لحسن الحظ، تحلّ مسألة تصنيف الأنبياء ضمن عناوين معرفية دينية متنوعة مثل النبي والرسول 2 وأولي العزم.. جزءاً من مشكلة التنظيم في هذا البحث الذي يتضمّن نظرةً سريعة في المسيرة التاريخية، فطبقاً لهذه النظرة، نشرع ببحثنا الرئيسي عبر تناول سيرة الأنبياء أولي العزم، ثم غير أولي العزم وذلك من زواية الفعل وردّ الفعل، مقسّمين البحث إلى ثلاث مراحل: نتابع سيرة كل نبي من خلال وضع الأفعال التي قام بها، والصفات التي اشتهر بها تحت المجهر، وفي المرحلة الثانية، نسلّط الضوء بصورة مستقلة على عواقب أفعاله، أو نحصي المزايا التي حصل عليها، أما المرحلة الأخيرة، فنفردها لبيان العلاقة الثابتة بين بعض أفعال النبي والنتائج التي تمخضت عنها، من خلال تأشير نقاط الذروة صعوداً وهبوطاً.

1 ــ إبراهيم B ــــــــــ

ألف ــ دراسة سيرة النبي إبراهيم B من زاوية الأفعال أو الصفات

ينسب القرآن الكريم الصفات التالية إلى النبي إبراهيم B: الراكع، الساجد، العابد، المحسن، المجاهد، الوسط والمتعادل، المصلّي، المؤدّي للزكاة، المعتصم بالله، المسلم الحقيقي، التسليم الكامل للحق، العابد لله الواحد، غير المشرك، الحنيف، الذي يحاجّ المشركين، المحارب لعبدة الأوثان، المعارض للميول الشخصية وعبادة الآباء، البرئ من المشركين، الشجاع المقدام، المستغفر والمستعفي، الأوّاه، الحليم، المقري للضيف، المنيب، الشكور، الرائد، المطيع، الواله بالحق، الصدّيق، المعتزل، المتّقي، الساعي وراء الرزق الحلال، المؤمن بالمعاد، الموفي بالعهد والميثاق و…

ب ــ دراسة لسيرة النبي إبراهيم B من زواية عواقب الأفعال والمزايا المكتسبة

من ناحية أخرى، يذكر القرآن الكريم الامتيازات التالية للنبي إبراهيم B: الإمام، المؤسس والمدبر لشؤون الحج، المختار والمهتدي، المصطفى، صاحب الكتاب، الحكيم، العالم اللدنّي، الملك، الحائز على شرف رؤية الملكوت، مهبط الوحي، الحائز على النعم الإلهية، الخليل، الموقن، صاحب الحجّة، الأفضل، صاحب الذرية المحسنة، الصالح، المبَُشَّر، المؤمِّل، مجلى الرحمة والبركة الإلهية، الشاهد، ذو القلب السليم، المأجور في الدنيا، المخلص([39]) و… .

لقد كان النبي إبراهيم B ناجحاً في كسب هذه المزايا، وكان نهجه مستحسناً إلى الدرجة التي يدعو فيها الله نبيه الكريم 2 والمؤمنين إلى اتّباع ملّته، والسير على نهجه (آل عمران: 95؛ النحل: 120)، كما يفخر النبي يوسف B بأنّه تابع له (يوسف: 6).

ج ــ دراسة لنقاط الذروة في حياة النبي إبراهيم B مع بيان العلاقة الثابتة بين الفعل وردّ الفعل

النقطة الأولى: نجاته من النار بأن جعلها الله له برداً وسلاماً

من الأحداث المهمة في حياة النبي إبراهيم B فقدان النار لحرارتها بأمرٍ من الله تعالى، فلم يحرقه لهيبها وكانت له برداً وسلاماً (الأنبياء: 69)، ولا شكّ أنّها نتيجة عظيمة، لكنّا نحتاج إلى أن نتحرّى عن العمل المسبب لها؛ أي أنّ السؤال الرئيسي الذي يحتاج إلى الإجابة هو، ماذا كان العمل أو الأعمال التي قام بها النبي إبراهيم B ليستحقّ عليها هذه النجاة المعجزة، وبالتالي بسط قانون الأمر على الخلق؟

في ضوء ما ذكر عموماً في القسم الأول في هذا الخصوص، ثمّة عملان محدّدان، من بين أعماله، لعبا دوراً كبيراً في هذه النجاة، الأول: نصرته لله تعالى، والثاني: توكّله عليه.

ذكرنا في موضع سابق، وطبقاً للقوانين الإلهية الشاملة، أنّ من ينصر الله ينصره (الحج: 40)، وقد علمنا أيضاً بشهادة القرآن (الأنبياء: 50) والأحاديث([40]) أنّ النبي إبراهيم B ناصر جسور ومدافع مخلص عن الحق؛ لهذا السبب، تدخّل قانون النصرة الإلهية المتبادلة في تلك اللحظة الحرجة، وأهدى له B نجاته المعجزة، وبرهنت قوانين عالم الملكوت على قبضها لعالم الخلق.

العنصر الثاني المؤثر الذي ساهم في نجاته كان توكّله على خالقه، والذي كانت عاقبته تنفيذ الأمر والرضا، وفي هذا الشأن يشير الله تعالى إلى أنّه توكّل علينا، فدافعنا عنه بقوة: >وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ< الأنبياء: 70.

وهنا، نلفت النظر إلى نقطة مهمة وهي، أنّه على الرغم من أنّ أمر الله تعالى في جعل النار برداً لإبراهيم، كان الحالة الوحيدة المذكورة في القرآن الكريم، إلاّ أنّ هذا الأسلوب في النجاة لا يختصّ به وحده، لأنّ القانون الإلهي عام يصدق على جميع الحالات المشابهة؛ وإن ذكر التاريخ مصداقاً واحداً فقط، كما هو الحال مع قصة النبي يونس B، حيث يأتي الله تعالى ــ بدايةً ــ على ذكر المصداق فيقول عزّ من قائل: >وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ< الأنبياء: 88، ثم يتبعها بعرض القانون العام فيقول: >وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ<([41]).

النقطة الثانية: بشارة الذرية الطيبة والخلف الصالح

الحدث الثاني المهمّ في حياة النبي إبراهيم B كان بشارة الله له بأن يهبه غلاماً وهو في شيخوخته (هود: 69؛ الصافات: 100) غلام عليم (الحجر: 51؛ العنكبوت: 24؛ الذاريات: 24)، سيفتح لذرية طاهرة وصالحة و… (الحديد: 26).

هذه البشارة لإبراهيم B (الحجر: 51) ولزوجته، جاءته بها رسل الله عندما كانوا في ضيافته، وكانت هذه البشارة عجيبةً بالنسبة لزوجته بحيث جعلتها تضحك وهي قائمة مردّدة: >قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ< هود: 69، وحينما يذهب عنهما الروع ويجدان أنّ الأمر جدّ وليس بالهزل، تصكّ امرأته على وجهها وتكرّر القول: >عَجُوزٌ عَقِيمٌ< الذاريات: 24، كيف ألد، وهذا بعلي شيخاً؟! كما أنّ النبي إبراهيم B أيضاً يعجب من هذه البشارة وقد مسّه الكبر (الحجر: 51)، لكنّ الرسل يبشّرونه بنزول رحمة الله وبركاته عليه، وأنّ هذا الأمر يختصّ بحكمة الله وعلمه، ويُعلمونهم أنّ أمراً ما سيقع. وهنا سؤال كبير مطروح وهو: ما الذي فعله إبراهيم B وزوجته حتى يستحقّا هذه العاقبة؟

ثمّة قانون قرآني عام مفاده أنّ اعتزال المرء للقوم الكافرين ــ بالطبع ليس المفهوم السلبي للعزلة ــ في برهة معيّنة من حياته، والسعي لبناء جسر من العلاقة الخاصة مع خالقه، يمهّد السبيل أمامه لتأسيس ذرية صالحة طاهرة، وهذا ينطبق بالفعل على النبي إبراهيم B وزوجته، فبعد أن اجتهد في تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لدرجة أنّه دخل في نزاعات مع الكفار من بني قومه وتعرّض لتهديدات جدّية من قبلهم، آثر اعتزالهم، حيث جاء على لسانه في القرآن الكريم: >وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله< مريم: 48، وكانت عاقبة عمله بوصفه أنموذجاً ومصداقاً أن بُشّر بغلام عليم وذرية طيبة وصالحة، وأنبياء عظام من قبيل إسحاق وإسماعيل ويعقوب B و…([42]).

ونرى هنا ضرورةً في الإشارة إلى هذه النقطة وهي، أنّ مريم العذراء J كانت أيضاً واحدة من جملة المعتزلين لقومها، حيث اتّخذت من دونهم حجاباً، وتبتّلت في الدير الإلهي، منصرفةً إلى عبادة ربّها، حتى أنّها أدهشت النبي
زكريا B بكراماتها (مريم: 17)، وكان من نتيجة هذه العزلة أن رزقها الله بغلام طاهر قويم السيرة مثل النبي عيسى B.

2 ــ يوسف B ــــــــــ

ألف ــ دراسة لسيرة النبي يوسف B من زاوية الأفعال

يذكر القرآن الكريم للنبي يوسف B هذه الصفات: المعرض عن الفواحش، العابد، المعتزلِ الذين لا يؤمنون، المتّبع لملّة إبراهيم B، الشاكر، الدّاعي، المحسن، الساعي في هداية الآخرين حتى في السجن، المحارب لعبادة الأصنام، المشفق، المدير، المدبّر، الضابط لنفسه، الصائن لنفسه، الشهم، العافي، المتقي و…

ب ــ دراسة لمزايا يوسف B

كما ذكرت للنبيّ يوسف B هذه الخصائص: المهتدي، الصالح، المصطفى، المجتبى، المحسود، المفسّر للرؤيا، مهبط الوحي، الحكيم، العالم، والسابح في نعم الله.

ج ـ دراسة للحظة الهبوط في حياة يوسف B

لقد دعا النبي يوسف B ربّه أن يُسجن ليصرف عنه كيد امرأة العزيز وكيد نساء مصر (يوسف: 33). وبعد أن فسّر رؤيا رفاقه في السجن، وطبقاً للروايات([43])، اضطرّ إلى قضاء سبع سنوات إضافية في السجن (يوسف: 43). وهنا نسأل، ما هو العمل الذي دخل يوسف B السجن بسببه؟ على الرغم من أنّ حياته ــ كما تذكر الروايات ــ كانت مليئةً بالنجاحات، لكن هناك محذور اقترفه وهو سعيه لدى فرعون ذلك العصر والاستعانة بسلطته، فحينما كان يفسّر رؤيا رفاقه في السجن، طلب من ساقي فرعون أن يشرح لحاكم مصر ظلامته وأن ينظر في إطلاق سراحه، وكانت نتيجة عمله هذا واقترافه لهذا المحذور، أن يقضي فترةً إضافية في السجن.

3 ــ النبي يونس B ــــــــــ

ألف ــ دراسة لحياة النبي يونس B من زاوية الأفعال:

1 ــ الأعمال الإيجابية: دعاؤه لله وهو في وضع الاضطراب والغم (القلم: 48)، اعترافه بوحدانيّة الله وظلمه لنفسه (الأنبياء: 87)، لومه النفس وتسبيحه لله (الصافات: 139).

2 ــ اقتراف المحذور: هَلَعُه (القلم: 48)، غضبه وتركه لقومه دون إذن من ربّه (الأنبياء: 87).

ب ــ دراسة حياته من زاوية المزايا المكتسبة

كان مجتبىً ومرسلاً ومختاراً (الصافات: 139)، مدركاً لنعمة ربّه (القلم: 48)، صالحاً، مجاب الدعاء (الأنبياء: 87)، مؤمناً، مفضّلاً (الأنعام: 86) و…

ج ــ دراسة لحالات الصعود والهبوط

ا ــ حالة الهبوط: الحبس في بطن الحوت

لماذا سُجن يونس B في بطن الحوت؟ ربّما يكون السبب الرئيسي لذلك هو اقترافه للمحذور، فقد كان مأموراً بالصبر باعتباره نبيّاً (القلم: 48)، وكان عله أن يكظم غيضه وغضبه، لكنه انصرف عن مواجهة مصاعب دعوة قومه وتركهم دون إذن من الله (الأنبياء: 87)؛ ولم يخطر بباله أنّه قد يعرّض نفسه لعقاب الله بسبب عمله هذا.

2 ــ حالة الصعود: خلاصة من المصيبة

لم يطل حبسه في بطن الحوت، حيث تحرّر من هذا السجن الجوّال، ولكن ما العامل الذي يقف وراء هذا التحرير؟ في الواقع، العامل هو تسبيحه وحمده لله، واعترافه بذنبه وظلمه لنفسه (الأنبياء: 87)، فهذه هي مفاتيح فكّ سجنه، يقول الله سبحانه وتعالى: >فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ<.

وكما أسلفنا، إنّ هذا الخلاص إنّما هو تعبير عن قاعدة قرآنية عامة،
ولا يختصّ بهذا النبي وحده، وليس أدلّ على ذلك من ذكر القرآن الكريم
بعد قصة يونس B لتلك القاعدة حيث يقول: >وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ<
الأنبياء: 87([44]).

خلاصة ــــــــــ

بالاستناد إلى العلاقات الثابتة بين الأفعال الصالحة ونتائجها، ودون الاستعانة بأيّ فكرة عقلية، يمكننا أن نصوغ من هذه الفرضية قانوناً، لاحظنا وروده في البحوث القرآنية باعتباره المحور الرئيسي للموضوع، وتمّ التعامل معه على أنّه قضية مبرهنة.

من ناحية أخرى، تتيح صيغة هذا القانون، إرضاء جانب من عقل الإنسان، من خلال إرضاء حبّ استطلاعه، ومن ناحية ثالثة، فإنّه سيتابع نشاطاته اللاحقة وفق تخطيط منهجي سليم، لأنّه أصبح يستشفّ العواقب الدنيوية للأعمال، وأصبح يعي ــ بشكل منطقي ــ هذه المسألة، ما يعني تكريس جزء كبير من هذا القانون لتصحيح الدوافع وتعديل الميول والأهواء.



[1]) أستاذة مساعدة في كلية الإلهيات والمعارف الإسلامية بجامعة طهران.

[2]) يحبّذ العقل القوانين التي تكوّن علاقة ثابتة بين حدث متقدّم (العلة) وحدث لاحق (معلول).

[3]) الفعل هو العمل، الصنع، الراغب الإصفهاني، المفردات: 286، التأثير التدريجي المتبادل، شعباني فنون التربية والتعليم: 13، التجربة، التصرّف الفعلي، النتيجة و.. (وللاستزادة انظر: مطهري التربية والتعليم في الإسلام: 415، صدرا، 1995م، والراغب: 286، 382. وفيلسين شاله، معرفة مناهج العلوم، 30، يحيى مهدوي، طهران، 1944م. وشعباني، فنون التربية والتعليم: 14).

[4]) عاقبة الفعل وانعكاساته، هي نفسها النتيجة، الارتكاس، الرّجع، الاستجابة، تأثير الفعل وردّ الفعل، حيث نركّز هنا على النتائج القهرية والطبيعية المتولّدة تلقائياً، وليس حيثيّاتها.

[5]) تبيّن العبارة أن المقصود بنتيجة الأفعال وانعكاساتها، النتائج الحاصلة في الحياة الدنيا، وليس في الدار الآخرة.

[6]) هذه الموضوعات متفرقة ومجتزئة، وتشمل الأعمال الصالحة والطالحة، ويمكن تصنيفها ضمن 78 موضوعاً في العمل الصالح، و122 موضوعاً في العمل الطالح.

[7]) لهذه المقدّمة أهمية قصوى، وذلك لأنّه في هذا الجزء يحصل الانسجام بين تجربتنا الشخصية وتجارب الآخرين من جهة وبين كلام الله من جهة أخرى، وتمهّد الطريق للعبور من حالة الفرضية إلى صيغة القانون. بعبارة أخرى، بالاستناد إلى آيات القرآن الكريم وبعد المراجعة والتمحيص في تفاصيل الأفعال الفردية والاجتماعية التي تستبطنها ونتائجها، وذلك من أجل الخروج بقانون عام لها، ومن خلال استنطاقها، تنكشف العلاقة الثابتة بين الأفعال ونتائجها، ومن ثمّ البرهنة عليها بأسلوب الاستقراء.

[8]) وعليه، إذا أخذنا بنظر الاعتبار العناصر المذكورة، فسنتناول أثناء متباعتنا للمقالة الموضوعات: ألف ــ دراسة نتائج الأفعال في الفئة الأولى من الآيات، ب ــ دراسة نتائج الأفعال في الفئة الثانية، ألف ــ 1ــ دراسة الأفعال الطالحة، الف ــ 2ــ دراسة نتائج الأفعال الصالحة؛ ألف 1ــ 1ــ دراسة =
= النتائج الفردية للأعمال الطالحة؛ ألف ــ 2 ــ 1 ــ دراسة النتائج الاجتماعية للأعمال الطالحة في الفئة الأولى. في هذه المقالة، ستتمّ دراسة النتائج الفردية والاجتماعية للأفعال الطالحة والصالحة في الفئتين الأولى والثانية من الآيات.

[9]) الفيض الكاشاني، الصافي 1: 102، طهرا، 1977م.

[10]) للاستزادة انظر: الطبرسي، مجمع البيان 2: 279 ــ 289؛ الطباطبائي، الميزان 1: 202، قم، 1372هـ؛ الشاه عبدالعظيمي، التفسير الإثنا عشري 1: 175، طهران، 1985م؛ العاملي، تفسير العاملي: 106، مشهد وطهران، 1984م؛ القرشي، أحسن الحديث 1: 156، طهران، 1987م؛ طيب، أطيب البيان 2: 60 طهران، 1987م؛ الاسترآبادي، تأويل الآيات الظاهرة: 76، قم، 1409هـ.

[11]) الصافي 1: 65.

[12]) للاستزادة انظر: الصافي 1: 66؛ ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة 20: 187، قم، 1404هـ؛ والحلي نهج الحق وكشف الصدق: 133، قم، 1407هـ؛ والجزائري، قصص الأنبياء والمرسلين: 35، 261، 263، قم، 1404هـ.

[13]) انظر الراغب الإصفهاني، المفردات: 543، والخليل بن أحمد الفراهيدي، العين 4: 75؛ وابن منظور، لسان العرب 1: 183.

[14]) البقرة: 15؛ والصافي 1: 63.

[15]) الطباطبائي، الميزان 1: 56، قم، 1372هـ.

[16]) الطباطبائي، الميزان 1: 56؛ أبو الفتوح، تفسير ابو الفتوح 1: 117، مشهد، 1995م؛ الكاشاني منهج الصادقين 1: 98، طهران، 1965م؛ لاهيجي، تفسير اللاهيجي 1: 15، طهران، 1984م؛ القرشي، أحسن الحديث 1: 53؛ الطيب، أطيب البيان 1: 396؛ الطوسي، التبيان 1: 79، قم، 1409هـ؛ الشريف المرتضى، تنزيه الأنبياء والأئمة: 90، قم، 1250هـ؛ الصدوق، الخصال: 13، قم، 1403هـ.

[17]) الراغب، المفردات: 170.

[18]) الفيض، الصافي 1: 206.

[19]) للاستزادة انظر: الكاشفي، المواهب العلية 1: 97؛ المشهدي القمي، كنـز الدقائق 2: 379، طهران، 1987م؛ الجزائري: 330 ــ 331؛ فضل الله، من وحي القرآن 4: 214؛ الشيرازي 2: 97؛ الصدوق: 151؛ الراوندي 1: 348.

[20]) للاستزادة: الصافي 1: 302؛ ابن طاووس 1: 100؛ الراوندي 1: 353.

[21]) للاستزادة انظر: الاسترآبادي، تأويل الآيات الظاهرة: 571؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 11: 60.

[22]) الراغب، المفردات: 323، كذلك انظر: الخليل بن أحمد الفراهيدي، العين 1: 235؛ وابن منظور، لسان العرب 1: 580؛ والطريحي، مجمع البحرين 2: 116.

[23]) نهج البلاغة، الخطبة: 192، 6 ، 5.

[24]) للاستزادة انظر: المفيد، الإفصاح في الإمامة: 57، قم، 1414هـ؛ والشوشتري، الصوارم المهرقة: 310 طهران، 1988م؛ والراوندي النوادر 1: 179؛ والأربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة 1: 221، تبريز، 1381هـ.

[25]) انظر: الحلي، نهج الحق وكشف الصدق 1: 370؛ ومكارم الشيرازي، تفسير نمونه (الأمثل) 7: 237، طهران، 1987م.

[26]) تذكرة سريعة من أجل رفع هذه الشبهة وهي، ما هي علاقة الحالات النفسية للإنسان مثل العجب والحسد والتكبر و.. بالأعمال؟! في العبارات الخاصة بالحالات النفسية للإنسان، أحياناً تستعمل كلمة لا يقصد بها تلك الحالة النفسية، بل يقصد الآثار التي تصدر عن الإنسان بسبب تلك الحالة النفسية. على سبيل المثال، إنّ الشفقة والرأفة حالة نفسية وشعورية لدى الإنسان، أحياناً تستعمل هذه الكلمة للدلالة على نفسها، وأحياناً أخرى تستعمل في مواضع معينة تبرز آثار تلك الحالة، سواء أكانت موجودة أم غير موجودة. فعندما نقول بأنّ فلاناً قد تعاطف مع فلان، معناه، أنه قام بفعل من نوع عاطفي. (مطهري، التربية والتعليم: 162). وهذه الألفاظ (الحالات النفسية) تستعمل في حالات كثيرة أخرى تتعلق بالإنسان، ولكن بجهة السلوك، الذي هو ــ عادةً ــ معلول هذه الحالة (المصدر نفسه: 163)، وكذلك للاحتراز عن خطأ عام يتعلّق بالأخلاق والفعل الأخلاقي (انظر: المصدر نفسه: 149).

[27]) الفيض الصافي 1: 311.

[28]) الراوندي، النوادر 1: 147.

[29]) الفيض، الصافي 1: 425؛ الطبرسي، مجمع البيان 3: 280.

[30]) للاستزادة انظر: فضل الله، من وحي القرآن 6: 238؛ شبر، تفسير شبّر 1: 238، 278؛ الفيض، الصافي 1: 435؛ وتفسير أبو الفتوح 5: 139؛ العاملي 1: 278؛ مغنية، تفسير الكاشف 2: 197؛ ابن طاووس: 134؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 15: 192؛ الجزائري: 266.

[31]) الراغب، المفردات: 38.

[32]) وللاستزادة انظر: الطبرسي، مجمع البيان: 3: 94؛ العياشي، تفسير العياشي 1: 246؛ البحراني، البرهان 2: 92.

[33]) المصدر نفسه.

[34]) للاستزادة انظر: الفيض، الصافي 2: 572؛ الكليني، الكافي 1: 205؛ الصفار، بصائر الدرجات: 34؛ الاسترآبادي، تأويل الآيات الظاهرة: 135؛ التميمي، دعائم الإسلام 1: 20؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 1: 60.

[35]) الجبت في الأصل، اسم صنم، لكنه استعمل بعد ذلك للتعبير عن أي معبود غير الله، أما الطاغوت فيطلق على الشيطان، وكذلك على كل معبود باطل، أنظر: الفيض، الصافي 1: 362؛ كذلك انظر 4: 93؛ الإشارة إلى صنمي قريش.

[36]) الراغب، المفردات: 26.

[37]) الكليني، الكافي 3: 65.

[38]) للاستزادة انظر: الطوسي، التبيان 1: 331؛ كرمي، التفسير لكتاب الله المنير 1: 102؛ الكليني، الكافي 2: 389 و8: 29؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة 1: 32؛ النوري، مستدرك الوسائل 1: 76؛ الحراني، تحف العقول: 462؛ الشهيد الثاني، كشف الريبة عن أحكام الغيبة: 153.

[39]) تكرار بعض الصفات مع العدد السابق إنّما كان لجهة وجود العلاقة في الفعل وردّ الفعل، أي أنّ كل ردّ فعل، سيعدّ فعلاً في المرحلة الثانوية، بالإضافة إلى أنّ الصفة التي يحملها الفرد تكون موهوبة بالعلاقة مع الله، ومكتسبة بالنسبة للفرد نفسه.

[40]) مثل الفيض في الصافي 2: 95.

[41]) للاستزادة انظر: الآملي 6: 231؛ مكارم الشيرازي، نمونه 14: 112؛ الطيب، أطيب البيان 9: 307؛ القمي المشهدي 9: 103؛ الكنابادي ، بيان السعادة 3: 78؛ والشيرازي، تقريب القرآن إلى الأذهان 17: 114؛ فضل الله، من وحي القرآن 16: 85؛ الكليني، الكافي 8: 337؛ الطوسي، التبيان 6: 129؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة 15: 36؛ الراوندي، النوادر 1: 44.

[42]) للاستزادة انظر: الطباطبائي، الميزان 12: 19، 14: 63، 18: 410، 10: 33؛ والكاشفي، المواهب العليّة 3: 18؛ ومكارم الشيرازي، نمونه 13: 86؛ وفضل الله، من وحي القرآن 5: 430؛ والعلوي، كشف الحقائق 2: 348؛ والبحراني، البرهان 4: 12؛ والحائري 7: 36؛ والشيرازي، تقريب القرآن 16: 57؛ والكرمي، التفسير لكتاب الله المنير 5: 291؛ والاسترآبادي، تأويل الآيات الظاهرة: 296؛ والصدوق، الخصال 1: 139.

[43]) الفيض، الصافي 1: 834.

[44]) للاستزادة: انظر: الطباطبائي، الميزان 10: 3، 17: 170، 19: 387، 20: 48؛ وانظر: الفيض، الصافي 2: 102؛ فتح الله الكاشاني، منهج الصادقين 6: 107؛ شاه عبدالعظيمي، التفسير الإثنا عشري 8: 430؛ العاملي، تفسير العاملي 6: 176؛ نقل آراء: الزمخشري، البروسوي، الثعلبي، والرازي، الكَنابادي، بيان السعادة في مقامات العبادة 30: 58، في عدم التعارض مع عصمة الأنبياء؛ وانظر السيد بن طاووس، فرج المهموم: 119؛ وفلاح السائل: 1937؛ والراوندي، النوادر: 211؛ والحلي، نهج الحق وكشف الصدق: 110.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً