أحدث المقالات

دراسةٌ مقارنة تحليلية

د. الشيخ خالد الغفوري الحسني(*)

المقدّمة

من المسائل المهمّة المطروحة في باب الإرث مسألة الحجب، نظراً لتأثيره الكبير على عملية التوريث، وكيفية تقسيم التركة، ومقدار الحصص. قال ابن عباس: «مَنْ تعلّم سورة النساء، وعلم مَنْ يحجب ومَنْ لا يحجب، فقد علم الفرائض»([1]). ولعلّ مراده من الحجب ما يشمل الموانع أيضاً، لا خصوص الحجب المصطلح.

قال الدكتور برّاج: «وموضوع الحجب يُعتبر من أهمّ مواضيع الفرائض، ويحرم على مَنْ لم يعرف الحجب أن يُفتي في الفرائض؛ لأنّ مَنْ لم يعرف هذا الباب لا يستطيع تقسيم التركة على الوجه الذي أراد الله، بل رُبَما حرم مَنْ يستحقّ وأعطى مَنْ لا يستحقّ؛ لجهله بموضوع الحجب»([2]).

أقول: إنّ حرمة التصدّي للإفتاء لا تختصّ بالجاهل بمسائل الحجب، ولا تختصّ بباب الفرائض، بل هي شاملةٌ لكلّ مَنْ يُفتي بغير علمٍ.

ويتعرَّض الفقهاء عادةً لمسائل الحجب في بحوثهم في مواضع متناثرة، ولم يجمعوها في موضعٍ واحد، كما أنّهم قد أهملوا التنصيص على بعض الحالات وأنّها من أقسام الحجب أو لا، ممّا أثَّر على عدم امتلاك صورة واضحة، بل مجتزأة وتقسيمات غير وافية. لذا فقد ارتأينا أن نُفْرِد الحجب ببحثٍ مستقلّ؛ فإنّ لهذا الجمع ثمرات بحثية ـ كما سوف ترى ـ لا تحصل لدى بحثها بشكلٍ مبثوث، وإنْ كنّا لسنا بصدد استيعاب جهات بحث الحجب جميعاً، فقد استهدفت الدراسة بحث بعض الزوايا العامّة. ومن هنا سوف نقتصر على التركيز على الماهية وتحليلها والتقسيمات، مُضافاً إلى أنّنا قدّمنا في طيّات البحث ما لدينا من الرؤى الفقهية الاستدلالية أو الاستنباطية أو التحليلية الخاصّة بنا، والتي هي بحاجةٍ إلى فتح ملفّ البحث فيها من جديد؛ لعدم إعطائها حقّها من التنقيح والتحقيق، فطرحنا رؤىً تجديدية هنا وهناك، كما أنّنا عرضنا المعالجة وفقاً للمنهج المقارن بين الفقه الإمامي والفقه السنّي.

فهرسة جهات البحث

نظراً لسعة البحث وكثرة فروعه، التي تتطلّب عقد دراسة مفصّلة، فسوف نقتصر على بحث بعض الجهات، دون استيعابها طرّاً، وهي: تعريف الحجب، الفرق بين المنع والحجب، تقسيمات الحجب (أقسامه ولواحقه).

الجهة الأولى: تعريف الحجب

وفي البدء لا بُدَّ أن نتعرّض لبيان تعريف هذا المصطلح، ثمّ بيان الفرق بينه وبين ما يُشابهه.

أـ الحجب لغةً

الحجب لغةً هو: المنع([3])، وحجبه حجباً، من باب نصر: منعه([4]). قال ابن فارس: «الحاء والجيم والباء: أصل واحد، وهو المنع. يُقال: حجبته عن كذا: أي منعته»([5]). وقال الفراهيدي: «الحجب كلّ شيء منع شيئاً من شيءٍ فقد حجبه حجباً… وجمع الحاجب: حجبة»([6]). وقال الجوهري: «حجبه: أي منعه عن الدخول»([7]). وقال ابن منظور الأفريقي: «حجب الشيء يحجبه حجباً وحجاباً وحجبه: ستره… وامرأة محجوبة: قد سترت بسترٍ»([8]). ومنه قيل للستر حجاب؛ لأنّه يمنع من المشاهدة([9])، وللبوّاب حاجبٌ؛ لأنّه يمنع من الدخول([10])، ومنه الحجب في الفرائض؛ لأنّه يمنع من الإرث([11]).

ب ـ الحجب اصطلاحاً

أمّا الفقه السنّي فقد ذكروا عدّة تعاريف للحجب:

1ـ عرَّفه الحنفية: بأنّه منع شخص معيّن من ميراثه كلّه أو بعضه بوجود شخص آخر([12]).

2ـ وعرّفه آخرون: بأنّه منع الشخص من الميراث، كلّه أو بعضه، بعد وجود سبب الإرث، وانتفاء موانعه، عند وجود شخصٍ آخر غير مُشارك له في سهمه.

قيل: وهذا القيد الأخير يُخْرِج صوراً ليست من الحجب، وهي نقصان نصيب صاحبة الفرض عند وجود مَنْ يعصبها، كالبنت مع الابن، و….

أقول: يُحتمل الفرق بين مَنْ يجتمع مع الوارث وبين مَنْ يُشاركه في حصّته، واجتماع الابن مع البنت ليس من حالات الاشتراك في الحصّة، وسيأتي له مزيد توضيح في تقسيمات الحجب.

3ـ وعرَّفه ثالث: بأنه منع مَنْ يتأهّل للإرث بآخر عمّا كان له لولاه([13]).

ثمّ بيَّن أقسام الحجب، قال: «وقسّموا الحجب إلى:

حجب حرمان: وهو منع شخص مُعيّن عن الإرث بالكلّية؛ لوجود شخص آخر.

وحجب نقصان: وهو حجبه من فرضٍ مُقدَّر إلى فرضٍ أقلّ منه؛ لوجود آخر». ثمّ قال: «فخرج انتقاص السهام بالعَوْل، وكذا انتقاص حصص أصحاب الفرائض بالاجتماع مع مَنْ يُجانسهم عن حالة الانفراد، كالزوجات»([14]).

 4ـ وعرَّفه الشافعية: بأنّه منع مَنْ قام به سبب الإرث من الإرث بالكلّية أو من أوفر حظَّيْه([15]).

ويحذف الشافعية من التعريف القيد الأخير (عند وجود شخصٍ آخر غير مُشارك له في سهمه).

فالشخص المحجوب لم يكن حجبه لمعنى في نفسه، بل لوجود شخصٍ آخر، فهو أهلٌ للإرث، ولولا وجود هذا الشخص لورث بالفعل، أو لأخذ نصيبه الأعلى كاملاً([16]).

التعليق

1ـ أمّا التعريف الثاني فهو غير جامع؛ فإنّ قيد (عدم مشاركة الحاجب في الإرث) ـ بناءً على تفسير الاشتراك بالاجتماع ـ يُخْرِج حجب الولد للزوجة مثلاً، مع أنّه يجتمع معها في الإرث. ومن هنا حذف الشافعية هذا القيد.

2ـ وأمّا التعريف الثالث فهو وإنْ نجا من إشكالية التعريف الثاني، لكنّه بهذا المقدار من البيان قد تورَّط بأشدّ منها، وهو عدم مانعيته؛ لشموله للمنع أيضاً.

3ـ وأمّا التعريف الأوّل فهو أفضل من سابقَيْه، لكن سوف تتَّضح إشكاليته ـ بعدم الجامعية ـ لدى التعرُّض لتعريف الإمامية، ومحاولة تعميقه.

وأمّا الفقه الإمامي فلم يتصدَّ أكثر فقهاء الإمامية لتعريف الحجب بشكلٍ عامّ، وإنْ ذكر بعضهم تعريف بعض أقسامه، فإنّهم يبدأون عادةً بذكر أقسامه([17]).

وعلى أيّ حال فقد عثرنا على بعض مَنْ عرّف (الحجب):

1ـ إذ عرَّفه الشهيد الثاني، فقال: «هو لغةً: المنع. وشرعاً: منع مَنْ قام به سبب الإرث بالكلّية، أو من أوفر حظَّيْه، ويُسمّى الأوّل: حجب حرمان؛ والثاني: حجب نقصان» ([18]). وقال المحقِّق السبزواري: «الحجب: وهو منع مَنْ له سبب الإرث بالكلّية، ويُسمّى: حجب حرمان، أو من حظِّه الأوفر، ويُسمّى: حجب نقصان»([19]). وقال النراقي: «الحجب: وهو لغة: المنع. والمُراد منه هنا: منع مَنْ له سبب الإرث بالكلّية أو بعضه، والأوّل يُسمّى: حجب حرمان؛ والثاني: حجب نقصان»([20]). وتبعه النجفي، قال في تعريفه شرعاً بأنّ المُراد منه: «منع مَنْ قام به سبب الإرث بالكلّية أو من أوفر نصيبَيْه. والأوّل المُسمّى بحجب الحرمان، والثاني بحجب النقصان»([21]).

2ـ أجل، قال الشهيد الثاني: «وأمّا الحجب: فهي الحيلولة المانعة من إرث الآخرين، كلاًّ أو بعضاً»([22]). وجعله أخصّ من المنع؛ حيث قال قبل ذلك: «الحجب: المنع، لكنّ المنع أعمّ من أن يُوجد سبب في نفسه أو يُوجد مانع خارجي»([23]).

3ـ وعرَّفه السيد كلانتر بأنّ «الحاجب: ما يُبطل الوراثة في بعضها أو رأساً؛ بسبب وجود شخص أو أشخاص آخرين»([24]).

المناقشة

أوّلاً: إنّ التعريف الأوّل في الحقيقة مأخوذٌ من التعريف السنّي؛ فإنّ أبا زكريا الأنصاري، صاحب فتح الوهّاب، متوفّى سنة (926هـ)، واستُشهد الشهيد الثاني سنة (965هـ).

ومهما يكن من أمرٍ يَرِدُ على هذا التعريف ما يلي:

1ـ عدم مانعية هذا التعريف؛ لشموله للمنع؛ إذ إنّ الممنوع أيضاً قام به سبب الإرث؛ بمعنى موجِباته من النسب أو السبب، إلاّ إذا فسّرنا السبب بمعنى آخر غير المعنى المتداول.

2ـ عدم مانعية التعريف من ناحية شموله للمنع بلحاظٍ آخر؛ إذ إنّ الممنوع يُمنع من الإرث بالكلّية.

3ـ عدم مانعية التعريف بلحاظٍ ثالث، وهو شموله لحالات عدم إحراز شرط التوريث، كالغيبة المنقطعة، فيما إنّ الملحوظ هو حرمان الوارث مع توفُّر سبب الإرث وتحقّق شرطه وارتفاع المانع عنه، فمثل هذا هو الذي يُبحث فقهياً عن حرمانه كلّياً أو جزئياً، لا كلّ مَنْ قام به سبب الإرث.

إلاّ أن يُدفع بأنّ المُراد بالسبب ما يعمّ المُوجِب والشرط وارتفاع المانع، لكنْ لا داعي لمثل هذا التكلُّف المُخالف للذوق.

4ـ عدم مانعية التعريف بلحاظٍ رابع، وهو شموله لحرمان الزوجة من العقار على المشهور، وهذا لا يعدّونه حجباً.

5ـ إنّه غير جامع؛ إذ لا يشمل حالات حجب الوارث عن أن يُردّ عليه ما زاد من التركة.

إلاّ أن يُدفع بأنّهم لا يُسمُّونه حجباً.

ثانياً: وأمّا التعريفان الثاني والثالث فهما متقاربان ـ بل متّحدان ـ، وهما أفضل بكثير من التعريف الأوّل؛ لأنّهما تضمَّنا حيثية مهمّة في بيان حقيقة الحجب، ألا وهي وجود شخص أو أشخاص وحيلولتهم، إلاّ أنّهما غير شاملين ولا جامعين لكلّ حالات الحجب، كما سوف يتَّضح لاحقاً.

فلا بُدَّ إذن من صياغة تعريف مُختصّ بالحجب فقط، ومانع من دخول الأغيار.

التعريف المُقترح

ويُمكن اقتراح تعريف فنّي مُنتزَع من كلمات الفقهاء في تقسيمهم الحجب، فيُقال: الحجب هو الحيلولة دون توريث الوارث، أو تحصيله بعض الحصّة، مع تحقُّق أركان الإرث، وقيام سبب الإرث، وتوافر شروطه، وانتفاء المانع؛ وذلك بسبب وجود شخصٍ آخر، فلولا وجود الشخص الحاجب لورث ما حُرم منه.

تعميق التعريف

لو دقَّقنا النظر في مسائل الحجب لرأينا عدم جامعية هذا التعريف؛ وذلك لوجود بعض الحالات ليست هي من قبيل: الحجب عن أصل الحصّة، ولا عن بعضها، فكان من اللازم لحاظ جميع حالات الحجب في التعريف، ونقترح تعميق التعريف ضمن مرحلتين:

التعميق الأوّل

لحاظ الحالات الواضحة والصور الجليّة للحجب، فيُقال: إنّ الحجب هو تأثير شخص ـ وارثاً كان أو لا ـ على شخص وارثٍ؛ إمّا بالحيلولة دون توريثه؛ أو دون تحصيله فرضه الأعلى؛ أو تغيير كيفية التوريث من كونه بالفرض أو القرابة، مع تحقُّق أركان الإرث وقيام مُوجِب الإرث وتوافر شروطه وانتفاء المانع.

التعميق الثاني

لحاظ الحالات والصور الخفيّة والنادرة التي لا تكون ملحوظة في المعنى المُصطلح لدى الفقهاء، ولكنْ نظراً لصدق ضابطة الحجب حقيقةً عليها فلا يحسن إغفالها، بل المناسب لحاظُها في التعريف؛ كي يتَّسم بالجامعية والدقّة.

وعليه يُمكن القول: إنّ الحجب هو تأثير شخصٍ ـ مُتَّحداً كان أو مُتعدِّداً، وارثاً كان أو لا ـ على شخصٍ وارث؛ إمّا بالحيلولة دون توريثه؛ أو دون تحصيله فرضه الأعلى؛ أو دون تحصيله ما زاد عن الفرض؛ أو دون توريثه قسماً مُعيَّناً من التركة؛ وإمّا بتغيير نوع توريثه من كونه بالفرض أو بالقرابة؛ وإمّا بالحيلولة دون التأثير في رفع المانع القابل للرفع عن الوارث، مع تحقُّق أركان الإرث وقيام مُوجِب الإرث وتوافر شروطه وانتفاء المانع.

توضيح ذلك

1ـ إنّ مُرادنا بـ (الشخص) الجنس الذي يشمل المُتّحد والمُتعدِّد، كحجب الولد ـ سواء أكان واحداً أو أكثر ـ للزوجين عن الفرض الأعلى، والذي يشمل الحاجب الوارث والحاجب غير الوارث. والأوّل واضحٌ. والثاني كحجب إخوة الميّت للأُمّ عن الثلث، كما يشمل الحاجب إذا كان من صنف واحد أكثر من صنف، نسبياً كان أو سببياً.

2ـ إنّ مُرادنا بقيد (الحيلولة دون توريثه) إدخال حجب الحرمان.

3ـ إنّ مُرادنا بقيد (الحيلولة دون تحصيله ما زاد عن الفرض) إدخال الحجب عن الردّ، كما لو ترك الميّت أُختاً لأُمّ وزوجاً، فللأُخت السدس، وللزوج النصف، والباقي يُرَدّ على الأُخت، دون الزوج، ولو فُرض انفراد الزوج لرُدّ عليه الباقي، غير أنّ وجود الأُخت للأُمّ حجبه عن الردّ.

4ـ إنّ مُرادنا بقيد (الحيلولة دون توريثه قسماً مُعيّناً من التركة) إدخال الحجب بسبب الحبوة للولد الأكبر، فلو وُجد الأكبر فيستأثر بالحبوة، ويحول دون توريثها لسائر الورثة([25])، سواء أكان الاستئثار بالعين فقط أو بالعين والقيمة. وهذا يُعتبر من حجب النقصان، سيَّما على القول بمجّانية الحباء([26]).

5ـ ومُرادنا بقيد (تغيير نوع التوريث من كونه بالفرض أو القرابة) إدخال حالة انتقال الوارث من فرض إلى القرابة، التي نتيجتها نقصان الفرض. وهذا في حقّ ذوات النصف وذوات الثلثين، كالبنت إذا كانت مع الابن، أو الأُخت من الأب أو الأبوين إذا كانت مع الأخ، فإنّها تنتقل من النصف ـ حالة الانفراد ـ الى الإرث بالقرابة، فتقلّ حصّتها عن النصف حينئذٍ. وكذا بالنسبة الى ذوات الثلثين، كالبنتين مع الابن، والأُختين للأب أو للأبوين مع الأخ. هذا بحَسَب اصطلاح الفقه الإمامي. وبحَسَب اصطلاح الفقه السنّي الانتقال من الفرض إلى العصوبة، وهذا حينما يوجد مع الأُنثى مَنْ يعصبها فإنّها تنتقل من النصف ـ حالة الانفراد ـ إلى العصوبة.

ويدخل ضمن هذا القسم بحَسَب الفقه الإمامي البنت والبنات، والأُخت والأخوات للأب أو للأبوين في بعض حالات دخول الزوج أو الزوجة، وذلك فيما لو تزاحمت الفروض، فيما لو اجتمع معهم وارثٌ ثالث، كالأب أو الأُمّ، فهنا ينتقلْنَ من الفرض إلى الإرث بغير فرضٍ.

وقد عبَّر أحد الفقهاء عن ذلك بتعبيرٍ جامع، وهو (نقص التركة عن السهام المفروضة)، قال: «فإنّه يمنع البنت الواحدة والأُخت الواحدة للأب والأُمّ أو للأب عن فريضتهما، وهي النصف، وكذا يمنع البنات المتعدّدة والأخوات المتعدّدة من الأب والأُمّ أو من الأب عن [فريضتهنّ]، وهي الثلثان» ([27]).

6ـ ومُرادنا بقيد (الحيلولة دون التأثير في رفع المانع القابل للرفع عن الوارث) أنّ الرقّ مانعٌ من الإرث، فلا يرث الرقيق ـ نسبياً أو سببياً ـ مع وجود الوارث الحُرّ أو مع عدم وجوده، ولكنْ إذا لم يكن وارثٌ حُرّ، وكانت التركة بمقدار قيمة العبد أو أكثر، اشتُري، فإنْ بقي شيءٌ منها ورثه([28]). فالتركة التي تستوعب قيمة العبد لها تأثير من حيث هي في رفع الرقّية عن العبد، وحيازته للإرث لو كانت زيادة على ثمنه. فإنْ وُجد الوارث الحُرّ والحال هذه حجب التركة عن التأثير في رفع مانع الرقّ عن الوارث الرقيق. وحيلولة الوارث الحُرّ عن تحرير العبد وتوريثه هي عين حجبه. إذن، فالوارث الحُرّ قد يكون حاجباً عن التأثير في رفع مانع الرقّ بشراء العبد، أو رفع المانع عن إرثه فيما لو كان زيادة عن ثمنه. وهذا من حجب الحرمان.

7ـ وكذا الحال بالنسبة إلى المورِّث الكافر فيما إذا كان كفره كفراً أصلياً، فإنّه لو كان له وارثٌ مسلم، وآخر كافر، فهنا يرث المسلم، ولو كان بعيداً، ويحول دون توريث وارثه الكافر، ولو كان أقرب منه. فلولا المسلم لأمكن توريث الوارث الكافر من مورِّثه الكافر، فهنا قد حال المسلم دون توريثه. وحيلولة الوارث المسلم للكافر عن وراثته للمتوفّى ما هي إلاّ عبارة أُخرى عن حجبه له، ولذا عبَّر الفقهاء في مثل هذه الحالة بقولهم: إنّ المسلم يحجب الكافر([29]). وهذا من حجب الحرمان.

مناقشة: على الرغم من عملية التعميق لتعريف الحجب، واقتراح تعريف مُعدّل، قد يُعترض على هذا التعريف المقتَرَح تارةً بعدم مانعيته؛ وأخرى بعدم جامعيته:

أمّا عدم مانعيته؛ فإنّ هذا التعريف يشمل حالات تعدُّد أفراد العنوان الواحد من عناوين التوريث، كما لو تعدَّد الأبناء. فلو انفرد الابن لوحده لحاز مالاً موفوراً من التركة، ولكنْ لو كان معه إخوته فسوف تنقص حصّته، فهنا حصل نقصٌ في الحصّة؛ بسبب وجود شخص آخر مزاحم، مع أنّه ليس من الحجب في شيء.

وأمّا عدم جامعيته فلما يلي:

أوّلاً: إنّ الحمل يحول دون نيل سائر الورثة تمام حصصهم من الإرث، بل يُعْزَل له من الإرث ثمّ يُنْظَر حتّى يولد، فإنْ وُلد حياً أخذ حصته المفروضة له من حيث الذكورة والأنوثة، أو من حيث الاتّحاد والتعدّد، واستُرجع الزائد؛ وإنْ سقط ميّتاً رُدّ المعزول إلى الورثة([30]). فهذه حيلولةٌ متـزلزلة غير مُستقرّة.

ثانياً: في حالة وجود دَيْن على الميّت يستغرق جميع التركة ثمّة موقفان فقهيّان معروفان للإمامية: أحدهما: انتقال التركة إلى الورثة مع منعهم من التصرّف حتّى وفاء الدَّيْن ـ سواء كان الوفاء من التركة أو من غيرها ـ أو إبراء الغرماء؛ والموقف الآخر: بقاء التركة في حكم مال الميّت حتّى الوفاء أو الإبراء. فبناءً على الموقف الأوّل لا حرمان من التمليك أصلاً، ولا حجب من التوريث إطلاقاً، والمنع من التصرّف ليس حجباً اصطلاحياً، كما هو واضح، بل هو حكمٌ آخر متأخِّر عن التوريث ومترتّب عليه. أجل بناءً على الموقف الثاني يمكن أن يكون حجباً موقوفاً ومتـزلزلاً حتّى يحصل الأداء أو الإبراء، وهذا ما ينبغي إدخاله في التعريف حينئذٍ، كما هو واضح.

ثالثاً: ينبغي لحاظ الغَيْبة المنقطعة ـ التي تنقطع فيها أخبار الشخص فلا يُعْرَف أنّه حيٌّ أو ميّت ـ حيث تُوقَف تركة المفقود حتّى يُعلَم موته ببيّنة أو مضيّ مدّة لا يعيش مثله إليها غالباً.

رابعاً: كما ينبغي لحاظ حجب الزوجة في الجملة، وحرمانها من نَيْل العقار، بناءً على ما هو المعروف عند الإمامية، وإنْ كان لنا رأيٌ آخر في المسألة.

خامساً: وأيضاً ينبغي لحاظ حرمان الزوجة من ردّ ما زاد عن الربع، وإنْ كان لنا رأيٌ آخر في المسألة، وكذلك حرمان الإخوة من الأُمّ من الدية.

سادساً: وكذا ينبغي لحاظ حالة المزاحمة والمشاركة لدى تعدّد الوارث، كتعدّد الزوجات أو البنات. وهذا من حجب النقصان.

سابعاً: إنّ الولد إذا اجتمع مع الأب كان فرضه السدس، ولو فُقد الولد تغيّر نوع توريث الأب من الفرض إلى الإرث بغير فرضٍ.

وعليه ينبغي إضافة قيود أخرى إلى التعريف كي يكون جامعاً، كأن يُقال: إنّ الحجب هو تأثير شخص ـ وارثاً كان أو لا ـ على شخصٍ وارث تأثيراً مُستقرّاً أو مُتـزلزلاً؛ إمّا بالحيلولة دون توريثه؛ أو دون تحصيله فرضه الأعلى؛ أو دون تحصيله تمام الحصّة؛ أو دون توريثه ما زاد عن الفرض؛ أو دون توريثه نوعاً أو قسماً مُعيَّناً من التركة؛ وإمّا بتغيير كيفية التوريث من كونه بالفرض أو القرابة؛ وإمّا بالحيلولة دون التأثير في رفع المانع القابل للرفع عن الوارث، مع قيام مُوجِب الإرث وتوافر شروطه وانتفاء المانع. فإنّ التعبير بأنّ التأثير شامل للتأثير (المُستقرّ والمُتـزلزل) يستوعب الحالات الثلاث الأولى، ووصف الحيلولة بكونها (حيلولة دون توريثه نوعاً من التركة) يستوعب الحالة الرابعة، ووصفها بكونها (حيلولة دون توريثه ما زاد عن الفرض) يستوعب الحجب عن الردّ، ووصفها بكونها (حيلولة دون تحصيله تمام الحصّة) يستوعب حالات اشتراك الورثة المُتعدِّدين في الحصّة، ووصفها (بالتأثير على تغيير نوع التوريث من الفرض الى القرابة) يستوعب حاجبية الولد للأب.

الجواب:

أـ أمّا إشكال عدم المانعية فهو واردٌ، ورفعه بإضافة قيد (عدم كون الشخص مُشارك له في العنوان).

ب ـ وأمّا جواب إشكال عدم الجامعية ففي ما يلي:

1ـ إنّنا إذا دقّقنا النظر في الموارد الثلاثة الأولى ـ الحمل واستغراق الدَّيْن للتركة والغَيْبة ـ نرى أنّ ضابطة الحجب لا تنطبق عليها؛ فإنّها في حقيقتها ليست من موارد الحجب، بل هو توقيفٌ للتركة كلاًّ أو بعضاً حتّى يتّضح الحال، وهل يثبت مستحقّ آخر للتركة أو لا؟ والتوقيف غير الحجب؛ فإنّ الحجب إنّما يحصل لدى إحراز المُستحقّ، فيما نرى أنّ الأمر يختلف تماماً في الحالات الثلاث الأولى؛ إذ إنّ الاستحقاق هنا غير مُحْرَز. أمّا الحمل فإنّه لا يُعْلَم هل أنّه سوف يُولَد حيّاً أو لا؟ ومن المعلوم أنّ أصل التوريث يتوقَّف على إحراز وجود الوارث الذي هو ركنٌ من أركان الإرث، وهو هنا مشكوكٌ. وأمّا استغراق الدَّيْن للتركة فإنّه لا يُعْلَم وجود تركة للميّت كي يتحقّق التوريث، فإنّ التركة من أركان الإرث الذي لا بُدَّ من إحرازه، ووجود التركة مشكوك. وأمّا الغَيْبة المنقطعة فلا يُحْرَز شرط التوريث، وهو موت المورِّث، بل هو مشكوكٌ، وموت المورِّث ركنٌ من أركان التوريث. فاتّضح من ذلك أنّه لا علاقة لتلك الموارد الثلاثة بالحجب، الذي هو عبارة عن الحيلولة عن التوريث بسبب وجود شخص آخر، بعد الفراغ عن ثبوت أصل الاستحقاق، وأنّ حالات الحجب المُتزلزل ليست حجباً.

2ـ وأمّا الموردان الرابع والخامس فبناءً على التسليم بهما فتوائياً لا داعي للإصرار على عدِّهما ضمن الحجب، وإنّما هما عبارةٌ عن تحديد لحصص الورثة، وتضييق لدائرة التركة، ولا حجب في البين؛ فإنّ هذا التقليل في حصّة الوارث لم ينشأ بسبب وجود شخص آخر أضرّ به، وأثّر على حصّته من الإرث.

3ـ وأمّا المورد السادس، وهو حالة اشتراك الورثة في الحصّة، فهذا أمرٌ يرتبط بالمصاديق لكلّ عنوانٍ من عناوين التوريث. والبحث في الحجب إنّما هو بحث التأثير في نفس العناوين، فحينما يُقال: الولد يحجب الزوجة أي عنوان (الولدية) يحجب عنوان (الزوجية)، مع قطع النظر عن التعدّد أو الاتّحاد مصداقاً.

4ـ وأمّا المورد السابع، وهو حاجبية الولد للأب، فلا داعي للإصرار على عدِّه حجباً؛ لأنّ حصّة الأب مع فَقْد الولد وإنْ كانت رُبَما تكون أكثر من السدس، كما لو اجتمع زوجٌ مع أب، فللزوج النصف وللأب ما بقي، وهو النصف، ولكنْ ليس الأمر هكذا دائماً، فقد تكون مساويةً للسدس أحياناً، كما لو اجتمع زوجٌ وأُمّ وأب، فللزوج النصف وللأُمّ الثلث وللأب ما بقي، وهو السدس. إذن، فليس كلّ حرمان للشخص من الإرث أو تقليل لحصّته يُعَدّ حجباً، فبين الحرمان الكلّي أو الجزئي وبين الحجب المصطلح عمومٌ وخصوص مُطْلَق؛ فإنّ الحجب يكون بعد الفراغ من أصل الاستحقاق للإرث، كما أنّه لا بُدَّ أن يكون بسبب وجود شخصٍ هو الذي أثَّر على حصول هذا الحرمان. وعلى هذا فإنّ هذه الموارد السبعة خارجةٌ عن الحجب حقيقة، وإنْ أبيْتَ فلا نمنع من جعلهما من لواحق الحجب، لا عدّها منه.

من هنا ينبغي تعديل وتهذيب التعريف المقترح بحذف ما أُضيف من تلك القيود المُقتَرَحة أخيراً، وإضافة أُخرى، فيرسو تعريف الحجب كالتالي: هو تأثير شخص على توريث غيره، مع تحقُّق أركان الإرث، وقيام مُوجِبه فيه، وتوافر شروطه، وانتفاء المانع عنه، سواء أكان ذلك الشخص وارثاً غير مُجانس أو غير وارث.

ثمّ إنّ هذا التأثير إمّا بالحيلولة دون توريث ذلك الغير أصلاً؛ وإمّا بتقليل مقدار حصّته من التركة؛ وإمّا بتغيير نوع التوريث من الفرض إلى القرابة؛ وإمّا بحيلولته دون رفع المانع القابل للرفع عن الوارث.

الجهة الثانية: الفرق بين الحجب والمنع

أـ الفرق بينهما لغةً: الظاهر أنّ المنع والحجب يشتركان في صدق معنى الحيلولة عليهما، وأمّا الفرق بينهما لغةً فأفاد أبو هلال العسكري: أنّ الحجب يصدق مع قصد الحيلولة، بخلاف المنع الذي لا يتوقّف صدقه على القصد([31]).

ب ـ الفرق بينهما اصطلاحاً: وأمّا الفرق بين المنع والحجب في الاصطلاح فقد تصدّى الدكتور برّاج لبيان الفرق بينهما. فبعد أن بيَّن الفرق بين المانع والشرط في كلامٍ مُفصّل له، قال: «المحروم([32]): هو الذي مُنع من الميراث؛ بسبب قيام مانع من موانع الإرث، كالقتل والرقّ. فالمحروم ليس أهلاً للإرث وإنْ وُجد سببه فيه؛ لأنّ المانع الذي قام به أبطل عمل السبب، أو حال بينه وبين ترتيب الحكم عليه. وبهذا يُعتبر وجوده وعدمه سواء، فلا هو وارثٌ، ولا هو حاجبٌ.

والمحجوب: هو الذي قام به سبب الإرث، وانتفى عنه مانعه، ولكنْ نظراً لوجود شخصٍ أَوْلى منه حُجب من الميراث كلّه أو حُجب من بعضه. فالمحجوب لم يكن الحجب لمعنىً في نفسه، بل لوجود شخصٍ آخر، ولولا هذا الشخص لورث المحجوب بالفعل أو أخذ نصيبه الأعلى. وعلى ذلك يُمكن إجمال الفرق بين الاثنين في التالي:

1ـ المحروم ليس أهلاً للميراث لوجود مانع فيه. أمّا المحجوب فهو أهلٌ للميراث لوجود سبب الإرث فيه، وانتفاء موانعه عنه.

2ـ المحروم يُعتَبَر معدوماً بالنسبة إلى بقية الورثة، فلا يحجب غيره، ولا يُؤثّر في أنصبتهم. أمّا المحجوب فلا يُعتبر معدوماً، فعلى الرغم من أنّه لم يَرِثْ بالفعل، لكنّه قد يحجب غيره لوجود أهليّته، فالإخوة إذا اجتمعوا مع الأب يُحْجَبون به، ومع ذلك يَحْجِبون الأُمّ حجب نقصان، فتأخذ السدس بدلاً من الثلث»([33]).

التعليق

1ـ إنّ لدينا تحفُّظاً من استعمال لفظ (الأهلية) في التعبير عن المنع؛ وذلك لإجماله، فإنّه يُمكن تطبيق عنوان (الأهلية) على فاقد السبب والمُوجِب، فمَنْ لم يكن من أقارب الميّت ليس أهلاً للتوريث.

2ـ إنّ دعوى كون الممنوع كالمعدوم على إطلاقه غير ثابت.

3ـ وجود الإبهام في التعبير عن المحجوب بأنّه (ما لم يكن لمعنى في نفسه)، كالتعبير بالأهلية.

4ـ ونُذكّر بما ذكرناه في تعريف الحجب من تعميقٍ، فإنّه ينعكس على التفريق بينه وبين المنع.

وعليه يتلخّص الفرق بين المنع والحجب في أمرين:

الأمر الأوّل: إنّ المنع إنّما يكون بلحاظ الممنوع في نفسه لوجود صفةٍ أو صدور فعل من الوارث يمنع من توريثه وإنْ تحقّق فيه المُوجِب. وأمّا الحجب فالحيلولة للوارث تكون بلحاظ أمرٍ خارج عن الوارث؛ إمّا لوجود شخص آخر؛ وإمّا بسبب نوع المال.

الأمر الثاني: إنّ الممنوع لا يكون وارثاً إلاّ إذا ارتفع المانع مع إمكانه. وأمّا الشخص الحاجب فرُبَما يكون وارثاً؛ ورُبَما لا يكون وارثاً.

الجهة الثالثة: تقسيمات الحجب

التقسيم الأوّل: يُمكن تقسيم الحجب ـ بلحاظ استقراره وعدمه ـ إلى قسمين: حجب مستقرّ؛ وحجب متزلزل. وهذا التقسيم مُقتَرَح من قِبَلنا، وقد انتزعناه من بعض الفروع التي ذكرها الفقهاء في الإرث.

أمّا القسم الأوّل فهو شاملٌ لجميع ما يُذكر في التقسيم الثاني الآتي.

وأمّا القسم الثاني فمثاله حجب الحمل لغيره إلى أن ينفصل حيّاً، وينكشف ويستبين أمره؛ فلو كان الوارث ممَّنْ لا يرث مع الحمل لتأخُّره عنه في الطبقة أو في الدرجة([34]) حُجِب مُطلقاً، كالأخ فيما لو كان الحمل ولداً للميّت؛ ولو كان الوارث ممَّنْ ينقص نصيبه معه، ولو على بعض الوجوه، يُمنع عن الزائد، ويُعطى أقلّ ما يُصيبه على تقدير ولادته([35])، كالأُمّ والزوجين، أو يُمنع عن الفرض، كالأب؛ ولو كان ولداً واحداً أو متعدِّداً مُنع عن نصيب ولدين ذكرين([36]). ولو كان للوارث نصيب لا يتغيّر بوجود الحمل وعدمه، كما لو كان مع الولد الواحد أحد الزوجين أو الأبوين أو كلاهما، لم يكن حجبٌ مُطلقاً، فيُعطى الوارث نصيبه كَمْلاً([37])؛ فإنْ وُلد حيّاً ورث وأخذ حصّته واستقرّ حجبه؛ وإن وُلد ميّتاً انكشف عدم حجبه للأخ، وأيضاً انكشف استحقاق الأُمّ أو الزوجين الحدّ الأعلى، واستحقّ الأب الفرض، وانكشف استحقاق الولد واحداً أو متعدِّداً الزائد، وعادت حصّة الحمل المعزولة إلى الورثة. وإنّما قلنا (متزلزل) لاحتمال سقوطه ميّتاً، فينكشف عدم حجبه.

 

ملحوظتان

1ـ بحَسَب المشهور إنّ هذا النوع من الحجب ـ أي المتزلزل ـ إنّما يتأتّى في الولد، ذكراً كان أو أُنثى، ولا يتأتّى في حجب الإخوة من الأب للأُمّ عن الثلث؛ نظراً لاشتراط كونهم منفصلين بالولادة، فالحمل عندهم لا يحجب.

ولكنْ سوف يأتي أنّه لا فرق بين العنوانين ولا غيرهما من العناوين الواردة في الإرث، كالأخ والأُخت وأولادهما والجدّ والجدّة والعمومة والخؤولة وفروعهما. ومنه يتّضح أنّه لافرق بين مقام التوريث والحجب أيضاً؛ فلو كان للميّت عمٌّ حملاً وثمّة ابن عمّ له حيّ، يُحجب ابن العمّ حتّى يستبين الحال؛ فإنْ ولد حيّاً ورث دون ابن العمّ؛ وإلاّ ورث هو دونه.

2ـ إنّنا لا نقبل عدّ الحجب المُتزلزل ـ كما في الحمل ـ ضمن الحجب الاصطلاحي، وسيأتي بيانه.

 التقسيم الثاني: كما يُمكن تقسيم الحجب ـ بلحاظ مدى انتفاع الحاجب بالمقدار الذي يحجبه من التركة وعدمه ـ إلى قسمين يُمكن تسميتهما بـ: حجب الانتفاع؛ وحجب الإضرار، أو الحجب الإيجابي؛ والحجب السلبي([38]).

القسم الأوّل: حجب الانتفاع أو حجب المزاحمة

وهو حرمان الوارث مع صيرورة المقدار المحجوب من التركة، كلاًّ أو بعضاً، إلى الشخص الحاجب. وهذا القسم من الحجب إنّما يُتصوَّر في حالة كون الحاجب وارثاً، كما في حجب الولد الزوجين، وكما في حجب الطبقة المتقدِّمة للمتأخِّرة، وأيضاً حجب كلالة الأبوين لكلالة الأب، على ما هو المعروف، وإنْ لم نختَرْ ذلك، وكما في حجب الدرجة القريبة للبعيدة، كحجب الجدودة الدنيا للجدودة العُليا، أو حجب الإخوة لأولاد الإخوة. ومن هنا حين لا يكون انتفاعٌ للحاجب فلا يحجب، أي لو فُرض عدم حجب المحجوب وتوريثه فلا تنقص حصّة الحاجب، وإنْ فُرض محجوباً لا تزيد حصّة الحاجب، وبحَسَب تعبيرهم لا يكون المحجوب مُزاحماً للحاجب، وفي مثل هذه الحالة لا يحجب الأقرب الأبعد.

كما إذا ترك جدّاً لأُمٍّ وابن أخ لأُمّ مع أخٍ لأب، فابن الأخ يرث مع الجدّ الثلث، والثلثان للأخ([39]). وكما إذا ترك إخوةً لأُمٍّ وجدّاً قريباً لأبٍ وجدّاً بعيداً لأُمّ، أو ترك إخوة لأبٍ وجدّاً قريباً لأُمٍّ وجدّاً بعيداً لأبٍ، فإنّ الجدّ البعيد في الصورتين يُشارك الإخوة، ولا يمنع الجدُّ القريبُ من إرث الجدّ البعيد([40]).

القسم الثاني: حجب الإضرار

وهو حرمان الوارث مع عدم وصول شيءٍ من المقدار المحجوب من التركة، كلاًّ أو بعضاً، إلى الشخص الحاجب، كما في حجب الإخوة للأُمّ.

التقسيم الثالث: لقد قسّم أكثر الفقهاء الحجب ـ بلحاظ حجب الفرض أو بعضه ـ إلى قسمين، على ما هو المعروف بينهم: حجب الحرمان؛ وحجب النقصان([41]):

القسم الأول: حجب الحرمان، وبحَسَب بعضهم: الحجب المطلق([42]) أو الحجب العامّ([43]) أو حجب الإسقاط([44])

تعريف حجب الحرمان: وهو حرمان الوارث من أصل الإرث، والحيلولة دون توريث الوارث شيئاً؛ بسبب وجود الحاجب الأَوْلى منه، كحجب كلّ طبقة ما يليها من الطبقات، وحجب الأقرب درجةً للأبعد، وإنْ كانا في طبقة واحدة([45]). وقال الشيخ الطوسي: «المطلق: مَنْ يُسقط ويدفع الذي لو لم يكن كان يرثه، مثل: الجدّ يسقط بالأب…»([46]).

ولكنْ بلحاظ ما مرّ من تعميقٍ لتعريف الحجب يمكن القول بأنّه: تأثير وارث على وارثٍ آخر ـ مع قيام مُوجِب الإرث وتوافر شروطه فيه وانتفاء المانع عنه ـ؛ إمّا بالحيلولة دون توريثه أصلاً؛ وإمّا بالحيلولة دون التأثير في رفع المانع القابل للرفع عن الوارث، مع قيام سبب الإرث ومُوجِبه وتوافر شروطه وانتفاء المانع؛ وذلك بسبب وجود شخص آخر، وارثاً كان أو لا.

ثمّ إنّ الشافعيّة ـ بعد أن قسَّموا الحجب إلى نوعين: حجب حرمان؛ وحجب نقصان ـ قسَّموا النوع الأوّل ـ أي حجب الحرمان ـ إلى قسمين: حجب بالشخص أو بالاستغراق؛ وحجب بالوصف([47]).

القسم الأول من النوع الأوّل: الحجب بالشخص أو بالاستغراق

أمّا الحجب بالشخص فهو كحجب الأب مَنْ فوقه من الأصول.

وأمّا الحجب بالاستغراق فقد مثَّلوا له باجتماع زوجٍ وأُمّ وأخ لأُمّ وعمّ؛ فإنّ العمّ محجوبٌ بسبب استغراق ذوي الفروض للتركة، فللزوج النصف، وللأُمّ الثلث، وللأخ للأُمّ السدس، فلم يبْقَ شيءٌ من التركة([48]).

 

القسم الثاني من النوع الأوّل: الحجب بالوصف

وهو منعُ شخصٍ من الميراث لوصفٍ قام به، كالرقّ والقتل([49]). ويُمكن دخوله على جميع الورثة أو أكثرهم. هذا ما ورد في المذهب الشافعي.

واعترضهم الدكتور البرّاج بأنّ هذا خلطٌ بين المنع والحجب. قال: «والحقيقة أنّ هذا النوع يُعتبر ممنوعاً من الميراث أصلاً، فهو غير مُستحقّ للميراث من البداية، لا أنّه استحقّ الميراث ثمّ حُجب عنه»([50]).

أقول:

1ـ إنّ المناسب مع فقه الإمامية هو الحجب بالشخص، وأمّا الحجب بالاستغراق فلا.

2ـ يُمكن تقسيم الحجب بالشخص إلى ثلاثة أقسام، وهي: حجب بالدرج، حجب بالوصلة، حجب بالطبقة؛ أمّا الأوّل فكحجب البطن الأوّل للبطن الثاني، كحجب الأولاد لأولاد الأولاد. وأمّا الثاني فكحجب الإخوة للأبوين الإخوة للأب، بناءً على المشهور. وأمّا الثالث فكحجب الأبوين والأولاد للإخوة.

3ـ يُمكن إيراد مثالٍ للحجب بالوصف يتناسب مع فقه الإمامية، وهو الإسلام أو الحرّية، كما أشرنا إلى ذلك في بحث التعريف.

القسم الثاني: حجب النقصان([51])، وبحَسَب بعضهم: الحجب المقيّد([52]) أو الحجب الخاصّ([53])

تعريف حجب النقصان

لقد عرَّفه بعض الفقهاء بـ: الحجب عن بعض الفرض([54])؛ وعرَّفه آخر بأنّه: الحجب من فرضٍ إلى فرض([55])؛ وعرّفه الشيخ الطوسي فقال: «الحجب المُقيّد: إذا حجب بعض فرضه، ولا يُسقطه أصلاً، مثل: الزوج والزوجة والأُمّ»([56]). ومُراده اجتماع هؤلاء مع الولد؛ فإنّه يُنزلهم من فرضهم الأعلى إلى الأدنى، أي يُنزلهم من النصف والربع والثلث إلى الربع والثمن والسدس.

وهذا التعريف غيرُ فنّي؛ لعدم جامعيته، فإنّ حجب الولد للأب عمّا زاد عن السدس ليس حجباً عن بعض الفرض، مع أنّه من أقسامه([57]).

وأفاد الفاضل النراقي في مستنده أنّ حجب النقصان لا يختصّ بمواضع معيّنة؛ لثبوته في حقّ كلّ وارثٍ لولاه لورث الآخر أزيد ممّا يرثه معه([58]). ولكنّه ادّعى بأنّهم خصّوا استعماله بمواضع مخصوصة، تنقسم إلى قسمين: حجب الولد؛ وحجب الإخوة([59]).

ومهما يكن من أمرٍ فلا مناص من بيان تعريفٍ جامع. لذا فالأفضل تعريفه بأنّه: تأثير شخص ـ وارثاً كان أو غيره ـ على شخصٍ وارث، بالحيلولة دون تحصيله تمام الحصّة، أو بتغيير كيفية توريثه، مع قيام مُوجِب الإرث وتوافر شروطه وانتفاء المانع، لا حرمانه من أصل الاستحقاق، كحجب إخوة الميّت الأُمَّ وحرمانها من نيل النصيب الأعلى، وهو الثلث، فتعطى النصيب الأدنى، وهو السدس، لا أكثر.

تقسيمات حجب النقصان

يُمكن تقسيم حجب النقصان بعدّة تقسيمات، كلّ وفقاً لأساسٍ معيّن:

التقسيم الأوّل: التقسيم الثنائي بلحاظ الحاجب

وهو التقسيم المتقدِّم، وهو المعروف، حيث قسَّموا الحجب إلى قسمين:

الأوّل: حجب الولد: وهو على قسمين: حجب الولد للأبوين؛ وحجب الولد للزوجين([60]).

الثاني: حجب الإخوة من الأب للأمّ([61]).

أقول: سوف يتَّضح عدم جامعية هذا التقسيم؛ لعدم شمولها لحواجب آخرين، ولو أنّ حجبهم يكون في بعض الحالات، لا مطلقاً، بخلاف ما تقدَّم، كالابن والجدّ والأخ والزوجين. ومن هنا ينبغي العدول عنه الى تقسيمٍ فنّي آخر، وهو التقسيم الآتي.

 

التقسيم الثاني: التقسيم بلحاظ حالات الحجب وصوره

الصورة الأولى: الانتقال من فرضٍ إلى فرضٍ أقلّ منه، كانتقال الزوج من النصف إلى الربع، والزوجة من الربع إلى الثمن؛ بسبب حجب الولد، والأُمّ من الثلث إلى السدس؛ بسبب وجود الإخوة للأب.

الصورة الثانية: الانتقال من فرضٍ إلى القرابة، التي نتيجتها نقصان الفرض. وهذا في حقّ ذوات النصف وذوات الثلثين، كالبنت إذا كانت مع الابن، أو الأُخت من الأب أو الأبوين إذا كانت مع الأخ، فإنّها تنتقل من النصف ـ حالة الانفراد ـ إلى الإرث بالقرابة، فتقلّ حصّتها عن النصف حينئذٍ، وكذا بالنسبة إلى ذوات الثلثين، كالبنتين مع الابن، والأُختين للأب أو للأبوين مع الأخ. هذا بحَسَب اصطلاح الفقه الإمامي.

وبحَسَب اصطلاح الفقه السنّي الانتقال من الفرض إلى العصوبة، وهذا حينما يوجد مع الأُنثى مَنْ يعصبها، فإنّها تنتقل من النصف ـ حالة الانفراد ـ إلى العصوبة.

ويدخل ضمن هذا القسم بحَسَب الفقه الإمامي البنت والبنات والأُخت والأخوات للأب أو للأبوين في بعض حالات دخول الزوج أو الزوجة، وذلك فيما لو تزاحمت الفروض فيما لو اجتمع معهم وارثٌ ثالث، كالأب أو الأُمّ، فهنا ينتقلْنَ من الفرض إلى الإرث بغير فرضٍ.

وقد عبَّر أحد الفقهاء عن ذلك بتعبيرٍ جامع، وهو: (نقص التركة عن السهام المفروضة). قال: «فإنّه يمنع البنت الواحدة والأُخت الواحدة للأب والأُمّ أو للأب عن فريضتهما، وهي النصف، وكذا يمنع البنات المتعدّدة والأخوات المتعدّدة من الأب والأُمّ أو من الأب عن [فريضتهنّ]، وهي الثلثان»([62]).

وأمّا بحَسَب الفقه السنّي فهنا يثبت العَوْل، وهو نقصان الفرض، لا الانتقال منه إلى العصوبة.

ونحن نقترح إطلاق مصطلح (حجب الفرض) على هذا النحو من الحجب؛ لأنّه ليس بحجب حرمان، وليس بحجب الردّ. وهو من حجب النقصان.

الصورة الثالثة: الانتقال من الإرث بالقرابة إلى الفرض، كما هو الحال في الأب بسبب الابن؛ فلو كان الأب مع زوجٍ، فللزوج النصف، وللأب الباقي بالقرابة، وهو يعدل النصف. ولكن لو دخل ابنٌ عليهما، صار للزوج الربع وللأب السدس، والباقي للابن، فإنّ الأب ينتقل من القرابة إلى الفرض، والذي يكون بمقدار السدس.

أقول: من الواضح أنّ وجود الولد وإنْ أدّى إلى انتقال الأب من القرابة إلى الفرض، إلاّ أنّ هذا لا يُؤدّي دائماً إلى نقصان حصّة الأب، فعدّه من حجب النقصان لا يصحّ على إطلاقه، كما لو اجتمع الأب والأُمّ ـ مع عدم الإخوة ـ والزوج، فالأب له السدس بالقرابة، فلو أُضيف إليهم ولدٌ ذكر فالأب له السدس بالفرض، فلم ينقص منه شيءٌ. وهذا ما يُسوِّغ وجاهة ما اقترحناه من إفرادنا هذا النوع من الحجب تحت عنوان مُستقلّ، وهو (حجب القرابة).

الصورة الرابعة: المزاحمة والاشتراك في الاستحقاق؛ بسبب دخول وارث من نفس الصنف، كالزوجات يشتركْنَ في حقّ الزوجة. فالزوجة الواحدة تتراوح حصّتها بين الرُّبع مع عدم الولد والثُّمن مع وجوده، فلو دخلت عليها زوجةٌ أخرى نزلت حصّتها، وأصبحت تتراوح بين الثُّمن مع عدم الولد ونصف الثُّمن مع وجوده.

أقول: ولا يخفى عدم اختصاص هذا بالوارث بالفرض، بل يشمل كلّ وارث، سواء ورث بالفرض أو القرابة. فمن الأفضل تبديل التعبير بـ (المزاحمة والاشتراك في الاستحقاق)، ولا أهمّية كبيرة للاصطلاح هنا ما دامت هذه الصورة يُمكن اعتبارها داخلة تحت (حجب النقصان).

القسم الثالث: حجب القرابة

وهو ما أشرنا إليه ـ في الصورة الثالثة ـ من الانتقال من القرابة إلى الفرض، كما هو الحال في الأب بسبب الابن؛ فلو كان الأب مع زوجٍ، فللزوج النصف، وللأب الباقي بالقرابة، وهو يعدل النصف، ولكنْ لو دخل ابنٌ عليهما، صار للزوج الربع، وللأب السدس، والباقي للابن؛ فإنّ الأب ينتقل من القرابة إلى الفرض، وهو بمقدار السدس. وعليه فإنّ انتقال الأب من القرابة إلى الفرض لا يُؤدّي دائماً إلى نقصان حصّة الأب، وهذا ما يُسوِّغ إفراد هذا النوع من الحجب تحت عنوانٍ مستقلّ، وهو (حجب القرابة)؛ لأنّ الابن يحجب الأب عن الإرث بالقرابة، ويُحوِّله إلى أن يرث بالفرض.

القسم الرابع: حجب الردّ

إنّنا إذا أنعمنا النظر رأينا ثمّة قسماً رابعاً من أنواع الحجب ـ مضافاً إلى حجب الحرمان وحجب النقصان وحجب الفرض ـ، ألا وهو الحجب عن الردّ. وله عدّة صور، وهي:

الصورة الأولى: إذا اجتمع كلالة الأُمّ مع كلالة الأبوين فالفاضل يُردّ على كلالة الأبوين على الأشهر، ومع عدمها يُردّ على كلالة الأُمّ([63])، وكذا أحد الجدودة من قِبَل الأب يمنع الإخوة من قِبَل الأُمّ عمّا زاد عن فريضتهم([64]).

الصورة الثانية: لقد تقدّم في حجب النقصان أنّ كلالة الأبوين أو الأب يحجبونها عن نَيْل سهمها الأعلى، وهو الثلث، كما أنّهم يحجبونها عن الردّ. وهذا الحجب غير حجب النقصان. وادُّعي عدم الخلاف فيه([65])، وسيأتي له مزيد تحقيق.

الصورة الثالثة: إذا اجتمع أحد الزوجين مع الوارث مطلقاً، نسبياً كان أو سببياً([66])، كما لو كان من مراتب الولاء، فهنا يأخذ الزوج نصيبه الأعلى، وهو النصف ـ وكذا الزوجة ـ، والباقي لا يُردّ عليهما؛ بسبب وجود الحاجب، وهو الوارث الموجود.

الصورة الرابعة: إذا انفردت الزوجة بالتركة، ولم يكن وارثٌ غيرها، سوى الإمام×، فعلى المشهور والمعروف عند الإمامية لا يُرَدّ عليها، بل إنّ الفاضل يُعطى للإمام×.

وهذا الحجب ليس حجب حرمان؛ لأنّه لا يحول دون إرثهما أصل الحصّة. وليس بحجب نقصان؛ لأنّه لا يحول دون نَيْل الوارث الفرض الأعلى، ولا النقيصة عن الفرض، بل يأخذ المحجوب هنا فرضه كَمْلاً، والحجب عمّا زاد عن الفرض. ولهذا أطلقنا عليه وصف (حجب الردّ)، وهذه التسمية أَوْلى من تسميته بـ (حجب الزيادة)؛ لأنّه قد يوهم إرادة ما يشمل (حجب النقصان).

القسم الخامس: الحجب بلحاظ نوع المال

وهو حجب الوارث من بعض أنواع وأقسام التركة، والموارد المتصوَّرة بَدْواً ما يلي:

المورد الأوّل: إنّ الابن الأكبر يختصّ ببعض تركة أبيه، وهي الأشياء التي يختصّ بها أبوه: ثياب بدنه ومصحفه وسيفه وخاتمه، فيحجب سائر الورثة عن إرثها([67]). وقد تضافرت بذلك الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت^([68])؛ سواء أكان إعطاؤه لهذه الأشياء مجّاناً، فلا تحسب من التركة، كما هو المشهور([69])؛ أو كان المُراد تخصيصه بأعيانها، وتحسب من التركة، كما اختاره جماعة. وعليه فإنّ الولد الأكبر يحول دون وصول هذا القسم من التركة إلى سائر الورثة الفعليين، ولولاه لوصل إليهم. فهذا من حجب الحرمان.

المورد الثاني: المشهور بين الإمامية ـ وعليه الأكثر ـ أنّ الإخوة للأُمّ أو المتقرّبين بها لا يرثون الدية خاصّة، مُطلقاً مهما كان نوعها([70])؛ لاختصاصها بغيرهم من الورثة؛ للنصّ الخاصّ([71]). وهذا من حجب الحرمان. وإنْ كنّا نختلف في ذلك مع المشهور، فنرى توريثهم كغيرهم من الورثة؛ فإنّهم يرثون من الدية وغيرها من الأموال.

وشبيهٌ بهذا المورد حرمان القاتل عن إرث خصوص دية الخطأ ـ أو شبه العمد ـ، دون غيرها من التركة([72]).

المورد الثالث: المشهور والمعروف عند الإمامية حرمان الزوجة من نَيْل العقار. وهذا نوعٌ من الحجب. وهو من حجب الحرمان.

المورد الرابع: كما أنّ المشهور والمعروف عند الإمامية حرمان الزوجة من ردّ ما زاد عن الربع. وهذا نوعٌ من الحجب. وهو من حجب الحرمان.

المورد الخامس: ذهب جماعةٌ من الفقهاء إلى أنّه في حالة وجود دَيْن على المورِّث يستوعب التركة لم تنتقل إلى الوارث، وكانت بحكم مال الميّت، وإنْ لم يكن مُستوعِباً انتقل إلى الورثة ما فضل، وما قابل الدَّيْن باقٍ على حكم مال الميّت([73]). فوجود الدَّيْن حال دون وصول التركة، كلاًّ أو بعضاً، إلى الورثة. والشيء نفسه يُقال بالنسبة إلى المال الموصى به، ومؤونة التجهيز، حيث يُحجبان عن الورثة.

إذن فهذا نوعٌ من الحجب، وهو من حجب الحرمان.

تعليقٌ ومناقشة

1ـ أمّا المورد الأوّل ـ وهو الحَبْوة للولد الأكبر ـ فلا مانع من اعتباره داخلاً في الحجب. وقد أشرنا إليه في التعميق الثالث لتعريف الحجب، فراجِعْ. وستعرف أنّ هذا هو المورد الوحيد الذي يُمكن عدُّه مصداقاً للحجب بلحاظ المال.

2ـ وأمّا الموارد الثلاثة ـ الثاني والثالث والرابع ـ فلا داعي لاعتبارها من موارد الحجب، وإنّما هو تحديد لحصص الورثة. فالزوجة لا تنال من العقار، ولا تنال أكثر من الربع، سواء أكان وارثٌ غيرها يحوز ما حُرِمَتْ منه أو لا. والكلام نفسه يُقال بشأن حرمان الإخوة للأُمّ من الدية، ولا حجب في البين. علماً بأنّنا لا نقبل أصل الحرمان في هذه الموارد. ونحو هذا يُقال بشأن حرمان القاتل من دية الخطأ وشبه العمد.

3ـ وأمّا المورد الخامس وما يُلحَق به ـ أي الدَّيْن والمال الموصى به ومؤونة التجهيز ـ فهي خارجةٌ تخصُّصاً عن التركة، فلا حجب؛ فإنّ الحجب إنّما يتأتّى بعد الفراغ عن وجود التركة، ووجود الوارث لها، أمّا ما لا يكون تركةً فعدم وصوله لبعض الورثة يكون من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

زيادة توضيح

إنّ الحجب هو الحيلولة بسبب وجود شخصٍ آخر، والحرمان في الموارد المذكورة لم يكن بسبب وجود شخصٍ آخر مُزاحم، بل إنّ الحرمان باقٍ حتّى لو لم يكن وارثٌ سوى هذا المحروم. وبعبارةٍ أخرى: ليس كلّ حرمان لا يكون بسبب المنع يُعتبر حجباً، بل حالات الحرمان أعمّ، وفي هذه الموارد الأربعة الأخيرة يتحقَّق الحرمان ولو انفرد هذا الوارث المحروم، ولم يُزاحمه أحدٌ غيره.

ملحوظةٌ

إنّ هذه التقسيمات التي أوردناها ليست تقسيماتٍ تَرَفيّة. كما أنّ اقتراح بعض المصطلحات ليس لغرض التلاعب بالألفاظ، بل الغرض من ذلك كلّه هو رسم صورة كاملة ووافية بكافّة أنواع الحجب وأقسامه وموارده وحالاته، وعدم الاكتفاء بالتقسيم المعهود؛ لأنّه يُولِّد رؤيةً مُجتزأة ومنقوصة عن الحجب.

 

أهمّ نتائج البحث

1ـ استعرضنا تعريف الحجب في الفقه السنّي، وتعريفه في الفقه الإمامي، وناقشناهما.

2ـ حاولنا اقتراح تعريف دقيق للحجب يتناسب مع الفقه الإمامي، ثمّ حاولنا تعميقه ضمن مرحلتين.

3ـ أبرزنا الفرق بين مفهومي المنع والحجب.

4ـ قُمْنا بجمع التقسيمات المطروحة والممكنة للحجب، وصبّها في قالبٍ فنّي منطقي. وكانت ثلاثة تقسيمات. وقد فصّلنا الأقسام في كلّ تقسيم، مصحوبة بالأمثلة.

5ـ اقترحنا إضافة عناوين جديدة لبعض أقسام وموارد الحجب الخفيّة، نظير: (الحجب المستقرّ) و(الحجب المتزلزل)؛ (حجب الانتفاع) و(حجب الإضرار)؛ (حجب الفرض) و(الحجب بالمزاحمة والاشتراك في الاستحقاق)؛ (حجب القرابة)، (حجب الردّ)، (الحجب بلحاظ نوع المال).

6ـ وبذلك استطعنا تقديم رؤية شاملة للحجب، من حيث الماهية والتقسيم والأقسام.

الهوامش

____________________________

(*) عضو الهيئة العلميّة في جامعة المصطفى| العالميّة، ورئيس تحرير مجلّة فقه أهل البيت^. من العراق.

([1]) الراوندي، فقه القرآن 2: 327.

([2]) برّاج، أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية: 533.

([3]) الفراهيدي، كتاب العين 3: 86. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 2: 143.

([4]) الطريحي، مجمع البحرين 1: 454.

([5]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 2: 143.

([6]) الفراهيدي، كتاب العين 3: 86.

([7]) الجوهري، الصحاح 1: 107.

([8]) ابن منظور، لسان العرب 1: 298.

([9]) الجوهري، الصحاح 1: 107. ابن الأثير، النهاية 1: 340. الفيروزآبادي، القاموس المحيط 1: 179.

([10]) الجوهري، الصحاح 1: 107. الطريحي، مجمع البحرين 1: 360.

([11]) الطريحي، مجمع البحرين 1: 360.

([12]) سيد سابق، فقه السنّة 3: 630.

([13]) انظر: علاء الدين، تكملة حاشية ردّ المحتار 1: 373.

([14]) انظر: المصدر نفسه.

([15]) زكريا الأنصاري، فتح الوهّاب 2: 7. الشربيني، مغني المحتاج 3: 11. البكري الدمياطي، إعانة الطالبين 3: 271.

([16]) برّاج، أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية: 531 ـ 533.

([17]) انظر: الطوسي، المبسوط 4: 81. المحقِّق الحلّي، شرائع الإسلام 4: 819. العلاّمة الحلّي، قواعد الأحكام 3: 355. العلاّمة الحلّي، إرشاد الأذهان 2: 131.

([18]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 13: 62.

([19]) المحقّق السبزواري، كفاية الأحكام 2: 808.

([20]) النراقي، مستند الشيعة 19: 117.

([21]) الشهيد الثاني، الروضة البهية 8: 51، انظر: الهامش رقم (1) للسيد محمد كلانتر.

([22]) المصدر نفسه.

([23]) النراقي، مستند الشيعة 19: 117.

([24]) الروضة البهية 8: 15، الهامش رقم (1).

([25]) الخميني، تحرير الوسيلة 2: 372.

([26]) المصدر نفسه.

([27]) المصدر نفسه.

([28]) النجفي، جواهر الكلام 39: 50.

([29]) المصدر السابق: 16.

([30]) الـمصدر السابق: 70 ـ 73. النراقي، مستند الشيعة 19: 110. الخميني، تحرير الوسيلة 2: 371.

([31]) أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية: 176.

([32]) المُراد به: الممنوع.

([33]) برّاج، أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية: 532 ـ 533.

([34]) الخميني، تحرير الوسيلة 2: 371.

([35]) المصدر نفسه.

([36]) أقول: هذا بحَسَب ما المعروف بينهم، وإلاّ فإنّ لنا رأياً آخر، سنذكره في بحث توريث الحمل، فانتظِرْ.

([37]) انظر: النجفي، جواهر الكلام 39: 70 ـ 73. النراقي، مستند الشيعة 19: 110. الخميني، تحرير الوسيلة 2: 371.

([38]) أقول: لم يُصرِّح الفقهاء بهذا التقسيم، بل لم يُشيروا إليه، لكنْ بالإمكان تصيُّده من كلمات بعضهم. انظر: النجفي، جواهر الكلام 39: 70 ـ 73.

([39]) الخوئي، منهاج الصالحين 2: 366، مسألة 1762.

([40]) انظر: الخوئي، منهاج الصالحين 2: 364، مسألة 1759.

([41]) سوف يتّضح أنّ الأصحّ والأدقّ هو تربيع الأقسام، وذلك بإضافة (حجب الردّ) و(حجب القرابة)، بل تخميس الأقسام بإضافة (الحجب بلحاظ نوع المال).

([42]) الطوسي، المبسوط 4: 81.

([43]) ابن فهد الحلّي، المهذّب البارع 4: 385.

([44]) النووي، المجموع 16: 90.

([45]) انظر: الشهيد الثاني، الروضة البهية 8: 51 ـ 58.

([46]) الطوسي، المبسوط 4: 81.

([47]) زكريا الأنصاري، فتح الوهّاب 2: 7. الشربيني، مغني المحتاج 3: 11.

([48]) انظر: زكريا الأنصاري، فتح الوهّاب 2: 8.

([49]) زكريا الأنصاري، فتح الوهّاب 2: 8. البكري الدمياطي، إعانة الطالبين 3: 271.

([50]) برّاج، أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية: 532.

([51]) انظر: الشهيد الثاني، الروضة البهية 8: 58 ـ 64.

([52]) الطوسي، المبسوط 4: 81.

([53]) ابن فهد الحلّي، المهذّب البارع 4: 385.

([54]) انظر: النجفي، جواهر الكلام 39: 75.

([55]) الطوسي، الخلاف 4: 32 ـ 33، مسألة 24.

([56]) الطوسي، المبسوط 4: 81.

([57]) انظر: النراقي، مستند الشيعة 19: 121.

([58]) أقول: بالإمكان انتزاع تعريف لحجب النقصان من عبارة الفاضل النراقي هذه، فيُقال بأنّ حجب النقصان هو: الحجب الحاصل لوارثٍ بسبب وجود وارثٍ آخر، لولاه لورث الأوّل أزيد ممّا يرثه معه.

ومهما يكن من أمرٍ، فسواء انتزعنا من العبارة تعريفاً أو لا، فإنّ التعبير بـ (الوارث) هنا غير دقيق؛ إذ ليس كلّ حاجبٍ وارثٌ، كما هو واضحٌ، إلاّ أن يُتكلَّف فيُقال بأنّ المراد بالوارث الحاجب هو الوارث فعلاً أو شأناً.

([59]) النراقي، مستند الشيعة 19: 121.

([60]) الخميني، تحرير الوسيلة 2: 372 ـ 373.

([61]) انظر: المصدر نفسه.

([62]) المصدر السابق: 372.

([63]) انظر: الشهيد الثاني، الروضة البهية 8: 128 ـ 129.

([64]) الخميني، تحرير الوسيلة 2: 373.

([65]) انظر: النراقي، مستند الشيعة 19: 134.

([66]) الخميني، تحرير الوسيلة 2: 372.

([67]) انظر: النجفي، جواهر الكلام 39: 127. النراقي، مستند الشيعة 19: 201. الخميني، تحرير الوسيلة 2: 371.

([68]) انظر: الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 26: 97 ـ 100، باب 3 من ميراث الأبوين والأولاد، ح 1 إلى 10.

([69]) انظر: النجفي، جواهر الكلام 39: 128.

([70]) انظر: المصدر السابق: 46 ـ 47. النراقي، مستند الشيعة 19: 53 ـ 54.

([71]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 26: 35 ـ 37، باب 10 من موانع الإرث، ح1 و2 و5.

([72]) انظر: الخميني، تحرير الوسيلة 2: 371.

([73]) انظر: النجفي، جواهر الكلام 39: 74. النراقي، مستند الشيعة 19: 112.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً