أحدث المقالات

د. الشيخ محمد رحماني(*)

ترجمة: حسن علي مطر

مقدّمةٌ

يمتاز الدين الإسلامي من سائر الأديان العالمية الأخرى بأمور، ومن بينها: منظومة التقنين والتشريع الإسلامي (الفقه). إن الإسلام يشتمل على قوانين لجميع الاحتياجات الفردية والاجتماعية في مختلف الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولم يترك لحظةً واحدة من حياة الإنسان إلاّ وقد وضع لها حكماً وتعليماً.

سوف نعمل في هذا المقال على نقد ومناقشة هذه المسألة الهامّة، وهي: هل يوجد في الإسلام مسائل وموضوعاتٍ أوكل الله بيان حكمها في عصر الغَيْبة إلى الحاكم؟ وبعبارةٍ أخرى: هل هناك فراغٌ قانونيّ في المنظومة التشريعية للإسلام أم لا؟ وإذا كان هناك فراغٌ قانونيّ فما هو المراد منه؟ وكيف يتمّ مَلْء هذا الفراغ؟ وما هو دَوْر الوليّ الفقيه (وليّ الأمر) في هذه العملية؟

إن المسائل التي سنعمل على بحثها في هذا المقال هي على نحو الإجمال عبارة عن: جذور كلمة القانون، ومعنى القانون، وتعريف القانون اصطلاحاً، والمراد من الفراغ القانوني، ودراسة ونقد نظرية المنكرين لولاية الفقيه، ودراسة وتحقيق نظرية حصر التقنين والتشريع بالله، ودراسة نظرية جواز وضع القانون من قِبَل الحاكم.

 

مفهوم القانون، لغةً واصطلاحاً

قال العلاّمة علي أكبر دهخدا في كتابه (لغت نامه): «إن القانون تعريب للكلمة اليونانية (كانون)، وهي مستعملةٌ في اللغة العربية بهذا المعنى»([1]). وهناك مَنْ احتمل أن تكون كلمة القانون مأخوذةً من اللغة السريانية([2])، أو الرومية([3])، أو الفارسية([4]). ومهما كان فهناك إجماعٌ على أن كلمة القانون ليست عربيّةً.

وقد ذكرت كتب اللغة معاني كثيرة لكلمة القانون، ومن بينها: القاعدة، والدستور، والطريقة، والمقياس([5]). ويبدو أن هذه المعاني تشترك في تعيين الحدّ.

والذي نتعرَّض إلى نقده وبحثه في هذا المقال هو المعنى الثالث.

وقيل في التعريف الاصطلاحي للقانون: «أمرٌ كلّي ينطبق على جميع جزئيّاته التي تُتصرَّف أحكامها منه»([6]).

إن هذا التعريف يشمل الأمور الاعتبارية والأمور الحقيقية. وفي هذا المقال سوف نقتصر على بحث القانون الوضعي والاعتباري، الذي يتمّ تقريره على يد علماء القانون والقضاة ورجال السياسة والفقهاء. وأما البحث عن القوانين الحاكمة على غير الاعتباريّات فله موضعٌ آخر. وفي البحث نسعى إلى بيان مسألة دائرة الفراغ القانوني.

معنى الفراغ القانوني

لا شَكَّ في عدم وجود الفراغ القانوني، بمعنى أن يكون هناك موضوعٌ أو مسألةٌ لم يرِدْ بيانها في صريح الشرع، أو على نحو الإطلاق وعموم الكلمة؛ إذ هناك الكثير من الآيات والروايات التي تبيِّن حكم جميع الموضوعات والحوادث، حتّى ما كان من قبيل: دية أرش الخدش. وأما الفراغ القانوني بمعنى أن الله سبحانه وتعالى قد ترك بيان حكم بعض الموضوعات إلى حاكم الشرع، بحيث يُعتَبَر حكم الشارع حكم الله، فهو موضعُ بحثٍ وتحقيق. ومن المناسب ذكر صلاحية وضع القانون لوليّ الأمر في إدارة الدولة بَدَلاً من عنوان الفراغ القانوني.

1ـ نظريّة عدم الفراغ (لدى المنكرين لولاية الفقيه العامّة)

هناك من الفقهاء مَنْ يرى أن حدود ولاية الحاكم الإسلامي في عصر الغَيْبة لا تتجاوز أمور الحِسْبة. وعليه لا يوجد لدينا شيءٌ باسم الفراغ القانوني، الذي ترك الشارع بيان حكمه لوليّ الأمر. وقيل في تعريف أمور الحِسْبة: إن أمور الحِسْبة هي تلك الأمور التي لا تحتاج إلى تدخُّل الجهات الرسمية (الفقهاء في حالة عدم وجود العدول من المؤمنين) في متابعة الدعاوى والشكاوى والخصومات، بل تباشر ذلك الجهات ذات الصلاحية، حيث تتعرَّض وتتصدّى لهذه الأمور ارتجالاً.

إن الفقهاء الذين لم يرتضوا ولاية الفقيه يجب أن يكونوا من أصحاب هذه الرؤية. ومن المناسب هنا أن نذكر ـ على سبيل المثال ـ كلام أحد القائلين بهذه النظريّة([7]).

قال صاحب التنقيح: «إن الولاية لم تثبت للفقيه في عصر الغَيْبة بدليلٍ، وإنما هي مختصّةٌ بالنبيّ والأئمة^، بل الثابت حَسْبَ ما يُستفاد من الروايات أمران: نفوذ قضائه؛ وحجّية فتواه. وليس له التصرُّف في مال القُصَّر أو غيره ممّا هو من شؤون الولاية، إلاّ في الأمر الحِسْبي»([8]).

وطبقاً لهذه الرؤية لا يملك وليّ الأمر أيّ حقٍّ في وضع القوانين أو الأحكام.

ونتيجة هذه الرؤية عبارةٌ عن عدم حاكمية الدين والفقه في جميع أبعاد الحياة؛ خلافاً للقائلين بولاية الفقيه.

وعلى أساس هذه الرؤية ليس لأيّ فقيهٍ حقّ التقدُّم على غيره في تصريف أمور الحِسْبة. ولكنْ طبقاً لرأي المؤمنين بولاية الفقيه فإن وليّ الأمر ـ وهو المسؤول عن إدارة المجتمع ـ له حقّ التقدُّم في التصدّي لأمور الحِسْبة على سائر الفقهاء.

وكذلك بناءً على هذه الرؤية فإن ملاك تصرُّف الفقيه هو تحقُّق العنوان الثانويّ؛ خلافاً لرأي القائلين بولاية الفقيه؛ لأن ملاك تصرُّف الفقيه يكمن في تشخيص مصلحة النظام وعامّة الناس.

مناقشةٌ واعتراض

إن أصل ثبوت الولاية للفقيه هو ـ في الجملة ـ من الأمور التي كانت ولا تزال مورد قبول الكثير من الفقهاء. والدليل على ذلك، مضافاً إلى دلالة الآيات والروايات وكيفية وضع القوانين، أن العمل بالكثير من القوانين يحتاج إلى الولاية وممارسة السلطة من قِبَل الفقيه. كما يحكم العقل بهذا الأمر أيضاً. وإن الجدير بالتحقيق والنقد هنا هو حدود صلاحيات وشرائط وصفات الوليّ الفقيه، وما إذا كان تعيينه بالانتخاب أو التنصيب.

2ـ نظريّة حَصْر التشريع والتقنين بالله (مع القول بالولاية العامّة للفقيه)

النظرية الأخرى في ما يرتبط بموضوع بحثنا هي أن الفقهاء، رغم ثبوت الولاية لهم في عصر الغَيْبة، لا يحقّ لهم ممارسة التقنين والتشريع؛ وذلك لأن وضع القانون من مختصّات الله سبحانه وتعالى. وحيث تمّ بيان حكم جميع الموضوعات والأحداث الفعلية والقادمة لا يوجد هناك فراغٌ قانوني، حتّى يتصدّى الفقيه لمَلْء هذا الفراغ.

طبقاً لهذه الرؤية إنما يكون للفقهاء في عصر الغَيْبة حقّ تشخيص الحكم الإلهيّ، ويجب في الأحداث الاجتماعية الواقعة أن يتمّ العمل على بيان حكم الله. وبعبارةٍ أخرى: إن حكم الله قد تمَّ بيانه في جميع المسائل، حتّى في الحوادث الواقعة، وإن وليّ الأمر إنما يبيِّن أشكالها وقوالبها، وليس أحكامها.

قال صاحب كتاب معالم الحكومة: «إن التشريع إنما هو من حقوق الله حَصْراً، ولا وجود لمشرِّع أو مقنِّن غيره، فلا يحقّ لأيّ فردٍ ـ مهما بلغ من العلم والثقافة والسلطة الفكريّة والاجتماعيّة ـ أن يقرِّر حكماً، أو يحلّ حراماً أو يحرِّم حلالاً»([9]).

وعلى أساس هذه النظرية، هناك ثلاث مراحل لكلّ حكمٍ، وهي:

1ـ مرحلة التشريع والتقنين. وهي المرحلة الخاصّة بالله سبحانه وتعالى.

2ـ مرحلة التشخيص. وهي المرحلة الخاصّة بالفقهاء.

3ـ مرحلة تحديد المسار. وهذه المرحلة من مهامّ مجلس الشورى الإسلامي أو ما كان على شاكلته.

قال صاحب أنوار الفقاهة: «وأما أصحابنا الإماميّة فقد قالوا بأنه ليس هناك واقعةٌ لا نصّ فيها، ولا يوجد أمرٌ خالٍ عن حكمٍ شرعيّ، وإن الدين قد كملت أصوله وفروعه، بحيث لم يبْقَ محلٌّ لتشريع أحدٍ أبداً… فعلى هذا لا وجود لـ (الفراغ القانوني) في مدرسة أهل البيت^، بل كلّ ما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة، في حياتهم الفرديّة والاجتماعية والمادّية والمعنوية، قد ورد فيه حكمٌ إلهي وتشريعٌ إسلامي؛ فلا فراغ ولا خلأ أصلاً، فلا يبقى محلٌّ لتشريع الفقيه أو غيره. فالذي للفقهاء أمران، وهما: الجهد والاجتهاد في كشف الأحكام من المصادر الأربعة؛ وتطبيق الأحكام على مصاديقها، وتنفيذها بما هو حقّها. والأوّل هو الإفتاء، والثاني هو الولاية والحكومة»([10]).

إن العلماء الذين رفضوا وجود الفراغ القانوني قد استندوا في رفضهم هذا إلى الآيات والروايات؛ إذ يُستفاد من هذه الآيات والروايات أن التشريع منحصرٌ بالله تعالى، وأنه ليس لأحدٍ غيره حقٌّ في التشريع، حتّى رسول الله والأئمة^؛ إذ هناك شرائط للتشريع لا يمكن أن تتوفَّر إلاّ في الله سبحانه وتعالى، وتلك الشرائط هي: العلم المطلق، وعدم النَّفْع والضَّرَر، وحقّ المولوية، وما إلى ذلك من الشرائط والصفات الأخرى.

نقدٌ وردّ

يبدو أنه حيث لم يتّضح مورد النزاع فقد تمّ الخلط بين المسائل؛ إذ لو كان مراد الذين أنكروا الفراغ القانوني هو المعنى الأوّل كان ذلك صحيحاً، فليس هناك موضوعٌ أو واقعةٌ لم يتمّ بيان حكمها بشكلٍ صريح، أو على نحو الإطلاق والعموم، أو من طريق الأصول العملية. وليس هناك مَنْ يناقش في ذلك. فحتّى أصحاب نظرية الفراغ القانوني يؤمنون بهذا المعنى، وإلاّ فإنه سيَرِدُ التشكيك في جامعيّة الإسلام وشموليّته.

إن الفراغ القانوني المقبول من قِبَل بعض العلماء الكبار عبارةٌ عن أن الله سبحانه وتعالى كما بيَّن أحكام بعض الموضوعات بنفسه على نحوٍ صريح، أو على نحو الإطلاق أو العموم، فقد ترك بيان حكم بعض الموضوعات الأخرى ـ ولا سيَّما الموضوعات المرتبطة بإدارة المجتمع، والتي هي في معرض التغيير  ـ إلى الوليّ الفقيه، وقال: إن حكمه حكمي. وعلى هذا الأساس فإن حكم الله في هذه الموارد عبارةٌ عن الحكم الذي يبيِّنه وليّ الأمر على أساس مصالح عامّة الناس. وإن حكم وليّ الأمر غير تطبيق الأحكام الإلهية الكلّية على المصاديق، وغير كشف الأحكام الجزئية من المطلقات والعمومات، بل كما أن حكم الله هو حكمٌ بشكلٍ مستقلّ، فإن حكم وليّ الأمر حكمٌ بشكلٍ مستقلّ، ولكنْ بإذن وإمضاء الله في الموارد الخاصّة.

إن هذا التفسير للفراغ القانوني ـ والذي من الأفضل أن نسمّيه (صلاحية تشريع الحاكم) ـ لا يتنافى مع أيٍّ من الأدلة المقامة على نَفْيه.

وأما الروايات الدالّة على بيان جميع الأحكام من قِبَل الله سبحانه وتعالى، حتّى الأرش في الخدش، فهي لا تتنافى مع هذا المعنى من الفراغ القانوني؛ لأن نفوذ وحجّية حكم الحاكم في بعض الموارد إنما هو في الواقع بمنزلة بيان الحكم في تلك الموارد من قِبَل الله تعالى، وإن حكم الحاكم إنما هو بإذن وإرادة الله، واعتبار وحجّية حكم الحاكم من الأحكام الأوّلية الإلهية.

قال الإمام الخميني: «إن الحكومة التي هي فرعٌ عن الولاية المطلقة لرسول الله| واحدةٌ من الأحكام الأوّلية في الإسلام، وهي مقدَّمةٌ على جميع الأحكام الفرعية، بما في ذلك الصلاة والصوم والحجّ»([11]).

وكذلك الروايات الدالّة على أن حلال الله وحرامه باقٍ إلى يوم القيامة لا تتنافى مع هذا المعنى من الفراغ القانوني؛ لأن صلاحية وليّ الأمر لجعل الحكم الولائي هو من الأحكام المجعولة من قِبَل الشارع أيضاً، وباقٍ إلى يوم القيامة، ولا يتنافى مع خلود الأحكام الإلهيّة أبداً.

وبعبارةٍ أخرى: إن بعض الأحكام الإلهية ثابتة، ولا يطرأ عليه التغيير والتبديل أبداً، ومن بين هذه الأحكام الثابتة صلاحيات وليّ الأمر في إدارة الحكم. وأما القول بأن المقنِّن والمشرِّع له مواصفاتٌ لا تتوفَّر في غير الله سبحانه وتعالى فهو كلامٌ صحيح في ما يتعلَّق بالموارد التي يعمل فيها المقنِّن والمشرِّع على وضع القوانين بالاستقلال، وأما في مورد وليّ الأمر فحيث يكون الله قد أذن له يكون قانونه حجّةً ومعتبراً. وعليه فإن المقنِّن والمشرِّع في الواقع هو الله، وليس الحاكم.

وفي الختام من المناسب لإيضاح المسألة أن نشير إلى جعل الولاية من قِبَل الله للأب في بعض الموارد، من قبيل: المباحات والمستحبّات والمكروهات. فكما لا يكون أمرُ وحكمُ الوالد منافياً للأحكام الإلهيّة كذلك حكم الحاكم لا يكون منافياً للأحكام الإلهيّة أيضاً.

 

3ـ نظريّة وضع القانون من قِبَل وليّ الأمر

إن النظرية الرابعة في ما يتعلَّق بدَوْر وليّ الأمر تجاه مَلْء نقاط الفراغ القانوني (المباحات) عبارةٌ عن أنه كما أُذِن لرسول الله والأئمّة^ بوضع القوانين من قِبَل الله في إدارة الدولة والمجتمع كذلك فإن ذات هذه الصلاحيات تكون للفقيه الجامع للشرائط، الذي يتولّى إدارة الحكومة والمجتمع الإسلامي.

لا شَكَّ في أن رسول الله والأئمّة^ قد جعلوا في الكثير من الموارد أحكاماً ولائيّة مؤقّتة، في ما يرتبط بحاجة ومصلحة المجتمع، وبما يتناسب والشرائط الزمانية والمكانية. وقد تمّ إعطاء هذه الصلاحيات للفقيه الذي يتكفَّل بإدارة المجتمع؛ إذ بدون هذا الحقّ والصلاحية سوف تكون إدارة المجتمع والدولة لَغْواً وبلا فائدةٍ.

ويمكن إقامة الكثير من الأدلّة على هذا الأمر. ولكنّنا سنكتفي ـ خشية الإطالة ـ بذكر دليلين رئيسين، وهما: الروايات؛ وبيان بعض الأحكام الولائية التي تعود صلاحية جعلها أو توسعتها وتضييقها إلى الفقهاء.

ولكي يتّضح مورد النزاع من اللازم قبل الدخول في صلب الموضوع أن نشير إلى بعض الأمور باختصارٍ، وذلك على النحو التالي:

أـ أنواع الحكم الإلهي

إن الأحكام الإلهية على نوعين:

النوع الأوّل: الأحكام الثابتة التي لا تقبل التغيير في أيّ مكانٍ وزمان، مثل: ضروريات الإسلام، من قبيل: الصلاة والصوم والحجّ، وما إلى ذلك ممّا لا يطاله التغيير ويبقى ثابتاً إلى الأبد، رغم أن شرائط الزمان والمكان قد يكون لها تأثيرٌ في كيفيّة تطبيقاتها.

إن تشريع هذه القوانين من مختصّات الذات الإلهية المقدّسة، ولا حقَّ لغيره في جعل هذه القوانين([12]).

النوع الثاني: الأحكام التي تنبثق عن الولاية، ويتمّ وضعها وتطبيقها بحَسَب المصلحة الراهنة. وكما اتّضح بطبيعة الحال فإن هذا النوع من الأحكام تابعٌ في بقائه وزواله لمقتضيات وموجبات المرحلة، وهي تتغيَّر وتتحوَّل حَتْماً بتطوُّر المدنية وتغيير المصالح والمفاسد. وإن أصل الولاية بما هو حكمٌ سماويّ يعتبر من موادّ الشريعة، لا يقبل النسخ والتغيير([13]).

ب ـ الحكم الإسلامي بين التكليفي والوضعي

كما تنقسم الأحكام الإسلامية من ناحيةٍ أخرى إلى قسمين، وهما: الأحكام التكليفية؛ والأحكام الوضعية.

والأحكام التكليفية على خمسة أنواع، وتُعْرَف بحَسَب المصطلح بالأحكام الخمسة، أي: الوجوب، والحرمة، والاستحباب، والكراهة، والإباحة.

ومن هذه الأحكام الخمسة ما هو إلزاميٌّ، مثل: الوجوب، والحرمة، وهي التي تعرف في المصطلح الحقوقيّ بالقوانين والأحكام الآمرة؛ ومنها ما هو غير مُلْزِمٍ، من قبيل: الاستحباب، والكراهة، والإباحة.

ورُبَما كان مراد العلماء الكبار الذين آمنوا بمنطقة الفراغ، وقالوا بأن الله قد خَوَّل الحاكم الإسلامي جعل القوانين فيها، هو دائرة الأحكام غير الإلزاميّة.

قال السيد الشهيد محمد باقر الصدر في هذا الشأن: «إن المذهب الاقتصادي في الإسلام يشتمل على جانبين: أحدهما: قد مُلئ من قِبَل الإسلام بصورةٍ منجزة، لا تقبل التغيير والتبديل؛ والآخر: يشكِّل منطقة الفراغ في المذهب، قد ترك الإسلام مهمّة مَلْئها إلى الدولة أو وليّ الأمر»([14]). ويُستفاد من هذه العبارة أن دائرة صلاحيات الحاكم الإسلاميّ تنحصر في غير الأحكام الإلزاميّة؛ إذ لا تغيير ولا تبديل في الأحكام الإلزاميّة.

ج ـ معنى منطقة الفراغ

ليس معنى منطقة الفراغ أن الله ليس له رأيٌ أو حكمٌ في بعض الموضوعات، وإنما منطقة الفراغ تعني أن الله سبحانه وتعالى قد جعل حُكْماً لجميع الموضوعات، ولم يترك أيّ موضوعٍ من دون حكمٍ، إلاّ أنه ترك تحديد حكم بعض الموضوعات إلى حاكم الشرع. وتوضيح ذلك، على سبيل المثال: لو عمدَتْ السلطة التشريعية في دولةٍ ما إلى إصدار قانون الضرائب، وتركَتْ تحديد مقدار هذه الضرائب إلى السلطة التنفيذيّة، فهذا لا يعني أن السلطة التشريعيّة لا تمتلك حكماً بالنسبة إلى هذه الموارد ومقدار الضرائب؛ إذ بعد المصادقة على اختيار السلطة التنفيذيّة تكون قراراتها منسوبةً إلى السلطة التشريعيّة.

وعلى هذا الأساس فإن حكم الحاكم في موارد منطقة الفراغ (والقدر المتيقَّن منها دائرة المباحات) هو حكم الله، وإن الحاكم إنما يصدر الحكم من حيث إن الله هو الذي أعطاه هذه الصلاحية، وإن منح الصلاحية للحاكم الإسلامي للحكم في هذه الموارد إنما هو من مصادر قوّة المنظومة التشريعيّة في الإسلام، حيث يمكن اختيار القانون المناسب لجميع الظروف والحالات.

د ـ تحوُّل المباح إلى واجبٍ أو حرام

إن جعل الوجوب أو الحرمة في دائرة الأمور المباحة، بل وحتّى المستحبّات والمكروهات في بعض الموارد، أمرٌ ثابت ومقبول من قِبَل أكثر الفقهاء. ومن ذلك:

المورد الأوّل: إن المكلَّف يمكنه أن يوجب على نفسه أمراً مباحاً، أو يحرِّمه على نفسه، بالنَّذْر مثلاً. ولا أتصوَّر فقيهاً يخالف هذه المسألة.

قال الشيخ الطوسي: «فمتى كان ما نذر عليه وحصل وجب عليه الوفاء بما نذر فيه، ولم يسُغْ له تركه»([15]). إذن متعلَّق النذر إما مباحٌ، فيجب أو يحرم بالنَّذْر؛ أو مستحبٌّ، فيجب بالنَّذْر؛ أو مكروهٌ، فيحرم بالنَّذْر.

المورد الثاني: ومن بين الأمور الأخرى التي تؤدِّي إلى جعل الحكم على الإنسان هو القَسَم. وهذا الأمر ثابتٌ كما هو الحال بالنسبة إلى النَّذْر، وهو مقبولٌ من الفقهاء، حيث يمكن للإنسان بالقَسَم ـ على طبق الشروط ـ أن يوجب على نفسه أو يحرِّم ما كان مباحاً، أو يجعل المستحبّ واجباً، أو يُحرِّم على نفسه مكروهاً.

المورد الثالث: وكذلك العهد من الأمور التي تسبِّب جعل الوجوب أو الحرمة في ذمّة المكلَّف. وهذا أيضاً، مثل النذر والقَسَم، متَّفَقٌ عليه من قِبَل الفقهاء. فإذا تعهَّد المكلَّف بشيءٍ ـ على طبق الشرائط المذكورة في أحكام العهد ـ وجب عليه ما تعهَّد به.

قال صاحب كتاب وسيلة النجاة: «يُعتَبَر فيه أن لا يكون مرجوحاً دينيّاً أو دنيويّاً، ولا يُعتبر فيه الرجحان، فضلاً عن كونه طاعةً، كما اعتبر ذلك في النَّذْر، فلو عاهد على فعلٍ مباح لزم»([16]).

يتّضح من هذه العبارة ـ المتَّفق عليها من قِبَل أكثر الفقهاء ـ أن العهد يؤدّي إلى جعل الوجوب أو الحرمة.

المورد الرابع: ومن بين الأمور المتَّفق عليها من قِبَل الفقهاء هو الشرط في ضمن العقد، حيث يمكن لكلٍّ من طرفي العقد (البائع والمشتري) أن يوجب على الآخر كلّ شيءٍ، باستثناء ما خالف كتاب الله وسنّة رسول الله|، أو خالف مقتضى العقد.

قال السيد الحكيم في هذا الشأن: «كما يجب الوفاء بالعقد اللازم يجب الوفاء بالشرط المجعول فيه، كما إذا باعه فَرَساً بثمنٍ معين، واشترط عليه أن يخيط له ثوبه، فإن البائع يستحقّ على المشتري الخياطة بالشرط، فتجب عليه خياطة ثوب البائع»([17]).

الموردان الخامس والسادس: ومن بين الأمور الأخرى التي يجب بسببها حكمٌ على المكلَّف، رغم أن حكمها الأوّلي ليس هو الوجوب، أمرُ الوالد. وهكذا أمرُ الزوج زوجته أيضاً. فالزوج يمكنه ـ مثل الأب والأم ـ في بعض الموارد أن يُحرِّم مباحاً على زوجته.

قال صاحب العروة الوثقى: «الخامس من الشروط: أن لا يكون السفر حراماً، وإلاّ لم يقصر، سواءٌ كان نفسه حراماً، كالفرار من الزحف، وإباق العبد، وسفر الزوجة بدون إذن الزوج في غير الواجب، وسفر الولد مع نهي الوالدين في غير الواجب»([18]).

إن الغرض من نقل هذه الموارد هو أنه إذا قيل بأن الله سبحانه ـ وهو الشارع الحقيقي والأصلي ـ قد ترك جعل حكم بعض الموضوعات إلى حاكم الشرع، وعبَّر عنه بمنطقة الفراغ، لا يجب الاستغراب من ذلك؛ إذ حتّى المكلف العادي يمكنه أن يوجب أو يحرِّم على نفسه ما لم يوجبه الله أو يحرِّمه عليه (كما في الموارد الأوّل والثاني والثالث والرابع)، وفي بعض الأحيان يمكن للآخرين أن يوجبوا أو يحرِّموا على المكلَّف شيئاً لم يوجبه الله أو يحرِّمه (كما في الموردين الخامس والسادس).

 

هـ ـ الأدلّة النظريّة والعمليّة على صلاحية وليّ الأمر للتشريع

ولكي يتّضح البحث سوف نتناول البحث من زاويتين، وهما:

1ـ الروايات.

2ـ الأحكام الولائيّة للفقهاء.

1ـ الروايات

لقد فتح المحدِّثون الكبار في كتبهم الروائية باباً بعنوان «التفويض»، ونقلوا فيه الكثير من الروايات، ومنها ما هو تامّ الدلالة والسند، ولا سيَّما بالنظر إلى القرائن والشواهد الموجودة في هذه الروايات، ومن ذلك أنه جاء في بعضها أحكامٌ وضعها شخصُ رسول الله|.

وفي ما يلي نشير إلى عددٍ منها على النحو التالي:

1ـ عن زرارة قال: سمعتُ أبا جعفر وأبا عبد الله’ يقولان: «إن الله عزَّ وجلَّ فوّض إلى نبيِّه| أمرَ خلقه؛ لينظر كيف طاعتهم؟ ثمّ تلا هذه الآية: ﴿مَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (الحشر: 7)»([19]).

كما ورد ذات هذا المضمون في الروايات الأخرى، مع إضافة أن جميع ما فُوِّض إلى رسول الله| قد تمّ تفويضه إلى الأئمّة الأطهار^ أيضاً، ومن بينها: الرواية الثالثة.

2ـ عن محمد بن الحسن الميثمي، عن أبي عبد الله×، قال: سمعتُه يقول: «إن الله عزَّ وجلَّ أدَّب رسوله حتّى قوَّمه على ما أراد، ثمّ فوّض إليه فقال عزَّ ذكره: ﴿مَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾، فما فوَّض الله إلى رسوله| فقد فوَّضه إلينا»([20]).

3ـ عن عبد الله بن سنان، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر× قال: إن الله تبارك وتعالى أدَّب محمداً|، فلما تأدَّب فوَّض إليه، فقال تبارك وتعالى: ﴿مَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾، وقال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾ (النساء: 80)، فكان في ما فرض في القرآن فرايض الصلب، وفرض رسول الله| فرايض الجدّ، فأجاز الله ذلك له»([21]).

إن هذه الروايات وأمثالها تدلّ على أنه في بعض الموارد تمّ إلقاء أمر التقنين على عاتق رسول الله|، وأن رسول الله قد وضع في بعض الموارد أحكاماً لم يضَعْها الله، كما في الحديث الأخير والحديث الرابع من الباب.

2ـ الأحكام الولائيّة للفقهاء

الدليل الثاني على صلاحية الفقهاء لجعل بعض القوانين وجود أحكام ولائية لرسول الله| والأئمّة الأطهار^ والفقهاء. ولا شَكَّ في أن هذه الأحكام إنما هي من جهة أنهم كانوا قد تكفَّلوا بمسؤولية ومهمّة إدارة المجتمع والدولة، وليس من جهة أنهم يبيِّنون الأحكام الإلهية. وحيث إن هذه المقالة معقودةٌ للبحث في صلاحية الفقهاء فسوف نحجم عن بيان الأحكام الولائيّة لرسول الله| والأئمّة الأطهار^؛ خشية الإطالة، ونكتفي بذكر بعض الأحكام الولائية الصادرة عن الفقهاء:

أـ نماذج من الأحكام الولائيّة في العبادات

1ـ الحكم بثبوت الهلال

على الرغم من أن هذه المسألة كانت ولا تزال موضع خلافٍ، إلاّ أن الكثير من الفقهاء قالوا بحجّية حكم الحاكم في رؤية وثبوت الهلال، ومن بينهم: الشيخ الصدوق، حيث قال: «مَنْ كان في بلدٍ فيه سلطانٌ [الحاكم الإسلامي]، فالصوم معه والفطر معه؛ لأن في خلافه دخولاً في نهي الله عزَّ وجلَّ»([22]).

قال صاحب كتاب جواهر الكلام [ما مضمونه]([23]): «إن أطلاق أدلّة نفوذ حكم الحاكم، وإطلاق الأدلة الدالة على أن الردّ على الحاكم ردٌّ على الأئمة^، يشمل حكم الحاكم في رؤية وثبوت الهلال»([24]).

وقال السيد اليزدي [ما مضمونه]([25]): «مع حكم الحاكم ـ وعدم إحراز خطأ حكمه ومستنده ـ تثبت رؤية الهلال»([26]).

ولم ينتقد هذه المسألة التي أثارها السيد اليزدي من بين الأحد عشر عالماً من أصحاب الحواشي على العروة الوثقى سوى واحدٍ فقط.

ومن هنا فإن حكم الحاكم في ثبوت الهلال إنما يكون معتبراً ونافذاً من جهة أنه حكمٌ صادرٌ عن الحاكم الإسلامي.

2ـ حكم أمير الحاجّ في ما يتعلَّق بيومَيْ عرفة وعيد الأضحى

إن من بين مناصب الحاكم الإسلاميّ والقيام بإدارة شؤون حجاج بيت الله الحرام منصب (أمير الحاجّ). وقد صرَّح الكثير من الفقهاء بهذه المسألة، ومن بينهم شيخ الطائفة [الشيخ الطوسي]؛ إذ يقول: «ينبغي على الإمام (أمير الحاجّ) أن يصلّي صلاة الظهر والعصر في يوم التروية [اليوم الثامن من ذي الحجة] في مِنَى»([27]).

وقال ابن إدريس [ما مضمونه]([28]): «يستحبّ للإمام [أمير الحاجّ] في يوم عرفة أن يخرج بعد طلوع الشمس من مِنَى إلى عرفة»([29]).

وقال المحقِّق الحلّي [ما مضمونه]: «في الخروج من مكّة يسبق الإمام [أمير الحاج] الآخرين؛ ليقيم صلاة الظهر والعصر في مِنَى»([30]).

وقال صاحب الجواهر في هذا البحث: «والمراد بالإمام أمير الحاجّ، كما صرّح به غيرُ واحدٍ [من الفقهاء]»([31]).

وعلى هذا الأساس فإن جميع أوامر أمير الحاجّ وتعليماته، في توجيه الحجاج والإجابة عن المسائل الشرعية الضرورية للحجّاج، ذات صبغةٍ ولائية.

3ـ الحكم بدفع الزكاة إلى الفقيه

هناك اختلافٌ بين الفقهاء حول ما إذا كان دفع الزكاة إلى الفقيه واجباً أم لا؟ والمتَّفق عليه بين الفقهاء هو أفضلية واستحباب دفع الزكاة إلى الفقيه دون مطالبته، وأما مع المطالبة فهناك مَنْ قال بالوجوب، ومن بينهم: الشيخ الأعظم؛ إذ يقول: «ولو طلبها الفقيه فمقتضى أدلّة النيابة العامّة وجوب الدفع؛ لأن منعه ردٌّ عليه، والرادّ عليه رادٌّ على الله تعالى، كما في مقبولة عمر بن حنظلة»([32]).

ويتَّضح من ذلك أن هذا الحكم من قِبَل الفقيه إنما يجب اتّباعه من جهة وجوب اتّباع الحاكم الإسلاميّ ونائب الإمام المعصوم×.

4ـ حكم الجهاد الابتدائي

هناك اختلافٌ بين الفقهاء حول ما إذا كان يمكن للفقيه في عصر الغَيْبة أن يُفتي بوجوب الجهاد الابتدائي أم لا. ذهب بعض الفقهاء إلى القول: كما أنهم يتحمّلون مسؤولية ومهمّة الدفاع عن حريم الإسلام ومقدّماته، يمكنهم كذلك الإفتاء بالجهاد الابتدائي إنْ رأَوْا مصلحةً ملزِمةً تترتَّب على ذلك، ومن ذلك:

ما جاء في كتاب الجواهر [ما مضمونه]([33]): «لو قام إجماعٌ على عدم مشروعية الجهاد الابتدائي في عصر غَيْبة القائم فلن يكون هناك دليلٌ على عدم مشروعيّته؛ إذ الأدلة الأخرى قابلةٌ للخدش، بل إن أدلّة نيابة الفقيه، بالإضافة إلى عموم أدلة الجهاد، تثبت جواز الاجتهاد الابتدائي في عصر الغَيْبة»([34]).

وجاء في منهاج الصالحين: «الظاهر عدم سقوط وجوب الجهاد في عصر الغَيْبة، وثبوته في كافّة الأعصار، لدى توفُّر شرائطه. وهو في زمن الغيبة منوطٌ بتشخيص المسلمين من ذوي الخبرة»([35]).

وجاء في كتاب ولاية الفقيه: «إن ما جاء في الروايات هو وجوب الجهاد الابتدائي مع الإمام العادل. والإمام العادل في مقابل الإمام الجائر. ومن هنا فإن الإمام العادل يشمل الإمام المعصوم× والحاكم الإسلاميّ. وعلى الرغم من أن مصداق الإمام العادل في عصر الحضور هو المعصوم×. وعليه لا يشترط حضور أو إذن الإمام المعصوم في الجهاد الابتدائي»([36]).

وعليه، بناءً على مشروعية الجهاد الابتدائي في عصر الغَيْبة فإن الأمر به سيكون من الأحكام الولائيّة، ولا يكون نافذاً إلاّ من قِبَل الحاكم الإسلامي.

5ـ الحكم في المرتبة الثالثة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لقد ذكر الفقهاء عدداً من المراحل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال الفقهاء: إن مشروعية المرحلة الثالثة تحتاج إلى حكم وإذن الحاكم الإسلامي. ومن ذلك مثلاً:

قال الشيخ الطوسي: «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجبان بالقلب واللسان واليد…»، ثمّ قال: «قد يكون الأمر بالمعروف باليد بأن يحمل الناس على ذلك بالتأديب والردع وقتل النفوس وضرب من الجراحات، إلاّ أن هذا الضرب لا يجب فعله إلاّ بإذن سلطان الوقت [الحاكم الإسلامي] المنصوب للرياسة»([37]).

وقال القاضي ابن البرّاج: «قد يكون الأمر بالمعروف باليد أيضاً على وجهٍ آخر، وهو أن يحمل الناس بالقتل والردع والتأديب والجراح والآلام على فعله، إلاّ أن هذا الوجه لا يجوز للمكلَّف الإقدام عليه إلاّ بأمر الإمام العادل وإذنه»([38]).

يُفْهَم من هذه العبارة وأمثالها أن المرحلة الأخيرة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروطةٌ بحكم الحاكم الإسلامي. ولا شَكَّ في أن هذا الحكم هو من الأحكام الولائية. فكلّما وجد الحاكم مصلحة أذن؛ ومع عدم إذن الحاكم تنتفي المشروعية أيضاً.

6ـ الحكم بتعطيل الحجّ مؤقّتاً

قال الإمام الخميني&، بشأن صلاحيات الحكومة الإسلامية: «يمكن للحكومة الإسلامية أن تمنع الحجّ ـ وهو من الفرائض الإلهيّة الهامّة ـ مؤقَّتاً، وذلك عندما تجد أنه مخالفٌ لمصالح الدولة الإسلاميّة»([39]).

لا شَكَّ في أن تعطيل الحجّ عندما يرى الحاكم الإسلامي مصلحةَ المجتمع والدولة الإسلامية في ذلك يُعَدّ من الأحكام الولائيّة والمؤقَّتة.

7ـ الحكم بوجوب البراءة من المشركين

لقد أشار الإمام الخميني إلى هذه المسألة في الكثير من المناسبات. ومن ذلك، على سبيل المثال، أنه قال في ندائه، الذي أصدره سنة 1362هـ.ش (1983م)، بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك: «على الجميع أن يتأسَّى بوالد التوحيد وأبي الأنبياء العظام. وفي سورة التوبة، حيث ورد الأمر بتلاوتها على الملأ في مكّة المكرَّمة، نقرأ قوله تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ (التوبة: 3)، حيث تمثِّل هذه الآية صرخةَ البراءة من المشركين في موسم الحجّ، وهي الصرخة السياسيّة العباديّة التي أمر بها رسول الله|»([40]).

ب ـ نماذج من الأحكام الولائيّة الاقتصاديّة

1ـ الحكم ببيع الأموال المحتَكَرة

إن من بين الأحكام الولائية إجبار المحتكِر على بيع البضاعة المحتَكَرة. وهذه المسألة مورد قبول من قِبَل الكثير من الفقهاء. ومن ذلك، على سبيل المثال، أن الشيخ المفيد يقول: «للسلطان أن يُكْرِه المحتكِر على إخراج غلّته وبيعها في أسواق المسلمين إذا كانت بالناس حاجةٌ ظاهرة إليها»([41]).

وقال المحقِّق الحلّي في شرائع الإسلام: «ويُجْبَر المحتكِر [من قِبَل الحاكم] على البيع»([42]).

وقال صاحب الجواهر: «وقد ادُّعي الإجماع على ذلك من قِبَل جماعةٍ».

وقد ورد هذا المضمون في الكثير من الروايات، ومن ذلك: ما جاء في توحيد الصدوق؛ إذ يقول: «مرَّ رسول الله| بالمحتكِرين؛ فأمر بحِكْرَتهم أن يخرج إلى بطون الأسواق، وحيث تنظر الأبصار إليها»([43]).

إن أصل هذه المسألة، وهي أن الحاكم يحقّ له إجبار المحتكِر على بيع بضاعته، مورد اتّفاق الفقهاء. ولكنْ وقع الاختلاف بينهم بشأن تقييم البضاعة المحتكَرة. والأمر الآخر الذي وقع الاختلاف فيه موارد الاحتكار، فهل هي محدودةٌ بعدد من الأمور الخاصّة الواردة في الروايات أم تشمل جميع البضائع التي يحتاج إليها المجتمع حاجةً ماسّة، ومن دون عرضها في الأسواق يعاني من ضائقةٍ خانقة؟

2ـ التصرُّف والحكم في الموقوفات العامّة

قال السيد اليزدي& [ما مضمونه]([44]): «لو لم يعيِّن الواقف متولّياً لإدارة الوقف هل تقع إدارة الوقف على عاتق الواقف؛ أو الموقوف عليه؛ أو الحاكم؛ أو إذا كان الوقف خاصّاً تقع إدارة الوقف على عاتق الموقوف عليه؛ وإذا كان الوقف عامّاً تقع إدارته على عاتق الحاكم؟ هناك عدّة أقوال في هذه المسألة.

والقول القويّ من بين هذه الأقوال هو أن إدارة وحقّ التصرّف يكون للحاكم، سواء قلنا: إن الوقف باقٍ على ملكية الواقف، أو قلنا: إن الوقف ينتقل إلى ملك الموقوف عليه، أو قلنا: إن الوقف يصبح ملكاً لله»([45]).

وعلى هذا الأساس فإن جميع تصرُّفات وأحكام حاكم الشرع في الموقوفات العامّة تكون من الأحكام الولائية، وهي تشمل بيع الوقف، وقبض الوقف،  وما إلى ذلك.

 

3ـ الحكم في أمور المحجور عليهم

قال العلاّمة الحلّي، في القواعد، [ما مضمونه]([46]): «إن للحاكم الإسلامي ومَنْ يثق بهم من عدول المؤمنين الولايةَ على المحجور؛ لصغرٍ أو جنونٍ أو إفلاسٍ ماليّ أو سَفَهٍ»([47]).

وعلى هذا الأساس فإن جميع أحكام الحاكم في هذه الموارد ـ حيث تنشأ من جهة كونه حاكماً ـ تعتبر من الأحكام الولائية.

4ـ الحكم بدفع نفقات اللقيط

تقع نفقة اللقيط على عاتق حاكم الشرع. ولا شَكَّ في هذه المسألة.

وفي ما يلي ننقل فتوى بعض الفقهاء، على سبيل المثال:

قال ابن حمزة، في الوسيلة: «إذا التقط حرّاً صغيراً رفع خبره إلى الحاكم؛ لينفق عليه»([48]).

لا شَكَّ في أن تصرُّفات وتعاليم الحاكم الشرعي في هذا الشأن تندرج ضمن الأحكام الولائية.

وقال القاضي ابن البرّاج، في كتاب المهذَّب: «إذا وجد لقيطاً فهو حُرّ، وجب على مَنْ وجده أن يرفع خبره إلى سلطان الإسلام؛ لينفق عليه من بيت المال»([49]).

5ـ الحكم بالعفو أو تعيين مقدار الجِزْية

يذهب الكثير من الفقهاء إلى القول بأن العفو أو تعيين مقدار الجِزْية أو نوعها من صلاحيات الإمام (الحاكم الإسلاميّ)([50]).

قال المحقِّق الحلّي: «في كمّية الجِزْية: ولا حَدَّ لها، بل تقديرها إلى الإمام (الحاكم الإسلامي)، بحَسَب الأصلح»([51]).

وعلى هذا الأساس فإن كلّ حكمٍ يصدر عن الحاكم الإسلامي بشأن العفو أو تعيين مقدار الجِزْية يندرج ضمن الأحكام الولائية.

6ـ الحكم بحبس المَدِين

لو امتنع المَدِين عن دفع الدَّيْن أمكن للحاكم الإسلامي أن يحكم بحبسه.

قال الشيخ الطوسي: «مَنْ وجب عليه الدَّيْن لا يجوز له مَطْله ودفعه مع قدرته على قضائه. فإنْ مطل ودفع كان على الحاكم حبسه وإلزامه الخروج ممّا وجب عليه»([52]).

7ـ الحكم بتقييم البضائع المحتَكَرة

على الرغم من اختلاف الفقهاء في هذه المسألة، إلاّ أن بعضهم أفتى بمشروعيّة ذلك، ومنهم: الشيخ المفيد؛ إذ قال في المقنعة: «للسلطان أن يكره المحتكِر على إخراج غلّته وبيعها في أسواق المسلمين، إذا كانت بالناس حاجةٌ ظاهرة إليها، وله أن يسعِّرها على ما يراه من المصلحة، ولا يسعِّرها بما يخسر أربابها فيها»([53]).

وقال صاحب الجواهر [ما مضمونه]([54]): «إن للسلطان أن يسعِّر البضاعة، إذا أجحف المالك»([55]).

وجاء في ولاية الفقيه: «يجوز للحاكم أن يُسعِّر البضاعة، إذا لم تكن القيمة متوازنةً مع عَرْض البضاعة»([56]).

8ـ الحكم بتحجير الأرض

إن من طرق امتلاك الأرض الميتة إحياءها. والتحجير في الفقه يكون سبباً في الأولويّة؛ فإذا قام شخصٌ بتحجير أرضٍ، ولم يعمل على إحيائها، تخيَّر الحاكم الإسلامي بين إجباره على إحيائها أو التخلّي عنها.

قال المحقِّق الحلّي، في الشرائع: «لو اقتصر على التحجير، وأهمل العمارة، أجبره الإمام على أحد أمرَيْن: إما الإحياء؛ وإما التخلية بينها وبين غيره. ولو امتنع أخرجها السلطان من يده؛ لئلاّ يعطِّلها»([57]).

وقال صاحب الجواهر في هذا الشأن: «بلاخلافٍ أجده بين مَنْ تعرَّض له، كالشيخ وابن حمزة والفاضلين والشهيدَيْن وغيرهم، على ما حُكِيَ عن بعضهم»([58]).

9ـ الحكم بدفع الضرائب

قال الشهيد الشيخ مرتضى مطهَّري: «لو اقتضَتْ المصلحة العامة فرض ضرائب تصاعدية، وحتّى (إذا) اقتضَتْ الضرورة تعديل الثروة الاجتماعية، ووضع الضرائب بحيث يُبقي ما مقداره 5% من مجموع الأرباح بيد المالك الأصلي، واستقطاع ما مقداره 95% منه، وجب العمل على طبق ذلك… وهذه كبرى كُلِّية. ولا يذهب الظنّ بكم إلى أن هناك مَنْ يشكّ في هذه الكبرى الكُلِّية؛ فليس هناك فقيهٌ يشكّ في هذه الكبرى الكُلِّية؛ حيث يجب رفع اليد عن المصلحة الصغيرة من أجل الحفاظ على مصلحةٍ إسلاميّة أكبر»([59]).

10ـ تحديد المِلْكيّة

قال الشهيد الشيخ مرتضى مطهَّري في هذا الشأن: «لو اقتضَتْ مصلحة المجتمع الإسلامي تجريد المالك من مِلْكيّته بالكامل، ورأى (الحاكم الإسلامي) أن المِلْكيّة بهذا الشكل تمثِّل غدّةً سرطانيّة، أمكنه فعل ذلك، إنْ توقَّفَتْ المصلحة الأكبر عليه»([60]).

وقال الإمام الخميني، في حشدٍ من الطلاب الجامعيين من محافظة إصفهان: «على الرغم من احترام الشارع المقدَّس للمِلْكيّة، إلاّ أن وليّ الأمر يمكنه نقض هذه المِلْكيّة المحدودة، إنْ وَجَدَها على خلاف مصلحة الإسلام والمسلمين، وأن يعمل على مصادرة مقدارٍ معيَّنٍ منها،  بحكم الفقيه»([61]).

ج ـ نماذج من الأحكام الولائيّة الجزائيّة

كما سبق أن ذكرنا فإن جميع التعزيرات التي تصدر في عصر الغَيْبة تدخل ضمن الأحكام الولائيّة؛ لأن موضوعها هو المصلحة التي يراها الحاكم الإسلامي.

وهي موارد كثيرةٌ، نعرض عن ذكرها.

وفي فقه غير هذه الموارد هناك أحكامٌ ولائيّة أخرى، ومن بينها ما يلي:

1ـ الحكم في أسرى الحرب

قال الفقهاء: إن أمر أسرى الحرب في عصر الغَيْبة إلى الحاكم الإسلامي. ومن بينهم: الشيخ الطوسي، حيث قال: «كلُّ أسيرٍ أُخذ بعد أن وضعَتْ الحرب أوزارها، فإنه يكون الإمام (الحاكم الإسلامي) فيه مخيَّراً: إنْ شاء مَنَّ عليه فأطلقه، وإنْ شاء استعبده، وإنْ شاء فاداه»([62]).

وقال القاضي ابن البرّاج: «الأسارى على ضربين: أحدهما: ما يجوز استبقاؤه؛ والآخر: لا يُستبقى. فالذي يجوز استبقاؤه كلُّ أسيرٍ أُخذ بعد تقضّي الحرب والفراغ منها؛ والذي لا يستبقى هو كلُّ أسيرٍ أُخذ قبل تقضّي الحرب والفراغ منها. والضرب الأوّل يكون الإمام ومَنْ نصبه الإمام مخيَّراً فيهم؛ إنْ شاء قتلهم، وإنْ شاء فاداهم، وإنْ شاء مَنَّ عليهم، وإنْ شاء استرقَّهم. ويفعل في ذلك ما يراه صلاحاً في التدبير والنفع للمسلمين»([63]).

وقال العلاّمة الحلّي: «إنْ أُخذوا [الأسرى] بعد انقضاء الحرب حرم قتلهم، ويتخيَّر الإمام (الحاكم الإسلامي) بين المنّ والفداء والاسترقاق»([64]).

ويتبيَّن من هذه الأقوال بوضوحٍ أن أمر الأسرى في الحرب إلى الحاكم الإسلامي، وأن أحكام وأوامر الحاكم الإسلامي إنما تكون نافذةً في هذا الشأن من جهة الحكم الولائي؛ لأنه يعمل في ذلك على أساس المصلحة التي يراها.

2ـ إجراء الحدود

هناك من الفقهاء مَنْ ذهب إلى القول بعدم مشروعيّة تطبيق الحدود في عصر الغَيْبة؛ وفي المقابل ذهب أغلب الفقهاء إلى القول بأن تطبيق الحدود في عصر الغَيْبة ليس مشروعاً فحَسْب، بل هو واجبٌ أيضاً، ومن بينهم: الشيخ المفيد؛ إذ يقول: «فأما إقامة الحدود فهو إلى سلطان الإسلام المنصوب من قِبَل الله تعالى، وهم أئمّة الهدى من آل محمد|، ومَنْ نصبوه لذلك من الأمراء والحكّام، وقد فوَّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم، مع الإمكان»([65]).

وقال القاضي ابن البرّاج: «وليس يقيم الحدود إلاّ الأئمّة^، أو مَنْ ينصبونه لذلك، أو يأمرونه به»([66]).

وقال أبو الصلاح الحلبي: «إذا أراد وليّ الحدّ إقامته فليُقِمْه بمحضرٍ من جماعة أهل المصر من المسلمين»([67]).

ويتّضح من نقل هذه الأقوال وغيرها أن تطبيق الحدود في عصر الغَيْبة أمرٌ متَّفق عليه من قِبَل الكثير من الفقهاء المتقدِّمين. ولا شَكَّ في أن تطبيقها هو من الحكم الولائي؛ إذ ما لم تكن هناك حكومةٌ، ولم يكن الفقيه مبسوط اليد، لا يمكن تطبيق الحدود، وعند إقامة الحكومة يكون تشخيص وتطبيق وبيان كيفية الحدود على عاتق الحاكم الإسلاميّ.

د ـ نماذج من الأحكام الولائيّة الأسَريّة

1ـ الحكم بصحّة نكاح غير الرشيد

الحاكم الإسلاميّ هو ممَّنْ لهم الولاية على نكاح الأشخاص. ولا شَكَّ في هذه المسألة. غاية ما هنالك أن الاختلاف يكمن في مساحة هذه الولاية؛ فهناك مَنْ وسَّعَ هذه المساحة؛ وهناك مَنْ ضيَّقها وحصرها في موارد خاصّة. ومن هؤلاء: المحقِّق الحلّي، حيث قال: «ليس للحاكم ولاية في النكاح على مَنْ لم يبلغ، ولا على بالغٍ رشيد. وتثبت ولايته على مَنْ بلغ غير رشيدٍ»([68]).

وقال صاحب الجواهر في هذا الشأن: «تثبت ولايته (الحاكم الإسلاميّ) على مَنْ بلغ غير رشيدٍ…؛ بلا خلافٍ أجده فيه، بل الظاهر كونه مجمعاً عليه؛ لأنه [أي الحاكم] وليُّ مَنْ لا وليَّ له»([69]).

وقال المحقِّق الكركي: «ولاية الحاكم تختصّ في النكاح على البالغ فاسد العقل»([70]).

2ـ حكم تحديد النسل

قال السيّد الخميني، في الجواب عن حكم تحديد النسل: «إن تحديد ذلك إلى الحكومة، وما تتَّخذه من القرارات في هذا الشأن»([71]).

وعليه لو أن الحاكم الإسلامي رأى أن تحديد النسل من مصلحة المجتمع الإسلاميّ فإنه يُصدر الحكم الولائي في هذا الشأن، ويجب على الجميع اتّباعه في ذلك.

3ـ الحكم بالطلاق

إن من بين الأحكام الولائيّة التي تعود بجذورها إلى تشخيص المصلحة من قِبَل الحاكم الإسلاميّ طلاق المرأة التي يمتنع زوجها من الإنفاق عليها، ولا يطلِّقها.

قال الشيخ الطوسي في هذا الشأن: «إنْ كان موسراً بالنفقة، فمنعها مع القدرة، كلَّفه الحاكم الإنفاق عليها، فإنْ لم يفعل أجبره على ذلك، فإنْ أبى حبسه أبداً…»([72]).

وقال الشيخ حسين الحلّي: «لو لم يقُمْ [الزوج] بحقوق زوجته، وأمره الحاكم الشرعي بالقيام بتلك الحقوق، فامتنع عن ذلك، ولم يتمكَّن الحاكم الشرعي من إجباره…، ينفتح بهذا باب الطلاق الإجباريّ، ويكون الأمر دائراً بين اثنين: إما أن يجبره الحاكم الشرعي على الطلاق؛ ليُخلي سبيل الزوجة؛ أو يتولّى الحاكم الشرعي بنفسه ذلك، ويجري الطلاق جَبْراً عليه لو امتنع»([73]).

وقال الشهيد الشيخ مرتضى مطهَّري في هذا الشأن: «صحيح أن الإسلام لم يعْطِ حقَّ الطلاق للمرأة ـ وهذا قائمٌ على أساسٍ منطقيّ عجيب ـ، ولكنْ هناك موارد يُطْلَق عليها مصطلح الطلاق القضائيّ، بمعنى أن الزواج لو أصبح بحيث يخلو من المصلحة الأُسَريّة، وأصرّ الزوج على عدم الطلاق، يمكن للحاكم الشرعيّ أن يطلِّق الزوجة»([74]).

وقال السيد اليزدي في هذا الشأن: «في المفقود الذي لم يعلم خبره، وأنه حيٌّ أو ميتٌ…؛ وكذا المفقود المعلوم حياته، مع عدم تمكُّن زوجته من الصبر؛ بل وفي غير المفقود، ممَّن علم أنه محبوس في مكانٍ لا يمكن مجيئه أبداً؛ وكذا في الحاضر المُعْسِر الذي لا يتمكَّن من الإنفاق، مع عدم صبر زوجته على هذه الحالة، ففي جميع هذه الصور وأشباهها، وإنْ كان ظاهر كلماتهم عدم جواز فكّها وطلاقها للحاكم…، إلاّ أنه يمكن أن يُقال بجوازه»([75]).

ويتّضح من هذه العبارة وغيرها أن حكم الحاكم في بعض الموارد الخاصّة من الأحكام الولائية.

هـ ـ نماذج من الأحكام الولائيّة السياسيّة

على مدى تاريخ الفقه الشيعي لم يكن الحكم بيد الفقهاء بشكلٍ كامل، ولكنّهم كانوا يرَوْن من الواجب عليهم التدخُّل في السياسة أحياناً، وأن يصدروا الأحكام السياسيّة المنبثقة من جهة تصدّيهم لمنصب الحاكم الشرعيّ، ويتنكَّرون في ذلك لبدعة «فصل الدين عن السياسة». وهذه الأحكام كثيرةٌ في تاريخ الفقهاء الطويل. وفي ما يلي نشير إلى نماذج من هذه الأحكام:

1ـ الحكم بوجوب الدفاع عن المشروطة (المَلَكيّة الدستوريّة)

لقد عمد كلٌّ من: الآخوند الخراساني؛ والخليلي؛ والمازندراني، إلى إرسال رسالةٍ إلى الشاه محمد علي [القاجاري] ـ وذلك قبل يومين من قصف البرلمان بالمدفعيّة ـ، وطالبوه ببعض الأمور، ومن بينها الفقرة التالية: «…لا شَكَّ في أن حفظ الدين الحنيف واستقلال الدولة الاثني عشريّة ـ شيَّد الله تعالى أركانها ـ رَهْنٌ بعدم تجاوز قوانين المشروطة، وإن الالتزام بذلك واجبٌ على عموم المسلمين قاطبةً، ولا سيَّما شخص صاحب الجلالة الملك المعظم»([76]).

2ـ تحريم القماش والثياب الأجنبيّة

يقول السيد محمد كاظم اليزدي: «يجدر بعموم المؤمنين وكافّة المتدينين ـ بجميع فئاتهم وطبقاتهم ـ أن يعمل كلُّ واحدٍ منهم ما أمكنه في تشييد هذا الأمر والتأسيس له، وأن يبذل جهده وسَعْيه وهمّته في تجنُّب الألبسة والأقمشة الأجنبيّة، بل يجدر بهم تجنُّب جميع حركات وسَكَنات وكيفيّة وطريقة الكفّار في الملبس والمأكل والمشرب والكلام والسلوك وما إلى ذلك»([77]).

3ـ حكم الجهاد ضدّ إيطاليا وروسيا وإنجلترا

قال السيد محمد كاظم اليزدي، في مواجهة العدوان على إيران وليبيا من هذه الدول: «في المرحلة الراهنة؛ حيث قامت الدول الأوروبية، مثل: إيطاليا في هجومها على طرابلس الغربيّة [ليبيا]، ومن ناحيةٍ أخرى الروس؛ حيث احتلّوا بقواتهم شمال إيران، والإنجليز؛ حيث أنزلوا قواتهم في جنوب إيران، الأمر الذي شكَّل تهديداً للإسلام، فيجب على كافّة المسلمين من العرب والإيرانيين أن يُعِدّوا أنفسهم لدَحْر الكفّار من البلدان الإسلامية…؛ لأن هذا من أهمّ الفرائض الإسلامية»([78]).

 

4ـ حكم الجهاد والنفير العام ضدّ الإنجليز

قال السيد عبد الحسين اللاري، في الحرب العالمية الأولى، حيث أنزلت القوات الإنجليزية جنودها في مدينة بوشهر، وعمدوا إلى احتلال المنطقة عسكريّاً: «إن الواجب العينيّ فوريٌّ… إن الجهاد والدفاع واجبٌ، وكلُّ مَنْ يتخلَّف أو يتقاعس عن الالتحاق بهذا الجيش، وعن هذا الجهاد الأكبر والنهي عن المنكر، فكأنَّما تخلَّف عن جيش أسامة وصاحب العصر والزمان»([79]).

5ـ حكم الاعتراض على السفور ونزع الحجاب

عندما سمع الحاج الآغا حسين القمّي بالدستور المَلَكيّ الصادر عن رضا خان في خلع الحجاب صرَّح قائلاً: «لو قضى عشرة آلاف شخص ـ وأنا واحدٌ منهم ـ قتلاً؛ من أجل الوقوف بوجه هذا الأمر، جاز ذلك»([80]).

6ـ فتوى تأميم النفط

قال السيد محمد تقي الخوانساري في هذا الشأن: «…لو تمّ رفض هذا الحكم كان ذلك رفضاً لكلام رسول الله، وعليه لا يبقى هناك عذرٌ لأحدٍ، ولا سيَّما أن شخصاً مثل: سماحة آية الله الكاشاني ـ دامت بركاته ـ، وهو من المجتهدين العدول، بالإضافة إلى اتّصافه بالشجاعة والإخلاص والتضحية في ما يتعلَّق بمصالح الناس في الدين والدنيا، قد بذل كلّ ما بوسعه من أجل توعية الناس واستنهاض هِمَمهم، وعليه لا يبقى هناك عذرٌ لأيّ شخصٍ في ذلك»([81]).

7ـ الحكم بكفر الحزب الشيوعيّ

قال السيد محسن الحكيم في هذا الشأن: «لا يجوز الانتماء إلى الحزب الشيوعيّ، فإن ذلك كفرٌ وإلحادٌ، أو ترويجٌ للكفر»([82]).

8ـ تحريم الانتخابات في العراق

بعد فشل الإنجليز في العراق اتّخذوا قراراً بترشيح فيصل؛ كي يعقدوا معه عَقْداً يبسطون من خلاله سيطرتهم على العراق. ولذلك قام الكثير من الفقهاء والمجتهدين بالدعوة إلى مقاطعة هذه الانتخابات، وتحريم المشاركة فيها، وصدر الحكم بإبعادهم ونَفْيهم من العراق إلى إيران، ومن بينهم: الخالصي؛ والإصفهاني. وقال الشيخ النائيني في هذا الشأن: «لقد قُمْنا بتحريم الانتخابات، ودعَوْنا الشعب العراقي إلى مقاطعتها. وإن الذي يشارك في الانتخابات، أو يُقَدِّم أيَّ دعمٍ لها، يكون منتهكاً لأمر الله ورسوله وأوليائه»([83]).

9ـ تحريم البضائع الأجنبية

عندما راجع التجّار المسلمون المراجع في عصرهم، واشتكوا من استيراد البضائع الأجنبيّة، ولا سيَّما الثياب منها، بادر كبار الفقهاء، من أمثال: السيد إسماعيل الصدر، والحاج الميرزا الحسيني، والحاج الميرزا خليل، والسيد محمد كاظم الطباطبائي، والحاج الميرزا محمد الغروي الشربياني، والحاج الشيخ محمد حسن المقامي، والحاج الميرزا حسين النوري، والميرزا فتح الله الشيرازي، المعروف بـ «شريعت الإصفهاني»، إلى الإعلان عن مخالفتهم لاستيراد هذه البضائع. وفي ذلك قال الآخوند الخراساني: «يجب على جميع المواطنين والمسلمين قاطبةً، وجوباً مؤكَّداً…، أن يتأسّوا ويتبعوا، وأن يخلعوا ثياب الذلّ، وأن يرتدوا بَدَلاً منها ثياب العزّة الإسلامية والإلهية، وأن يُدخلوا السعادة بذلك على قلب صاحب الشريعة»([84]).

10ـ الفتوى بحرمة استعمال التبغ والتنباك [ثورة التنباك]

وهي الثورة المعروفة؛ إذ أفتى الميرزا الشيرازي بحرمة التنباك والتبغ، قائلاً: «يُعَدّ استعمال التبغ والتنباك ـ بأيّ نحوٍ من الأنحاء ـ في حكم محاربة إمام العصر صلوات الله وسلامه عليه»([85]).

11ـ أحكامٌ كثيرة للإمام الخميني

إن الأحكام الولائية التي أصدرها الإمام الخميني ـ سواءٌ منها تلك التي صدرت قبل انتصار الثورة الإسلامية المباركة أو تلك التي صدرت بعد انتصار الثورة ـ من الكثرة بحيث لا نستطيع استيعابها في هذه المقالة بأجمعها، ولكنْ يمكن لنا أن نذكر بعض هذه الأحكام الولائيّة التي تحظى بأهمّيةٍ كبيرة، ومنها:

1ـ الحكم بتشكيل شورى الثورة: أصدر الإمام الخميني، بتاريخ: 22 / 10 / 1357هـ.ش، بياناً خاطب فيه الشعب الإيراني، قائلاً: «بموجب الحقّ الشرعيّ، وعلى أساس الثقة الممنوحة لي من قِبَل الأغلبية الساحقة للشعب الإيراني، قُمْنا ـ من أجل تحقيق الأهداف الإسلامية ـ بتأسيس شورى مؤقَّتة باسم شورى الثورة الإسلامية، تتألَّف من الأفراد الصالحين والمسلمين والمخلصين الثقات»([86]).

2ـ حكم مدّعي عامّ الثورة: أصدر الإمام، بتاريخ: 9 / 12 / 1357هـ.ش، حكماً خاطب فيه الشيخ مهدي هادوي، قائلاً: «تمّ تنصيب سماحتك بموجب هذا الحكم في منصب المدّعي العامّ في محكمة ثورة الجمهوريّة الإسلامية»([87]).

3ـ الحكم بمصادرة أموال أسرة البهلوي: حيث قال الإمام الخميني، بتاريخ: 9 / 12 / 1357هـ.ش: «تتولّى شورى الثورة الإسلامية بموجب هذا الحكم مهمّة مصادرة جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة لسلالة البهلوي، وفروعها، وعمّالها، والمنتسبين إلى هذه السلالة، التي اختلسوها من بيت مال المسلمين طوال فترة حكمهم بشكلٍ غير مشروع، والعمل على إنفاقها لمصلحة المحتاجين والعمّال والموظَّفين من ذوي الدَّخْل المحدود، وإيداع [الأموال] المنقولة في المصارف برقمٍ باسم شورى الثورة…»([88]).

4ـ الحكم إلى أمير الحاجّ: أصدر الإمام الخميني، بتاريخ: 2 / 12 / 1357هـ.ش، حكماً خاطب فيه الحاج الشيخ محيي الدين الأنواري والحاج الشيخ فضل الله المحلاتي، قائلاً: «حيث نعيش أيّام إقامة أحد أكبر الفرائض الإسلامية فقد عيّنتكما في منصب إدارة حجّاج بيت الله الحرام»([89]).

5ـ حكم العفو: خاطب الإمام المدّعي العام في محكمة الثورة، بتاريخ: 18 / 8 / 1358هـ.ش، قائلاً: «بمناسبة حلول عيد الغدير السعيد ـ الذي هو مبدأ تنصيب الإمامة ـ يتمّ إصدار عفوٍ عامّ بحقّ أولئك الذين حكمت عليهم محاكم الثورة بالسجن لأقلّ من سنتين»([90]).

6ـ الحكم بتأسيس لجنةٍ بشأن التعزيرات: قال الإمام الخميني في جواب رئيس لجنة الشؤون القضائية والحقوقية في المجلس، بتاريخ: 28 / 8 / 1364هـ.ش: «في الوقت الراهن، حيث الأكثرية الكبيرة من المتصدّين لأمر القضاء لا تتوفَّر فيهم الشرائط الشرعيّة للقضاء، وإنما أجيزوا من باب الضرورة، لا يحقّ لهم تعيين حدود التعزير دون إذنٍ من الفقيه الجامع للشرائط. وعليه يجب تعيين لجنةٍ… تعمل على تعيين حدود التعزيرات، حيث يُؤذَن لهم في هذا الإطار، ولا يحقّ لهم تجاوز ذلك. وهذا بطبيعة الحال أمرٌ مؤقَّت، وعلى نحو الاضطرار، حتّى يتمّ ـ إنْ شاء الله ـ تعيين القضاة الجامعين للشرائط»([91]).

7ـ الحكم بشأن تشكيل مجمع تشخيص مصلحة النظام: بتاريخ: 7 / 11 / 1366هـ.ش توجَّه الإمام الخميني بالخطاب إلى المسؤولين في الدولة، قائلاً: «…رعايةً لغاية الاحتياط، لو لم يحصل التوافق بين مجلس الشورى الإسلامي وشورى الصيانة، على المستوى الشرعيّ والقانونيّ، فقد تمّ تشكيل مجمع مؤلَّف من…؛ من أجل تشخيص مصلحة النظام الإسلاميّ»([92]).

لقد ذكر الإمام في هذا الجواب ما يزيد على العشرين حكماً ولائياً، نذكرها في ما يلي؛ بالنظر إلى أهمّيتها:

1ـ شقّ الطرقات في أملاك الآخرين.

2ـ قانون الخدمة العسكريّة.

3ـ الإرسال الإجباريّ إلى جبهات القتال.

4ـ الحيلولة دون خروج ودخول العملة الصعبة.

5ـ الحيلولة دون خروج ودخول بعض البضائع.

6ـ المنع من احتكار جميع البضائع.

7ـ الإجراءات الجمركيّة.

8ـ فرض الضرائب.

9ـ المنع من ارتفاع الأسعار.

10ـ فرض الأسعار على البضائع.

11ـ الحيلولة دون توزيع المخدِّرات ومحاربة الإدمان.

12ـ حظر حمل الأسلحة بجميع أنواعها.

13ـ إزالة المسجد من الطريق.

14ـ إزالة الأبنية والمنازل الواقعة في الطرقات.

15ـ تعطيل المساجد.

16ـ إزالة المساجد التي يثبت أنها مساجدُ ضرارٍ.

17ـ إلغاء العقود المُبْرَمة مع الناس من طَرَفٍ واحد.

18ـ المنع من أيّ أمرٍ عباديّ وغير عباديّ يخالف مصلحة الإسلام.

19ـ المنع من الحجّ بشكلٍ مؤقَّت.

20ـ إلغاء المزارعة.

21ـ إلغاء المضاربة.

ما تقدَّم كان نماذج من الأحكام الولائيّة لرسول الله| والأئمّة الطاهرين^ والفقهاء العظام، في الأمور العبادية والاقتصادية والجزائية والأُسَرية والسياسية. وفيما لو دقَّقنا النظر في الروايات وسيرة الأئمّة^ وتاريخ حياتهم وكتب الفقهاء فسوف نجد أضعافاً مضاعفة من الأحكام الولائية.

إن هذا الأمر يثبت هذه الحقيقة، وهي أن تركيبة الدين الإسلامي ـ ولا سيَّما المذهب الشيعي الاثني عشري الحقّ ـ قد تمّ التأسيس لها من قِبَل الله سبحانه وتعالى، بحيث تكون من دون الحكم ناقصةً؛ إذ إن الكثير من قوانينه ممزوجةٌ بالولاية والحكومة، وإذا لم يتمّ التأسيس للحكومة الإسلامية يستحيل تطبيق هذه التعاليم السماوية، التي تهدف إلى بناء الإنسان. ومن هنا كانت مسؤولية ورسالة حَمَلة الإسلام ـ ولا سيَّما الفقهاء، الذين ينفقون أعمارهم في الاجتهاد واستنباط قوانين الإسلام ـ تجاه الحفاظ على الجمهورية الإسلامية، وصيانة قِيَمها، والمقاومة والصحوة في مواجهة الانحرافات، أكبر.

خاتمةٌ

وفي الختام من المناسب أن نجعل مسك الختام لهذا البحث نقل آراء عددٍ من كبار العلماء في هذه المسألة، وهي صلاحية جعل القوانين في عصر الغَيْبة على عاتق وليّ الأمر في الجملة، على النحو التالي:

1ـ  قال الشهيد مرتضى مطهَّري، في الجواب عن السؤال القائل: هل يحقّ لغير الله أن يسنّ القوانين أم لا؟: «يجب حلّ موضوعين في هذا البحث، وهما: أوّلاً: مسألة وضع القانون، وهل يحق لغير الله أن يضع القوانين أم لا؟ وقد ذكرنا أنكم إذا كنتم تقصدون بذلك حقّ الوضع في مقابل القوانين الإلهية فالجواب هو: كلاّ؛ وإنْ كنتم تقصدون وضع القوانين ـ بالاستفادة من الحقّ الذي فرضه القانون الإلهيّ من وضع القوانين في الأمور الجزئيّة ـ فليس هناك ما يمنع من ذلك»([93]).

2ـ وقال السيد الشهيد الصدر: «إن المذهب الاقتصادي في الإسلام يشتمل على جانبين: أحدهما: قد مُلئ من قِبَل الإسلام بصورةٍ منجزة، لا تقبل التغيير والتبديل؛ والآخر: يشكِّل منطقة الفراغ في المذهب، قد ترك الإسلام مهمّة مَلْئها إلى الدولة أو وليّ الأمر، يملؤها وفقاً لمتطلّبات الأهداف العامّة للاقتصاد الإسلامي ومقتضياتها في كلّ زمان»([94]).

وقال في موضعٍ آخر: «إن تقويم المذهب الاقتصادي في الإسلام لا يمكن أن يتمّ بدون إدراج منطقة الفراغ ضمن البحث، وتقدير إمكانات هذا الفراغ، ومدى ما يمكن أن تساهم عملية ملئه مع المنطقة التي مُلئت من قِبَل الشريعة ابتداءً في تحقيق أهداف الاقتصاد الإسلامي»([95]).

3ـ وقال العلاّمة الطباطبائي: «القرارات التي تصدر من منصب الولاية، ويتمّ وضعها وتطبيقها بحَسَب مصلحة العصر، وكما اتّضح فإن هذا النوع من القرارات في بقائه وزواله رَهْنٌ بمقتضيات وموجبات المرحلة»([96]).

4ـ وقال السيد كاظم الحائري: «إن الإسلام قسَّم الأمور التي تدخل في مصلحة البشر إلى قسمين، وهما:

أـ القسم الثابت: إن هذا القسم يشمل القرارات والقوانين الثابتة من الشريعة الإلهيّة، والتي لا يحقّ حتّى لوليّ الأمر مخالفتها.

ب ـ القسم المتغيِّر: وهو يشتمل على القوانين التي تتغيَّر بحَسَب الظروف الزمانية والمكانية والبيئية. وقد ترك الإسلام ما يندرج تحت هذا القسم لوليّ الأمر؛ كي يعمل على تغييره وفقاً للشرائط والمقتضيات، آخذاً بنظر الاعتبار مصالح المجتمع في إطار المباحات»([97]).

5ـ وقال السيد محمود الهاشمي، بشأن دَوْر الفقيه في عملية التقنين والتشريع: «إن الدَّوْر الثاني للفقيه عبارة عن مَلْء منطقة الفراغ، من جهة أن الفقيه هو وليّ الأمر (لا من جهة كونه مجتهداً)، طبقاً للرؤية السياسية التي يتبنّاها عددٌ كبير من الفقهاء، بمعنى ثبوت الولاية الصغرى في عصر الغَيْبة للفقهاء العدول الأتقياء»([98]).

6ـ وقال الشيخ محمد مؤمن القمّي: «حيث تقع مسؤولية إدارة شؤون الدولة الإسلاميّة ورعاية مصالح المسلمين على عاتق وليّ الأمر، لذلك فإن رعاية مصالح الأمة والحفاظ على حقوق الأفراد يقتضي في بعض الأحيان أن تتمّ إدارة البلاد من خلال وضع القوانين، التي قد تؤدّي أحياناً إلى التضييق على حقوق المواطنين، وتمنعهم من القيام بأعمالهم»([99]).

الهوامش

(*) أستاذٌ في الحوزة العلميّة في قم، وأستاذٌ مساعِدٌ ومدير قسم الفقه والأصول في جامعة المصطفى| العالميّة في إيران.

([1]) انظر: علي أكبر دهخدا، لغت نامه 41: 121، مفردة قانون. (مصدر فارسي).

([2]) شرح المطالع وحاشية الملاّ عبد الله في مبحث تعريف المنطق.

([3]) تاج العروس، كلمة القانون.

([4]) المعجم الوسيط، كلمة القانون.

([5]) انظر: برهان قاطع؛ فرهنگ نفيسي؛ لغت نامه؛ المعجم الوسيط، مادة كلمة (قانون). (مصدر فارسي).

([6]) المعجم الوسيط: 763؛ فرهنگ معين 2: 2627.

([7]) انظر: محمد جعفر الجعفري، ترمينولوژي حقوق (المصطلحات الحقوقية): 83، طبعة مكتبة گنج ودانش. (مصدر فارسي).

([8]) السيد أبو القاسم الخوئي، التنقيح في شرح العروة الوثقى 1: 424، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث.

([9]) الشيخ جعفر السبحاني، معالم الحكومة: 301، مكتبة الإمام أمير المؤمنين×، إصفهان.

([10]) الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، أنوار الفقاهة 1: 553، منشورات مدرسة الإمام أمير المؤمنين×.

([11]) الإمام روح الله الخميني، صحيفه نور (صحيفة النور) 20: 170. (مصدر فارسي).

([12]) انظر: السيد محمد حسين الطباطبائي، بحثي درباره مرجعيت وروحانيت، مقاله ولايت وزعامت (بحث حول المرجعية والمؤسسة الدينية، مقالة الولاية والزعامة): 84، شركة سهامي انتشار. (مصدر فارسي).

([13]) انظر: الشيخ مرتضى مطهَّري، إسلام ومقتضيات زمان (الإسلام ومتطلّبات العصر) 2: 77. (مصدر فارسي).

([14]) السيد الشهيد محمد باقر الصدر، اقتصادنا 2: 362، دار الفكر.

([15]) الشيخ الطوسي، النهاية في مجرّد الفقه والفتاوي 2: 577، طبعة جامعة طهران.

([16]) السيد أبو الحسن الإصفهاني، وسيلة النجاة 2: 251، دار التعارف للمطبوعات.

([17]) السيد محسن الحكيم، منهاج الصالحين 2: 58، المسألة رقم 63، دار التعارف للمطبوعات.

([18]) السيد محمد كاظم اليزدي، العروة الوثقى 2: 122، المكتبة العلمية الإسلامية.

([19]) محمد بن يعقوب الكليني، أصول الكافي 1: 267، باب التفويض، ح5، دار الكتب الإسلامية.

([20]) المصدر السابق 9: 268.

([21]) أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفّار، بصائر الدرجات 8: 382، الباب الرابع (باب التفويض إلى رسول الله)، ح16.

([22]) الشيخ الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 2: 79، دار الكتب الإسلامية.

([23]) لم نعثر على النصّ في موضع الإحالة. المعرّب.

([24]) محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 16: 359.

([25]) لم نعثر على النصّ في موضع الإحالة. المعرّب.

([26]) السيد محمد كاظم اليزدي، العروة الوثقى مع تعليقاتها 7: 231، طبعة الدار الإسلامية.

([27]) الشيخ الطوسي، الجمل والعقود (سلسلة الينابيع الفقهية) 7: 231، طبعة الدار الإسلامية.

([28]) لم نعثر على النصّ في موضع الإحالة. المعرّب.

([29]) ابن إدريس، كتاب السرائر 1: 585.

([30]) المحقِّق الحلّي،  المختصر النافع (سلسلة الينابيع الفقهية) 8: 671.

([31]) الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 19: 700.

([32]) الشيخ الأنصاري، كتاب الزكاة: 512.

([33]) لم نعثر على النصّ في موضع الإحالة. المعرّب.

([34]) الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 21: 14.

([35]) منهاج الصالحين 1: 366، نشر مدينة العلم.

([36]) دراسات في ولاية الفقيه 1: 118، المركز العالمي للدراسات الإسلامية.

([37]) الشيخ الطوسي، النهاية في مجرّد الفقه والفتاوي 1: 302، طبعة جامعة طهران.

([38]) ابن البرّاج، المهذَّب 1: 341، مؤسّسة النشر الإسلامي.

([39]) الإمام روح الله الخميني، صحيفه نور (صحيفة النور) 2: 171. (مصدر فارسي).

([40]) الحجّ (مجموع كلمات ونداءات الإمام الخميني): 177، مركز تحقيقات وانتشارات الحجّ. (مصدر فارسي).

([41]) انظر: الشيخ المفيد، المقنعة.

([42]) المحقِّق الحلّي، شرائع الإسلام 2: 21، منشورات الأعلمي، طهران.

([43]) الشيخ الصدوق، التوحيد: 388، دار المعرفة.

([44]) لم نعثر على النصّ في موضع الإحالة. المعرّب.

([45]) السيد محمد كاظم اليزدي، ملحقات العروة الوثقى 1: 227، المسألة 2، مكتبة الداوري.

([46]) لم نعثر على النصّ في موضع الإحالة. المعرّب.

([47]) العلاّمة الحلّي، مفتاح الكرامة 4: 213.

([48]) ابن حمزة، الوسيلة: 277، منشورات مكتبة المرعشي النجفي.

([49]) ابن البرّاج، المهذَّب 2: 569، مؤسّسة النشر الإسلامي.

([50]) انظر: الشيخ الطوسي، المبسوط 2: 38، منشورات الأعلمي.

([51]) المحقِّق الحلّي، شرائع الإسلام 1: 328، منشورات الأعلمي.

([52]) الشيخ الطوسي، النهاية في مجرّد الفقه والفتاوي 1: 308، طبعة جامعة طهران.

([53]) الشيخ المفيد، المقنعة: 616.

([54]) لم نعثر على النصّ في موضع الإحالة. المعرّب.

([55]) الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 22: 484.

([56]) دراسات في ولاية الفقيه 1: 118، المركز العالمي للدراسات الإسلامية.

([57]) المحقِّق الحلّي، شرائع الإسلام 3: 275.

([58]) الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 38: 59.

([59]) الشيخ مرتضى مطهَّري، إسلام ومقتضيات زمان (الإسلام ومتطلّبات العصر) 2: 86. (مصدر فارسي).

([60]) المصدر نفسه.

([61]) الإمام روح الله الخميني، صحيفه نور (صحيفة النور) 10: 138. (مصدر فارسي).

([62]) الشيخ الطوسي، النهاية في مجرّد الفقه والفتاوي 1: 298.

([63]) القاضي ابن البرّاج، المهذَّب 1: 216.

([64]) العلاّمة الحلّي، قواعد الأحكام 1: 104، كتاب الجهاد، منشورات الشريف الرضي.

([65]) الشيخ المفيد، المقنعة: 81، مؤسّسة النشر الإسلامي.

([66]) ابن البرّاج، المهذَّب 2: 518، مؤسّسة النشر الإسلامي.

([67]) أبو الصلاح الحلبي، الكافي في الفقه: 406، منشورات مكتبة أمير المؤمنين×.

([68]) المحقِّق الحلّي، شرائع الإسلام 2: 276.

([69]) الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 29: 189.

([70]) المحقِّق الكركي، جامع المقاصد 12: 96، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث.

([71]) الإمام روح الله الخميني، صحيفه نور (صحيفة النور) 4: 39. (مصدر فارسي).

([72]) الشيخ الطوسي، المبسوط 6: 31.

([73]) الشيخ حسين الحلّي، بحوث فقهية: 210، مؤسّسة المنار.

([74]) الشيخ مرتضى مطهَّري، إسلام ومقتضيات زمان (الإسلام ومتطلّبات العصر) 2: 59. (مصدر فارسي).

([75]) السيد اليزدي، ملحقات العروة الوثقى 1: 75، المسألة 33.

([76]) أحمد كسروي، تاريخ مشروطه إيران (تاريخ الحركة الدستورية في إيران) 2: 617، انتشارات أمير كبير. (مصدر فارسي).

([77]) رضا أستادي، ده فتواي مذهبي وسياسي (عشر فتاوى دينية وسياسية)، مجلة نور علم، العدد 5: 18، الدورة الثانية. (مصدر فارسي).

([78]) علي دواني، نهضت روحانيون إيران (ثورة علماء الدين في إيران) 1: 209. (مصدر فارسي).

([79]) مجلة نور علم، العدد 6، الدَّوْرة الثالثة. (مصدر فارسي).

([80]) المصدر السابق، العدد 1: 84.

([81]) روحانيت وملّي شدن صنعت نفط (علماء الدين وتأميم النفط): 56. (مصدر فارسي).

([82]) موسوعة الموسم (الشيعة والشيوعية، مساجلات في الدين والماركسية / القسم الأوّل)، العدد 89: 101، تصدر في هولندا، صاحبها ورئيس تحريرها: محمد سعيد الطريحي، السنة 23، 2011.

([83]) تشيُّع ومشروطيت در إيران (التشيُّع والدستورية المَلَكيّة في إيران): 174. (مصدر فارسي).

([84]) مجلة نور علم، العدد 5: 21، الدَّوْرة الثانية.

([85]) إبراهيم تيموري، تحريم تنباكو، أوّلين مقاومت منفي در إيران (حرمة التنباك، المقاومة السلبية الأولى في إيران). (مصدر فارسي).

([86]) الإمام روح الله الخميني، صحيفه نور (صحيفة النور) 4: 207، مركز مدارك فرهنگي انقلاب إسلامي. (مصدر فارسي).

([87]) المصدر السابق 5: 27.

([88]) المصدر السابق 5: 123.

([89]) المصدر السابق 5: 124.

([90]) المصدر السابق 8: 253.

([91]) المصدر السابق 9: 176.

([92]) المصدر السابق 10: 172؛ وانظر أيضاً: 20: 170. (مصدر فارسي).

([93]) الشيخ مرتضى مطهَّري، إسلام ومقتضيات زمان (الإسلام ومتطلّبات العصر) 1: 179. (مصدر فارسي).

([94]) السيد الشهيد محمد باقر الصدر، اقتصادنا 2: 362، دار الفكر.

([95]) المصدر السابق: 363.

([96]) بحثي درباره مرجعيت وروحانيت، مقاله ولايت وزعامت (بحث في المرجعية والولاية، مقالة الولاية والزعامة): 85. (مصدر فارسي).

([97]) السيد كاظم الحائري، حكومت وإسلام، مقاله قانونگذاري در نظام هاي بشري ونظام آسماني (الحكومة والإسلام، مقالة التقنين في الأنظمة البشرية والنظام السماوي): 116، نشر سازمان تبليغات إسلامي. (مصدر فارسي).

([98]) السيد محمود الهاشمي، مصدر التشريع ونظام الحكم في الإسلام: 70.

([99]) الشيخ محمد مؤمن القمّي، حكومت در إسلام، مقالة نحوه قانونگذاري در حكومت إسلامي: 343. (مصدر فارسي).

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً