أحدث المقالات

أمنع حصون الغلاة وتدليساتهم

ـ القسم الأوّل ـ

الشيخ جويا جهانبخش(*)

ترجمة: حسن مطر

1ـ إن الغلوّ ـ الذي هو على حدّ تعبير بعض المحقِّقين المعاصرين في الشأن الديني: «أشدّ خطراً على الإسلام من الحروب الصليبية والهجمة المغولية» ـ قد حمل معه منذ عصر أئمّة الهدى ـ عليهم آلاف التحية والثناء ـ إلى يومنا هذا، ومن حينٍ لآخر، أنواع الابتلاءات والمشاكل التي طالت المجتمع الشيعي.

لقد عمد جماعةٌ من عقلاء العلماء ونُخَب الشيعة ـ ولا سيَّما في الأزمنة الغابرة ـ إلى التحذير بوعيٍ من مغبّة الغلوّ، ومناشئه، والذرائع التي تؤدّي إلى بلورته وظهوره.

وفي المقابل كان الغلاة يتصدّون ـ على الدوام ـ للدفاع عن أنفسهم وعقائدهم، من خلال التمسّك ببعض النظريات التي يلجأون إليها؛ لتبرير غلوّهم.

ومن الأمور التي تذرَّع بها الغلاة منذ القدم؛ لتبرير مذاهبهم، ما اشتهر على الألسن، وجرت به الأقلام، من القول: «نزِّلونا عن الربوبية وقولوا فينا (أو: في حقّنا، أو: في فضلنا) ما شئتم»، والتي تنسب من حينٍ لآخر إلى أئمّة أهل البيت^، في معرض الدفاع عن الكثير من المتبنّيات والروايات الصادرة عن المتهمين بالغلوّ من قبل خصومهم.

إن عبارة «نزِّلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم» ـ بغضّ النظر عمّا إذا كانت صادرة عن الأئمة الأطهار^ أم لا، وبغضّ النظر عمّا إذا كان لفهم الغلاة لمضمونها قيمة عند عرض فهمهم على ميزان التحقيق ـ عبارةٌ خيالية، تأخذ بأذهان المخاطبين للوهلة الأولى نحو الآفاق البعيدة والماورائية، وتحلّق به إلى أفق بطيء المنال، يتأرجح فيه الفكر بين ما دون الربوبية وما يفوق المفاهيم البشرية المحسوسة والملموسة والمتعارفة، والتي لا يمكن العثور عليها إلاّ في تضاعيف سُحُب الخيال وقوّة الوَهْم الجامحة. وإن هذا الجموح الذهني بطبيعة الحال لم يكن بمنجىً من التداعيات والتبعات العينية وغير البريئة، وهي تداعيات لا نزال نعاني من آثارها، رغم اجتماعنا واتحادنا على المستوى الديني.

لقد كانت عبارة «نزِّلونا عن الربوبية و…»، وغيرها من العبارات المقتضبة الخيالية المشابهة لها، تمثِّل الكنز الرئيس لعقيدة الغلاة والحشوية، ولا سيَّما من القرن الهجري الثاني عشر إلى القرن الرابع عشر، ولا تزال تداعياتها وآثارها عالقة في أذهان وألسنة الكثير من المتديِّنين، بل وحتّى المختصّين في الشأن الديني. وإن الخلاص من هذه الإلهيات المشوّهة، ونفض الغبار عن صفحة الدين والتوحيد الإسلامي الخالص، ومفهوم الإمامة الشيعي المعقول، رهنٌ بتطهير الفكر الكلامي المعاصر من الشوائب، وفصل رواسب الغلوّ العالقة به، والحكم الصحيح بشأن هذا النوع من العبارات، وتفسيرها بشكلٍ صائب([1]).

من هنا يبدو من الضروري وضع عبارات من قبيل: «نزِّلونا عن الربوبية و…» في ميزان التحقيق، والنظر إليها بتدقيقٍ وإمعان وإنصاف؛ للعثور على جذورها، والوقوف على مفهومها، ومتى تجلّت على صفحة تاريخنا الفكري والثقافي؟ وما هي الاتجاهات التي سلكتها؟

في ما يتعلّق بعباراتٍ من قبيل: «نزِّلونا عن الربوبية و…»، ولا سيَّما في القرون اللاحقة، نشاهد في الغالب ردود فعل عاطفية، أكثر منها انتقادية علمية عقلانية، وهذا ما يؤكِّد ضرورة التحقيق والتدقيق بشأنها.

يذكر فقيه العصر الكبير الشيخ هادي نجم آبادي، في معرض المسائل التي يسوقها بشأن المسار التاريخي لتحوُّل وتطوّر المجتمع الإمامي، أن عموم الشيعة؛ حيث يعتبرون الولاية ومحبّة الأئمة الأطهار^ وسيلة نجاتهم، «كانوا لحبّهم لهذا الأمر يقبلون كلّ خبر أو أثر أو رؤيا تشهد على ذلك، ولا يسعون إلى تصحيح وتنقيح سندها، بل يعتبرونها ـ من أجل ذلك ـ أمراً مسلَّماً لا غبار عليه. وحيث يعثرون على رواية متشابهة يعمدون إلى تأويلها وتوجيهها بشكلٍ يتطابق مع مرادهم، ويجعلونها مؤيِّداً لما يعتقدون. فمثلاً: حيث يعثرون على رواية تقول: «نزِّلونا عن الربوبية وقولوا في حقّنا ما شئتم» كانوا يقولون: كلّ ما يقال في حقّ هؤلاء من الصفات([2]) الربوبية يجب قبوله، ولكنْ بعد حصر الصلاحيات العامة في الأمور بيد الله تعالى، وكلّ ما وراء ذلك من الاعتقاد بوساطة هؤلاء [الأئمة الأطهار] في أيّ مقامٍ كان لا يعتبر غلوّاً في حقِّهم، بمقتضى هذه الأخبار…»([3]).

إن مثل هذا الفهم، الذي حمل الشيخ نجم آبادي على تجريد يراعه لوصفه، على الرغم من وقوعه واشتهاره يبدو لعقل الباحث مثاراً للعجب. وفي ثقافتنا المتأخرة ـ وخاصّة بين الصوفيين والمتفلسفين، وكذلك بعض الأخباريين المتطرِّفين ـ نجد الكثيرين ممَّنْ لا ينظرون بجدّية إلى نقد سند الكلام المنسوب إلى الأئمة^، ولا يحملونه على محمل الجدّ. ولكنّنا نتوقَّع من نفس هؤلاء ـ بمقتضى انخراطهم في سلك «أولي الألباب» ـ أن يفكِّروا ـ في الحدّ الأدنى ـ في لوازم وتبعات ما يفهمونه من الكلام، وينسبونه إلى «دين الله»، وأن لا يحكموا عليه بغير علمٍ.

إن فهم مثل هذا المعنى الواسع لـ «ما شئتم»، والقول بإمكان كلّ مقام وفضيلة مرويّة، وكلّ منقبة منقولة، بل وحتّى الذهاب إلى أكثر من ذلك في هذا الشأن، إنما ينشأ من عدم الالتفات إلى «فقه الحديث» ودراية الكلام. إذن نحن بدورنا نقدّم الدراية في هذا المقال على الرواية، لننظر أوّلاً ـ وقبل التعرُّض لسند هذه العبارة ـ هل هذا الفهم الموسَّع لعبارة «ما شئتم» صحيحٌ أم لا؟

2ـ من الضروري جدّاً في تعاملنا مع الأحاديث والمرويّات العقائدية أن نستحضر القواعد العقلية والمسلَّمات الدينية. وهذا يصدق حتّى بالنسبة إلى آيات القرآن الكريم أيضاً؛ فإن التعاطي العقلاني يُعتبر من الشروط الضرورية في فهم الوحي الشريف (وإلاّ أليس من الممكن أن نفهم التجسيم أو الجبر من بعض الآيات؟). وبعبارةٍ أخرى: «على السامع أن يكون عاقلاً».

روى محمد بن يعقوب الكليني في أصول الكافي: «…عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَارِدٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ×: حَدِيثٌ رُوِيَ لَنَا أَنَّكَ قُلْتَ: إِذَا عَرَفْتَ فَاعْمَلْ مَا شِئْتَ. فَقَالَ: قَدْ قُلْتُ ذَلِكَ. قَالَ قُلْتُ([4]): وَإِنْ زَنَوْا أَوْ سَرَقُوا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ؟! فَقَالَ لِي: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ([5]). وَاللهِ مَا أَنْصَفُونَا، أَنْ نَكُونَ أُخِذْنَا بِالْعَمَلِ وَوُضِعَ عَنْهُمْ، إِنَّمَا قُلْتُ: إِذَا عَرَفْتَ فَاعْمَلْ مَا شِئْتَ، مِنْ قَلِيلِ الْخَيْرِ وَكَثِيرِهِ؛ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْكَ»([6]).

لقد كان شعار أغلب الغلاة في تلك المرحلة يقول: كلّ مَنْ عرف الإمام جاز له فعل كلّ شيء، وتكفي معرفة الإمام في استكمال التديُّن([7]). ([8]) وقد مال الكثير من البسطاء والسذّج أو الاتّكاليين ـ الذين يرَوْن هذا الاعتقاد منسجماً مع طباعهم التي تميل إلى الدعة والركون إلى الراحة، وينشدون فيه حتّى جواز ارتكاب المعاصي والقبائح ـ إلى تبنّي هذه الأفكار([9]).

وفي الحقيقة فإن هذه الأمور التي كان يقوم بها الغلاة تمثّل مصداقاً لتفسير النصوص بالرأي([10]). وإنّ أدنى تأمُّل عقلاني أو تتبُّع نقلي يكفي لإثبات ضعف وخطل هذا الفهم([11]).

إن الخطوط العامة والبارزة في التفكير الإسلامي من الوضوح والصراحة بحيث لا يبقى ـ مع الرجوع إليها والتمسُّك بتلك المحكمات ـ أيّ مجال للانحراف؛ بسبب كلام متشابه، من قبيل: «إذا عرفْتَ فاعمَلْ ما شئتَ».

يُستفاد ذلك من الآيات القرآنية والروايات الشريفة، التي تصرِّح بلزوم العمل الصالح والتنافس الديني من أجل الحصول على السعادة الأخروية، وعدم كفاية المحبة الصرفة، والإيمان المجرَّد عن العمل، والاعتقاد المفتقر إلى السلوك العملي والديني، بشكلٍ واضح لا غبار عليه. ومن هذه الناحية يكون الناس رهناً بأعمالهم، ولذلك فإنهم يؤاخذون بمعاصيهم وقبائحهم. وإن مجرّد انتمائهم إلى هذه الفرقة أو تلك، أو الإيمان بهذا الوليّ أو ذاك، دون الاتباع العملي لتعاليمه، لن يكون كافياً. وإن الأخبار التي تُرى أحياناً هنا أو هناك، والتي ترى كفاية مجرَّد «الإيمان بالمبادئ» أو «محبّة الموالي»، لا بُدَّ من تأويلها ـ بعد ثبوت صحّة صدورها ـ من هذه الناحية؛ إذ بناء على الأدلة القطعية لم يكن ظاهرها هو المراد، ولا بُدَّ من العمل على تفسير وشرح هذا النوع من الأخبار، من خلال الاستعانة بالقرائن الخارجية وغيرها من الأدلة الأخرى([12]).

ويمكن لنا أن نستعير هذا المقدار من الأقوال الصريحة لكبار العلماء، حيث يقولون: «إن كثيراً من الخطباء قد شوَّهوا معنى هذه الأخبار للناس»([13]). ومع الأسف فإنهم قد دعَوْا إلى التمسُّك والاكتفاء بظاهر الأخبار المتشابهة، تصريحاً وتلويحاً، وروَّجوا لذلك، وجعلوا أساس التصوُّر العام في فهم المعاني الهامّة والرفيعة والجوهرية قائماً على مثل: الولاية والنجاة والشفاعة والتوسُّل بمقامات الأولياء!

كان كلامنا في أن التمسُّك بظاهر اللفظ والشمول والعموم والإطلاق الظاهري للروايات ـ ولا سيَّما في دائرة العقائد ـ يواجه أحياناً بعض العقبات التي تستفاد من العقل وكتاب الله والسنة القطعية.

يقول أحد المحقِّقين في علم الحديث: «لقد روى العامّة والخاصة مضمون الحديث عن النبيّ| الذي يقول: (مَنْ شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فقد حرَّم الله عليه النار). إن ظاهر هذا الحديث بعمومه يقتضي عدم دخول أيّ مسلم نطق بالشهادتين إلى نار جهنم، في حين أن الأدلة القطعية من الكتاب والسنّة تحكم بعذاب الموحِّدين العصاة، ثم يتخلَّصون من جهنم؛ بسبب المغفرة والشفاعة وما إليهما. من هنا ندرك عدم إرادة الظاهر من تلك الرواية. وكأنّ النبيّ قال: إن هذا المعنى مقيَّدٌ، وإنه وارد في الذي يعمل عملاً صالحاً، أو في الذي يتوب ويشهد الشهادتين ويموت على هذه التوبة. هذا وقد تمّ تقييد المعنى مورد البحث في بعض الروايات بقيد «الإخلاص» ـ من خلال إضافة عبارة: «مخلصاً» ـ، والإخلاص أن يخلّص الفرد إيمانه من كلِّ شرٍّ، كي لا تحبطه الأهواء النفسية»([14]).

وفي ما يتعلَّق بدائرة فضائل ومناقب وخصائص النبي الأكرم| وأوصيائه الكرام ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ هناك في البين أيضاً موانع وحدود وثغور قطعية من العقل وكتاب الله والسنّة الثابتة، تحول دون التمسُّك بظاهر العبارة والعموم والشمول والاستيعاب الظاهري لـ «ما شئتم».

إن عدم الاهتمام بالقيود العقلية والتاريخية والدينية الموجودة في فضائل النبي الأكرم| وأئمة الهدى ـ عليهم آلاف التحية والثناء ـ قد أدّى أحياناً إلى رسوخ هذا التصوّر في أذهان وألسنة البعض، حيث يقال: إن كل ما يجري على ألسنة المادحين في وصف أهل البيت^ إنما هو دونهم، ولذلك لا يكون هناك أيّ غلوّ أو مبالغة في البين([15]). في حين أن الأمر ليس كذلك، فحتّى لو كان التعبير القائل: «نزِّلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم» من جملة التعاليم الصادرة عن الأئمّة من أهل البيت^ لا يكون فهم العموم من عبارة: «ما شئتم»؛ بحكم العقل والكتاب والسنّة، مناسباً، وعليه لا يمكن نسبة كلّ فضيلةٍ دون الربوبية إلى الأئمة^.

ولو اعتبرنا نسبة مضمون «نزِّلونا عن الربوبية و…» إلى أئمة الهدى^ صحيحة لا مندوحة لنا؛ بحكم العقل والنقل، من إرجاع صفاتٍ من قبيل: العلم اللامتناهي، والقدرة اللامتناهية وما إلى ذلك ضمن حدود الربوبية، أو أن نخرج هذا النوع من الأمور ـ كما أسلفنا ـ؛ بالقرائن الأخرى، عن «ما شئتم»؛ لا لعلمنا القائم على الأدلة المحكمة([16]) بمحدودية قدرات النبيّ الأكرم وأوصيائه الأطهار فحَسْب؛ بل كذلك لإدراكنا أن مستويات وقدرات هؤلاء الكرام لم تكن على وتيرةٍ واحدة. ومن هنا لا يكون بالإمكان ـ مثلاً ـ نسبة كلّ ما يمكن نسبته إلى النبيّ إلى وصيِّه أيضاً، فما ظنّك بما لو أراد شخصٌ أن ينسب إلى وصيّ النبيّ كلّ ما هو دون الربوبية.

لا شَكَّ في أن مقام النبوّة هو دون مقام الربوبية، ومع ذلك فإن الثابت من ضرورة الدين والمذهب هو عدم إمكان نسبة هذه الفضيلة إلى الأئمّة الأطهار^.

وقد رُوي عن الإمام جعفر الصادق× أنه قال: «مَنْ قال بأننا أنبياء فعليه لعنة الله، ومَنْ شك في ذلك([17]) فعليه لعنة الله»([18]).

إن من مسلَّمات مذهب الإمامية ـ بل الإسلام ـ أن رسول الله محمد المصطفى| أفضل من أمير المؤمنين×، ومن مسلَّمات المذهب أيضاً أن عليّاً× أفضل أهل البيت بعد رسول الله|. وعليه فلو أراد شخص أن يتمسَّك بظاهر لفظ «ما شئتم» وما هي عليه من الشمول والاستيعاب، دون ملاحظة أيِّ مخصِّص أو مقيِّد لدائرة شمولها، فإنّه لا محالة سيتمكّن من نسبة جميع مقامات وكمالات النبي الأكرم| إلى أمير المؤمنين×، كما يمكنه أن ينسب جميع كمالات ومقامات أمير المؤمنين× إلى كلّ واحد من الأئمّة من ذرِّيته أيضاً؛ وذلك لأن «كمالات النبي» و«كمالات أمير المؤمنين» تدخل في الدائرة الشمولية لـ «ما شئتم»، وعليه فإن جميع تلك الكمالات يمكن نسبتها ـ مثلاً ـ إلى الإمام الصادق×.

وإن مثل هذه النسبة تعني ـ والعياذ بالله ـ إنكار أفضليّة النبي الأكرم| على الإمام عليّ×، كما تعني إنكار أفضلية الإمام عليّ× على سائر الأئمّة من أهل البيت^، وهذا في الحقيقة مخالفٌ لضروريات المذهب، بل مخالف لضروريات الإسلام([19]).

رُوي في كتاب الكافي أن أمير المؤمنين عليّ× قال في جوابه عن سؤال عالم يهودي سأله: «أفنبيٌّ أنت؟»، قال: «ويلك! إنما أنا عبدٌ من عبيد محمد|»([20]).

وبطبيعة الحال فإن المراد من «العبد» في هذه الرواية هو «عبد الطاعة»([21])، و«الخادم التابع المطيع»([22])، وليس المعنى المصطلح، أو ـ نعوذ بالله ـ عبد العبادة. ومهما كان فإن تعبير أمير المؤمنين يعكس الفاصلة والبَوْن الشاسع بينه وبين النبيّ الأكرم.

وقد عمد بعض المحقِّقين إلى بيان جانب من الاختلافات الظاهرية والملحوظة في سلوك النبيّ| وعليّ× في ضوء هذا الاختلاف في الكمال بين هذين العظيمين([23]).

هناك موارد في النصوص الروائية القديمة قد استعمل فيها لفظ «ما شئتم» في مفهوم أكثر محدودية وتقييداً من دائرته الذاتية واللغوية، وعليه يتّضح أن استعمال هذا التعبير العام والشامل في المفاهيم المحدودة والمقيّدة كان معهوداً بالنسبة إلى المخاطبين.

رُوي في بعض المصادر عن رسول الله| أنه قال: «إن الله اطَّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرتُ لكم»([24]).

كثر الكلام بشكلٍ جادّ في صحّة نسبة هذه العبارة أو نظائرها إلى رسول الله|. ولستُ ـ في هذا المقام ـ بوارد إثبات ما إذا كان النبيّ| قال هذه العبارة أم لا([25]).

إن فقه الحديث المنشود هنا هو: إذا كان هذا الكلام رواية صحيحة فكيف يجب فهم عبارة «اعملوا ما شئتم»؟ وبعبارةٍ أخرى: كيف فهم الذين صحّحوا الحديث عبارة «اعملوا ما شئتم»؟ هل فهموا منها أن التكليف قد رفع عن أهل بدر، وأصبح بإمكانهم أن يقترفوا جميع المعاصي والموبقات؟! لا أتصوَّر أن أحداً قد ذهب به التصوُّر والفهم إلى هذه المذاهب على طول تاريخ الإسلام.

وعلى حدِّ تعبير العلامة المجلسي: «…يكون المراد بلفظة: «اعملوا ما شئتم» المبالغة في حسن ما عملوا في بدر، وإظهار الرضا الكامل لعملهم الصالح، من غير رخصة لهم في الأيّام الآتية…»([26]).

وجاء في سنن الدارمي، عن معاذ بن جبل أنه قال: «اعملوا ما شئتم بعد أن تعلموا، فإنّ الله بالعلم حتّى تعملوا»([27]).

وفي هذا المورد لا أتصوَّر أيضاً أن يذهب الظنّ بأحد إلى القول بأن المراد من عبارة «اعملوا ما شئتم» هو الأمر بالعمل المتهتِّك، الذي لا يعرف قيوداً، ولا حدوداً.

بل حتّى بالنسبة إلى الرواية المأثورة عن الإمام الباقر×، حيث قال: «…اذكروا من عظمة الله ما شئتم…»([28])، لا شَكَّ في وجود بعض المخصِّصات والقيود التي لا تسمح لشخص بالتمسُّك بظاهر لفظ «ما شئتم»، وشموله واستيعابه لكلّ شيء، مع أن «الغلوّ المصطلح» لا يصدق في حقّ الله تعالى؛ لأنه واجدٌ لجميع الكمالات اللامتناهية. ولكنْ مع ذلك يُجْمِع كافة المحقِّقين والعلماء الأعلام بأن عبارة «ما شئتم» في هذا الحديث مقيَّدة بقيود، وهي ـ بطبيعة الحال ـ قيودٌ تنزيهية، بمعنى أن بإمكانكم أن تصفوا الله بما شئتم، ولكنْ في حدود التنزيه. وبعبارةٍ أخرى: إن ما تريدون قوله يجب أن لا يفضي إلى التشبيه والتجسيم وما إلى ذلك. فعلى سبيل المثال: لا ينبغي لشخصٍ أن يقول في وصف عظمة الله: «إن الله يمتلك أجمل عينين وأكبر حاجبين في الكون كلّه»! وما إلى ذلك.

إذن من الواضح أنه ليس بالإمكان التمسُّك بظاهر لفظ «ما شئتم»، وشموله اللفظي واللغوي، دون ملاحظة الجهات الأخرى، حتّى بالنسبة إلى هذا الحديث.

إن رفع اليد عن الظهور اللفظي؛ بسبب الأدلة الخارجية، من أشهر وأوضح قواعد فقه الحديث.

على الرغم من إطباق السنّة والشيعة على رواية الحديث المأثور عن النبي الأكرم|، والذي يقول فيه: «عليٌّ خير البشر»([29])، وعلى الرغم من شمول هذا الحديث من الناحية اللفظية لجميع أفراد البشر، بمَنْ فيهم رسول الله نفسه، إلاّ أنه لم يذهب أحدٌ من المسلمين إلى هذا الاعتقاد القائل بأن عليّاً× أفضل من النبي الأكرم. ومن الواضح أن هذا التحديد والتقييد والتخصيص للدائرة المفهومية للحديث مورد البحث يأتي من الأدلة الخارجية.

رُوي في كتاب الكافي([30]): «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ، عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ×: يَا مَالِكُ، أَنْتُمْ شِيعَتُنَا [أَ]لا تَرَى أَنَّكَ تُفْرِطُ فِي أَمْرِنَا، إِنَّهُ لا يُقْدَرُ عَلَى صِفَةِ اللهِ، فَكَمَا لا يُقْدَرُ عَلَى صِفَةِ اللهِ كَذَلِكَ لا يُقْدَرُ عَلَى صِفَتِنَا، وَكَمَا لا يُقْدَرُ عَلَى صِفَتِنَا كَذَلِكَ لا يُقْدَرُ عَلَى صِفَةِ الْمُؤْمِنِ. إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَلْقَى الْمُؤْمِنَ فَيُصَافِحُهُ فَلا يَزَالُ اللهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا وَالذُّنُوبُ تَتَحَاتُّ عَنْ وُجُوهِهِمَا كَمَا يَتَحَاتُّ الْوَرَقُ مِنَ الشَّجَرِ حَتَّى يَفْتَرِقَا، فَكَيْفَ يُقْدَرُ عَلَى صِفَةِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ؟!»([31]).

على الرغم من الغموض الذي انطوَتْ عليه قراءات وتقرير هذه الرواية لمالك الجهني منذ القدم([32])، أرى من حيث القدر المتيقَّن والمتَّفق عليه بشأن مؤدّى الرواية، ومن حيث تبيين الأذهان السائدة في تلك الأزمنة، يمكن أن يكون مؤيِّداً صالحاً وجيّداً لدفع توهُّم الغلاة.

تحدّثت هذه الرواية عن عجز مالك عن إدراك قمّة كمال وعلوّ شأن «الله تعالى»، وكذلك «أهل البيت»، وكذلك «المؤمن».

لقد فهم الغلاة من استحالة توصيف كمالات أهل البيت وعدم إمكان الوصول إلى كنه مقاماتهم أن ذلك يعود إلى أنهم يتمتّعون بشأنٍ يفوق شأن البشر، في حين أن هذا الحديث صريحٌ بشمول هذا المفهوم حتّى لـ «المؤمن»، الذي لا يوجد هناك خلاف في بشريته، وإن ما يدَّعيه الغلاة بحقّ أهل البيت لا يدّعونه بحقّ «المؤمن»، ومع ذلك فإن هذا الحديث يثبت له مقاماً أرفع من أن يمكن إدراكه، أو بلوغ كنهه.

وبعبارةٍ أخرى: إن القول بأن الكمالات التي يتمتّع بها شخصٌ قد تصل إلى مراحل متقدّمة لا يمكن لأحدٍ أن يدركها لا يعني إمكان أن ننسب له كلّ كمال على نحو الحقيقة والواقع. فكما أن سلمان وأبا ذر رضي الله عنهما كانا كاملين، وكان كلاهما مصداقاً لـ «المؤمن»، وكانت كمالاتهما ـ طبقاً لهذه الرواية ـ تفوق حدَّ التقرير، بل وجاء عن النبيّ في خصوص سلمان قولَه: «سلمان منّا أهل البيت»، إلاّ أنه ليس هناك شيعيٌّ يتردّد في عدم إمكان نسبة مراتب كمالات الإمام الصادق× إلى سلمان. من هنا فإنّ كلّ شيعي معتقد يدرك أن عدم إمكان فهم فضائل وكمالات أحد لا يعني بالضرورة أن بالإمكان نسبة كلّ كمال له.

لا يخفى على أهل البصيرة في الأخبار والروايات أن تعابير من قبيل: «اعمل ما شئت»، وما كان على شاكلتها، لا يراد منها ـ في الأساس ـ معناها الظاهري، وما يبدو أو يتبادر للذهن من اللحظة الأولى، بل يراد منها المعنى الكنائي والمجازي، أو المعنى الحقيقي المقيَّد بالقيود التي نستفيدها من الأدلة الخارجية([33]).

فكان من الأجدر عدم إغفال ذكر القيود وحدود دائرة «ما شئتم» في معرض بيان وتحليل العبارة القائلة: «نزِّلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم»([34]).

ومن الناحية العملية فإن الكثير من العلماء الكبار، الذين اعتمدوا على مضمون «نزِّلونا عن الربوبية و…»، لم يقبلوا نسبة كلّ خصيصةٍ ما دون الربوبية إلى الأئمّة من أهل البيت^، حتّى لو وردت في روايةٍ خاصّة.

إن العلامة المجلسي، الذي آمن بمضمون «نزِّلونا عن الربوبية و…»([35])، ورأى بعض صوره ـ على ما سيأتي شرحه ـ في غاية الاعتبار، قال في رسالته الاعتقادية، التي تمثِّل عصارة أفكاره الكلامية، وما يطرحه في زمرة المسائل بشأن النبيّ| والأئمة^، قال: «ولا نعتقد أنهم خلقوا العالم بأمر الله تعالى، فإنا قد نهينا في صحاح الأخبار عن القول به، ولا عبرة بما رواه البُرْسي وغيره من الأخبار الضعيفة»([36]).

إن هذا الكلام يمثِّل مصداقاً للخروج عن دائرة الشمول والاستيعاب اللفظي لعبارة «ما شئتم»، وتحديدها وتقييدها بالدليل الخارجي.

ومن الواضح أن جميع العلماء الكبار، من أمثال: الشيخ المفيد، والشريف المرتضى، والشيخ الطوسي، والشيخ الطبرسي، وغيرهم الكثير، من الذين لم يقبلوا نظرية العلم اللامتناهي في حقّ الإمام والنبيّ في مسألة «علم الإمام والنبيّ»، ولم يعتبروا علم الإمام والنبيّ بجميع المسائل والأمور غير الدينية، بل لم يكونوا من الناحية العملية يقبلون التفسير الغالي والمتطرِّف لعبارة: «نزِّلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم»؛ لأن الذي يذعن لهذا الفهم والتفسير سوف يضطر ـ مثل بعض غلاة عصرنا ـ إلى القول بأن الإمام والنبي يعلمان بجميع الأمور العامة والخاصة في الدين والدنيا، في حين أن هذه النظرية ـ التي لا تنسجم مع «القرآن» و«السنّة المعتمدة» و«الواقع التاريخي» ـ لا تحظى بقبول أيِّ واحدٍ من هؤلاء الكبار من علماء الإمامية.

ومع ملاحظة الكمّ الكبير من الإقبال الذي حصل في العهود المتأخِّرة على القراءة الغالية والمفرطة لعبارة «نزِّلونا عن الربوبية…» لم يكن من العبث التأكيد الكبير والعميق في تعاليمنا المأثورة عن الأئمة على عدم الإفراط والتطرُّف في بيان فضائلهم وقدراتهم^.

فقد رُوي عن النبي الأكرم| أنه قال: «لا ترفعوني فوق حقّي، فإن الله تعالى([37]) اتّخذني عبداً قبل أن يتّخذني نبياً»([38]).

وفي روايةٍ عن الإمام الصادق× أنه قال، بعد ذمّ جماعة من الغلاة والكذّابين: «فوالله مانحن إلاّ عبيد الذي خلقنا واصطفانا، ما نقدر على ضرٍّ ولا نفع. إنْ رحمنا فبرحمته، وإنْ عذّبنا فبذنوبنا. واللهِ، ما لنا على الله من حجّةٍ، ولا معنا من الله براءة، وإنّا لميتون، ومقبورون، ومنشرون، ومبعوثون، وموقوفون، ومسؤولون»([39]).

ورُوي عن الإمام الرضا× أنه قال، في مناجاةٍ له مع الله: «…اللهم، إنّي أبرأ إليك من الذين ادّعوا لنا ما ليس لنا بحقّ. اللهم، إنّي أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا… اللهم، مَنْ زعم أننا أرباب فنحن إليك منه بُرآء، ومَنْ زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن إليك منه بُرآء، كبراءة عيسى× من النصارى. اللهم، إنّا لم ندعهم إلى ما يزعمون، فلا تؤاخذنا بما يقولون، واغفر لنا ما يزعمون…»([40]).

3ـ إن الغلوّ يعني تجاوز هذه الحدود والقيود، وإنكار هذه الضفاف المستفادة من العقل والنقل المعتبر. من هنا فإن الغلوّ لا ينحصر بتأليه الأئمة([41]).

وقال أحد الباحثين المعاصرين، بعد الإشارة إلى قوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ﴾ (النساء: 171)، وقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ (المائدة: 77): «ظاهر الآيتين يشير إلى ضابطة وقيد مقوّم لمعنى الغلوّ، وهو أنّ الغلوّ تجاوز الحدّ في الشيء، والإفراط فيه بغير الحدّ الذي له في الدين، وبالتالي وضعه في غير محلّه الذي وضعه له الدين… كما يلزم من الغلوّ القول على الله بغير الحقّ ; لأنّ التديّن والديانة بالإفراط في الشيء ينطوي على نسبة ذلك إلى دين الله تعالى وتشريعه، وبالتالي الافتراء على الله عزَّ وجلَّ. ويتحصَّل من ذلك أنّ للغلوّ معنىً عامّاً، وهو التجاوز بالشيء والإفراط في رتبته زيادةً على الرتبة التي حدَّدها الشارع لذلك الشيء. ولهذا المعنى العامّ موارد ومصاديق لا تحصى; إذ لا يقتصر الغلوّ على التأليه، وهو ما ارتكبته النصارى في النبيّ عيسى×، بل يعمّ الإفراط والتجاوز في كلّ شيء زاد عن حدّه المرسوم في دين الله. فلو اعتُقد في الإمام أنّه نبيٌّ لكان ذلك من الغلوّ. وكذا لو اعتُقد في النبيّ غير المرسل أنّه رسول لكان من الغلوّ أيضاً. وهكذا لو اعتُقد في صحابة النبيّ| بالعصمة لكان من الغلوّ أيضاً. وكذا لو اعتُقد في علماء الأُمّة وفقهائها أو في بعض العارفين السالكين أو في بعض الحكماء والفلاسفة بالعصمة لكان من الغلوّ أيضاً. وكذا لو اعتُقد في بعض أركان فروع الدين أنّه برتبة تفوق بعض أصول الدين الاعتقادية كان من الغلوّ أيضاً… وبالجملة، فوضع أيّ شيء في رتبةٍ زائدة عن الرتبة التي حدَّدها الدين لذلك الشيء فهو من الغلوّ، ولا يقتصر ذلك على التأليه. كما لا يقتصر شكل الغلوّ ونموذجه على التصريح بالإفراط في رتبته، بل قد يتَّخذ أشكالاً وأنماطاً متعدّدة ترجع في جوهرها إلى الافراط في الحدّ والرتبة، وذلك مثل: ترتيب أحكام وآثار على ذلك الشيء تتجاوز برتبتها عن رتبة الشيء، مثل: أن نجعل قول الصحابي في مقابل قول النبيّ|»([42]).

وطبقاً لرواية عن الكافي: «عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ× قَالَ: يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ، شِيعَةِ آلِ مُحَمَّدٍ، كُونُوا النُّمْرُقَةَ الْوُسْطَى، يَرْجِعُ إِلَيْكُمُ الْغَالِي وَيَلْحَقُ بِكُمُ التَّالِي. فقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ (سَعْدٌ): جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا الْغَالِي؟ قَالَ: قَوْمٌ يَقُولُونَ فِينَا مَا لا نَقُولُهُ فِي أَنْفُسِنَا، فَلَيْسَ أُولَئِكَ مِنَّا، وَلَسْنَا مِنْهُمْ»([43]).

4ـ الحقّ أن المتلبِّسين بالتشيُّع من الغلاة لم يكونوا من الذين يقولون بتأليه «الإمام» صراحةً، بل هم الذين كانوا ـ طبقاً للتعبير الدقيق لصاحب (توضيح الملل) ـ «يجرون على بعض أئمّتهم أحكاماً إلهية»([44]). وعلى حدّ تعبير ابن خلدون: «تجاوزوا حدّ العقل والإيمان في القول بألوهية هؤلاء الأئمّة… على أنهم بشر اتّصفوا بصفات الألوهية»([45]). وبعبارةٍ أخرى: إن هؤلاء لم يكونوا يعتبرون الإمام بشخصه وذاته إلهاً، وإنما كانوا يضفون على الأئمّة صفاتٍ إلهيّةً، أو إنهم كانوا في الحدّ الأدنى يقولون بمرتبة ومنزلة للإمام لا يقرّها الدين، ولا يعترف بها العقل([46]).

من هنا، وخلافاً لما تصوَّره بعض المتقدِّمين ـ من أمثال: أحمد بن هليل الكرخي([47]) ـ، وما ادّعاه بعض المتأخِّرين ـ من أمثال: الحافظ رجب البُرْسي([48]) ـ، فإن الغلوّ لم يكن في الغالب مقروناً بترك الأعمال العبادية الظاهرية والعبادات الشرعية، من قبيل: الصلاة، والصوم، والتجاهر بالتهتُّك، وتجاوز حدود الحلال والحرام الفقهي؛ إذ ليس لازم بعض العقائد الغالية ترك جميع أو بعض ظواهر الشريعة([49]).

في دراستنا لرجال الحديث نواجه عبّاداً تعرَّضوا لفساد العقيدة والانحراف المذهبي، ومن هؤلاء: أحمد بن هلال العبرتائي(180 ـ 267هـ). قيل: إنه حجّ أربعاً وعشرين مرة، منها عشرون حجّة ماشياً على قدميه. وعلى الرغم من ذلك فإنه لم يُتّهم بـ «الغلوّ» و«فساد المذهب»، واعتباره «متّهماً في دينه»، من قبل الشيخ الطوسي، واعتباره من المذمومين الذين ادّعوا «البابية» فحَسْب، بل قد وردت النصوص في ذمّه ولعنه أيضاً، وقيل: إنه تحوَّل من التشيُّع إلى «النصب»!([50]).

إن الغلوّ وفساد العقيدة لا يستلزم ترك ظواهر الشريعة فحَسْب، بل قد يتفق للشخص الفقيه (المتخصِّص في ظواهر الشريعة) أن يكون غالياً أيضاً. فهذا عليّ بن عبد الله بن عمران القرشي المخزومي (المعروف بالميموني)، وكان معاصراً لابن الغضائري والنجاشي، كان بتصريح النجاشي «فاسد المذهب والرواية»، وبتصريح ابن الغضائري «غالياً» و«ضعيفاً». وقال النجاشي عنه أيضاً: «…كان عارفاً بالفقه… وكان قديماً قاضياً بمكّة سنين كثيرة»([51]).

وعليه من الواضح أننا نعنى بشخصٍ فقيه، وفي الوقت نفسه يكون غالياً وفاسد العقيدة.

وعليه يتّضح ممّا تقدَّم أن الغلوّ على أصناف وأنواع ودرجات مختلفة؛ فقد يعتقد شخصٌ أن الإمام إله؛ وقد لا يعتقد ذلك، ولكنّه يخلع على الإمام جميع خصائص الإله في كلّ شيء، باستثناء الوجب الذاتي للوجود. ولربما عمد شخص إلى المغالاة في باب العلم أو القوّة أو صفةٍ أخرى يُخرج بها الإمام عن الحدود المقرَّرة والمبيَّنة في الدين… فهذا كلُّه من الغلوّ، ولكنّه يختلف في الأنواع والمراتب والدرجات([52]).

وعلى هذا الأساس، عندما نرى القمّيين يوعزون إلى شخص كي يقتل محمد بن أورمة القمّي؛ بسبب اتّهامه بالغلو، إلاّ أنهم؛ حيث يرَوْنه يصلّي الليل كلّه، ينصرفون عن قتله([53]) لا يعني ذلك أنه لم يكن من الغلاة([54])، ولا يعني بالضرورة أنه قد تظاهر بالصلاة ليبرّئ نفسه، ويدفع عنها التهمة([55])، ولا يعني ضرورة أن أهل قم كانوا يعتبرون جميع الغلاة تاركين للصلاة، وأنهم لم يكونوا يدركون اختلاف مراتب الغلوّ بشكلٍ واضح([56])، بل يمكن لذلك أن يعني ـ طبقاً للضوابط الفقهية ـ، وبشكلٍ صريح، أن أهل قم أدركوا أن غلوَّ محمد بن أورمة لم يكن قد بلغ حدّاً يجعله مستحقّاً للقتل، ولذلك غضّوا الطرف عن قتله.

يبدو أن المتقدّمين كانوا أكثر إدراكاً والتفاتاً من المعاصرين في ما يتعلّق باختلاف درجات ومراتب الغلوّ، حيث نشاهد الأدلة على هذا الالتفات والإدراك في مؤلَّفات الرجاليين والمتكلِّمين المتقدمين من الشيعة، من أمثال: الكشي والنجاشي والطوسي والصدوق والمفيد والمرتضى ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ بكثرة. وعلى الرغم من ندرة الظهور العملي لهذا الإدراك والالتفات بين المتأخِّرين، إلاّ أنه مع ذلك يتجلّى في بعض الموارد الهامّة.

والمثال على ذلك هو الميرزا عبد الله الإصفهاني، وهو التلميذ والمساعد البارز للعلاّمة المجلسي، حيث يُعرِّف الحافظ رجب البُرْسي قائلاً: «التأمُّل والفحص والبحث في مؤلَّفاته يورث ما أفاده الأستاذ الاستناد ـ أيّده الله تعالى ـ والشيخ المعاصر، من الغلوّ والارتفاع، ولكنْ لا بمرتبة الألوهيّة ونحوها»([57]).

وبعبارةٍ أوضح: إن الميرزا عبد الله لم يكن يرى الغلو منحصراً بتأليه أحد الأئمة ـ والعياذ بالله ـ، بل كان يرى من الغلوّ ما كان أدنى من التأليه أيضاً([58]).

وقد اهتمّ السيد محسن الحكيم(1306 ـ 1390هـ)، في (مستمسك العروة الوثقى)، في معرض البحث عن نجاسة الغلاة، بمراتب ودرجات الغلوّ المختلفة، واللوازم المترتبة على هذا الاختلاف. فذكر أوّلاً الغلاة الذين اعتقدوا ـ والعياذ بالله ـ بربوبية أمير المؤمنين× أو غيره من الأئمة^، ثم تعرَّض إلى الغلاة الذين قالوا بحلول الله في الإمام، وبعد ذلك جاء على ذكر الغلاة الذين تجاوزوا الحدّ في باب صفات الأنبياء والأئمة ـ سلام الله عليهم أجمعين ـ، فاعتبروهم خالقين أو رازقين ـ على سبيل المثال ـ، أو كانوا يعتقدون عدم تطرُّق الغفلة إليهم، أو أنهم لا يشغلهم شأنٌ عن شأن، أو ما إلى ذلك من الأمور([59]).

كما تعرَّض المفكِّر الشهيد السيد محمد باقر الصدر(1402هـ) إلى بيان درجات ومراتب الغلوّ في (بحوث في شرح العروة الوثقى) أيضاً([60]).

وتكفي إطلالةٌ ـ ولو على نحو الإجمال ـ في كتب الحديث والرجال لدى الشيعة ليتّضح لنا أن الذين تمّ الحديث عن غلوّهم وعقائدهم الغالية ينقسمون في نظرة شاملة إلى قسمين:

الأوّل: الغلاة الملحدون، الذين لم يكونوا يحملون من التشيُّع سوى الاسم والعنوان، حيث كانوا يؤلِّهون الأئمة الأطهار^ أو غيرهم من أفراد البشر من باب الحلول أو الاتحاد وما إلى ذلك. وبطبيعة الحال فإن عدد هؤلاء في المجتمع كان قليلاً جدّاً، وكما هو المتوقَّع فقد تمّ نبذهم وتكفيرهم بشكلٍ سريع.

والثاني: الغلاة الذين كانوا ـ رغم اعتبارهم الأئمّة الأطهار^ مخلوقين لله، لا أنهم هم الله ـ ينسبون إلى الأئمّة صفاتٍ مبالغاً بها، استناداً إلى الاعتقاد بتفويض أمور الكون إليهم، أو يقولون بامتلاكهم علماً وقدرة وغير ذلك من الصفات التي تفوق ما ورد في الأدلة الشرعية المعتبرة، وبذلك كانوا يخلعون عليهم صفات الله.

وعلى الرغم من كون المنتسبين إلى كلا هذين القسمين هم من «الغلاة» لغةً واصطلاحاً، إلاّ أنه يتمّ التعبير أحياناً عن القسم الأوّل بـ «الغلاة»، وعن القسم الثاني بـ «المفوِّضة». ويطلق أحياناً على الغلوّ من القسم الأول «الغلوّ في الذات»، وعلى الغلوّ من القسم الثاني «الغلوّ في الصفات». وعلى أيّ حال لم يكن هناك من شكٍّ في وجود هذا السنخ من الاختلاف بين مجموعتين وقسمين من الغلاة في ذلك العصر، وبطبيعة الحال فإن الغلوّ الذي ضرب بجرانه وأقام أطنابه على طول التاريخ بين صفوف الشيعة، وأدّى إلى الكثير من المشاكل، وأثار الكثير من اللغط، هو الغلوّ من القسم الثاني؛ لأن الغلوّ من النوع الأول ـ بسبب وضوحه وصراحته وعدم انسجامه مع البديهيات والأوليات ـ لم يكن ليستقرّ في صُلب المجتمع الشيعي. ترى المجموعة الأولى أن الأئمة^ متساوون وأكفاء لذات الحقّ تعالى، أو أنهم هم الحقّ تعالى ـ وهذا كفرٌ صريح ـ. وفي المقابل تغلو المجموعة الثانية في علم وقدرة الأئمّة^، ويرَوْن لهم علماً يضاهي علم الله، وقدرة تضاهي قدرة الله، ولكنّ هذا العلم وهذه القدرة في طول علم الله تعالى وقدرته، ومتفرِّعان عنهما. وعلى الرغم من أن اعتقاد كلا هذين القسمين مخالفٌ لكتاب الله والسنة الثابتة والواقع التاريخي ـ ولذلك يكون هذا الاعتقاد مذموماً ـ، من الواضح أن بطلان الغلوّ من القسم الثاني ليس مثل بطلان الغلوّ من القسم الأول في الوضوح. ولذلك نجد أن عقائد المجموعة الثانية قد سلبت لبَّ بعض العوام والبسطاء من الناس بشكلٍ خاصّ في مختلف المراحل التاريخية([61]).

وللأسف الشديد فقد أدّى الاهتمام البالغ بمصاديق ومفاهيم الغلوّ الأكبر، حتّى ببعض كبار العلماء أحياناً، إلى عدم الالتفات الكافي والناجع إلى الدرجات والمراتب الدنيا من الغلوّ([62])، الأمر الذي أدّى إلى حدوث الغفلة لدى الكثير من المتأخِّرين عن معرفة حقيقة الغلوّ، وتعرَّضت (مكافحة الغلوّ ومواجهته) للشلل والفشل تَبَعاً لذلك.

يذهب الكثير من المتأخِّرين إلى تعريف الغلوّ قائلاً: «إن الغلوّ بشأن النبي والإمام أن يعتقد الشخص أنه [أي النبيّ أو الإمام] واجب الوجود وقائماً بالذات، أو يعتقد بتفويض الأمر إليه [بشكلٍ مطلق]، بأن يقول: إن الله قد فوَّض إليه إدارة العالم وسحب يده عنه، يعني أن كلّ إمام في عصره هو القائم بكلّ شيء، ولا يكون لله أي دور في أيِّ شأن من شؤون العالم!»([63]).

«وعليه لو أن شخصاً لم يعتقد [من هذه الناحية] بألوهية الإمام، ولم يذهب إلى القول بتفويض الإمام [بشكل مطلق، واعتزال الله عن إدارة شؤون العالم]، فلن يكون ما يقوله ويعتقده وراء ذلك من الغلوّ، أي إنه لو قال: إن أمر الإمام نافذٌ في كلّ العالم، أو قال: إن علم الإمام محيطٌ بكلّ شي، أو قال: إن الإمام حاضر في كلّ مكان، أو قال: إن الإمام قادر على كلّ شيء، لم يكن مخطئاً أو غالياً؛ لأنه إنما يأتي جميع هذه الأمور على نحو الاستخلاف والنيابة، لا على نحو الاستقلال والأصالة…»([64]).

وعليه فإن كلّ معتقدٍ ما دام يعتبر الأئمّة^ عباد الله ومخلوقاته يكون بريئاً من جميع أنواع الغلوّ([65]).

قال الآغا جمال الخوانساري في بيان العبارة القائلة: «إياكم والغلوّ فينا، قولوا: إنا مربوبون، واعتقدوا في فضلنا ما شئتم»: «…أي لا تقولوا بتأليهنا، كما قال الغلاة ـ لعنهم الله ـ، واعتقدوا بعد ذلك بكلّ فضيلة تريدون؛ لأن اعتقاد كل فضيلة لهؤلاء حقٌّ وزيادة»([66]).

إن البيان الموسَّع جدّاً لمفهوم «الولاية التكوينية» ـ الذي ظهر مصطلحه من الأساس في العصور المتأخرة([67]) ـ قد ارتوى بوضوحٍ من هذا المصدر. من الواضح لدى المحقِّقين من الإمامية أن الأئمة الأطهار^ كانوا من أصحاب الكرامات([68])، أما الاعتقاد بنوعٍ من الهيمنة والسيطرة والقدرة على التصرّف في عالم الوجود، بحيث يشمل المتعلّق والزمان على نطاق واسع للغاية ـ بعيداً عن القيود ـ، ليطال جميع الأشخاص والأشياء([69])، يجب أن يكون معتمداً ـ بلا شَكٍّ ـ على رؤية في الحدود القصوى والمطلقة لـ «نزِّلونا عن الربوبية…»([70]).

وبناءً على هذا الفهم الموسّع قال أحد العلماء المعاصرين: «إن للأنبياء والأئمة^ ولاية تكوينية من قبل الله سبحانه وتعالى على جميع الأمور…»([71]).

وقال آخر في وصف الإمام علي× منشداً:

أمر نظام الكون طرّاً بيده *** بأمر ربِّه وفيض مدده([72])

ومن خلال هذا النوع من الاعتقاد قال أحد المعاصرين بشأن خطبة البيان، والخطبة التطنجية، وخبر النورانية، وما إلى ذلك: «…لو كانت هذه الكلمات صادرة عن الإمام حقيقة لن يكون فيها أدنى منافاة مع مرتبة العبودية والإمكان الذاتي والفقر إلى الله، ولا يمكن لشخصٍ أن يقول: يوجد في هذا الكلام ادّعاء للألوهية؛ فإن المستفاد من هذه الخطب هو مجرَّد عنوان التمثيل والولاية الإلهية العامة»([73])، وتعتبر وجود «الواسطة بين الله وعباده، بحيث تكون [هذه الواسطة] مؤثّرة في جميع الأسباب والوسائل» أمراً جائزاً، بل واجباً وضرورياً([74]).

وحتّى الذي يُذعن في محلّه بشمولية مفهوم الغلوّ وصدقه على كلّ نوع من أنواع التجاوز للحدود والخطوط التي رسمها الشرع للأشياء، ولا يعدّ الغلوّ منحصراً بالتأليه([75])، عندما يصل به البحث إلى الغلوّ في حقّ الأئمة^، وينسحب الكلام إلى «نزِّلونا عن الربوبية…»، يميل إلى التفسير المتطرِّف، ولا يعود يعتبر كلّ ما دون الخالقية وفي مرتبة المخلوقية في حقّ الأئمة^ غلوّاً([76]).

والملفت في البين أن الحافظ رجب البُرْسي ـ الذي هو من أكثر الذين توجّهت إليهم سهام التهمة بالغلوّ من المتأخِّرين، ويُعتبر من أكبر حَمَلة تراث الغلاة في القرون المتأخِّرة ـ ينطلق تماماً من هذا المنطلق([77])؛ لتبرئة نفسه من تهمة الغلوّ، بل نجده يكتب حتّى في ذمّ الغلوّ والغلاة، ويهاجم الذين يعتبرونه وأمثاله من الغلاة بشدّةٍ([78]).

إن هذا الفكر الغالي القائم على التفسير المغالي لعبارة: «نزِّلونا عن الربوبية…» هو الذي يدفع بشاعر مغالٍ إلى نظم هذه الأبيات الغالية في وصف أمير المؤمنين×، حيث يقول في شعره:

يا نقطة الإمكان والأكوان يا *** مَنْ للنهار وللظلام مدبّرُ

لك ملكُ ما في العالمين وأنتَ في الـ *** أشياء تفعل ما تشاء وتقدرُ

قد حزْتَ دون الكائنات مراتباً *** فيها عقول الأنبياء تتحيَّرُ

يا أوّلُ، يا آخرُ، يا ظاهرُ *** يا باطنُ، يا مُهلكُ، يا مُنشرُ

أنت الصفات وليس مثلك في العلى *** شيءٌ أيا مَنْ في العُلى متصدِّرُ([79])

إن هذا الشعر المخالف للمسلَّمات الدينية، والمخالف لنصّ القرآن الكريم([80])، والذي نسب إلى عبد الله أموراً لا تليق إلاّ بذات الباري تعالى، لا يعتبر من وجهة نظر التفسير الغالي لعبارة «نزِّلونا عن الربوبية…» إلاّ بياناً لجانب من المقامات الملكوتية لأهل البيت^!([81]).

في خضمّ جميع هذه المناكفات نجد التفسير المتطرِّف لـ «نزِّلونا عن الربوبية و…» ـ القائم على فكرة أن الخصيصة والصفة والمنقبة الكذائية عندما تكون ممكنة من الناحية العقلية، وتكون في الوقت نفسه ما دون الربوبية أيضاً، فلا يكون انتسابها إلى الأئمة الأطهار^ مستحيلاً ـ يشكِّل المحور الأساس في هذه المعمعة.

إن من بين المغالطات التي يقع فيها الكثير من الغلاة والمصابون بداء الغلوّ، بعلمٍ أو بغير علمٍ، هو هذا الخلط بين «الممكن» و«الواقع». كلُّنا يعلم أن كلّ ما هو واقع فهو ممكنٌ حتماً، ولكنْ ليس كلُّ ممكنٍ هو واقع بالضرورة.

روى العلاّمة المجلسي& في (بحار الأنوار) خبراً ضعيفاً، نقله عن (عيون المعجزات)، جاء فيه: «رُوي عن عمر بن فرج الرُخّجي([82]) قال: قلت لأبي جعفر: إن شيعتك تدعي أنك تعلم كل ماء في دجلة ووزنه؟ وكنا على شاطئ دجلة، فقال× لي: يقدر الله تعالى أن يفوِّض علم ذلك إلى بعوضةٍ من خلقه أم لا؟ قلتُ: نعم، يقدر، فقال: أنا أكرم على الله تعالى من بعوضةٍ، ومن أكثر خلقه»([83]).

نشهد في هذا الرواية خلفية للخلط بين «الممكن» و«الواقع»؛ إذ من الممكن عقلاً أن يعطي الله العلم الفلاني أو العلم الكذائي لمخلوقٍ من مخلوقاته، ولكنْ هل يلزمنا مجرّد هذا الإمكان بالقول أنه أعطاه هذه العلوم على أرض الواقع فعلاً؟! بطبيعة الحال هناك أدلّة قطعية تثبت أن علم الأئمة^ كان ينطوي على محدوديات، وإن الله لم يهبهم علم كلّ ممكنٍ([84]). وعليه فلو اعتبرنا هذا الخبر الضعيف والمشكوك في أمره صادراً عن الإمام× حقيقةً فإننا نقول في مثل هذه الحالة: إن مراد الإمام هو رفع الاستبعاد عن حقيقة العطاء الإلهي غير المحدود للأئمة^، وليس إثبات مدّعى الغلاة القائم على إحاطة الأئمّة بكلّ شيءٍ (مهما كان كبيراً أو صغيراً في ماضي وراهن المفاهيم والموضوعات).

وعلى كلّ حال فإن صدق انتساب صفة وفضيلة للأئمّة الأطهار^ باستثناء الإمكان العقلي، وكونهم دون الألوهية، تترتَّب عليه لوازم أخرى أيضاً.

أحياناً نصادف ضمن أدلة الغلاة مثل هذه المقدّمات التي تقول: حيث إن الله قادر على كل شيء، وحيث يقوم الإمكان العقلي على أن الله يضع جميع قدرته وعلمه وما إلى ذلك تحت تصرُّف واحد من مخلوقاته، على نحو طولي، فعليه لا يكون الادّعاء القائم على شمولية وإطلاق علم أهل البيت^ كلاماً مجانباً للصواب، وإن هذه القدرة وهذا العلم منبثقٌ عن الله سبحانه وتعالى!([85])… إن الذي يتمّ إغفاله في ترتيب هذه المقدّمات هو الاستناد إلى دليلٍ متين على حقيقة قيام الله بمثل هذا الأمر، وأنه قد وضع قدرته وعلمه الواسع والمطلق تحت تصرُّف الأئمة الأطهار^ حقيقة. كما يجب عدم الغفلة في إثبات هذا المدَّعى عن الواقع التاريخي، وبعض القضايا القطعية من كتاب الله والسنّة المعتبرة أيضاً!([86]).

إن من بين الأمور التي تؤخذ على أمثال الحافظ رجب البُرْسي هو هذا الخلط بين «الممكن» و«الواقع».

قال أحد الباحثين المحقِّقين المدقِّقين، بعد أن ألقى نظرةً فاحصة وثاقبة على كتاب (مشارق أنوار اليقين)، للحافظ البُرسي: «…يكفي بالنسبة له مجرّد أن تكون المنقبة لا مانع منها على المستوى العقلي ليتلقاها بالقبول، ويعتبرها متحقِّقة في عالم الخارج، دون أن يرى ضرورةً إلى تأويل أو توجيه ظواهر هذه الأخبار بنحوٍ من الأنحاء»([87]).

لو أننا تمسَّكنا بالمنهج والأسلوب العلمي، ولم نخلط بين «الإمكان» و«الوقوع»، لن يكون بمقدورنا إبداء مثل هذا التساهل والتسامح عند مواجهة أيّ خبر مأثور، ومنقبة منقولة.

كلّما وردت فضيلة في شأن النبيّ وأهل بيته الأطهار^، حتّى في رواية أو كلام أحد العلماء، ولم يكن سندها أو غير ذلك من القرائن المعتمدة، بحيث يمكن الركون إليه، فإن نسبة تلك الفضيلة إلى هؤلاء العظام ستكون عملاً غير مسند، وكلاماً لا يمكن الدفاع عنه أو تبريره([88]).

يمكن نقد بعض هذه الخصائص والمناقب المنقولة والمشكوك فيها بمجرد التأمُّل والتحليل العقلاني الابتدائي.

هناك من الشيعة ومن أهل السنّة مَنْ روى أن النبي الأكرم| لم يكن له ظلٌّ([89]). وقد نسب بعض هذه الصفة والمنقبة إلى الأئمّة من أهل البيت^ أيضاً([90]).

يمكن الحدس بأن هذا التصوُّر إنما شاع بعد انتهاء عصر حضور الأئمة^ وفي غيابهم؛ كي لا يكون هناك إمكان لإثبات صحّة هذا المعنى المحسوس والتجريبي من عدمه. وهناك احتمالاتٌ أخرى. ولكنْ علينا أن نستغرب من التزام بعض المفكِّرين ـ المطَّلعين في الجملة على التاريخ والروايات ـ بهذا التصوُّر؛ إذ لو كان كل واحد من أهل بيت الرسالة^ عندما يصل إلى الإمامة (أو منذ ولادته) معدوم الظلّ فسوف يكون التعرُّف على الإمام من بين الكثير من الناس عملاً سهلاً جدّاً، فكان يكفي أن يقف مَنْ يدّعي الإمامة تحت الشمس، فإنْ بان له ظلٌّ ثبت بطلان مدَّعاه، وإنْ لم يبِنْ له ظلٌّ كان صادقاً. وعليه كيف كان يحتدم الخلاف بين فترةٍ وأخرى بشأن تحديد مَنْ هو الإمام، وكان أصحاب الرأي والعلم عند وقوع الاختلاف يلجأون ـ من أجل تحديد الإمام الحقّ ـ إلى البحث والتساؤل، واختبار علم الإمام وأهليّته للإمامة؟

علينا أن لا نذهب بعيداً جدّاً، فقد كان الكلام في أن الاكتفاء بمجرّد «الإمكان» في نسبة الفضيلة الفلانية أو المنقبة الكذائية إلى أهل بيت النبي ليس صحيحاً.

إنّه لمن دواعي العبرة أن يبادر محقِّق معاصر ـ من خلال الاستناد إلى رواية تشتمل في حدّ ذاتها على إشكال سندي([91]) ـ، دون الاهتمام بالأدلة والقرائن الخارجية التي تحدِّد معنى الرواية، ويقول بملء فمه: «…فبيّن× أنّ الضابطة في صحّة إسناد النعوت والأوصاف لهم^، والمدار في تحقيق مقاماتهم، ليس على عدم غرابة النعت، ولا على تعقُّلنا لتلك النعوت وإمكان فهمنا لها تفصيلاً، ولا على أنسنا لتلك الأوصاف والنعوت، بل ولا على صرف صحّة السند وعدمه، وإنّما المدار على إمكان كون تلك الصفة صفة المخلوقين، أي عالم الإمكان ما سوى الله، وإنْ لم يكتنه العقل المحدود للبشر كُنْه حقيقة تلك الصفة بنحو التفصيل، لكنَّه يدرك إجمالاً أنّ الصفة صفة ممكن حادث، لا الصفة المختصّة بالذات الأزلية الغنية»([92]).

أرى أن قائل هذا الكلام نفسه لم يكن يدرك عمق الكارثة المترتّبة على كلامه!

ويحسن هنا أن نتأمّل في لوازم كلامه: نعلم أن اختراع الهاتف والتلفاز والطائرة، واكتشاف القارة الأمريكية، وتأليف الكفاية والمكاسب وأصول الكافي وبحار الأنوار، بأجمعها من الأمور التي يمكن أن تصدر عن ممكن الوجود. وعليه بناء على كلام هذا القائل، وخاصّة حيث لا يجب الاعتبار بالغرابة والإشكال السندي وما إلى ذلك، يمكن لشخصٍ أن يخرج علينا ذات يوم ليدَّعي مثلاً أن الهاتف والتلفاز والطائرة من اختراع الإمام الصادق×، وأن القارّة الأمريكية قد تمّ اكتشافها من قبل الإمام الكاظم×، وأن الكفاية والمكاسب وأصول الكافي وبحار الأنوار من تأليف الإمام الرضا×، وما علينا غير الإذعان والتصديق!

وبطبيعة الحال نعلم أن قائل هذا الكلام سيقول لنا: على السامع أن يكون عقله في رأسه، ليدرك أن مرادنا لم يكن يشمل هذه الأمور المعروفة والواضحة.

ولكنّنا سنقول في جوابه: إذن عليك أنتَ أن تذعن بأن هناك غير قيد «الإمكان» قيوداً كثيرة أخرى في عالم الخارج وفي جعبة العلم، بحيث تحدّ من دائرة القول بالمدَّعيات التي ذكرتها. وعليه فإن تجريء المخاطب وتشجيعه على القول بهذه الصفات والخصائص الممكنة في حقّ الأئمة^ غيرُ لائق.

فهناك الكثير من الأمور التي تتّصف بالإمكان على المستوى الوجودي، بل تمّ ادّعاؤها بالنسبة إلى الأئمة^ منذ القِدَم، إلاّ أن المحقِّقين وأصحاب الفكر لا يقبلونها.

فما هو الوجه في كلّ هذه الإشكالات المثارة حول التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري×، والقول برفض هذه النسبة؟

ما الذي يمكن فعله بشأن الكثير من الموروث التاريخي وغيره ممّا يمكن أن يتّصف بالإمكان، ومع ذلك وقع الإشكال في انتسابها وتحقُّقها بشأن أهل البيت^؟

5ـ إن الفهم الغالي في حدِّه الأكبر لـ «نزِّلونا عن الربوبية وقولوا…» يخالف حتّى أصل الرؤية التوحيدية في الإسلام.

إن الرؤية التوحيدية للإسلام ـ والتي دعا إليها وفسَّرها النبي الأكرم وأوصياؤه الكرام^ ـ تستلزم نفي جميع أنواع الشرك. وعليه فإن هذه الرؤية لا تنسجم مع الاعتقاد بـ «الأرباب» والآلهة الدنيا، حتّى إذا لم يتمّ وصفها بواجب الوجوب بالذات.

لقد عمد العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان، في تقريره للآية الثالثة من سورة الزمر، إلى تفسيرها وإيضاحها، قائلاً: «إن الوثنية يرَوْن أن الله سبحانه أجلّ من أن يحيط به الإدراك الإنساني من عقلٍ أو وَهْم أو حسٍّ، فيتنزه تعالى عن أن يقع عليه توجه عبادي منا، فمن الواجب أن نتقرَّب إليه بالتقرُّب إلى مقرَّبيه من خلقه، وهم الذين فوَّض إليهم تدبير شؤون العالم، فنتَّخذهم أرباباً من دون الله، ثم آلهةً نعبدهم، ونتقرَّب إليهم؛ ليشفعوا لنا عند الله، ويقرِّبونا إليه زلفى. وهؤلاء هم الملائكة والجنّ وقدِّيسو البشر. وهؤلاء هم الأرباب والآلهة بالحقيقة… وكيف كان فالأرباب والآلهة هم المعبودون عندهم، وهم موجودات ممكنة مخلوقة لله، مقربة عنده، مفوضة إليهم تدبير أمر العالم لكلٍّ بحسب منزلته، وأما الله سبحانه فليس له إلاّ الخلق والإيجاد، وهو (ربّ الأرباب) و(إله الآلهة)»([93]).

وعلى هذا الأساس فإن مجرّد الاعتقاد بالوجوب الذاتي لوجود الله، واعتبار غيره ممكن الوجود، لا يوصلنا إلى التوحيد الإسلامي الخالص؛ إذ رأينا أن الوثنيين المشركين، الذين تعرَّضوا للذمّ في القرآن، كانوا يقرُّون بهذا المقدار من الإيمان بالله!

يظهر من القرآن الكريم بوضوحٍ([94]) أن المشركين والوثنيين من العرب كانوا يؤمنون بالله بوصفه «ربّ الأرباب». ونعلم أنهم كانوا يعبدون الأصنام والأوثان بوصفها مظاهر لمختلف أنواع الآلهة، والتي هي ـ من وجهة نظرهم ـ خاضعةٌ بأجمعها تحت سيطرة ربّ أرباب، وهو «الله» تعالى([95]).

إن التحقيقات الجديدة تبيّن وتثبت أن «المشركين من العرب… لم يكونوا ينكرون أن الله هو خالق العالم، ورازق الناس، والعالم بالظاهر والباطن. وإنما كانوا يقولون بأن كل واحد من الأصنام يمثِّل المظهر الأتمّ لإحدى خصائص وصفات الأفعال الإلهية، من الجمال والرحمة والغضب والخلق والرزق وما إلى ذلك، وأنها تمثل التجلي الخارجي لتلك الصفات على شكل الحبّ والحرب والمطر وما إلى ذلك؛ حيث تحدث هذه الأمور بتفويضٍ من الله، وعلى نحو الترتُّب الطولي، إذ تكون هذه الأمور منشأ لوقوع الأشياء في العالم، إلاّ أن منشأ هذه الأمور لا تستوجب تصغير الله الكبير المتعالي أو التنزُّل بمرتبته؛ لأن الله هو الواهب لذواتها، وهو الذي منحها القدرة على اجتراح تلك الأمور…»([96]).

وقد رُوي في بعض رواياتنا أن مشركي قريش في عصر الوثنية كانوا يلبّون ضمن بعض المناسك قائلين: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلاّ شريك هو لك، تملكه وما ملك»([97]).

فهؤلاء كانوا يقرّون بأن الله هو مبدأ الوجود، ولكنهم في الوقت نفسه كانوا يشركون، وكما يبدو من عبارة «تملكه وما ملك» يتّضح أن ما كانوا يعتبرونه شريكاً لله لم يكونوا يجعلونه في عرض الله، أو يعتبرونه قريناً لله، بل كانوا يرَوْنه في طوله، وفي طول ألوهيته([98]).

إن نسبة القوى الإلهية اللامتناهية إلى عباده، كما لو اعتبرنا علم أو قدرة عبد الله «لا متناهية»، من مقولة «الشرك في الصفات»([99]). وهذا التصوُّر الباطل هو من مصاديق ما عبَّر عنه الشيخ هادي نجم آبادي ـ الفقيه المتحرِّر في العصر الناصري([100]) ـ، في كتابه (تحرير العقلاء)، بـ «شرك الغلوّ»([101])، ويراه مضاهياً ومشابهاً إلى حدٍّ كبير لغلوّ النصارى في السيد المسيح([102]).

وإنه لمن دواعي الأسف أن بعض أنواع التجسيم الحاصل في ثقافة المسلمين، واضمحلال بعض التعاليم والقيم، قد خفَّف من قبح هذا النوع من «الشرك في الصفات»، أو «شرك الغلوّ»، في أذهان وأعين الكثير من المسلمين.

وفي القرون الأخيرة، ولا سيَّما في تراث الغلاة القديم من جهةٍ، وبعض مواريث الصوفية من جهةٍ أخرى، قد تعاضدت وتظاهرت، ليتغذّى منهما أشخاصٌ من أمثال: الحافظ رجب البُرْسي، كي يدّعي عدم وجود أيّ قيود أو حدود في اتّصاف شخص «الولي» بجميع الصفات الإلهية، باستثناء الإمكان الذاتي([103]).

نقل عن أحد العلماء المتأخِّرين أنه قال: «…إن الصفات الكمالية للأئمة الأطهار^ لا متناهية، كما هو الحال بالنسبة إلى صفات الله الكمالية أيضاً، والفارق الوحيد بينهما يكمن في الإمكان والوجوب فقط»([104]).

وفي شعر أحد شعراء ذلك العصر([105]) نرى هذه الجرأة في وصف أمير المؤمنين× على لسان «العرفاء» بأنه «خلاق العالم»([106])، حيث يخاطب الإمام بقوله: «إي جامع جميع كمالات إيزدي»([107])!

إن ترسُّب هذا النوع من الاتجاهات الفكرية في الأذهان من شأنه أن يفرغ المجتمع تدريجياً من أنصع التعاليم الإسلامية المتمثِّلة بالتوحيد الخالص والنقاء التوحيدي، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلباً على التعاليم والمفاهيم الدينية الأخرى، من قبيل: مفهوم النبيّ والإمام وما إلى ذلك([108]).

لا شَكَّ في أن النصّ الجوهري والأصيل والقاطع في الإسلام لمعرفة الله، وبيان حدود التوحيد، هو «القرآن الكريم». كما يضع القرآن بين أيدينا أدلة قاطعة كي لا نعتبر أيّ شخص وأيّ شيء، بما في ذلك الأنبياء والأولياء، آلهة من دون الله، أو أن نرى لهم ذات علم الله وقدرته وسائر صفاته المطلقة الأخرى.

ومن الأمثلة الواردة في القرآن بشكلٍ صريح أن النبيّ| لم يكن على علم بوجود بعض المنافقين بين المسلمين من حوله([109])، وهذا يتنافى مع ادعاء البعض بأن النبي يملك علماً مطلقاً لا حدود له، وأن النبي كان يعلم سرائر وبواطن الأشخاص وما يضمرونه في صدورهم.

كما يبدو من القرآن الكريم أن التصرُّف في الكون واجتراح المعجزة؛ لإثبات حقّانية الادّعاء الإلهي، لم يكن بالأمر الذي يمكن للنبيّ أن يجترحه متى أراد، بل إن النبيّ إنما يمكنه أن يجترح المعجزة عندما يمكِّنه الله منها([110]).

ربما كان من أكثر العناصر ضرراً في تمهيد الأرضية للإقبال على التفسيرات الغالية، والفهم الموسّع لمضامين من قبيل: «نزِّلونا عن الربوبية و…»، هو التغيُّر الذي طرأ على المناخ الديني الثقافي العام، وشيوع ظاهرة التسامح في التعاطي مع الرواة والروايات.

إن عدم غربلة الكثير من كتب المناقب والفضائل([111])، وعدم تخليصها من الروايات الضعيفة ـ والمعارضة في بعض الموارد للعقل، أو الكتاب والسنّة القطعية، أو التي تصطدم مع الواقع التاريخي بشكلٍ صريح ـ، والأسانيد الضعيفة المروية عن الغلاة والمتهمين أو المجهولين ـ والوضّاعين أحياناً ـ، جعل الكثير من عوامّ الشيعة يواجهون ركاماً من التعاليم والتقارير التي تخلب الأذهان، والتي تسوق السامع أو القارئ تلقائياً ناحية التفسير الغالي لمضامين من قبيل: «نزِّلونا عن الربوبية و…».

والعنصر الرئيس في عدم غربلة الكثير من كتب المناقب والفضائل يعود بدوره إلى التسامح المبنائي للكثير من المتقدِّمين في ما يتعلّق بأخبار الفضائل والمناقب([112]). وكان من الخطأ القول بأن هذه الروايات؛ حيث لا تعبِّر عن أحكام الله، ولا تحلِّل حراماً، ولا تحرِّم حلالاً، ليس من الضروري التشدُّد والتدقيق بشأنها.

وبطبيعة الحال فإن بطلان هذا التصور واضح. ولربما حظيت الآراء الفقهية بالقبول أو الرفض في ضوء هذا الركام الهائل من نمط هذه الروايات([113]). والأهمّ من ذلك أن هذا النوع من الروايات هو الذي يبلور عقائد المتديِّنين. ولا يخفى أن هذا أهمّ من كل حلال وحرام.

وفي ما يتعلق بركام الروايات مورد البحث، والتي يفتقر أغلبها إلى السند، أو المسندة إلى كتب مجهولة الأصل ـ والهوية أحياناً ـ، والتي تذكر في الكثير من الموارد بنمط التفكير واللغة وبيان النصوص الصوفية([114])، هناك مسألة أخرى تستحق الذكر، وهي: إننا لو قسمنا الغلوّ في تقسيمٍ شامل إلى: الغلوّ في الذات (من قبيل: ادعاء «الاتحاد» و«الحلول» أو الاستقلال عن الله وما إلى ذلك)، والغلوّ في الصفات، والغلوّ في الفضائل([115])، لوجدنا أن الحصّة الكبرى من الروايات ذات الشأن ظاهرة في الغلوّ في الصفات([116]). ولكنْ حيث إن الاهتمام الأكبر من قبل العلماء المتأخِّرين كان متجهاً إلى الغلوّ في الذات، وعدم أخذ الغلوّ في الصفات والغلوّ في الفضائل من الاهتمام إلاّ القليل([117])، فإنّ هذه الروايات ـ التي احتوى مشارق أنوار اليقين، للحافظ رجب البُرْسي، على عددٍ كبير منها([118])، ونراها بكثرةٍ في كتب من قبيل: مدينة المعاجز، للسيد هاشم البحراني ـ لم تُثِرْ حساسيةً كبيرة لديهم.

إن بعض التقارير القديمة تُشعر بأن الغلبة المطلقة كانت إلى جانب الكثير من الجماعات والتجمّعات الشيعية غير الغالية، وأن الأفكار الغالية، من قبيل: الاعتقاد بعلم الإمام بكلّ شيء في العالم ـ كبيره وصغيره، وعظيمه وحقيره، وما إلى ذلك ـ، أو إثبات القدرة المطلقة للإمام في التصرُّف بجميع أنواع التصرُّف في العالم، كان يتمّ نفيها وطردها من الأوساط الشيعية غير الغالية([119]).

إن نظرة إلى فهرست مؤلَّفات الشيعة حتّى القرن الهجري الخامس تثبت وجود نشاط محموم لعلماء الشيعة على جبهتين: في محاربة النواصب والأفكار الناصبة من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى ـ والتي تبدو أحياناً على نحوٍ أشدّ ـ في مواجهة الغلاة والأفكار الغالية([120]).

وفي المراحل اللاحقة والمتأخِّرة، وبفعل نفوذ الغلاة ـ ولا سيَّما الغلاة المفوِّضين ـ في صفوف المعتدلين من الشيعة([121])، وخاصّة أثناء حصول بعض الصعوبات التي قادت الكثير من علماء الشيعة إلى الإصرار على الدفاع عن الحدود الخارجية للتشيُّع([122]) في مواجهة النواصب بشكلٍ جادّ ـ والذي اتّخذ أحياناً منحىً متطرّفاً ـ، فقد شُغلوا عن الاهتمام الكافي والجادّ بالخطر الهدّام للغلاة في الداخل.

أما الإطلالة على مؤلَّفات الشيعة في القرون العشرة الأخيرة فتظهر ندرة في الآثار الخاصة بمكافحة الغلوّ، حيث تتركّز أغلب الجهود إمّا على الفتن المتأخِّرة وظهور فرقة الشيخية، أو على المناخ الجديد وفي ضوء مقتضيات «العالم الحديث».

وطوال القرون المنصرمة أدّى تسلُّل الموروث الغالي إلى المجتمع الشيعي على نطاق واسع، واستئناس الأذهان وانسجامها مع بعض هذا الموروث، إلى جرِّ حتّى بعض علماء الشيعة بالتدريج نحو تمهيد الأرضية لتبرئة أو تبرير هذا الموروث([123]).

وإثر هذه الكيفيات هيمن نوعٌ من عدم الحساسية ـ بل وحتّى حسن الظنّ ـ تجاه الرواة المتَّهمين بالغلوّ على عدد من المتأخِّرين والمعاصرين؛ بذريعة أن الفكرة التي كانت تعدّ ذات يوم غالية تعدّ في عصر آخر من ضروريات الدين. من هنا فإن صاحب تلك الرؤية الذي كان يعدّ في ذلك العصر غالياً تتّجه الأنظار في المرحلة الراهنة لتعتبره موالياً ومخلصاً([124]). وتتّسع مساحة حُسْن الظن هذا حتّى يصل الأمر بالبعض إلى القول: إن «أغلب» بل «جميع» المحدِّثين وأصحاب الأئمة المتَّهمين بالغلوّ كانوا من «الرجال المؤمنين والعدول والأخيار والصلحاء المعتدلين في العقيدة»!([125]).

إن للشيخ عبد الله المامقاني(1290 ـ 1351هـ)، في الفائدة الخامسة والعشرين من مقدّمة (تنقيح المقال)، كلاماً حاصله: إن الكثير من صفات الأئمة^ التي تعدّ اليوم من ضروريات المذهب الشيعي كانت في العصور المتقدّمة تعدّ من الغلوّ؛ وذلك لأن الأئمة^ كانوا يحذِّرون شيعتهم من القول ببعض مراتبهم؛ بغية إبعادهم عن القول بما هو من الغلوّ حقيقةً. وعلى هذه الشاكلة فإنهم؛ من أجل الدفاع عن الشؤون الإلهية الأهمّ من مواقعهم، كانوا يردعون شيعتهم من القول ببعض صفاتهم وشؤونهم؛ لأن منزلة الله هي الأصل، بينما منزلتهم متفرِّعة عن شؤون ومنازل الله تعالى، وإن منزلتهم إنّما نشأت من قرب منزلتهم عند الله([126]).

وبطبيعة الحال فإن المامقاني يقطف من أغصان هذه الرؤية ثمرةً رجالية، وهي تبرئة ساحة عدد من الرواة والمحدِّثين المتَّهمين بالغلوّ([127]).

والعجيب أن كلام المامقاني في تنزيه أغلب الرواة المتَّهمين بالغلوّ قد حظي بالقبول والترحيب من قبل بعض المتأخِّرين، الذين كانوا يباهون في اهتمامهم الكبير بهذا الكلام في مؤلَّفاتهم، حيث القول بأن أغلب ما كان يُعدّ غلوّاً في العصور المتقدّمة يُعَدّ اليوم من ضروريات ولوازم الاعتقاد الشيعي، دون أن يلتفتوا إلى المقلب الآخر من القضية؛ إذ ما هو الداعي إلى الافتراض دائماً «أن عقيدة المتأخِّرين هي الصحيحة، وحيث إنهم يصحِّحون ما كان يعتبره القدماء غلوّاً يكون المتقدِّمون مخطئون في اعتقادهم حتماً»؟! ألا يحتمل هذا الوجه أيضاً ـ ولربما كان هو الأقرب إلى المنطق ـ، حيث القول: «إن المتقدِّمين لما كانوا يتمتعون برؤية أقوى بالقياس إلى المتأخِّرين؛ بسبب قربهم من عصور النصّ، كانوا أكثر بصيرةً ومعرفة بالعقائد الأصيلة من المتأخرين، وحيث كانوا يرَوْن العقيدة الفلانية أو الكذائية غلوّاً وجب التشكيك في صحّة ما ذهب إليه المتأخِّرون»؟!

ثم هناك تأمُّلٌ في أصل ما ذكر المامقاني من الوجه في الجمع بين الروايات النافية والروايات المثبتة لبعض الشؤون للأئمة^، وخاصّة أنه في مقام التعارض يتّضح أن الأغلب يميل إلى انتساب طرف إلى جماعة الغلاة، هذا أوّلاً.

وثانياً: إن أصل افتراض المامقاني أن نسبة الغلوّ إلى بعض المعتقدات كان ناظراً إلى المصلحة يحتاج إلى أدلة محكمة. ويبدو من خلال التتبُّع في التاريخ والروايات عدم وجودها. بل إن القرآن الكريم والسنة القطعية والواقع التاريخي يساعد على نفي الموارد البارزة والهامة من مرويات هذا النمط من الرواة.

وثالثاً: إن فتح مثل هذا الباب الواسع لنفي جدّية الكثير من النواهي الصادرة عن الأئمة الأطهار^، وحملها على نوع من التقية الناظرة إلى المصلحة، أو…، سيوصل الأمر إلى مستوى لا يمكن فيه لحجر أن يستقرّ على حجرٍ، كما يقول المثل المعروف! ومن المستبعد أن يلتزم القائل بهذه النظرية بتبعاتٍ من هذا القبيل.

إن من بين العوامل الأكثر والأشدّ تأثيراً في إعداد المجتمع الشيعي لشيوع التفسير المتطرِّف والغالي لـ «نزِّلونا عن الربوبية و…» هيمنة أفكار ابن عربي وأفكار المتأثِّرين به، والتي بدأت منذ القرنين الهجريّين السابع والثامن، ووجدت لها مكاناً في الحاضنة الشيعية، ولا سيَّما من خلال الجهود التي بذلها السيد حيدر الآملي. وقد أدّى ظهور مفكِّرين من أمثال: الميرداماد، وصدر المتألِّهين الشيرازي، والفيض الكاشاني، وشيوع النظام الفلسفي المعروف بالحكمة المتعالية ـ المتأثِّرة إلى حدٍّ كبير بأفكار ابن عربي([128]) ـ، إلى تنظيم الفكر الشيعي للمتأخِّرين، وعمل على تدعيم أركانه.

إن تصوُّر «الإنسان الكامل»، طبقاً لتقرير ابن عربي، شبيهٌ إلى حدٍّ كبير بما يمكن أن يُستنتج من التفسير الغالي لعبارة: «نزِّلونا عن الربوبية و…».

قال داوود القيصري(751هـ) ـ وهو من أبرز شرّاح (فصوص الحكم)، والذي يُعتبر أيضاً من أبرز المسوِّقين لأفكار ابن عربي ـ، في مقدّمته على شرح الفصوص: «…ومرتبة الإنسان الكامل عبارةٌ عن جمع جميع المراتب الإلهية والكونية… فهي مضاهية للمرتبة الإلهية، ولا فرق بينهما إلاّ بالربوبية والمربوبية، لذلك صار خليفة الله…»([129]).

أما الشارح الشهير لهذه المقدّمة في عصرنا، وهو السيد جلال الدين الآشتياني، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يقول: «…باعتقادي فإن وجوب الوجود والأزلية والإحاطة ثابتةٌ للإنسان الكامل. إن الفرق بين الإنسان الكامل في مقام الاتصاف بوجوب الوجود وسائر لوازم ذلك ووجوب الوجود الذي يعتبر في مقام الأحديّة لذات الحقّ كالفرق بين الظاهر والمظهر، والغيب والشهادة. وإن جميع الأسماء الإلهية الذاتية وغير الذاتية مجموعة في المظهر الأتمّ، فهو متَّصف بجميع الأسماء والصفات الكلّية للحقّ، باستثناء القدم والوجوب الذاتي…»([130]).

وفي خلال بحثه يستند ـ كما هو المتوقَّع ـ إلى عبارة: «نزِّلونا عن الربوبية…» أيضاً!([131]).

وعلى كلّ حال فإننا إذا تجاوزنا مدى سلامة الاعتماد الموسّع القائم في ثقافتنا على ابن عربي([132])، ولا سيَّما اختيار ابن عربي بوصفه مستنداً لإعادة قراءة التعاليم الشيعية([133])، فإن من بين الثمار الاستثنائية لتأثُّرنا بابن عربي التنظير لمجموعة من الادّعاءات الغالية.

والنموذج على ذلك هو ذات التصوُّر الذي ذهب إليه ابن عربي في تصوير الإنسان الكامل، وذات بيان القيصري([134])، حيث شكَّل ذريعة ومستمسكاً لتبرير وتطهير مناجاة غالية ومشكوك في أمرها للغاية، بل موضوعة. وسوف نتحدَّث عنها ـ إنْ شاء الله تعالى ـ في هذا المقال. وقد تمّ تلقيها بالقبول من قبل الغلاة والمتأثِّرين بابن عربي، حيث تعكس تماماً القراءة الغالية لعبارة: «نزِّلونا عن الربوبية…».

وقد كان اكتفاء الكثير من المعاصرين بتفلسف صدر المتألِّهين في مجال العقائد([135])، إلى جوار قلّة الاهتمام بالتاريخ التحقيقي والدراسات الحديثية الناقدة، خير معين لمفاقمة هذا المنهج.

إن عدم الإلمام الكافي بالواقع التاريخي لحياة الأئمّة الأطهار^ من جهةٍ، والخوض والتعلّق ببعض الأخبار الضعيفة وما إلى ذلك من جهةٍ أخرى، قد رسّخ دعائم النظرة الغالية إلى الإمامة في أذهان بعض أهل العلم ـ للأسف الشديد ـ، بحيث أخذوا يعتبرون بعض آراء كبار المتقدِّمين من علماء الإمامية صراحة من «قصور النظر» في أمر الولاية، وتسمية أولئك المشايخ بأنهم «قصار نظر مغفلون» أو «مغفلون قصار النظر». ومن باب المثال: يدّعون أن الشريف المرتضى& في ما قاله في الشافي قد كان متأثِّراً بكثرة مخالطته وتردُّده على المخالفين من أهل السنّة، وما إلى ذلك!([136])

يتمّ في الكثير من المؤلَّفات التي يهيمن عليها الفكر القائم على مضمون «نزِّلونا عن الربوبية…» نقد المنكرين لهذا التطرُّف الغالي، واتّهامهم وردعهم بحربة التهديد! ومن نماذج ذلك عبارات من قبيل: «رغم أنف المنكرين…»([137])، أو اعتبار المخالفين الشيعة «متظاهرين بالتشيُّع»([138])، أو وصف المخالف بـ «الحمق» أو «الاجترار»([139])! بل بلغت الإساءة بهم أحياناً حدّاً لا يستطيع القلم بيانه، وتلويث الصفحات بذكره([140]).

فإلى أين سيصير بنا الأمر إذا لم يتمّ كبح جماح هذه الغلظة في الألفاظ، ولا يتمّ احترام الرؤية التحقيقية للحديث بشكلٍ منهجي، ولا يتمّ الاعتراف مجدّداً بالتفكير الكلامي المنسجم مع «الحقائق»؟!

6ـ قال أحد الفضلاء من الذين تولَّوْا البحث في «نزِّلونا عن الربوبية و…»، ضمن مقالٍ له تحت عنوان: «دراسة أحاديث (قولو ما شئتم)»، بعد إشارةٍ منه إلى الصِّيَغ المتهافتة في نقل هذا المضمون: «…إنّ الذي يمكن قوله بشأن محتوى هذه الأحاديث، على فرض [صحّة] صدورها، هو أن مضمونها يدلّ على المرتبة السامية للأئمة^، بمعنى أنهم قد بلغوا من الكمال والفضائل درجة يعجز العقل البشري العادي عن إدراكها وفهمها. من هنا فإننا مهما بالغنا في بيان كمالهم وفضائلهم نقصر عن بلوغ الغاية، وهذا ما تبيِّنه عبارة «لن تبلغوا» في بعض الروايات أيضاً. إن هذا المحتوى صحيح في حدّ ذاته، وهو يدفعنا إلى القول بصحّة هذه الأحاديث أيضاً. بَيْدَ أنه ينبغي الالتفات إلى أن كلمة «قولوا» المستعملة في هذا النوع من الروايات، وإنْ كانت تعني الاعتقاد وبيان هذا الاعتقاد، إلاّ أنها لا تجيز الوضع والاختلاق. وهناك الكثير ممَّنْ عمد إلى تشويه صورة هؤلاء العظام من خلال وضع الأحاديث اللامعقولة، والتي لا تنسجم مع العقل البشري المحدود. وعلى هذا الأساس فإن الطريق الصحيح هو الاكتفاء بالاعتقاد والقول بوجود أعلى درجات الفضائل للأئمّة الأطهار^، وأما في مرحلة الإثبات فيجب الاكتفاء ببيان الأحاديث التي ثبتت صحّتها بالطرق التي تورث الاطمئنان فقط»([141]).

أقول: إن هذا الكلام الصادر عن هذا الفاضل المعاصر لا يحلّ عقدة من المشكلة ـ في تصوُّري المتواضع ـ، بل إنه يزيد القضيّة إبهاماً، وبذلك فإنه يزيد على غموض المسألة غموضاً آخر؛ للأمور التالية:

أوّلاً: إن قوله: «إننا مهما بالغنا في بيان كمالهم وفضائلهم نقصر عن بلوغ الغاية» ليس بالقول المنضبط، بل هو عين القراءة الغالية في مضمون بحثنا. كما أن قوله: «إن هذا المحتوى صحيح في حدّ ذاته» قولٌ مُستبعَد من فاضلٍ يكتب في موضوع الغلوّ، ومعرفة الغلوّ والتعريف به.

فلو أننا ارتضينا قوله: «إننا مهما بالغنا في بيان كمالهم وفضائلهم نقصر عن بلوغ الغاية» وجب علينا القول مثلاً: إن النبي الأكرم| كان يعلم ببواطن جميع المنافقين من حوله، وكان عالماً بنفاقهم أجمعين، إلاّ أن هذا الادّعاء ـ الذي هو واحد من الثمار الطبيعية للقاعدة التي أسّس لها ـ مخالفٌ لصريح القرآن الكريم؛ إذ يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً النبيّ الأكرم| في محكم كتابه الكريم: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ (التوبة: 101). والواضح من صريح هذه الآية أن النبيّ الأكرم لم يكن يعرف بعضاً من المنافقين الذين عاصروه.

وعليه هل يمكن بعد ذلك أن نقول: «مهما بالغنا في بيان كمالهم وفضائلهم نقصر عن بلوغ الغاية»؟

وثانياً: إنه بعد تصحيح ذلك «المحتوى» قال: «…يدفعنا إلى القول بصحّة هذه الأحاديث أيضاً».

لقد سبق أن شرحنا عدم صحّة «المحتوى» المذكور، ولكنْ على فرض صحّة المحتوى مع ذلك لم نعرف كيف يمكن الإذعان على أساسه بـ «صحّة هذه الأحاديث»؟ فهل كلُّ كلامٍ صحيح يجب أن يكون حديثاً بالضرورة؟ وهل المعصومون الأربعة عشر^ هم وحدهم الذين صدر عنهم الكلام الصحيح، فيمكن لذلك، من خلال الوقوف على صحّة المحتوى، الالتزام بصحّته على أنه من الحديث؟!

إن هذا الفاضل المعاصر يعلم خيراً من غيره أنه كثيراً ما تمّ التسامح في كلام صحيح أو تقرير واقعي لكلماتٍ وحِكَم نقلها راوٍ أو كاتب في ذلك الكتاب الأخلاقي أو العرفاني أو… بوصفه «حديثاً»، فهل يجوز لنا بعد ذلك أن نعتبر الكلام حديثاً معتبراً؛ لمجرّد صحّة مضمونه ومحتواه؟! لا شَكَّ في أن الجواب عن هذا السؤال لا يمكن أن يكون بـ «الإيجاب».

وثالثاً: إن ما قيل: «…فإن الطريق الصحيح هو الاكتفاء بالاعتقاد والقول بوجود أعلى درجات الفضائل للأئمة الأطهار» مجرّد كلام حماسي عاطفي وخطابي لا يقوم على أساسٍ. فما الذي تعنيه عبارة «أعلى درجات الفضائل»؟! فعلى سبيل المثال: إن أعلى درجات الفضائل الممكنة (بالإمكان العقلي طبعاً) هو العلم بدخائل الناس وبواطنهم وما يدور في ضمائرهم، فهذا من مصاديق «أعلى درجات الفضائل». ولكنّنا رأينا أن القرآن الكريم ينفي هذا المستوى من الفضائل صراحةً.

مضافاً إلى ذلك لو أننا قلنا باتصاف رسول الله بـ «أعلى درجات الفضائل»، وقلنا بالشيء ذاته بالنسبة إلى أمير المؤمنين، وإلى الإمام الحسن، وإلى الإمام الحسين^ (وهكذا…)، فإنّ نتيجة هذا تعني التساوي بين «النبيّ» و«الوصيّ» وأمثال ذلك في الرتبة والفضيلة. وهذا مخالفٌ لضرورة الدين والمذهب.

ورابعاً: إن قوله: «…فيجب الاكتفاء ببيان الأحاديث التي ثبتت صحّتها بالطرق التي تورث الاطمئنان فقط» مخالفٌ للمنهج الذي اقترحه بشأن الروايات التي تحمل هذا المضمون، حيث رأى أن الرواية بمجرّد أن يكون «محتواها» المزعوم صحيحاً يمكن اعتبار الروايات المذكورة صحيحاً أيضاً، وعليه يجب الإذعان بـ «صحّتها».

ـ يتبع ـ

الهوامش

(*) باحثٌ متخصِّصٌ في مجال الكلام والحديث. له دراساتٌ تحقيقيّة وتراثيّة قيِّمة.

([1]) لربما أثار قولنا: (الإلهيات المشوّهة) وضرورة إزاحة الغبار عنها حفيظة البعض، واعتبرها ثقيلة على قلبه. لذلك نرى من الضروري تنبيه القارئ إلى كلمات أحد المصلحين المعروفين في عالم التفكير الإسلامي في تاريخ التشيُّع المعاصر، ألا وهو الأستاذ الشهيد مرتضى المطهري&، حيث قال في كلمة تنطوي على الكثير من العِبَر تحت عنوان: (إحياء الفكر الديني): «…يجب علينا الاعتراف بأن حقيقة الإسلام بصورتها الأصيلة غائبة عن أذهاننا وأرواحنا، بل إن الغالب في أذهاننا عن هذه الأمور مجردّ مفاهيم ممسوخة، فتوحيدنا توحيدٌ ممسوخ، ونبوّتنا نبوّة ممسوخة، والولاية والإمامة عندنا ممسوخة، وهكذا اعتقادنا بيوم القيامة إلى حدٍّ ما. إن جميع تعاليم الإسلام الجوهرية قد غيّرت أشكالها في أذهاننا. هناك في الدين الكثير من المفاهيم، من قبيل: الصبر، والزهد، والتقوى، والتوكُّل، إلاّ أن جميع هذه المفاهيم ـ من دون استثناء ـ قد تعرَّضت للمسخ والتشويه في أذهاننا…». (مرتضى المطهري، ده گفتار: 144، ط 7).

([2]) في المصدر (الفارسي) المطبوع: صفحات بدلاً من صفات.

([3]) تحرير العقلاء: 50، ط أرمغان.

([4]) كما أشار بعض الأفاضل (انظر: السيد الخميني، الأربعون حديثاً: 573، تعريب: السيد محمد الغروي، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، ط 7). يمكن قراءة [الفعل: قلت] بصيغة المتكلِّم وبصيغة المخاطَب، ولكلّ واحدة من القراءتين وجهٌ.

([5]) «إنا لله»: كلمة استرجاع تقال لدى شدّة المصيبة وعظم الخطب. وحيث إن هذا الافتراء أو سوء الفهم يُعدّ من المصائب الكبيرة استرجع الإمام؛ حتّى يُثبت منتهى بُعْده عن هذا الافتراء. (الأربعون حديثاً: 573).

([6]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 2: 464، كتاب الإيمان والكفر، باب أن الإيمان لا يضرّ معه سيئة، والكفر لا ينفع معه حسنة، ح5، ط الغفاري. وانظر في هذا الشأن أيضاً: الصدوق، الأمالي: 417، المجلس 14، ح87، تحقيق مؤسسة البعثة؛ بحار الأنوار 24: 43 (نقلاً عن: أمالي الطوسي)؛ الصدوق، معاني الأخبار: 181، 182، 388، 389، ط الغفاري؛ بحار الأنوار 27: 173، 174، ح18 و19 (نقلاً عن: معاني الأخبار، للصدوق)؛ 47: 338، ح17 (نقلاً عن: المصدر نفسه). وانظر أيضاً: المسعودي، روش فهم حديث (مصدر فارسي): 241 ـ 243؛ العقائد الإسلامية 1: 346 ـ 347، مركز المصطفى|.

([7]) انظر: القاضي النعمان، دعائم الإسلام 1: 50، ط آصف فيضي؛ البهبودي، معرفة الحديث: 68؛ الأشعري القمّي، المقالات والفرق: 52، ط مشكور.

([8]) والملفت المضحك أن بعض هؤلاء الغلاة يدّعون أن الصلاة والفرائض الدينية الأخرى غير واجبة عليهم، إنما هي واجبة على غير الغلاة من الشيعة ـ والذين يعبِّرون عنهم بمصطلح «المقصِّرة» ـ، وقالوا بأن غير الغلاة لا يرَوْن محمداً| خالقاً للكون (وبذلك كانوا مقصِّرين في معرفته من وجهة نظر الغلاة)، فتمّ إيجاب الصلاة والزكاة والركوع والسجود والخضوع عليهم كعقوبةٍ لهم على تقصيرهم في المعرفة! …كان هؤلاء الغلاة يسعون إلى تأييد هذا الكلام الغريب بظاهر بعض العبارات القرآنية أيضاً! للوقوف على عقائدهم وأدلتهم انظر: الأشعري القمّي، المقالات والفرق: 61، ط مشكور.

([9]) انظر: المسعودي، روش فهم حديث (مصدر فارسي): 241 ـ 242.

([10]) قارن: المصدر السابق: 241.

([11]) لا يبعد أن يكون بعض الزنادقة والمنحرفين، الذين يتخذون من العناوين الإسلامية غطاءً للتستُّر على إلحادهم ونزعتهم الإباحية، ويتستَّرون خلف «الإسلام» و«التشيُّع» ـ من الذين أطلق عليهم لقب «الغلاة» في المجتمعات الإسلامية والشيعية؛ بسبب ما شوهد منهم من المجازفات والانحرافات العقائدية والسلوكية ـ، هم المروِّجون الأوائل والرئيسون لمثل هذه القراءات الإباحية، ليعملوا من خلال ذلك على إضفاء الشرعية على ممارساتهم، وتبرير تهتُّكهم وتحلُّلهم.

وفي ما يتعلَّق بالمنشأ الاحتمالي لبعض الغلاة الإباحيين انظر ـ على سبيل المثال ـ: صفري فروشاني، غاليان (كاوشي در جريانها وبرآيندها) (مصدر فارسي): 293.

وانظر أيضاً: تقرير سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي بشأن جماعة من الغلاة الذين كانوا يظهرون التشيُّع، ويبطنون قراءة ـ منحرفة ـ عن مذهبهم المجوسي، في: المقالات والفرق: 61 ـ 62، ط مشكور.

([12]) انظر التفصيل في هذا الشأن في: الإمام الخميني، شرح چهل حديث (مصدر فارسي): 568 ـ 576.

([13]) الإمام الخميني، الأربعون حديثاً: 589 ـ 590، تعريب: السيد محمد الغروي.

([14]) نقلاً بالمعنى عن: غفاري صفت و…، دراسات في علم الدراية: 282، وانظر أيضاً: النائيني، فقه الحديث وروشهاي نقد متن (مصدر فارسي): 202.

([15]) انظر: حسين الشاكري، موسوعة المصطفى| والعترة^ 13: 528.

([16]) انظر ـ مثلاً ـ: هود: 101.

([17]) أي اللعنة على مَنْ شكّ في أننا لسنا أنبياء (انظر: الريشهري، أهل بيت^ در قرآن وحديث (مصدر فارسي) 2: 805)، أو اللعنة على مَنْ شكّ في نزول لعنة الله على مثل هذا الشخص.

([18]) اختيار معرفة الرجال: 252، رقم 540، ط القيومي؛ بحار الأنوار 25: 296 (نقلاً عن: المصدر نفسه).

([19]) إن المطروح والمتداول منذ القدم في مذهب الشيعة المعتدلين ـ أو «الشيعة الأصولية»، على حدّ تعبير صاحب (النقض) ـ هو أن «الباري تعالى قد خلق جملة الكائنات، من أنواع الجمادات والحيوانات، لحبّ النبي محمد المصطفى، وأن الجميع متطفّل على مائدة فضله وكرامته، وما عليٌّ المرتضى ـ رغم فضله وعلوّ منـزلته ـ غير تلميذ وخادم وتابع ومقتدي ومطيع للنبيّ، ولو أنه تمرّد على المصطفى× طرفة عين، كان خاسراً ومبطلاً. وإن عليّاً المرتضى حاجبه ومقاتل في جيشه ووصيّه وخليفته وحافظ شريعته وأمّته، وأما بعده فهو مقتدى أمّته وأفضل من كل واحد من أصحابه وأهل بيته». (النقض: 178، طبعة أنجمن آثار ملّي). «لا شبهة في أنه كما أن المصطفى نصّ [منصوص] بالرسالة، ومعصوم من جميع أنواع الزلل، فإن الشيعة يذهبون إلى القول بأن أمير المؤمنين نصّ [منصوص] بالإمامة ومعصوم من جميع التُّهَم. أما درجة الرسول× فشيء آخر، فالرسول مقتدى وعليّ مقتدي، والرسول مطاع وعليّ مطيع، والنبيّ صاحب كتاب وقبلة وسنّة وشريعة، وليس لعليٍّ شيء من ذلك،… وكلّ مَنْ أشرك عليّاً مع الرسول في الرسالة والنبوّة فهو كافر ومبطل وضالّ ومنحرف ومبتدع…» (المصدر نفسه: 318 ـ 319).

وكما يقول المفكِّر الشيعي الشيخ محمد جواد مغنية: «…مَنْ… أعطى غير النبيّ جميع صفات النبي فهو خارج عن الإسلام باتّفاق الجميع». (القزويني، مسائل عقائدية ـ في الغلوّ والتفويض… ـ: 101، في مقالٍ عن معالم الفلسفة الإسلامية).

([20]) الكافي 1: 90، باب الكون والمكان، ح5 ، ط الغفاري (انظر أيضاً: المصدر نفسه 1: 91، باب النسبة، ح8). ونجد هذه الرواية مع اختلاف بسيط في الألفاظ في: الصدوق، التوحيد: 175، ط الحسيني الطهراني.

([21]) انظر: الصدوق، التوحيد، نفس الطبعة والصفحة.

([22]) انظر: ميرزا رفيعا، الحاشية على أصول الكافي: 303.

([23]) قال حسن زاده الآملي، في كتابه هزار ويك نكته 1: 178 (النكتة 344): «يستفاد من الموسوعات الروائية أن حالة الرعشة ونحوها التي كانت تعرض لأمير المؤمنين عليّ× من خشية الله كانت أكثر من الرعشة التي تعرض لرسول الله|، ويجب أن يكون الأمر كذلك؛ لأن رسول الله أكمل من عليّ، كما رُوي عن أمير المؤمنين× نفسه، أنه قال: إنما أنا عبدٌ من عبيد محمد…».

([24]) الحاكم النيسابوري، المستدرك 4: 77 ـ 78؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 3: 68، ط محمد أبو الفضل إبراهيم؛ نقلاً عن كتاب ابن أبي الحديد في: بحار الأنوار 31: 253.

([25]) انظر في هذا الشأن مثلاً: السيد جعفر مرتضى العاملي، الصحيح من سيرة النبي الأعظم| 5: 135 ـ 141، ط4، 1415هـ ؛ أبو الصلاح الحلبي، تقريب المعارف: 394، تحقيق: فارس تبريزيان؛ العقائد الإسلامية3: 246 ـ 254، مركز المصطفى|.

([26]) بحار الأنوار 31: 258.

([27]) سنن الدارمي 1: 81.

([28]) الصدوق، التوحيد: 455، ط الحسيني الطهراني.

([29]) انظر: الريشهري و…، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب× في الكتاب والسنّة والتاريخ 8: 136 ـ 138.

([30]) الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب المصافحة، ح6.

([31]) الكافي 2: 180، ط الغفاري.

([32]) انظر: مرآة العقول 9: 65.

([33]) انظر في هذا الشأن: بحار الأنوار 68: 221؛ كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 195 (النصّ والهامش)، ط. الغفاري؛ المازندراني، شرح أصول الكافي 8: 415، ط. بيروت؛ المفيد، الأمالي: 205 ـ 206 (النصّ والهامش)، ط الأستاذ ولي الغفاري؛ كنـز العمال 16: 3، رقم43672، 16: 476، رقم 45527؛ المناوي، فيض القدير 3: 286، ط دار الكتب العلمية.

([34]) رحم الله الفاضل (عبد الرحيم رباني الشيرازي)، مصحِّح المجلد الخامس والعشرين من بحار الأنوار، حيث عمد إلى تصحيح هذا المجلد وتهميشه، وعندما وصل إلى الحديث القائل: «إيّاكم والغلوّ فينا، قولوا: إنا عبيد مربوبون، وقولوا في فضلنا ما شئتم»، الذي نقله العلاّمة المجلسي عن حديث الأبواب الأربعمائة من الخصال، قال في تهميشه على كلمة «فضلنا»: «أي قولوا في فضلنا ما شئتم ممّا يناسب العبيد والمربوبين». (بحار الأنوار 25: 270). وبذلك فقد عمد في هذا الهامش إلى ذكر هذا المعنى المقيِّد لعبارة «ما شئتم» بالقيود الخاصة. وانظر أيضاً التصريح بتقييد «ما شئتم» في: القزويني، مسائل عقائدية (في الغلوّ والتفويض…): 105.

([35]) قال في حقّ اليقين: 59 (ط كانون پژوهش)، في نهاية المقصد الثالث من الباب الخامس، الذي عقده «في بيان صفات وخصائص الإمام»: «…ورد في الأخبار: لا تجعلونا شركاء لله ولا تقولوا بربوبيتنا، وسوف تقصّرون في بيان فضائلنا وكمالاتنا. وقد قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً﴾. وقد جاء في الأحاديث: نحن كلمات الله التي لا تحصى. وفي ما يتعلق برأي العلامة المجلسي انظر: بحار الأنوار 25: 346 ـ 347، الذي سيأتي الكلام عليه.

([36]) المجلسي، الاعتقادات: 26، تحقيق: الرجائي.

([37]) في عيون أخبار الرضا×: تبارك وتعالى.

([38]) السيد فضل الله الراوندي، النوادر: 125، ط دار الحديث؛ عيون أخبار الرضا× 2: 481، ط الغفاري ـ مستفيد؛ كنـز العمال 3: 652 (بضبط «…قد اتّخذني عبداً قبل أن يتّخذني رسولاً»).

([39]) اختيار معرفة الرجال: 196، رقم 403، ط القيومي.

([40]) الشيخ الصدوق، الاعتقادات: 99 ـ 100، تحقيق: عصام عبد السيد.

([41]) قال الشيخ محمد آصف المحسني في بحث روايات «نفي الغلوّ» من بحار الأنوار: «…كل شيء لم يثبت بدليل معتبر في حقّ أحدٍ، وقال به قائلٌ، فهو غلوٌّ، أي زيادة وتجاوز عن الحدّ الثابت شرعاً. وإنْ شئت فقل: إنه غير الحقّ… ولا فرق في حرمته وقبحه بين أهل الكتاب والمسلمين وغيرهم. فالغلوّ لا يختص بالقول بربوبية المخلوق ونبوّة غير النبيّ، كما يبدو من جملة من روايات الباب. نعم، هما من أقوى مصاديق الغلوّ، لا تمامه وكماله. ولعلّه مراد الروايات المذكورة». (مشرعة بحار الأنوار 1: 458).

([42]) الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) 2: 25 ـ 26.

([43]) الكافي 2: 75، كتاب الإيمان والكفر، باب الطاعة والتقوى، ح6، ط الغفاري؛ بحار الأنوار 67: 101، نقلاً عن: الكافي.

([44]) توضيح الملل 1: 231، ط الجلالي النائيني.

([45]) مقدّمة ابن خلدون: 230، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم. وانظر أيضاً كلام ابن خلدون في: سعد متعب المنصوري، الغلوّ والموقف الإسلامي: 253.

([46]) وبعبارةٍ أخرى: إنهم لم يكونوا يُغالون في الذات، ولكنهم يُغالون في الصفات والفضائل (انظر هذا التعبير في: دانشنامه إمام علي× (مصدر فارسي) 3: 380، بإشراف: ع. أ. رشاد.

([47]) في (فلاح السائل)، لابن طاووس (الطبعة القديمة: 13): عن الحسين بن أحمد المالكي قال: قلتُ لأحمد بن هليل الكرخي: أخبرني عما يقال في محمد بن سنان من أمر الغلوّ، فقال: معاذ الله، هو والله علّمني الطهور، وحبس العيال، وكان متقشّفاً متعبّداً. انظر أيضاً: مكتب در فرايند تكامل (مصدر فارسي): 84 (الهامش)، ط كوير.

([48]) انظر في هذا الشأن: فصليّة هفت آسمان (مصدر فارسي)، العدد 24: 144 ـ 145.

([49]) انظر: السبحاني، كلّيات في علم الرجال: 97.

([50]) للوقوف والاطلاع على أقوال وكلمات القدماء بشأنه انظر: الساعدي، الضعفاء من رجال الحديث 1: 237 ـ 247.

يتم الحديث في كلام الرجاليين ـ في باب فلان الراوي المتّهم بالوضع والكذب ـ عن حُسْن حاله وزيّه العلمي (انظر: الساعدي، الضعفاء من رجال الحديث 3: 205)؛ ونقرأ في باب الراوي الفلاني الكذاب الذي لقّب بكذّاب قبيلته: إنه كان ظاهر الصلاح، وكان أكثر من غيره في قيام الليل وصيام النهار (انظر: المصدر نفسه 2: 94)؛ وفي باب راوٍ آخر نجد ذات الشخص الذي يشهد له بالصلاح وحُسْن الحال يتحدّث عن خبث حديثه (انظر: المصدر نفسه 2: 80).

([51]) انظر: الساعدي، الضعفاء من رجال الحديث 2: 422.

([52]) من هنا، ومن خلال الالتفات إلى درجات ومراتب الغلوّ المختلفة، ندرك كيف ولماذا يحدث أحياناً أن ينقل الراوي الغالي روايات في ذمّ بعض الغلاة ورواياتهم، أو يصف بعض الأشخاص بالغلوّ ويذمّهم؟ (للمزيد من الاطلاع وملاحظة بعض النماذج انظر: الساعدي، الضعفاء من رجال الحديث 1: 359، 2: 175 ـ رواية صالح بن سهل، نقلاً عن: الكافي ـ، 3: 41 ، 387، 493 ـ حكم النصر بن الصباح بشأن عليّ بن حسكة؛ أو حتّى إذا كتب شخص كتاباً في ردّ عقيدة الغلاة، خلافاً لتصوُّر بعض الفضلاء (انظر مثلاً: النوري، خاتمة مستدرك الوسائل 1: 71، ط مؤسسة آل البيت^؛ عبد الرسول غفّار، الكليني والكافي: 188 ـ 189)، ومع ذلك ليس من المعقول أن لا يكون متّهماً بالغلوّ (انظر مثلاً: الساعدي، الضعفاء من رجال الحديث 3: 126 ـ 132، 271 ـ 274). (وانظر أيضاً: التستري، قاموس الرجال 9: 612).

بناء على ما تقدَّم، في ما يتعلّق بقصة اعتقاد جماعة من «الزُطّ» بتأليه علي×، وقيام الإمام علي بتحريقهم؛ لاعتقادهم بهذا الأمر الباطل ـ الذي تعرَّض للتشكيك بحقّ من قبل بعض المحقِّقين ـ، لا يمكن القول ببساطة: «ليس هناك ما يُبرّر عدم وجود الدافع إلى اختلاق هذه الحكاية» (دانشنامه إمام علي×، (مصدر فارسي) 3: 410، بإشراف: ع. أ. رشاد)؛ لأن الغلاة ـ ولا سيَّما أولئك الذين كانوا يُغالون في صفات الأئمة دون ذواتهم ـ كانوا من خلال إشاعة مثل هذه القصص، وتضخيم أمر الغلوّ في الذات، يعملون على صرف أذهان العامّة من الناس إلى هذه الجهة، والقول بأن «الغلوّ» المنهيّ عنه هو الغلو في الذات، وأن «الغلاة» الذين ورد الذمّ والطرد في حقّهم هم الذين يصرِّحون بألوهية الأئمة، وكانوا يُجاهرون في «تأليههم». وما ذلك إلاّ لكي يتمكّن هؤلاء الغلاة الذين يغالون في أوصاف وقدرات الأئمة من صرف الأذهان وتشتيت الأنظار عن ممارساتهم، والقول بأن الغلوّ المنهيّ عنه في الأساس إنما يتوجّه إلى عصابة خطيرة كانت تؤلِّه الأئمّة علناً. وهذا الدافع ليس بالأمر الهيِّن.

وعلى المستوى العملي يبدو أن هذه الجهود قد حقّقت غايتها. فإن مجموعة من العلماء المتأخِّرين، الذين يتناسون مسألة الغلو في الصفات، أو ينكرونها من الأساس، ويحصرون الغلوّ في إطار الغلوّ في الذات (والتأليه الصريح) فقط، ويرَوْن الغالي هو الذي يقول بأن الإمام هو الله (أو المستقلّ عن الله)، يمثِّل نموذجاً من نجاح هؤلاء في مساعيهم.

وكما أن للغلو مراتب ودرجات مختلفة، كذلك فإن لعواقبه وآثاره مراتب مختلفة أيضاً. فإن بعض أنواع «الغلوّ» تستوجب الكفر، وبعضها يستوجب الفسق، وبعضها مجرّد تصوّر خاطئ لا يضرّ بإيمان الشخص. مثال ذلك: إن الذي يؤلّه أمير المؤمنين عليّاً× كافر، والذي يتعمد المبالغة في بيان بطولاته في المعارك ـ عن غلوّ ـ كاذباً يستوجب الفسق، والذي يعتقد خاطئاً بأن الإمام؛ بسبب قدرته الجسدية والجهد الذي يبذله في ساحة المعركة، كان يأكل عشرة أضعاف ما يأكله الإنسان الطبيعي إنما هو مجرّد واهم، وهذا الاعتقاد الخاطئ منه لا يؤدّي إلى كفره، ولا إلى فسقه. (انظر أيضاً: مشرعة بحار الأنوار 1: 45).

([53]) انظر: الساعدي، الضعفاء من رجال الحديث 3: 127.

([54]) انظر: التستري، قاموس الرجال 9: 128.

([55]) انظر: البهبودي، معرفة الحديث: 194.

([56]) انظر: مكتب در فرايند تكامل (مصدر فارسي): 84 (النصّ والهامش)، ط كوير.

([57]) رياض العلماء 2: 307، تحقيق: الحسيني الإشكوري. ومراد الميرزا عبد الله من قوله: «الأستاد الاستناد» هو العلاّمة المجلسي، ومراده من «الشيخ المعاصر» هو الشيخ الحُرّ العاملي.

([58]) وفي ما يتعلّق باختلاف مراتب ودرجات الغلوّ انظر أيضاً: مجلة المنهاج، العدد 29: 91 ـ 92 (عن مقالٍ للسيد مختار الأسدي).

([59]) انظر التفصيل في هذا الشأن في: بحوث في شرح العروة الوثقى 3: 305 ـ 307.

([60]) انظر: بحوث في شرح العروة الوثقى 3: 305 ـ 307.

([61]) انظر: علي آقا نوري، خاستگاه تشيّع وپيدايش فرقه هاي شيعي در عصر إمامان[^] (مصدر فارسي): 277 ـ 283؛ مكتب در فرايند تكامل (مصدر فارسي): 62 ـ 98.

([62]) على الرغم من أن العلامة المجلسي& كان من الذين وقفوا بوجه بعض عقائد الغلوّ، وكان له ـ دون شكٍّ ـ دورٌ هامّ في تعديل وتخفيف بعض التيارات الغالية في العصر الصفوي، إلاّ أنّه وللأسف الشديد كان في تفسيره للغلوّ يلاحظ في الغالب (انظر مثلاً: بحار الأنوار 25: 346 ـ 347)، وليس دائماً (انظر مثلاً: بحار الأنوار 26: 17)، الحدود الكبرى من الغلوّ، ولذلك لا نرى منه مواقف جادة وحازمة في مواجهة تراث الغلاة في حدوده الدنيا.

([63]) شيخ الإسلامي، تجلّي ولايت: 355.

([64]) المصدر السابق: 356. وقارن أيضاً بـ: مير جهاني، ولايت كلّيه (مصدر فارسي) 1: 43 ـ 44، 61 ـ 64، 65، ط لولاكي؛ نمازي شاهرودي، إثبات ولايت (مصدر فارسي): 229، 231، 234، 236؛ الآشتياني، شرح مقدّمه قيصري (مصدر فارسي): 653 ـ 654 (الهامش).

([65]) انظر: حسين زاده شانه جي، أوضاع سياسي اجتماعي وفرهنگي شيعه در غيبه صغرى (مصدر فارسي): 233.

([66]) شرح… غرر الحكم 2: 324، ط. محدث أرموي.

([67]) انظر: القطيفي، الولاية التكوينية بين القرآن والبرهان،: 26؛ القزويني، مسائل عقائدية في الغلوّ والتفويض…: 133.

([68]) قال الشيخ بهاء الدين محمد العاملي& في فهرست له ذكر فيه عقائد الإمامية: «نعتقد ظهور المعجزات على يد الأنبياء، والكرامات على يد الأولياء»، (نصوص ورسائل من تراث إصفهان… 4: 112).

([69]) انظر: القطيفي، الولاية التكوينية بين القرآن والبرهان: 63، 98، 103، 108، 110.

([70]) إن المشاكل العديدة المترتّبة على القول بهذه الرؤية دفعت عدداً من المفكِّرين الإمامية إلى البحث والتحقيق بشأن التقريرات الموسّعة لـ «الولاية التكوينية». وفي المقابل عمد أنصار هذه الرؤية الموسّعة ـ بطبيعة الحال ـ إلى الدفاع والإجابة عن الإشكالات الموجَّهة ضدَّهم. انظر تفصيل ذلك في: القطيفي، الولاية التكوينية بين القرآن والبرهان: 55 ـ 57، 203 ـ 212؛ عصاي موسى (مصدر فارسي): 134 ـ 136.

([71]) محمد المقيمي، ولايت أز ديدگاه مرجعيت شيعه (مصدر فارسي): 128 ـ 129 (من مفكرة أو توقيع لـ «شهاب الدين الحسيني النجفي»).

انظر ما يُشبه هذه الرؤية في: المصدر نفسه: 131 (من مفكرة أو توقيع لـ «محمد علي العراقي»).

وفي ما يتعلق بعدم تناغم البعض الآخر مع الإطلاق المذكور آنفاً انظر أيضاً: المصدر نفسه: 143 (مفكّرة العلامة الطباطبائي)؛ مجموعه آثار شهيد مطهري «الأعمال الكاملة للشهيد مطهري» (مصدر فارسي) 3: 287.

ومن الجدير بالملاحظة أن أحد المفتين الراحلين& قال في تأكيده على ثبوت الولاية التكوينية من وجهة نظر الشيعة: «…إن إنكار هذا المقام يُعتبر نقصاً من وجهة نظر الشيعة». (محمد المقيمي، ولايت أز ديدگاه مرجعيت شيعه (مصدر فارسي): 149، في مفكرة بتوقيع «محمد هادي الحسيني الميلاني»).

لم يتّضح لي ما هو الإشكال الذي يترتّب على ثبوت مجرّد «النقص» هنا؟ أفليس الكمال المطلق لا يصدق إلاّ على ذات الله سبحانه وتعالى، فلا وجود لكامل حقيقي مطلق غيره في العالم؟!

([72]) نمازي شاهرودي، إثبات ولايت: 308 (نقلاً عن: أرجوزة الدرر المكنونة).

([73]) شيخ الإسلامي، تجلي ولايت: 249.

([74]) انظر: المصدر السابق: 250.

([75]) انظر: الشيخ محمد السند، الإمامة الإلهية 2: 25 ـ 26.

([76]) انظر: المصدر السابق 2: 27.

([77]) قارن: مشارق أنوار اليقين: 105، تحقيق: علي العاشور، ط ذوي القربى.

([78]) انظر في هذا الشأن أيضاً: هفت آسمان (مصدر فارسي)، العدد 24: 126 ـ 129.

([79]) الدكتور السيد علاء الدين القزويني، مسائل عقائدية في الغلوّ و…: 83؛ نقلاً عن: الأنوار اللامعة من حياة الميرزا حسن الحائري الإحقاقي. (في ضبط كلمة «الأنبياء» تمّ إثبات الهمزة المفردة في نهاية الكلمة، ولم يتمّ تحديد الفاصلة بين مصراعي البيت الثاني بشكلٍ صحيح).

([80]) للوقوف على تفصيل هذه المخالفة انظر: القزويني، مسائل عقائدية في الغلوّ و…: 84 ـ 88.

([81]) كما أن ناشر هذه الأبيات المتقدّمة قد وصفها في كتاب (الأنوار النعمانية) قائلاً: «هذه الأبيات… من بعض مقاماتهم الملكوتية سلام الله عليهم، وأنهم محالّ مشيئته، وألسن إرادته…» (القزويني، مسائل عقائدية في الغلوّ و…: 83).

([82]) يعتبر عمر بن فرج الرخّجي من الأدوات المشبوهة في جهاز البلاط العباسي، وكان من النواصب الخبثاء، والمتشدِّدين في سطوتهم على آل أبي طالب.

انظر شأنه في: بحار الأنوار 5: 100 (الهامش)؛ المجدي: 372، ط مهدوي دامغاني، قم، 1409هـ؛ الشيخ عباس القمّي، منتهى الآمال 3: 1884، ط باقري بيدهندي؛ الشيخ عباس القمّي، تتمّة المنتهى: 2537 ـ 2538، ط. باقري بيدهندي.

و»الرخّج» تعريب «رخّو» من أعمال كابل، مدينة ينتسب لها هذا الشقيّ وأبوه. (انظر: معجم البلدان 3: 38، ط دار إحياء التراث العربي؛ 2: 770، ط ووستفيلد (أوفست: طهران، الأسدي).

([83]) بحار الأنوار 50: 100 ـ 101. لقد وقعت هذه الرواية المرويّة عن عمر بن فرج الرخّجي مورد اهتمام كبير من قبل بعض المتأخِّرين.

انظر مثلاً: شيخ الإسلامي، تجلّي ولايت (مصدر فارسي): 363؛ المستنبط، القطرة 1: 415، رقم 471؛ الشيخ عباس القمّي، الأنوار الإلهية: 261 ـ 262، ط مؤسسة النشر الإسلامي؛ الشيخ عباس القمّي، منتهى الآمال 3: 1768 ـ 1769، ط باقري بيدهندي؛ وغير ذلك من المصادر الأخرى.

([84]) انظر مثلاً: مريم: 101.

([85]) انظر نموذجاً للخلط بين «الممكن» و»الواقع» لإثبات صحّة «الولاية التكوينية» في: أشك خونين (مصدر فارسي)، ط1، إصفهان؛ بهار قلوب (ربيع القلوب): 59؛ والنموذج الآخر لهذا الاستدلال تجده في باب التقرير المتطرِّف لعلم الأئمة^ في: فرياد، بهار قلوب (مصدر فارسي): 96، [إصفهان].

لا يخفى على القارئ النبيه أن الأسلوب الخاطئ والقائم على الخلط بين «الممكن» و»الواقع» يُسقط الدليل عن الاعتبار، إلاّ أن عدم الاعتبار هذا لا يعني عدم صوابية ما يترتّب على ذلك الاستدلال. فعلى طول تاريخ الفكر والثقافة البشرية لم تكن الأدلة الخاطئة للدفاع عن المسائل الصحيحة في نفسها، ويمكن إثباتها بأدلة أخرى، قليلةً.

وعلى هذا الأساس يجب عدم الاستغراب إذا لجأ البعض لإثبات وبيان حقائق ثابتة، من قبيل: معراج النبيّ الأكرم| أو إحاطة الأئمة^ بجميع التعاليم الدينية ولوازم التديُّن، بحسن نيّةٍ إلى وسائل غير قويمة، من قبيل: خلط «المكن» بـ «الواقع».

([86]) وعلى حدّ تعبير الشيخ محمد آصف المحسني، حيث قال: «…لا بُدَّ من سلب الألوهية والربوبية أو صفات الله المختصّة به تعالى وأفعاله المختصّة، كعلم الغيب من دون إعلام الله تعالى، والإحياء والرزق والإماتة ونحو ذلك، من كلّ مَنْ سوى الله تعالى.

واعلم أن إحياء الإنسان ورزقه وإماتته وخلقه وأمثال ذلك على قسمين: إما تصدر عن إنسان مستقلاًّ؛ وإما بإقدار من الله تعالى. والأول محالٌ لغير واجب الوجود، وإنْ كان نبياً مرسلاً أو ملكاً مقرَّباً، والثاني ممكنٌ لكنّه محتاجٌ إلى دليلٍ، [وهو] مفقود…» (مشرعة بحار الأنوار 1: 458، بعد إصلاح خطأ مطبعي).

([87]) هفت آسمان (مصدر فارسي)، العدد 24: 129.

([88]) يقول الشيخ محمد آصف المحسني: «…كل ما ورد من أوصاف النبيّ والأئمة^ بطريق صحيح معتمد، ولم يكن له معارضٌ من العقل والنقل، نأخذ به ونلتزم به، فإنهم قوم معصومون، وقولهم حجّة…. وأما إذا لم يثبت كذلك؛ فإنْ كان مخالفاً للعقل أو النقل فلا نقول به، بل نعتقد عدمه؛ وإنْ لم يكن مخالفاً لهما، كما إذا ورد بأسناد ضعيفة، أو قال أحدٌ من العلماء باتّصافهم^ بأمرٍ ممكن عقلاً ونقلاً، لا نردّه ولا نقبله؛ لعدم الدليل. والنبيّ الأكرم وأوصياؤه^ وإنْ كانوا أفضل ما سوى الله، ولهم فضائل عظيمة ومناقب عجيبة غريبة، بل ورد في بعض الأخبار: لا تقولوا فينا ربّاً، وقولوا فينا ما شئتم، لكنْ كلّ ذلك لا يوجب التفوُّه بكل ما يُراد، وأن يخترع الإنسان من عند نفسه أموراً ـ ولو ممكنة ـ ويثبتها لهم^؛ فإنه من قول الزور والكذب المحرَّم، بل هو مرتبة من الغلوّ الباطل». (صراط الحق 3: 347، بعد إصلاح خطأين مطبعيّين).

([89]) انظر: بحار الأنوار 16: 176 (في نقل كلامٍ عن: المناقب، لابن شهرآشوب)؛ القطب الراوندي، الخرائج والجرائح 2: 507؛ القطب الراوندي، قصص الأنبياء: 313؛ الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد 2: 90؛ السيوطي، الخصائص الكبرى 1: 116.

وانظر أيضاً: نور الدين چهاردهي، أز أحساء تا كرمان (مصدر فارسي): 135 (نقلاً عن: پيشواي شيخيان (مصدر فارسي) «حاج زين العابدين خان»)، 57 (نقلاً عن: پيشواي شيخيان (مصدر فارسي) «الحاج محمد كريم خان»).

وقد تسرَّبت حكاية عدم وجود ظلّ للنبيّ الأكرم| إلى النصوص النثرية الفارسية القديمة (من قبيل: مرصاد العباد، وتفسير السورآبادي)، وكذلك في النصوص الشعرية أيضاً:

قال نظامي گنجه إي في (مخزن الأسرار):

سايه نداري تو كه نور مهي *** رو تو كه خد سايه نور اللهي

وقال أيضاً في (هفت پيكر):

وإنك أزو سايه گشت روي سپيد *** چه سخن؟ سايه وانگهي خورشيد!

وجاء في (خسرو نامه)، المنسوب إلى العطّار، في نعت سيد المرسلين| قوله:

كجا خورشيد باشد سايه داري *** ندارد سايه با خورشيد كاري

وقال الشيخ محمود الشبستري في (گلشن راز):

زمان خواجه وقت استوا بود *** كه أز هر ظل وظلمت مصطفا بود

به خط استوا، بر قامت راست *** ندارد سايه پيش وپس، چپ وراست

چو كرد أو بر صراط حق إقامت *** به أمر (فاستقم) مي داشت قامت

نبودش سايه كان دارد سياهي *** زهي نور خدا، ظل إلهي

ورا قبله ميان غرب وشرق است *** أزيرا در ميان نور غرق است

(الأعمال الكاملة للشيخ محمود شبستري: 82، ط موحد).

وقال الجامي:

جسمت نداشت سايه والحق چنين سزد *** زيرا كه بود جوهر باكت زنور حق

وقال الميرداماد(1040هـ)، في شعره المزدوج (مشرق الأنوار)، مخاطباً النبيّ الأكرم|:

پيش شبانيّ تو عالم رمه *** سايه نداري تو كه نوري همه

(ديوان إشراق: 18، ط. ميراث مكتوب).

([90]) انظر: كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 418، رقم5914، ط الغفاري؛ بحار الأنوار 25: 116 (نقلاً عن: معاني الأخبار، والخصال، وعيون أخبار الرضا×)، 141 (نقلاً عن: الخصال)؛ مدينة المعاجز 7: 574 (بشأن الإمام الحسن العسكري×)، ط مؤسسة المعارف الإسلامية؛ البياضي، الصراط المستقيم 2: 140؛ وغيرها من المصادر.

وانظر أيضاً: الحسن بن سليمان الحلي، المحتضر: 46، ط السيد علي أشرف. في فهرست مؤلفات السيد محمد مرتضى الجونپوري الهندي(1250 ـ 1337هـ)، وهو الذي عمد النوري إلى تأليف (لؤلؤ ومرجان) بطلبٍ منه، وفي رسالة (نور المستبصرين في عدم الظلّ للأئمة المعصومين^) نواجه ذلك أيضاً (انظر: الخوئي، مرآة الشرق 2: 1279؛ الذريعة 24: 376 (نور المستبصرين في عدم الظل للأئمة المعصومين).

في حين اعتمد بعضٌ على الروايات التي تحكي عدم وجود ظلٍّ للإمام (انظر على سبيل المثال: عيون أخبار الرضا× 1: 440، ط الغفاري والمستفيد؛ مشرعة بحار الأنوار 1: 48؛ وانظر أيضاً: المحسني، صراط الحقّ 3: 179).

([91]) وهذه الرواية هي: «أحمد بن محمد بن عيسى وعليّ بن إسماعيل بن عيسى، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله×: ما جاءكم منا مما يجوز أن يكون في المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه و ردّوه إلينا، وما جاءكم عنّا مما لا يجوز أن يكون في المخلوقين فاجحدوه ولا تردوه إلينا». (الحسن بن سليمان الحلي، مختصر بصائر الدرجات: 91 ـ 92، ط حيدرية النجف). وقد وردت هذه الرواية، نقلاً عن: كتاب الحسن بن سليمان، في بحار الأنوار 25: 364 أيضاً).

وبغضّ النظر عن أنواع الإبهام والغموض والإشكالات التي تكتنف المصدر نفسه، أي كتاب الحسن بن سليمان الحلّي، وكذلك بغضّ النظر عن التقييم السندي رجالياً، وقع الكلام حتّى في طريق اتصال الرواية مورد البحث (انظر: مختصر البصائر: 280 (النصّ والهامش)، ط مشتاق المظفر).

([92]) الشيخ محمد السند، الإمامة الإلهية 2: 39 ـ 40.

([93]) الميزان في تفسير القرآن 17: 247 ـ 248.

([94]) انظر مثلاً: يونس: 18 فما بعد.

([95]) انظر: العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 10: 30.

([96]) مكتب در فرايند تكامل (مصدر فارسي): 58 ـ 59 (الهامش)، ط كوير.

([97]) انظر: الكافي 4: 542، ط الغفاري؛ بحار الأنوار 3: 253 (نقلاً عن: الكافي). وفي ما يتعلق بالتلبية الشركية لعصر الجاهلية انظر أيضاً: الميرزا حسين النوري، مستدرك الوسائل 9: 196 (في مقالٍ عن تفسير عليّ بن إبراهيم)؛ الشيخ الطوسي، التبيان 8: 246، ط أحمد حبيب قصير العاملي؛ الميزان 10: 287؛ 13: 106 (الهامش)؛ 14: 373، 414؛ 15: 176.

([98]) انظر أيضاً: الميزان في تفسير القرآن 13: 106؛ 15: 176 ـ 177. وفي ما يتعلق بالجذور التاريخية ومفهوم الوثنية انظر أيضاً: المحقق الميرداماد، روشنگري ديني (مصدر فارسي) 1: 110 ـ 112.

([99]) انظر: عصاي موسى× (مصدر فارسي): 214. وانظر أيضاً: المصدر السابق: 135 ـ 136.

([100]) نسبة إلى الشاه ناصر الدين القاجاري، المعرِّب.

([101]) انظر: تحرير العقلاء: 132، ط أرمغان.

([102]) انظر: المصدر السابق: 136. وفي ما يتعلق بهذا النوع من «شرك الغلوّ»، و«الشرك في الصفات»، انظر أيضاً: الدهلوي، حجة الله البالغة 1: 182 ـ 184، ط مكتبة كراتشي القديمة.

([103]) انظر: هفت آسمان (مصدر فارسي)، العدد 24: 141.

([104]) مجتهد نجف آبادي: 155، بجهود: محمد جواد نور محمدي.

نقل هذا الكلام عن الآغا السيد علي نجف آبادي، وهو من العلماء الكبار، وكان معاصراً للسيد أبي الحسن الإصفهاني. وحيث كان السيد علي نجف آبادي ضليعاً في الحكمة والكلام فإننا نستبعد صدور مثل هذه الهفوات عنه.

والغريب أن الشيخ أحمد عابديني ـ وهو سبط هذا العالم، الذي رُوي عنه هذا الكلام في كتابه ـ لم يستبعد في حواره معي احتمال أن يكون هذا الكلام قد صدر عن الراوي سهواً، أو أنه قد تصرَّف فيه بالزيادة والنقصان!

([105]) منتخب الشعراي تبريز (محمود منتخب نجل الشيخ رضا المجتهد، 1278 ـ 1335هـ.ش).

([106]) انظر: أز علي آموز إخلاص عمل (مصدر فارسي): 165، ط. مركز خراسان شناسي.

([107]) ومعناه بالعربية: (يا جامعاً لجميع أنواع الكمال الإلهي). (انظر: المصدر السابق: 164).

([108]) قال نجل السيد محمد حسين الحسيني الطهراني في كتاب أسرار الملكوت 2: 134 ـ 135، بعد بيان الفهم الخاطئ لدى البعض لمعنى «نزِّلونا عن الربوبية و…»: «ذات يوم جاء أحد تلاميذ الوالد ـ رضوان الله عليه ـ برجلٍ معروف ومشهور بالتوسّل وإقامة مجالس العزاء والندبة والتوسّل بالأئمة المعصومين^، وكان رجلاً عامياً ليس له من الهموم سوى إقامة مجالس العزاء وإحياء ليالي الجمعة بالدعاء والتضرُّع والبكاء ولطم الصدر والإطعام وقراءة المراثي، معتبراً أن ذلك من تمام الكمال والسعادة… وفي أثناء الحديث بادر هذا الرجل السيد الوالد، وقال له: إن الإمام المعصوم× لا يعرض له الحَدَث، وإن بوله طاهرٌ بالمطلق، وإنه كذلك لا يعرض عليه ما يعرض لعامّة الناس مما يوجب عليه الوضوء أو الغسل، وإنه إذا كان يفعل ذلك فإنما هو لأجل تعليمنا كيفية هذه الأمور، وإلا فإنه في غنىً عن ذلك!.. فقال له الوالد: من أين أتيت بهذه الخزعبلات الباطلة؟ مَنْ الذي قال لك: إن الإمام× لا يحتاج إلى الغسل أو الوضوء؟ فهل كان الوضوء الذي يقوم به في حلس داره في جوف الليل هو من أجل رؤيتنا أيضاً؟!…».

أقول: رغم أن فهم هذا الرجل الساذج والعامي للإمامة ليس فهماً مستقيماً وعلمياً، ولكنْ علينا أن نأخذ بنظر الاعتبار أن الثمرة الطبيعة للرؤية العامية المتوقَّعة، والشائعة ـ للأسف الشديد ـ، لمضامين من قبيل: «نزِّلونا عن الربوبية و…» ستؤدّي لا محالة إلى هذا النوع من الأمور التي يعتقدها هذا الرجل العامي.

من هنا نجد عدداً من الغلاة منذ القدم، تلاهم جمعٌ غفير من العوام والمتأثِّرين بهم، لا يلتفتون إلى القيود الروائية والدلالية، ويكتفون بالاستناد إلى أمثال عبارة: «نزِّلونا عن الربوبية و…»، ويتمسكون بالرخصة التي يستفيدونها من هذه العبارة، معتبرين إيّاها ـ على حدّ تعبير بعض الباحثين ـ «صكّاً موقَّعاً على بياض»! وعلى حدّ تعبير هذا الباحث: «اعتلوا صهوة البيان الجامح، ولم يرعَوُوا عن نسبة أيّ صفة إلهية أو معجزة تحار لها العقول [إلى الأئمة^]…». (مكتب در فرايند تكامل (مصدر فارسي): 82، ط. كوير).

([109]) انظر: التوبة: 101: قوله تعالى: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾.

([110]) وبعبارةٍ أوضح: أن الله لم يمنح النبي صكّاً موقَّعاً على بياض.

انظر مثال ذلك في: الإسراء: 90 ـ 94؛ وقارن بـ: الفيض الكاشاني، الأصفى 1: 697، ط. دفتر تبليغات؛ الخوئي، البيان: 116 ـ 118، ط دار الزهراء؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 10: 331؛ تفسير البيضاوي 3: 467، ط دار الفكر.

([111]) ابتداءً من (بصائر الدرجات)، وصولاً إلى (القطرة)، للسيد أحمد المستنبط، وما إلى ذلك من كتب المناقب والفضائل.

([112]) كما كان يقول الحاج الشيخ النوري(1320هـ): «…كان الأمر في الأخبار المتعلقة بالفضائل والمناقب سهلاً جدّاً…» (نفس الرحمن في فضائل سلمان: 119، ط القيومي).

فلو أن بعض المخالفين للتشيُّع فاه بالطعن على الشيعة، وهناك نموذج يستهدف حتّى الأصوليين منهم، ويقول: «…إنهم لا يفكِّرون مطلقاً في نقد الروايات أو تمحيص أسانيدها، وحتّى مجرّد إثارة النـزاع والشكّ فيها» (محمد جواد مغنية، الشيعة في الميزان: 624، نقلاً عن: «سعد محمد حسن» من كتّاب الأزهر)، إنما ينشأ ذلك من هذه المحطّات وركام الكتب التي تحمل هذه الأفكار.

علينا الاعتراف والإقرار بألمٍ: على الرغم من اندحار المنهج الأخباري في الكثير من الجوانب الفقهية والأصولية، لا يزال الجمود والنـزعة الأخبارية هي المهيمنة على حقول، من قبيل: التفسير والحديث والتاريخ، وهي على الخصوص لا تزال ـ بسبب جاذبيتها وحلاوتها في نظر العوام ـ هي المتمكِّنة من أذهان وألسنة هذا وذاك (انظر تفصيل ذلك في: الأعمال الكاملة للشهيد مطهري (مصدر فارسي) 20: 170 ـ 172).

عندما أفل نجم الأخبارية نجد المنهج الأصولي، رغم انتعاشه في الفقه المصطلح، لم ينتعش في التحقيق الأصولي في ما يتعلق بأصول الدين وعلم الكلام، بل لربما أدّى التحرُّر الفكري في هذا المجال إلى اتهام المحقِّق والعالم بخبث العقيدة والانحراف الفكري (قارن: ألفت، گنج زري بود درين خاكدان: 98).

وعلى حدّ تعبير أحد المحقِّقين في مجال التاريخ وثقافة التشيّع: «…إن الذي يسود حوزاتنا من الناحية الكلامية هو نمط من التفكير الأخباري، وأما من الناحية الفقهية فالسائد هو التفكير الأصولي…» (هفت آسمان (مصدر فارسي)، العدد 22: 37).

وقد أشار بعض الفقهاء المعاصرين إلى هذا المعنى في قوله: «…نحن في الفقه من أصحاب الاجتهاد، بَيْدَ أننا في الحقول العقائدية وفي المجالات الاجتماعية والعملية ـ ولا سيَّما في مجال التبليغ والخطابة ـ لا نزال من أتباع المنهج الأخباري، فحتى الآن لم نصل إلى التفكير الأصولي في هذه الحقول. فلا نزال في العقائد من الأخباريين. [لا يزال البعض منا] ينقل أيّ رواية يجدها في المصادر الحديثية والروائية». (هفت آسمان (مصدر فارسي)، العدد 36: 32).

أجل، «للأسف الشديد… لم يتمّ بذل الجهد المناسب لاستخراج واستنباط التعاليم من القرآن والسنة!

عندما ننظر إلى حجم الدقّة ـ في البحوث الفقهية والأصولية ـ في ما يتعلّق بتحقيق الآيات والروايات، والتدبُّر فيها على أعلى المستويات، كما نجد ذلك في تناول الفقهاء لحديث «الرفع»، وحديث «على اليد»، وحديث «لا ضرر»…، وما هي المطالب الجيّدة والغنية التي تمّ استخراجها واستنباطها منها، نأسف كثيراً على عدم حصول شيء مماثل لذلك بالنسبة إلى الآيات والروايات المعرفية أيضاً.

ما هو حجم الفوائد الكبيرة التي كنا سنجنيها لو أن مئة عالمٍ، من أمثال: الشيخ الأنصاري والآخوند الخراساني وصاحب العروة والإمام الخميني، قد عالجوا وتدبَّروا في خطب أمير المؤمنين× كما عالجوا روايات الفقه والأصول؟!» (رضا أستادي، بيست مقاله: 23، بعد إصلاح خطأ مطبعي).

ثم إن هذا الحجم من المجهود القليل من قبلنا في أصول الدين، واستفراغ الوسع وبذل الجهد اللامتناهي في فروع الدين، وذلك في حين أن دائرة أدلة المعارف والعقائد أوسع بكثير من دائرة الأدلة الفقهية. وعلى هذا حتّى لو غضضنا الطرف عن التدخل الواسع للفنون المعقولة في دائرة استنباط العقائد والمعارف يجب القول: إن حجم أبواب المعارف والعقائد والآيات والروايات من الكثرة بحيث لا يمكن مقارنة الفقهيات بها. حتّى أن الآيات العقائدية والمعرفية تحتلّ القسم الأكبر من هذا الكتاب الكريم، في حين نجد آيات الأحكام ـ بناء على القول المشهور ـ لا تتعدّى الخمسمائة آية ونيِّف تقريباً، الأمر الذي يعني أن آيات الأحكام لا تزيد على عُشْر القرآن! وهكذا الأمر بالنسبة إلى الموسوعات الروائية. والدليل على ذلك أن أكثر الكتب والروايات التي ألّفها المحدِّث الزاخر بالعطاء التأليفي في العصور المتقدِّمة ـ وهو الشيخ الصدوق ـ إنما تقع في مجال المعارف والعقائد، أو أن كتاب بحار الأنوار ـ الذي يمثِّل أكبر موسوعة روائية لدى الشيعة، والتي خرجت في طبعتها الجديدة ضمن عشرة ومئة مجلّد ـ لا يختص منها بالمسائل الفقهية سوى عشرة أجزاء فقط، بينما اختصّت سائر الأجزاء المئة الأخرى بالعقائد والمعارف. وعليه كم سيستغرق العمل على هذا الكمّ الهائل من الروايات العقائدية والمعرفية من الجهود؟! (انظر: الشيخ محمد السند، الإمامة الإلهية 2: 23).

([113]) نشهد في عصرنا بعض الأمور التي يتمّ تثبيتها أو الترويج لها والتأكيد عليها تحت عنوان «الشعائر»، ويتمّ الاستناد فيها إلى نمط من التفكير هو وليد هذا النوع من الروايات. «وقد أشرتُ إلى ذلك، ولا داعي إلى التكرار».

([114]) انظر أيضاً: دانشنامه إمام علي× (مصدر فارسي) 3: 396، بإشراف: ع. أ. رشاد.

([115]) قارن هذا التقسيم بـ: صفري فروشاني، غاليان: كاوشي در جريانها وبرايندها (مصدر فارسي): 36 ـ 42؛ دانشنامه إمام علي× (مصدر فارسي) 3: 380 ـ 402، بإشراف: ع. أ. رشاد.

([116]) انظر: دانشنامه إمام علي× (مصدر فارسي) 3: 396.

([117]) والشاهد على ذلك أن الكثير من العلماء والمفكِّرين عند التعرّض لذكر الغلاة يعرِّفونهم بأنهم أشخاص يؤلِّهون الأئمة، وعند تبرئة عقيدة أو رواية يستندون في ذلك إلى أن هذه العقيدة أو الرواية تنظر إلى القدرات الاستثنائية التي يتمتّع بها الأئمة، والتي تقع في طول القدرة الإلهية، وبذلك لا تعود داخلة في دائرة الغلوّ!

([118]) انظر: دانشنامه إمام علي× (مصدر فارسي) 3: 396.

([119]) انظر مثال ذلك في: تقرير أبي نعيم الأنصاري الزيدي (المنقول في: الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: 470، ط الغفاري)، حيث يُشير إلى جماعة مؤلفة ممّا يقرب من ثلاثين نفراً شيعياً تعيش إلى جوار بيت الله (في مكّة المكرّمة)، كان واحد منهم غالياً فقط، وسائر الأفراد الآخرين كانوا بريئين من العقائد التي كان يراها أغلب الشيعة من الغلوّ (انظر أيضاً: مكتب در فرايند تكامل (مصدر فارسي): 93 (النصّ والهامش)، 87 (الهامش)، ط. كوير).

كما يتّضح من السند، والذي هو في الواقع رواية يبدو أنها من مختلقات الغلاة (منقول في: بحار الأنوار 26: 8 ـ 17). انظر: مكتب در فرايند تكامل (مصدر فارسي): 93، ط. كوير)، أنّ أغلب الشيعة لم يكونوا ينسجمون مع المدّعيات الجوهرية للغلاة في باب التفويض والعلم الإلهي والقدرة الإلهية للأئمة^، بحيث يدخل كلّ شيء في حدود دائرة علم الإمام. (انظر بشكلٍ خاص: بحار الأنوار 26: 14 ـ 15).

([120]) لملاحظة الردّ على الغلاة انظر: رجال النجاشي: 32، 58، 64، 69، 74، 177، 253، 255، 330، 338، 354، 392، 404، 448، ط مؤسسة النشر الإسلامي؛ الطوسي، الفهرست: 49، 198، ط القيومي؛ ابن شهرآشوب، معالم العلماء: 45، ط بحر العلوم؛ ابن النديم، الفهرست: 225، ط تجدّد؛ كشف الحجب والأستار: 442؛ إيضاح المكنون 1: 554؛ هدية العارفين 1: 268، 308، 384، 674؛ 2: 24؛ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1: 69؛ 10: 201، 212 ـ 214؛ المنصوري، الغلوّ والموقف الإسلامي: 248 ـ 249.

تنويه: هناك ردود مكتوبة في بعض الموارد من غير الشيعة على الغلاة (انظر مثال ذلك في: ابن النديم، الفهرست: 233، ط تجدّد)، ولكنْ يجب أخذ الحيطة والحذر من هذه الناحية؛ لأن العصبية كانت تقود الكثير من غير الشيعة إلى اتّهام المعتدلين من الشيعة بالغلوّ أيضاً. وعليه لا بُدَّ أوّلاً من التعرّف على مرادهم من «الغالي» و«الغلوّ».

([121]) انظر تحليل وتقرير هذا النفوذ في: مكتب در فرايند تكامل (مصدر فارسي): 95 ـ 107، 67، 82، ط. كوير.

ويجب التنويه ـ بطبيعة الحال ـ إلى وجود الاختلاف في الآراء حول أجزاء من هذا التقرير والتحليل المذكور. وإنّ استعراض هذا التحليل والتقرير بشكلٍ عامّ لا يعني الالتزام بجميع أجزائه وتفاصيله.

([122]) وقد تجلَّتْ هذه الصعوبات بشكلٍ خاصّ في عصر الشيخ الطوسي بشكلٍ صارخ، حتّى اضطرته إلى الهجرة وعدداً آخر من النخب الشيعية من مركز الخلافة العباسية، وإتلاف بعض التراث الشيعي المكتوب أو تشتيته.

ولن نجانب الصواب إذا قلنا: إن جانباً من هذه الصعوبات والضغوط المذكورة قد استمرّت إلى العهد الصفوي، بل لا تزال موجودة حتّى هذه اللحظة في بعض بقاع العالم الإسلامي.

([123]) من الجدير بالذكر أن الفهم والتفسير الموسّع لـ «نزِّلونا عن الربوبية و…» في هذا السياق كان على الدوام بمثابة الصكّ الموقَّع على بياض، أو الأرضية الخصبة لترعرع وازدهار أصحاب هذه الرؤية.

من هنا عمد البعض إلى اعتمادها بوصفها «أجازةً ممنوحة» أو «إذناً عامّاً» (انظر مثال ذلك في: نمازي شاهرودي، إثبات ولايت (مصدر فارسي): 259 ـ 261).

([124]) سعد متعب المنصوري، الغلوّ والموقف الإسلامي: 225.

([125]) انظر: نبوي قمّي، أمراء هستي (مصدر فارسي): 370.

([126]) انظر: الشيخ محمد السند، الإمامة الإلهية 2: 20.

وفي ما يلي ننقل جزءاً من نصّ كلام المامقاني في تنقيح المقال 1: 212 (أوفست عن الطبعة الحجرية) على النحو التالي: «…إن المتتبِّع الناقد يجد أن أكثر من رمي بالغلوّ بريءٌ من الغلوّ في الحقيقة، وإن أكثر ما يُعدّ اليوم من ضروريات المذهب في أوصاف الأئمة^ كان القول به معدوداً في العهد السابق من الغلوّ. وذلك نشأ من أئمتنا^. لمّا وجدوا أن الشيطان دخل مع شيعته من هذا السبيل لإضلالهم؛ وفاءً لما حلف به من إغواء عباد الله أجمعين، حذَّروهم من القول في حقّهم بجملة من مراتبهم؛ إبعاداً لهم عمّا هو غلوٌّ حقيقة. فهم منعوا الشيعة من القول بجملة من شؤونهم حفاظاً لشؤون الله ـ جلَّتْ عظمته ـ، حيث كان أهمّ من حفظ شؤونهم؛ لأنه الأصل وشؤونهم فرع شأنه، نشأت من قربهم لديه ومنـزلتهم عنده. وهذا هو الجامع بين الأخبار المثبتة لجملة من الشؤون لهم والنافية لها».

ويبدو أنّ هذا النوع من التفكير قد ظهر على وجه الخصوص في العصر الصفوي، حيث برز في حينه بشكلٍ قويّ.

وقد عمد العلاّمة المجلسي& في بحار الأنوار، ضمن بيان له على هامش رواية سعد بن عبد الله القمّي وقصّة لقائه بصاحب العصر والزمان×، إلى ذكر كلام النجاشي، حيث قال: قال النجاشي، بعد توثيق سعد والحكم بجلالته: «لقي مولانا أبا محمد×، ورأيت بعض أصحابنا يضعِّفون لقاءه لأبي محمد×، ويقولون: هذه حكاية موضوعة عليه؛ ثم هاجم ذلك «البعض» بشدّةٍ، وقال في ما قال: «…وردّ الأخبار التي تشهد متونها بصحتها بمحض الظنّ والوهم، مع إدراك سعد زمانه×، وإمكان ملاقاة سعد له×؛ إذ كان وفاته بعد وفاته× بأربعين سنة تقريباً، ليس إلاّ للإزراء بالأخبار، وعدم الوثوق بالأخيار، والتقصير في معرفة شأن الأئمّة الأطهار؛ إذ وجدنا أن الأخبار المشتملة على المعجزات الغريبة إذا وصل إليهم فهم إمّا يقدحون فيها أو في راويها، بل ليس جرم أكثر المقدوحين من أصحاب الرجال إلاّ نقل مثل تلك الأخبار». (بحار الأنوار 52: 89).

وكلامنا هنا ـ بطبيعة الحال ـ ليس في باب قصة سعد بن عبد الله، التي كانت منذ القدم وحتّى هذه اللحظة مورد انتقاد عدد من المحقِّقين (انظر مثلاً: الخوئي، معجم رجال الحديث 9: 82؛ الأخبار الدخيلة 1: 88 ـ 104، ط مكتبة الصدوق؛ مفاخر إسلام (مصدر فارسي)، الدواني 2، المقدّمة)، وإنما كلامنا بشأن ذهنية شخص عظيم بمستوى المجلسي الثاني& في باب الوجه في قدح القدماء في الكثير من الرواة.

وقال العلامة الشعراني&، في حاشيته على منهج الصادقين، بعد تشكيكه في لقاء سعد بالإمام العسكري×، وتذكيره بإنكار بعض الأصحاب لهذه الحكاية: «…إن العلامة المجلسي& يبدي تعجُّبه ودهشته من هذا الإنكار، ونسب إلى علماء الرجال ضعف العقيدة وعدم المعرفة بمقام الأئمّة^، وقال: لم يكن لكلّ مَنْ ضعّفوه واتّهموه بالغلوّ والكذب من جريرةٍ سوى نقلهم روايات عجيبة عن الأئمة الأطهار^ في مناقبهم ومعجزاتهم، ممّا هو ليس بعجيبٍ منهم…. لا نمتلك مثل هذه الجرأة على علماء السلف؛ لأنهم هم الذين عرَّفونا بمقامات الأئمة^، فكيف لم تكن لهم معرفة بهم؟» (پژوهشهاي قرآني علاّمه شعراني (مصدر فارسي) 2: 821).

وقال العلاّمة الشعراني في حاشيته على (مجمع البيان)، بعد الإشارة إلى حكاية سعد ومقالة النجاشي: «وقال بعض أهل الحديث ما معناه: إن علماء الرجال كانوا ضعيفي الاعتقاد في الأئمة، فكلّما رأوا رجلاً روى فضائلهم وكراماتهم قالوا: هذا ضعيفٌ وغالٍ. وليس جرم أكثر المقدوحين إلاّ نقل تلك الأخبار. انتهى. ولا أدري من أين أخذته حتّى أنقل عبارته بعينها. وإني أعوذ بالله أن ينسب إلى أعاظم علمائنا الخيانة وضعف الاعتقاد؛ إذ لم نعرف صحّة الدين والإمام إلاّ من جهتهم، وتضعيف حديث واحد عندي أهون من الطعن في جميع العلماء؛ فإنه يوجب تضعيف الأصول والفروع جميعاً». (پژوهشهاي قرآني علاّمه شعراني (مصدر فارسي) 2: 824 ـ 825).

واللطيف أن السيد جلال الدين الآشتياني يعتبر المجلسي الثاني ـ بسبب المضامين العالية لبعض الروايات (وبطبيعة الحال فإن الآشتياني يحدِّد هذا العلو على أساس مذاقة المتأثِّر بابن عربي) ـ من الغلوّ، ورآها بعيدة عن الاعتبار. (انظر: الآشتياني، شرح مقدمة القيصري: 655).

وبعبارةٍ أخرى: إن المجلسي الثاني&، الذي أورد مثل هذا القَدْح على بعضٍ آخر، واجتنب رفض وردّ الكثير من الروايات من هذا الباب، عاد ـ من وجهة نظر الآشتياني ـ إلى التشدُّد، وغدا بنفسه مشمولاً لذلك الاعتراض!

ثمّ إن تنـزيه وتبرئة الرواة المتّهمين بالغلوّ وفساد العقيدة، من خلال الاستدلال على أنهم إنما اتّهموا بمثل هذه التهمة بسبب كونهم من أصحاب السرّ، وقصور الآخرين عن فهم ما فهموه، ومن خلال رؤية أغلب الروايات المأثورة عن المتّهمين منسجمة مع الكثير من عقائد المتأخِّرين في أقوال بعض العلماء المتأخِّرين (انظر مثلاً: السيد أبو القاسم دهگردي، لمعات در شرح دعاي سمات (مصدر فارسي): 39، 40، و…، تحقيق: جلالي دهگردي)، يُخشى أن يتّخذ هذا التسامح الخطير بالتدريج شكل قاعدة رجالية، الأمر الذي قد يؤدّي إلى تمهيد الأرضية للتبدُّل والتغيُّر نحو انتكاسةٍ عظيمة في الثقافة الدينية. لا قدَّر الله!

لو لم يكن هذا النوع من التبرير وحُسْن الظن، مع الإشكالات والإبهامات الكثيرة الموجودة بشأن الحافظ رجب البُرْسي ومؤلّفاته، هل كان سيمكن بعدها لأمثال السيد جلال الدين الآشتياني أن يدعو البُرْسي «مولانا الحافظ رجب البُرسي ـ أنار الله برهانه ـ». (شرح مقدّمه قيصري (مصدر فارسي): 653 (الهامش))؟!

حقّاً عندما يرى المرء آخَرَ كتب على صفحة عنوان كتابه «آية الله العظمى» يتلقّى ذلك بالقول، ويقول صراحة: «…إن «أغلب» بل «جميع» المحدِّثين وأصحاب الأئمّة المتَّهمون بالغلوّ كانوا من «الرجال المؤمنين والعدول والأخيار والصلحاء المعتدلين في العقيدة» (نبوي قمّي، أمراء هستي (مصدر فارسي): 370)، في حين قد ورد بحقّ عددٍ من هذا «الأغلب» أو «الجميع» لعنٌ صريح أو تكذيب واضح لهم [من قبل الأئمة]، أو صدرت عنهم الأفعال الشنيعة المنافية للعفّة الإسلامية، والأقوال المخالفة لوحي القرآن، ممّا لا يقوى أيّ دليل على ردّها… أجل، ما الذي يجب قوله في هذا الخطب الجلل والعهد الصعب، والعالم الفوضويّ؟!… «اللهم إنا نشكو إليك فقد نبيِّنا، وغيبة وليِّنا، وشدّة الفتن بنا، وتظاهر الزمان علينا…».

([127]) انظر: مقباس الهداية 2: 118 ـ 123، ط. دليل ما.

([128]) في ما يتعلّق بتأثُّر المنظومة الفكرية لصدر المتألِّهين بتعاليم ابن عربي انظر مثلاً: د. فرشته ندري أبيانه، تأثيرات ابن عربي بر حكمت متعاليه (مصدر فارسي)، طهران، بنياد حكمت إسلامي صدرا، 1386هـ.ش.

([129]) القيصري، شرح فصوص الحكم 1: 54 ـ 56، ط حسن زاده.

([130]) الآشتياني، شرح مقدّمه قيصري: 223.

([131]) وهنا يمكن الوقوف بشكلٍ أفضل على السبب الذي دعا الفيض الكاشاني ـ الذي يبدو في مؤلَّفاته الروائية رجلاً محقِّقاً ومنضبطاً إلى حدٍّ ما ـ ليتّجه في تأليف (الكلمات المكنونة) منهجاً مختلفاً، يميل فيه إلى نهج ابن عربي؛ إذ يستشهد بروايات تخلو مؤلَّفاته الحديثية من نظائرها (انظر: كلمات مكنونه (مصدر فارسي): 79 (الهامش)، ط عطاردي)، ليصل بعد ذلك إلى الحديث عن الإنسان الكامل (المصدر نفسه: 118 فما بعد)، ويذكر في البين عبارة: «نزِّلونا عن الربوبية…» أيضاً (المصدر نفسه: 124).

([132]) انظر في هذا الشأن: مجلة بخارا، العدد 62: 125 ـ 136 (المقال العلمي للأستاذ مصطفى ملكيان، تحت عنوان: خصائص الطبعة الجديدة لفصوص الحكم ونقد لأفكار ابن عربي).

([133]) لجهة ترتيب بعض أسس هذا البحث انظر مثلاً: هفت آسمان، العدد 24: 73 ـ 92 (المقال البديع للأستاذ حسين توفيقي، تحت عنوان: نكاتي چند درباره ابن عربي).

([134]) انظر: القيصري، شرح فصوص الحكم (مصدر فارسي) 1: 55 ـ 56، ط حسن زاده.

([135]) رأيت أحد الفضلاء المعاصرين يتحدَّث عن فلسفة صدر المتألِّهين ـ «حيث أضحت بالتدريج المذهب المختار في إيران» ـ «متمنِّياً» أن «لا تتحوّل إلى أيديولوجيا» (جشن نامه دكتر محسن جهانگيري (مصدر فارسي): 55». إنه أمل ميمون، ولكنْ أخشى أن يكون ما تمنى عدم وقوعه قد وقع منذ أمدٍ بعيد، وأن بعض الثمار المرّة لهذا التطوُّر المرفوض قد أينعت.

وأنا بوصفي طالب علم متواضع ـ يرجو صلاح حاله ـ لا أبتغي الخصام في كلام علاّمة جليل القدر، مثل الشعراني، الذي يقول: «لقد كان صدر المتألهين أكبر محقِّق في أصول الدين ومذهب التشيُّع» (راه سعادت (مصدر فارسي): 55، ط مرتضوي)، أو أن أضع على المحكّ ما كتبه ذلك الواله المعاصر إذ يقول: «لقد تجلَّتْ أكثر المعارف أصالة، وأكثر الحكم إشعاعاً، في ضوء الإشراقات القرآنية، والإفاضات العرفانية، في الحكمة المتعالية لصدر المتألِّهين» (تأثير ابن عربي بر حكمت متعالية (مصدر فارسي): 3). ولكنّني أتمنّى مشفقاً أن لا يؤدّي انبهارنا ـ في الحدّ الأدنى ـ إلى التضحية بالحقائق التاريخية على مذبح الذهنيّات، وأن نتوسَّع في تأويل النصوص القرآنية والروائية القطعية، وليّ عنق الكلام وصرفه عن جهته الحكمية، حتّى لا يبقى أيّ شبه بين هذا الخلف وبين سلفه.

ثمّ إن نفس وضع تلك المدّعيات في الميزان، والعمل على تقييم الكلام القائم على حكمة صدر المتألهين، هو ما ينبغي أن يقوم به أصحاب الفكر والتحقيق بشكلٍ لائق، إلاّ أنّنا لم نسمع أو نرَ مَنْ قام بمثل ذلك، رغم أن الإشكال على الحكمة المتعالية في زماننا كلفته عالية، وأدناها الاتهام بعدم الأهلية والكفاءة وانعدام الفهم (انظر: سير تاريخي نقد ملا صدرا (مصدر فارسي): 107، 271).

([136]) انظر: شيخ الإسلامي، تجلي ولايت (مصدر فارسي): 349 ـ 354.

([137]) مير جهاني، ولايت كليه (مصدر فارسي) 1: 29، تحقيق: لولاكي.

([138]) أسدي گرمارودي، علم برگزيدگان در نقل وعقل وعرفان (مصدر فارسي): 18.

([139]) انظر: آشتياني، شرح مقدمه قيصري (مصدر فارسي): 654.

([140]) انظر مثلاً: القطيفي، الولاية التكوينية بين القرآن والبرهان: 116.

([141]) دانشنامه إمام علي×، (مصدر فارسي) 3: 402، بإشراف: ع. أ. رشاد.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً