أحدث المقالات

د. الشيخ خالد الغفوري الحسني(*)

المقدّمة

1ـ بيان المسألة

إنّ للشريعة الإسلامية رؤيةً خاصّة في كيفية تقسيم التركة على الورثة، ويمكن استفادة ذلك من مصادر الشريعة الأصيلة، وفي مقدّمها القرآن الكريم؛ حيث تكفّلت بعض آيات سورة النساء بيان تعيين السهام وكيفية التوريث، بما فيها تعيين سهام الأولاد، ذكوراً وإناثاً، متّحدين ومتعدّدين، منفردين عن سائر الورثة ومجتمعين معهم.

ثمّ إنّ الرؤية المعروفة فقهياً ـ لا سيَّما في المدرسة الإمامية ـ أنّ سهام الإرث قد عُيّنت من أصل التركة، وهذا يؤدّي أحياناً إلى زيادة السهام على التركة ونقصانها عنه، وهو ما يُسمّى بـ (العَوْل)؛ وأحياناً أخرى قد يؤدّي إلى نقصان السهام عن التركة وزيادتها عليه، وهو ما يُسمّى بـ (التعصيب) أو (الردّ).

وقد طرح الباحث المعاصر رؤيةً حاصلُها أنّ سهام الأولاد لم تُعيَّن من أصل المال، بل تخرج ممّا يبقى، وأنّه لم يُعيَّن للبنات سهمٌ بنحو الإطلاق، بل عُيّن سهمهنّ إذا اجتمعْنَ مع الأبناء، وأنّ للواحدة النصف والباقي للذكور، وكذا الاثنتان فلهما النصف والباقي للذكور، ولما زاد عن الثنتين الثلثان والباقي للذكور. وادّعى أنّه استطاع بذلك أن ينجو من محذور (العَوْل) و (التعصيب) أو (الردّ)، وأنّ يردّ التُّهَم الموجَّهة إلى القرآن الكريم والفقه الإسلامي.

وتفصيل الفكرة:

أمّا الرؤية المتعارفة فهي:

1ـ في حال اجتماع الذكور والإناث للذكر الواحد ضعف البنت مطلقاً، سواء في حال الاتّحاد أو التعدّد، وسواء في حال الانفراد عن سائر الورثة أو مع اجتماعهم معهم.

2ـ أنّ الولد الذكر لا سهم معيَّناً له، بل يأخذ ما يبقى.

3ـ للبنت الواحدة النصف مطلقاً.

4ـ للبنتين فصاعداً الثلثين مطلقاً.

5ـ إنّ هذه السهام تخرج من أصل التركة.

6ـ وحيث إنّ السهام ثابتةٌ ففي بعض الموارد، التي تجتمع هذه السهام مع سهام غير الأولاد من الورثة، رُبَما تكون أكثر من التركة ورُبَما تكون أقلّ، وقد نشأت من ذلك مشكلتا العَوْل والتعصيب، واللتان صارتا محلاًّ للخلاف بين: الإمامية؛ والفقه السنّي.

وأمّا الرؤية الخاصّة التي أطلّ بها علينا الباحث المعاصر فهي تستند إلى تفسير خاصّ للنصّ القرآني، ادّعى فيها ما يلي:

1ـ في حال اجتماع الذكور ـ واحداً أو أكثر ـ مع الإناث ـ واحدة كانت أو اثنتين ـ فللبنت الواحدة وللاثنتين النصف، وللذكور النصف، سواء في حال الانفراد عن سائر الورثة أو مع اجتماعهم معهم.

2ـ إذا اجتمعت البنات ـ ثلاثة فصاعداً ـ مع الذكور، فللبنات الثلثان، وللذكور الثلث.

3ـ إذا انفردت البنت الواحدة فلا سهم لها.

4ـ إذا انفرد الذكر فلا سهم له.

5ـ الأولاد مطلقاً إذا اجتمعوا مع غيرهم من أصحاب السهام، كالوالدَيْن والأزواج، إنّما يرثون بعد إخراج سائر الورثة، ويرثون ممّا تبقّى.

6ـ وبناءً على ذلك سوف تنتفي حالتا زيادة السهام على التركة أو نقصانها عنها، فلا يبقى موضوعٌ للعَوْل ولا للتعصيب.

وأنت ـ كما ترى ـ أنّ رؤية الباحث تُخالف ما درج عليه الفقه الإسلامي بجناحَيْه: الإماميّ؛ والسنّي.

وفي هذا البحث الذي نعقده نحاول تحليل هذه الرؤية، وتقويمها في ضوء مستنداتها، فهل تنسجم مع المنهج الاجتهادي في الاستنباط أو لا؟

وحيث إنّ القرآن الكريم قد تصدّى لبيان سهام الإرث وأحكامه ركَّز الباحث مقالته حول الآية 11 من سورة النساء، وتحليل ألفاظها، وحاول الباحث دعم رؤيته بأدلّة أخرى: عقلية؛ وروائية. كما تصدّى لنقد الرؤية المعروفة فقهياً.

 

2ـ ضرورة البحث

على الرغم من كون مسألة تحديد السهام مسألةً مطروحة قديماً، إلاّ أنّ ما طرحه الباحث المعاصر هي رؤيةٌ جديدة. لكنّي لم أعثر على بحثٍ جديد معقود لمناقشة هذه الرؤية الجديدة ونقدها، فعقدنا العزم على تحليل ما طرحه وتقويمه ونقده.

3ـ أهداف البحث

إنّ الهدف الذي نتوخّاه هو الوصول إلى الفهم الصحيح للنصوص، كتاباً وسنّةً، في مسألة كيفية تعيين سهام الإرث عموماً، وسهام الأولاد على وجه الخصوص.

توضيحٌ إجمالي لرؤية الباحث المعاصر

في البدء، وقبل الخوض في عملية نقد وتقويم رؤية الباحث حول كيفية تشريع سهام إرث الأولاد، نؤكِّد أركان هذه الرؤية. وقد عرفت أنّها عبارة عمّا يلي:

1ـ إنّ سهام الإرث تنقسم إلى قسمين: قسم ثابت؛ وقسم متغيِّر. ولم يكن تعيين السهام بنحوٍ واحد. والقسم الأوّل: سهام غير الأولاد، من قبيل: الأبوان والأزواج؛ والقسم الثاني: من قبيل: سهام الأولاد.

2ـ إنّ القسم الثابت من السهام شُرِّع بلحاظ أصل المال. فالأبوان والأزواج تخرج سهامهم ـ وهي النصف والربع والسدس والثلث ـ من أصل المال.

3ـ إنّ القسم المتغيِّر من السهام شُرِّع بلحاظ الباقي بعد إخراج السهام الثابتة. فالبنت مثلاً تأخذ نصف الباقي، وما زاد على الثنتين من البنات يأخذن ثلثي الباقي.

4ـ إنّ سهام الأولاد من قسم السهام المتغيِّرة التي تخرج من الباقي، لا من أصل المال.

5ـ لم يُعيَّن للبنت ولا للبنات سهامٌ بنحو الإطلاق، وإنّما عُيِّنت سهام البنات في حالة اجتماعهنّ مع الذكور فحَسْب.

6ـ إذا اجتمعت بنتٌ واحدة مع الذكور ـ واحداً كان أو أكثر ـ مع الأب مثلاً، فللأب السدس، وللبنت النصف، وللذكور النصف. فلو اجتمع ولدٌ ذكر مع بنت واحدة وأب فللأب السدس، وللذكر نصف الباقي، وللبنت النصف الآخر. ولو اجتمع ذكران أو أكثر مع البنت والأب فللأب السدس، وللبنت نصف الباقي، وللذكور النصف الآخر، بينهم بالسويّة. وكذا إذا لم يكن مع الأولاد وارثٌ آخر فالقسمة بينهم تكون بهذا النحو.

7ـ إذا اجتمعت بنتان مع الذكور ـ واحداً كان أو أكثر ـ مع الأُمّ مثلاً، فللأُمّ السدس، وللبنتين النصف، وللذكور النصف. فلو اجتمع ولدٌ ذكر مع بنتين وأُمّ فللأُمّ السدس، وللذكر نصف الباقي، وللبنتين النصف الآخر. ولو اجتمع ذكران أو أكثر مع البنتين والأُمّ فللأُمّ السدس، وللأُنثيين نصف الباقي، وللذكور النصف الآخر، بينهم بالسوية. وكذا إذا لم يكن مع الأولاد وارثٌ آخر فالقسمة بينهم تكون بهذا النحو.

8ـ إذا اجتمعت أكثر من بنتين مع الذكور ـ واحداً كان أو أكثر ـ وزوج مثلاً، فللزوج الربع، وللبنات الثلثان، وللذكور الثلث. فلو اجتمع ولدٌ ذكر مع ثلاث بنات وزوج، فللزوج الربع، وللبنات ثلثا الباقي، وللذكر الثلث. ولو اجتمع ذكران أو أكثر مع البنات والزوج، فللزوج الربع، وللبنات ثلثا الباقي، وللذكور الثلث، بينهم بالسويّة. وكذا إذا لم يكن مع الأولاد وارثٌ آخر فالقسمة بينهم تكون بهذا النحو أيضاً.

 

النقد والتقويم

ملاحظاتٌ عامّة حول المقال

تتوزَّع هذه الملاحظات على ثلاث حيثيات: أسلوبية وتعبيرية؛ هيكلية البحث وتنظيمه؛ مضمونية. وهي:

1ـ اللغة التعبيرية التي اعتمدها الباحث ليست فنّيةً، وغير تخصُّصية. فنرى استعمالات للمصطلحات الفقهية في غير موردها، ممّا يكشف عن قلّة الممارسة للبحوث الاستدلالية في المجال الفقهي، كما نرى بعض العناوين والعبارات التي أوردها الباحث قد تُسبِّب الإيهام.

2ـ عدم مراعاة الترتيب التاريخي في ذكر الفقهاء وكتبهم، فقد يقدِّم المتأخِّر ويؤخِّر المتقدِّم.

3ـ ثمّة فوضى في تنظيم مطالب البحث، فلم يعتمد الباحث هيكليةً منطقية واضحة.

4ـ عدم انسجام المطالب ووجود تداخل بينها، بل أحياناً يُلاحظ الخلل البيِّن في كيفية الاستنتاج.

5ـ الخلط وإقحام بعض المطالب التي لا ارتباط بينها، وإيراد بعض المطالب في غير موضعها المناسب.

6ـ افتقار المقال إلى التوثيق. فكثيرٌ من المطالب يخلو من الإرجاعات؛ وبعضها الآخر لم يُوثَّق بالمقدار المناسب، أو لم يُذْكَر له المصادر المناسبة. وبصورةٍ عامّة: قلّة المصادر، وعدم التناسب بينها من حيث الاعتبار والقيمة العلمية عند ذوي الاختصاص.

7ـ عدم الدقّة في فهم كلمات الفقهاء، والتساهل أو الاستعجال في نسبة المعلومة إليهم، وفقدان الشامّة الفقهية والذوق الفقهي.

8ـ يُلاحَظ في بعض الأحيان الخلط بين أسماء الفقهاء الكبار، وعدم التمييز بين مصنَّفاتهم. وهذا ما يكشف عن عدم تسلُّطٍ على المصادر الفقهية وعدم خبروية.

9ـ لقد تعرَّض الباحث في هذه المقالة إلى عدّة بحوث ومسائل كثيرة، تستلزم عقد عدّة مقالات، والموضوعات التي تناولها الباحث ما يلي:

ـ تعيين سهام الأولاد، وهو عنوان المقال.

ـ تعيين سهام سائر الورثة.

ـ طبقات الإرث.

ـ العَوْل.

ـ التعصيب.

ـ الردّ.

وعليه فإنّ اختزال البحث في مقالةٍ واحدة ليس فنّياً، ويُسبِّب صعوباتٍ تحول دون التركيز على مفاصل البحث وإعطائها حقَّها من الاستيعاب والعمق والدقّة والنضج.

10ـ وممّا تقدَّم يُعْلَم غياب المنهج الذي اعتمده الباحث في مقالته هذه، أو عدم وحدته؛ فتارةً يخوض في سجالاتٍ نقدية؛ وأخرى يحاول إثبات وجهة نظره والدفاع عنها؛ وثالثةً يتكلَّم بلغة الفقه الخاصّ؛ ورابعةً يدخل في البحث المقارن؛ وخامسةً يتعرّض الى الموادّ القانونية. فكما لا وحدة للموضوع لا وحد للمنهج أيضاً.

11ـ إنّ هذا البحث في بعض مقاطعه بحثٌ تحليلي استدلالي، وفي بعض مقاطعه وصفيّ يكتفي بالعَرْض.

12ـ لم يُحدِّد الباحث مبانيه الأصولية أو الفقهية التي ينطلق منها في بحثه. فهل هو يتبنّى مباني المشهور الأصولية والفقهية أو لديه مبانٍ خاصّة؟! نحن لا نعلم موقفه تجاه الإجماع ودَوْره في الاستدلال. وما هو مبناه تجاه الشهرة؟ هل هي جابرةٌ أو كاسرة؟ ولا مبناه تجاه حجّية الظاهر القرآنية؟ وما هو مبناه في مسألة تخصيص القرآن بخبر الواحد؟ إلى غير ذلك.

13ـ كما أنّ الباحث لم يُبيِّن طبيعة الأدلّة التي يعتمدها؛ فتارةً نراه يعتمد الاستدلال بالعقل؛ وتارةً يعتمد الاستدلال بالدليل النقلي؛ وهو تارةً يتمسّك بالدليل القرآني؛ وأخرى يتمسّك بالروايات.

14ـ لم يخُضْ الباحث في البحوث السندية بالمرّة.

15ـ يحسّ القارئ بوجود قفزاتٍ في البحث، وحلقاتٍ مفقودة.

16ـ لقد بدا الباحث انتقائياً في انتخاب الأدلّة التي يراها داعمةً لرؤيته، ويغضّ عمّا يُعارضها، بل نراه يأخذ من الرواية الواحدة المدلول الذي يدعمه، ويترك المداليل التي تضرّ بمدَّعاه.

وينبغي الالتفات الى أنّ هدفنا ليس هو الانتصار للرؤية المعروفة فقهياً، سواء قبلناها أو رفضناها، وإنّما الغرض هو تقويم ما طرحه الباحث، وبيان أنّه إلى أيّ حدٍّ ينسجم ما طرحه مع المعايير العلمية.

الملحوظات التفصيلية

سوف نسير بالبحث حَسْب الهيكلية التي سار عليها الباحث، وطبقاً للعناوين التي أبرزها:

أوّلاً: عنوان المقالة

إنّ المقالة تعالج كيفية تعيين سهام الإرث في القرآن الكريم، ولا أدري لِمَ خصَّ الباحث عنوان مقالته بخصوص سهام إرث الأولاد؟!

ثانياً: بيان المسألة

1ـ لم يُفْلِح الباحث في بيانه للمسألة التي تصدّى لبحثها بشكلٍ دقيق؛ حيث صوَّر أنّ المسألة محلّ البحث عبارة عن مسألتي (العَوْل) و(التعصيب) ـ والمراد بالأوّل زيادة السهام على التركة، كاجتماع ثلاث بنات وأبوين وزوج؛ والمراد بالثاني زيادة التركة على السهام، كاجتماع بنت وأب ـ فيما أنّ المسألة أعمّ ممّا ذكر، وأنّها لا تنحصر بمورد العَوْل والتعصيب([1]).

أقول: إنّ البحث معقودٌ لتعيين سهام الأولاد، سواء أكان هناك عَوْلٌ أو تعصيب أو لا. كما ذكرنا أنّ البحث أعمّ حتّى من الأولاد؛ فإنّه يبحث كيفية تعيين سهام الورثة بشكلٍ عامّ.

2ـ ومن الطريف أنّ الباحث حينما تصدّى لبيان منشأ الاختلاف بين الإمامية وأكثر أهل السنّة في مسألتي العَوْل والتعصيب قد ذكر ما هو محلّ الاتّفاق، وأنّهم متَّفقون على عدم إمكان العمل بظاهر الآيات المعيِّنة للسهام.

ثالثاً: كيفية تبيين نظر المشهور

إنّ لفظ (المشهور) له معنىً اصطلاحيّ؛ فإنّه يُستعمَل عند الفقهاء في المسائل المختلف فيها؛ ويُطلق على الرأي الذي يختاره أبرز الفقهاء في مقابل الرأي أو الآراء التي أقلّ أنصاراً. وفيما نحن فيه ليس لدينا سوى قولٍ واحد، كما صرّح به الباحث نفسه، من وجود اتّفاق في فهم الآية الكريمة. فالتعبير بـ (المشهور) في المقام ليس فنّياً. وقد كرَّر الباحث هذا المصطلح عدّة مرّات.

رابعاً: كيفية نقد نظر المشهور

لقد أورد الباحث على نظر المشهور ستّ نقاط، وهي:

الأولى: نسب إلى المشهور إرجاعهم ضمير الجمع المؤنَّث في قوله تعالى: ﴿كُنَّ﴾ (النساء: 11) إلى الجمع المذكَّر، أي الأولاد. كما نسب إليهم أنّهم أرجعوا ضمير المفرد المؤنَّث في قوله: ﴿كَانَتْ﴾ (النساء: 11) إلى المفرد المذكَّر، أي الولد([2]).

الثانية: نسب إليهم استفادة حكم الاثنتين فصاعداً من قوله تعالى: ﴿فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾ (النساء: 11)، وأنّه هو الذي اختاره الفقهاء والمفسِّرون([3]).

الثالثة: نسب إليهم أنّهم اعتبروا أنّ السهام المعيّنة في الآيات الثلاث من سورة النساء([4]) كلّها تخرج من أصل التركة، وغفلوا عن أنّ التعبير في السهام لم يَرِدْ بنحوٍ واحد، بل في بعضها استُعمل لفظ ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾ (النساء: 11، 12، 176)، وفي بعضها الآخر استُعمل لفظ ﴿مَا تَرَكَ﴾ (النساء: 11، 12، 176)، وادّعى أنّ بين التعبيرين فرقاً([5]).

الرابعة: نسب إليهم في النقطة الرابعة الإذعان بأنّه لا يمكن العمل بظاهر السهام المعيّنة في القرآن، واعتبر ذلك خير شاهد على أنّ فهمهم للآية خلافُ الظاهر([6]).

الخامسة: سجّل الباحث على المشهور بأنّ نتيجة ما اختاروه خلاف حكم العقل([7]).

السادسة: كما سجّل الباحث على المشهور بأنّ فهمهم لآيات الإرث خلاف القانون الرياضي([8]).

أقول:

1ـ في النقاط الثلاث الأولى لم نشاهد أيّ نقدٍ من قِبَل الباحث لما أسماه نظر المشهور، بل اشتملت هذه النقاط على مجرّد بيان رأي المشهور فحَسْب.

2ـ لم يُوثِّق الباحث ما أدرجه من معلومات؛ فإنّ ما نسبه الى المشهور في النقطة الأولى، من إرجاعهم ضمير الجمع المؤنَّث ﴿كُنَّ﴾ (النساء: 11) إلى الجمع المذكَّر، أي الأولاد، وإرجاعهم ضمير المفرد المؤنّث ﴿كَانَتْ﴾ (النساء: 11) إلى المفرد المذكَّر، خالٍ من أيّ مصدرٍ لهذه النسبة.

3ـ ما ذُكر في النقطة الثانية، من استفادة حكم الاثنتين فصاعداً من الآية، لم يوثِّقه. كما أنّه لم يذكر استدلالهم؛ فإنّ لهم في ذلك وجوهٌ وتقريبات فنّية تبلغ العَشْرة أو أكثر، فيما لم يتعرَّض لها الباحث، ولم يناقشهم فيها.

4ـ في ما ذكره الباحث في النقطة الثالثة، من الفرق بين التعبيرين: ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾ و﴿مَا تَرَكَ﴾، لم يُوضِّح الفرق بينهما، وكيف أنّ التعبير الأوّل يدلّ على إخراج السهام من أصل المال، وأنّ التعبير الثاني يدلّ إخراجها ممّا بقي؟!

5ـ لم يُوثِّق الباحث ما ادّعاه في النقطة الرابعة، من إذعان المشهور بعدم إمكان العمل بالآية، ولا أدري أين صرَّحوا بذلك؟!

ثمّ إنّه في دعوى كون فهم المشهور للآية خلافَ الظاهر لم يُوضِّح وجه المخالفة ما هو؟

كما أنّ مخالفة الظاهر لا مشكلة فيها، ولا تُعتبر عَيْباً، إذا استُند إلى دليلٍ أو قرينة. وقد سكت الباحث عن بيان مستندهم في مخالفة الظاهر، وهل لديهم قرينةٌ على هذه المخالفة أو لا؟

6ـ وأمّا ما سجّله الباحث في النقطة الخامسة على المشهور، من كون رأيهم خلاف حكم العقل، فلست أدري كيف يُوصَف ما اختاروه بأنّه خلاف العقل، مع أنّهم لم يلتزموا بإرادة اجتماع السهام التي تفوق مقدار التركة؟! بل إنّ فقهاء الإمامية قالوا باستحالة اجتماع مثل ذلك، وأنّ المراد أنّ بعض الورثة يرثون بالقرابة، لا بالفرض. وأمّا الفقه السنّي فقد اختار السهام والتقادير التقريبية أو النسبية، لا السهام الدقِّيّة. فأين مخالفة العقل؟!

أضِفْ إلى ذلك أنه لم يتَّضح الفرق بين هذا الإشكال من مخالفة العقل وبين الإشكال السابق من دعوى استحالة العمل بالسهام؟!

7ـ وأمّا ما سجّله الباحث على المشهور بأنّ فهمهم لآيات الإرث خلاف القانون الرياضي فهو تكرارٌ لما ادّعاه في النقطة السابقة؛ إذ لا جديد في هذا الإشكال.

ومن الطريف أنّه قال في ذيل هذه النقطة: «وبناءً على ذلك إنّ ما فهمه مشهورُ العلماء خلافُ ظاهر القرآن، ونتيجة ذلك أنّه خلافُ القانون الرياضي أيضاً»([9])، ولا أدري طبق أيّ شكلٍ من أشكال القياس تمّ هذا الاستنتاج؟!

خامساً: مشكلات نظرية المشهور

نُنبِّه على أنّ مشهور الفقهاء كانوا ملتفتين إلى اللوازم المترتِّبة على فهمهم لكيفية تعيين السهام من الآيات، ومنها: العَوْل والتعصيب. كما أنّهم كانوا ملتفتين إلى كيفية حلّ ذلك.

سادساً: حلّ عمر بن الخطّاب وبعض فقهاء السنّة لمشكلة العَوْل، وأدلّتهم

1ـ إنّ العنوان يُوحي بأنّ عمر بن الخطّاب قد استدلّ على قوله بالعَوْل، فيما أنّ الفقهاء الذين جاؤوا من بعده نظَّروا لذلك، وسردوا له الأدلّة.

2ـ إنّ النقد الذي سجّله الباحث على موقف عمر بن الخطّاب وباقي فقهاء السنّة يُوهِم بأنّه من بنات أفكار الباحث. وهذا الإيهام بسبب الأسلوب التعبيري للباحث، عنواناً وشرحاً، وعدم ذكره لأيّ مصدرٍ، وعدم إشارته إلى أحدٍ. ومن الواضح جليّاً أنّ هذا النقد متكرِّرٌ بكثرة في كتب قدماء فقهاء الإمامية، ومن ضمنهم: السيّد المرتضى في بحثه لهذه المسألة في كتاب الانتصار، فراجِعْ إنْ شئتَ([10]).

سابعاً: حلّ ابن عبّاس لمشكلة العَوْل

1ـ بيَّن الباحث رأي ابن عبّاس في كيفية حلّ مشكلة العَوْل، وهو عبارةٌ عن تقديم الأُمّ والأب والزوج، وإعطائهم سهامهم كملاً، وللبنات ما يبقى، ثمّ قال: «إنّ الإمامية وبعض أهل السنّة، كالظاهرية وبعض الصحابة والتابعين، قد تبعوا ابن عبّاس في هذه المسألة»([11]).

وهذا التعبير ـ كما ترى ـ يُوهِم بتَبَعيّة الإمامية لابن عبّاس وتأثُّرهم به، وحينما نرجع إلى المصدر الذي ذكره الباحث في الهامش، وهو كتاب (الانتصار)، نرى التعبير أدقّ، قال المرتضى: «والذي تذهب إليه الشيعة الإمامية أنّ المال إذا ضاق عن سهام الورثة قُدِّم ذوو السهام المؤكَّدة، من الأبوين والزوجين، على البنات، والأخوات من الأُمّ على الأخوات من الأب والأُمّ أو من الأب، وجُعل الفاضل عن سهامهنّ لهنّ. وذهب ابن عبّاس& إلى مثل ذلك، وقال به أيضاً عطاء بن أبي رباح. وحكى الفقهاء من العامّة هذا المذهب عن محمد بن عليّ بن الحسين الباقر ـ صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ـ ومحمد بن الحنفية رضي الله عنه، وهو مذهب داوود بن عليّ الإصفهاني»([12]).

2ـ ذكر الباحث أنّ بعض فقهاء الإمامية لم يرتَضُوا رأي ولا استدلال ابن عبّاس([13]).

ولستُ أعلم أحداً من فقهاء الإمامية ـ متقدِّميهم ومتأخِّريهم ـ قد رفض رأي ابن عبّاس في هذه المسألة بالذات، واختار غيره. وأمّا بالنسبة إلى دليل هذا الرأي فإنّ فقهاء الإمامية، كلاًّ أو جلاًّ، لهم استدلالهم الخاصّ بهم، بمَنْ فيهم السيّد المرتضى، ومنها: رواياتهم المتضافرة عن الأئمّة من أهل البيت^([14])، لا أنّ السيّد تفرَّد باستدلالٍ خاصّ به، كما قد تُوحي به عبارة الباحث.

3ـ لم يقتصر السيّد المرتضى في كتاب (الانتصار) على الاستدلال بالإجماع، بل بيَّن في الصفحة اللاحقة استدلالين آخرين، فيما عبَّر الباحث بما يفيد أنّ مستند السيّد المرتضى هو الإجماع فقط.

4ـ لقد نسب الباحث إلى العلاّمة الحلّي رأياً خاصّاً في كتاب (شرائع الإسلام)، وقد كرَّر الباحث ذلك([15]). ومن الواضح أنّ كتاب (شرائع الإسلام) إنّما هو للمحقِّق الحلّي، لا العلاّمة الحلّي.

5ـ وأمّا الرأي الذي نسبه الباحث إلى صاحب الشرائع فهو أنّه في حالة اجتماع الأب والأُمّ والزوج والبنت يدخل النقص على الأب أيضاً([16])، وذكره بصيغة الاستدراك، مستعملاً كلمة (لكن)، وكأنّه يُريد بيان أنّه مخالفٌ لسائر الفقهاء، فيما أنّ المحقِّق الحلّي والعلاّمة الحلّي وغيرهما ليس لهم رأيٌ آخر غير الموقف الثابت عن مذهب الإماميّة.

وعليه فما استنتجه الباحث، من أنّه لا إجماع للإمامية في تعيين مَنْ يدخل النقص عليه في حالة تزاحم السهام، ليس صحيحاً. ومن هنا لا تجد أحداً نسب إلى أحدٍ خلافاً في ذلك إطلاقاً.

6ـ وأمّا مناقشة الشهيد الثاني مع الشهيد الأوّل فغير موجَّهةٍ إلى الموقف الفقهي، بل المناقشة منصبّةٌ على العبارة بأنّ فيها قصوراً، كما يعرفه خبراء الصناعة واللغة الفقهية.

وبعبارة أخرى: إنّ الخلاف بين الشارح الشهيد الثاني وبين صاحب اللمعة الشهيد الثاني وأمثاله خلافٌ لفظيّ، وليس خلافاً معنوياً، بحَسَب اصطلاح (علم الخلاف)، كما يتَّضح من مراجعة عبارة الشهيد الثاني؛ فإنّه ـ بعد أن قسَّم كيفية التوريث ـ قال: «…ومن هذا التقسيم يظهر أنّ ذكر المصنِّف [أي الشهيد الأوّل] الأب مع مَنْ يدخل النقص عليهم من ذوي الفروض ليس بجيّدٍ؛ لأنّه مع الولد لا ينقص عن السدس، ومع عدمه ليس من ذوي الفروض، ومسألة العَوْل مختصّةٌ بهم»، ثمّ قال: «وقد تنبَّه لذلك المصنِّف في الدروس، فترك ذكره، وقبله العلاّمة في القواعد ـ وذكره في غيرها ـ والمحقِّق في كتابَيْه. والصواب تركه»([17]).

وحاصل المناقشة:

أـ إنّ الأب في مسألة العَوْل (وهي محلّ البحث) ذو فرضٍ، وهو السدس؛ لاجتماعه مع الولد (وهو البنت). ولا رَيْبَ في أنّ الأب يأخذ سدسه كملاً، ولا يُنقص من نصيبه شيءٌ. وهذا ما يُسلّم به جميع الفقهاء، بمَنْ فيهم الشهيد.

ب ـ وإنْ فرضنا عدم الولد فالأب مع عدم الولد ليس بذي فرضٍ، وإنّما يرث بالقرابة (وهذا ما يُسلِّم به جميع الفقهاء أيضاً، بمَنْ فيهم الشهيد). وإذا ورث بالقرابة خرج عن محلّ البحث (وهو مسألة العَوْل)؛ باعتبار أنّ العَوْل لا يُتصوَّر إلاّ إذا كان الورثة أصحاب فروض.

7ـ لقد اتَّضح أنّ إقحام الشهيد الثاني ـ في شرح اللمعة ـ، وجعله طرفاً للمواجهة مع العلاَمة الحلّي، أمرٌ غير لائق؛ فإنّ المناقشة في الروضة موجَّهةٌ أوّلاً إلى الشهيد الأوّل في اللمعة خاصّة، باعتباره صاحب المتن، ثمّ إلى العلاّمة في بعض كتبه، وإلى المحقِّق في كتابَيْه. ولم يستطِعْ الباحث أن يعكس هذه القصّة بأمانةٍ.

8ـ لقد صوَّر الباحث أنّ معقد الإجماع عند الإمامية هو عدم دخول النقص على جميع الورثة. قال ـ بعد أن ذكر ما فهمه من رأي صاحب الشرائع ـ: «…وعليه ففي حالة كون مجموع سهام الورثة أكثر من أموال الميّت لا إجماع بين علماء الشيعة على تعيين مَنْ يدخل عليه النقص، بل الإجماع ثابتٌ فقط على أنّه لا يدخل النقص على سهام جميع الورثة»([18]). وقد بيَّنّا أنّ الإجماع منعقدٌ على تعيين مَنْ يدخل عليهم النقص، فليس الإجماع منعقداً على العقد السلبي والنفي فقط، بل منعقدٌ على العقد الإيجابي والإثبات أيضاً.

9ـ ادّعى الباحث أنّ مستند بعض فقهاء الإمامية ـ الروضة البهيّة والخلاف ـ رواية ابن عبّاس؛ في حين أنّ الشهيد الثاني استند إلى أدلّة أخرى، كالروايات المتضافرة أيضاً، كما مرّ. وأمّا الشيخ في الخلاف فإنّه وإنْ ذكر هذه الرواية؛ لكونه في مقام المقارنة بين المذاهب الفقهية، لكنّه لم يقتصر عليها([19]).

10ـ لم يُراعِ الباحث التسلسل التاريخي بين الفقهاء، حيث قدَّم الشهيد الثاني على الشيخ الطوسي.

11ـ نفى الباحث وجود الإجماع على قبول رواية ابن عبّاس. ولا يخفى ما في هذا التعبير من الغضاضة.

12ـ لقد أورد الباحث في خضم هذا البحث الاستدلالي المادّة (914) من القانون المدني الإيراني، والتي تنصّ على أنّه: «لو لم تَفِ تركة الميّت بجميع سهام الورثة؛ بسبب اجتماع أصحاب الفروض، دخل النقص على البنت والبنتين»([20]). ولا أظنّ أنّ هذا هو الموضع المناسب لإيرادها.

ثامناً: نقد دليل ابن عبّاس

بعد أن استعرض الباحث ما استند إليه ابنُ عبّاس من أنّ البنات والأخوات لهنّ سهمٌ واحد شرع بمناقشته، فأورد عليه ما يلي([21]):

المناقشة الأولى: كما أنّ الله تعالى عيَّن للأب والأُمّ والزوج والزوجة سهماً محدّداً كذلك عيّن سهماً للبنت. فليس طريق حلّ مشكلة زيادة سهام الورثة على أموال الميّت أن ننقص من سهم البنت أو الأخت، بل ينبغي أن نحاول إصلاح استنباطنا من القرآن الكريم؛ كي لا يحصل في ضوء ذلك الاستنباط كون مجموع السهام التي عيَّنها تعالى للورّاث أكثر أو أقلّ من مال الميّت.

المناقشة الثانية: لقد ورد في القرآن الكريم تعيين سهم لأبي الميّت في حال وجود الولد للميّت، وعليه فإنّ الأب كبنت الميّت وأخته عُيّن له سهمٌ في القرآن الكريم، إلا أنّ ابن عبّاس لا يُنقص من سهم الأب شيئاً.

أقول: يمكن الجواب عن ذلك بحَسَب الرؤية المتعارفة([22]) بما يلي:

1ـ ثمّة فرق بين كيفية تعيين سهام الأب والأُمّ والبنت والأخت، بأنّ لكلٍّ منهما سهمين: أعلى؛ وأدنى، بخلاف البنت والأخت.

2 ـ وأمّا الأب فقد عُيِّن له السهم في حالةٍ واحدة، وهي حالة وجود الولد، قال تعالى: ﴿وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ﴾ (النساء: 11)؛ وأمّا سهام كلٍّ من البنت والبنات فقد عُيِّنا بنحو الإطلاق، قال تعالى: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾ (النساء: 11). وإنّ إنقاص الأب يُفضي إلى مخالفة نصّ الكتاب، وأمّا إنقاص البنت أو البنات يُفضي إلى تقييد الإطلاق، وما هو بعزيزٍ.

وكذا الحال بالنسبة إلى كلالة الأبوين أو الأب؛ فإنّ سهم كلٍّ من الأخت والأخوات للأبوين، أو للأب، ما قاله تعالى: ﴿إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾ (النساء: 176). وقد عُيّن سهم الأخت والأخوات بنحو الإطلاق. ففي حال الاجتماع مع الزوج يتمّ تقييد هذا الإطلاق.

إذن يمكن إبراز الفرق بين هذه السهام المذكورة؛ واختلاف الحكم يكون حينئذٍ أمراً معقولاً، فلا داعي لاستغراب الباحث واستيحاشه من ذلك.

3ـ وأمّا مطالبة القوم بإصلاح استنباطهم من القرآن فهو يتَّجه فيما لو عجزوا عن الدفاع عن وجهة نظرهم، وفيما إذا تمكَّن الباحث من تزييف آرائهم.

المناقشة الثالثة: لقد طرح الباحث نكتةً أثارت تعجُّبه، كيف يتابع فقهاء الشيعة ابن عبّاس ويعتمدوا روايته؟! في الوقت الذي يذهب إلى اجتماع الأخت مع الأبوين، وهذا ما لا تقول به الإماميّة.

أقول: إنّ مستند الشيعة بالدرجة الأولى إجماعهم ورواياتهم المرويّة عن الأئمّة من أهل البيت^، كما أشَرْنا إلى ذلك، وسيأتي له مزيدُ تفصيلٍ، ولم يتَّبعوا ابن عبّاس، كما توهَّمه الباحث وأصرَّ عليه وكرَّره مراراً، وإنّما وافق رأيُ ابن عبّاس رأيَ الإمامية في الجملة، لا بالجملة.

تاسعاً: طريقة حلّ مشكلة نقصان سهام الورثة عن التركة

أـ لقد تعرَّض الباحث إلى الحلّ الذي اختاره الفقه السنّي، وأشار إلى الدليل، لكنّه لم يناقِشْه، واكتفى بمجرّد العَرْض([23]).

ب ـ كما تعرَّض إلى الحلّ الذي اختاره الشيعة:

1ـ لم يُشِرْ الباحث هنا إلى الدليل على ما اختاره الإمامية، وتعرَّض له بعد ذلك، كما سيأتي.

2ـ لقد أقحم الباحث المادّة (914) من القانون المدني الإيراني في بحثه([24]).

3ـ أشار الباحث إلى قولٍ نسبه لبعض الإمامية ـ كالشهيد الثاني والكليني ـ بعدم ردّ الفاضل عن السهام على الأُمّ والأب، وتخصيص الردّ بالبنات. وأشار إلى دليله، ولم يُعلِّق على ذلك.

أقول: ونحن إذا راجعنا الروضة نرى أنّ الشهيد يقول بشمول ردّ الفاضل للبنات، وينسب القول بعدم الردّ عليهنّ إلى قولٍ نادر متروكٍ دليله، ولم يُسمِّ قائله([25]).

وأمّا ما نسبه الباحث إلى الكليني فلم أعثَرْ عليه، بل الموجود فيه العكس؛ فقد عقد باباً تحت عنوان: (ميراث الولد مع الأبوين)، ذكر فيه ثلاثة أحاديث، كلّها دالّة على ردّ الزائد على البنت والأبوين([26])، منها: الحَسَن كالصحيح، عن محمد بن مسلم قال: «أقرأني أبو جعفر× صحيفة الفرائض ـ التي هي إملاء رسول الله| وخطّ عليٍّ× بيده ـ، فوجدتُ فيها: رجل ترك ابنته وأُمّه، للابنة النصف ثلاثة أسهم، وللأُمّ السدس سهم، يُقسَّم المال على أربعة أسهم، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة، وما أصاب سهماً فللأُمّ. قال محمد: ووجدتُ فيها: رجلٌ ترك أبوَيْه وابنته، فللابنة النصف ثلاثة أسهم، وللأبوين لكلّ واحدٍ منهما السدس [لكلّ واحد منهما سهمٌ]، يُقسَّم المال على خمسة أسهم، فما أصاب ثلاثة فللابنة، وما أصاب سهمين فللأبوين»([27]).

وكما ترى فإنّ هذه الرواية دالّةٌ على أنّ الأولاد يرثون من الأصل، ويُرَدّ عليهم الزائد بنسبة حصصهم. وهذا ما لم يلتزم به الباحث.

بل إنّ الكليني قد نقل كلام الفضل بن شاذان في ردّ هذا القول وتغليط قائله، قال: «وقال الفضل بن شاذان في ابنةٍ وأب: للابنة النصف، وللأب السدس، وما بقي ردّ عليهما على قدر أنصبائهما. وكذلك إنْ ترك ابنة وأُمّاً، فللابنة النصف، وللأُمّ السدس، وما بقي ردّ عليهما على قدر أنصبائهما»، ثمّ قال الفضل: «وقد قال بعضُ الناس: وما بقي فللابنة؛ لأنّها أقرب من الوالدَيْن. وغلط في ذلك كلِّه؛ لأنّ الأبوين يتقرَّبان بأنفسهما كما يتقرَّب الولد، وليسوا بأقرب من الأبوين. والصواب: أن يُردّ على قدر أنصبائهم؛ لأنّهم استكملوا سهامهم، فكانوا أقرب الأرحام، فكان ما بقي من المال لهم بقرابة الأرحام، فيقسَّم ذلك بينهم على قدر منازلهم، فيكون حكم ما بقي من المال حكم ما قسَّمه الله عزَّ وجلَّ بينهم، لا يُخالَف الله في حكمه، ولا يتغيَّر قسمته…»([28]).

ويتَّضح من هذا النصّ أنّ هذا القول لم يُسَمَّ قائله، ولا يُدْرَى هل كان من الإمامية أو من غيرهم، وإنْ كان من الإمامية فليس ممَّنْ يُعتنى به؛ للتعبير عنه بـ (ببعض الناس).

وأمّا ما نسبه إلى العلاّمة الطباطبائي فهو وإنْ كان موجوداً في تفسير الميزان، لكنّه مذكورٌ بصورةٍ إجمالية، ولم يكن العلاّمة بصدد البحث الفقهي، بل كان بصدد التوصيف الإجمالي لقوانين الإرث في الإسلام([29]).

ج ـ أشار الباحث إلى أدلّة الإمامية:

1ـ إنّه ذكر دليلين: آية أُولي الأرحام([30])، ورواية الإمام الصادق×. ولم يُناقش فيهما([31]).

2ـ ثمّ ذكر مطلباً آخر، وهو الجمع بين الرواية النبوية وبين رواية الإمام الصادق×، بأنّ نفسّر العصبة في النبويّ بالابن والأب، والعصبة الواردة في رواية الإمام الصادق× بالأخ، وهذا في فرض وجود البنت، فلا تضادّ بينهما حينئذٍ؛ فإنّ الأخ لا يرث مع البنت، وأمّا الولد والأب فيرثان معها.

وأمّا إذا فسَّرنا العصبة في النبويّ بالأخ، وقلنا بأنّ البنت والأخ كلاهما يرثان معاً، فإنّ هذا الاستنباط خلاف نصّ القرآن([32]).

أقول:

1ـ لا أدري ما الداعي لذكر هذا المطلب؟!

2ـ إنّ الباحث لم يُوثِّق ما أورده، ولم يذكر أيَّ مستندٍ لذلك.

3ـ إنّ لبعض فقهاء الإماميّة ـ كالسيّد الخوئي ـ وجوهاً أخرى، غير ما ذكره الباحث.

4ـ لقد غفل الباحث عن روايات الردّ، وهي متضافرةٌ، بل متواترة تواتراً معنوياً([33]). ومن الواضح أنّ الردّ إنّما يتأتّى بعد فرض زيادة السهام عن التركة.

عاشراً: النظرية الجديدة

أـ لقد تعرَّض الباحث إلى بيان نظريته، بعد أن قدَّم توضيحاتٍ بلغت أكثر من نصف المقالة، وبتقديرٍ أدقّ: بلغت المقدّمات أربعة أسباع الحجم الكلّي للمقالة، وما بقي يقلّ عن ثلاثة أسباع المقالة([34]).

ب ـ شرع الباحث بطرح خمسة احتمالات، ويبدو منه إرادة الحصر، وأنّ الاحتمالات لا تكون أكثر من خمسة([35]).

أقول:

1ـ إنّه لا تقابل بين هذه الاحتمالات، بل بينها تداخلٌ، كما لا يخفى.

والصحيحُ أنه إنْ كانت هناك حاجةٌ أو فائدة لذكر الاحتمالات فينبغي القول: إمّا أن يُعيّن للذكور والإناث سهم، أو لا يُعيّن لأحدهما سهم، وإمّا أن يُعيّن لأحدهما سهم دون الآخر. وعلى جميع التقادير إمّا يُعطى الذكر أكثر من الأنثى، أو تُعطى الأنثى أكثر من الذكر، أو يتساويان.

وعليه تكون تسعة حاصلة من ضرب ثلاثة في ثلاثة، وليست خمسة.

2ـ إنّ الباحث لم يربط بين هذه الاحتمالات وبين بحثه، ولم يوضِّح دَوْرها في إثبات نظريته.

ج ـ بعدها انتقل الباحث للتنبيه على وجود ثلاثة إبهامات في الآية 11 من سورة النساء، وطرحها في ثلاثة تساؤلات([36]):

الأوّل: ما المراد بجملة ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾ (النساء: 11)؟

الثاني: أين بُيِّن سهم البنتين؟ فإنّه من المستبعد أن يُبيِّن الله تعالى سهم البنت وسهم الأكثر من البنتين، ولا يُبيِّن سهم البنتين.

الثالث: لمَنْ يكون الفاضل عن سهمَيْ البنت والبنات، أي الزائد عن النصف والثلثين، وهو النصف والثلث؟

د ـ ثمّ تصدّى الباحث للإجابة عن التساؤل الثالث، فقال: «لا يمكن أن يكون الباقي من سهم البنات لسهام الأب والأُمّ والزوج جَزْماً؛ لأنّ مجموع سهامهم أكثر من النصف، مع أنّ الحدّ الأكثر للباقي من سهم البنات هو النصف، ولا يمكن الجمع بين النصف وما يزيد على النصف»([37]).

أقول: لِمَ جعل فرض المسألة في هذه الآية حالة اجتماع البنات مع الأبوين والزوج؟ مع أنّ الآية 11 تتحدَّث عن حصص الأولاد والأبوين.

 هـ ـ ثمّ عاد للإجابة على التساؤل الأوّل، فقال: «إنّه لدى التدقيق في الآية ﴿يُوصِيكُمْ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾ يتَّضح ما هو السهم المعيّن للبنتين؟ وأنّ الباقي من سهمهنّ لمَنْ يكون؟ والذي يبدو في النظر أنّ معنى هذه الآية كما يلي: إذا كان الأولاد ذكراً وأُنثيين، سواء أكان الذكر واحداً أو أكثر، فالذكور يرثون كالبنتين، وحيث لم يُذْكَر قبل هذا تعيينٌ لسهم البنتين يتمّ تقسيم أموال الميّت إلى قسمين متساويين: نصفها للبنتين؛ ونصفها الآخر للذكر أو للذكور مع تعدُّدهم»([38]).

أقول:

1ـ لم يذكر الباحث ما الدليل والقرينة على ما طرحه من تفسيرٍ للآية، بل هو ادّعاءٌ مَحْض.

2ـ لم يتعرَّض إلى التفسير المقابل للآية، ولم يُناقشه.

3ـ من العجيب أنّ الباحث، بَدَلاً من أن يتصدّى لبيان الدليل على ما استظهره من هذه الآية، قفز إلى الهامش فذكر ما يدعم تفسيره للآية الأخيرة من سورة النساء!

4ـ من الواضح أنّ المراد بالذكر هو الجنس بقيد الوحدة؛ بقرينة تثنية الأنثى، فلا يشمل صورة التعدُّد، بل في حالة التعدُّد لكلّ ذكر سهم أنثيين.

و ـ ثمّ انتقل الباحث إلى المقطع الثاني من الآية، وهو قوله تعالى: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾، فأفاد أنّه قد تمّ في هذا المقطع تعيين سهم للبنات أو البنت الواحدة في صورةٍ معيّنة، وهي فيما لو كان الأولاد ذكوراً وإناثاً، وكانت البنات أكثر من اثنتين، فسهمهنّ الثلثان، ولو كانت بنتٌ واحدة فسهمها النصف، وما يبقى هو سهمُ الابن، فلو كان واحداً يُعْطَى الزائد عن سهم البنات كملاً، وهو النصف أو الثلث، ولو كان أكثر من ابنٍ واحد يُقسَّم الزائد بينهم بالسوية([39]).

أقول:

1ـ لم يوضِّح الباحث من أين استفاد دلالة الآية على إرادة تعيين سهم الإناث مقيّداً بحال اجتماعهنّ مع الذكور، لا حال انفرادهنّ، ولا إرادة الإطلاق.

2ـ كما أنّه لم يوضِّح كيف استفاد دلالة الآية على بيان توريث الذكور وحصصهم؟

ز ـ ثمّ انتقل الباحث إلى القول: «في هذه الدراسة تمّ إثبات أنّه طبقاً لظاهر القرآن لا يكون مجموع السهام المعيّنة للورثة في القرآن أكثر ولا أقلّ من مال الميّت إطلاقاً. ومن أجل دعم هذه النظرية يمكن التمسُّك بالأدلّة العقلية والقرآنية والروائية أيضاً»([40]).

أقول:

ممّا يثير الاستغراب هو ترك الباحث المطلب السابق مبتوراً، وانتقاله فجأةً إلى بيان ما يريد إثباته في هذه الدراسة، وذكر نوع الأدلّة التي سوف يستعين بها في بحثه. وكأنّه يريد الآن الابتداء بالمقالة، بعد طيّ ما يزيد على ثلثي المقالة.

الحادي عشر: الدليل العقلي

وحاصلُ ما قال في تقريب الاستدلال: إنّ الله تعالى قد أمر المكلَّفين بالالتزام بما قرَّره من السهام، وتوعَّد مَنْ يتجاوز حدوده تعالى بالعذاب، قال عزَّ من قائل: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ (النساء: 13 ـ 14). والمراد بحدود الله هنا أحكام الإرث والسهام والفرائض المعيّنة، فلا يُعْطَى لأحدٍ أكثر أو أقلّ من سهمه، وهذا يقتضي أنّ المكلَّف يستطيع العمل بذلك، ونحن إنْ قلنا بأنّ تعيين جميع السهام كان من أصل المال فلا يمكن العمل بذلك؛ لأنّه في بعض الفروض يكون مجموع الفروض أكثر من مال الميّت([41]).

أقول:

1ـ إنّ هذا الاستدلال هو استدلالٌ بالكتاب، وليس استدلالاً عقليّاً؛ فإنّه لا يجوز تجاوز ما أمر الله تعالى به من السهام التي عيَّنها، لا بالزيادة عليها ولا بالنقيصة منها.

2ـ لستُ أدري ما الذي اضطرّ الباحث إلى تطويل المسافة في الاستدلال؟! ألم يكن بإمكانه سلوك طريق أقصر والاستدلال مباشرةً بأن تعيين السهام جميعاً من أصل المال مستحيلٌ وغير معقول.

3ـ إنّ الجميع يسلِّمون بأنّ اجتماع السهام في بعض الصور غيرُ ممكن وغير معقول، والله تعالى لا يُشرِّع حكماً غير معقول، وفي حال افتراض وجود صورة من هذا القبيل فلا يُلتَزَم بها.

فالقائلون بالعَوْل يمكنهم التخلُّص من هذا المحذور بأن يُقال بأنّه في الحالات التي يستحيل فيها اجتماع الفروض لزيادتها على أصل التركة يُصار إلى السهام التقريبية والمجازية، لا الكسور الحقيقية.

وأمّا مَنْ لم يعتقد بالعَوْل فبإمكانه التخلُّص بطريقة أخرى، بأن يُقال: إنّ بعض أصحاب الفروض تارةً يرثون بالفرض؛ وأخرى بغير فرض (بالقرابة)، كما في صورة تزاحم السهام.

فأين الاستحالة؟! وأين المخالفة لحكم العقل؟! وأين المخالفة لحكم الله سبحانه؟!

4ـ إنّ استحالة اجتماع السهام الزائدة عن التركة ممّا صرَّح به العديد من قدماء الفقهاء من الطائفتين، فراجع كلماتهم إنْ شئتَ.

5ـ ألا يمكن التخلُّص من المحذور بالقول: إنّنا نعمل بالآية في الموارد الممكنة، وهي الأكثر؛ وفي الموارد غير الممكنة، وهي الأقلّ، لا تكليف للمكلَّف حال عجزه عن أداء التكليف!

الثاني عشر: الدليل القرآني

إنّ التأمُّل الدقيق في آيات الإرث يقودنا إلى أنّ الله سبحانه بعد تعيين سهام البنات قد استخدم تعبير ﴿مَا تَرَكَ﴾، وبعد تعيين سهام سائر الورثة حين لا يكون للميّت أولادٌ استخدم تعبير ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾، كما في الآية 11 من سورة النساء. فبعد تعيين سهم الثلثين للبنات استُفيد من عبارة ﴿مَا تَرَكَ﴾؛ وفي الآية (176)، بعد تعيين سهم الثلثين لأخوات الميّت، استُفيد من عبارة ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾. فما السبب في اختلاف التعابير؟

إنّنا نعتقد أنّه لا يُوجد في القرآن حرفٌ زائد، بل في بعض الآيات أنّ فهم حرف واحد يفتح الطريق لفهم القرآن.

وبحَسَب نظرنا، وبالالتفات إلى القرائن، في كلّ موضعٍ من القرآن الكريم ورد التعبير بـ ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾ بعد تعيين سهم الورثة فسهمُ هؤلاء الورثة يكون ثابتاً، ويكون تعيينه من أصل المال؛ وفي كلّ موردٍ ورد التعبير بـ ﴿مَا تَرَكَ﴾ بعد تعيين سهم الورثة فسهمُ هؤلاء الورثة متغيِّر، ويكون تعيينه من الباقي من المال. كما أنّه في الموارد التي فيها تعيينٌ لسهام الورثة، ولم يُستَعمَل فيها لفظ ﴿مَا تَرَكَ﴾ ولا لفظ ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾ فيُعْرَف من خلال القرائن أن المراد هو الأوّل أو الثاني. مثال ذلك: في تعيين سهم ما زاد عن البنتين استُخدم لفظ ﴿مَا تَرَكَ﴾، ولكنْ في تعيين سهم البنت الواحدة لم يُستَخدَم أيٌّ من اللفظين، ففي هذا المورد؛ بقرينة سهم ما زاد عن البنتين، يُستفاد أنّ سهم البنات هو بلحاظ ﴿مَا تَرَكَ([42]).

أقول:

1ـ الظاهر أنّ عمدة ما استند إليه الباحث في تشييد نظريته هو هذا الوجه. وكان المتوقَّع منه التوسُّع في بيان هذا الدليل، والمناورة عليه، وذكر ما يُمكن أن يُقال من مناقشاتٍ، فيما أنّه اكتفى بهذه العجالة من البيان.

2ـ لم يوضِّح الباحث ما الفرق بين التعبيرين: ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾ و﴿مَا تَرَكَ﴾، وكيف أنّه يُستفاد من التعبير الأوّل نسبة السهم إلى أصل المال، ويُستفاد من الثاني نسبة السهم إلى ما بقي، بل اكتفى ببيان مدَّعاه فقط.

3ـ ورد في الآية 12 من سورة النساء: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ﴾، وقد ورد بشأن سهمٍ كلا التعبيرين؛ فتارةً عُبِّر بـ ﴿مَا تَرَكَ﴾؛ وأخرى عُبِّر بـ ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾. وورد بشأن سهم الزوجة التعبير بـ ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾، فهل يخرج سهم الزوج تارةً من الباقي؛ وأخرى من الأصل؟ وهل يخرج سهم الزوجة من الأصل دائماً؟

4ـ وورد بشأن تعيين سهم الأخت التعبير بـ ﴿مَا تَرَكَ﴾، وبالنسبة لتعيين سهم الأختين التعبير بـ ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾، قال تعالى: ﴿إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ﴾ (النساء: 176). فطبقاً لمدَّعى الباحث ينبغي أن لا ترث الأخت من أصل المال، بل لا بُدَّ أن ترث من الباقي، فلو كانت زوجةٌ وأخت، وكانت التركة (600)، فللزوجة ربع التركة (150)، وللأخت نصف الباقي (225)، فيا تُرى هل يلتزم الباحث بذلك؟

ولو كان زوجٌ وأخت، وكانت التركة (600)، فطبقاً لمدَّعى الباحث كلاهما لا بُدَّ أن يرث من الباقي، ولا ندري أيّهما نُقدِّم؟ فلو قدَّمنا الزوج يأخذ النصف (300)، وللأخت نصف الباقي (150)؛ ولو قدَّمنا الأخت فلها النصف (300)، وللزوج نصف الباقي (150).

5ـ لقد ورد التعبير في عدّة موارد بـ ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾، كما في قوله تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ…﴾ (النساء: 7)، وقوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ…﴾ (النساء: 33)، فهل المراد أنّ هؤلاء المذكورين يرثون من الباقي، وأنّ سهامهم متغيِّرة؟!

6ـ ورد في بعض الموارد ذكر التوريث من دون استخدام أيٍّ من التعبيرين: ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾ و﴿مَا تَرَكَ﴾، كقوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمْ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ…﴾ (النساء: 11)، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ…﴾ (النساء: 33)، فما هو حال هؤلاء المذكورين؟ فهل يرثون من الأصل أم من الباقي؟ وما هي الضابطة حينئذٍ؟

7ـ من المستبعد جدّاً أن يبدأ المشرِّع ببيان الحصص الثانوية المتغيِّرة الخارجة من الباقي قبل بيان الحصص الأساسية الثابتة الخارجة من أصل المال؛ فإنّ هذا خلاف البلاغة، وخلاف المنطق المعتمد عُرفاً وعقلائياً في هذا النمط من التشريعات، فيبدأ ببيان حصص الأولاد بناءً على أنّ حصصهم من الباقي، ثمّ يذكر حصص الأبوين والأزواج، وهي من الأصل، فتقديمُ ما حقُّه التأخير خلافُ البلاغة.

الثالث عشر: الأدلّة الروائية

لقد قسَّم الباحث الروايات الواردة عن أهل البيت^ إلى طائفتين:

الطائفة الأولى: التي تضمّنت حتمية عدم النقيصة من سهام الورثة أو الزيادة عليها.

الطائفة الثانية: الروايات التي عيَّنت مصاديق السهام بحيث لا تكون هناك إضافةٌ أو نقصان. ففي هذه الروايات أنّ الوارث لو انحصر في البنت فليس لها سهمٌ معيّن. ولم يعمل المشهور بهذه الروايات؛ فإنّ أكثر الفقهاء لا يقبلون الرواية التي لم يعمل بها المشهور حتّى لو كانت صحيحة السند، كما أنّهم لا يقبلون الرواية التي لم يعمل بها المشهور. وعليه نذكرها بعنوان المؤيِّد فقط، ونترك تحديد الموقف للقارئ المحترم. ثمّ أورد عدّة روايات، زاعماً أنّها دالّةٌ أو داعمةٌ لرؤيته([43]).

أقول:

 

النقطة الأولى: الملاحظات العامّة على الاستدلال بالروايات

1ـ إنّ الباحث لم يأتِ بنموذجٍ واحد للطائفة الأولى يوضِّح فيه كيفية دلالة هذه الطائفة على مدَّعاه. ونحن حين رجعنا إلى المصدر الذي ذكره لهذه الطائفة وجدنا الروايات المدرجة تحت باب (في إبطال العَوْل). فما أعلم كيف تكون هذه الطائفة دالّة على المدّعى، بل كيف تكون مؤيّدةً؟!

2ـ لم يوضِّح الباحث موقفه من الشهرة، من كونها حجّةً أو جابرة أو كاسرة، صريحاً، والذي يظهر من تعابيره أنّه يرتضي ما ذكره من كون الشهرة جابرةً وكاسرة. ومن هنا أوردها بعنوان المؤيِّد.

3ـ لم يوضِّح الباحث أنّ الفقهاء لم يعملوا بجميع هذه الروايات التي سردها أو أنّهم لم يعملوا ببعضها، وما هو بعضها ذاك؟

4ـ إنّ الباحث لم يوثِّق ما سرده من معلوماتٍ، سوى أنّه ذكر مصادر الروايات.

5ـ لم يوضِّح الباحث تفصيلاً موقف الفقهاء من هذه الروايات، وكيف فسَّروها؟

6ـ لم يبيِّن الباحث موضع الدلالة أو التأييد في هذه الروايات، بل ترك تحديد الموقف للقارئ المحترم، وأعفى نفسه من عناء البحث، واكتفى ببيان موقف الإمامية والسنّة في الصور التي تعرَّضت لها الروايات.

النقطة الثانية: الملاحظات التفصيلية

1ـ إنّ الرواية الأولى ـ موثَّقة أبي بصير، عن أبي عبد الله×: «في رجلٍ مات وترك ابنتيه [= ابنيه] وأباه، قال: للأب السدس، وللابنتين الباقي. قال: ولو ترك بنات وبنين لم ينقص الأب من السدس شيئاً، قلتُ له: فإنّه ترك بنات وبنين وأُمّاً، قال: للأُمّ السدس، والباقي يُقسَّم لهم؛ للذكر مثل حظّ الأنثيين»([44]) ـ لا تدلّ على مدّعى الباحث، وإنّما تدلّ على أنّ الردّ يكون على البنتين دون الأب.

2ـ إنّ بعض الفقهاء لم يعمل بهذه الرواية للخَدْشة في سندها، كالعلاّمة في المختلف([45]) والشهيد الثاني([46]). كما أنّ بعضهم حملها على صورة وجود ذَكَرٍ معهما([47]). وبعضهم تركها لمعارضتها مع روايات أخرى([48]). وهذا ما لم يُشِرْ إليه الباحث بتاتاً، بل اكتفى بالقول بأنّ الفقهاء لم يعملوا بالروايات التي لم يعمل بها المشهور.

3ـ وأمّا الرواية الثانية ـ رواية المِنْقَري «أنّه سأل أبا الحسن× عن رجلٍ مات وترك ابنته وأخاه؟ فقال: المال للابنة»([49]) ـ ففي سندها كلامٌ([50]) لم يتعرَّض له الباحث بالمرّة.

4ـ وأمّا من حيث الدلالة فإنّها تدلّ على أنّ البنت في مثل هذه الحالة تنفرد بالتركة، ولا شيء للأخ؛ لوقوعه في الطبقة الثانية، ولا تدلّ على أكثر من ذلك.

5ـ وأمّا الرواية الثالثة ـ حَسَنة ابن أُذَيْنة، عن زرارة قال: قلتُ له: «إنّي سمعتُ محمد بن مسلم وبُكيراً يرويان عن أبي جعفر×، في زوج وأبوين وابنة: للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر [سهماً]، وللأبوين السدسان أربعة أسهم من اثني عشر سهماً، وبقي خمسة أسهم فهو للابنة؛ لأنّها لو كانت ذكراً لم يكن لها غير خمسة من اثني عشر سهماً، وإنْ كانتا اثنتين فلهما خمسة من اثني عشر سهماً، فقال زرارة: هذا هو الحقّ إذا أردت أن تلقي العَوْل، فتجعل الفريضة لا تعول، فإنّما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد والأخوات من الأب والأُمّ، فأمّا الزوج والإخوة للأُمّ فإنّهم لا ينقصون ممّا سمّى الله لهم شيئاً»([51]) ـ فتدلّ على أنّ النقص يدخل على البنت، وبذلك يتمّ التخلّص من العَوْل.

أجل، تضمّنت هذه الرواية تعليل دخول النقص على البنت بأنّ الذكر لا يكون أسوأ حالاً منها لو كان مكانها، أي إنّ الذكر لا يأخذ أقلّ من الأنثى مطلقاً، وهذا التعليل بمنزلة القاعدة الكلّية الثابتة في إرث الأولاد. وهذا ما لم يلتزم به الباحث، بل هو يرى إمكان أخذ الذكر أقلّ من الأنثى.

بل إنّ الحُرّ العاملي قد استفاد من النصوص عموم القاعدة لكلّ ذكرٍ وأنثى، وخصَّص باباً تحت عنوان: (باب أنّ الأنثى من الأولاد والإخوة وغيرهم لا تُزاد على ميراث الذكر إذا كان مكانها)([52]).

وأمّا ما ادّعاه الباحث ـ من أنّ الرواية تدلّ بالصراحة على أنّ أولاد الميّت لو كانوا كلّهم ذكوراً أو كلّهم إناثاً فلا سهم معيّناً لهم، بل يرثون الباقي دَوْماً([53]) ـ فهو بحاجةٍ إلى بيان، وعلى الباحث إقامة الدليل عليه.

6ـ وأمّا الرواية الرابعة ـ موثَّقة أبي بصير، عن أبي عبدالله× قال: «أربعة لا يدخل عليهم ضَرَر في الميراث: الوالدان، والزوج، والمرأة»([54]) ـ فتدلّ على أنّ النقص لا يدخل على الوالدَيْن والزوجين، والمراد بالمرأة هنا الزوجة.

وأمّا ما ادّعاه الباحث من إمكان أن يُستنبَط من هذه الرواية أنّ سهام الورثة ليست كلّها من أصل المال، بل سهم غير الأولاد من أصل المال، وسهم الأولاد من الباقي من المال([55])، فهذا ادّعاءٌ مَحْضٌ بحاجةٍ إلى دليل.

7ـ لقد نسب الباحث إلى بعض فقهاء الإماميّة تفسير (الضَّرَر) المذكور في الرواية بإنقاص الحصّة، وهو لا يَرِدُ على الوالدَيْن والزوجين، بل يَرِدُ على البنات([56])، من دون أن يورد أيَّ توثيقٍ لما نسبه.

8ـ ثمّ إنّ الباحث رفض ذلك، وادّعى أنّ الصحيح هو كون الضَّرَر هنا بمعنى الخسارة والضَّرَر المالي، ولم يُوضِّح مستنده.

9ـ لا يخفى أنّ الضَّرَر بمعناه الحقيقي غيرُ مرادٍ هنا قطعاً، بل لو حصل أمرٌ سلبي فهو قلّةُ نفعٍ ونقصان الحصّة، فهو تقليل للداخل في ملك الوارث، وليس تقليلاً ممّا يملكه فعلاً حتّى يصدق عليه الضَّرَر بمعناه الحقيقي والنقص المالي.

10ـ ادّعى الباحث وجود روايات أخرى تدلّ على أنّ أولاد الميّت لو كانوا كلّهم إناثاً فلا سهم معيّناً لهنّ، بل يرثْنَ الباقي من المال، ولم يذكرها رعايةً للاختصار([57]). وعلى الأقلّ كان ينبغي له توثيق ذلك، وذكر المصدر.

11ـ لقد صرَّح الباحث بوجود رواياتٍ منقولة في الكتب المعتبرة عن أهل البيت^ يمكن أن يُستفاد منها أنّ سهم كلّ ابنٍ ضعف سهم البنت، ثم أورد أربع روايات([58]).

لكنّه لم يُناقِشْها سنداً، ولا دلالة. وكونُها منقولة في الكتب المعتبرة لا يعفينا عن البحث فيها.

12ـ ثمّ علَّق الباحث في آخرها بأنّه على الرغم من ذلك لا يمكننا أن نرفع اليد عن ظاهر القرآن؛ لأجل عدّة رواياتٍ، وأيضاً ليست هذه الروايات علّة حكم مشهور الفقهاء، بل إنّ ما استفادوه من القرآن الكريم هو أنّ كلّ ابنٍ يأخذ ضعف البنت، وقد تناولنا نقد ذلك مفصَّلاً في ما سبق([59]).

ولستُ أدري: لماذا لا تكون هذه الروايات مقيّدةً لإطلاق آيات السهام؟! فهل أنّ الباحث لا يعتقد بإمكان تخصيص الكتاب بالسنّة مطلقاً، أو أنه يعتقد في بعض الحالات وضمن شروط خاصّة؟ هذا ما لم يُبيِّنه الباحث، ولا سبيل لنا لمعرفته. كما أنّنا لم نعثر على مناقشات الباحث في ما سبق مع المشهور، في حين أنّ البحث لمّا يكمل بَعْدُ!

13ـ لقد أبدى الباحث أسفه على بعض الأفراد الذين يُوظِّفون فهم مشهور الفقهاء ضدّ القرآن، ويعطون الصدارة لقضية تقسيم الإرث في القرآن في الفضاء المجازي والإنترنت، ويدَّعون أنّ القرآن ليس بكلام الوحي، وأنّ كاتبه لا يعلم الحساب الابتدائي، ولذا فقد قسَّم سهام الورثة بنحوٍ يجعل المسلمين دائماً في مقام العمل يواجهون مشكلة زيادة أو قلّة سهام الورثة.

ثمّ تمنّى الباحث أن تكون هذه المقالة جواباً محكماً ومقنعاً لمثيري الشُّبَه ضدّ القرآن([60]).

أقول: إنّ هذه الشُّبُهات لم تَبْقَ من دون جوابٍ، بل أجاب الفقهاء عليها قديماً حَسْب مبانيهم، ولا ينحصر الجواب بما ذكره هذا الباحث المعاصر.

الرابع عشر: رفع إشكال

طرح الباحث آخر المقال إشكالاً، وتصدّى لرفعه. فقال في بيان الإشكال: «يُمكن أن يُقال: صحيحٌ أنّه لا يُوجد تفاوتٌ بين البنت والابن في سهم الإرث، ولكنْ من الناحية العملية يكون في بعض الصور للبنات سهمٌ أكثر. فمن باب المثال: لو كان الورثة بنتاً واحدة وعشرة أولاد فسهمُ البنت نصفٌ، وسهم الأولاد العشرة نصفٌ أيضاً. وهذا خلاف العدل والعُرْف، ولا يقبله الناس».

ثمّ تصدّى الباحث للإجابة عن الإشكال قائلاً: «وجواب هذه الشبهة: إنّ تعيين السهام للورثة أمرٌ تعبُّديّ صِرْف، ويتحتّم علينا العمل طبقاً لأمر الله تعالى، من دون تردُّدٍ، ومن غير سؤالٍ عن العلّة؛ فإنّ المتيقَّن والمقطوع به هو تعيين القرآن الكريم النصف سهماً للبنت الواحدة».

ثمّ أضاف قائلاً: «ولو تُصوّر كون النصف الآخر هو سهمٌ لغير الأولاد فيجب أن نقول: إمّا أنّ الميّت زوجة، وورثتها الأب والأُمّ والزوج، الذين يكون مجموع سهامهم أكثر من النصف([61])؛ أو أنّ الميّت رجلٌ، وورثته الأب والأُمّ والزوجة، الذين يكون مجموع سهامهم أقلّ من النصف([62]). وعليه فإنّ الباقي من سهم البنت لا يمكن أن يكون لغير الأولاد. لذا يجب القبول بأنّ الباقي من سهم البنت هو سهم الابن»([63]).

أقول:

1ـ كنّا نتوقَّع من الباحث؛ من أجل تقوية نظريته، أن يطرح إشكالاً تخصُّصياً، لكنّه فاجأنا بطرح إشكالٍ عامّ.

2ـ إنّ المستفاد من الروايات ـ كما مرَّ ـ أنّ الابن لا يكون أسوأ حالاً من أخته؛ فإنهما في طبقةٍ واحدة، وهذا حكمٌ تعبُّدي.

3ـ إنّنا وإنْ كنّا لا ندرك علل الأحكام كلّها بصورةٍ كاملة؛ فإنّ بعضها تعبُّدي، ولكنْ بشرط أن لا يكون التفاوت فاحشاً وغير مستساغ عقلائياً، ولا سيَّما أنّ أحكام الإرث ذات طبيعة مزدوجة، فليست تعبُّديةً مَحْضة كالعبادات، وليست عقلائيةً مَحْضة. وإنّ الصورة التي ذكرها الباحث في غاية الاستهجان بحَسَب نظر العُرف؛ نظراً لكون التفاوت بين حصّة الابن الواحد إلى البنت الواحد بنسبة الواحد إلى العشرة، وهذا مرفوضٌ قطعاً بنظر العُرف.

 وأمّا بحَسَب الرؤية الفقهية المعروفة فإنّ نسبة التفاوت بين الابن والبنت تظلّ ثابتةً، وهي نسبة الواحد إلى الاثنين، وقد علَّلت بعض الروايات هذا التفاوت تعليلاً عُرفياً وعقلائياً.

وعليه لم يكن الباحث موفَّقاً في رفع الإشكال الذي أثاره.

الخامس عشر: نتيجة البحث التي بيَّنها الباحث في مقالته

لقد ذكر الباحث النتائج، ونحن نفكِّكها كالتالي:

1ـ إنّ في القرآن الكريم تفاوتاً بين سهم البنت والابن. لكنْ لا يُعتبر تمييزاً بينهما إطلاقاً؛ لأنّ سهامهم تخرج من الباقي بعد إخراج سهم الاب والأُمّ والزوجين إنْ كانوا أحياءً، وسواء كان ولداً واحداً أو أكثر.

2ـ ولو كان الأولاد بنتاً واحدة أو ابناً فالباقي يُقسَّم بينهما بالسوية.

3ـ ولو كان الورثة بنات وأبناء فالأمر لا يتعدّى الحالات التالية: إمّا أن يكون بينهم بنتٌ واحدة أو بنتان أو أكثر من بنتين فإنّ الله قد عيَّن للبنت الواحد وللبنتين النصف، وعيَّن الثلثين سهماً للأكثر من بنتين، والباقي يتعلّق بالابن، واحداً كان أو أكثر.

وممّا يؤيِّد هذه النتيجة الآية 7 من سورة النساء، وهي قوله تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً﴾؛ فإنّ المستفاد من ظاهر الآية الشريفة أن لا تمييز بين سهم الرجل والمرأة.

أقول:

1ـ كيف يمكن نفي التفاوت بين سهمي البنت والابن، وقد أكَّدت الروايات ـ التي مرَّ بعضها ـ على تأكيد هذا التفاوت بينهما، ومحاولة تبريره عقلائياً وعُرفياً، وأمّا طبقاً لرؤية الباحث فالتفاوت بينهما صارخٌ وفاحش.

2ـ لم يتقدَّم من الباحث بشكلٍ واضح إثبات كون النصف للبنتين.

3ـ لقد غفل الباحث عن أنّ المقام في نهاية المقالة هو مقام ذكر النتائج التي انتهى إليها فحَسْب، وليس المقام مقام الاستدلال.

4ـ لم يوضِّح الباحث كيف تدلّ الآية 7 على عدم التفاوت بين سهم البنت والابن.

5ـ لم يوضِّح الباحث ما هو المراد بالرجال والنساء في الآية؟ وهل يختصّان بالبنات والأبناء أم يعمّهما وغيرهما؟

 

أهمّ نتائج نقدنا لمقالة الباحث المعاصر

1ـ لم يستطع الباحث أن يصوِّر رؤيته بدقّةٍ، بل كان يتنقَّل في البحث على أكثر من محورٍ.

2ـ لم يستطع إثبات رؤيته وفقاً للمنهج التخصُّصي وباللغة التخصُّصية.

3ـ لم يستطع الدفاع عن رؤيته وردّ الإشكالات عليها.

4ـ لم يستطع الباحث أن يُوجِّه نقداً فنّياً للرؤية المقابلة له.

5ـ لم يلتزم الباحث بأصول البحث العلمي في التوثيق والإرجاع.

6ـ وبالتالي لم يثبت ما ادّعاه من أنّ سهام الأولاد ليست من أصل المال، بل ممّا يبقى، وأنّه لم يُعيَّن للبنات سهمٌ بنحو الإطلاق، بل عُيّن سهمهنّ إذا اجتمعْنَ مع الأبناء، وأنّ للواحدة النصف والباقي للذكور، وكذا الاثنتان، ولما زاد عن الثنتين الثلثان والباقي للذكور.

7ـ وعليه لم يثبت ما ادّعاه من انتفاء العَوْل والتعصيب.

الهوامش

(*) عضو الهيئة العلميّة في جامعة المصطفى| العالميّة، ورئيس تحرير مجلّة فقه أهل البيت^. من العراق.

([1]) انظر: محمد الموسوي، رؤية جديدة حول سهام الأولاد: 156 ـ 157، المطبوع في مجلّة فقه أهل البيت^ [النسخة الفارسية]، العددان (77 ـ 78)، السنة العشرون.

([2]) المصدر السابق: 158 ـ 159.

([3])المصدر السابق: 159.

([4]) النساء: 11، 12، 176.

([5]) الموسوي، رؤية جديدة حول سهام الأولاد: 159.

([6]) المصدر السابق: 159.

([7]) المصدر نفسه.

([8]) المصدر السابق: 159 ـ 160.

([9]) المصدر السابق: 160.

([10]) المرتضى، الانتصار: 563 ـ 564، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين في قم، 1415 هـ.

([11]) الموسوي، رؤية جديدة حول سهام الأولاد: 162.

([12]) المرتضى، الانتصار: 561.

([13]) الموسوي، رؤية جديدة حول سهام الأولاد: 162 ـ 163.

([14]) انظر: الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 8: 87، منشورات مكتبة الداوري ـ قم، ط1، 1410هـ [أوفست عن طبعة منشورات جامعة النجف الدينية].

([15]) الموسوي، رؤية جديدة حول سهام الأولاد: 163.

([16]) المصدر نفسه.

([17]) الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 8: 87.

([18]) الموسوي، رؤية جديدة حول سهام الأولاد: 160.

([19]) انظر: الطوسي، الخلاف 4: 73 ـ 77، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط1، 1414هـ.

([20]) الموسوي، رؤية جديدة حول سهام الأولاد: 164.

([21]) انظر: المصدر السابق: 164 ـ 168.

([22]) أقول: إنّ لنا بياناً آخر خاصّاً بنا لتبرير ذلك، شرحناه في بعض بحوثنا.

([23]) الموسوي، رؤية جديدة حول سهام الأولاد: 168 ـ 169.

([24]) المصدر السابق: 169.

([25]) الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 8: 59 ـ 62.

([26]) الكليني، الكافي 7: 93 ـ 96، ح1 و2 و3، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط3، 1367هـ.ش.

([27]) الكليني، الكافي، 7: 93، ح1؛ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 26: 128 ـ 129، باب 17 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح1، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، ط2، 1414هـ.

([28]) الكليني، الكافي، 7: 95.

([29]) العلاّمة الطباطبائي، تفسير الميزان 4: 214، مؤسّسة النشر الإسلامي، بدون تاريخ.

([30]) الأحزاب: 6.

([31]) الموسوي، رؤية جديدة حول سهام الأولاد: 170.

([32]) المصدر السابق: 170 ـ 171.

([33]) انظر: الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 26: 85 ـ 89، باب 8 من أبواب موجبات الإرث؛ 91، باب 1 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد؛ 100، باب 4؛ 103، باب 5؛ 114، باب 8؛ 128، باب 17؛ 134، باب 19، وغيرها.

([34]) الموسوي، رؤية جديدة حول سهام الأولاد: 171.

([35]) المصدر السابق: 172.

([36]) المصدر نفسه.

([37]) المصدر السابق: 172 ـ 173.

([38]) المصدر السابق: 173.

([39]) المصدر نفسه.

([40]) المصدر السابق: 164.

([41]) المصدر السابق: 174.

([42]) المصدر السابق: 174 ـ 175.

([43]) المصدر السابق: 175ـ 176.

([44]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، 26: 130 ـ 131، باب 17 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح7.

([45]) العلاّمة الحلّي، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة 9: 104، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط1، 1419هـ.

([46]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام 13: 65، مؤسّسة المعارف الإسلامية، قم، ط1، 1418هـ.

([47]) العلاّمة الحلّي، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة 9: 104.

([48]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام الى تنقيح شرائع الإسلام 13: 65.

([49]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 26: 104، باب 5 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح2.

([50]) علي النمازي الشاهرودي، مستدركات علم رجال الحديث 1: 21، الناشر: ابن المؤلّف، طهران، ط1، 1412هـ. جعفر السبحاني التبريزي، كلّيات في علم الرجال: 256، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط1، 1414هـ.

([51]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 26: 131، باب 18 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح1.

([52]) المصدر السابق 26: 109، باب 6 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.

([53]) الموسوي، رؤية جديدة حول سهام الأولاد: 178.

([54]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 26: 77، باب 7 من أبواب موجبات الإرث، ح3.

([55]) الموسوي، رؤية جديدة حول سهام الأولاد: 178.

([56]) المصدر السابق: 179.

([57]) المصدر نفسه.

([58]) المصدر السابق: 179 ـ 180.

([59]) المصدر السابق: 180.

([60]) المصدر السابق: 181.

([61]) فللأبوين الثلث، وللزوج الربع، ومجموع الثلث والربع أكثر من النصف.

([62]) فللأبوين الثلث، وللزوجة الثمن، ومجموع الثلث والثمن أقلّ من النصف.

([63]) الموسوي، رؤية جديدة حول سهام الأولاد: 181.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً