أحدث المقالات

مطالعة استدلاليّة لنظريات جديدة

حيدر حب الله*

تمهيد

تبقى ظاهرة الحجّ مليئة بالمناسك والأحكام المتشعّبة والكثيرة، وهو ما يلمسه المراجع لفقه الحجّ عند المسلمين مراجعةً سريعة، سيّما عندما يمرّ بأحكام الذبح أو تروك الإحرام وكفّاراته …

ومن مهمّ أعمال الحجّ الواجبة ـ بعد التغاضي عن بعض ما نسب إلى القيل حول استحبابه ـ رمي الجمار، ويعالج الفقهاء رمي الجمار في موضعين من كتاب الحجّ عادةً هما:

1ـ في يوم النحر، حيث رمي جمرة العقبة والذبح والحلق (أو التقصير)، وهناك يسهبون في ذكر أحكام الرمي وشروطه وما يتوجّب على الرامي فعله، وذلك بعد أن يمرّوا على أخذ الأحجار من المزدلفة (جمع)، وما ينبغي أن تكون عليه هذه الأحجار.

2ـ وفي أيّام التشريق، حيث ترمى الجمرات الثلاث على التوالي، وهناك يسهب الفقهاء في الحديث عن مسألة الترتيب في رمي الجمار الثلاث، وكذلك مسألة السهو في رمي بعضها أو بعض الحصيات من بعضها…

ويوكلون أحكامه وكيفيّته عادةً إلى ما أسلفوا بيانه في رمي جمرة العقبة يوم النحر (العيد).

وفي ثنايا مسائل رمي الجمرات، ثمّة موضوعات هامّة تستدعي البحث والدراسة، وسوف نحاول هنا التعرّض لبعض هذه الموضوعات ذات الإشكالية، وذلك من زاويةٍ تاريخيّة بحتة أو فقهيّة كذلك، ونركّز نظرنا حول مبحثين أساسيّين هما: تحديد هويّة الجمرة، وشرطية إصابة الجمرة.

أولاً: الجمرات، تاريخها وتحديد هويّتها

المعروف اليوم ـ حينما تطلق كلمة الجمرات أو الجمار ـ أنّها تلك الأعمدة المنصوبة في منى، غير أنّ بحثاً أثير حول مدى حداثة هذه الأعمدة، وهل هي أبنية استجدّت بعد عصر النصّ أو أنّها كانت موجودة حينه؟ ومن الواضح أنّ هذا بحثٌ تاريخيّ خارجي، له أثر فقهي كما سنلاحظ.

ثمّة وجهتا نظر:

الأولى: إنّ هذه الأعمدة هي الجمرات عينها، ومن ثمّ ينبغي التعامل مع نصوص الرمي للجمار، بنحوٍ نطبّقها على الأعمدة الموجودة حالياً.

الثانية: إنّ هذه الأعمدة ظاهرة مستجدّة، والجمار في الحقيقة، وهو ما تعنيه الروايات، ليس سوى تلك المجموعة من الأحجار المتراكمة، أي أنّ مساحتها أوسع من مجرّد مساحة العمود، فهي تشمل الأرض المحيطة أيضاً.

ويترتّب على هذا الفارق إمكانية رمي هذه المساحة على القول الثاني، دونه على القول الأوّل، إذ عليه أقصى ما يمكن رميه، هو العمود على تقدير وجوده، أو موضعه فحسب (لا المحيط به) على تقدير عدمه.

وسوف نستعرض أدلّة القولين على الترتيب في الفقرات التالية:

1ـ نظرية كون الجمرات أعمدة، الأدلّة والشواهد

هذا القول هو المعروف اليوم بين الفقهاء، وبالتأكيد يعود التصريح به إلى فترة سابقة، وأقدم نصّ فقهي يتحدّث بصراحة عن هويّة الجمرات هو ـ على ما يبدو ـ ما ذكره الشهيد الأوّل (786ﻫ) في كتابه الدروس حيث قال: «الجمرة اسم لموضع الرمي، وهو البناء أو موضعه ممّا يجتمع من الحصى، وقيل: هي مجتمع الحصى لا السائل منه، وصرّح علي بن بابويه بأنّه الأرض»([1]).

وقد كان نادراً أن يتحدّث فقيه بصراحة عن هويّة الجمرات، فبعد الشهيد الأوّل، تعرّض للموضوع عددٌ قليل منهم الشيخ النجفي([2])، والشهيد الثاني([3])، وصاحب المدارك([4])، والفاضل الهندي([5])، وجماعة من متأخّري المتأخّرين كان أبرزهم السيّد السبزواري([6]).

وأمّا ما ذكره الشهيد الأوّل عن الصدوق الأوّل فلم نعثر عليه، والظاهر هو أخذه من الفقه الرضوي لما فيه من شبهة النسبة إليه.

وبناءً عليه، فإذا ما قيل بأنّ الجمرة هي البناء وأنّ هذا هو ظاهر كلام الفقهاء، فلابدّ أن يكون المعنى أنّه المركوز في النص والمدلول عليه بنحو من الدلالة، لا المصرّح به والمجعول مورداً للبحث المستقلّ.

وعلى أيّة حال، فحاصل ما ذكر أو يمكن ذكره تأييداً لهذا القول أُمور:

الأوّل: الروايات الشريفة ومهمّها:

الرواية الأولى: خبر محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن×: «واجعلهنّ على يمينك كلّهن ولا ترمِ على الجمرة»([7])، فإنّ الظاهر من إفراد الجمرة، أنّ المراد بها العمود، وإلّا كان المفترض أن يقال: ولا ترم على الجمار، أي لا تقف عليها، إذ لا معنى للوقوف على الحصاة الواحدة([8]).

ويناقش: إنّ كلمة الجمرة لا يراد منها هنا على جميع التقادير الحجر الواحد، إذ إنّ هذا المكان الذي يرميه الحجّاج، صار اسمه جمرة، فكأنّه علمٌ بالغلبة، والسبب هو تجمّع الحصى فيه أو غير ذلك كما سنتعرّض له إن شاء الله تعالى عند البحث اللغوي، ومعه فلا يفرّق بين الإفراد والجمع ما دام هذا اللفظ ـ بتصريح اللغويّين ـ يسمّى جمرة، سواء أطلق على العمود أم على كومة الحصى أم على هذا المكان الذي يرمى بالجمار، فإنّ التعبير فيها صادق جميعاً، فالإفراد لا يراد به الفرد الواحد، وإنّما اسم لمجتمع الحصى أو الأرض، وما دام اسماً فلا يصحّ التعامل معه على أساس قانون الإفراد والجمع.

الرواية الثانية: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله× قال: «…فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها…»([9]) ونحوها رواية دعائم الإسلام([10])، وذلك بأحد تقريبين:

الأوّل: إنّ كلمة أعلاها وأسفلها لا معنى لها إذا لم تكن الجمرة جسماً، إذ إنّ مجرّد كومة من الحصى لا معنى لأعلاها وأسفلها([11]).

ويناقش: بأنّ الرمي من الأعلى لا يعني رمي أعلاها، بل بقرينة المقابلة مع الرمي من قبل وجهها يفهم أنّ المراد الحديث عن الجهة التي يكون الرامي فيها بالنسبة للجمرة، أي لا ترمها من الجهة التي تكون بالنسبة إلى الجمرة أعلى منها، كالوقوف على التلّ الملاصق لجمرة العقبة قديماً ممّا يجعل الرامي أعلى من الجمرة، فرميه يكون رمياً لها من أعلاها لا رمياً لأعلاها.

الثاني: لا معنى للرمي من قبل وجهها إلّا إذا كانت بناءً، وإلّا فكومة الحصى أو الأرض المسطّحة لا وجه لها، إذ هي من جميع الجهات متساوية، والأرض لا يمكن مواجهتها([12]).

ويلاحظ عليه: إنّ الرواية نفسها شرحت معنى المواجهة بقرينة المقابلة، فالحديث في الرواية عن جمرة العقبة، وهي جمرة كما سنرى كانت تقع أسفل تل أو جُبيل، فإذا أُمر برميها من قبل وجهها لا من أعلاها عنى ذلك عدم الصعود إلى التلّ الذي يجعل رميها من الجانب الآخر متعذّراً إلّا بإزالة التلّ نفسه، وبهذا يفهم أنّ الوجه هو ما كان من ناحية الطريق المقابل للتلّ. والذي تواجه به الجمرة عادةً للمارّ على الطريق، بلا فرقٍ بين أن تكون الجمرة عموداً أو كومة حصى أو نحو ذلك.

الرواية الثالثة: خبر حُميد بن مسعود قال: سألت أبا عبد الله× عن رمي الجمار على غير طهور؟ قال: «الجمار عندنا مثل الصفا والمروة حيطان إن طفت بينهما على غير طهور لم يضرّك، والطهر أحبّ إليّ …»([13]).

فإنّ التعبير بحيطان ـ كوصفٍ للجمرات ـ واضح الدلالة على أنّها لم تكن أرضاً أو مجرّد مجتمع للحصى، إذ الحائط من حَوَط وهي كلمة تعني الجدار([14]).

وقد يناقش: أوّلاً: إنّ الرواية ضعيفة سنداً([15])، فعلاوة على أنّ سندها في الاستبصار: جعفر عن أبي غسّان عن حميد بن مسعود، وفي الوافي عن أبي جعفر عن ابن أبي غسان حميد بن مسعود، وفي الوسائل عن جعفر عن أبي غسّان حميد بن مسعود، وفي التهذيب: ابن أبي غسّان عن حميد … أنّ ابن مسعود نفسه مجهول فهي ساقطةٌ سنداً.

ويجاب: 1ـ إنّ الرواية اعتمد عليها الأصحاب دون نقاش بمخالفتها للواقع علاوة على عدم الداعي إلى وضعها([16]).

وفيه: إنّ عمل الأصحاب بها لا يجبر سندها على تقديره إلّا في حالات ليست هذه منها لاحتمال فهمهم من الحيطان ما سيأتي، أو لقولهم بالتبعيض في حجّية السند فأخذوا بأجزائها وتجاهلوا هذا الجزء، ولا يُحرز أخذهم بهذا الجزء عينه، ودواعي الوضع موجودة، إذ اشتراط الطهارة وعدم اشتراطها مسألة خلافيّة بين الفقهاء أو لا أقلّ محلّ بحث، فلعلّها كانت كذلك زمن المشترّعة المعاصرين، وأمّا لو قُصِد عدم الوضع و … بلحاظ وصف الحيطان فقط فسوف يأتي حاله.

2ـ إنّ الرواية على تقدير وضعها تكشف عن أنّ الجمرات كانت كذلك، فتشبيه الراوي الجمرات بالصفا والمروة وجعلها حيطاناً، أمرٌ يدلّ على مفروغيّة كونها كذلك، حتّى يتسنّى له هذا التشبيه ليصل إلى مبتغاه في مسألة الطهور، وهذا يعني أنّ الجمرات في تلك الحقبة كانت كذلك، على تقدير الاستفادة الدلاليّة كما سيأتي.

ثانياً: إنّ الظاهر من الرواية أنّ وجه الشبه ليس هو كلمة «حيطان» وإنّما حكم الطهور، وذلك أنّ الجمرات لا يصدق عليها عنوان الحيطان حتّى لو كانت أعمدة، فإنّ العمود شيءٌ والحائط شيءٌ آخر، ولكي يصدق على الجمرة أنّها حائط لابدّ أن يكون عرضها قد بلغ مقداراً معتدّاً به، وإلّا لم يكن هناك فرق في لغة العرب بين الحائط والعمود، إلّا إذا تعدّدت بشكل أحاطت به موضعاً وحصرته.

وبغضّ النظر عن ذلك، فإنّ الصفا والمروة إنّما يصدق عليهما عنوان الحائط بلحاظ كونهما يحدّان ما بينهما، وإلّا فمن الواضح أنّهما ليسا جدارين أو عمودين، وهذا معناه أنّ عنوان حائط يصدق على تلّين أو جسمين فيهما ارتفاع يحدّان منخفضاً بينهما، وعليه فقد يكون وجه التشبيه صادقاً بلحاظ كون الجمرات كذلك ولو بقرينة تلّ العقبة، دون حاجة إلى فكرة العمود، وإلّا فما هو موجود اليوم لا يصدق عليه عنوان حائط أبداً.

وبعبارة أُخرى، لكي تكون الأعمدة حائطاً حافظاً لابدّ أن تكون كذلك بلحاظ ما بينها كما هي الحال في الصفا والمروة، أمّا وجود أعمدة ثلاثة لا اثنين على خط واحد لا تحوط شيئاً، وليست تلالاً بينها منخفض، فلا يصدق عليها عنوان حائط.

وأمّا تفسير الحائط بالعلامات المنصوبة والحدود الفاصلة بين الجمرات([17])، فهذا في غاية البُعد عن مدلول الكلمة لغويّاً، فلا يطلق العرف اللغوي العربي على هذه العلامات كلمة حائط أبداً، أفهل تقول العرب عن مدينة عُلّمت حدودها الإدارية بعلامات من أعمدة ونحوها … هل يقال لها: إنّها محاطة بحيطان؟! وهل يقال للجسم الموجود اليوم على مقام إبراهيم× إنّه حائط بالنسبة للكعبة؟!

ذلك كلّه يرجّح أنّ التشبيه كان بلحاظ الطهور لا الحيطان، وإلّا فلا يصدق على الأعمدة ظاهراً، أو لا أقل من الشك في الظهور.

الرواية الرابعة: خبر سعيد الأعرج قال: قلت لأبي عبد الله×: معنا نساء، قال: «أفض بهنّ بليل … حتّى تأتي الجمرة العظمى …» ونحوها رواية سعيد الرومي([18]).

وتقريب الاستدلال بهذه الروايات أنّ التعبير بالجمرة العظمى وما درج عليه الفقهاء فيما بعد من هذا التعبير أو الجمرة الكبرى بقطع النظر عن كونها جمرة العقبة أو غيرها… يدلّ على اختلاف أحجامها الأمر الذي لا معنى له إلّا تفسيره على أساس الأعمدة، وإلّا فقطعة الأرض لا معنى للحديث عنها بهذا الشكل([19]).

والتعبير بالعظمى أو الكبرى، موجود حتّى في المصادر الفقهيّة لأهل السنّة، ممّا يعني أنّه غير متلقّى فقط من روايات أهل البيت^ السالفة الإشارة إليها، ومن ثمّ فهو تعبير متداول منذ قديم الأيّام([20]).

والجواب: إنّ التعبير الموجود في الروايات وفي مصادر الفقه الشيعيّة والسنّية، هو الجمرة العظمى والجمرة الكبرى، ولم يرد على الجمرات الأخرى سوى تعبير الجمرة الوسطى، أي أنّ تعبير «الجمرة الصغرى» غير موجود إلّا نادراً ، وفي خلاف لفظي([21])، وهو ما يفتح المجال أكثر فأكثر أمام تفسير آخر للعظمى والكبرى يمنع على الأقلّ أن يصبح بعد ذلك ظاهراً في مدّعى المستدلّ، إذ إنّ احتمال تسميتها بالعظمى أو الكبرى قد يكون لوجود التلّ الملاصق لها الأمر الذي يجعلها مميّزةً عن غيرها لملاصقتها مرتَفَعاً، لأنّ العقبة (جمرة العقبة) لغةً هي الجبل الطويل الذي يعرض للطريق فيأخذ فيه، وقد يكون الأمر لأنّ لها ميزة تشريعيّة وهي رميها رمياً خاصّاً يوم النحر فتكون مميّزةً عن غيرها ولها سمة تمنحها مكانة خاصّة، كما أنّ رميها زيادةً على غيرها (يوم العيد) من الممكن أن يجعل حجم كومة الحصى أكبر من بقيّة الجمرات الأمر الذي يصحّح كونها أكبر حجماً أيضاً، كما أنّ احتمال أن يكون تعظيمها وإكبارها نظراً لبيعة العقبة الكبرى الشهيرة في تاريخ الإسلام، حيث وقعت عندها حسب الظاهر، الأمر الذي أضفى عليها قداسة خاصّة وعظمة وهيبة معيّنة في قلوب المؤمنين وربّما قد أخذت هذا الوصف من تلك البيعة.

ولا نريد الجزم بهذه الاحتمالات لكن معقوليّتها ووجاهتها في حدّ نفسها تجعل الاحتمال المثار في هذا الاستدلال مجرّد احتمال إلى جانب احتمالات أُخرى، الأمر الذي يُحِيجُه إلى شواهد وقرائن ليترجّح على غيره.

والظاهر أنّ الجمرة العظمى والكبرى هما جمرة العقبة، والتي تسمّى أيضاً الجمرة القصوى، وإن سمّيت الأولى أيضاً القصوى أحياناً؛ لأنّ هذا اللفظ ذو معنى نسبي؛ لكونها الأبعد، وهي تقع عند الشجرة، وعليه فما قد يدغدغ من أنّها الجمرة الأولى الأخرى بعيد بعد أن كان مفاد رواية سعيد الأعرج ظاهراً فيها بقرينة الإفاضة والنحر، وأمّا رواية سعيد الرومي التي ينادي فيها الإمام بأعلى صوته أنّ هذا المكان (الجمرة) ليس موقفاً، فالظاهر منها أنّها جمرة العقبة أيضاً؛ لأنّ الروايات ذكرت استحباب الوقوف عند الجمرتين والنهي عن الوقوف عند جمرة العقبة، فتكون العظمى هي العقبة كما دلّت على ذلك صحاح يعقوب بن شعيب ومعاوية بن عمّار وروايات أُخرى مثل خبر ابن أبي نصر و …([22])

كما أنّ هذا هو صريح كلمات العديد من الفقهاء الشيعة الإمامية([23])
وغيرهم([24])، فليراجع.

وعليه، فما ورد في صحيح معاوية بن عمّار يفيد أنّها الأولى يمكن التوقّف فيه بعد أن كان من تعبير الراوي، أو لا أقلّ من دعم تلك بالشهرة والمعروفيّة بين المسلمين، وإن تابع صحيح معاوية عبارات بعض الفقهاء أحياناً كالشيخ الطوسي في التهذيب([25]). وعليه، فإمّا تطرح دلالة خبر معاوية في تحديد العظمى أو يتوقّف في الأخبار جميعها ويُرجع إلى المشهور، ويجعل احتمال تبعية مثل الطوسي للرواية تعبّداً قويّاً، والنتيجة عدم صحّة الاستدلال بروايات العظمى والكبرى، وهو المطلوب.

الرواية الخامسة: خبر أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله× عن الذي ينبغي له أن يرمي بليل، من هو؟ قال: «… والمريض الذي لا يستطيع أن يرمي يُحمل إلى الجمار فإن قدر على أن يرمي، وإلّا فارم عنه وهو حاضر»([26]).

وتقريب الاستدلال أنّه لا معنى لعجز المريض عن الرمي إذا كانت الجمرة أرضاً، إذ يمكنه إلقاء الحجر بسهولة، ولكون الجمرات أعمدة عجز عن رمي الحجر ناحيتها، وهذا ما يؤكّد أنّها كذلك([27]).

والجواب: إنّ ملاك العجز ليس عمليّة الإلقاء، وإلّا لألزمه الإمام× برمي جمرة العقبة من الأعلى، وإنّما هو الازدحام وتجمّع الناس، فهذا هو العنصر الموجب للحرج على المريض، وإلّا فجعله على مسافة ذراعين أو ثلاثة أو أكثر بقليل لا يجعل الرمي حرجيّاً بالنسبة إليه، ولا أقلّ من أنّ هذا الاحتمال الوجيه في حدّ نفسه في ملاك الحرج يمنع عن الاستدلال بالرواية.

الرواية السادسة: مرسلة الصدوق: «إنّما أمر برمي الجمار لأنّ إبليس اللعين كان يتراءى لإبراهيم× في موضع الجمار فيرجمه إبراهيم× فجرت بذلك السنّة»، ونحوها جملة من الروايات التي دلّت على هذه الحادثة مع إبراهيم، وبعضها عليها مع آدم×([28])، وعليه فلا معنى لأن يختفي إبليس في موضع الجمرات ما لم تكن هناك جمرات بارزة، وإلّا فلو كانت أرضاً، فالكلام يغدو بلا معنى([29]).

والجواب: إنّ التعبير بموضع الجمرات واضح أنّه مجاز بعلاقة ما سيكون، لأنّ المفروض أنّ هذه الحادثة كانت أساساً للرمي، فالتعبير بموضع الجمرات أي نفس الموضع الذي تقع الأعمدة الآن فيه، ولا تكلّف في ذلك على الإطلاق بل هو المدلول الظاهر من الرواية، وإلّا فإذا قلنا بأنّ إسماعيل× كان في موضع زمزم فلا يعني أنّ زمزم كان موجوداً آنذاك كما هو واضح، هذا علاوة على أنّ إبراهيم× قد رمى إبليس لا الموضع فلاحظ.

والمبرّر أن هذا الموضع هو موضع الحصيات والأحجار فيصدق أنه موضع الحجار.

هذا من جهة، ومن جهة أُخرى إذا عبرت بعض الروايات برمي الجمار كما هو كذلك، فلا يدلّ على شيء بعد أن كان البحث في الجمار نفسها، فافتراض أنّها الأرض أو العمود متساوٍ.

وبهذا يظهر أن الاستناد إلى الروايات في هذه المسألة مشكل.

الثاني: ـ من أدلّة القول الأوّل ـ كلمات الفقهاء الدالّة على أنّ الجمرات أعمدة، وهي نصوص فقهيّة قديمة تكشف عن أنّ الجمرات لم تكن في يومٍ من الأيّام مجرّد أرضٍ أو كومة حصى، فلم يستخدم الفقهاء ـ كالروايات ـ تعبير الأرض إطلاقاً للتدليل على الجمرات([30]).

وتعابير الفقهاء التي تعطينا قرائن على استفادة العمود عديدة أهمّها:

أ ـ تعبير «فوقع على الجمرة» بدل «فوقع في الجمرة» كما فعله الجامع للشرائع([31]).

ويناقش: بأنّ كومة الحصى يصحّ التعبير أنّه قد وقع عليها حجر، وكذلك على الأرض كما هو واضح في اللغة العربيّة.

ب ـ تعبير الشيخ الطوسي: «على مكان أعلى من الجمرة»، ممّا يدلّ بقرينة استخدام أفعل التفضيل على ارتفاع الجمرة بمقدارٍ معيّن كالعمود لا كونها أرضاً([32]).

ويلاحظ عليه: أنّ الشيخ الطوسي كان بصدد الحديث عن سقوط الحجر على ما هو أعلى من الجمرة ثمّ تدحرجه بقوّة على الجمرة، وهذا ما يصدق على جمرة العقبة بلحاظ التلّ الذي كان ملاصقاً لها حسب رأي المستدلّ نفسه بلا فرق بين أن تكون الجمرة أرضاً أو عموداً، فإنّ التلّ أعلى من الجمرة على كلّ تقدير، ألا يصحّ القول: «سقط الحجر على مكان هو أعلى من الجمرة»، بلحاظ أنّ بقيّة الجمرات لا مكان فيها أعلى من نفس الأرض؟ هذا مضافاً إلى أنّ أفعل التفضيل كان بلحاظ وجود ما هو أعلى، كما نقول: إنّ هذا الجبل أعلى من سطح البحر مع أنّ الجغرافيين في تعبيرهم هذا يصرّحون بأنّ سطح البحر يساوي عندهم «صفراً».

ج ـ استخدام الفقهاء والروايات كلمة الرمي، وهي كلمة ذات دلالة على المواجهة، وإلّا لو كانت الجمرة أرضاً فلا يقال رميتها، وإنّما ألقيت عليها([33]).

ويلاحظ: أنّ هذا الكلام ليس له مدرك لغوي، فكلمة الرمي في لغة العرب كما تطلق على صورة المواجهة كذلك تطلق على حالات الاختلاف في العلوّ والسفل، فلو أُطْلق سهم من الأعلى على إنسان، أفلا يقال رُمِي بسهم؟! ولو أُصيب برصاصة وهو على مرتفع ألا يقال رمي برصاصة قاتلة؟! فهذه الخصوصية لا وجه لها في لغة العرب، نعم، هنا فرق بين الرمي والإلقاء، لكن لا من حيث العلوّ والسفل، بل من حيث طبيعة قذف الشيء المرمي.

د ـ وهناك تعابير أُخرى كعبارة السبزواري في ذخيرة المعاد: «ثمّ وثبت (أي الجمرة) إلى الجمرة» وغيرها تفيد ذلك([34]).

وملاحظتنا على هذه المحاولة وبقيّة المحاولات أنّها استفادت من نصوص فقهيّة متأخّرة تعود إلى بضع مئات من السنين، أي ما بعد الشهيد الأوّل الذي أشرنا سابقاً إلى نصّه الصريح في وجود بناء، وهذا معناه أنّ هذه النصوص لا تكاد تنفع شيئاً مع وجود نصّ الدروس، ومن ثمّ فنصّ الدروس فضلاً عن غيره لا يؤثّر على الاستدلال هنا، بعدما كان الحديث عن موضوع حكم شرعي يراد ملاحظته عصر صدور النصوص لا بعد مئات السنين من ذلك.

أمّا عدم تعبير الفقهاء عن الجمرة بكلمة الأرض، فهذا لا يصلح في حدّ ذاته دليلاً على أنّ الجمرة ليست أرضاً، لأنّ الطرف الآخر يمكنه القول بأنّ عدم التعبير ناشئ عن أنّ الجمرة عندهم هي أرضٌ فيكفيهم إطلاق العلم بالغلبة بلا حاجة إلى التصريح بأنّ مسمّى هذا الاسم هو أرض، فهذا الكلام إنّما هو بمثابة إفقاد الخصم دليلاً صريحاً لا إقامة دليل مقابل إلى الرأي المختار إلّا إذا استخدمنا نوعاً من المصادرة.

الثالث: التمسّك بنصوص تاريخيّة وبعض نصوص رحلات الحجّ، وهي تشير إلى أنّ الجمرات أعمدة، من قبيل ما جاء في كتاب «تاريخ مكّة قديماً وحديثاً» لمحمّد إلياس عبد الغني، و «سفرنامه مكّة» لحسام السلطنة، وكتاب «أحكام حج بيگلري»([35]).

ويناقش: بأنّ المصادر المتوفّرة أقصى ما تؤكّده أنّ الجمار أعمدة إلى ما قبل مائة أو مائتي أو … سنة على أبعد تقدير، فيما المهمّ هو تحديد زمن النصّ والفترة المتاخمة، فهذا هو ادّعاء من يقول بأن الجمار كومة حصى لا أعمدة، وإلّا فلا أحد ينكر أنّها أعمدة في الأعصار المتأخّرة.

الرابع: القرائن الخارجية وهي عديدة نلاحظها على التوالي:

1ـ إنّ منى واد، يقع في معرض السيول، فمن المنطقي أن تكون هناك علامات تحدّد بها الجمار([36]).

ويرد عليه: إنّ طريقة التحديد القديمة للمواضع كانت تختلف بعض الشيء عن الدقّة البالغة المرعية الإجراء اليوم، فقد يعتمدون على تحديد الجمرات ببُعدها عن تلّ أو عن جسم ثابت، وهذا أمرٌ متداول قديماً، ولا غرابة في أن يقيموا تحديداتهم على ذلك، كما لا غرابةً في أن يجعلوا علامةً لا تكون هي نفس الجمرة، بل قريبة تحدّد الجمرات على أساسها، وحصر الطريقة بما ذكر ليس هناك ما يؤكّده وإن كان محتملاً.

2ـ إنّ ظاهرة وضع العمود لاحقاً على تقدير كونه موجوداً قبل ذلك كان من المفترض أن تثير الناس، وربما منع منها بعض الفقهاء نظراً لكونها بدعة أو ما شابه، مع أنّنا لا نجد في أيّ نصّ تاريخي شيئاً من هذا النوع أو حتّى استفهاماً عن الموقف الشرعي من الموضوع([37]).

والجواب: أمّا عن عدم التعرّض تاريخيّاً للجمرات فهو أمرٌ له نظائره، ذلك أنّ الكتابة عن تاريخ مكّة والحرم بالشكل المعهود له اليوم وكذلك أدب الرحلة الحجيّة وتدوينها … ذلك كلّه لم نجده في المصادر التاريخية القديمة إلّا عابراً، فلو كانت هناك ظاهرة اهتمام بتاريخ الحرم، ولم يجر التعرّض للجمرات لكانت هذه القرينة محكمة، أمّا والجوّ العام كان نحواً من عدم الاهتمام ـ لا بالمعنى السلبي ـ فدرجة الدلالة في هذه القرينة ستغدو أضعف، سيما وأنّ كتب التاريخ في القرون الهجرية الأربعة الأولى كانت تاريخاً للسلاطين والسياسات أكثر منها تاريخاً لسائر الأُمور، سواءً في ذلك ما دوّنه المسلمون وما دوّنه غيرهم.

وأمّا عن عدم وجود ردّة فعل فقهيّة إزاء هذا الموضوع على تقديره، فالإنصاف أنّ ذلك قرينة جيّدة، إلّا أنّ تحصيل الاطمئنان بمقتضاها قد يواجه بعض الصعوبات نتيجة عدم وضوح طبيعة المسألة تاريخيّاً، فمن جهة ثمّة حوادث وتغييرات كثيرة طرأت على الحرم لم تثر أيّ فقيه كحجم الكعبة التي كانت أقلّ علوّاً ممّا هي اليوم، ولو بقرينة روايات تحطيم الأصنام عند فتح مّكة، ومن جهةٍ أُخرى لا ندري كيف وصلت الجمرة إلى وضعها الحالي، فلعلّ التدريج كان هو الطريقة المتّبعة الأمر الذي لم يكن دفعياً حتّى يثير حفيظة أحد.

والملفت للنظر أنّ المستدلّ نفسه، فرّ من بعض التفسيرات لبعض كلمات الفقهاء باحتمال أنّ الجمرة هدمت في بعض الفترات الزمنية وكانت أرضاً([38])، فكيف لم يكن هذا الأمر مورداً لسؤال الفقهاء في تلك الحقبة ما قبل صاحب الدروس؟!

3ـ لو لم تكن للأعمدة أساس تاريخي لهدمها السلفيّون.

وهذه القرينة ضعيفة، أقصاها أنّهم يعتقدون بقدمها، وأيّ حجّة علينا نحن في ذلك، بعد أن كنّا معاصرين لهم وقريبين؟ فهل اجتهادهم التاريخي ـ ونحن لا ندري أنّهم اجتهدوا أساساً في هذا الأمر أم لا ـ حجّة علينا؟ وأين ما يثبت أنّهم اعتمدوا على دراسة تاريخيّة؟ وهل أنّ ظاهرة هدم المعالم الدينيّة عند الوهابية كان أمراً محصوراً بما لم يثبت تاريخيّاً؟ وهل كان المعيار عندهم هو الثبوت التاريخي أم أمر آخر؟ … أسئلة كثيرة لا تجعل لهذه القرينة من قوّة واستحكام.

4ـ إنّ مقتضى الطبع العقلائي والعرفي العام هو وضع علائم على مثل هذه الأُمور، والقبور خير شاهد، ولنا في قصّة قبر عثمان بن مظعون شهادة أُخرى([39]).

والجواب: إنّ ذلك صحيح كبرويّاً، لكن افتراض أنّ العلامة كانت عموداً في المكان أمرٌ يحتاج إلى دليل، فطريقة تحديد المواضع ليست ذات شكل واحد، فلعلّ العلامة كانت قريبة من مكان الرمي، أو لعلّ مكان الرمي بطبعه كان مشخّصاً كحفرة يجتمع فيه الحصى، أو تلّ صغير من حصى متراكم وما شابه.

هذه حصيلة الوجوه التي ذكرت لإثبات أنّ الجمرة زمن صدور النصّ كانت هي الأعمدة الحاليّة، أمّا البحث في مقتضى الدليل اللغوي فنرجؤه إلى ما بعد استعراض أدلّة الطرف الآخر.

وقد تبيّن ضعف هذه القرائن، واجتماعها وإن كان يزيدها قوّة، غير أنّ الانصاف أنّه لا يبلغ بها درجة الوثوق والاطمئنان المطلوبين، لاسيّما مع معارضتها بأدلّة الطرف الآخر التي سيأتي حالها.

2ـ نظرية كون الجمرات هي الأرض أو مجمع الحصى، دراسة في الأدلّة والمستندات

يبدو أنّ أوّل من صرّح بهذا الأمر وفتح النقاش حوله هو الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ـ بعيداً عن ما يمكن أن يقال إنّه موقف متقدّمي الفقهاء ـ وقد ذكر جملة وجوه لإثبات رأيه أهمّها ما يلي:

الوجه الأوّل: الروايات ـ حيث تشير إلى أنّ الجمرات هي مجمع الحصى ـ وهي:

الرواية الأولى: صحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق×: «فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها، وإن أصبت إنساناً أو جملاً ثمّ وقعت على الجمار أجزاك»([40]).

فإنّ التعبير بـ «وقعت على الجمار» وليس أصابت الجمرات ـ لاسيما بقرينة الجمار والتي تعني لغةً صغار الأحجار، وبالأخصّ أنّ الحجر إذا أصاب بدن إنسان ليس له قدرة إصابة الأعمدة ـ يدلّ على أنّ الجمرات هي الأرض ومجمع الحصى([41]).

ويناقش: إنّ تعبير «على الجمار» لا يرجّح أنّ الجمرات هي كومة الحصى، ذلك أنّ الرمي قد يكون من التلّ الملاصق لجمرة العقبة، وقد يكون من على ظهر الجمل كما جاء جوازه في الروايات، وقد يكون الرمي منحنياً كما هو المعتاد لمن بَعُدَ عن جسم الجمرة فتسقط الحجار على الجمرة، ويصدق أنّه قد وقع عليها الحجر.

وأمّا أنّ الحجر ليس له طاقة إصابة الجمرة على تقدير إصابته لإنسان أو بعير فهو أمرٌ غير واضح؛ ذلك أنّ الجمل أعلى من الجمرة، وهكذا لو لاحظنا التلّ الملاصق لجمرة العقبة، ولم تفرض الرواية أنّ هذا الأمر كثير الوقوع، فإمكان وقوعه وتحقّقه وارد، فلا يكون دليلاً على عدم وجود جمرة هي العمود.

هذا مضافاً إلى نقطة هامّة ربّما تكون أُغفلت في هذا البحث، وهي أنّ البحث تارةً يدور حول وجود الأعمدة في سالف الأزمان وعدم وجودها، كما هو مجال الأخذ والردّ حالياً بين من بحث هذا الموضوع، وأُخرى يكون في أنّه على تقدير وجود الأعمدة فهل اللازم شرعاً إصابتها أو يجزئ إصابة الحصى المجتمعة حولها، فإنّ هذا بحث آخر حكمي، فيما الأوّل بحث موضوعي خارجي، وليس من ملازمة ـ بحسب الطبيعة الأوّلية ـ كما هو واضح.

وعليه، فإذا تمّ ـ تنزّلاً ـ أنّ المراد بالجمار هنا هو الأحجار الصغار، فأقصى ما يفيد إجزاء الوقوع عليها ـ بقطع النظر عن البحث اللغوي القادم ـ لا عدم وجود عمود، ولا أقلّ من تساوي النسبة للدلالتين بحيث يمنع عن انعقاد ظهور.

الرواية الثانية: خبر البزنطي عن الرضا×: «واجعلهنّ على يمينك كلّهن، ولا ترمِ على الجمرة»، فإنّه لا يمكن الوقوف على العمود لرميه، وإنّما يصدق لو كانت الجمرة مجمع حصى، ونحو هذه الرواية خبر معاوية بن عمّار أيضاً، وخبر الفقه الرضوي، ورواية دعائم الإسلام([42]).

وقد يناقش بأنّ الرمي على الجمرة أو من أعلاها في الروايتين لا يعني الوقوف على العمود على تقدير وجوده، أمّا خبر البزنطي فظاهره رمي الجمار حالة كونها عن يمين الرامي، فكأنه يريد أن يقول: حالة الرمي كن كما تكون بالنسبة للكعبة حال الطواف فاجعلها على يمينك وارمها وأنت على هذه الحال، ولا تواجهها فتقف عليها، بمعنى تقف قريباً منها وجهاً لوجه فتكون أمامك، وهذا أجنبي ـ كما ترى ـ عن كونها عموداً أو غيره.

وأمّا رواية ابن عمّار: «فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها» فهي خاصّة ـ بحسب صدرها ـ بجمرة العقبة، فيكون المعنى خذ وجهها الذي هو من ناحية الطريق فارمها من طرفه، ولا تصعد على التلّ فترمها من الأعلى، وكلمة «أعلاها» لا تعني ـ كما فُهم ـ أنّ للجمرة أعلى وأسفل، وأنّها تقع في منحدر فيرمي القسم الأسفل منها أمّا الأعلى فلا، أو يرمى من جانب الأعلى لا الأسفل بحيث لا يتمّ ذلك إلّا في صورة الأرض وكومة الحصى، بل المقصود ـ كما أشرنا سابقاً ـ أنّ الرمي يكون من جهة ما هو أعلى منها وهو التلّ، أي من المكان الذي هو أعلى منها، فهذا هو الظاهر عرفاً، وهو متساوي النسبة بين أن تكون الجمرة عموداً أو كومة حصى. فإذا كانت عموداً يصدق برميها من التلّ أنّها رميت من الأعلى.

الرواية الثالثة: رواية الفقه الرضوي: «وإن رميت ودفعت في محمل وانحدرت منه إلى الأرض أجزأت عنك»، وفي نسخة أُخرى: «إن أصاب إنساناً أو جملاً، ثمّ وقعت على الأرض أجزأه»، فإنّ التعبير بالأرض إشارة إلى المرمى لا مطلق الأرض، وهو ما يدلّ على أنّ المرمى لم يكن عموداً كما هو عليه الآن([43]).

ويناقش: بأنّ الاستعاضة عن كلمة الجمرة أو الجمار أو الجمرات أو المرمى كما هو المتعارف في ألسنة الروايات بكلمة الأرض… يعزّز احتمالاً آخر موجود بالأصل ولا يصل نقيضه إلى رتبة الظهور، وهو أنّ الرواية تحكم بكفاية توجيه الحجر إلى المرمى حتّى لو لم يصبه، فتُعارِض دليل اشتراط الإصابة المعروف، وهو صحيحة معاوية بن عمّار التي استدلّوا بها على شرط الإصابة، وأيّ ضير في تعارض الروايات؟! هذا علاوة على سقوط الفقه الرضوي سندياً أيضاً كما هو المتعارف، الأمر الذي يخفّف من غرابة معارضة شرطية الإصابة على تقدير وضوحها.

وعليه، فالرواية ليست مبهمة كما ذكره المحقق النجفي، ولا دالّة على أنّ الجمرة هي الأرض، فإنّ التفسير الذي أشرنا إليه يغدو معقولاً، لاسيّما بعد مناقشة أدلّة شرطية الإصابة عدا صحيح معاوية كما سيأتي، وعدم نقاش العلماء في مسألة الشرطية رغم عدم كونها بهذه البداهة كما سيأتي هو ما جعلهم لا يلتفتون إلى أنّ الرواية أتت بصدد رفع شرط الإصابة، ومن ثمّ تفسيرهم الأرض بالجمرة أو جعل الرواية مبهمة.

الوجه الثاني: ـ من أدلّة القول الثاني ـ النصوص الفقهية القديمة سواءٌ عند الشيعة أم أهل السنّة، وهذه نماذج منها:

أ ـ يقول الإمام الشافعي: «فإن رمى بحصاة فأصابت … ثمّ استنت حتّى أصابت موضع الحصى من الجمرة أجزأت عنه»، فالنصّ يتحدّث عن تدحرج الحصاة على الأرض وإصابتها موضع الحصى، وهو ما يدلّ على عدم وجود عمود([44]).

لكن هذا النص على العكس أدلّ، لأنّه يقول بكفاية الوصول إلى موضع الحصى من الجمرة، فلو كانت الجمرة هي موضع الحصى لكان معنى الجملة: «حتّى أصابت موضع الحصى من موضع الحصى»، فهي تدلّ على أنّ الشافعي يجتزئ بإصابة موضع الحصى، ولا تدلّ أبداً على أنّ الجمرة عنده بتمامها هي فقط موضع الحصى.

ونحو هذا النصّ ما في المدوّنة الكبرى: «وإن وقعت في موضع حصى الجمرة…».

ب ـ ما ذكره أبو المكارم ابن زهرة: «وإذا رمى حصاة، فوقعت في محمل، أو على ظهر بعير، ثمّ سقطت على الأرض أجزأت …»، فهو يدلّ على أنّ الجمرة هي الأرض([45]).

لكن هذا النصّ نقل شبه حرفي لخبر الفقه الرضوي، فيناقش بما أسلفناه هناك، حيث لا ندري ماذا فهم منه ابن زهرة.

ج ـ ما ذكره العلّامة الحلّي: «إذا رمى بحصاة فوقع على الأرض، ثمّ مرّت على سَنَنها … ثمّ وقعت في المرمى بعد ذلك أجزأه…» ومثل هذا النصّ ما جاء في التذكرة ممّا يدلّ على أنّ المرمى هو الموضع في الأرض([46]).

د ـ ما ذكره الشيخ الطوسي: «فإن وقعت على مكان أعلى من الجمرة وتدحرجت إليها أجزأه»، وكذلك نصّ ابن سعيد الحلّي: «واجعل الجمار على يمينك، ولا تقف على الجمرة»([47]).

والجواب: إنّ هذه التعبيرات لا تدلّ على نفي وجود العمود، وإنّما أقصاه أنّ المرمى ـ من الزاوية الشرعيّة ـ هو الأعمّ من العمود ومجمع الحصى، وفرقٌ بين المسألتين دقيقٌ، فإذا ما بنينا على أنّ المرمى هو الأعمّ فلا يدلّ ذلك على نفي العمود الأمر الذي نحن بصدده هنا.

وبعبارة أُخرى: نحن نريد من كلمات الفقهاء استكشاف واقع خارجي، ولهذا لم يكن هناك فرق بين النصوص التاريخية والفقهية لا الشيعيّة ولا السنّية في ذلك([48])، أمّا البحث الفقهي وأن ما يجزئ رميه هل هو العمود فقط أو الأرض فقط أو هما معاً؟ فهذا بحثٌ آخر لسنا حسب الفرض بصدده.

وأمّا ما ذكره البعض ـ كجواب ـ من أنّ «في المرمى» بمعنى على أو إلى ففيه نوع من التكلّف يحتاج إلى قرينة، فحتّى لو كانت «في» لغوياً تصلح أن تكون بمعنى «على» أو «إلى» إلّا أنّ إخراجها عن معنى الظرفيّة هو الذي يحتاج إلى قرينة، لأنّ الظرفيّة هي المعنى الظاهر.

والجواب صار واضحاً ممّا أسلفناه سيما في البحث الروائي فلا نعيد.

ﻫ ـ قال محي الدين النووي: «ولا يشترط كون الرامي خارج الجمرة، فلو وقف في الطريق ورمى إلى الطرف الآخر جاز».

وهذا التعبير ذو دلالة واضحة على أنّ الجمرة كانت بالإمكان الوقوف فيها ورميها من طرفٍ لآخر، ويؤيّده نصّه الآخر في كتابه «المجموع»: «والمراد (من الجمرة) مجتمع الحصى في موضعه المعروف، وهو الذي كان في زمان رسول الله’…»([49]).

وهذا النصّ الفقهي من أقوى النصوص الدالّة هنا، إلّا إذا قيل ـ رغم أنّ النصّ دلالته هذه المرّة أضعف ـ أنّ الجمرة عنده هي مجموع العمود ومجمع الحصى، ومن هنا كان بالإمكان رمي الطرف الآخر.

وعلى أيّة حال، فلم يقم نصّ فقهي حاسم عدا نصّ النووي المعتدّ به، وأمّا النصوص الفقهيّة المتأخّرة ككلمات الشيخ النجفي فلا يرجى من البحث فيها كثير فائدة بعد ما قدّمناه.

دراسة لغوية في كلمة «الجمرة»

أحد الأدلّة التي استدلّ بها القائلون بأنّ الجمرة هي الأرض ومجمع الحصى، كان الدليل اللغوي، حيث نصّ اللغويّون على أنّ الجمرة هي موضع الحصى ومجمعه، ولم يأت اللغويّون على ذكر العمود كمعنى للجمرة، وإذا ضممنا ذلك إلى أنّ الجمرة ليست من الألفاظ ذات الحقيقة الشرعية أو المتشرّعية، ثبت أنّ المرجع في تحديدها هو مصادر اللغة وما تحدّده الكلمة من مدلول في الفهم العربي العام، وبهذا يثبت أنّ الجمرة هي موضع الحصى لا العمود([50]).

وقد ناقش البعض في هذا الاستدلال من وجوه:

أوّلاً: إنّ الجمرة صارت علماً بالغلبة على العمود كما هو المتبادر منها اليوم، ومعه فالأصل اللغوي لا يكون مرجعاً بعد ذلك([51]).

ويناقش: بأنّ كونه علماً بالغلبة اليوم على العمود لا يفيد شيئاً، ذلك أنّنا نريد معرفة مدلول الكلمة في ألسنة الروايات حتّى نحدّد بذلك موضوع الحكم الشرعي، وأوّل الكلام أنّها علم بالغلبة على العمود في زمن النصّ، فهذا خلط بين الظهور المعاصر وظهورات عصر النصّ كما هو واضح، وأصالة عدم النقل يأتي الكلام عنها.

ثانياً: إنّ قول اللغويّين ليس بحجّة بعد مجيء الروايات ونصوص الفقهاء الأعلام، فالرجوع إلى المصادر اللغوية يغدو بذلك عديم الجدوى([52]).

والجواب: إنّنا ناقشنا سابقاً في مدلول الروايات ونصوص الفقهاء، وقد تبيّن عدم تماميّتها بما يفيد الاطمئنان والوثوق في الدلالة على المطلب، علاوة على أنّ فهم الروايات أمرٌ مرهون أساساً بالعودة إلى المصادر اللغوية، وعلى تقدير مجيء قرينة صارفة عن مقتضى المفاد اللغوي يؤخذ بها، وإلّا فيبقى على ما تفيده اللغة ودلالتها، كما هو المعمول به عموماً.

ثالثاً: إنّ الانصراف هو المرجع في المقام، وهو يومىء إلى العمود، كما هو الحال في أذهان الحجّاج وغيرهم([53]).

وهذا الوجه لا يزيد على الوجه الأوّل قوّة، ومنه يعلم الجواب عنه.

رابعاً: إنّ الشارع أحال مصداق الجمرة إلى العرف، وهو يحكم اليوم بأنّها العمود تماماً كالكعبة وغيرها([54]).

وربّما يلاحظ عليه: أنّ إحالة الشارع مصداق الجمرة إلى العرف أوّل الكلام، فإذا ما ضيّق العرف الجمرة أو وسّعها كثيراً فهل يلتزم بأنّ ما يجب رميه هو ما ينادي به العرف؟ وإذا نقلت الجمرة من مكانها وصار العرف يرى هذه الجمرة هي مصداق عنوان الجمرة فلماذا لا يصحّ رميها حينئذٍ؟!

إنّ هناك فرقاً بين أمرين: بين أن نرجع إلى العرف في تحديد الجمرة من حيث المبدأ، وبين أن نرجع إليه في بعض التفاصيل، فتغيّر بعض معالم الجمرة يمكن التغاضي عنه؛ لأنّ العرف ما زال يطلق عليها عنوان الجمرة، أمّا أخذ بعض الجمرة معنوناً للجمرة، وترك ما نحرز أنّه كان مرمياً زمن النصّ ومورد رضا المعصوم× فهو أمر غير معلوم إطلاقاً، ويحتاج إثباته إلى دليل لا مجرّد استقراب، وأمّا مثال الكعبة فالطائف ما زال يطوف حول الكعبة رغم أنّهم أعلوا بناءها، علاوة على أنّ توسعة شيء ربّما يمكن أن يكون العرف فيه مرجعاً كعنوان مكّة والمدينة والحرم و… عندما يكون العنوان نفسه ملحوظاً فيه طابعه المتغير دون ملاحظة خصوصيّة أو احتمالها احتمالاً معتدّاً به، أمّا في غير هذه الحال، أو في صورة التضييق لما نعلم الصدق عليه زمن النصّ ولم يحرز أنّه مفهوم متحرّك كآلات القمار على قول… كما فيما نحن فيه، فهو غير معلوم دائماً.

هذا فضلاً عن أنّ المدّعي يقول: بأنّ العمود لا وجود له أصلاً، لا أنّه بعض الجمرة، ومن ثمّ، فالأخذ بالعرف ها هنا معناه تحويل معنى الجمرة، لا قياس الأقل إلى الأكثر، إلّا بنحو من المصادرة.

نعم، لو قيل: إنّ رمي الجمرة ـ كائنة ما كانت ـ إنّما هو عمليّة رمزيّة لكان البحث من أساسه مختلفاً، وخارجاً عن المدخل الذي نعالج فيه المسألة.

ذلك كلّه، فضلاً عن أنّ أقصاه إثبات رمي العمود لا النتيجة التاريخيّة، إذا أردنا ممارسة تفكيك، وإن كان الهدف هو البحث الفقهي التشريعي.

رابعاً: إنّ كلمات اللغويّين مختلفة فيما بينها، فلا يمكن الاعتماد عليها.

والجواب: إنّ كلمات اللغويّين متّفقة على تسمية ما هو الموجود في منى جمرة وجمرات، وإذا كان هناك اختلاف فهو في علّة التسمية، وإذا لاحظنا العلّة كانت أحد أُمور:

1ـ إمّا من الحصيات التي هي الجمار الصغار لأنّها ترمي بها.

2ـ أو لأنّها مجمع الحصى التي ترمى بها.

3ـ أو من اجتماع القبيلة على من ناوأها حيث تجتمع الأحجار الصغيرة.

4ـ أو من أجمر إذا أسرع، إشارة إلى قصّة إبليس حيث فرّ هارباً من إبراهيم×([55]).

وعلى الاحتمالات الأربعة الواردة في كلمات اللغويّين أنفسهم، لا يتغيّر الموقف، فمجموع الاحتمالات مائل إلى الحصى إمّا بنفسها أو باجتماعها، واختلاف اللغويّين في التعليل لا يضرّ بعد أن كان المعلّل عندهم واحداً ملحوظاً فيه الحصى والرمي، على درجة أخفّ في التعليل الرابع.

وهذا معناه، أنّهم فهموا الجمرة بمعنى يرمز إلى الحصيات ولا يرمز إلى وجود عمود كما هو واضح، وهو مطلوب المستدلّ.

هذا، مضافاً إلى أن المتتبّع لكلماتهم لا يتشكّك في أنّ عنصرين أساسيين كانا هما العمدة في تحقيق معنى الجمرة عندهم، وهما: الحصيات والاجتماع، وهو ما ينتج مفهوم كومة الحصى.

خامساً: ما يمكن الردّ به على الاستدلال باللغة، وحاصله: أنّ كلمات اللغويّين تشير إلى أنّ ما هو الموجود في منى بالتحديد يسمّى بالجمرات، وتحلّل وجه التسمية على ما أشرنا إليه آنفاً، لكنّها لا تعرّف الجمرات بصراحة، وهذا معناه أنّ النصّ اللغوي متساوي النسبة إلى احتمال أن تكون الجمرة التي في منى هي كومة الحصى أو العمود الذي رمي وأحيط واجتمعت حوله الحصى، فكما يصحّ أن يكون مراد اللغويّين أنّ الجمرة هي مجمع الحصى فقط وفقط، كذلك يمكن جدّاً أن يكون مرادهم أنّ ما هو الموجود في منى ـ وهو الأعمدة ـ تسمّى جمرات؛ لأنّها ترمى بالجمار أو لأنّ فيها مجمع الحصى وما شابه، والنصّ اللغوي يبيّن الاستعمال ولا يشير إلى الحقيقة أو المجاز، فلعلّ العمود سمّي جمرة لأنّ حوله مجمع حصى أو لأنّه يرمى بالحصى و…

وهذا معناه أنّ كلمات اللغويّين ساكتة عن تحديد الجمرة، وإنّما تلاحظ فقط خصوصيّة التسمية وملاكها، فلا تصحّ دليلاً على أنّ الجمرة في خصوص منى هي فقط مجمع الحصى، كما أنّها ليست دليلاً بالتأكيد على أنّها العمود، فاحتمال العمود أبعد عن كلمات اللغويّين من احتمال غيره، وإن لم ينصّ اللغويّون على أنّ مرادهم من الجمرة في منى هو العمود.

نعم، مطلق الجمرة هو مجتمع الحصى، لكن تسمية ذاك المكان بأنّه جمرة ومجتمع الحصى لا ينفي وجود عمود خارجاً، فالإطلاق لغويّاً صحيح بالإشارة التي بيّناها.

وبهذا يظهر من مجموع ما تقدّم أنّه ليس هناك دليل قاطع حاسم للنزاع يحدّد ما إذا كان في عصر النصّ عمود أو لا، لا دليل على الإثبات ولا دليل على النفي، وهذا الأمر كما لا يبطل مدعى النافي كذلك لا يحقّق للمثبت شيئاً، فالشواهد من كلا الطرفين إذا لوحظت مجتمعة يوجد هنا وهناك فيها ما هو قويّ إنصافاً ـ كبعض فقرات الوجه الثالث من القول الأوّل والثاني من القول الثاني ـ لكنّ تضاربها جميعاً يهدم إمكان الركون إلى طرف بعينه.

3ـ ما هو المرمى شرعاً؟

وبناءً عليه، يجب الرجوع إلى مقتضى الروايات في ما هو المرمى شرعاً، سواء كان هناك عمود أم لا، وبالرجوع إلى الروايات بالاستعانة بما تقدّم لا يظهر شيء، إذ لم تشر الروايات إلى إحراز إصابة العمود أو إصابة الحصيات الموجودة على الأرض، إذا لاحظنا الصحيح والضعيف من الروايات باستثناء خبر الفقه الرضوي الضعيف سنداً، فضلاً عن الاقتصار على الصحيح كما أشرنا سابقاً، وهذا معناه أنّنا أمام احتمالات ثلاثة:

1ـ إمّا المرمى هو خصوص العمود فحسب كما هو المشهور اليوم.

2ـ أو خصوص الأرض فحسب، والعمود لا يجزئ.

3ـ أو الأعمّ من العمود ومجمع الحصى المحيط به.

وحيث لا دليل ـ لا خارجي ولا شرعي ـ يعيّن واحداً من الثلاثة، وفقاً للبحث المتقدّم، ينبغي الرجوع إلى الأصل العملي.

مقتضيات الأصل في قضيّة المرمى شرعاً

تارةً يكون الأصل العملي هنا مرتبطاً بدوران الأمر بين التعيين والتخيير، وأخرى بالاستصحاب.

أـ مرجعية دوران الأمر بين التعيين والتخيير

أمّا بحث المسألة في ضوء مسألة التعيين والتخيير فيقال فيها أنّنا أمام احتمالات:

1ـ إنّ الرمي معلوم الوجوب فالذمّة مشغولة به، ولا يحرز فراغ الذمّة إلّا برمي العمود، حيث إنّه القدر المتيقّن ممّا يجزي في الرمي، فيجب رميه ولا يجزي غيره، ولاسيّما مع قيام سيرة المتشرّعة على رمي العمود([56]).

ويناقش: بأنّنا حين نصل إلى رتبة الأصل العملي فينبغي أن نفترض أنّنا عاجزون عن أيّ دليل فلا قيمة لسيرة المتشرّعة ولا لغيرها، وإلّا كانت دليلاً بنفسها يمنعنا من إجراء الأصل العملي.

وبناءً عليه، من أين أحرزنا أنّ رمي الأعمدة محرز الإمضاء، وأنّ رمي المجمع ليس كذلك؟! فالاحتمالات التي أشرنا إليها ثلاثة، يتساوى معها العمود والأرض، وإذا أخذنا القدر المتيقّن من شهرة المسألة عند الفقهاء المتأخّرين فالشهرة عندهم لا تحقّق حكماً كما هو واضح، وأمّا المتقدّمين فأوّل الكلام أنّهم كانوا يرون رمي العمود حسب الفرض وفق ما تقدّم من نقاش سابق.

ومعه، فلا يوجد قدر متيقّن اسمه رمي العمود حتّى يؤخذ به، ليرفع أصالة الاشتغال، وإذا كان هناك من قدر متيقّن يبرئ الذمّة فهو الاحتياط بالرجم مرّتين: الأولى لنفس العمود والثانية للأرض.

2ـ أن يقال الكلام عينه في الأرض، فينتصر به لمن يقول بنفي وجود العمود على صعيد النتيجة الفقهيّة.

لكن الإشكال عليه كالإشكال على سابقه، فلا  نعيد.

3ـ أن يلتزم بأنّ المورد من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير، فتجري البراءة عن تعيين رمي العمود بخصوصه، وكذلك عن تعيين رمي الأرض خاصّة، ويثبت جواز الرمي للعمود والأرض أي لأحدهما وهو الصحيح.

وهذه النتيجة قد تصحّ إذا بنينا ـ كما هو الصحيح ـ على جريان البراءة عن خصوصية التعيين باعتبارها خصوصية زائدة أو جريانها في الأخص بلا معارضة الأعم، أمّا لو قلنا بأنّ المورد من موارد أصالة الاشتغال لوجب الاحتياط بالرمي مرتين.

بل قد يقال بعدم إمكان إجراء الدوران بين التعيين والتخيير هنا من رأس؛ لأن المفروض أن هناك تبايناً بين من يقول بلزوم رمي الأعمدة دون غيرها، ومن يقول بلزوم رمي مجمع الحصى لا العمود، فلا يوجد دوران بين التعيين والتخيير، بل بين متباينين ومعه يكون المرجع أصالة الاحتياط؛ لأن الشك من موارد الشك في المكلّف به بعد الفراغ عن ثبوت أصل التكليف.

نعم، إذا قال الذاهبون لكون الجمرة مجمع الحصى بإمكان رمي العمود لأن الرمي المذكور سيحقّق رمي مجمع الحصى بعد سقوط الحصيات على الأرض، أمكن هنا إجراء أصالة البراءة عن تعيين العمود فقط بهذا اللحاظ.

ب ـ مرجعية الاستصحاب

أ ـ أمّا التمسك بالاستصحاب الحكمي فمردود بعدم وجود يقين سابق بلحاظ عصر النبي’ نفسه بالحكم الشرعي للرمي، فليلاحظ([57]).

ب ـ وأمّا الاستصحاب الموضوعي فهو يثبت عدم العمود زمن النبي’ وأهل البيت^ فيثبت بضمّه إلى اليقين بتحقّق ظاهرة الرمي منهم^ ومن عامّة المسلمين، أنّ الرمي لم يتّجه إلى العمود، ومعه فيكفي إصابة الأرض ولو عبر إصابة العمود وسقوطه في مجتمع الحصى، لكن بشرط قصد رمي المجمع لا العمود كما هو واضح.

ولا يراد باليقين السابق في هذا الاستصحاب ملاحظة زمن النبي’ وإلّا بطل، وإنّما ملاحظة المكان قبل حادثة إبراهيم×، ما لم يشكّك شخص ويدّعي أنّ العمود كان موجوداً منذ بدء الخليقة!! وهذا الاستصحاب موضوعي مركّب كما أسلفنا، لا يعارضه استصحاب قهقرائي؛ لأنّ الأخير لا يجري في غير موارد الشكّ في النقل ـ على تقديره ـ كما هو المقرّر أصوليّاً.

لكن يرد على هذا الاستصحاب أنّه أصل مثبت؛ لأنّ رمي المعصوم للأرض لازم عقلي لنفي وجود العمود.

والمستنتج من مجموعة الأبحاث التي تقدّمت: أنّه لم يثبت دليل محرز أو خارجي على الإلزام برمي العمود خاصّة أو الأرض، وبالعودة إلى مقتضى الأصل يجوز رمي أحدهما ولو بتفريق الأحجار عليهما، إلّا إذا تمّ الاستصحاب فيجب رمي مجتمع الحصى خاصّة ولو بعد إصابة الحجر للعمود كما هو الحاصل عادةً، فالنتيجة على الاستصحاب أو الدوران بين التعيين والتخيير متقاربة جدّاً، وإن كان الاستصحاب على تقدير تماميّته هو المقدّم فلا تصل النوبة إلى مسألة التعيين والتخيير؛ لأنّ الاستصحاب مقدّم على أصالتي البراءة والاشتغال.

ثانياً: شرط الإصابة في الرمي

بغضّ النظر عن تحديد الجمرة وما هو الواجب رميه في منى يوم العيد وأيّام التشريق، هناك بحث آخر في أنّه هل يجب إصابة الجمرة بالحصى المرماة أو أنّه يكفي رمي الحصى نحو الجمرة سواء أصابتها أو لم تصبها؟

المعروف بينهم اشتراط الإصابة، واستدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ المسألة ممّا لا خلاف يعثر عليه فيها بل ولا إشكال([58])، فلا خلاف فيها بين الفقهاء والعلماء كافّة([59])، بل هي شرط متّفق عليه بين المسلمين([60])، ولا أقلّ من نقل عدم الخلاف، وادّعاء الإجماع([61])، والمدّعي هو العلّامة الحلّي والنراقي([62])، ومع هذا الإجماع ولا أقلّ الشهرة المتظافرة بين المسلمين([63])، لا مجال للتشكيك فيها.

ويناقش: بأنّ الكثير من الفقهاء ذهب إلى هذا الشرط([64])، إلّا أنّ المهمّ في الإجماع وكاشفيته، الطبقة الأولى من الفقهاء والذي يظهر أنّ جملة من الفقهاء المتقدّمين لم ينصّوا على هذا الشرط بتاتاً، وكذلك الحال لدى بعض المتأخّرين([65])، فابن مجد الحلبي، والكيدري، والسيد المرتضى، وابن البرّاج وابن عقيل وابن الجنيد والمفيد والصدوق وسلار لم ينصّوا على هذا الشرط، أمّا الشيخ الطوسي فلم يأت على ذكره في الجمل والعقود ولا في الاقتصاد. أمّا في الخلاف فقد نصّ على أنّه إذا رمى فلم يعلم أصاب أم لا فيجزيه([66])، وأمّا في المبسوط فقد صرّح بأنّه لا يجزيه([67])، ولهذا نسب الطبرسي للطوسي أنّه نُقل أنّ له وجهين في ذلك([68])، وفي النهاية لم ينصّ على شرط الإصابة إلّا أنّه ذكر أنّه لو رمى بحصاة فوقعت في محمله أعاد مكانها ([69])، وهذا التعبير سيأتي منّا أنّه لا يدلّ على شرط الإصابة، وقد استخدم التعبير نفسه الحلّي في السرائر بما يبدو أنّه يفسّر به صحيحة معاوية بن عمّار القادمة([70])، أمّا ابن البرّاج فرغم أنّه لم ينصّ على هذا الشرط في جواهر الفقه كما أسلفنا في الهامش، ذكر في مهذبه: «وإذا رمى جمرة بحصاة فوقعت في محلّه أعاد مكانها غيرها»([71]) وتعبير «محلّه» فيه خطأ من النسّاخ، والصحيح «محمله» فيكون النصّ شبيهاً بما نقلناه عن الطوسي فلا يدلّ على اشتراط الإصابة.

أمّا ابن حمزة فقد سرد في الوسيلة واجبات الرمي ومستحبّاته معاً دون تمييز ذاكراً من الشروط إيقاع الحصاة على الجمرة([72])، إلّا أنّه من غير المعلوم أنّه كان يرى ذلك واجباً بعد اختلاط المستحبّات بالواجبات والمكروهات بالمحرّمات في عبارته، وإن كان الوجوب أقرب.

والأكثر مخالفةً من ذلك الكيدري حيث قال: إنّه لو رمى فوقعت في محمل أو على ظهر بعير ثمّ سقطت على الأرض أجزأت([73]). فإذا لم نرجح أنّ الأرض هنا هي نفس الجمرة كما استبعدناه سابقاً كان دالّا ً على عدم شرطية الإصابة بصراحة، ومثل كلامه هذا كلام أبو المكارم ابن زهرة تماماً([74]).

وعليه، فأقدم نصّ صالح للدلالة لعلّه نصّ الشيخ الطوسي (460ﻫ) في المبسوط الذي نجد نقيضاً له في كتاب الخلاف للطوسي نفسه، وسكوتاً عن هذا الشرط في الجمل والعقود وكذلك الاقتصاد المبنيان على الاختصار، أمّا بقيّة الفقهاء فإمّا معرضون عن هذا الشرط أو أنّ كلامهم غيرو اضح، فأيّ إجماع يمكن أن يدّعى له الكشف أم أيّة شهرة قريبة من عصر النصّ يمكن لها أن تكون دالّة؟!

نعم، إذا قلنا: إنّ كلّ من عبّر بالرمي أراد الإصابة تمّ الإجماع، لكن لا حاجة إلى الإجماع حينئذٍ بل تكفي الروايات المتظافرة التي استخدمت هذا التعبير وسيأتي حالها.

وعليه، فالإجماع غير محقّق صغرويّاً ولا الشهرة، فضلاً عن احتمال المدركية احتمالاً قويّاً، ومعه لا قيمة للإجماع المنقول أيضاً فضلاً عن عدم حجّيته كبرويّاً، لاسيّما وأنّ مدّعي الإجماع هو العلّامة الحلّي ومن بعده.

الوجه الثاني: التمسّك بكلمة «الرمي» نفسها فإنّها تدلّ على شرط الإصابة، إذ الإصابة مقوّمة للرمي([75])، أو لا أقلّ من الانصراف([76]).

والجواب: إنّ الرمي غير متقوّم بالإصابة أبداً، والشاهد عليه أنّك تقول عربياً: رميته فلم أصبه، ورميته فأصبته، كما أنّ إطلاق الرمي على حالة عدم الإصابة يشهد الوجدان اللغوي أنّها غير مجازية، فلو أطلق سهماً نحوه أو رصاصة فلم تصبه وكانت قربه جدّاً يقال: رماه ولكنّه لم يصبه، وهذا واضح. ولهذا جعلوا الرمي دائراً مدار الإلقاء لا الإصابة فيما لو رمى متفرّقاً فوصلت دفعة([77]).

ويشهد لهذا صحيحة عبّاد بن صهيب من روايات الصيد قال: «سألت أبا عبد الله× عن رجل سمّى ورمى صيداً، فأخطأه وأصاب آخر، قال: يأكل منه»([78])، فإنّ الرواية تفرض أنّه رمى صيداً وفي الوقت عينه تفرض أنّ الرمية أخطأت فلم تصبه، وليس في الرواية أيّ تناقض أو عناية كما هو واضح، والرواية كما أشرنا تامّة سنداً، فضلاً عمّا إذا كانت ضعيفة لأنّها تكشف عن تداول هذا الاستعمال أيضاً على كلّ حال.

الوجه الثالث: التمسّك بأصالة الاشتغال؛ إذ لا يحرز الواجب إلّا بالإيصال، وهذا هو أيضاً المدرك فيما إذا شكّ في الوصول إلى الجمرة أو لا([79])،  كما يمكن التمسّك بالاستصحاب([80])، وأصالة العدم([81]).

والجواب: أمّا عن صورة الشكّ في الإصابة فهو صحيح، لكنّه فرع شرط الإصابة وهو أوّل الكلام، وأمّا عن أصالة الشغل اليقيني فهي محكمة لو لم يقم دليل محرز كاشف على عدم الشرطية، فإذا صدق عنوان الرمي مع عدم الإصابة كانت أدلّة وجوب الرمي شاملة له فيكون امتثالاً مجزياً ومسقطاً، ومعه فلا تصل النوبة إلى أصالة الاشتغال.

الوجه الرابع: التمسّك بخبر عبد الأعلى عن أبي عبد الله× ـ في حديث ـ قال: «سألته عن رجل رمى جمرة العقبة بست حصيات، ووقعت واحدة في المحمل؟ قال: يعيدها»([82]).

والجواب: إنّ الرواية دالّة على أنّه رمى بجملة من الحصيات، أمّا الأخيرة فالظاهر أنّها وقعت في محمله بقرينة التعريف (المحمل)، أي أنّه لم يصدق أنّه رماها، فكأنّه كان يريد رميها فسقطت فوراً في محمله هو الملاصق له، وهذا ممّا لا إشكال في عدم صدق عنوان رمي الجمرة عليه، فقد قصد رميها لكن سرعان ما اصطدم الحجر لو رماه أو وقع من يده في محمله، والرمي إنّما يصدق لو انطلق الحجر ناحية المرمى لكنّه لم يصبه كما هو واضح، فالرواية لا تدلّ على تحقّق الرمي للجمرة أصلاً، بقرينة «المحلّ» مع عطف «ووقعت» بالواو لا الفاء، ومعه فلا علاقة لها بما نحن فيه.

هذا مضافاً إلى ضعفها السندي بسهل بن زياد الوارد فيه؛ حيث اخترنا في أبحاثنا الرجالية عدم ثبوت وثاقته، والدغدغة في عبد الأعلى أيضاً.

الوجه الخامس: التمسّك بدليل التأسّي، كما فعله صاحب المدارك وغيره([83]).

والجواب: إنّ التأسّي فرع إثبات ما كان يفعله المعصومون^، وأوّل الكلام أنّهم كانوا يصيبون الجمرة، فمن أين علمنا بذلك؟ وكيف أحرزناه؟ وحتى لو ثبت لا يكفي إلا مع القرائن الحافة لما حقّق في دليل التأسي من أنه لا يفيد الوجوب لشموله للتأسي بهم في المستحبات فلابد من تحديد جهة التكليف ونوعيته لإجراء دليل التأسي بشكل صحيح.

الوجه السادس: وهو أهمّ الوجوه، صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله×: «…فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها، وإن أصابت إنساناً أو جملاً ثمّ وقعت على الجمار أجزأك …»([84]).

فإنّها تصرّح بتحقّق الرمي ولا تنسب المحمل إلى التعريف (المحمل) كما في الرواية المتقدّمة، علاوة على أنّها تامّة سنداً([85]).

وربما يفهم منها شبيه ما فهم من الرواية المتقدّمة تماماً بحمل المحمل على محمله، كما هو المستفاد من سياق كلام الحلّي في السرائر ([86])، إلّا أنّ الإنصاف أنّها بعيدة عن ذلك، فقد صرّح فيها بالرمي وأعقب الرمي إصابة محمل على سبيل النكرة، فلا وجه للتكلّف فيها بحملها على ما أفادته الرواية السابقة.

ومن هنا لابدّ من التأمّل في مفاد الرواية، لاسيّما وأنّ سياقها لا يجعلها خاصّة بإحدى الجمرات كما يفهم ممّا سبق هذا المقطع وما لحقه.

والمقطع الأوّل من الرواية ظاهر في عدم إجزاء سقوطها في محمل، وكذلك مفهوم المقطع الثاني، إلّا أنّ ضمّها إلى ما أشرنا إليه في تحقيق معنى الرمي لغةً وعرفاً يعطي عدم شرط الإصابة، بمعنى عدم لزوم إحراز الإصابة حتى يقال: إنّه مع الشكّ لابدّ من الإعادة؛ لأصالة العدم واستصحابه … لأنّ أدلّة الرمي العامّة ـ بحسب تفسيرنا لها ـ تفيد لزوم الرمي الأعمّ من المصيب وغيره، شرط توجّه الرمية ناحية الجمرة، خرج منها مفاد صحيحة معاوية بن عمّار وهو صورة عدم الإصابة، فتكون النتيجة كفاية مطلق الرمي إلّا مع إحراز عدم الإصابة فيجب الإعادة؛ لأنّ موضوع وجوب الإعادة أمر وجودي وهو وقوعها في المحمل فلابدّ من إحرازه، وهذا معناه صحّة الاكتفاء برمي الجمرة ما لم يحرز أنّه لم يصب، لا ما لم يحرز أنّه أصاب، كما ذهب إليه الأعلام فلاحظ جيّداً، فيتمسّك بأدلّة الرمي في كلّ حالة لا يحرز فيها عدم الإصابة ليكون الفعل مجزياً.

هذا إذا لم نقل بما نذهب إليه في حجية خصوص الخبر الموثوق بصدوره، ومثل هذه الرواية الوحيدة في الباب والتي تحتمل النقل بالمعنى أيضاً لا يحصل منها سوى الظن لا الاطمئنان فلا يكتفى بها في إثبات أزيد من الاحتياط الاستحبابي.

نتيجة البحث

ظهر ممّا تقدّم أنّه ليس أمامنا دليل يثبت طبيعة الجمرة تاريخيّاً بشكل جازم وإن كان هناك ما يفيد أنّها العمود، كما وهناك ما يفيد أنّها الأرض، لكن تحصيل الوثوق يبدو أمراً متعسّراً. والنتيجة الفقهيّة كانت رمي مجمع الحصى ولو عن طريق إصابة العمود أو رمي العمود وأطرافه ومجمع الحصى بمقتضى الأصل العملي على الاستصحاب أو التعيين والتخيير لا الدليل الاجتهادي المحرز.

أمّا عن اشتراط الإصابة فقد ظهر أنّ الواجب هو صدق عنوان الرمي الأعمّ من المصيب واقعاً وعدمه، لكن إذا أحرز الرامي أنّه لم يصب كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي هو الإعادة، كما أنّ مقتضى القاعدة عدم لزوم الفحص؛ لأنّ متعلّق الحكم ـ وهو الرمي ـ صادق.

وعليه، فيجب على الحاج رمي العمود أو أطرافه من مجمع الحصى رمياً يكفيه فيه عدم إحراز الإصابة، ولا يجب عليه التأمّل في الحصاة هل وصلت أم لا؟ والله العالم.

(*) نشر هذا المقال في العدد التاسع عشر من مجلة ميقات الحج، في إيران، عام 2003م. ثم نشر ضمن كتاب (بحوث في فقه الحج) للمؤلّف، عام 2010م.

[1]. الدروس الشرعيّة 1: 428.

[2]. جواهر الكلام 19: 106.

[3]. الروضة البهية 2: 282.

[4]. مدارك الأحكام 8: 9.

[5]. كشف اللثام 6: 114.

[6]. مهذّب الأحكام 14: 237 ـ 239.

[7]. وسائل الشيعة، كتاب الحجّ 14، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 10، ح3.

[8]. علي عطائي خراساني، تحقيقى دقيق در باره جمرات و رمى آنها (بالفارسيّة): 75.

[9]. الوسائل، مصدر سابق، باب 3، ح1.

[10]. مستدرك الوسائل، أبواب رمي جمرة العقبة، باب 3، ح2.

[11]. تحقيقى دقيق در باره جمرات، مصدر سابق: 76.

[12]. السيد محمّد الحسيني الروحاني، المرتقى إلى الفقه الأرقى 2: 328؛ وانظر تحقيقى دقيق، مصدر سابق: 18.

[13]. الوسائل، مصدر سابق، باب 2، ح5.

[14]. تحقيقى دقيق، مصدر سابق: 82؛ واستقر بها صاحب المرتقى إلى الفقه الأرقى لولا الملاحظة السنديّة القادمة، مصدر سابق 2: 329.

[15]. المرتقى 2: 392؛ وانظر مقالة رمي الجمرات في بحث جديد، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، مجلّة ميقات الحج، العدد 17: 50.

[16]. تحقيقى دقيق، مصدر سابق: 82 ـ 83.

[17]. المصدر نفسه: 83 ـ 84.

[18]. الوسائل، مصدر سابق، باب 1، ح1، وباب 10، ح4.

[19]. تحقيقى دقيق، مصدر سابق: 85 ـ 86.

[20]. مقصودنا محاولة تعميم المصطلح حتى لا يقتصر على وضع حلّ له في دائرة روايات أهل البيت^.

[21]. انظر مثلاً: مختلف الشيعة 1: 303.

[22]. انظر الوسائل 14، أبواب رمي جمرة العقبة، باب 10.

[23]. انظر: المبسوط، والوسيلة، ومنتهى المطلب، والتذكرة، ومجمع الفائدة، والمدارك، وذخيرة المعاد، وكشف اللثام، والحدائق، والمستند، والجواهر، وجامع المدارك، وفقه الصادق … وسيأتي المرجع بالتفصيل لاحقاً.

[24].انظر المجموع للنووي 8: 145، 159، 164؛ وتلخيص الحبير لابن حجر 7: 375، 406؛ ومغني المحتاج للشربيني 1: 501؛ وحواشي الشرواني 4: 117 ـ 118؛ وبدائع الصنائع لأبي بكر الكاشاني 2: 157 ـ 158؛ وحاشية ردّ المحتار لابن عابدين 2: 564؛ والمغني لابن قدامة 3: 420 ـ 421، 447؛ وكشاف القناع للبهوتي 2: 580 ـ 581؛ والمحلّى لابن حزم 7: 121 ـ 122؛ وسبل السلام لابن حجر العسقلاني 2: 200؛ ونيل الأوطار للشوكاني 5: 140 ـ 150 و…

[25]. التهذيب 5: 265.

[26]. الوسائل، مصدر سابق، باب 14، ح7.

[27]. تحقيقى دقيق، مصدر سابق: 86 ـ 87.

[28]. الوسائل، مصدر سابق، باب 1، ح5، وأبواب العود إلى منى، الباب 4، ح3 ، 6، 7.

[29]. تحقيقى دقيق، مصدر سابق: 88.

[30]. تحقيقى دقيق، مصدر سابق: 17 ـ 62؛ وانظر: حسين يزدي اصفهاني، تحقيقى در مسأله رمى جمرات، مجلّة ميقات حج (فارسي)، العدد 42: 51 ـ 52.

[31]. تحقيقى دقيق، مصدر سابق: 26.

[32]. المصدر نفسه: 23.

[33]. المصدر نفسه: 30.

[34]. المصدر نفسه: 31 ـ 64؛ ولاحظ مقالة ميقات حجّ، مصدر سابق.

[35]. تحقيقى دقيق، مصدر سابق: 64 ـ 67.

[36]. المصدر نفسه: 70 ـ 71.

[37]. المصدر نفسه: 72، 79.

[38]. المصدر نفسه.

[39]. المصدر نفسه: 72 ـ 73.

[40]. الوسائل، مصدر سابق، باب 6، ح1.

[41]. الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، رمي الجمرات في بحث جديد، مجلّة ميقات الحجّ، العدد 17: 47.

[42]. المصدر نفسه: 48؛ وانظر: الوسائل، مصدر سابق، باب 10، ح3، و باب 3، ح1؛ ومستدرك الوسائل، أبواب رمي جمرة العقبة، باب 3، ح1.

[43]. المصدر نفسه: 49؛ وانظر: المستدرك، مصدر سابق، باب 6، ح1.

[44]. المصدر نفسه: 37؛ وانظر نصّ الشافعي في كتاب الأمّ 2: 213.

[45]. المصدر نفسه: 39؛ وانظر: نصّ الغنية قسم الفروع: 189.

[46]. المصدر نفسه: 39 ـ 40؛ وانظر: منتهى المطلب 2: 731، الطبعة الحجرية؛ والتذكرة 8: 221.

[47]. رمي الجمرات في بحث جديد، مصدر سابق: 40؛ وانظر كلام المبسوط 1: 369 ـ 370؛ والجامع للشرائع: 210.

[48]. خلافاً للملاحظة النقدية التي سجّلها بعضهم على من ذهب إلى أنّ الجمرات ليست أعمدة مستدلاً بنصوص فقهاء الشيعة والسنّة، حيث قال المستشكل: إنّ نصوص فقهاء السنّة لا معنى للإتيان بها بعد ورود النصوص الروائية والفقهية، فإنّ هذا الكلام إنّما يتمّ ـ على تقديره ـ في الأُمور الشرعية لا الخارجية التي يتساوى فيها المخبرون بقطع النظر عن اعتقاداتهم كما هو المحقّق في علم أُصول الفقه، انظر كلام المستشكل في: تحقيقى دقيق، مصدر سابق: 108.

[49]. المصدر نفسه: 37 ـ 38.

[50]. المصدر نفسه: 45 ـ 46.

[51]. ميقات حجّ (فارسي)، العدد 42: 59.

[52]. تحقيقى دقيق، مصدر سابق: 113 ـ 114.

[53]. ميقات حج، العدد 42: 60.

[54]. تحقيقى دقيق، مصدر سابق: 114.

[55]. انظر: النهاية لابن الأثير 1: 292؛ وتاج العروس للزبيدي 10: 457 ـ 458؛ والقاموس المحيط للفيرزآبادي 1: 729؛ والمصباح المنير للفيومي: 108؛ ولسان العرب لابن منظور 2: 351؛ والصحاح للجوهري 2: 616؛ والمنجد: 101؛ ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس 1: 477؛ وكتاب العين للفراهيدي 1: 311؛ ومجمع البحرين للطريحي 1: 309.

[56]. ميقات حج 42: 60.

[57]. انظر: ميقات حج 42: 65؛ وأمّا الاستصحاب القهقرائي فلا يجري في غير المجال اللغوي، بل وحتى في اللغة على قول وجيه وفاقاً لأستاذنا الشيخ حسين النجاتي حفظه الله؛ لأنّ مدركه السيرة العقلائية، وأوّل الكلام أنّ العقلاء لو التفتوا إلى حالة الشكّ في النقل لالتزموا بالاستصحاب القهقرائي لاسيّما في موضوع مشتبك كموضوعنا هذا، نعم مع عدم شكّهم لا يسألون ويعملون وفق المدلول المعاصر، ولهذا أعرضنا عن ما استدلّ به بعضهم بالاستصحاب القهقرائي لإثبات أنّ معنى الجمرة هو المعنى الحالي لها كما في ميقات حج 42: 60 ـ 61، وأمّا أدلّة الاستصحاب الروائية فظاهرها سبق اليقين كما يفهم من سياقها جميعاً، أو لا أقلّ أنّ الحدوث متقدّم على البقاء المشكوك كما في معتبرة عبد الله بن سنان الواردة في أبواب النجاسات من الوسائل، باب 74، ح1، والتي ركّز عليها السيّد محمد باقر الصدر في مباحث الاستصحاب في علم أصول الفقه.

[58]. الجواهر 19: 105؛ وظاهر مجمع الفائدة 7: 250؛ والفقه للشيرازي 44: 208.

[59]. الحدائق 17: 12؛ والمدارك 8: 28؛ وظاهر مفاتيح الشرائع 1: 350.

[60]. دروس في الفقه المقارن، الشيخ محمّد إبراهيم الجنّاتي: 548؛ والفقه على المذاهب الخمسة، الشيخ محمّد جواد مغنية: 260.

[61]. كتاب الحج، السيد حسن الطباطبائي القمّي 3: 101.

[62]. مستند الشيعة 12: 286.

[63]. في الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري (طبعة المذاهب الخمسة) ذكر أنّ الشافعية تشترط الإصابة وكذا الحنابلة، لكنّه لم ينقل ذلك عن المالكيّة، وأمّا الحنفية ففصّلوا فيما إذا اصطدمت بشيء بين سقوطها بعيداً عن الجمرة فلا يجزئ وقريباً منها وهو ثلاثة أذرع فيجزئ، انظر 1: 877 ـ 880.

[64]. ممّن قال بالشرطية، العلّامة في إرشاد الأذهان 1: 331؛ والتذكرة 8: 220؛ وتبصرة المتعلّمين: 82؛ وتحرير الأحكام 1: 616 ـ 617؛ والقواعد 1: 438 ـ 439؛ والشيخ محمّد تقي الفقيه في مناهج الفقيه 2: 281؛ والنجفي في الجواهر 19: 105؛ والسيد الخميني في تحرير الوسيلة 1: 408؛ والخوانساري في جامع المدارك 2: 447؛ وابن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع: 210؛ والجناتي في دروس في الفقه المقارن: 548 ـ 549؛ والشهيد الأوّل في الدروس 1: 428 ـ 429؛ والرسائل: 234، 246؛ واللمعة: 74؛ والمحقّق الكركي في رسائله (حياة المحقّق وآثاره) ج4: 41؛ والبحراني في الحدائق 17: 12 ـ 13؛ والسيد محمود الشاهرودي في كتاب الحجّ (تقرير بقلم الجناتي) 4: 97 ـ 98؛ والسيد حسن القمي في كتاب الحج 3: 101 ـ 102؛ وابن فهد الحلّي في الرسائل العشر: 219، 335؛ والشهيد الثاني في رسائله ج1: 385؛ والروضة 2: 282؛ وفوائد القواعد: 392 ـ 393؛ والسبزواري في ذخيرة المعاد (حجري): 662؛ والمحقّق العراقي في شرح التبصرة 4: 217 ـ 218.

وظاهر الشرح الصغير لمحمد علي طباطبائي الحائري 1: 386؛ والمحقّق الحلّي في الشرائع 1: 234؛ والسيد الطباطبائي في الرياض: 389؛ والسيد الشيرازي في الفقه 44: 208؛ والشيخ مغنية في فقه الإمام جعفر الصادق× 2: 236؛ والسيد الروحاني في فقه الصادق× 12: 44؛ والسيد العاملي في المدارك 8: 8 ـ 9؛ والأردبيلي في مجمع الفائدة 7: 250؛ والسبزواري في كفاية الأحكام (الجديد) 1: 346؛ والفاضل الهندي في كشف اللثام 6: 114؛ والسيد تقي القمّي في مصباح الناسك 2: 191، 193، والنراقي في مستند الشيعة 12: 286؛ والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 350؛ والسيد الخوئي في المعتمد 5: 189، 191.

وهو صريح مناسك الحج للميرزا الغروي: 209، والوحيد الخراساني: 160، والسيستاني: 192؛ والروحاني: 158، والصافي الگلپايگاني: 155؛ وعبد الأعلى السبزواري: 155؛ والخوئي: 180؛ والإمام الخميني: 260؛ والگلپايگاني: 145؛ والشيخ الأنصاري: 327 ـ 328؛ والسيد الصدر: 151؛ وهو مفاد «مناسك حج» مع حواشي المراجع: أراكي، نوري همداني، جواد التبريزي، بهجت ص392؛ والسيد الروحاني في المرتقى إلى الفقه الأرقى 2: 328؛ والسيد عبد الأعلى السبزواري في مهذّب الأحكام 14: 234؛ والشيخ الطبرسي في المؤتلف والمختلف 1: 390؛ والسيد محمّد صادق الصدر في منهج الصالحين 1: 379.

[65]. لم يذكر هذه الشرطية كلٌّ من ابن مجد الحلبي في إشارة السبق: 135؛ والكيدري في إصباح الشيعة: 160 ـ 162؛ والمرتضى في الانتصار: 259 ـ 260؛ وجمل العلم والعمل: 110 ـ 111؛ والناصريات: 310 ـ 311؛ والطوسي في الجمل والعقود: 145، 149 ـ 150؛ وابن البرّاج في جواهر الفقه: 43 ـ 44؛ والشيخ علي القمّي السبزواري في جامع الخلاف والوافق: 212 ـ 214؛ وابن عقيل العماني (حياته وفقهه): 364 ـ 365؛ وسلار في المراسم العلويّة: 112 ـ 114؛ والمفيد في المقنعة: 417، 421 ـ 422؛ والصدوق في المقنع: 272، 288 ـ 289؛ والهداية: 240، 250 ـ 251؛ وابن الجنيد أيضاً، والحرّ العاملي في بداية الهداية 1: 369؛ والطوسي في الاقتصاد.

 وإنّما نقول لم يتعرّضوا رغم أنّهم بحثوا كتاب الحجّ بالتفصيل أو شبهه، أمّا من لم يأت على ذكر كتاب الحجّ فكثير، لاسيّما المتأخّرين كصاحب مفتاح الكرامة والبهائي و …

[66]. الخلاف 2: 344، المسألة: 165.

[67]. المبسوط 1: 496.

[68]. المؤتلف والمختلف بين أئمّة السلف 1: 390.

[69]. النهاية: 268، انظر: 253 ـ 254.

[70]. السرائر 1: 610.

[71]. المهذب 1: 257.

[72]. الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 180.

[73]. إصباح الشيعة: 161 ـ 162.

[74]. غنية النزوع: 189.

[75]. التذكرة 8: 220؛ جامع المدارك 2: 447؛ دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي 1: 485؛ كتاب الحجّ للشاهرودي 4: 97 ـ 98؛ فقه الصادق× 12: 44؛ مصباح الناسك 2: 191؛ مستند الشيعة 12: 286؛ المعتمد 5: 189؛ المرتقى 2: 328؛ ومهذب الأحكام 14: 237.

[76]. العراقي، شرح التبصرة 4: 217.

[77]. كمثال انظر: جامع المقاصد 3: 236.

[78]. الوسائل: 23، كتاب الصيد والذبائح، أبواب الصيد، باب 27، ح1.

[79]. الجواهر 19: 106؛ دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي 1: 485 ـ 486؛ وكتاب الحجّ للسيّد حسن القمي 3: 102؛ وذخيرة المعاد: 662؛ والمدارك 8: 9؛ ومهذّب الأحكام 14: 237.

[80]. دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي 1: 486.

[81]. شرح تبصرة المتعلّمين للعراقي 4: 218؛ وفقه الإمام جعفر الصادق 2: 236؛ ومجمع الفائدة والبرهان 7: 250؛ ومصباح الناسك 2: 193؛ ومستند الشيعة 12: 286؛ والمعتمد 5: 191.

[82]. الوسائل: 14، أبواب رمي جمرة العقبة، باب 6، ح2.

[83]. الرياض: 389؛ المدارك 8: 8.

[84]. الوسائل 14، أبواب رمي جمرة العقبة، باب 16، ح1.

[85]. التذكرة 8: 220؛ الجواهر 19: 105؛ شرح تبصرة المتعلّمين 4: 217؛ الرياض: 389؛ فقه الصادق 12: 44؛ المدارك 8: 8؛ مصباح الناسك 2: 191؛ مستند الشيعة 12: 286؛ مفاتيح الشرائع 1: 350؛ المعتمد 5: 189؛ المرتقى 2: 328؛ مهذب الأحكام 14: 237.

[86]. السرائر 1: 610.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً