أحدث المقالات

ترجمة: السيد علي عباس الموسوي

 

موضوعة المرأة والقراءات الثلاث للإسلام ـــــــ

● تحدّثتم عن وجود قراءات ثلاث للإسلام في عالمنا المعاصر: القراءة المتحجّرة، والقراءة التقليدية، والقراءة التجديدية، هل يمكنكم أن تشرحوا لنا الفوارق الموجودة بين هذه القراءات فيما يخصّ موضوعة المرأة؟

لقد قمت بتقسيم القراءات الأساسية للإسلام ـ كما أشرتم ـ إلى ثلاثة أنواع، وذكرت ـ لدى استعراضي لها ـ أنّ بينها أحد عشر فارقاً، ولا بأس بذكر اثنين منها يرتبطان بمسألة المرأة:

الأوّل: تولي القراءة المتحجّرة اهتماماً خاصا لظاهر الدين، ولا تكلّف نفسها البحث عن روحه والمعنى المتضمّن وراء الكلام؛ لذا كان المنحى الذي تنحوه في التعاطي مع الكتاب والسنّة ذا نزعةٍ لفظية حرفيّة، لا تجد فيه عدولاً عن ظاهر اللفظ إلا نادراً، وهي بهذا تفترق عن القراءة التجديدية التي تسعى للبحث عن روح الدين وعن المعنى المتضمّن خلف الكلمات، وهذا الفارق القائم بين القراءة المتحجّرة من جهة والقراءة التقليدية والتجديدية من جهة أخرى له أثره الكبير على مناولة موضوعة المرأة.

الثاني: ويرجع إلى أنّ القراءة المتحجّرة قراءةٌ تشريعية، أي أنّها ـ وبعبارةٍ أخرى ـ ترى الدين منحصراً في الفقه، وترى في بقاء الفقه بقاءَ أساس الدين وكيانه، وأنّ حياة الإنسان كلّما كانت أكثر تطابقاً مع الفقه وأحكامه كانت أكثر إيماناً وتديّناً، أمّا القراءتان الأخريتان ـ التجديدية والتقليدية ـ فليستا ذات نزعة فقهية غالبة، وهما بهذا تمتازان عن القراءة المتحجّرة، نعم تمتاز القراءة التقليدية عن التجديديّة باهتمامها بالفقه أكثر، لكنّها لا تنظر إليه إلا بوصفه وسيلةً، أي أنّ مدى اهتمامها به يرجع إلى مدى الخدمة التي يؤدّيها في سبيل الوصول إلى الغاية المنشودة، فمتى كان الفقه أقلّ خدمةً في طريق الوصول إلى الهدف كان الاهتمام به أقلّ، كما أنّ القراءة التجديديّة لا تُولي الفقه اهتماماً يُذكر، بل تركّزه على الأخلاق والسلوك الأخلاقي، ولهذا الفارق أثره في البحث عن موضوعة المرأة أيضاً.

ويجمد أنصار القراءة المتحجّرة على ظاهر الآيات والروايات، ويعتمدون على ما تمّ استنباطه من الكتاب والسنّة قبل عشرة أو اثني عشر قرناً، ومن الطبيعي أن تكون النزعة السائدة لديهم هي الاتجاه نحو سيادة الرجل أو فقل: النزعة الذكورية، أمّا القراءتان: التقليدية والتجديدية، فتميلان إلى المرأة في نظرتها للأمور، نعم، يمتاز الفكر الإسلامي التقليدي بحضورٍ قويّ للبعد العرفاني، فللعرفاء منذ قديم الأيّام ـ سواء الإسلاميين منهم أو غيرهم ـ إحاطة بعلم النفس أو أنهم ـ بعبارة أخرى ـ يملكون وعياً أعمق للإنسان، ولذا تقلّ ملاحظتهم للفارق بين الرجل والمرأة، وفي الواقع ترتبط قوّة ملاحظة الفارق بين الرجل والمرأة بمدى اقتراب علم النفس عندنا للفهم العرفي للإنسان القديم (common sense).

اتجاهات النزعة الذكورية ـــــــ

● ما هو مقصودكم من سيادة الرجل أو النزعة الذكورية في قراءة موضوعة المرأة؟

من المهمّ الاطلاع ـ بشكل أفضل ـ على مفهوم سيادة الرجل والمراد من هذه الكلمة، إنّ النزعات الذكورية مختلفة، ولا يمكننا اعتبار جميع الآراء ذات النزعة الذكورية سواء، نعم لنا تصنيفها إلى ثلاث فئات:

الفئة الأولى: وهي التي ترى في المرأة جنساً أدون من الرجل.

الفئة الثانية: وترى للرجل مجموعةً من الحقوق والامتيازات.

الفئة الثالثة: وترى في الأب استمرار النسل، لذا فهو صاحبه.

وتوضيحاً منّا لهذه الفئات، نتحدّث عنها بالتفصيل؛ فالفئة الثانية محض حقوقية، حيث المرأة لابد لها من استئذان الرجل في سلسلةٍ من الأمور، ولا يحقّ لها القيام بمجموعةٍ من التصرّفات، فالرجل هو الذي يحدّد لها وظيفتها، أمّا الفئة الأولى ـ أي التي ترى المرأة أدون من الرجل ـ فلا تقرأ الموضوع من زاوية حقوقية، بل تعتمد قراءة الخارج وعالم التكوين، ومثال ذلك: أرسطو الذي ادعى أنّ في المرأة نقاط ضعفٍ أخلاقية أكثر من الرجل، وهذه الدعوى تنظر إلى عالم التكوين والخارج، ولا أريد أن أتحدّث هنا عن صواب نظرية أرسطو أو خطئها، فما أهدفه أنّه لم يُشد رؤيته هذه على المعايير الحقوقية.

مثالٌ آخر أيضاً هو الخواجة نصير الدين الطوسي، الذي يعتقد ـ كسائر أعلامنا ـ أنّ المرأة إنما خُلقت لخدمة الرجل؛ فقد ذكر في كتاب (أخلاق ناصري) أنّ الله عز وجل خلق الرجل، ووجد بعد ذلك أنّ استمراره في هذه الحياة يتوقّف على تأمين مجموعةٍ من الحاجيات، ومن هذه الحاجيات بقاء النوع، كما لابدّ له من الخروج من بيته وبقاء شخصٍ في منزله يعتني به ويحفظه في غيبته، فلو أراد الله أن يوكل هذين الأمرين إلى شخصين لكان في ذلك كُلفة زائدة، فخلق الله مخلوقاً يؤدّي كلتا الوظيفتين، فكانت المرأة هي هذا المخلوق الذي به يتمّ حفظ النوع، كما ويقوم بخدمة الرجل أيضاً، فلاحظوا هذه النزعة الذكورية في هذه النظريّة.

نعم، هذه النزعة الذكورية ـ وكما ذكرنا ـ تضعف وتشتدّ، لكنّ الفئات الثلاث المتقدّمة تشترك في أصل وجودها، ولا ترتبط هذه النزعة بالإسلام، بل لدى العديد من الأديان الأخرى مثلها، فمثلاً ورد في تعاليم بوذا أنّه لا ينبغي للراهب الاعتماد على المرأة، بل لابدّ له أن يضع في خاطره دوماً أنّها تجسّد الاحتيال والخديعة، كما جاء في التعاليم اليهودية أنّ على الرجل عندما يستيقظ صباحاً أن يشكر الله؛ لأنّه لم يخلقه أنثى، وطبق ما تمليه التعاليم الهندية، على المرأة أن تُقدم على إحراق نفسها بالنار التي يُحرق بها جسد زوجها المتوفى.

إنّ ملاحظة القراءات الثلاث الموجودة إسلامياً: المتحجّرة، والتقليدية، والتجديدية، سوف تبدي لنا ـ وبوضوح ـ اختلاف النزعة الذكورية فيها، ففي الفكر المتحجّر تشتدّ هذه النزعة، فيما تكون أقلّ شدّةً في الفكر التقليدي؛ لأن الإسلام يمتاز بنزعةٍ إنسانية أخلاقية، أمّا الإسلام التجديدي فهو يعطي للعقل دوره ويرى في حقوق البشر ـ على ما أقرّه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م ـ مظهراً لهذه النزعة العقلية.

● إلى أيّ حدٍّ يخضع التفسير الديني والفكر الديني في نزعته الذكورية إلى ثقافة الزمن، والى أيّ حدّ يخضع للتعاليم الدينية؟ بعبارة أخرى: إلى أيّ حدّ يرتبط في واقعه بذاتيات الدين وعرضياته؟ ألا تدلّنا هذه الخصوصية المشتركة بين الأديان على تأثرها بالمجتمع المحيط بها؟

نعم، الأمر كما ذكرتم، فالنزعة الذكورية لدى أتباع الأديان المختلفة، وأتباع الدين الإسلامي أيضاً، ترجع إلى أنّ مؤسّسي هذه الأديان والمذاهب ـ سواء في حالة تلقّيهم للوحي من عالم الواقع أو في مقام إبلاغهم ما تلقّوه لمخاطبيهم ـ كانوا خاضعين لتأثير ثقافة زمانهم.

لكن لابدّ من الالتفات إلى أمرٍ مهمّ، وهو أن احتواء الأديان جميعها على مجموعةٍ من الحقائق المرتبطة بالإنسان لا يبرّر لنا الحكم عليها كلّها بالخطأ، ومن جملتها الفوارق الموجودة بين طبيعة الرجل وطبيعة المرأة، نعم، لا تبلغ هذه الفوارق درجة اعتبار المرأة الحدّ الفاصل بين الإنسان والحيوان كما قاله بعض قدمائنا، إنّ ما أريد قوله هو أنه لا يمكننا غضّ الطرف عن الاختلاف الموجود بين الرجل والمرأة في مختلف المجالات، وصرفه عن بعض الخصوصيات الحقيقيّة الواقعيّة.

يتحدّث أحد أهمّ رموز الدراسات الإنسانية في عالمنا المعاصر، ويدعى كين ويلبر (ken willber) ـ وهو شخص قلّ نظيره؛ لما يتمتّع به من اطلاع على تقاليدنا الدينية وعلى مختلف مذاهب الأنسنة وعلم النفس، وهو كذلك من أهل الكشف والشهود ـ يتحدّث عن الفارق بين الجنسين بما يرجع إلى أنّ الرجل والمرأة يفترقان كافتراق رتبتين من رتب الروح، لكننا كلّما ارتقينا في هذه الرتب وذهبنا بها بعيداً زال الفارق المذكور، وهذا رأي أؤيده أنا أيضاً.

وخلاصة القول: إنني أُقرّ بأنّ كثيراً من الآراء التي كانت متعارفةً في ثقافة ذلك الزمان الذي عاش فيه مؤسّسو الأديان والمذاهب، راسخةٌ فيها، وبوصفي مسلماً مجدّداً يحقّ الفصل بين هذه الآراء وبين الدين، وأن أعمل على استنطاق المعنى الموجود وراء اللفظ، أو كما سمّيتموه أنتم: عرضيات الدين، مع الالتزام في الوقت عينه بما توصّلت إليه الأبحاث العلمية من اختلافات موجودة بين الرجل والمرأة.

الاختلاف الطبيعي بين الجنسين ومديات التأثير ـــــــ

● لا شك في وجود فارق بين مقولتين: الأولى إنّ بين الرجل والمرأة اختلافات طبيعية ونفسية، والأخرى إنّ الرجل أفضل من المرأة، هل يوجد في عالمنا المعاصر أثرٌ لهذا التفاوت الطبيعي والنفسي في تحديد حقوق الرجل والمرأة ونوع العلاقة بينهما؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل لكم أن تصفوه لنا؟

ما أراه أنّنا عاجزون عن جعل هذا الاختلاف التكويني الموجود بين الرجل والمرأة سبباً لوقوع اختلاف في القيم، وما أقصده من الاختلاف التكويني هو التفاوت الطبيعي والنفسي، أي التفاوت الموجود بين الرجل والمرأة من جهة الجسم والعقل، وأعلى منه من جهة النفس، فإنّ هذا التفاوت هو ما اصطلح عليه بالاختلاف التكويني.

وكما ذكرت، لا يمكننا جعل هذا الاختلاف التكويني منطلقاً لاختلاف قيمي؛ لذا لا يمكننا الحديث عن وجود نظام أخلاقي وحقوقي خاصّ بالرجل، ونظام أخلاقي وحقوقي خاص بالمرأة، ومع ذلك لا يمكننا ـ أيضاً ـ إنكار تأثير هذا الفارق التكويني على مجالات العلاقة بين الرجل والمرأة، فمثلاً لو كنت أتولّى إدارة شؤون مجتمعٍ ما فلابدّ لي ـ خلال عملية تنظيم الوظائف والعلاقات بين مختلف الطبقات الاجتماعية، ومنها علاقة الرجل والمرأة ـ من ملاحظة الفوارق النفسية الموجودة، نعم ما لا يمكن القبول به أو الدفاع عنه هو الفرص غير المتكافئة، وإلا فمبدأ الاختلاف لا يمكن إنكاره.

فما لا ينبغي فعله وتكريسه، بل يوصف بالظالم اللاإنساني، هو التمييز في الفرص، أي أن نوفّر للرجل فرصاً لا نوفّرها للمرأة أو العكس، أمّا إذا قمنا بتوفير فرص متكافئة لكلا الطرفين فقد يؤدّي الاختلاف النفسي التكويني الموجود بين الرجل والمرأة إلى قيامها باختيار وظائف مختلفة غير متساوية.

لنفترض أنّ مديراً لروضة أطفال ذهب بهم إلى حديقة ألعاب، وأطلق لهم حريّة اللعب إلى فترةٍ ما، دون أن يفرض عليهم أيّ نوعٍ من القيود، إنّ ما ستختاره البنات قد يختلف عما يختاره الصبية، لا أريد أن أُنكر أنّ للتربية دورها في ميل الذكور إلى نوعٍ من الألعاب، كما أنّ لها دورها في ميل الإناث لنوعٍ آخر، لكننا حتى لو افترضنا عدم وجود أيّ نوع من التلقين فإنّ ذلك لا ينفي وجود فوارق نفسية موجبة لامتياز الأدوار الاجتماعية.

● لكنّ هذا الفرض الذي ذكرتموه غير قابل للاختبار؟

نعم، الأمر كما ذكرتم.

● إنّ هذا المثال يرتبط بما ينبغي معرفياً ومنهجياً؟ فلنفترض أنّ مقولة: الرجل أقوى بُنيةً من المرأة، هي واقع بيولوجي، ونتيجة ذلك ضرورة إيكال الأعمال التي تحتاج إلى نوعٍ من القوّة إلى الرجل، لكنّ هذه الضرورة ضرورةٌ معرفية ومنهجية، أمّا سؤالنا فينصبّ على ما ينبغي أخلاقياً وحقوقياً, ففي هذا المجال كيف تنعكس الفوارق الموجودة بين الجنسين؟

أنا لا أقول: (ينبغي) حتى في البحث المنهجي، بل ما أُريد قوله هو أنّنا مطالبون بإيجاد فرص متساوية، لا إيكال هذا العمل للرجل وذاك للمرأة، فمتى أوجدنا فرصاً متساوية من الممكن ـ وبسبب هذا الاختلاف البيولوجي والنفسي ـ أن تتّجه المرأة نحو نوعٍ معيّن من الأعمال فيما يتّجه الرجل نحو نوعٍ آخر، وهنا لا معنى لكلمة: ينبغي، إذ مع إيجادنا لفرصٍ متساوية سوف نفتح الباب ليسير كلٌّ على ما يقتضيه قوامه وبُنيته الوجودية، وبذلك يقوم باختيار دوره الذي يريد القيام به.

أمّا في باب الأخلاق والحقوق، فأميل ـ شخصيّاً ـ إلى الالتزام بالنظرية العقدية القاضية بضرورة العمل بمقتضى العقد الذي يتمّ التوافق عليه والرضا به، فمتى رضي الطرفان صارا ملزمين بالتنفيذ.

● ابتعدنا قليلاً عن الموضوع الأساس، ولابدّ لنا؛ لترتيب البحث، من العودة إلى السؤال الأوّل، فإذا أمكنكم شرح أوجه الاتفاق والاختلاف في صورة المرأة في الإسلامات الثلاثة التي أثرتموها ؟([1])

إنّ وجه التشابه بين الإسلام: الأول، والثاني، والثالث، أنّها جميعاً لا تملك رؤيةً متكاملة ومنسجمة عن موضوعة المرأة، أي أنّ في كل من هذه الإسلامات مواقف ذات نزعة ذكورية، لكنّها في داخلها تحمل تعارضاً ظاهرياً، وسوف أقدّم لكم أنموذجاً عن القراءة الأولى للإسلام؛ فقد ورد في الروايات المضامين التالية: كلّما ازداد إيمان الرجل ازداد حباً للنساء، وكلّ من يزداد حباً لنا أهل البيت يزداد حباً للنساء، حُبّب اليّ من دنياكم اثنان: النساء والطيب، وحُبّب إليّ من دنياكم هذه ثلاث: النساء والطيب وقرّة عيني في الصلاة، كما ورد من طريق أهل السنّة.

والمستفاد من هذه الروايات كون حبّ النساء من أخلاق الأنبياء، كما تصوّر لنا هذه الروايات ـ وبأفضل بيان ـ كون حبّهنّ أمراً ممدوحاً.

لكن في روايات أخرى ورد أيضاً: الفتن ثلاث وأحدها حبّ النساء، وأنّ المرأة سلاح الشيطان، ومن يحب النساء فلن ينتفع من دنياه بشيء، وإنما يعصى الله بست خصال: حبّ الدنيا، وحب الرئاسة، وحب الطعام، وحب النساء ..، ليس لإبليس جندٌ أفضل من اثنين: الغضب والنساء، والنساء أهمّ من الغضب.

ومثل هذه الموارد كثير، والتعارض بينها وبين سابقتها بيّنٌ واضح.

أمّا في الإسلام الثاني، فالتعارض وعدم التلاؤم يظهر فيه بوضوح؛ وذلك في مجموع كلمات الفقهاء وعلماء الأخلاق والمتكلّمين والفلاسفة والعرفاء، فنجد ـ مثلاً ـ في كتاب (كيمياء السعادة) للغزالي ما يلي: فعن النبي أنّه إنما يخاف على أمته من بعده فتنة النساء، وحقّ الرجل على المرأة أن تجلس في البيت ولا تخرج دون إذنه ولا تقول له إلا الحسنى، وتطيعه ولا تطلب منه الطلاق، وحقّ الرجل على المرأة عظيم، بل إنّما خلقت المرأة لخدمته، وفي الرواية أنّه لو كان لأحد أن يسجد لغير الله لكان على المرأة السجود لزوجها.

ومن الصدف أنّ مشابهاً لهذا الكلام ورد في الكتاب المقدّس للهنود، وأنّ على المرأة الملتزمة بالتعاليم أن تعبد زوجها بوصفه ربّاً لها، وإن كان فاقداً للفضيلة وأيّ صفةٍ حسنة.

ومن جملة ذلك، أنّه على المرأة أن تقصر همّها على القيام بوظائف البيت، والاهتمام بمصالحه، وبما يقتضيه نظام الحياة؛ لأنّها إن لم تشغل نفسها بترتيب البيت وشؤون الأولاد وتفقد مسائل الخدم ولم تقصر همّها على هذه الأمور فسوف يجرّها ذلك إلى الزينة والخروج من المنزل، والاشتغال بالنظر إلى الأجانب من الرجال.

إجعل لنفسك هيبةً في نفس المرأة حتى لا تتمنّع عن امتثال أوامرك ونواهيك أو تهملها، وهذا هو أهمّ شرطٍ في إدارة البيت.

من جهةٍ أخرى، نجد في الإسلام الثاني نظرةً إنسانية للمرأة تحمل محبّةً لها، لا سيما عند العرفاء، وبهذا يظهر التعارض داخل الإسلام الثاني، فمثلاً يوصي مولانا جلال الدين الرومي في كتاب (فيه ما فيه) الرجالَ بعدم حبس المرأة في بيتها، ويقول: إنّ الرجل الذي يقوم بحبسها في البيت يظنّ أنّ ذلك يعود بالنفع عليها وعلى المجتمع، فيما يسيء في الحقيقة لها وللمجتمع، ثم يقدّم مثالاً لذلك يقول:

ضع خبزك تحت إبطك وامنع الناس منه

وقل لن أعطي خبزاً لأحد حتى لو استحقّه

فإنّه وإن كان الخبز متوفراً والناس لا يأكلونه

لكنّك حيث منعتهم منه فسوف يرغب جميع الخلق به

لا سيما إذا احتفظت به لسنين وأنت تكرّر أنّك لن تعطيه لأحد

فإنّ رغبة الناس فيه ستزداد، فالإنسان حريصٌ على ما منع منه

وكذلك المرأة، فإنك إن أمرتها بالاستتار ومنعتها الخروج فسترغب حينئذ بهما

وسيزداد الناس شغفاً بها

فأنت بفعلك هذا رغّبت الناس بها وأردت الإصلاح وهو عين الفساد

فإنها إن كانت جوهرة يأبي طبعها فعل الفساد فمنعك وعدمه سواء فهي لن تفعل ما فيه الفساد

واعلم أنّ المنع لن يفيد سوى زيادة الرغبة.

إنّ الذي يظهر لنا من هذا كلّه أن بين الإسلام الأول والثاني والثالث نقطة اشتراك كونها لا تملك رؤيةً منسجمة داخلها تجاه موضوعة المرأة.

مسألة اختصاص الخطاب القرآني بالرجال ـــــــ

● يقال أحياناً: إنّ المرأة لم تكن موضع خطاب في النصوص المقدّسة، فما هو رأيكم بهذا القول؟

يرتبط ذلك بالنحو الذي تتمّ به عملية تفسير النص القرآني، فقد انقسم المفسّرون ـ مثلاً ـ في قوله تعالى: >الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء<، إلى العديد من الاتجاهات التفسيرية، فالغزالي يفسّر معنى القوام بالمسلّط، ويصرّح في كتاب (كيمياء السعادة) أنّ معنى قوله: الرجال قوامون، أن الرجل لابد له وأن يبقى مسلّطاً على المرأة، بعضٌ آخر يفسّر القوام بمن يقوم بتأمين حاجاتها، فيكون مفاد الآية أنّ الرجل هو من تقع على عاتقه وظيفة تأمين حاجات المرأة، وبهذا نلحظ كيف أنّ شخصية المفسّر تلعب دورها في نوع التفسير، حتى أنّ بعض التفاسير قد تتعارض مع ظاهر آيات أخرى، مثل ما ورد في آية أخرى، وهي قوله تعالى: >إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى<، أي لا تفاوت إطلاقاً في خلق كلٍّ من الذكر والأنثى.

وورد في مجمع البيان أنّ أسماء بنت عميس لمّا رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، دخلت على نساء رسول الله، فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا، فأتت رسول الله، فقالت: يا رسول الله! إنّ النساء لفي خيبةٍ وخسار،
فقال 2: وممّ ذلك؟ قالت: لأنهنّ لا يذكرن بخيرٍ كما يُذكر الرجال، فأنزل الله تعالى قوله: >إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً< (الأحزاب: 35)، لكن لما كان حجم ما ورد في الروايات حول المرأة أكثر، كان التعارض بينها أشدّ.

● ما هي الفوارق الموجودة بين الإسلامات الثلاثة حول المرأة؟

يُمكننا القول: إنّنا كلّما سرنا من الإسلام الأول إلى الثاني فالثالث، اتصفت قراءتنا بالسلبية بشكل أكبر، إنّ ما جعل مكانة المرأة في الإسلام الثاني والثالث بهذا النحو هو الغفلة عن الأسلوب المتّبع إسلامياً، وسوف أُقدّم لذلك مثالاً بسيطاً: فلنتصوّر أنّ صاحب عملٍ قام بتوظيف عاملٍ عنده وإعطائه أجره الشهري بمقدار ألف تومان، وفي السنة الثانية رفع له أجره إلى ألفين، وفي الثالثة إلى عشرة، وهكذا إلى السنة العاشرة، وفيها مات ربّ العمل، وكان العامل يتقاضى شهرياً مبلغ عشرة آلاف تومان، فاجتمع ورثة ربّ العمل؛ لتحديد ما ينبغي اتخاذه من إجراء حول أجرة العامل، وانقسموا إلى فريقين: جماعةٌ تبنّوا الالتزام بأنه حيث كانت زيادة أجرة العامل في السنوات السابقة هي الطريقة المعتمدة من قبل ربّ العمل فلابدّ من اتّباعها، أي زيادة ألفٍ في كلّ عام، أمّا الجماعة الأخرى فذهبت إلى أنّ أجرة العامل لابدّ وأن تبقى على ما كانت عليه لحظة موت ربّ العمل، ويعتمد هؤلاء على آخر عقدٍ جرى بين العامل وربّ العمل، فيرون فيما قام به مورّثهم قداسةً لا ينبغي تجاوزها حتى لو بقي ذلك العامل في العمل أربعين سنةً تالية.

وإذا أردنا ملاحظة أداء الجماعتين، نجد أن الجماعة الأولى تعتمد في الواقع على الإيقاع النمطي الذي كان يسير عليه ربّ العمل، فيما ترى الجماعة الثانية فيما أمضاه والدهم قداسةً؛ فيعتمدون على ظاهر ما كان، فأيّ الرأيين أوفى للمورّث وأقرب لما كان يسير عليه؟ إنّ الرأي الأول هو الأقرب والأوفى.

والإنصاف أنّ النبي 2 ـ وسعياً منه لتحسين ظروف المرأة ـ اعتمد أسلوباً استمرّ به ثلاث وعشرين سنةً من حياته، فكان يتقدّم في كلّ عام خطوةً نحو الهدف المنشود، ألا وهو تحسين ظروف المرأة، لكنّ بعض الفقهاء غفلوا عن هذا المنهاج النبوي؛ فاعتمدوا آخر ما أقرّه النبي لها وتوقفوا عند ذلك، إنّ الذي يكفي لبيان صحّة هذا الكلام هو ملاحظة وضع المرأة في الجزيرة العربية عند بعثة النبي، فالمرأة لم تكن تملك شيئاً بل كانت بنفسها جزءاً من الأملاك، وكان الزواج نوعاً من البيع والشراء، كما كان الرجل إذا نفر من نسائه قام بمبادلتهن، لقد كان في المجتمع آنذاك ما يقرب من سبعة وعشرين نوعاً من التعامل الجنسي غير الإنساني معها، إنّ هذه الشواهد كلّها تدلّ على مدى تحقير المجتمع لها آنذاك.

أمّا ما قام به النبي، فقد كان العمل طوال فترة البعثة على تغيير هذه الظروف بالنحو الذي يتناسب مع المجتمع آنذاك، والآن يذهب الفقهاء إلى أنّه لابدّ من العمل على طبق آخر ما قام به النبي وإلى يوم القيامة، لكنّهم لو تأمّلوا في الأسلوب الذي اعتمده النبيّ والطريقة التي كان يسير عليها بالشكل الذي يتناسب مع الظروف المحيطة بزمانه لم يصل الإسلام الثاني أو الثالث إلى ما هو عليه، ولذا كانت الحال أننا كلّما سرنا من الإسلام الأول إلى الثاني فالثالث اتسمت رؤيتنا للمرأة بالسلبية.

● هل ينحصر ما ذكرتموه بموضوع المرأة؟

لقد كرّرت القول: إنّ الدليل الوحيد الذي يمكن قبوله لإثبات لزوم تقليد الفرد المسلم للفقيه الحيّ، هو أنّ الفقيه الحيّ يرتبط بزمانه ويقوم بالعمل على استمرار حركة الإسلام فيه، والمشكلة التي ذكرناها لا تنحصر بموضوع المرأة.

● قلتم في حوارٍ أجرته معكم أسبوعية (راه نو/ الطريق الجديد): إنّ علم الفقه الذي يتمتع بسلطةٍ واسعة في الحوزات العلمية بدأ يفقد أهميّته شيئاً فشيئاً، وبدأ علم الكلام والفلسفة يلعبان دوراً هاماً في الساحة الحوزوية، ما هو تأثير ذلك ـ بنظركم ـ على رؤية علماء الدين والمجتمع الديني للمرأة؟ وبعبارةٍ أخرى: استيعاب الفلسفة لعلم الفقه وبروز علم فلسفة الفقه هل سيكون له تأثيره على الأحكام المتعلّقة بالمرأة؟

إن كان ما أتوقّعه صحيحاً ـ وأنا مصرٌّ على صحّته ـ فسوف يصبح الفقه تحت ظلّ الفلسفة والكلام، وإحدى نتائج ذلك نموّ فلسفة الفقه، وفي هذا الفرض سوف تختلف رؤية علماء الدين والمجتمع الديني لقضايا المرأة، ولا بدّ لي من أن ألفت النظر هنا إلى أمرين:

الأول: أطرحه استناداً إلى نظرية تشارلز كولي (charles hurton cooley) عالم الاجتماع الأمريكي المعروف؛ حيث يقول: لكلّ إنسان خمسٌ من الأنا: 1ـ الأنا الواقعية الحقيقية، ولا يعلمها إلا الله. 2ـ صورة الأنا عند الذات. 3 ـ صوّرتها عند الآخر. 4 ـ تصوّر الآخر لتصوّر الذات. 5 ـ تصوّري لتصوّر الآخر عن صورة الأنا عندي، وأقول ـ استناداً إلى هذا الكلام ـ : إن تغيّر نظرة رجال الدين والمجتمع الديني للمرأة ونظامها الحقوقي يرتبط بالإجابة عن سؤالين: ما هو التصوّر الموجود لدى المرأة عن نفسها؟ وما هو تصوّرها لتصوّر الرجل لها؟

ما أراه أنّ الحركة النسوية أكّدت ـ إلى الآن ـ على أمرين فقط هما: تعريف المرأة، وتصوّر الرجل لها، ومزيد نجاح هذه الحركة يرتبط بمدى اهتمامها بالأسئلة الأخرى مثل: ما هو تصوّر المرأة لنفسها؟ وما هو تصوّرها لصورتها في وعي الرجل؟

الثاني: على المرأة أن تدخل بنفسها عالمَ علم الكلام والفلسفة، حتى تملك بنفسها تصوّراً عن الدين؛ لتقوم بدورها بالتأثير على التصوّر السائد عنها لدى علماء الدين والمجتمع الديني، إنّ الحركة النسوية ابتدأت حركةً سياسيّة أول الأمر، ثم ابتدأت بالابتعاد عن ذلك شيئاً فشيئاً، لا سيّما في السنوات العشرين الأخيرة، والنسوية الآن تعني النظر إلى العالم برؤية نسوية، وليس عبثاً أن يبدأ اليوم الحديث عن نظريةٍ معرفيّة نسوية؛ فمن النساء المعروفات في هذا المجال ساندرا هاردينغ (sandra harding)، وهي من فلاسفة العلم في عالمنا المعاصر، وهي ترى أنّ نظرية المعرفة كانت ـ إلى اليوم ـ خاضعةً لتأثير سلطة الرجل، لكنّ الوقت حان لكي نصل إلى نظريّة معرفةٍ نسوية؛ لأننا غدونا قادرين على مطالعة الأشياء بعين نسوية.

فإذا كان من الممكن النظر إلى الأشياء برؤيةٍ نسوية وعدم حصر التفاسير بالتفسير الذكوري، فهذا يعني أنّ الوصول إلى تفسيرٍ نسوي للكتاب والسنّة لم يعد أمراً بعيداً؛ لهذا نرى أنّه بات لابد للمرأة من ولوج هذا الميدان بإصرارٍ وتصميم، لتعرض ما تراه وتملكه من تصوّرات للوجود.

● كيف سيكون هذا التأثير؟

ما أعتقده أنّنا عندما نقوم بتغيير رؤيتنا الفلسفية فإن الكثير من تصوّراتنا القديمة ستتبدّل، لا سيّما في مجالين: أحدهما تصوّرنا للطبيعة الإنسانية والعلاقة بين الرجل والمرأة، والآخر تصوّرنا للعلاقة بين الإنسان وخالقه؛ لأنّ التصور الذي لا زال سائداً عن العلاقة بين الإنسان وربّه يشبّهها بالعلاقة بين الرئيس أو ربّ العائلة مع أعضاء عائلته، أي أنه تصوّر ذو نزعةٍ ذكورية، والذي يعنيه تبدّل مثل هذا التصوّر أن يكون لذلك تأثيره ليس على الفقه فحسب، بل على الأخلاق أيضاً.

● تحدّثتم عن وجود نظريّة معرفةٍ نسوية، ففي أيّ مرحلةٍ هذا المشروع المعرفيّ الجديد؟

سأبيّن ذلك بإيجاز، إنّ نظرية المعرفة النسوية تتقدّم في خمس مراحل على يد نساء من أتباع الحركة النسوية، وهنّ أكاديميات من أصحاب المعرفة وفلاسفة العلم، إن نظرية المعرفة ـ وكما تعلمون ـ لا تزال تعتمد على العقل فقط، ولا ترى للأحاسيس والعواطف دوراً، ومن المراحل الخمس التي تبحثها النسوية اليوم وبشكل جاد، أنّ معرفة عالم الواقع لا يُمكن لها أن تتمّ عبر الاستفادة من العقل فقط، بل لابد من الاستفادة في سبيل ذلك من الأحاسيس والعواطف؛ ولهذا السبب يُعتقد بأن علم نظرية المعرفة بتمامه وإلى اليوم يعتمد على نظرةٍ ذكورية، ضعيفة، أحادية؛ لأنّ الرجل ـ مقارناً بالمرأة ـ يملك إحساسا أضعف وعاطفةً أقلّ، مضافاً إلى أنّه يعتمد ـ لإثبات رجوليّته ـ على إبعاد المقدار المتوفر لديه من أحاسيس وعواطف.

وترى بعض الباحثات في هذا المضمار، مثل ساندرا هاردينغ، أنّ هذه الطريقة من التعاطي مع عالم الخارج خاطئة؛ لأن على الإنسان أن يتّجه لمعرفة الخارج بكلّ وجوده، ولا بدّ له من الاستفادة من الأحاسيس والعواطف بشكلٍ كامل، وأن يكون لها دورها في تشكيل تصوّره للعالم الخارجي.

والملاحظ الآن، أن الحركة النسوية دخلت نحو آفاق جديدة، ومن جملة ذلك ما يرتبط بنظرية المعرفة، وقد امتازت بأمرين: أوّلهما اقترابها من المدنية والحداثة. وثانيهما اقتراب ظاهرتها المعرفية من الوجودية mexistentialismn.

أما الأول، فالحركة النسوية عندما تبحث في مسألة حرية المرأة وحقوقها تغدو حركةً نهضوية حضارية، وأمّا عندما تبحث في نظريّة المعرفة فإنها تقترن بظواهر غير حضارية.

وأمّا الثاني، فمن الواضح أننا إذا أردنا أن نكوّن معرفتنا للخارج بكلّ أنحاء وجودنا مع إدخال عواطفنا وأحاسيسنا في البين، فسنقترب بذلك من الوجوديّة.

● هل هناك مجال لتحديد اختصاص الأسماء التي ذكرتموها قبل قليل؟

هيلاري روز (hilary rose)، اختصّت بالبحث عن وحدة العقل والقلب والبدن في معرفة العالم، ونانسي هارتسوك (nancy hartsock)، وتبحث حول الإحساس العيني والنسبي في المعرفة، جاني فلاكس (jane flax)، وتبحث حول آثار الظلم الاجتماعي للمرأة على موضوعة المعرفة، دورثي سميث (dorothy smith)، وتبحث حول نتائج نظرة المرأة لنفسها بوصفها أجنبية عن المعرفة، ساندرا هاردينغ، وتدرس التصور الجديد للمرأة وتأثيره على نظرية المعرفة.

● الذي يبدو أنّ هذه الأبحاث إن كتب لها النجاح فستحدث تحولاً مهمّاً في نظرية المعرفة وتصوّر الإنسان للحقيقة؟

نعم، إنّ هذه النظريات الخمس الجديدة في عالم المعرفة تمتاز بصبغةٍ نسوية كاملة، وسوف يكون لها تأثيراتها المهمّة، ومن اللافت وجود فلسفة علوم طبيعية نسوية.

لقد دخلت النسوية الآن مجالات أكثر جدّيةً، وهي بذلك تشكّل عالمها، لقد جرت العادة عند الحديث عن النسوية أن يتصوّرها المخاطب ـ الموافق أو المخالف ـ حركةً تعمل على تحرير المرأة وإحقاق حقوقها، والأسوأ من ذلك تصوّرها حركةً هادفةً لإزاحة الرجل، إنّ الأجواء السلبية الموجودة في أفكار العامّة والدينيين حولها ترجع ـ في الأساس ـ إلى عدم وجود اطلاعٍ صحيح عليها؛ فواقع الحال اليوم أنّ المجتمعات الدينية والتقليدية تعتبر النسوية أمراً شبيهاً بالخروج عن الدين، وعندما نقول: إنّ المسلم الفلاني نسويٌّ فكأننا نصفه بالإلحاد.

من هنا، كان إصراري على تسمية النسوية في اللغة الفارسية: (زنانه نكري)؛ لأن استخدام ذلك يؤدّي إلى دراية المخاطب ـ الموافق والمخالف ـ بأنها في السنوات الثلاثين الأخيرة قد أبدعت أبحاثاً جديدة في مختلف العلوم، وأنّ بحثها علميّ أكثر منه ـ كما يتوهّم ـ حقوقيّاً واجتماعياً وسياسيّاً وعائليّاً، والحق أنّنا مطالبون بعرض النسوية على مستوى أبعد وأوسع، كما أنّ المصلحة تقتضي ذلك.

إنّ النسوية في الغرب حركةٌ واسعة جداً، فهي تحوي إحدى عشرة نزعة كلامية حول المسيحية، لا بمعنى نفوذها الساحة الكلامية، بل بمعنى تقديم تصوّر نسوي مقارن للتصوّر الذكوري، ولديهم الآن فرعٌ من العلوم هو الميتافيريقيا النسوية، وهي على أقسام ثلاثة معتمدة بشكل جدي.

والخلاصة أنّ النسوية تعني أنّ ما هو موجود الآن هو رؤية ذات نزعة ذكورية للعالم من الداخل والخارج، وأن الآراء التي تطرح اليوم خاصّة بالرجل، سواء في علم النفس أو الميتافيزيقيا أو الإيبستمولوجيا أو الأنطولوجيا.. والآن تسعى المرأة لأن تكوّن نظرتها للعالم، فتقدّم رؤيةً إلى جانب الرؤية الذكورية.

*   *     *

 

الهوامش

(*) أستاذ جامعي بارز، أحد أكبر منظري الإصلاح الديني في إيران اليوم، يحمل نزعةً إيمانية لا تركّز على مفردات العقيدة بقدر مبدأ العلاقة الروحية، له نقد على نظرية القبض والبسط، مترجم عن اللغات الأجنبية.

[1] ـــ ما يمكن أن يكون مراداً من الإسلام ثلاثة أمور: الإسلام الأول، وهو عبارة عن مجموعة النصوص المقدّسة لدى المسلمين، أي الكتاب والسنّة، ممّا يحكي أقوال من هو فوق أن يُسأل عنها وأفعاله، أمّا الإسلام الثاني، فيعني مجموعة الكتب والرسائل والمقالات التي بقيت من المسلمين السابقين ووصلت إلينا، فيما يعني الإسلام الثالث الإسلامَ في مقام العمل، أي مجموع الأعمال التي قام بها المسلمون منذ البداية وإلى الآن، مضافاً إلى كافّة الظروف والأوضاع المترتّبة على ذلك.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً