أحدث المقالات

السيد محمد عشائري(*)

ترجمة: حسن علي مطر

المقدّمة

إن أسئلة من قبيل: كم هو عدد العلوم التي يحتاجها المفسر في عملية التفسير؟ وما هي حدود ومساحة كل واحد من هذه العلوم؟ وما هو حجم تبعية علم التفسير لكل واحد من هذه العلوم؟ وما هو التأثير الذي يتركه كل واحد من هذه العلوم في علم التفسير؟ وما هي حدود تأثير تلك العلوم في التفسير؟ وما هو الفرق بين تلك العلوم وبين مصادر التفسير؟ وما هي طريقة التعاطي بين مصادر التفسير وهذه العلوم الضرورية للتفسير؟ وما إلى ذلك، أسئلةٌ هامة وضرورية تنفع المفسر من ناحيتين، وهما:

الأولى: تحصين المفسر من الوقوع في الخطأ في التفسير والتحقيقات التفسيرية.

الثانية: تعليم وتعلُّم علم التفسير والمهارات التفسيرية.

وللأسف الشديد يتم تجاهل الناحية الثانية في وقتٍ تمسّ فيه الحاجة إليها بشدّة، رغم الإقبال الملحوظ والمتزايد على علم التفسير في الحوزة والجامعة!

إن «العلوم الضرورية في التفسير» مسألة يمكن لها أن تجيب عن هذه الأسئلة المتقدِّمة. وعلى الرغم من أن هذه المسألة قد شغلت أذهان أصحاب التفسير، بوصفها جزءاً من العلوم القرآنية منذ القِدَم، إلاّ أنه وللأسف الشديد لم تحْظَ بالتحقيق والتأليف الوافي والمستقل. من هنا نسعى في هذا المقال إلى تقديم دراسة إجمالية بشأن هذه المسألة، مستندين في ذلك إلى مؤلفات الشيخ معرفت&. ولا يخفى أن الاستيعاب الكامل لجميع أطراف هذه المسألة ـ مع الأخذ بنظر الاعتبار جميع الأسئلة الواردة في هذا الشأن ـ بحاجةٍ إلى مجال أوسع.

العلوم الضرورية في التفسير

قال وهب بن وهب القرشيّ: حدّثني الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه×: أنّ أهل البصرة كتبوا الى الحسين بن عليّ× يسألونه عن «الصَّمَد» فكتب إليهم: «بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد، فلا تخوضوا في القرآن، ولا تجادلوا فيه، و لا تتكلّموا فيه بغير علم، فقد سمعت جدّي رسول الله‘، يقول: مَنْ قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار»([1]).

إن العلوم التي تمسّ إليها الحاجة في علم التفسير هي من المباحث التي شغلت أذهان المفسِّرين والمختصين في الشأن القرآني منذ القدم. وبطبيعة الحال، وإلى جانب «العلوم» التي تمس الحاجة إليها في التفسير، يتمّ الحديث أيضاً عن «المصادر» التي تمسّ الحاجة إليها في علم التفسير أيضاً، بحيث تمّ بحث هذين الأمرين في الكتب التي تعنى بالعلوم القرآنية على الدوام([2]). بل حتى المؤلفين والمحققين المعاصرين لا يخلو أمرهم من الاهتمام الشديد بالخلط والاشتباه بين هذين الأمرين([3]).

إن المراد من «المصادر التفسيرية» هي الأمور التي تضع المعلومات والمعطيات المتناسبة مع الآية (أو الآيات) من حيث المحتوى في تصرّف المفسّر، وتعمل على توضيح معاني الآيات ومضمون الألفاظ المستعملة فيها. وعليه فإن جميع الأمور التي يحصل المفسّر من خلالها على المعارف الناظرة إلى مفاد الآيات تُعَدّ من مصادر التفسير. أما العلوم التي تمسّ الحاجة إليها فهي العلوم التي يتمكن المفسّر في ضوئها إما من الاستفادة من المصادر بشكلٍ أكبر وأفضل، أو التي تكشف الغموض عن نصّ الآية، وتعمل على استنطاقها.

فعلى سبيل المثال: قد يخطئ المفسر الجاهل بعلم الرجال والدراية والأصول، فيعتمد على رواية ضعيفة السند أو الدلالة، فيكون بذلك مفتقراً إلى الشرائط التي يجب توفرها في المفسر، فيستند إلى تلك الرواية، وعلى أساسها يتصور أن فهمه الخاطئ هو التفسير الصحيح للآية. وبذلك يكون اعتماد المفسر على هذا المصدر الروائي الخاطئ ناشئاً من جهله وعدم علمه بالعلوم التي يحتاج إليها المفسر([4]).

وحيث يتعذر لشخص واحد الاختصاص في جميع العلوم عادة فإن الشيخ معرفت ينصح ـ بدلاً من الاختصاص في جميع العلوم ـ بضرورة العمل الجماعي في مجال التفسير([5]). بَيْدَ أننا سوف نسعى في هذا المقال ـ بغضّ النظر عن ضرورة أو عدم ضرورة اجتماع جميع هذه العلوم في شخصٍ واحد ـ إلى بيان العلوم التي يحتاجها المفسر في نشاطه التفسيري.

لا نمتلك عن الأستاذ معرفت في بيان وتعداد هذه العلوم كلاماً مركزاً وجامعاً، ولكنه في الوقت نفسه ينقل في بعض المواضع عن الراغب الإصفهاني قوله: لا يمكن تحصيل هذا الأمر إلاّ بعلوم لفظية وعقلية وموهبية:

فالأوّل: معرفة الألفاظ، وهو علم اللغة.

والثاني: مناسبة بعض الألفاظ إلى بعض، وهو علم الاشتقاق.

والثالث: معرفة أحكام ما يعرض الألفاظ من الأبنية والتصاريف والإعراب، وهو النحو.

والرابع: ما يتعلق بذات التنزيل، وهو معرفة القراءات.

والخامس: ما يتعلق بالأسباب التي نزلت عندها الآيات، وشرح الأقاصيص التي تنطوي عليها السور، من ذكر الأنبياء^ والقرون الماضية، وهو علم الآثار والأخبار.

والسادس: ذكر السنن المنقولة عن النبي‘ وعمَّنْ شهد الوحي…، وذلك علم السنن.

والسابع: معرفة الناسخ والمنسوخ، والعموم والخصوص، والإجماع والاختلاف، والمجمّل والمفسّر، والقياسات الشرعية…، وهو علم أصول الفقه.

والثامن: أحكام الدين وآدابه…، وهو علم الفقه والزهد.

والتاسع: معرفة الأدلة العقلية والبراهين الحقيقية…، وهو علم الكلام.

والعاشر: علم الموهبة، وذلك علم يورثه الله مَنْ عمل بما علم([6]).

وأما في التبويب الراهن للعلوم فيتمّ إدراج علم القراءات والنسخ وما إليهما في العلوم القرآنية، ويتم إدراج العموم والخصوص وما إليهما في علم الأصول. كما يمكن اعتبار علم الحديث والتاريخ من علم الآثار والأخبار. بَيْدَ أنه لم يتمّ الحديث هنا عن العلوم البلاغية والعلوم التجريبية والإنسانية الحديثة. وسوف نتحدّث في المستقبل عن إشارات الشيخ الأستاذ معرفت إلى ضرورة هذه العلوم أيضاً. هذا وقد تحدّث سائر العلماء والمختصين في العلوم القرآنية عن هذه العلوم، قليلاً أو كثيراً([7]).

«على الرغم من أن القرآن غنيٌّ عن العلوم الأخرى من حيث المحتوى، وعن حلول الأغيار من حيث الدلالة، إلا أن هذا الاستغناء لا يستلزم أن يتعاطى الفرد مع القرآن الكريم متجاهلاً ما تقوله العلوم والمعارف الأخرى، ويتعامل مع القرآن والكتاب السماوي العظيم كأيّ شخص سطحي آخر؛ إذ هناك فرقٌ بين التحميل والتحمّل. فالصحيح هو أنه لا يحقّ لأحد أن يحمل على الوحي الإلهي شيئاً من معطيات العلوم البشرية، بَيْدَ أن تحصيل العلوم يعمل على توسيع الآفاق الذهنية، ويجعلها مستعدة للتحمل الصحيح والملحوظ لمعارف القرآن»([8]).

وسوف نعمل في هذا المقال على بيان الدور الذي تلعبه هذه العلوم في تفسير الآيات القرآنية. وبطبيعة الحال يجدر بنا قبل الدخول في تفاصيل المباحث أن نبيّن أن مرادنا من التفسير في هذا المقال هو كشف الغموض عن الآيات وبيان المراد منها، وإنْ كنا سنشير من حينٍ لآخر إلى دور هذه العلوم في التأويل أيضاً. وعليه فإن مرادنا من «التفسير» الوارد في عنوان هذا المقال ليس هو التفسير المقابل لـ «التأويل»([9]).

علوم الحديث

ضرورة الحديث في التفسير

يذهب الشيخ معرفت إلى الاعتقاد بأن القرآن الكريم ليس فيه آية إلاّ ولها ظهر وبطن، وأن هذا الظهر والبطن لا يعلمه «إلا الله والراسخون في العلم»، وأن أفضل طريق لفهم أسرار القرآن الكريم هو اللجوء إلى حرم أهل بيت الوحي والنبوة الأطهار^([10]).

وقد ذكر الأستاذ معرفت في كتاب «التمهيد» ثلاثة أمثلة من آيات القرآن الكريم، يثبت من خلالها أنه لولا روايات أهل البيت^ لما تمكّن المفسرون من كشف الغموض عن آيات القرآن الكريم([11]).

كما قال سماحته، في كتابه «التفسير الأثري الجامع»: «الأصل في التفسير هو النقل المأثور، المنقول إلينا عبر المصادر المعتبرة»([12]).

وقال سماحته في موضع آخر: «إن المفتاح الرئيس لفهم القرآن ـ بشكل كامل ـ في يد العترة الطاهرة، وليس هناك من سبيل لتفسير القرآن الكريم سوى التزوّد من معينهم الذي لا ينضب، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهْ﴾ (الأنعام: 90)»([13]).

وقد فصَّل سماحته إجمال هذه المسألة في موضع آخر، قائلاً: «لا شَكَّ في أن القرآن الكريم هو المصدر الأول لتفسير القرآن… كما يُعَدّ رسول الله‘ هو المصدر الثاني لتفسير القرآن؛ إذ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ (النحل: 44)»([14]).

وعليه ربما أمكن اعتبار معرفت مفسراً «روائياً».

الحاجة إلى علوم الحديث في التفسير

بَيْدَ أن النزعة الروائية في التفسير عملية بالغة التعقيد؛ إذ إن روايات الفريقين مشحونة بالوضع والدسّ والاختلاق والإسرائيليات([15])، وإن العمل على الروايات التفسيرية ـ التي لا نمتلك لها أسانيد كاملة ـ أكثر تعقيداً من العمل على الأحاديث الفقهية. إن الوضع الذي يحكم الروايات التفسيرية من التعقيد بحيث نجد لشخصٍ مثل: أبي الجارود([16]) كتاباً في التفسير([17]). فإذا أضفنا إلى هذه الأوضاع المعقّدة عملية حرق الأحاديث في عصر الخلفاء، واختلاق الأحاديث على يد الوضّاعين، من أمثال: أبي العوجاء، سوف نجد أنفسنا أمام مشهد ضبابي متشابك، الأمر الذي يجعل من العمل على الأحاديث والروايات التفسيرية أمراً بالغ الصعوبة والتعقيد. وقد عمد أحد المحققين المعاصرين إلى دراسة روايات كتاب «الجامع الصغير»، للسيوطي، فوجد عدد روايات هذا الكتاب (14527) رواية، وأن الموضوع والمختلق منها قد بلغ عنده (1806) رواية، ما يعني أن الروايات المختلقة تشغل نسبة 12.4% من مجموع روايات هذا الكتاب([18]).

وقد كان الشيخ الأستاذ معرفت مدركاً لهذه الحقيقة المعقّدة، وقد أفرد فصلاً مشبعاً من كتابه القيم «تفسير ومفسران» لدراسة هذه المعضلة([19]). كما تناول هذه المشكلة بشكلٍ خاص في كتابه «التفسير الأثري الجامع» أيضاً([20]). بَيْدَ أن هذه المشاكل والمعضلات ـ من ناحيةٍ أخرى ـ هي التي تبرز كفاءة المفسّر ومقدرته في مجال علوم الحديث.

إبداع الأستاذ معرفت في «النقد الذاتي للحديث»

ليس الأستاذ معرفت من أولئك المحققين الذين تزعجهم الأوضاع المضطربة المهيمنة على الروايات. فعلى سبيل المثال: إن روايات أسباب النزول تمثل واحدة من الطرق المعقدة للعبور من هذا الأفق المعقد والمضني.

ومن الحلول التي يقدّمها الشيخ الأستاذ معرفت في هذا المسار المعقّد ـ مضافاً إلى تصحيح أسناد الرواية واستفاضة النقل وتواتره ـ حلٌّ مبتكر([21])، وقد أطلق عليه سماحته عنوان «النقد الذاتي للحديث». وقد طبقه ـ على سبيل المثال ـ في نقد الكثير من الأحاديث في ما يزيد على عشر صفحات من كتابه «التفسير الأثري الجامع»([22]). ومما قال في هذا الشأن: «هناك وسيلة أخرى لعلها أدق وأوفق للاعتبار، وأكثر اطراداً مع ضوابط دراسة التاريخ، وهو أن يكون المأثور من شأن النزول مما يرفع الإبهام عن وجه الآية تماماً، ويحلّ مشكلة تفسيرها على الوجه الأتم… بشرط أن لا يكون مخالفاً لضرورة دين، أو متنافراً مع بديهة العقل الرشيد»([23]).

وفي الاستناد إلى «ما وافق الكتاب» و«ما خالف الكتاب»([24]) يعتبر (الكتاب) كناية عن «محكمات الدين وضرورة العقل»، ويقول في ذلك: «ومن ثمّ فطريقة التمحيص هي ملاحظة المحتوى في اعتلاء فحواه، وقوّة مؤدّاه، قبل ملاحظة الأسناد، وإن كان للأسناد أيضاً دورها في الاعتبار، ولكنْ في الدرجة الثانية، على خلاف مذاهب بعض المتأخرين في اهتمامهم بالأسانيد محضاً، وترك رعاية المحتوى قوّة واعتلاء»([25]).

وقد عمد الشيخ الأستاذ معرفت إلى توظيف أسلوب النقد الذاتي بالنسبة إلى أخبار وروايات أسباب النزول في الكثير من الموارد، كما في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (التوبة: 84). حيث قال: «أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب قال: لما توفي عبد الله بن أبي سلول جاء ابنه إلى رسول الله‘، فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه، فأعطاه، ثمّ سأله أن يُصلّي عليه، فقام رسول الله‘ ليُصلّي عليه، فقال عمر: فأخذت ثوبه، وقلت: تصلّي عليه، وقد نهاك ربّك أن تصلّي عليه؟! فقال رسول الله‘: إنما خيَّرني الله؛ فقال ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ﴾ (التوبة: 80)، وسأزيد على السبعين… قال: فصلّى عليه رسول الله‘، فأنزل الله: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾.

وقد استفاد الأستاذ معرفت في نقد هذا الحديث من هذه الطريقة التأسيسية المبتكرة، حيث قال: «كيف يظنون بنبي الإسلام جهله ـ والعياذ بالله ـ بأحكام الإسلام، فيحاولون اختلاق منقبة لابن الخطّاب، وإنْ كانت قد تستدعي الحطّ من قداسة رسول الله‘، والمنقصة من كرامته… إن النبي‘ معصومٌ، وكل أفعاله وأقواله ـ وحتّى تقريره ـ سنّةٌ متَّبعة، ليس لأحد ـ على الإطلاق ـ أن يعارضه، فيأمره أو ينهاه مما يرتبط بأمر الشريعة، وقد قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾ (الأحزاب: 21)([26]). ثم انتقل سماحته بعد ذلك إلى محاولة ابن حجر في تصحيح هذه الرواية، وردّ عليه بأدلة محكمة([27]).

 

الجهود الرجالية للأستاذ في الأحاديث التفسيرية

على الرغم من توظيف الشيخ الأستاذ معرفت لأسلوب النقد الذاتي في الكثير من الموارد الأخرى أيضاً([28])، إلاّ أنه في الوقت نفسه لم يغفل عن نقد هذه الروايات من الناحية السندية والرجالية. فعلى سبيل المثال: عندما يخوض في دراسة أسانيد «تفسير ابن عبّاس» يبرز من خلال بحثه التفصيلي بمثابة الفقيه المتبحِّر، حيث يتناول رجال أسانيد الروايات واحداً واحداً، ويدخل في نقاش مع المختصين في هذا البحث، دون أن يتخلف عنهم في توظيف مصطلحات ومفاهيم علم الرجال. ونجده تحديداً عند بحث وثاقة (الضحّاك بن مزاحم الهلالي الخراساني)، بعد نقل كلمات علماء الرجال، ينقل تواجده في سلسلة أسناد عليّ بن إبراهيم القمي إلى بحثٍ ممتع في كبريات علم الرجال. وفي الوقت ذاته يسعى في الكثير من الموارد المختلفة الأخرى ـ ومن خلال جهوده الرجالية في أسانيد الأخبار والروايات ـ إلى اختيار الأخبار والروايات الصحيحة منها([29]).

أدوار الحديث المختلفة في التفسير ــــــ

لقد أثبت الشيخ الأستاذ معرفت، من خلال دقته التي تثير الإعجاب في مفاد الروايات، أدواراً متنوّعة للأخبار والآثار في علم التفسير، ويمكن بيان هذه الأدوار كما يلي:

1ـ الدور النموذجي في رسم مناهج التفسير

لقد بيّن أهل البيت^ الأسلوب والمنهج المناسب لفهم معاني كلام الله، وكيفية الإحاطة بأسرار ورموز هذه المأدبة السماوية. من هنا فإن التفسير الذي بلغنا عنهم في إطار الروايات يحتوي على صبغة نموذجية، تمّ تقديمها إلى الناس كي يتعلموا منها الأساليب التفسيرية… إن المسائل الدقيقة المذكورة من قبله في تضاعيف الكم الهائل من المسائل التفسيرية تكشف عن عمق رغبته الشديدة في إعداد المفسرين الأكفاء([30]).

2ـ دور شرح مقاصد الآيات عند وضوح المعاني اللغوية

إن أكثر الروايات التفسيرية المأثورة عن النبي الأكرم‘ تتحدّث عن المقاصد القرآنية. وفي ما يتعلق بالموارد التي يكون المفهوم اللغوي للمفردات واضحاً، بَيْدَ أن ظاهر الآيات ـ بحسب الوضع اللغوي ـ يفيد معنى ليس هو المراد الواقعي منها، أو يحدث تشكيك في إرادة المعنى الظاهري للفظ؛ بسبب وجود القرائن الحالية والمقالية، الأمر الذي يدفعنا إلى العثور على المراد الواقعي من الآية، ذكر سماحته اثني عشر حديثاً من بين مجموع الأحاديث النبوية التفسيرية في ما يتعلَّق بهذا الدور([31]).

3ـ الدور التوفيقي بين أفقنا والأفق الفكري والثقافي لعصر النزول

حيث تنزل آيات القرآن لمناسبة أو حادثة أو واقعة أو مشكلة، فإن المخاطبين بها في عصر النزول؛ حيث يعيشون تلك الوقائع والأحداث التي نزلت الآيات بسببها، يستوعبون الآية بشكلٍ أفضل من سواهم. أما اليوم فحيث البعد عن تلك الأحداث والوقائع يكون هناك غموض لم يَشْكُ منه المخاطبون في عصر النزول.

فعلى سبيل المثال: يذهب جميع الفقهاء إلى القول بوجوب السعي بين الصفا والمروة في الحج، مع أن الآية الكريمة الواردة في هذا الشأن لا تدلّ على أكثر من نفي الإثم عمَّنْ يسعى بينهما، حيث يقول تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ (البقرة: 185)، وهي صيغة لا تدل على أكثر من الإباحة. فلماذا يفتي الفقهاء بالوجوب؟

يروى عن الإمام الصادق× في هذا الشأن أنه قال: أخذ رسول الله‘ من المشركين بعد صلح الحديبية عهداً بإخلاء مكة من الأصنام ثلاثة أيام؛ ليتاح للمسلمين الحجّ خلالها. وبعد أن انتهت مهلة الأيام الثلاثة عمد المشركون إلى إعادة الأصنام إلى أماكنها، ووضعوا صنمي «أساف ونائلة» على الصفا والمروة. وكان الناس في الجاهلية يتوجَّهون إليهما في السعي، فتأثَّم بعض المسلمين من السعي بين هذين الجبلين، مع وجود الصنمين عليهما، فنزلت هذه الآية؛ لتنفي هذا الشعور بالإثم من قبل بعض المسلمين([32]).

العلوم القرآنية

التعريف

إن التعريف الدقيق لحدود ومساحة «العلوم القرآنية» سؤالٌ لا تسهل الإجابة عنه بدقّة. بَيْدَ أن الأستاذ معرفت قال في هذا الشأن: «إن العلوم القرآنية مصطلح يعنى بالمسائل المرتبطة بمعرفة القرآن وشؤونه المختلفة. وإن الفرق بين العلوم القرآنية والمعارف القرآنية يكمن في أن العلوم القرآنية تتناول القرآن من خارجه، ولا شأن لها بالمحتوى الداخلي للقرآن من الناحية التفسيرية، أما المعارف القرآنية فتعنى بالمسائل الداخلية والمضمونية»([33]).

ضرورة العلوم القرآنية في التفسير

تأتي ضرورة البحث عن العلوم القرآني من حيث إنه ما لم يتمّ التعرف على القرآن بشكل كامل، وما لم يثبت أن القرآن هو كلام الله، لا يكون هناك معنى للبحث عن تناسب محتواه ومضمونه. وللوصول إلى النص الأصلي الذي نزل على رسول الله‘ لا بُدَّ من إيضاح ما إذا كانت جميع القراءات (أو بعضها) هي الموصل إلى النصّ الذي يضمن الهداية حتماً؟

ومن الضروري في مجال النسخ تحديد الآية المنسوخة من الناسخة. كما يعتبر أصل وجود أو عدم وجود النسخ من المسائل الهامّة جداً في التفسير.

إن اتجاه الأستاذ معرفت إلى نوعٍ خاص من النسخ ـ على سبيل المثال ـ، وهو الذي يطلق عليه عنوان «النسخ المشروط»، قد ترك تأثيراً خاصاً على فهمه لآيات الإنفاق وآيات الصفح([34])، حيث يذهب سماحته إلى الاعتقاد بأن من واجب المسلمين في ظل بعض الظروف الخاصة تحصين الدولة الإسلامية من الناحية المالية، وإن هذه المسؤولية التي تمّ التعبير عنها في القرآن بـ «الإنفاق في سبيل الله» باقيةٌ ما دام المقتضي (ذات الشرائط الخاصة) باقياً، ولكنْ حيث ارتفعت حاجة الدولة إلى المال، من خلال نزول آيات الخمس والزكاة وما إليهما، تنسخ الوظيفة السابقة أيضاً، وعندما تواجه الأمة الإسلامية أزمةً تستدعي توفير الأموال لرفعها تعود الوظيفة والمسؤولية السابقة إلى وجوبها([35]).

كما أن عدم وجود المتشابهات في القرآن من المسائل المؤثِّرة التي من شأنها أن تحدث تغييراً في الفهم التفسيري للمفسّر؛ وذلك لأن تصوُّر تشابه كل آية يدفع المفسر إلى تقديم تفسير للآية لا يتحمّل الفهم الخاطئ، بل إنه في الأساس يمنع من تلك الأفهام. كما أن افتراض عدم وجود آيةٍ متشابهة في القرآن يريح المفسّر من هذه المسؤولية. وبعبارةٍ أخرى: إن القول بفرضية تشابه جميع آيات القرآن يسدّ الطريق أمام حجّية ظاهر الكتاب، ويحول دون القيام بأي تفسير للآيات الإلهية([36]).

وباختصارٍ: إن لكل مسألة من مسائل العلوم القرآنية دوراً مؤثراً في الاستفادة من مضامين القرآن الكريم. وقد أشرنا هنا إلى جانبٍ منها فقط. وإن هذه المسائل قد تكون أحياناً بمثابة المبادئ التصورية؛ وأحياناً بمثابة المبادئ التصديقية، التي يمكن للمفسِّر أن يوظِّفها في عملية التفسير([37]).

اللغة

إن من بين العلوم الضرورية في علم التفسير هو علم اللغة العربية. وفي ذلك يقول الحافظ جلال الدين السيوطي: «لا يحلّ لأحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالماً بلغات العرب»([38]).

إن تأثير اللغة في التفسير ليس من الأمور التي نحتاج في إثباتها إلى إطالة الكلام. وإن هذا التأثير ينظر له الشيخ الأستاذ معرفت بأهمية بالغة، وقد عقد له في كتابه القيّم «التمهيد في علوم القرآن» فصلاً مسهباً ومستوعباً، بحث فيه تأثير اللغة في فهم إعجاز القرآن الكريم([39]). وبعد نقله تحقيقاً ممتعاً عن أبي هلال وأبي سليمان البستي في فروق اللغة، أضاف قائلاً: «رأينا من المناسب أن نستدرك على البستي بعض ما فاته، وليس الغرض الاستيعاب…»([40]). ثم بادر بنفسه إلى بيان فروقٍ لغوية أخرى ضمن بحث شيِّق بحث فيه قواعد لغوية أخرى.

ضرورة اللغة العربية للمفسّر بوصفها علماً (لا مصدراً)

إن المصادر اللغوية في الغالب لم تفرّق بين المفاد الاستعمالي والمفاد الجدي والحقيقي والمجازي والكنائي للألفاظ، بل نرى في بعض الموارد اختلافاً عميقاً في آراء اللغويين، بل قد يكون اجتهادهم في بعض الأحيان دخيلاً في بيان معاني المفردات. يضاف إلى ذلك أننا نرى أحياناً بين الأساليب البيانية والدوافع إلى تدوين الكتب اللغوية اختلافات حاسمة. إن غفلة المفسر في الخلط بين المفهوم والمصداق، وأسباب وكيفيات عدول المتكلم عن المعنى الوضعي إلى المعنى المجازي أو المعنى الكنائي وما إلى ذلك، تُعَدّ من أسباب وقوع المفسر في الأخطاء والمغالطات. من هنا يجب على المفسّر؛ للوصول إلى معاني الألفاظ، أن يتعلّم القواعد والضوابط التي يتوصل علماء اللغة من خلالها إلى اكتشاف معاني المفردات، ودوّنوا في ذلك المؤلَّفات. كما يجب عليه أن يتمتع بالكفاءات التي تضمن له عدم الوقوع في الخطأ في فهم معاني الألفاظ.

بعض الأمثلة

لقد قام الأستاذ معرفت ـ للوصول إلى المعنى الدقيق لمفردة «الاستواء»، في قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (طه: 5) ـ باللجوء إلى شعر([41]) الأخطل، وإلى سائر الآيات القرآنية الأخرى؛ ليخرج الآية عن موضع استناد المجسّمة([42]).

وقال في موضعٍ آخر، على هامش قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ (القيامة: 22 ـ 23)، في الردّ على أولئك الذين فهموا من الآية إمكان رؤية الله: «النظر إلى كذا لا يختصّ بمعنى تحديق العين إليه، بل يُستعمل بمعنى القصد إليه وكمال التوجّه إليه أيضاً…»([43]).

وهكذا نجد الشيخ الأستاذ معرفت يراعي هنا الأساليب اللغوية الدقيقة، من خلال الاستشهاد بأشعار العرب، موضِّحاً أن وجود حرف الجر «إلى» قبل كلمة «النظر» يفيد معنى الأمل والانتظار والتوقُّع والرجاء وحصول الفرج، وأيَّد ذلك بكلام علمين من أعلام التفسير، وهما: «جار الله الزمخشري»؛ و«الفخر الرازي»([44]).

ومضافاً إلى هذين المثالين بذل سماحته، في هامش قوله تعالى: ﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ﴾ (الشرح: 2)، جهداً ممنهجاً ليثبت أن «الوزر» يعني «الحمل الثقيل»، وأنه قد استعمل هنا من باب الاستعارة، للدلالة على «ثقل المسؤولية» في تلك الظروف العصيبة والمتشنّجة، وفي ذلك الجوّ المليء بالعصبية والشقاق([45]).

الأدب العربي (علم الصرف)

الحقيقة هي أن القرآن قد نزل باللغة العربية، وعليه لا يمكن لأي مفسر أن يعفي نفسه من فهم ظاهر الآيات الإلهية، ورفع الإبهام والغموض عنها، بحجّة الخوض في الأبحاث التفسيرية المتقدّمة. إن الأبحاث الأخرى وإنْ كانت على جانب كبير من الأهمية، ولكنْ لا بُدَّ من أن نأخذ بجدّية الاهتمام بـ «علم الصرف» و«علم النحو» بوصفهما مقدمة لفهم القرآن الكريم. وإن المحققين الكبار، من أمثال: العلامة الطباطبائي والمحقِّق معرفت، من خلال اهتمامهما بهذه المقدّمة في مجال التفسير عمدا إلى إزاحة جميع الأوهام عن أذهان المختصين في التفسير.

نقل ونقد شبهتين في علم الصرف

الشبهة الأولى

إن علم الصرف ـ مثل سائر العلوم الأخرى ـ، بالإضافة إلى قواعده الضرورية والتطبيقية، مفعمٌ بالمباحث التي لا تترتب عليها ثمرة علمية خاصة. بَيْدَ أن عدم وجود ثمرة تطبيقية لبعض مباحث علمٍ لا يعني تخطئة ذلك العلم بالكامل، كما ورد في بعض كتب التفسير من القول: «حيث إن المحرز في علم الأصول أن علم الصرف لا يكون من العلوم الواقعية، بل هو نوع من الذوقيات النفسانية والاستحسانات المحافلية، لا يعتمد عليه في الأصول والفروع، فإن أهل البادية يستعملون، وأهل القرى يفسرون، ويتّخذون المسالك والسبل بالتخيُّلات الباردة»([46]).

وفي نقد هذه الدعوى من الضروري الالتفات إلى أمرين، وهما:

أـ لقد ذكر المحقق الخراساني بحثاً مقتضباً في نفي دلالة الأفعال على الزمان([47]). فإذا كان مراد المفسّر من قوله المتقدّم: «إن المحرز في علم الأصول…» هو هذا الذي أفاده صاحب الكفاية فلا بُدَّ من القول بأن هناك في مقابل هذا الكلام كمّاً هائلاً من كلمات الأصوليين الآخرين في تأييد علم الصرف، وحتّى حاجة الفقهاء وأصحاب الاستنباط إلى هذا العلم([48])، الأمر الذي يمنع من اعتبار هذا العلم مجرد علم وهمي وغير واقعي، ونسبة ذلك إلى جميع الأصوليين.

وأما إذا كان مراده من علم الأصول غير ما ذكره صاحب الكفاية فيجب القول: إننا لم نقف على مبحث في علم الأصول يتناول علم الصرف بالبحث والنقد والتمحيص.

ب ـ من الملفت أن هذا المفسِّر نفسه يرتضي في بعض كتبه الأخرى حتّى حاجة علماء الأصول إلى علم الصرف. وقد بيَّن ذلك إجمالاً في كتابه الأصولي. ومن ذلك: قوله: «مباحث اللغة والنحو والصرف و… التي يحتاج إليها الأصولي في تحرير مباحثه»([49]).

الشبهة الثانية

هناك من المحققين المعاصرين([50]) مَنْ نسب التشكيك وإنكار «تأثير علم الصرف في علم التفسير» إلى الشيخ محمود الآلوسي والحافظ جلال الدين السيوطي.

أـ نقد نسبة هذا الإنكار إلى الآلوسي

الحقيقة أن الشيخ محمود الآلوسي قد كتب في معرض تعداد العلوم التي يحتاج إليها المفسّر قائلاً: «الثاني: معرفة الأحكام التي للكلمة العربية من جهة إفرادها وتركيبها، ويؤخذ ذلك من علم النحو»([51]).

إن التدقيق في هذه العبارة يُثبت أن مراد الآلوسي من «علم النحو» ليس هو المعنى الاصطلاحي لعلم النحو، وإلاّ لما استعمل التعبير بـ «معرفة الأحكام التي للكلمة العربية من جهة إفرادها وتركيبها…»؛ لأن أحكام الكلمة من جهة إفرادها هي موضوع علم الصرف. ولا يخفى على أهل الفنّ أن هناك معنيان لـ «أبواب علم النحو» بين المحققين في العلوم الأدبية، وإنه في أحد هذين المعنيين تكون أبواب علم النحو شاملة ـ وإنْ على نحو الاستطراد ـ لمسائل علم الصرف أيضاً. فعلى سبيل المثال: إن لابن مالك في ألفيته بحثاً تفصيلياً في مسائل الصرف([52])، وكذلك السيوطي في «البهجة المرضية في شرح الألفية»([53])، تبعاً لابن مالك، وكذلك في «همع الهوامع»([54])؛ إذ قدم مثل هذا التبويب الواسع لعلم النحو أيضاً.

كما أن تصريح الشيخ الآلوسي بأن «معرفة الأحكام التي للكلمة العربية من جهة إفرادها وتركيبها يؤخذ من علم النحو» يدل بوضوحٍ على أنه أراد من «علم النحو» هو هذا المعنى العام والواسع، الذي يشمل علم الصرف أيضاً.

ثم استطرد الشيخ الآلوسي، قائلاً: «هذا، وعدّ السيوطي مما يحتاج إليه المفسِّر: علم التصريف، وعلم الاشتقاق. وأنا أظن أن المهارة ببعض ما ذكرنا يترتب عليها ما يترتب عليهما من الثمرة»([55]).

وهذا هو كلام الآلوسي الذي أدّى إلى سوء الفهم.

إن علم النحو ـ من خلال التعريف الذي يقدِّمه الآلوسي لأبوابه ـ هو العلم الذي قال عنه بأن ثماره تغني المفسر عن علم الصرف. والملفت أن عبارة الآلوسي، بدلاً من اشتمالها على نفي تأثير علم الصرف في التفسير، تنفي حاجة المفسِّر إلى علمٍ مستقلّ عن علم النحو. والملفت على نحوٍ أشدّ أن نسبة عدم تأثير علم الصرف إلى الشيخ الآلوسي إنما تأتي متجاهلةً التطبيق العملي لذات الشيخ الآلوسي، حيث نجد تفسيره مفعماً وزاخراً بالأبحاث الصرفية، مثل: معاني أبواب الثلاثي المزيد([56])، وأوزان الكلمات([57])، وأسماء المشتقّ([58])، والإدغام([59]) وما إلى ذلك.

ب ـ نقد نسبة هذا الإنكار إلى السيوطي

قال الحافظ جلال الدين السيوطي، في كتاب «التحبير في علم التفسير»، بشأن علم الصرف: «ولم يذكره بعضهم، وهو الأصوب»([60]).

إن التعبير بـ «وهو الأصوب» وإنْ أشعر بأنّ عدم ذكر علم الصرف بين العلوم الضرورية في التفسير هو الأصحّ، بَيْدَ أنه في الوقت نفسه لا يرى ذكره بين هذه العلوم غير صحيح. وعليه فإن مدلول عبارة «التحبير»، قبل أن تنفي ضرورة علم الصرف للمفسِّر، تعكس تردُّد السيوطي في هذا الشأن، وهو التردُّد الذي تحوَّل بعد ذلك ـ في كتاب «الإتقان في علوم القرآن» (الذي ألَّفه بداعي استقصاء وتكميل المسائل التي كتبها في التحبير) ـ إلى قطعٍ ويقين بموقع ومنزلة علم الصرف بوصفه واحداً من العلوم الضرورية في التفسير([61]).

ومن جهةٍ أخرى حيث كان السيوطي ـ بشهادة مؤلَّفاته وكتبه الأدبية ـ من الذين يرَوْن علم النحو شاملاً لأبواب الصرف أيضاً لا يبعد أن يكون ما قاله في كتاب «التحبير» قد جاء في سياق دعوى مشابهة لدعوى الشيخ الآلوسي.

هذا، وقد ذهب الأستاذ معرفت عند نقله لكلام الراغب إلى استخدام نفس تعبير الآلوسي ـ بل أوضح منه ـ في اعتبار أبواب علم النحو مشتملاً على أحكام الكلمة من جهة إفرادها وتركيبها وتصريفها.

نماذج من تأثير علم الصرف في التفسير

قال الشيخ الأستاذ معرفت في توضيحه لقاعدة: «زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني»: «كل تصريف في الكلمة أو تغيير في حركتها فإنما هو للدلالة على معنى جديد لم يكن في ما قبل. فمثل: «ضرّ» و«أضرّ» لا بُدَّ أن يختلف معناهما، كما هو كذلك؛ فالأول: للدلالة على إيقاع الضرر به، سواء قصده أم لم يقصده. والثاني: إيقاعه عن عمدٍ وقصد. يقال: ضرّه، وهو بمعنى ضدّ نفعه… كما في «خدع» و«خادع» في قوله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ (البقرة: 9)، أي يحاولون خداعه تعالى والمؤمنين، لكنهم فاشلون في هذه المحاولة، سوى أنهم يخدعون بالفعل أنفسهم، وينخدعون بتصوُّرهم أنهم خدعوا الله ورسوله»([62]).

وفي معرض الحديث عن قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ...﴾ (هود: 44) قال الشيخ الأستاذ معرفت، مستفيداً من قاعدة صرفية: «اختار لفظ «ابلعي»، ولم يقُلْ: «ابتلعي»؛ لأمرين: أمّا أولاً: فلأن «ابلعي» أخفّ وزناً، وأسهل على اللسان، من «ابتلعي». وأما ثانياً: فلأن في الابتلاع نوعُ اعتمالٍ في الفعل وتصرّف فيه يؤذن بالمشقة([63])، بخلاف قوله: «ابلعي»، فإنه دالٌّ على السهولة، فيكون فيه دلالة على باهر القدرة، حيث أُمرت بالبلع لهذا الكمّ الهائل من الماء، بحيث لا يمكن تصوُّره على أسهل حالة»([64]).

 

الأدب العربي (علم النحو)

لا خلاف في تأثير علم النحو على عملية التفسير بين المفسرين، وعليه لا حاجة بنا إلى إطالة الكلام في هذه الناحية. من هنا سنكتفي بنقل نماذج عن تأثير علم النحو في علم التفسير.

من الناحية النحوية يعتبر «تعلُّق الجار والمجرور بالمعنى الفعلي» من المباحث الدقيقة جداً، والتي تؤثِّر في فهم معنى النصّ. بحيث لم يقتصر الأمر على بحثه من قبل ابن هشام الأنصاري في «مغني اللبيب»، حيث عقد له فصلاً مسهباً([65])، بل نرى في هذا الشأن جهوداً من قبل المتأخِّرين أيضاً، وهي تستحقّ التقدير.

إن من بين المساحات الزاخرة بالمعاني في علم النحو هو هذا البحث المسمّى بـ «تعلُّق الجار والمجرور». وفي هذا الشأن نقف على دقّة جديرة بالثناء من الأستاذ معرفت([66]) في الرد على أولئك الذين فهموا من كلمة «العين» في آيات من قبيل: قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ (هود: 37)، و﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾ (القمر: 14)، العين الباصرة، ودعوى التجسيم؛ إذ قال في هذا الشأن: «إن المراد في الجميع هي الرعاية الخاصة… إن هذا النحو من الاستعمال لا يقصد منه سوى هذا المعنى، حتّى في مَنْ كانت له الجارحة المعهودة؛ وذلك لأن دخول الباء عليها متعلّقة بفعلٍ مذكور يجعلها ظاهرة في معنى الرعاية، أما الجمود على ظاهر اللفظ حينئذٍ فيقتضي وقوع الفعل المذكور في نفس الجارحة، وهو فاسدٌ قطعاً، فليس المراد سوى وقوعه تحت الرعاية الخاصة»([67]).

ثم استطرد الشيخ الأستاذ، ليواجه أصحاب هذا الفهم الخاطئ بإشكالٍ آخر؛ إذ يقول: «لو كان المراد نفس الجارحة لم يصحّ الإفراد ولا الجمع في مثل الآيات المذكورة؛ حيث إضافتها إلى شخصٍ واحد. فإذا قلت: إنك تفعل بعيني أو بأعيننا لم يصحّ وأنت ذو عينين إذا كنت قصدت الجارحة الخاصة»([68]).

كما حمل الشيخ الأستاذ معرفت «لام» الجرّ في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ﴾ (الأعراف: 179) بمهارته الأدبية على «العاقبة»([69]). ومن خلال مقارنة هذه الآية بكلمات مشابهة، من قبيل: قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾ (القصص: 8)، والكلام المنسوب لأمير المؤمنين×: «إِنَّ للهِ مَلَكاً يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ: لِدُوا لِلْمَوْتِ، وَاجْمَعُوا لِلْفَنَاءِ، وَابْنُوا لِلْخَرَابِ»([70])، ينفي العلية عن اللام، وبذلك يُخرج الآية عن محل تمسّك القائلين بالجبر([71]). ومضافاً إلى هذه الموارد تتجلى دقة سماحته في جميع المسائل التي يتناولها في مؤلَّفاته في كشف رموز وأسرار ظواهر الآيات في ضوء القواعد الصرفية والنحوية([72]).

علم البلاغة

إن علم البلاغة مزيجٌ من الفنون الثلاثة، وهي: «المعاني؛ والبيان؛ والبديع». وإن علم المعاني يبحث في الكلام من حيث الفصاحة ومطابقته لمقتضى الحال؛ وعلم البيان يبحث في الاستعارة والمجاز والتشبيه والكناية؛ وعلم البديع يبحث في المحسِّنات اللفظية والمعنوية للكلام([73]).

تأتي دراسة علم البلاغة في إطار التعرّف على أسرار وخفايا اللغة العربية لفهم إعجاز القرآن الكريم([74]). لا يمكن إنكار دور علم المعاني في تحليل أجزاء الجملة. كما تجد استعمال التشبيه والكناية والمجاز في جميع الآيات القرآنية. وإن بعض المحسنات اللفظية في علم البديع([75]) مؤثِّر للغاية في فهم ظاهر الآيات. وفي سياق دراستنا لدور العلوم البلاغية في التفسير سوف نبدأ ببحث دور علمَيْ المعاني والبيان، لننتقل بعد ذلك إلى بحث دور علم البديع.

أـ علم البلاغة (المعاني والبيان)

إن لعناصر علم البلاغة تأثيراً ملحوظاً في فهم وتحليل النصوص. بَيْدَ أن للقرآن الكريم في الوقت نفسه خصوصية تجعل استعمال المجاز والكناية فيه جليّاً على نحو أكبر.

وقد قال الشيخ معرفت في توضيح هذه الخصوصية: «قد أكثر القرآن من أنواع الاستعارة، وأجاد في فنونها، وكان لا بُدَّ منه وهو آخذٌ في توسّع المعاني توسّع الآفاق، في حين تضايقت الألفاظ عن الإيفاء بمقاصد القرآن لو قيِّدت بمعانيها الموضوعة لها محدودة النطاق… جاء القرآن بمعان جديدة على العرب لم تكن تعهدها، وما وضعت ألفاظها إلاّ لمعان قريبة، حسب حاجاتها البسيطة البدائية قصيرة المدى… ومن ثمّ لجأ القرآن في إفادة معانيه والإشادة بمبانيه إلى أحضان الاستعارة والكناية والمجاز، ذوات النطاق الواسع»([76]).

كما استفاد سماحته من علم البلاغة في تفسير الآيات القرآنية، مضافاً إلى استفادته منه بالتفصيل في إثبات الإعجاز القرآني أيضاً([77]).

نماذج من تأثير علم المعاني والبيان في تفسير القرآن

قال الشيخ الأستاذ معرفت في ملاحظة من ملاحظاته الدقيقة بشأن قول الله سبحانه وتعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ (الشورى: 11): «زعموا زيادة الكاف هنا؛ فراراً من المحال العقلي؛ إذ لو كانت باقيةً على أصلها للزم التسليم بثبوت المثل!… ولكن لتوجيه هذا الكلام تأويلٌ آخر أدقّ، وهو أن الآية لا ترمي إلى نفي الشبيه له تعالى فحَسْب؛ إذ كان يكفي لذلك أن يقول: «ليس كالله شيءٌ»، أو «ليس مثله شيء»، بل ترمي من وراء ذلك إلى تأييد النفي بما يصلح دليلاً على الدعوى، والإلفات إلى وجه حجّية هذا الكلام، وطريق برهانه العقلي. ألا ترى أنك إذا أردت أن تنفي نقيصة عن إنسان، فقلت: «فلان لا يكذب، أو لا يبخل»، كان كلامك هذا مجرّد دعوى لا دليل عليها. أما إذا زدت كلمة المثل، وقلت: «مثل فلان لا يكذب، أو لا يبخل» فكأنك أيَّدْتَ كلامك بحجّةٍ وبرهان؛ إذ مَنْ كان على صفاته وشيمه الكريمة لا يكون كذلك؛ لأن وجود هذه الصفات والنعوت ممّا يمنع عن الاستسفال إلى رذائل الأخلاق… فجيء بأحد لفظي التشبيه ركناً في الدعوى، وبالآخر دعامة لها وبرهاناً عليها»([78]).

وقال الأستاذ معرفت في قوله تعالى: ﴿وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ (المائدة: 64): «غلّ اليد وبسطها كنايتان([79]) عن الإمساك والإنفاق، كما في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ (الإسراء: 69)؛ إذ ليس المقصود شدّ يديه إلى رقبته، كالكسير، ومدّهما إلى طرفيه أفقياً، كلاعب رياضة. غير أن صاحب الذوق الأشعري لا يرى سوى الجمود على ظاهر التعبير، بعيداً عن ذوق العرب الرقيق»([80]).

وقال معرفت في الردّ على فهم المجسمة لقوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ (القصص: 88)، حيث حملوا «الوجه» على العضو الظاهري: «ليس المعنى الباقي بعد فناء كل شيء هو وجهه بمعنى العضو، بل المراد: لا يبقى شيء سوى ذاته المقدَّسة تبارك وتعالى»([81]). إن الحصر من مسائل علم المعاني([82])، وقد استدل به الشيخ الأستاذ معرفت في ما نحن فيه؛ للردّ على المجسّمة.

ب ـ علم البلاغة (علم البديع)

إن علم البديع هو علم المحسِّنات اللفظية والمعنوية في الكلام. وإن المحسّنات اللفظية هي المحسّنات التي تتغيّر بتغيّر الألفاظ، من قبيل: الجناس. أما المحسّنات المعنوية فهي التي لا يكون تغيّر الألفاظ فيها ملازماً لتغيّرها وزوالها، من قبيل: التورية والمشاكلة وما إلى ذلك.

اختلاف المفسرين في علم البديع

اختلف المفسرون والمختصون في العلوم القرآنية بشأن «علم البديع» وما إذا كان داخلاً ضمن العلوم التي يحتاجها المفسّر في التفسير أم لا. وإن هناك مَنْ يدرج علم البديع في عداد العلوم التي يحتاجها المفسر، ولكنه في معرض توضيح ذلك يتحدّث كما لو أنه لم يكن جادّاً في اعتبار علم البديع واحداً من تلك العلوم التي يحتاجها المفسّر في عملية التفسير حقيقةً. ومن هؤلاء: الحافظ جلال الدين السيوطي مثلاً؛ إذ يقول: وسابعاً [العلوم التي يحتاجها المفسّر]: البديع؛ إذ به تعرف الوجوه الجمالية للكلام([83]).

ومن الواضح أن ظاهر بيان السيوطي ناظرٌ إلى تبعية «جمالية» القرآن لعلم البديع، ولا ربط لذلك بـ «تفسير القرآن»، فتفسير القرآن شيء، وجماليته شيءٌ آخر. وربما كان هذا النوع من التعابير هو مكمن اتجاه المتأخِّرين إلى التفكيك بين «جمالية النص» وبين «تفسير النص»، ونفي ارتباط التفسير بـ «علم البديع»، حتّى قال بعض المحققين المعاصرين: «إن هذا العلم [البديع]؛ حيث يبحث في الوجوه والمزايا التي يضفي استعمالها حسناً وجمالاً على الكلام لا أكثر، ولا دور له في فهم المعاني، لا يعتبر من العلوم التي تمسّ الحاجة لها في علم التفسير»([84]).

وهذا هو الاتجاه الثاني في «علم البديع».

كما أن الأستاذ معرفت لا يشير إلى حاجة التفسير إلى علم البديع، لا في تعداد العلوم التي يحتاجها المفسّر، ولا في أيّ موضعٍ آخر. وحتّى في بحث جمالية القرآن وإعجازه الأدبي، عندما يصل إلى المحسنات اللفظية وعلم البديع لا يتحدَّث إلا عن تأثير هذا العلم في جمالية القرآن فقط([85]). وعليه يمكن تصنيفه في عداد المنكرين لتأثير علم البديع في التفسير.

نقد الاتّجاه المنكر لتأثير علم البديع في التفسير

الحقيقة أن تعاطي المتأخِّرين مع «علم البديع» لا ينسجم مع الدائرة الواسعة لهذا العلم. كما أن كلام المتقدمين ـ من أمثال: السيوطي ـ لا يدلّ على حصر تأثير علم البديع في الجانب الجمالي من القرآن الكريم فقط. فقد ذكر السيوطي في موضع آخر، بعد إدراجه علم المعاني والبيان والبديع ضمن العلوم التي يحتاجها المفسر إجمالاً: «وهذه العلوم الثلاثة هي علوم البلاغة، وهي من أعظم أركان المفسِّر؛ لأنه لا بُدَّ له من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز، وإنما يدرك بهذه العلوم»([86]).

وتفصيل هذا الإجمال هو القول: إن حقيقة الاستعانة بالمحسِّنات المعنوية (دون المحسِّنات اللفظية) في الكلام لا تعني غير سعي المتكلِّم إلى التصرّف في معاني الألفاظ أو ترتيبها أو تناسقها وارتباطها ببعضها، ليخلق بذلك جماليات من سنخ المعاني([87]). وبطبيعة الحال فإن التوصل إلى الفهم الدقيق والكامل للمعنى والمراد الجدي للمتكلم إنما يكون إذا بحث قارئ النصّ في جميع التصرّفات التي أحدثها المتكلم في معاني الألفاظ، وأحرز ارتباطها أو عدم ارتباطها بالمراد الجدّي للمتكلم. وعليه لا يمكن الوصول إلى المراد الجدّي للمتكلم في النصوص الأدبية إلا من خلال التدقيق في المحسِّنات المعنوية. ومن المناسب هنا أن ننقل كلام الزمخشري في معرض الحديث عن الآية 39 من سورة الزمر، إذ يقول: «لا ترى باباً في علم البيان أدقّ ولا أرقّ ولا ألطف من هذا الباب، ولا أنفع وأعون على تعاطي تأويل المشتبهات من كلام الله تعالى في القرآن»([88]).

فما هو مراد الزمخشري من قوله: «هذا الباب»؟

عندما أراد السيوطي أن ينقل في كتاب «التحبير في علم التفسير» هذا الكلام من الزمخشري استبدل عبارة «هذا الباب» بـ «التورية»([89]). وإن سياق الزمخشري في «الكشاف» يؤيّد نقل السيوطي. و«التورية» واحدة من المحسِّنات في «علم البديع». وعليه نقول في الختام: إذا كان المفسِّر يهدف إلى إدراك الأفق المفهومي للمتكلم وذهنيته وتفكيره ومراده([90]) ـ ومن هنا يذهب أصحاب التفسير إلى اعتبار علم البيان من مقدّمات التفسير ـ فما هو سبب تجاهل المتأخِّرين للشبه الكبير جدّاً بين علم البيان وعلم البديع في دراسة الجهود الذهنية لمتكلِّم قبل التكلُّم([91])؟! وما هو تفسير إحجامهم عن ذكر علم البديع ـ مثل علم البيان ـ في جملة العلوم الضرورية التي يحتاجها المفسّر في علم التفسير؟!

الأشكال المتنوِّعة لتأثير البديع في التفسير

أـ خلق الحافز للتحقيق في معاني الألفاظ

إن التورية والاستخدام من القواعد الهامة في علم البديع، الذي من شأنه أن يكون أداة لفهم المفسر في دراسة وتحليل المصادر اللغوية. إن «التورية» واحدة من المحسِّنات في علم البديع، حيث يستعمل المتكلم لفظاً دالاًّ على أكثر من معنى، ومع أن المخاطب يفهم منه المعنى القريب عادة، إلا أن المتكلِّم يريد منه المعنى البعيد([92]). فعلى سبيل المثال: في قوله تعالى: ﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾ (الرحمن: 6) لا يمكن للمفسر ـ إذا لم يكن مطَّلعاً على إمكان وقوع التورية في الكلام الأدبي ـ أن يجد الدافع الكافي إلى التحقيق في معنى كلمة «النجم» في هذه الآية. إن هذا المفسر سيقنع بإدراكه للمعنى القريب لهذا اللفظ، وعندها سيفهم المعنى الذي لم يكن هو المراد للمتكلِّم، في حين أن المفسّر الضليع في علم البديع سيفهم عبر التحقيق اللغوي في معنى كلمة «النجم»، والاعتماد على القرائن الموجودة في الآية، أن المراد منها هو النبات.

ب ـ صيانة المفسِّر من الوقوع في الخطأ

قال الزركشي بشأن قوله: ﴿لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ([93]): «قوله: (لهم فيها دار الخلد) ليس المعنى أن الجنة فيها دار خلد وغير دار خلد، بل كلها دار خلد. فكأنك لما قلت: في الجنة دار الخلد اعتقدت أن الجنة منطوية على دار نعيم ودار أكل وشرب وخلد؛ فجرّدت منها هذا الواحد [ليكون قد بالغ في نفي أيّ نوع آخر من الجنة]»([94]).

إن المفسّر غير المطلع على «صناعة التجريد»([95]) ـ التي هي من المحسِّنات المعنوية في علم البديع ـ سوف يقع في الخطأ الذي حذَّره منه الزركشي.

ج ـ إدراك الظرائف التفسيرية من ألفاظ القرآن

1ـ إن صناعة «الطباق»([96]) في الآية الكريمة: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ (يس: 80) تساعد المفسّر على فهم مراد المتكلِّم بشكل أفضل. فإن المفسر في واقع الأمر يفهم من التضاد بين «الشجر الأخضر» و«النار» أن الآية تريد نفي الاستبعاد عن الأمور الإعجازية التي تصدر عن الله سبحانه وتعالى، وأن على الناس أن لا يستغربوا صدور ذلك عنه. وقد قال العلامة الطباطبائي& في معرض تفسيره لهذه الآية: «حصول الحيّ من الميت ليس بأعجب من انقداح النار من الشجرة الخضراء، وهما متضادّان»([97]).

2ـ إن كلمة «النجم» في قوله تعالى: ﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾ (الرحمن: 6)، التي أخذ في معناها «ما ظهر واعتلى»، تحمل في جانب من مفهومها المركب معنى (الاعتلاء) من جهة، ولفظ «يسجدان» يحمل في جانب من معناه (الهويّ والسقوط) من جهةٍ أخرى، وبذلك تكوّن هاتان المفردتان تضادّاً عَذْباً، ويمكن للمفسر من خلال الاعتماد على هذا الطباق أن يتوصّل إلى هذا الفهم الدقيق، ويدرك أن «هذا النبات الذي تراه العين برؤيتها السطحية آخذاً في الارتفاع والارتقاء» هو في حقيقته يتجلى للعين الثاقبة في حالة «سجود وابتهال وهويّ وتذلل».

من هنا يجب القول في كلمةٍ أخيرة: إن تأثير علم البديع في التفسير جدير بأن يبحث بشكلٍ مستقلّ، ولكن هذا المقدار من التوضيح يبدو كافياً لأهل التفسير في حلّ المعضلات([98])، وأن لا يغفلوا عن تأثير صنعة «المشاكلة»([99]) ـ التي هي واحدة من محسِّنات علم البديع ـ في تفسير مثل: قوله تعالى: ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ (البقرة: 15)، وقوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ (الشورى: 40)، وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ (البقرة: 194)، أو عدم تجاهل التأثير العميق لمحسِّنات مثل «الاستخدام»([100]) في فهم الدقائق التفسيرية. وبذلك سيجدون علم البديع ـ ولو في بعض جوانبه ـ مؤثِّراً في علم التفسير إلى حدٍّ كبير.

علم الفقه

إن العلم الثامن الذي يعتبره الأستاذ معرفت ـ نقلاً عن الراغب الأصفهاني ـ من العلوم الضرورية للمفسّر هو علم الفقه([101]). إن علم الفقه هو تفصيل لما يجمله القرآن الكريم أحياناً. وقد كتب الأستاذ معرفت في ذلك قائلاً: «إن في القرآن الكريم من أصول معارف الإسلام وشرائع أحكامه… وقد تصدّى النبي‘ لتفصيل ما أجمل في القرآن إجمالاً، وبيان ما أبهم منه؛ إما بياناً في أحاديثه الشريفة وسيرته الكريمة؛ أو تفصيلاً جاء في جلّ تشريعاته من فرائض وسنن وأحكام وآداب. كانت سنته‘، قولاً وعملاً وتقريراً، كانت كلُّها بياناً وتفسيراً لمجملات الكتاب العزيز، وتفسيراً لمجملات الكتاب العزيز، وحلّ مبهماته في التشريع والتسنين»([102]).

وبشكلٍ عام يمكن من خلال الاستفادة من الأحكام الشرعية ـ التي هي ثمرة الاستناد إلى الأدلة الفقهية الأربعة ـ؛ بوصفها قرينةً لفهم تلك المجموعة من الآيات التي يتنافى ظهورها الأوّلي مع الأحكام الفقهية القطعية، الوصول إلى المراد الواقعي لله سبحانه وتعالى([103]).

لقد ذكر الشيخ الأستاذ معرفت، على هامش قوله تعالى: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ (الحجّ: 30)، الكثير من الروايات التي ترى «الغناء» من مصاديق «قول الزور»، ثم استطرد في ذكر روايات أخرى استظهر منها أن مراد الروايات هو «بيان المصداق»، وليس «بيان الاتحاد المفهومي بين قول الزور والغناء»، ثم قال: «كل ذلك دليل على أن الغناء إنما يحرم إذا صدقت عليه العناوين الباطلة، من اللهو المُغْري، واللغو المفسد، وقول الزور. أما إذا لم يكن من ذلك ـ كما إذا كان وسيلةً للتأثير بالمواعظ الحسنة، وزرع الفضيلة والمكرمات في النفوس المستعدة ـ فهذا إلى الحقّ أقرب منه إلى الباطل»([104]).

ثم عمد سماحته إلى إثبات هذا الكلام في الفقه أيضاً؛ إذ يقول: «وفي الأحاديث الصحيحة ما يدلّ على هذا التنويع في الغناء إلى: حرامٍ وحلال، وفساد وصلاح، وسبيل شرّ وسبيل خير»([105]).

وبعد أن ذكر سماحته الروايات الدالة على ما ذهب إليه، أضاف قائلاً: «ولا يخفى أن الحكم الشرعي إذا تعنون ـ في لسان الشريعة ـ بعنوان خاص فإنه يتقيَّد به لا محالة، ولا يكون على إطلاقه؛ ذلك لأن تعليق الحكم على وصف مشعرٌ بعليته، وعليه لا يكون الغناء بوصفه الأوّلي محرَّماً إلا إذا تعنون بهذه العناوين: إذا كان لهوياً، أو عاملاً انحرافياً، أو باعثاً على المعاصي من النفاق والكذب و…»([106]).

كما يُعَدّ القرآن واحداً من مصادر الفقه أيضاً. بَيْدَ أن هناك اختلافاً في مساحة آيات الأحكام. ومن هنا تقتضي الرؤية الخاصة للأستاذ معرفت أن نقدم رؤية شمولية لهذا البحث.

مساحة تأثير القرآن في الفقاهة

هناك في ما يتعلق بمساحة تأثير القرآن في الفقاهة آراء متنوّعة.

وفي تقسيم جوهري تنقسم هذه الآراء إلى قسمين، وهما:

أـ النظرية الشمولية: وهي الرؤية التي تربط جميع القرآن بجميع الفقه، وترى للفقه مساحة أوسع من مساحة الفقه الراهن.

ب ـ الرؤية الجزئية: وهي الرؤية التي تربط مقداراً محدوداً من الآيات بالفقه، بَيْدَ أن أصحاب هذه الرؤية يختلفون فيما بينهم في تعداد هذه الآيات، وهي تتراوح عندهم بين 300 إلى 2000 آية([107]).

تذهب النظرية الشمولية إلى القول: «حيث تكون حقيقة التفقه هي الفهم والإدراك العام والشامل والعميق للشريعة والوحي؛ من أجل معرفة كيفية الحياة، وحيث إن القرآن تبيان لكل شيء، وفيه جوابٌ لجميع الحاجات الحقيقية للبشر، وحيث يشتمل على سعادة الناس المادية والمعنوية، يجب أن تكون مساحة الاجتهاد والفقاهة مستوعبةً لجميع القرآن، واعتبار جميع الأبعاد الاعتقادية والتاريخية والأخلاقية، وحتّى تاريخ الأنبياء والأمم، في هذا الكتاب المقدَّس داخلةً في دائرة الاستنباط والتفكير الفقهي»([108]).

إن من أهم الأدلة التي يطرحها القائلون بهذه الرؤية تمسّك أهل البيت^ بآيات القرآن الكريم في الإجابة عن الأسئلة الفقهية. وإن هذا التمسك لم يَعُدْ مجرد منهج، بل هناك مَنْ سعى إلى تعميم تدريس هذا الاتجاه بوصفه منهجاً. وقد ذكر أصحاب هذا الاتجاه الكثير من الأمثلة؛ ليُثبتوا أن أهل البيت^ قد تمسكوا في مختلف الظروف بآياتٍ لا يمكن أن نرى فيها ـ برؤيتنا القاصرة والمحدود لآيات القرآن الكريم ـ أيّ دلالة فقهية، ولو على نحو الاحتمال، من قبيل: تمسُّك الإمام الجواد× بقوله تعالى ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾ (الجنّ: 18) لتحديد مقدار ما يجب أن يقطع من اليد في حدّ السرقة، وغير ذلك من استدلالات الأئمة الأطهار^ ([109]).

ومضافاً إلى ذلك يرى أن من أهمّ أسباب تحديد مساحة آيات الأحكام الغفلةَ عن البيان اللامركزي للقرآن، والذي يبدو منفصلاً بحَسَب الظاهر([110])، ويذهب إلى الاعتقاد بأن على علم الأصول بَدَلاً من تكرار مباحث مثل: حجّية ظواهر الكتاب أن يبحث في أنواع الدلالات القرآنية وأساليبه البيانية أيضاً.

وعلى الرغم من عدم عثورنا على بيان متمركز ومتصل للشيخ الأستاذ معرفت في مورد الاستدلال على النظرية الشمولية، يمكن من خلال الاستناد إلى كلماته المتفرّقة أن نسند إليه القول بالنظرية الشمولية أيضاً([111])؛ لأنه يؤكِّد عليها في الكثير من الموارد على نحوٍ جادّ، ويصرّ على أن مساحة الفقه الحقيقية أوسع بكثير من مساحته الراهنة، ويؤكد على أن مشروع الفقه والإسلام هو الوصول بالإنسان إلى الحياة النموذجية والسعادة القصوى، ويرى ارتباط مجموع القرآن بجميع علم الفقه من هذه الناحية؛ إذ يقول: «إن القرآن الكريم يتضمّن بيان كيفية الحياة الإنسانية والأخلاقية والمعنوية والمعرفة الإلهية، وإنه قد ذكر كل الأمور المرتبطة بهذه الناحية»([112]).

وفي المقابل يقف أصحاب نظرية محدودية أحكام الآيات. وهي نظرية قديمة، والقائلون بها يمثِّلون الأكثرية بالقياس إلى أصحاب النظرية السابقة. وقبل أن يكون القائلون بهذه النظرية من أصحاب التفسير وعلوم القرآن يُعتبرون من أصحاب الفقه. وعند عملية الاستنباط تتنزَّل نظرتهم إلى القرآن لتصل إلى مستوى النظرة التشريفية (بدافع التيمُّن والبركة)، ومن خلال تضعيف دلالته يلجأون عادةً إلى الإجماع والأخبار وما إلى ذلك.

نماذج من تأثير القرآن في الفقه من زاوية أصحاب الرؤية الشمولية

قال الشيخ الأستاذ معرفت بشأن الآيتين 12 ـ 13 من سورة المجادلة: «ذهب المفسرون إلى القول بنسخ هذه الآية، في حين إنها تنطوي على رسالة خالدة لا يمكن لها أن تنسخ. فقد كان المسلمون في الصدر الأول من الإسلام يرغبون في محادثة الرسول والجلوس معه، بَيْدَ أن النبي الأكرم قد أصبح قائداً دينياً وزعيماً سياسياً، وكان يحتاج إلى أكثر أوقاته لتصريف الأمور الهامة في المجتمع، ولم يَعُدْ لديه فائضٌ من الوقت ليقضيه في معاشرة جميع المسلمين، فأنزل الله سبحانه وتعالى هاتين الآيتين لرسم مشهد يُفهم المسلمين بواسطته أن لا يهدروا أوقات النبيّ في سفاسف الأمور، وعليه لا يمكن اعتبار هاتين الآيتين من الناسخ والمنسوخ أصلاً»([113]).

قال الله سبحانه وتعالى في وصف المرأة: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ (الزخرف: 18)، حيث يشير إلى الروح الخاصة والرقيقة واللطيفة للمرأة، وضعفها الذاتي الذي يمنعها من خوض غمار الحياة القاسية. إن هذه نظرية علمية بشأن المرأة، يؤكِّد عليها القرآن الكريم ويُثبتها، ولكننها نستنبط منها على المستوى الفقهي أن المرأة لا تصلح للتصدّي للأمور الصعبة والشاقة، من قبيل: القضاء، حيث تكون الشؤون الإدارية شائكةً، وتحتاج إلى شدّةٍ وصلابة وعزيمة فائقة، الأمر الذي تفتقر إليه المرأة، حيث لا تملك القدرة حتّى للدفاع عن نفسها لدى الخصام»([114]).

علم أصول الفقه

اختلف علماء الأصول في تعريف هذا العلم، بَيْدَ أننا نذكر في ما يلي التعريف الذي يختاره صاحب الكفاية، حيث يقول: «صناعةٌ يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام، أو التي ينتهى إليها في مقام العمل»([115]).

يتم تقسيم مباحث علم الأصول في بعض تقسيماته إلى أربعة أقسام([116])، وهي: مباحث الألفاظ، والمقدمات العقلية، ومباحث الحجّة، والأصول العملية([117]).

إلاّ أن القسم الرابع من هذه الأقسام (الأصول العملية) لا يلعب دوراً في علم التفسير.

وأما من مباحث الحجّة فيتم توظيف حجية خبر الواحد، وحجية قول اللغوي، والإجماع، والتعادل والتراجيح، في التفسير.

وأما مباحث الألفاظ فهي مؤثّرة بأجمعها في علم التفسير.

وفي الحقيقة فإن علم الأصول هو منهج وأسلوب فهم النصّ، وبذلك فإنه لا يقتصر على علم الفقه فقط، وإنْ كان هدف المؤسِّسين له هو علم الفقه. وعليه يُعَدّ علم الأصول واحداً من الأدوات الهامة في فهم القرآن الكريم، كما صرّح بذلك الأستاذ معرفت في بعض كتاباته أيضاً([118]).

يمكن عدّ الأستاذ معرفت ـ بالإضافة إلى جهوده التفسيرية ـ فقيهاً وأصولياً مجدّداً أيضاً. وقد كان تضلُّعه الكبير في علم الأصول كفيلاً في توظيفه لفهم وتحليل الآيات القرآنية إلى حدٍّ كبير. ولذلك نجده يستعمل كفاءته الأصولية حتى في مباحث العلوم القرآنية. وقد عمد، من خلال الردّ على المبنى القديم بشأن «امتناع استعمال اللفظ الواحد وإرادة معنيين مستقلين»([119])، إلى التطرُّق لكلام المتأخرين، قائلاً: «كان ممَّنْ سلف من الأصوليين مَنْ يرى امتناع استعمال اللفظ وإرادة معنيين امتناعاً عقلياً… ثم جاء الخلف ليجعلوا من هذا الامتناع العقلي أمراً ممكناً في ذاته، وممتنعاً في العادة؛ حيث لم يتعارف ذلك ولم يعهد استعمال لفظة وإرادة معنيين مستقلين في المتعارف العام…، حتى ولو كان ممكناً في ذاته…، الأمر الذي استسهله القرآن وخرج على المتعارف، وجعله جائزاً وواقعاً في استعمالاته. فقد استعمل اللفظة وأراد معناها الظاهري، حَسْب دلالته الأولى، لكنه في نفس الوقت صاغ منه مفهوماً عاماً وشاملاً ثانياً، يشمل موارد أُخَر، ليكون هذا المفهوم العام الثانوي هو الأصل المقصود بالبيان… وكان المفهوم البدائي للآية… هو معناها الظاهر، ويُسمّى بـ (التنزيل). أما المفهوم العام المنتزع من الآية الصالح للانطباق على الموارد المشابهة فهو معناها الباطن، المعبَّر عنه بـ (التأويل)»([120]).

وقال في موضعٍ آخر، بعد اعتباره «تخصيص العمومات» واحداً من أساليب النبي الأكرم‘ في بيان مفاهيم القرآن الكريم([121]): «لا شَكَّ في أن التخصيص، وكذا التقييد، بيان للمراد الجدّي من العام، وكذا من المطلق. وهذا الذي دلّ عليه العام في ظاهر عمومه، والمطلق في ظاهر إطلاقه، إنما هو المعنى الاستعمالي([122]) المستند إلى الوضع أو دليل الحكمة. والذي يكشف عن الجدّ في المراد هو الخاص الوارد بعد ذلك، وكذا القيد المتأخِّر… ومثال الأول: قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ﴾ (البقرة: 228). وهذا عامٌّ لمطلق المطلقات، وفي السنة تخصيص هذا الحكم بالمدخول بهنّ، أما غير المدخول بهنّ فلا اعتداد لهنّ»([123]).

وفي ما يتعلق بقوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ﴾ (يونس: 26). بعد بيان أن المراد من كلمة «زيادة» في هذه الآية تعني مضاعفة الحسنات، قال في ردّ مَنْ فسّرها بـ (النظر إلى وجه الله)، مستدلاًّ لذلك ببعض الروايات: إن دلالة هذه الروايات «مطروحٌ رأساً، للأسباب التالية:

1ـ مخالفتها لظاهر القرآن الكريم.

2ـ إنها معارضة بروايات مثلها، بل أصحّ منها سنداً، وأصرح دلالة.

3ـ مباينتها لسائر الآيات التي كانت تصلح تفسيراً لهذه الآية.

4ـ ضعف أسانيدها طرّاً، بما لا يصلح حجّة إطلاقاً([124]).

هذا وقد أكد بدر الدين الزركشي في كتاب «البرهان في علوم القرآن» على ضرورة تعرّف المفسّر على أصول الفقه، وذكر الكثير من الأمثلة على تأثير علم أصول الفقه في التفسير([125]).

علم التاريخ

هناك فرقٌ واضح بين علم التأريخ وبين المصادر التاريخية؛ فإن علم التأريخ هو العلم المتعلق بتحليل الأحداث والوقائع التاريخية المذكورة في المصادر التاريخية، ومقارنتها ببعضها، وتحديد ما هو الصحيح وما هو المجانب للصواب منها.

وقد ذهب الشيخ الأستاذ معرفت إلى اعتبار علم التأريخ من العلوم الضرورية بالنسبة إلى المفسّر([126])؛ فإن قسماً كبيراً من آيات القرآن الكريم ناظرٌ إلى المسائل التاريخية، من قبيل: الآيات الناظرة إلى مباحث من قبيل: تاريخ الأنبياء^، والأمم السابقة، وأحداث ما قبل الإسلام، والتقاليد والأعراف التي كانت سائدة في عصر الجاهلية، الأعمّ مما أنكره الإسلام أو أقرّه، أو الشرائع التي نسخها الإسلام وما إلى ذلك.

وليس هناك من شكٍّ في تأثير العلم بدقائق الظواهر التاريخية على فهم آيات القرآن على النحو الأفضل والأكمل والأدقّ. وإن العلم بالأصول والقواعد المعتمدة في الوصول إلى هذه الوقائع التاريخية المنقولة في المصادر، والحكم بشأن صحتها وعدم صحّتها، يُعَدّ واحداً من العلوم التي تلعب دوراً مؤثراً في تفسير الآيات([127]).

ومضافاً إلى ذلك لا يمكن أن يخفى الدور الهام لعلم التأريخ في دفع المفسّر نحو فضاء القرائن الحالية والمقالية لعصر النزول. فإن من بين مواطن الغموض التي نعاني منها في ما يتعلق بالتعاطي مع بعض الآيات هو أننا لا نستطيع أن نتساوى مع الذين خاطبهم القرآن في عصر النزول في طريقة نظرهم إلى الآيات القرآنية، وإن علم التأريخ هو من الأمور التي تقرِّبنا من نظرتهم إلى القرآن، وفهمه كما كانوا يفهمونه.

وفي ما يلي نقدّم بعض الأمثلة التوضيحية على ذلك:

قال الشيخ الأستاذ معرفت بشأن قوله تعالى: ﴿وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ (البقرة: 115)، وهي الآية التي اتخذها المجسِّمة والمشبِّهة ذريعة للاستدلال على معتقدهم: «الآية ردٌّ على اليهود، حيث كانوا يزعمون أن الصلاة يجب أن تكون إلى بيت المقدس، كما كانت قبل تحويل القبلة إلى البيت الحرام، وأخذوا يعيبون على المسلمين هذا التحوّل المفاجئ، ويقولون: إنْ كان الاتجاه إلى بيت المقدس اتجاهاً إلى الله ـ كما كان من ذي قبل ـ فالاتجاه إلى الكعبة اتجاهٌ إلى غيره تعالى، وإنْ كان الاتجاه إليه هو الاتجاه إلى الكعبة فالاتجاه السابق كان إلى غيره تعالى… فجاءت الآية الكريمة ردّاً حاسماً على هذا الاعتراض؛ إذ تقول: إن الله تعالى لا ينحصر في جهةٍ أو مكان…، أي إن الجهات كلها لله، وتحت ملكه، لا يختصّ به مكانٌ دون مكان… فإنْ كان الله أمركم بالاتجاه إلى بيت المقدس لم يكن ذلك لسببٍ غير التشريف والاعتبار، لا لأنه مكانه الخاص»([128]).

وفي ما يتعلق بقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى…﴾ (التوبة: 113) أخرج البخاري([129]) ومسلم عن المسيَّب قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي‘، وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة، فقال النبيّ‘: أي عمّ، قل: لا إله إلا الله، أحاجّ لك بها عند الله… فقال أبو جهل وعبد الله: يا أبا طالب، أترغب عن ملّة عبد المطلب؟! فقال النبيّ‘: لأستغفرنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك… فنزلت هذه الآية!

وعلّق الشيخ الأستاذ معرفت على ذلك قائلاً: «يفند هذه المزعومة، بل المكذوبة المفتعلة، أن أبا طالب& مات قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان عضداً قويّاً لرسول الله‘، أما آية براءة فإنها نزلت في السنة التاسعة من الهجرة، أي بعد وفاة أبي طالب باثنتي عشرة سنة… هذا فضلاً عن الدلائل الوفيرة على إسلام أبي طالب ذكرناها في مجالها المناسب»([130]).

علم الكلام

إن علم الكلام ـ الذي يُعبَّر عنه بـ «علم أصل الدين»، أو «علم التوحيد والصفات» أيضاً ـ علمٌ يُعنى بالعقائد، وإثباتها بالأدلة والبراهين، وكذلك الدفاع عنها من خلال الإجابة عن الشبهات([131]).

وقد ذهب الراغب الأصفهاني([132]) وجلال الدين السيوطي([133]) وسائر المختصين في العلوم القرآنية إلى اعتبار «علم الكلام» من العلوم الضرورية في علم التفسير. وقد أكد الأستاذ معرفت على ضرورته للمفسّر أيضاً([134]).

إن القرآن الكريم يشتمل على أدلة مقتضبة ومختصرة في إثبات العقائد الإسلامية، وهي لذلك بحاجة إلى تفصيلٍ وتوضيح. وإن التعرّف الأكمل على الموضوعات والمسائل التي تناولها القرآن باختصار يُمثِّل واحداً من الطرق التي تشكل قرينة لرفع الغموض الذي يكتنف تلك الأدلة القرآنية المختصرة.

يُضاف إلى ذلك أن الاهتمام بالمسائل الكلامية الجديدة يمكن أن يخلق الأرضية المناسبة لفهم الأبعاد المجهولة في الكلام الإلهي. كما أن التعرّف على خصائص وصفات المتكلم يُعَدّ واحداً من القرائن الهامّة في فهم مراد المتكلم، وإن الذي يعنى بهذه الصفات والخصائص بالنسبة إلى فهم القرآن الكريم هو علم الكلام([135]).

وإليك بيان بعض الأمثلة على ذلك: لقد عقد الأستاذ معرفت، في الجزء الثالث من كتابه القيّم «التمهيد في علوم القرآن»، فصلاً مسهباً في بيان الآيات القرآنية الكريمة التي تمّ تفسيرها تفسيراً خاطئاً من قبل بعض الفرق الإسلامية المنحرفة. وقد تمكن سماحته في جميع هذه المسائل ـ من خلال توظيف علم الكلام ومسائله ـ من توجيه إشكالات جوهرية على أولئك الذين وقعوا في أخطاء كلامية قاتلة؛ بسبب جمودهم على ظواهر الألفاظ.

ومن ذلك: ما ذكره في بحث تأويل الآيات القرآنية المتشابهة، في معرض شرح قول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ (آل عمران: 7)، إذ قال سماحته: «فلولا وجود علماء ربانيين في كل عصر ومصر ينفون عنه تأويل المبطلين [ويجيبون عن التأويلات الباطلة التي يقوم بها ﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾] لأصبح القرآن معرضاً خصباً للشغب والفساد في الدين. فيجب بحكم «قاعد اللطف»([136]) وجود علماء عارفين بتأويل المتشابهات على وجهها الصحيح»([137]).

لقد ذكر في الكثير من الآيات القرآنية مسألة «علوّ» أو «فوقية» الله سبحانه وتعالى، وكونه في السماء. وقال الشيخ معرفت في معرض بحثه عن هذه الآيات: «إن هذه الفوقية والعلوّ لا تعني الجهة التي هي إحدى الجهات الستّ التي تحدّد بها الأجسام، من فوق وتحت ويمين ويسار وخلف وأمام؛ إذ بعدما انتفت الجسمية عن ذاته المقدّسة لم يبْقَ مجالٌ لتصوير الجهة له تعالى إطلاقاً»([138]).

وقد عمد الشيخ الأستاذ معرفت في شرح مفهوم «الجبر والاختيار» ـ ضمن بحثٍ مختصر ـ إلى إثبات «الأمر بين الأمرين»، ثم قال: «هذا ما تشهد به ضرورة العقل وبداهة الوجدان، وعليه صحّ التكليف والتشريع وبعث الرسل وإنزال الكتب، والأمر والنهي، والوعد والوعيد… وقد دلّ صريح القرآن في محكم آياته الكريمة على صحّة ما شهدت به العقول، واعترف به العقلاء»([139]).

ثم ذكر سماحته في ختام هذا البحث ما ينيف على الأربعين مثالاً من هذه الآيات الكريمة([140]).

العلوم التجريبية والطبيعية

قال بدر الدين الزركشي: «كل مَنْ كان حظه في العلوم أوفر كان نصيبه من علم القرآن أكثر»([141]).

إن المراد من العلوم التجريبية هي العلوم الطبيعية التي تشمل المنظومات المعرفية الناظرة إلى الظواهر الطبيعية ومتغيّراتها([142]).

وإن موضوع كلام الله سبحانه وتعالى في الكثير من آيات القرآن يتعلق بالظواهر الطبيعية في العالم([143])، حيث عمد الله سبحانه في هذه الآيات ـ وفي إطار هداية الإنسان ـ إلى توضيح وتبيين منظومة سلسلة من الظواهر في عالم الطبيعة، من قبيل: الإنسان، والحيوان، والنباتات، والسماوات، وما إلى ذلك، وعمل على توظيفها في طرح المسائل الاعتقادية، والأخلاقية. وتُعَدّ العلوم التجريبية مؤثِّرة للغاية في الفهم الصحيح والتام لهذه المجموعة من الآيات. ففي تفسير هذه الآيات وفي ضوء توظيف العلوم التجريبية نشهد انكشاف أمور كانت خافية على المفسرين المتقدمين([144]).

وقد ذهب الكثير من المحققين والباحثين في الشأن القرآني إلى اعتبار العلوم التجريبية من العلوم الضرورية التي يحتاجها المفسّر في عملية التفسير([145]).

وعلى الرغم من أن الشيخ معرفت لا يذكر «العلوم التجريبية» ضمن العلوم الضرورية للمفسر، إلاّ أنه يشير في مواضع أخرى إلى ضرورة هذا العلم، إذ يقول: «كلما كان حظّ البشرية من العلم والمعرفة أوفر كان فهمها لحقائق الوجود ومفاهيم الوحي أفضل… وقد أمكن لنا اليوم بالاستعانة من الحقائق والمعطيات العلمية الثابتة أن نحلّ الكثير من المعضلات، ورفع الكثير من موارد الغموض في آيات القرآن الكريم، التي لم يكن باستطاعتنا أن نفهمها حتّى الأمس القريب»([146]).

كما أشار سماحته إلى ضرورة هذا العلم في مواضع أخرى أيضاً([147]).

شرط الاستفادة من العلوم التجريبية في التفسير

إن شرط الاستفادة من هذه العلوم هو أن يتمّ توظيفها بدقّةٍ، وأن يتمّ الاقتصار فيها على المعطيات الثابتة على نحو القطع واليقين. وأن يكون المفاد الإجمالي للآيات واضحاً حتّى قبل الاستعانة بالعلوم التجريبية، وإنما تأتي هذه الاستعانة من أجل فهم المصداق والمراد التفصيلي لهذه الآيات، وبيان ذلك المفاد على نحوٍ معقول، حيث يكون للاطلاع على تلك العلوم دوراً ملحوظاً في هذا الشأن([148]).

وكان الشيخ معرفت يقول في هذه الشأن بكلّ صدقٍ: «نحن لا نستطيع منع العلماء من توظيف المعطيات العلمية ـ التي يتوصَّلون إليها، والتي يقطعون بصحتها ـ في فهم آيات القرآن الكريم، بمعنى أن الاستفادة من هذه العلوم بالنسبة إلى أصحابها أمرٌ قهري. وأما الآخرون فإنما يمكنهم الاستفادة من هذه الآراء والنظريات بشرط أن تكون أوّلاً: بالغة حدّ الكمال، وثانياً: أن يتمّ طرحها في التفسير على نحو الاحتمال، لا أن يتم طرحها على نحو القطع واليقين، والقول بأن هذا هو المعنى الذي تريده الآية بضرسٍ قاطع»([149]).

اختلاف التفاسير بسبب تحوُّل العلوم

على الرغم من أن الاستفادة من العلوم التجريبية تعمل عادةً على تعميق واتضاح فهم المخاطبين في عصر النزول من قبل المفسرين المعاصرين، إلاّ أن ذلك قد يؤدي أحياناً إلى اختلاف فهم المفسرين المعاصرين عن فهم المخاطبين والمفسرين في عصر النزول. بَيْدَ أن السؤال الهامّ الذي يجب الخوض فيه هو: هل يمكن للعلوم التجريبية في عصرنا أن تقدم معنى يبطل المعنى الذي كان سائداً في عصر النزول بشكل كامل، وأن تأتي بمعنى مغاير (أو مضاد) له تماماً؟

فعلى سبيل المثال: قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ (الأنعام: 125): «كأنّما يصَّعَّد في السماء كأنما يزاول أمراً غير ممكن؛ لأن صعود السماء مثلٌ في ما يمتنع ويبعد من الاستطاعة، وتضيق عنه المقدرة»([150]).

إلا أن المفسرين المعاصرين، ومن خلال تركيزهم على المعنى الدقيق للظرفية المستفادة من كلمة «في»، يقدِّمون معنى مغايراً للمعنى الذي فهمه الزمخشري؛ بسبب تركيزه على المعنى المفيد لانتهاء الغاية، فقال أحد هؤلاء المفسِّرين ما معناه: «إن المرء عندما يصعد في السماء يشعر بضيقٍ شديد، وانحباس في صدره؛ إذ كلما قل ضغط الهواء أصبح التنفس في الفضاء أكثر صعوبة. وإن استعمال عبارة «في السماء»، الذي يعني الكون في الطبقات العليا من السماء [وليس الذهاب إلى السماء]، أبلغ في التأكيد على معنى الشدّة»([151]).

ومن الواضح أن التفسير الثاني الذي جاء تحت تأثير العلوم الحديثة ينفي التفسير الذي توصّل إليه الزمخشري.

وقد ذكر الشيخ الأستاذ معرفت ثلاثة أمثلة لتغيُّر تفاسير القرآن بما يتناسب ويوازي التحوّل الحاصل في العلوم، ومنها: ما ذكره بشأن قوله تعالى: ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ (الطارق: 6 ـ 7)، حيث قال: «لقد ذهب أغلب المفسرين في الماضي والحاضر إلى القول بأن المراد من الترائب هو الأضلاع المتقابلة في صدر المرأة؛ لأن الترائب جمع تريبة، وهي تطلق على العظام المتقابلة في الجسم على شكل أزواج. وقد ذهب أكثر المفسرين ـ دون التفات إلى الهيكل العظمي لجسم الإنسان، وعدم الاستماع إلى ما يقوله العلم، ولا سيَّما علم التشريح في هذا الشأن ـ إلى الاعتقاد بأن المنيّ يخرج من خلال الأضلاع الموجودة في صدر المرأة… أما اليوم فقد اتضحت هذه الحقيقة للعلماء المسلمين في ظلّ التقدّم العلمي، حيث تخلّص الفقه والتفسير من آفة الجهل التي كنا نعاني منها في الماضي»([152]).

علم الموهبة

لقد أكّد الله سبحانه وتعالى في مواطن متعدِّدة من القرآن الكريم، من قبيل: قوله تعالى:

ـ ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت: 69).

ـ ﴿وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً﴾ (مريم: 76).

ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (الأنفال: 29).

على القول بأن مرآة وجود الإنسان إذا كانت صافيةً وغير صدئة أمكن لها أن تكون مركزاً تتجلّى فيها الحقائق العلوية والجواهر السماوية.

وقال العلامة الطباطبائي، بعد بيان بحثٍ بديع حول الارتباط بين العلم والعمل الصالح وباطن الإنسان: «إن للناس بحَسَب مراتب قربهم وبعدهم منه تعالى مراتب مختلفة من العمل والعلم، ولازمه أن يكون ما يتلقاه أهل واحدة من المراتب والدرجات غير ما يتلقاه أهل المرتبة والدرجة الأخرى التي فوق هذه أو تحتها، فقد تبين أن للقرآن معاني مختلفة مترتبة. وقد ذكر الله سبحانه أصنافاً من عباده، وخصّ كل صنف بنوع من العلم والمعرفة لا يوجد في الصنف الآخر، كـ «المخلصين»، وخصّ بهم العلم بأوصاف ربّهم حقّ العلم… وخصّ بهم أشياء أخر من المعرفة والعلم، سيجيء بيانها إن شاء الله تعالى؛ وكـ «الموقنين»، وخصّ بهم مشاهدة ملكوت السماوات والأرض»([153]).

وفي الحقيقة إن أفعال الإنسان هي التي تمهّد لطهارة النفس أو تدنيسها، وازدهار وانتعاش الميول المتدنية أو المتعالية للإنسان. وإن وجود هذا النوع من الملكات تؤدّي إلى اكتساب أو زوال نوع من المعرفة، أو تقويتها وضعفها، ودقتها أو عدم دقتها.

وقد استند العلماء في مقام إثبات هذه الحقيقة إلى الروايات الناظرة إلى تأثير سلوك الإنسان في التمهيد للحصول على العلم الجديد، ولا سيَّما الحديث الشريف القائل: «مَنْ عمل بما علم ورَّثه الله علم ما لم يعلم»([154]).

ومضافاً إلى ذلك فقد رُوي عن أمير المؤمنين× أنه قال: «إن الله جَلَّ ذكرُه؛ بسعة رحمته، ورأفته بخلقه، وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كلامه، قسّم كلامه ثلاثة أقسام: فجعل قسماً منه يعرفه العالم والجاهل؛ وقسماً لا يعرفه إلا مَنْ صفا ذهنه، ولطف حسّه، وصح تمييزه، ممَّنْ شرح الله صدره للإسلام؛ وقسماً لا يعرفه إلا الله وأمناؤه والراسخون في العلم»([155]).

وقال الملا محسن الفيض الكاشاني: «مَنْ أخلص الانقياد لله ولرسوله‘ ولأهل البيت^، وأخذ علمه منهم، وتتبّع آثارهم، واطّلع على جملة من أسرارهم، بحيث حصل له الرسوخ في العلم، والطمأنينة في المعرفة، وانفتح عينا قلبه، وهجم به العلم على حقائق الأمور، وباشر روح اليقين، واستلان ما استوعره المترفون، وأنس بما استوحش منه الجاهلون، وصحب الدنيا ببدن روحه معلقة بالمحلّ الأعلى، فله أن يستفيد من القرآن بعض غرائبه، ويستنبط منه نبذاً من عجائبه، ليس ذلك من كرم الله تعالى بغريبٍ، ولا من جوده بعجيبٍ»([156]).

ومن الجدير بالذكر أنه لا ينبغي الخلط بين علم الموهبة وبين سرعة انتقال الذهن أو نشاطه أو دقّته البالغة. وفي الوقت نفسه ينبغي عدم اعتبار كلام بعض مَنْ يدّعي الباطن، والجماعات المنحرفة الذين يتمسَّكون بالقرآن لإثبات مدَّعياتهم، ويستندون إلى الذوقيات دون توظيف للمستندات العلمية، و«علم الموهبة» شيئاً واحداً([157]).

يذهب الشيخ الأستاذ معرفت إلى القول: «إن من بين الأمور النشاز التي نلاحظها في تفاسير أهل العرفان عدم تقيُّدهم بالقواعد الأدبية واللغوية، وإنما يقصرون النظر على ذوقياتهم الذهنية، حتّى إذا خالفت القواعد الأدبية واللغوية… وهذا هو الذي أدى إلى اختلافهم في التفسير؛ لأن الملاك عندهم هو مجرّد الخواطر الذهنية، وليس فهم مضمون الكلام»([158]).

وعلى هذا الأساس إذا خرج علم الموهبة عن حدود قواعد التحاور العقلائي، وأضحى من سنخ شهود أهل المعرفة، فلا يُقبل إلاّ من المعصومين^، وأما بالنسبة إلى سائر المفسرين فلا يكون حجّة على غيرهم، وإنما يحتفظون بحجّيته على أنفسهم إنْ حصل لهم يقينٌ بذلك([159]).

عندما يبلغ الشيخ معرفت ـ في معرض بيانه للعلوم الضرورية للمفسّر ـ إلى «علم الموهبة» يفتح له بحثاً مسهباً، ويعتبره واحداً من العلوم الضرورية والهامة جدّاً بالنسبة إلى المفسّر. ومن الموارد المعبِّرة في هذا الشأن توسُّل سماحته بأمير المؤمنين× في ردّ شبهات آية التأويل و«الراسخون في العلم». فقد ذكر سماحته في المؤتمر الذي أقيم لتكريمه: «عندما كنتُ مشغولاً بتأليف الجزء الثالث من كتاب (التمهيد) في النجف واجهت في بحث التأويل شبهةً للفخر الرازي تحول دون اعتبار «الواو» عاطفةً… ومهما حاولت حلَّها لم أجِدْ سبيلاً إلى ذلك، واستمرّ ذلك أسبوعاً كاملاً، تواصلت خلالها مع جميع العلماء والمحققين الكبار، وطرحت عليهم هذه المشكلة، دون الحصول على نتيجة تذكر…، حتى ذهبتُ في نهاية المطاف إلى مرقد الإمام عليّ×، فوضعت رأسي على الضريح، وأخذت أناجيه قائلاً: لو جهل الجميع جواب هذه الشبهة فأنا على يقينٍ من أن علمها عندك، وإن الجهد الذي أقوم به إنما هو لإحياء ذكرك في القرآن الكريم؛ لأني شعرتُ بأن حقك قد هُضم، وقد أردتُ أن أعيد الأمور إلى نصابها، فهل من العدل أن تتركني وحدي في مواجهة هذه المشكلة؟! ثم خرجت من الحرم الشريف، وتوجهت إلى البيت، وما أن جلست خلف المنضدة، ونظرت إلى الشبهة، حتّى وجدتُها أوهن من أن تستحق كلّ هذا التفكير الذي استغرق من وقتي أسبوعاً كاملاً([160]).

الهوامش

(*) باحثٌ في حوزة قم العلميّة.

([1]) الصدوق، كتاب التوحيد: 90 ـ 91.

([2]) انظر: بدر الدين الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2: 156 (فصلٌ في أمهات مصادر التفسير)، 2: 153 (فصلٌ آخر في حاجة المفسّر إلى الفهم والتبحر في العلوم).

([3]) انظر: محمود رجبي، روش شناسي تفسير قرآن: 262.

([4]) انظر: المصدر السابق: 261 ـ 262.

([5]) انظر: فصلية (پژوهشهاي قرآني)، العدد 9 ـ 10.

([6]) محمد هادي معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 1: 50 ـ 51، الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، ط4، مشهد المقدسة، 1429هـ.

([7]) انظر: جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، النوع الثامن والسبعون؛ الزركشي، البرهان في علوم القرآن، النوع الحادي والأربعون؛ محمد عبد العظيم الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن؛ الراغب الإصفهاني، مقدمة التفسير.

([8]) انظر: جوادي الآملي، تفسير موضوعي قرآن 1: 74، نقلاً عن: روش شناسي تفسير قرآن: 324.

([9]) لقد عمد الأستاذ معرفت إلى بيان معنى التأويل والتفسير في كتابه التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 1: 21 ـ 22.

([10]) انظر: محمد هادي معرفت، التمهيد إلى علوم القرآن 1: 264.

([11]) انظر: المصدر نفسه.

([12]) انظر: محمد هادي معرفت، التفسير الأثري الجامع 1: 5.

([13]) انظر: محمد هادي معرفت، تفسير ومفسران 1: 526. كما ذكر سماحته عشرة أمثلة من آيات القرآن ضمن ثمانين صفحة من نهاية الجزء الأول من كتابه (تفسير ومفسران)، وبيّن فيها الدور الهام لروايات أهل البيت^ في تفسير هذه الآيات.

([14]) انظر: معرفت، التفسير الأثري الجامع 1: 121.

([15]) إن مصطلح الإسرائيليات وإنْ كان يبدو من لفظه مجموع القصص ذات المصدر اليهودي، بَيْدَ أن له في عُرْف المفسرين والمحدثين معنى ومفهوماً أوسع؛ إذ يشمل جميع الأساطير القديمة التي تسللت عبر الأسلاف إلى التفسير والحديث، أعمّ من أن تكون ذات منشأ يهودي أو مسيحي أو غير ذلك… (انظر: معرفت، تفسير ومفسران 2: 71؛ وانظر في مورد الإسرائيليات أيضاً: محمد علي إيازي، المفسرون حياتهم ومنهجهم 1: 97).

([16]) لقد عمد الأستاذ معرفت إلى التعريف بـ (أبي الجارود) في كتابه (التفسير والمفسرون 1: 397)، قائلاً: كان من خواص الإمام الباقر، ثم الإمام الصادق’. ولمّا نهض زيد ضدّ آل مروان انضمّ إلى أتباعه، وأسّس الفرقة السرحوبية ـ المنشعبة من الزيدية ـ، وترك مصاحبة الإمام، وجاهر بمقابلته، فكان موضع نفرة الإمام×. وقد ضعّفه الفريقان؛ بسبب موقفه المتأرجح وغير الثابت على الطريق المستقيم.

([17]) انظر: تنقيح المقال 1: 460.

([18]) انظر: نقش دانش رجال در تفسير وعلوم قرآن: 207.

([19]) انظر: معرفت، تفسير ومفسران 2: 22 ـ 136.

([20]) انظر: معرفت، التفسير الأثري الجامع 1: 130 ـ 176.

([21]) انظر: المصدر السابق 1: 247.

([22]) انظر: المصدر السابق 1: 234 ـ 247.

([23]) معرفت، التمهيد في علوم القرآن 1: 245.

([24]) في الكافي: (ما وافق كتاب الله فهو حقٌّ، وما خالفه فهو الباطل). الكليني، الكافي 1: 69، باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب.

([25]) معرفت، التفسير الأثري الجامع 1: 219.

([26]) معرفت، التمهيد إلى علوم القرآن 1: 50 ـ 51.

([27]) انظر: المصدر السابق: 51.

([28]) انظر على سبيل المثال: المصدر السابق 3: 441 ـ 442، في معرض الحديث عن الآيتين 37 ـ 38 من سورة الأحزاب.

([29]) انظر: المصدر السابق 3: 130 ـ 137.

([30]) انظر: معرفت، تفسير ومفسران 1: 446 ـ 447.

([31]) انظر: المصدر السابق: 176 ـ 186.

([32]) محاضرةٌ ألقاها الشيخ الأستاذ معرفت في مؤتمر علمي في موضوع معرفة المنهج التفسيري للنبي الأكرم‘، مجلة طلوع، السنة الخامسة، العدد 20: 177 ـ 188.

([33]) انظر: محمد هادي معرفت، علوم قرآني: 7.

([34]) انظر: المصدر السابق: 265 ـ 267.

([35]) انظر: معرفت، التمهيد في علوم القرآن 2: 296.

([36]) انظر: المصدر السابق 3: 15.

([37]) انظر: معرفت، علوم قرآني: 8.

([38]) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 4: 213.

([39]) حيث استغرق هذا البحث ما يقرب من ثلاثين صفحة (25 ـ 53)، انظر: التمهيد في علوم القرآن، ج5.

([40]) معرفت، التمهيد في علوم القرآن 5: 33.

([41]) حيث يعتبر الشعر الجاهلي وآيات القرآن الكريم من أهمّ المصادر اللغوية للمفسّر.

([42]) انظر: معرفت، التمهيد في علوم القرآن 3: 126.

([43]) المصدر السابق 3: 97.

([44]) انظر: المصدر نفسه.

([45]) انظر: المصدر السابق 3: 459.

([46]) مصطفى الخميني، تفسير القرآن الكريم 1: 71.

([47]) انظر: محمد كاظم الخراساني، كفاية الأصول: 40 ـ 41.

([48]) انظر على سبيل المثال: مفاتيح الأصول: 571.

([49]) مصطفى الخميني، تحريرات في الأصول 1: 37.

([50]) انظر: محمود رجبي، روش شناسي تفسير قرآن: 340.

([51]) محمود الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 1: 6. نقلاً عن: محمود رجبي، روش شناسي تفسير قرآن: 340.

([52]) انظر: السيوطي، البهجة المرضية، باب التصريف.

([53]) انظر: المصدر نفسه.

([54]) انظر: همع الهوامع 3: 407 ـ 487.

([55]) الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 1: 6 ـ 7.

([56]) من قبيل ما في: 7: 106، الرعد: 11؛ 7: 175، إبراهيم: 3؛ 8: 78 ـ 79، الإسراء: 41؛ 6: 423، يوسف: 32.

([57]) من قبيل ما في: 14: 120، الرحمن: 63؛ 4: 184، الأنعام: 74.

([58]) من قبيل ما في: 2: 355، آل عمران: 182، إبراهيم: 37، الأنبياء: 30.

([59]) من قبيل ما في: 7: 106، الرعد: 11.

([60]) جلال الدين السيوطي، التحبير في علم التفسير: 541.

([61]) انظر: معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 1: 56.

([62]) معرفت، التمهيد في علوم القرآن 5: 44.

([63]) انظر: الرضي، شرح الشافية: 110.

([64]) معرفت، التمهيد في علوم القرآن 5: 89.

([65]) انظر: ابن هشام الأنصاري، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 2: 433 ـ 450.

([66]) قال سماحته ذات يومٍ، في لحظة انبهار تلاميذه بدقّته الأدبية: إنه عضو في أحد المعاهد الثقافية والأدبية في العالم العربي.

([67]) محمد هادي معرفت، التمهيد في علوم القرآن 3: 148 ـ 149.

([68]) المصدر السابق: 149. ولكنْ يمكن للمجسِّم أن يردّ على هذا الكلام بأن الله جسم، لا كسائر الأجسام، فقد يكون له عين جارحة واحدة، أو أكثر من عينين، استناداً إلى هذه الآيات. فلا يكون الإشكال الأخير من قبل سماحته وارداً. (المعرِّب).

([69]) انظر: النحو الوافي 2: 442، المعنى الثالث عشر لـ (اللام).

([70]) نهج البلاغة، قصار الكلم، الحكمة رقم 132.

([71]) انظر: معرفت، التمهيد في علوم القرآن 3: 194.

([72]) انظر مثلاً: المصدر السابق 3: 41، 43، 44.

([73]) انظر: المصدر السابق 5: 83، 94 ـ 95.

([74]) انظر: سعد الدين التفتازاني، شرح مختصر المعاني: 10.

([75]) من قبيل: المشاكلة، والإيهام، وإيهام التناسب، والالتفات، والاستخدام، وما إلى ذلك.

([76]) معرفت، التفسير المفسرون في ثوبه القشيب 1: 97 ـ 98.

([77]) انظر: معرفت، التمهيد في علوم القرآن، ج5.

([78]) المصدر السابق 5: 56 ـ 57.

([79]) ويؤيِّد ذلك قوله تعالى: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾ (آل عمران: 181).

([80]) معرفت، التمهيد في علوم القرآن 3: 149.

([81]) المصدر السابق 3: 146.

([82]) انظر: التفتازاني، شرح مختصر المعاني، باب القصر: 115.

([83]) انظر: التحبير: 52. وانظر أيضاً: الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 1: 6 ـ 7.

([84]) محمود رجبي، روش شناسي تفسير قرآن: 335 ـ 348.

([85]) انظر: معرفت، التمهيد في علوم القرآن 5: 593 ـ 604.

([86]) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 4: 214.

([87]) كما يحصل ذلك بالنسبة إلى المحسِّنات اللفظية، حيث يتصرّف المتكلم في الشؤون المختلفة للفظ، ليخلق بذلك أنواع من الجمالية اللفظية.

([88]) محمد بن محمد الزمخشري، الكشّاف عن حقائق غوامض التنـزيل 4: 143.

([89]) انظر: السيوطي، التحبير في علم التفسير: 490.

([90]) انظر: مجلة معرفت الفصلية، العدد 24، أحمد واعظي.

([91]) إن المحسنات المعنوية وعلم البيان يسعيان كلاهما إلى دراسة الحركات والنشاط الذهني للمتكلم قبل التكلم.

([92]) انظر: أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة: 310.

([93]) إذا كان مراد الزركشي من هذه العبارة، هي تلك الواردة في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ (فصِّلت: 28) فهي إنما تتحدّث عن أهل النار، دون أصحاب الجنة؛ وإذا كان يريد بها آيةً أخرى تتحدّث عن أصحاب الجنة مشتملة على هذه العبارة فهو ما لم نعثر عليه في القرآن الكريم.

([94]) الزركشي، البرهان في علوم القرآن 3: 448.

([95]) انظر: الهاشمي، جواهر البلاغة: 321.

([96]) انظر: المصدر السابق: 321.

([97]) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 17: 112.

([98]) انظر: محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 1: 80.

([99]) انظر: الهاشمي، جواهر البلاغة: 322.

([100]) انظر: المصدر السابق: 311.

([101]) انظر: معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 1: 57.

([102]) المصدر السابق 1: 157 ـ 158.

([103]) انظر: محمود رجبي، روش شناسي تفسير قرآن: 365.

([104]) معرفت، التمهيد في علوم القرآن 5: 183.

([105]) المصدر نفسه.

([106]) المصدر السابق 5: 184. ومن الواضح أن هذا الرأي الفقهي الذي ذهب إليه الأستاذ معرفت يخالف الرأي المشهور، ولم ينسب مثل هذا الرأي إلى الملا محسن، المعروف بـ (الفيض الكاشاني). وقد ذكر سماحته رأي الفيض في سياق بحثه أيضاً.

([107]) انظر: مجلة بينات الفصلية، العدد 4، السنة الحادية عشرة، (عددٌ خاصّ بتكريم معرفت).

([108]) محمد مهدي مسعودي، مقال بعنوان (گستره مباحث فقهي قرآن)، مجلة پژوهشهاي قرآني، العدد 9.

([109]) انظر: الحر العاملي، وسائل الشيعة 28: 353.

([110]) انظر: دانش نامه قرآن وقرآن پژوهي: 10.

([111]) انظر: مجلة بينات، العدد 4، السنة الحادية عشرة.

([112]) انظر: مجلة پژوهشهاي قرآني، العددان 11 ـ 12: 311.

([113]) انظر: مجلة بينات، العدد 4، السنة الحادية عشرة.

([114]) انظر: معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 2: 228 ـ 229.

([115]) محمد كاظم الخراساني، كفاية الأصول: 19.

([116]) إن هذا التقسيم الرباعي لمباحث علم الأصول هو من ابتكارات الشيخ الأصفهاني وتلميذه صاحب القلم المبدع الشيخ المظفَّر.

([117]) انظر: محمد رضا المظفر، أصول الفقه 1: 22.

([118]) انظر: مجلة بينات الفصلية، العدد الخاصّ بتغطية المعرض الثالث للقرآن الكريم، مقال: (شناخت زبان قرآن).

([119]) انظر: السيد أبو القاسم الخوئي محاضرات في أصول الفقه 1: 51.

([120]) معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 1: 98 ـ 99.

([121]) يعتبر تخصيص وتقييد الكتاب بالسنة القطعية (من قبيل: الخبر المتواتر) من المسلَّمات، أما خبر الواحد فوقع الاختلاف فيه؛ وقد ذهب مشهور فقهاء أهل السنة إلى عدم تخصيص عمومات الكتاب بخبر الواحد؛ وفي المقابل ذهب مشهور الإمامية إلى جواز تخصيص عمومات الكتاب بخبر الواحد. (انظر: المحقق الداماد، أصول الفقه (الكتاب الثاني): 85 ـ 87).

([122]) انظر: المظفر، أصول الفقه 1: 156 ـ 158.

([123]) معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 1: 171.

([124]) معرفت، التمهيد في علوم القرآن 3: 103.

([125]) انظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2: 6.

([126]) انظر: معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 1: 55 ـ 59.

([127]) انظر: محمود رجبي، روش شناسي تفسير قرآن: 370.

([128]) معرفت، التمهيد في علوم القرآن 3: 147.

([129]) انظر: صحيح البخاري 2: 78.

([130]) معرفت، التمهيد في علوم القرآن 1: 249.

([131]) انظر: شرح المواقف 1: 34.

([132]) انظر: مقدمة تفسير الراغب الأصفهاني: 97.

([133]) انظر: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 4: 215.

([134]) انظر: معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 1: 57.

([135]) انظر: محمود رجبي، روش شناسي تفسير قرآن: 361 ـ 362.

([136]) إن أشهر تعريف لقاعدة اللطف هو التعريف القائل: «إن اللطف عبارةٌ عمّا يقرّب المكلَّف إلى الطاعة، ويبعده عن المعصية». انظر: جعفر السبحاني، تلخيص محاضرات في الإلهيات: 258.

([137]) معرفت، التمهيد في علوم القرآن 3: 36.

([138]) المصدر السابق 3: 127 ـ 128.

([139]) المصدر السابق 3: 162 ـ 163.

([140]) انظر: المصدر السابق: 163 ـ 167.

([141]) الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2: 25.

([142]) انظر: محمود رجبي، روش شناسي تفسير قرآن: 367.

([143]) انظر: معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 6 ـ 7، 13.

([144]) انظر: المصدر السابق: 368.

([145]) وقد عدّ الأستاذ معرفت من بين هؤلاء المحققين: بدر الدين الزركشي، والشرقاوي، والشهيد الصدر. (انظر: معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 2: 457 ـ 458).

([146]) انظر: معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 2: 249.

([147]) ومن بينها: التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 1: 408.

([148]) انظر: محمود رجبي، روش شناسي تفسير قرآن: 369.

([149]) انظر: مجلة بينات الفصلية، العدد 4، السنة الحادية عشرة، (عددٌ خاصّ بتكريم معرفت).

([150]) محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، الكشاف عن حقائق التنـزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل 2: 64.

([151]) انظر: تقريب القرآن إلى الأذهان 2: 127.

([152]) انظر: معرفت، تفسير ومفسران 2: 452 ـ 453.

([153]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 3: 66.

([154]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 40: 128.

([155]) المصدر السابق 89: 45.

([156]) الفيض الكاشاني، تفسير الصافي 1: 36.

([157]) انظر: محمود رجبي، روش شناسي تفسير قرآن: 376.

([158]) معرفت، تفسير ومفسران 2: 378.

([159]) انظر: محمود رجبي، روش شناسي تفسير قرآن: 376.

([160]) كلمة الشيخ الأستاذ معرفت في المؤتمر الذي أقيم تكريماً له.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً